فيسبوك تويتر RSS


  #1  
قديم September 15, 2009, 06:06 PM
 
Cup تودة

تودة
قصة امرأة،أم،مسؤولة على أبويها وابنتها.تقطن تودة بشقة سفلية أرضية ومظلمة نوعا ما.حتى الحي السكني والدرب فهو مكتظ وضيق.حتى إن ممر المياه العادمة مكشوف،عبارة عن مجرى متاح للشم والرؤية بالسمع والبصر. يذ كر هذا الوصف بما علق عليه احدهم:
الحمد لله،فمدننا المغربية معبرة عن كامل الشفافية والوضوح.كل شيء أمام الملا.
وبالمناسبة، فقد تزامن الحوار مع هذا الصديق مع شعار الحكومة السياسي المنبني على الشفافية والوضوح،حتى يضمن ثقة الناخب في المرشح، وفي ائتمانه على المال العام والمصلحة العامة والتسيير والتدبير....وطي صفحة لعقود من العبث بالمصالح والأموال العامة، ويكفي ذكر أن قدر ما نهب من المال العام يفوق حجم الديون الخارجية لبلدنا المغرب تجاه البنوك الدولية...
تودة،امرأة في الخامس والعشرين من عمرها.تنحدر من قرية جبلية، تزوجت صغيرة في سن السابعة عشر، أنجبت في سن الثامنة عشر.. الآن،ابنتها قد ولجت المدرسة.. أبوها،مقعد في المنزل بسبب المرض وضعف الجهد.. فقد تراكم الشقاء على محن الحياة وغدر المحيط واستغلال الآخرين لجهده وثقته... يحتاج كل مرة إلى كشف طبي ودواء.. وبحسب الحال المالي،يخضع للعلاج أو الصبر والشفاء بإرادة البقاء ومقاومة الألم.. فليتذمر ما يتذمر بالداخل من خلايا وأعضاء، المهم هو البقاء على قيد الحياة، وهذا اضعف الإيمان.
أم تودة، جسد نحيف وصلب صلابة الصخور الجبلية المحيطة بقريتهم والمواجهة للرياح الباردة والصقيع وأشعة الشمس القوية... هي التي تهتم بزوجها المقعد في زاوية من البيت، وهي الأم المباشرة يوميا للطفلة الصغيرة في نظافتها ولباسها ولعبها ودراستها في الروض ثم في المدرسة... مادامت تودة في الغالب تأتي في الصباح الباكر، أو في وقت متأخر من الليل.
كان طلاق تودة حلا مع زوج مدمن على الماحيا،عاطل عن العمل،متمرد على الحياة الأسرية.عاينت تودة حلول الفقراء والضعفاء للخروج من الحرمان والتشرد ولتوفير ضروريات العيش، ادني متطلبات الكرامة الإنسانية: مسكن ملبس مأكل مشرب.
قاومت في البداية إغراء النساء المتخصصات في الوساطة الجنسية، وتوفير أماكن الرغبة والشهوة لكل طالب لها. وهذه تجارة وطريق كسب عيش يعيش منها الكثير داخل مجتمعنا. فالضرورة تبيح المحظور والممنوع...
كأم قاومت غيرة المرأة التي بداخلها ، والتي تجد في قريناتها اللباس الجديد، والقفة الممتلئة أسبوعيا في السوق بالخضر والفواكه واللحوم... واقتناء بعض الأساور الذهبية.. وتلك لعبة نسوية...
كانت تودة صامدة صمود أمها، وصمود الأحجار المقاومة لبرودة الثلوج فوق الجبال،وحرارة الشمس التي ترغم اكبر المخلوقات مقاومة للحرارة على الاختباء منها او البحث عن ظل يقي من لهيبها... كما قال احد الأصدقاء مازحا: بلاد الحنش سخفان والطير عدمان. أي لا يستطيع الطائر التحليق في سمائها.. فكيف للإنسان..
كانت الصدمة لما وفر الزوج الفاني الهمة نقودا، لما اشترى فواكه ولحوما وقنينات خمر.. وقضى ليلتين في إحدى بيوت بائعات الهوى مستقبلات كل صيد ثمين.. والتي تعلف عنهن تودة كل شيء ، مادام اللقاء الأسبوعي في السوق أو في الحمام أو في باب المنزل والحي.. مادام النسيج المجتمعي متداخلا في العلاقات والجوارات...
كيف يعقل للحرمان أن يبقى صامتا أمام هذا البهتان والإسراف والخيانة...؟ كيف يكون جزاء الصبر هو الدبر كما يقول مثلنا العامي المغربي...؟ انفجر الصخر الصلب، دوى صراخا وانهمر دموعا، بكل ما أوتي من قوة داخلية أراد تفريغ غضبه ضربا ولكما وقمشا واشهادا للعموم على ما لا يقدر انس ولا جان الصبر عليه... لم يعد جسدها يعرف شعورا بالألم، رغم اللكمات والركلات القوية التي وجهها لها زوجها .. كانت معركة الموت والحياة... بقيت الطفلة في زاوية من البيت صامتة،شاهدة على لون الحياة الرمادي المنحبس دموعا متحجرة في عينيها تحجر أمها وجدتها...
مارس الزوج رجولته التاريخية، بعد أن انتحر طبقيا لليلتين، شعر بأهمية قراره وقدرته على تبديل حاله،متوهما السيادة، بينما هو هارب من واقع مُزر إلى جحيم مجهول وبديل معدوم.. اقسم بتطليق زوجته وعدم الرجوع إليها والإتيان بمولاتها.. طبعا لا زال نعيم السهرة والشهوة مدفئا جسده وفكره ولسانه... لم يعد يحتمل هذه العيشة الضنكى:
أنت طالق،محرمة علي، غدا نمشي للمحكمة...
انهارت القوى، انقلب التمرد على الخيانة لطما على الخدود وقعودا ملازما لامنا الأرض وببكاء طفل صغير... جمهور الحي يتابع إحدى مسرحيات هذا المجتمع الممثل الكبير..
ذهب الزوج ولم يعد. لا هي طالقة مطلقة، ولا هي زوجة مستقرة.انغرس الجرح على الجرح على الجرح على الجروح إلى ما لا نهاية... ازدادت مواساة المحيط، إغراءات الوساطة، ضرورة توفير لقمة العيش.جاء الأبوان للمؤازرة. أب مريض ومسن، وأم مسكينة أمية صامتة.. أصبح الذي يحتاج للمؤازرة مسؤولا عن واقع توفير هذه المؤازرة...بدأت تنقضي بعض مساعدات الجيران وكذا الوسيطات والطامعين في هذا الجسد الذي أهمل نعومة شبابه وحسنه والذي يكون شهيا بمجرد طلاقه... هكذا ثقافتنا الاجتماعية على ضوء التاريخ. وهنا تنفع هذه العناوين.
كيف للصخر أن يذوب ويصهر؟ لكن تودة إنسان له قوته وضعفه.اختلط عندها كل شيء إلا الجنون.فعقلها صامد أمام اسوداد الجفون. إرادتها في الصمود ترجمة للحفاظ على أبويها وطفلتها.
ذاب الصخر وانصهر. هدا البركان، فوجد بنية نفسية جديدة ووضعية جديدة وتعايشا مع الحال. لا صنعة لها ولا حرفة ولا تجارة، لا تعلم ولا نفقة.. هي المسؤولة إذا على هذه الأسرة الجديدة:
أنت الآن يا تودة هجالة، لا لوم عليك إذا ذهبت مع من يعطيك بم تنفقين به على أسرتك.
صوتك جميل، كم أشعرتنا وأطربتنا، ولا رقصتك، فإنها تهز كيان النساء قبل الرجال...
حتى نظرات الرجال تغيرت. أصبحت التحية بالعيون الجاحظة المبتسمة، وأصبحت الهدية للطفلة الصغيرة كلما مرت مع أمها بجانب دكان أو بائع خضر.. الفت الاعتبار الجديد من طرف المحيط، ذوب فيها العناد.ذاب الصخر، ارتمت تودة في واقع جديد فرض عليها بيع الجسد والرقص والغناء..أخذت مكانة اجتماعية جديدة ... أصبح الاهتمام بتودة واحترام من نوع خاص لتودة...
استطاعت ضمان تمدرس ابنتها، وأدوية أبيها، ونقود لامها المسيرة للبيت الجديد.. كاتمة أسرار تودة ومضمدة جراحها القديمة والجديدة..
لا زال حكي تودة مستمرا.فهي ليست شهرزاد التي أكفاها عدد الألف ليلة وليلة كما في الحكاية، لتخرج من جحيمها وتجد مخلصها. جحيم تودة عُمر و دهر بأكمله مستمر،منتقل من جيل إلى جيل حيث يعشش الحرمان والاستغلال والفقر والجهل وإهانة الكرامة والبيع في سوق النخاسة والنجاسة.سبحان الله ، نقطة فوق الحاء أو تحتها تعطي المعاني المناسبة لسوق جحيم تودة الفريسة المنسية في الالتهام والافتراس عبر تاريخنا الطويل. مشاهدتكم طيبة.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أيهما افضل تحب او تنحب ؟؟؟ lovebeam كلام من القلب للقلب 74 November 1, 2008 11:53 AM


الساعة الآن 07:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر