فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > روايات و قصص منشورة ومنقولة

روايات و قصص منشورة ومنقولة تحميل روايات و قصص منوعة لمجموعة مميزة من الكتاب و الكاتبات المنشورة إلكترونيا



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم September 11, 2009, 03:33 AM
 
Lightbulb فك رقبة

فك رقبة
أو رقصة زوربا
قصة قصيرة

- محححكمة !
- هكذا زعق الرجل البدين القصير الأبطن والذي لو رأيته كأنما صر في بطنه شيئا منتفخا، تماما كما الكرة.
الرجل البدين القصيرالمعقوف الأنف ،غرق رأسه الأصلع الضخم، بين كتفيه وجحظت عيناه.
اعتلت هيئة المحكمة المنصة في هيبة ووقار. استوت في جلستها .
ساد أرجاء المحكمة صمت رهيب.
السادة المستشارون، يتهامسون وقد ستروا وجوههم خلف ملفات، قد تكون في غاية الأهمية وقد تكون تافهة.
افتتحت الجلسة باسم الله والحقيقة.
في هذه اللحظة بالذات، لم أتبين سبب مجيئي إلى هنا، ولا حتى كيف وصلت إلى هنا، ولا حتى كيف ولجت هذه الأبواب الكبيرة، التي عادة ما ترهبني.لملمت شتات أفكاري علي أتوصل إلى ما يفيد قدومي هنا، فما اهتديت لذلك سبيلا. تفرست الوجوه..غاية في الغرابة.قد أكون أنا الغريب القادم لهؤلاء الغرباء.
صاح الذي يصر شيئا في بطنه:
- صااااالح بالفقيه!
- غائب
وتوالت النداءات كما يحدث ذات صباحات غير عادية بساحة ثكنة عسكرية، وأنا مازلت، كما ترون، متورطا في اقتحامي لهذه القاعة، قاعة المخزن.اصطف المحامون ينقضون على الملفات "السندوتشات" كالغربان الضالة.مرافعات غريبة،سجالات أغرب ،شهود، متهمون، ملفات، تأجيلات، مداولات.تهم ملفقة في واضحة النهار..
- سيدي أنا اقترفتها والمحامي يدعوني لمواصلة الإنكار، والصعود للجبل، ولا أدري أي جبل يقصد. ضحكات همهمات.الرئيس ذو الأنف المحدودب، الذي يشبه الغراب، يضرب بقبضة مطرقته البلورية على المنصة.الرجل البدين يتأهب بحزم وقسوة للانقضاض علي. يكشر في وجوه الجالسين والواقفين.
في هذه المحكمة "شي گار، شي ناكر، شي ظالم، شي مظلوم شي تالف بحالي" .
فكرت مليا ،مالي وما للمحكمة وما لهذه القاعة، كيف جئت إلى هنا ؟وأنا الذي ما سرقت يوما قمحة ولا قتلت نملة ولا دخلت مركز البوليس مرة.
قد يكون هناك محام من هؤلاء الغربان ينوب عني ، ولكن ما مشكلتي أنا ؟ وما الدافع أن أحشر أنفي ورجلي بين هؤلاء المتهمين من مغتصبي الحقوق إلى مغتصبي الأطفال إلى المطالبين بالحقوق المدنية. ما قصتي وقضيتي؟. حقيقة حاولت استجلاء الأمر لكن اجتهاداتي باءت بالفشل. عليّ بالمغادرة قبل أن يحين دوري ويحصل لاقدر الله ما لا نتمناه
- مار أيك أنت عزيزي القارئ ؟
- ربما أنا من سجل باسم الغائب أليس كذلك ؟
- ممكن.
- ،ولكن أنا لست ذاك "الصالح بالفقيه".
في غفلة مني أو غفوة منهم لست أدري، ألفيت القاعة ساكنة،خاوية على كراسيها.التفت يمنة ويسرة ،تفقدت نفسي وجدتني وحدي .وقفت لأول مرة عاودت الالتفات من حولي، وجدتني أنا والباقي الله.تهيبت من سكون الصمت الرهيب .تنحنحت، تأكدت من خلو المكان، من الرجل البدين القصير الذي يصر كرة في بطنه وعيناه جاحظتان.خطوة خطوتان إلى الأمام، وها أنذا أعتلي المنصة في شموخ. نعم هو أنا الذي قبل قليل كاد قلبي أن يقفز من حنجرتي مع كل ضربة مطرقة، ومع كل نداء أو نظرة توعد وتهديد ووعيد من طرف الرجل السمين.
- باسم الله والحقيقة أفتتح الجلسة وليتقدم المتهم الرئيسي.
-حاضر سيدي القاضي
- اسمك؟
-منتظر حتفه
- هذا اسم أو لقب أو عندكم زفت، اسم غريب لصفة غريبة ما معنى هذا؟
أنت متهم بإدخالي إلى قاعة المحكمة مع سبق الإصرار والترصد .لماذا ؟ وكيف ؟
- مهنتك؟ ودقق في جوابك بخصوص هاته.
- مهنتي اختصرها في قلبي ..هو دواتي و... قلمي ولكن ..
- وأية لكن هي تقصد؟ أتدري أنك سقتني اليوم لرحاب هذه القاعة دونما استشارتي وانسحبت دون أن تترك حتى استدعاء الحضور. كدت أن أكون الليلة ضمن من سيقوا مكبلين إلى السجن طبقا لمبدأ الأمر بالاعتقال من داخل ردهات المحكمة وبقوة القانون ، كأن تكون تهمتي مثلا، غرابة تواجدي بين هؤلاء الأغراب الغرباء الغربان.أو الانتماء إلى صنف من الشخوص المتمردة ،التي شقت عصا طاعة ناصبي الشماسي والمظلات.
- كيف أدخلتني بل تقيأتني وانسحبت ؟. كيف تورطني عنوة وتنسحب في غفلة مني؟ ..أعرف مكرك ودهاءك.

- ما خلقت إلا لهذا التورط والتوريط في الحكي حتى السجن .
- اخرس أيها ال... أنا الذي اسأل.
- ........
- هل من دفاع؟
- أدافع عن نفسي.
- غير قانوني، لابد لك- في إطار الإنابة القضائية- من دفاع، وحيث أني وحدي هنا فسأقوم بالواجب نيابة عنك.
- لك الأمر والنهي مادامت تهمتي أني تخليت عنك في ظروف أقل ما يقال عنها أنها ،غامضة ،كادت ان تعبد لك الطريق لغياهب السجن.
- توالى الصعود والنزول...بحث في ملفات وهمية، صياح.
._هذه نصوص موقعة باسمك على بياض أيام سنوات البلوط.
- مار أيك؟
- أي بلوط؟
- اخرس ! ودعني أقول لك :دعك من هذه البلية ،وسرح رجليك على مقاس غطائك وحصيرك.
أصوات غريبة تأتي عبر مكبر للصوت ،فككت بصعوبة بالغة شفرتها إلى لغتي الأم ،تطلب مني الانسحاب أو أطلب تنفيذ رغبتي الأخيرة قبل أن ينفذ في حقي حكم الإعدام غيابيا.
-ألم أقل لك ؟ قانون حمو رابي!!!
استحالت القاعة ساحة فسيحة نصبت فيها المشانق بالجملة:كل أنواع المشانق التي عرفها تاريخ البشرية، بدءا من قطع حبال الشيح والدوم والخرق البالية ،إلى أفظع مشانق التاتار والمغول ومشانق السلطان ناصر محمد ابن قالوون وبيبرس " وبوبريص" ومشانق الحروب الصليبية الرهيبة ومشانق أفلام الويستيرن وأشهر مقصلة في التاريخ لأشهرملكة.
انتصبت أمامي كل مشانق الأرض (ومغاربها) من مقصلة ماري أنطوانيت إلى آخر غصن بشجرة مثمرة أو موحشة في أقصى نقطة موحشة من هذا البلد القصي إلى آخر حبال الموضة المصنوعة بلندن خصيصا للمشانق العربية.
- خبر عاجل
- «علم لدينا من مصادر موثوقة أن الحكومة البريطانية تخلت عن صنع هذه الحبال الوديعة التي لاتتقطع و لا تتسبب في إدماء رقاب المشنوقين قبل التوديع.لذا فالدول العربية تتهافت للفوز بصفقة الترخيص لصناعة حبال المشانق والتي لامحالة ستصبح بهذا ذائعة الصيت في مجال الشنق والخنق وقد يكون هذا السبق ربما فتحا لها لتتبوأ مقعدا(من النار) ضمن الخمسة الكبار». انتهى.
ولكن لم ؟ولمن كل هذه المشانق المدلاة من السقف؟ لي أنا وحدي؟ وكأنني رأس الغول أو ذو القرنين أو مخلوق عجائبي بآلاف الرؤوس.كلهم تآمروا على قتلي، وأنا، قسما بمواقع النجوم ، لن ولن أنسحب، وسأعض على الحبال المزعجة بالنواجذ ، فقط ،لأعرف ذاتي أكثر، قبل أن ينفلت مني سجن نفسي ووسوا سي الذي طالما اقتات من طاقتي وحد من حيويتي .
صعدت المنصة، اعتليت المنصة، وهناك، تنصلت من عضويتي في رئاسة هيئة المحكمة والمحاكمة. تفجرت طاقتي الخلاقة بل موهبتي، بل مهارتي الاحترافية في الرقص، بعدما أدركت فداحة بلاغة حركات جسدي على المنصة الشرفية. دون أن أصر مؤخرتي، طاوعني جسدي، رقصت طويلا طويلا تماما، كما زوربا الإغريقي، فبدوت كراقصة " سوسية" مشحونة بطاقة كهربائية عالية الضغط والتوتر بل غدوت كسمكة سجينة نطت للتو من سلة صياد مغفل أو أضناه الصبر وأقلقه البلل والانتظار . اشتعلت فيّ النار دون وقود، فاحت من جلدي رائحة "الملح" إيه والله رائحة الملح. كدت أن أغني كدت أصيح كدت أعوي كدت أبكي كدت أصهل، كدت أن أصاب بالسعار، حتى أحسست، رغم أنفي، بلذة جامحة تدعوني لزيارة دورة المياه .اهتزت القاعة بالضحك وارتجت الأبواب الصنوبرية الثقيلة مزمجرة بلا سبب.دقت الطبول وقرعت الصنوج .
كان ما يشبه هتافات الجماهير، بالنسبة لي، وتصفيقاتهم المتواصلة، موسيقى "غيوانية" " ﮔناوية" صاخبة حفزتني على" الجدبة" على المضي في الرقص على نفس الإيقاع بل أسرع وأدق من زوربا، مرددا بصوت جهوري عال مع الجمهور،" يا آهل الحال يااهل الحال امتا يصفى الحال .يا آهل الحال يااهل الحال امتا يصفى الحال" . وبما أني من أولئك "الشطار" الأذكياء، ولما أحسست أن المنصة طفقت تنسحب من تحتي وداهمني الخطر من أسفل، وحتى لا تتلقفني حبال المشانق المشتبكة المتأهبة لاقتناصي والفتك بي ويتلقفني فم الموت، وبكل ما يلزم من الحيطة والحذر ،عانقت الروح الجسدَ ،وقفزت في اللحظة الحاسمة ،بكل قواي حتى انتثرت كؤوس الشاي والصينية التي أعدتها والدتي المسكينة ، بعناية، هذا الصباح ،منتظرة استيقاظي على مهل .

__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم September 13, 2009, 03:49 PM
 
رد: فك رقبة

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع



الساعة الآن 08:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر