فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > اقسام الحياة العامه > مقالات الكُتّاب

مقالات الكُتّاب مقالات وكتابات من الجرائد اليوميه و المجلات.



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم July 4, 2009, 02:52 AM
 
Email التاريخ

السبت27 يونيو 2009م , 4 رجب 1430 ه




محمد يوسف عدس

كتبت عدداً من المقالات عن منظومة الاقتصاد العالمية القائمة على القروض والفوائد.. ونبهت إلى خطورة استسلام الدول النامية لسياسات الصندوق والبنك الدوليين.. وكشفت عن فشل مشروعات التنمية في العالم الثالث بسبب هذه السياسات الخطرة على الأمن الوطني والغذائي.. وبيّنتُ أن ديون العالم الثالث يجب إلغاؤها لأنها غير شرعية.. ثم تناولت موضوع الشركات الكبرى في عدد آخر من المقالات وصفت فيها بشيء من التفصيل سباقها المحموم نحو الثروة والسلطة.. غير عابئة بمن تكتسحه في طريقها من ملايين الضحايا من البشر.. تسحقهم تحت أقدامها وتلقي بهم في مستنقعات الفقر والمرض والعبودية.. ونبهت في آخر مقالة لي بعنوان " عصر الشركات الكبرى والحكومات الهزيلة " إلى خطورة هذه الشركات التي دخلت بلادنا عن طريق خصخصة القطاع العام ومن خلال وكلائها في المنظومة السياسية الاقتصادية الحاكمة.. حيث أشرت إلى أن هذه الشركات في زحفها ستأكل الأخضر واليابس.. وتحيل البشر إلى أشباح آدمية في مجتمعات خاضعة لأبشع أنواع العبودية.. وتحت حكومات هزيلة.. تتحوّل فيها الديمقراطيات إلى فاشية ناعمة.. والدكتاتوريات إلى فاشيات غليظة.. حتى يتحسّر الناس على عهود الظلم والاستبداد التي مضت باعتبارها أسعد حالاً من العصور التي ستليها..!

عندما كتبت هذه المقالات ظننت أنني قد أدّيت واجبي.. بوضع المشكلة في بؤرة الوعي العام ولكن يبدو أنني قد تسرعت في تقديري.. فقد تبين لي أن الأمر أعقد بكثير مما ظننت.. وأن هناك مؤشرات تبرز تباعاً من سراديب الظلام إلى العلن.. على المستويين المحلي والعالمي.. فمن المستوى المحلي أشير إلى واقعتين قد لا يلتفت النظر كثيراً إليهما.. ولكني أرى فيهما دلالات تنبّأ بما ينبغي أن نتوقعه في المستقبل القريب:

الواقعة الأولى صدرت على شكل تصريح عابر من جهة ما محسوبة على النظام السياسي يقول:" إن عدم العدالة في توزيع الثروة أفضل من العدالة في توزيع البؤس ".. كلام تبدو عليه الخفة وعدم المبالاة بأوجاع البشر وتعاسة الكادحين وهم الغالبية العظمى من الشعب.. كلام يمكن أن يقال في تفنيده الكثير.. ولكنى أكتفي الآن بعبارة واحدة أقول فيها: لا.. بل العدالة في كل أمر والمساواة هما الميزان الحق.. ولا يصح في شريعة الله ولا في القانون الإنسانيّ المجرد من الهوى أن تنفرد فئة قليلة من المترفين بخيرات الأمة.. وتنأى بنفسها عن تعاسة الأغلبية المحرومة...!! بهذا التصريح غير المسؤول تسقط الأقنعة كما تسقط هالة الشرعية المزعومة...!

وأما الثانية: فهو خبر.. لو كان صحيحاً فإننا نكون أمام نقطة تحوّل مزلزل في سياسة الاستسلام القاتل والتنازلات المهينة للعدو الصهيوني.. لقد أنكرتُ هذا الخبر.. لأنني لم أصدق أن يجرؤ رئيس دولة عربية مسلمة على تهنئة الكيان الصهيوني الغاصب بالعيد الواحد والستين على النكبة العربية الفلسطينية...!!

أما على المستوى العالمي.. فقد تبين لي من قراءات مستفيضة وموثقة أننا لا نواجه مخاطر زحف الشركات العملاقة فحسب.. فهذه الشركات ليست إلا الجزء الصغير الظاهر من جبل الثلج الهائل الغاطس تحت مياه المحيط.. إننا نواجه منظومة أكبر وأشمل هي منظومة التكتلات الاحتكارية.. فيما يسمونه ب (الكارتلاّت) التي يقبض أصحابها على ناصية القوى الثلاثة: المال والاقتصاد والسياسة جميعاً .. وقد كانت هذه الحقيقة ماثلة في ذهني عندما وصفت أوباما بأنه فقاعة كبيرة..

وعندما تحدثت عن كبار السياسيين بأنهم مجرد خيول سباق في إسطبل أصحاب القوة الحقيقية.. لقد كنت أعرف منذ بضعة أعوام أن واحداً منهم على الأقل هو هنري كيسنجر.. وصفه أحد الكتاب صراحة بأنه واحد من خيول السباق في حظيرة روكفلر.. نشأ وترعرع في كنفه.. وأثبت ولاءه وعبقريته في مهام أنتدب إليها في بعض دول أمريكا اللاتينية.. كلها مؤامرات وتدبير انقلابات واغتيالات لرؤساء دول منتخبين.. ثم فُرض على الرئيس نيكسون ليقوم بمهام دبلوماسية أكبر لدى الصين والاتحاد السوفييتي.. وقد نجح فيها واكتسب عليها شهرة عالمية.. وكان ذلك كله جزء من خطة لتوسيع مجال هيمنة قوى الاستغلال للكارتلات العالمية...

هذه إذن بعض مؤشرات عارضة على نوع الموضوع الذي سنتحدث عنه.. وقد كانت مادته حاضرة جاهزة أمامي لمدة عام كامل.. ولكنني كنت شديد التردد في أن أتطرّق إليه.. لأسباب عديدة منها صعوبة الموضوع وصعوبة تصديق ما ينطوي عليه من حقائق غير مألوفة.. ولأن معظم أصدقائي لم يشجعني على الكتابة فيه.. بينما عدد قليل جداً كان يستحثني ويسألني متى ستبدأ الكتابة في هذا الموضوع..؟

الاحتكار في الصناعات الدوائية:

كنت أقرأ تقريراً حديثاً عن الأرباح التي حققتها شركة واحدة من شركات الأدوية في عام واحد هي شركة فايزر.. لا لأن الشركة تهمني ولا حتى الأدوية.. إنما كان يهمني أن أرى حجم الأرباح والأموال التي تجمعها شركة واحدة ضمن مجموعة من الشركات في تكتل احتكاري واحد تجمع ثروات هائلة وتزدهر من استغلال أمراض البشر وتعاستهم.. يقول التقرير: إن شركة فايزر قد حصّلت من مبيعاتها حول العالم في عام واحد ثلاثة وخمسين مليار دولار.. بلغت أرباحها منها أحد عشر مليار دولار... ولكن النقطة الأهم هنا في التقرير هي قول صاحبته (مارسيا آنجل).. وهي باحثة وخبيرة في مجال صناعة الأدوية: " كنت أظن في الأيام الخالية أن شركات الأدوية تُعنى في أبحاثها بتطوير أدويتها لخدمة الإنسانية.. ولكنى اكتشفت أنها معنية فقط بتحقيق مزيد من الأرباح.. ولا تضيف إليها إضافات ذات قيمة.. وإنما تنفق أكثر على برامج تسويق القديم تحت أسماء جديدة.. وتضع عليه أغلفة جذابة.." ثم تتابع فتؤكد ما هو أخطر.. حيث تقول: "كانت الشركات في الماضي تروّج أدوية لمعالجة الأمراض.. أما اليوم فإنها تروّج لأمراض تناسب أدويتها القديمة.."، وأضيف غير مبالغٍ: إن شركات الأدوية لا تأبه بنشر الأمراض في العالم لتوسيع رقعة أسواقها ولتحقيق مزيد من المبيعات ومزيد من الأرباح.. وتستصدر من الحكومات قوانين وتشريعات لتحريم العلاجات البديلة والأدوية البديلة.. وتجريم أصحابها والمروّجين لها.. وتصِمُهم بأنهم مشعوذون ونصّابون.. بينما هي في الحقيقة علاجات ثبت أنها أكثر فاعلية وأرخص ثمناً ومحصّنة من الأضرار الجانبية المهلكة التي تلحقها الأدوية الكيميائية بالجسم البشري والعقل البشري..

ومن أبرز وأشهر الحملات الأمريكية في هذا المجال حملتها الأمنية والإعلامية على استخدام فيتامين( بى17) أو( لاترايل.. وهي مادة نباتية موجودة في الطبيعة بوفرة).. نعمة من نعم الله على مخلوقاته.. في علاج مرض السرطان والسيطرة عليه وعلى آلامه.. حتى في الحالات المتأخرة من المرض.. فقد طُورد أطباء هذا العلاج الرخيص الثمن في أمريكا.. واضطهدوا وحُكم عليهم بالسجن.. وسُحبت منهم رخص العمل.. لحرمانهم من ممارسة مهنة الطب والعلاج.. واستخدم الإعلام المأجور لتلفيق التهم إليهم وتلويث سمعتهم بالأكاذيب والافتراءات.. حتى اضطر بعضهم إلى الهجرة إلى المكسيك لممارسة مهنتهم الطبية في علاج السرطان.. وأصبحت المكسيك مركزاً عالمياً لعلاج السرطان بأدوية بديلة غير علاجات البتر والحرق والتسميم.. وأنا أقصد: الجراحة والأشعة والكيماوي.. أو مثلث الشر الذي تريد شركات الأدوية الأمريكية تثبيت البشرية عليه إلى الأبد.. لأنه علاج باهظ التكاليف وهي تحصد منه بلايين الدولارات.. خصوصاً مع تزايد عدد ضحايا المرض وانتشاره المروّع في العالم كله.. وهي ظاهرة تستحق التأمل والدراسة خصوصاً في مصر.. ذلك لأنني أعتقد أن وراء تفشّي هذا المرض وأمراض أخرى في مصر له أبعاد سياسية ومصالح اقتصادية عميقة الغور.. بل وراءه أيضاً أيديولوجية ضد إنسانية وخطيرة على حياة البشر...

لقد أعلن الرئيس نيكسون في الستينات من القرن العشرين أنه بسبيل شن حملة عالمية كبرى للقضاء على السرطان.. وخصص مئات الملايين من الدولارات للبحث العلمي.. وطنطنت له أجهزة الإعلام.. لا في أمريكا فحسب بل في كل الدنيا.. ولقد مرت السنون.. أكثر من أربعين عاما الآن.. ولم تتقدم الأبحاث في علاج السرطان قيد أنملة.. ولم يظهر علاج واحد جديد ينافس مثلّث الشر الذي أشرت إليه..!!

نعم.. سوف تجد هنا وهناك بعض أبحاث حرة بعيدة عن مراكز الأبحاث الكثيرة الهائلة التي تسيطر عليها كارتلّة الصناعات الدوائية.. ولكن سرعان ما تندثر هذه الأبحاث فلا تجد لها أثراً بعد إعلان نتائجها الأولية.. فشركات الصناعات الدوائية لها بالمرصاد.. بوسائلها المالية والعلمية والحكومية المسخرة في خدمتها.. تقمعها في المهد بالمحاصرة والإجراءات القانونية وشبه القانونية.. أو تشتري براءة الاختراع من أصحابها بسخاء.. ثم تضعها في ظلمات خزائنها فلا ترى النور إلى يوم القيامة.. ولا يزال هناك من الباحثين والمخترعين في هذا المجال على درجة عالية من السذاجة أو حسن الظن.. يعتقدون أن هذه الشركات ما دامت قد أظهرت اهتمامها بالاختراع ومستعدة لدفع مبالغ كبيرة لشرائه فلابد أنها ستقوم بتصنيعه وتسويقه.. لأن صناعة الدواء [في وهْمهم] خدمة إنسانية كبرى تتنافس شركات الأدوية فيه.. هم لم يفهموا أن حكاية المنافسة هذه ليست إلا وهماً في خيالهم..ليس لها أي وجود بين شركات الأدوية ولا في عالم الشركات العالمية كلها بلا استثناء.. فكل هذه الشركات تعمل ضمن منظومات أو تكتّلات احتكارية كونية نسميها ابتداء من الآن لتسهيل التناول [ كارتّلات].. يتحكم فيها حفنة من البشر أو عدد محدود من الأسر تتوارثها جيل بعد جيل...

تقول: ولكن هذا عالم الرأسمالية.. والرأسمالية ترتكز على ركيزتين أساسيتين: المنافسة وحرية السوق أو الحرية التجارية.. وجوابي ببساطة هو: أن هذا مجرد كلام كتب.. يتعلّمه أبناؤنا في جامعاتهم.. ثم يأتون من هناك مبهورين باكتشافاتهم العبقرية التي حصّلوا فيها درجات الدكتوراه.. ونسلّمهم نحن - فرحين بإنجازاتهم العلمية وتفوّقهم في عالم الاقتصاد- وزارات المال والاقتصاد والتنمية.. وبدلاً من أن يحسنوا إدارتها نراهم فقط يتشدّقون بالكلام.. ويزعمون لنا أنهم يملكون الحلول لكل مشاكلنا.. فإذا بهم في مجال التطبيق العملي يبدّدون المال العام ويخربون الاقتصاد ويدخلون التنمية في متاهات نظرية.. ويتحولون إلى كائنات عاجزة حتى عن توفير رغيف نظيف من الخبز يحصل عليه المواطن محدود الدخل بكرامة وبسعر في حدود قدرته ووسعه.. هذا المنتج الأمريكي من أصحاب الدرجات العلمية.. أصحاب المراكز الحاكمة في بلادنا هم الذين يتنافسون على خصخصة ممتلكات الأمة لتباع للأجنبيّ بأبخس الأثمان.. وهم الذين يروجون لشعارات العولمة وحرية التجارة.. وهذا هو دورهم الحقيقي (علموا أو جهلوا) لتسهيل مهمة الشركات العملاقة في اختراق اقتصادنا والسطو على ممتلكات الأمة وثرواتها وإرادتها.. وهم في كل حال لا يكفّون عن فلسفة تجاربهم الفاشلة الخرقاء.. والثرثرة حول برامج الإصلاح المالي والاقتصادي التي لا بد أن تؤتي أُكلها في يوم قريب.. ثم لا يأتي هذا اليوم أبداً...!!.

أظن أنني قد أثرت قضايا مختلفة قد تبدو بغير رابط لمن ينظر إليها لأول وهلة.. ولكنها في منظور المدقق تنتمي بعضها إلى بعض برباط وثيق سوف تكشف عنه المقالات اللاحقة..

ملحوظة:

أكثر جهدي فيما أكتب سيتركز على إزاحة هالات القداسة الزائفة التي تحجب عن أبصارنا الحقائق المجردة.. هذه الهالات التي ترسّخت في وعينا بفعل التكثيف المضلل لعمليات التعليم والإعلام والتثقيف.. التي أحاطت بالإنسان المعاصر منذ ولادته حتى يتوارى في قبره.. قلة من الناس أفلتوا من هذا المصير ورأوا العالم من منظور آخر.. وحاولوا تقديم رؤيتهم إلينا.. وأعترف أن على الإنسان أن يبذل جهداً مضنياً لكي يفلت من هذه الدائرة الجهنمية التي تحيط به.. لكي يتمكن من فهم واستيعاب هذه الرؤية.. ولكنه عندما يفعل سيشعر أنه يملك أداة جديدة تفسر له أشياء كثيرة كان يراها من قبل ألغازاً وأسراراً ومتناقضات غير مفهومة... سيرى العالم على حقيقته.

مرض السرطان والعلاجات البديلة:

في مقالة سابقة حاولنا أن نمهّد للموضوع.. وفي هذه المقالة نحاول أن نسير فيه بعض خطوات.. وربما تكون الواقعة التي نبدأ بها مدخلاً مناسباً لأنها كانت موضع اهتمام قنوات التلفزة العربية: عالم أمريكي كبير من أصل مصري اسمه الدكتور مصطفى السيد دُعيَ للحضور إلى البيت الأبيض ليتسلم أعلى وسام للعلوم من الرئيس الأمريكي السابق بوش.. وذلك في يوم الاثنين 29 سبتمبر2009 وكانت المناسبة هي أبحاثه التي أنفق فيها عمره (وهو الآن في سن الشيخوخة).. ونجاحه في استخدام تكنولوجيا النانو لتفتيت الذهب واستخدام جزيئاته في علاج السرطان.. تجاربه حتى الآن نجحت 100% في علاج حيواناته المعملية.. ولم يبدأ اختبارها على الإنسان.. وهو يأمل أن يبدأ علاج الإنسان بالذهب خلال سبع سنوات..

أُستقبل الخبر في الأوساط العربية باحتفال هائل.. وكتبت فيه الصحف تعليقات وتقارير لا حصر لها.. وقد أحصيت على شبكة الانترنت أكثر من خمسمائة تقرير على عشرات المواقع.. ولا شك أن هذا الكشف يمكن أن يكون أمل المستقبل في إنقاذ ملايين البشر.. لا من المرض فحسب بل من العلاجات المفروضة على البشر من جانب احتكارات شركات الأدوية الأمريكية.. التي حصرت العلاج في البتر بالجراحة والحرق بالأشعة والتسميم بالكيماوي.. فمن الواضح من الترحيب الهائل بهذا الكشف العلمي أن هذه الوسائل لم تنجح في معالجة السرطان ولا في محاصرته.. فالعلاج بها له آثار مدمرة على الخلايا الحية وخصوصاً خلايا جهاز المناعة الذي يُعوّل عليه في مصارعة السرطان وغيره من الأمراض الأخرى التي تقتحم جسم الإنسان.. علاوة على ذلك فإن الإحصاءات تدل على أن مرض السرطان ينتشر وتتسع دائرة ضحاياه كل يوم في بلاد العالم بخلاف جميع الأمراض الأخرى التي أصبح علاجها معروفاً..

التقديرات الإحصائية لمنظمة الصحة العالمية التي صدرت في مايو 2008 تقول: إن الوفيات السنوية الناجمة عن مرض السرطان في العالم في زيادة مضطردة من 7,4 مليون وفاة سنة 2004 إلى 11,8 مليون سنة2030، ويوجد في أمريكا خمسة آلاف مريض بين كل مليون أمريكي، وأن بعض البلاد تتضاعف فيها إصابات السرطان كل عشر سنوات بمقدار 100%.. علماً بأن المنظمة تشكو من الإحصاءات الرسمية لمعظم دول العالم وترى أنها لا تمثل الواقع.. وأن كثيراً من الدول لا تتقن التسجيل أو الإحصاء.. ولا تملك الأدوات العلمية والتشخيصية الصحيحة لمرض السرطان.. بمعنى أن الواقع أبشع مما تصوّره هذه الإحصاءات..

استمعت إلى الدكتور مصطفى السيد وهو يشرح عمل الذهب في علاج السرطان: فبعد أن تمكن من تفتيته بتكنولوجيا النانو إلى جزيئات متناهية الصغر.. وجد أن الذهب يكتسب خصائص جديدة لم تكن فيه وهي أن هذه الجزيئات تكتسب القدرة على إرسال وميض حارق لا ينطلق إلا عندما تصادف جزيئات الذهب خلية مصابة بالسرطان فتنفجر فيها وتدمرها.. بينما تبقى الخلايا السليمة بلا أذى..

وعجبت لأن هذا الوصف الذي سمعته ينطبق على مادة أخرى كانت موضع اهتمامي لثلاث سنوات سابقة.. مع اختلاف طفيف.. وهو أن هذه المادة مصدرها نباتي لا معدني، وأنها تحتوى على مادة سامة لا تؤثر على الخلايا السليمة ولا تتفاعل مع أجهزة الجسم ولا الدم.. ولا تنطلق هذه المادة الفعّالة إلا عندما تصادف خلية سرطانية فإنها تتفاعل معها وتدمرها ليتخلص منها الجسم مع بقية إفرازاته.. وقد وجد مجموعة من الأطباء الأمريكيين الذين مارسوا العلاج بهذه المادة أنها تعطي نتائج أفضل بكثير من العلاجات التقليدية.. وتحرّر المريض من عمليات التشويه بالبتر والحرق والتسميم.. وفوق هذا فإن الحالات المتأخرة من السرطان والتي يئس الأطباء من التعامل معها تجد عند هؤلاء الأطباء الملاذ لتجنّب الآلام المبرحة.. بأساليب غذائية وعلاجية تسيطر على المرض وتمنح صاحبه فرصة للحياة الطبيعية حتى يحين أجله المقدّر له..

ولكن شركات الأدوية من خلال سطوتها الاحتكارية السياسية وهيمنتها على المؤسسات الطبية والبحثية والتعليمية والإعلامية في أمريكا أوقفت نشاط هؤلاء الأطباء وأغلقت مستشفياتهم وعياداتهم.. وسحبت السلطات الطبية تراخيص العمل منهم وحاصرتهم بالقضايا والاعتقال والسجن.. وعمدت إلى تلويث سمعتهم من خلال الإعلام والسينما.. وقدّمت للرأي العام تقارير وأبحاث مزيّفة لإثبات عدم فاعلية العلاجات التي يستخدمونها.. لا لشيء سوى أن هؤلاء الأطباء يقدّمون علاجات رخيصة وأكثر فاعلية للسواد الأعظم من المرضى..

تقول: أيحدث هذا في أمريكا..!!؟ وأقول لك: نعم وما هو أكثر منه وأبشع.. مما سنطرحه مفصّلاً في هذه المقالات.. لقد اضطر هؤلاء الأطباء المحظورون (كما أشرت في المقال السابق) أن ينتقلوا إلى المكسيك لممارسة مهنتهم الطبية وأنشأوا هناك مع أطباء مكسيكيين مستشفيات وعيادات بلغ عددها ثلاثين مستشفى وعيادة.. وأصبحت المكسيك بذلك المركز العالمي لعلاج السرطان بطرق غير تقليدية.. وأخذ مرضى السرطان الأمريكيون يتقاطرون على المكسيك بعشرات الألوف بحثاً عن علاج أكثر إنسانية وأكثر فاعلية وأقل تكلفة.. هذا التدفق البشري إلى المكسيك أثار حنق كارتلات الدواء الأمريكية.. خصوصاً بعد فشل مسعاها بالمال والنفوذ السياسي في إغلاق صناعة فيتامين بي 17 بالمكسيك.. وإغلاق مستشفيات علاج السرطان القائمة في المكسيك على الحدود الأمريكية..

[ تذكر أن ظهور أول موجة لأنفلونزا الخنازير كان في المكسيك، وقد صحب هذا تركيزاً إعلامياً وتهويلاً غير مُبَِرّرِ لخطر المرض مما أشاع هلعاً عالمياً.. وقد وصفت هذا الهلع المصطنع في حينه بأنه فقاعة كبيرة.. وكان في ذهني لحظتها أنها مؤامرة مقصودة لمنع تدفق مرضى السرطان الأمريكيين من الذهاب إلى المكسيك في طلب العلاج بتخويفهم من وباء الخنازير.. وقد تأكد لديّ هذا الخاطر خصوصاً بعد أن علمت أن لدى الحكومة الأمريكية مخزوناً من عقار( تاميفلو) بمليارات الدولارات منذ عام 2005 وتوشك صلاحيته على الانتهاء قريباً.. ونشر الرعب من أنفلونزا الخنازير مفيد جداً في تسريع عملية بيع هذا المخزون لا على المستوى المحليّ ولكن على المستوى العالمي أيضاً.. وبلاد مثل بلاد العرب ومنها مصر وجدتها فرصة سياسية واقتصادية لتغطية إخفاقات ومصائب كثيرة على الساحة.. فنفخت فقاعة الخطر الخنزيري إلى أقصى المدى.. ظناً منها أن ذلك مفيد في وقف العمرة والحج أيضاً.. وكله مكاسب.. ولكنها وجدت أن التمادي في التهويل من خطر المرض وانتشاره سيؤثر على الوارد من السياحة وعوائدها.. فبدا الاضطراب في تصريحات وزير الصحة من النقيض إلى النقيض: من 18 مليون ضحية والحديث عن إعداده لمقابر جماعية إلى التهوين المخلّ بقوله في مجلس الشعب أن أنفلونزا الخنازير علاجها قرص أسبرين..! مثل هذه المبالغات تدل على اضطراب شديد في القرارات السياسية وفي الإدارة على السواء.. وليس أدل على ذلك من انتقالهم بعيداً عن القاهرة إلى الحدود الليبية لتوليد فقاعة جديدة اسمها الطاعون.. هذه إدارة فاسدة وفاشلة حتى في اختلاق الفقاعات.. ولم يعد لها من وسيلة في السيطرة على الجماهير إلا بالتخويف والإرهاب...!].

الغذاء كعامل في الصحة والمرض والعلاج:

نحاول الآن استعراض وجهة نظر هؤلاء الأطباء في مرض السرطان: كيف ينشأ عند الإنسان..؟ وما هي نظريتهم في الغذاء التي يرجعون إليها صحة الإنسان ومرضه.. وكيف يصبح التحكم في عناصر الغذاء سبباً في الصحة والوقاية من المرض وعلاجه إذا حدث..!؟

السرطان في نظريتهم هو نمو غير طبيعي بلا قيود لخلايا تسمى تروفوبلاست Trophoblast، التي هي نفسها جزء طبيعي وحيوي لعملية الحياة.. هذه الخلايا يقوم الجسم بإنتاجها كنتيجة لسلسلة من تفاعلات يتدخل فيها هرمون الإستروجين.. وعادة ما نجد الإستروجين بكميات كبيرة نسبياً في الأنسجة المجروحة.. ليساعد كمنظم أو كمحفّز لترميم الجروح.. وينشأ السرطان نتيجة تمزق أو إجهاد لعضو أو لنسيج في مكان ما بالجسم يمتد لفترة طويلة.. نتيجة لإدمان التدخين مثلاً.. أو لتراكم المواد الكيميائية المضافة في أطعمتنا المعلبة أو المحفوظة.. أو نتيجة فيروسات معينة.. فهذه كلها من الأسباب التي تفجّر هرمون الإستروجين كجزء من عملية الالتئام الطبيعية.. من حسن حظ المخلوقات ِإذَنْ أن الله قد وفر للجسم حاجزاً أيضياً (نسبة إلى عملية التمثيل الغذائي).. وهي آلية شديدة التعقيد تستهدف السيطرة والحد من نموّ [خلايا تروفوبلاست].. وهناك عناصر كثيرة تتفاعل في هذه العملية ربما من أكثرها تأثيراً مباشراً إنزيمات البنكرياس.. مع عنصر غذائي يعرف باسم Nitriloside أو فيتامين (بي17) ، وكثيراً ما يشار إليه باسم (لاترايل) وهو مركب فريد له قدرة على تدمير الخلايا السرطانية بينما يحافظ في الوقت نفسه على الخلايا الأخرى غير المصابة..

وإذن (في نظر هؤلاء الرواد) لكي يتجنب الإنسان السرطان عليه أن يتجنب الأسباب التي تؤدّي إلى عمليات التمزيق المركّزة طويلة المدى.. وكذا الإجهاد المتواصل لأنسجة الجسم (التدخين هو نوع من الإجهاد المتواصل لأنسجة الرئة والجهاز التنفّسيّ).. وأن يقلل من الأطعمة التي تحتاج إلى إنزيمات البنكرياس في هضمها.. والمحافظة على نظام غذائي غني بالفيتامينات والمعادن خصوصاً فيتامين بي 17.. هذا التفسير الغذائي لنشوء السرطان والوقاية منه يلقى معارضة هائلة.. عالية الصوت من قبل المؤسسات الرسمية الكبرى في الولايات المتحدة.. ومنها إدارة مراقبة الأغذية والأدوية FDA، وجمعية السرطان الأمريكية ACS، والجمعية الطبية الأمريكية AMA.. فكل هذه الهيئات دمغت التفسير الغذائي بالهرطقة والتدليس.. وذلك لدوافع سوف نتطرّق إليها في موضعها...

فما هو موقف الأطباء الأمريكيين بصفة عامة...؟؟ يجيب على هذا السؤال جى. إدوارد جريفين في كتاب له مشهور بعنوان: عالم بلا سرطان World Without Cancer يقول: "... إذا ذهبت تقيّم موقف الأطباء لوجدت بينهم شيئاً من التفصيل: فهم أولاً ليسوا جزء من هذه المعارضة الضارية إلا بالقدر المهني.. من حيث أنهم يستمعون إلى تصريحات المؤسسات الطبية الرسمية ويتقبلونها بثقة وبدون مساءلة.. ولكن كثيراً منهم لا يمانع من أن يعطي العلاج بفيتامين بي17 الفرصة للتجريب في العلاج.. ولكن المشكلة هي أن الأطباء الأمريكيين ممنوعون بالقانون، ومن خلال الضغوط المهنية من جانب زملائهم من تجريب هذا الدواء.. ولا يعرفون عن نتائج تجربته إلا ما يصل إلى أسماعهم من بعيد من أنه علاج فعاّل.. وكلما ظهرت أدلّة على نجاح هذا العلاج يشتد الجدل وتتعاظم المعارضة في الأوساط الطبية.. والسبب بسيط وخبر غير سار.. فالسرطان قد أصبح في الولايات المتحدة تجارة كبرى تُتداول فيها عشرات البلايين من الدولارات...".

ويؤكد جريفين أن هذه الثروات لا تأتي من ناحية التوسع في الأبحاث والأدوية والأشعّة فقط.. فهناك جانب سياسي غير منظور يتمثل في تبادل المصالح بين الأحزاب والمنافسة على السلطة وبين المهيمنين على احتكارات الأدوية الخاصة بعلاج السرطان.. فالسياسيون يحتاجون إلى مال أصحاب هذه الصناعات العملاقة للإنفاق على الحملات الانتخابية الباهظة التكاليف.. وأصحاب هذه الصناعات يستفيدون من منافسات السياسيين ووعودهم بتخفيض الضرائب من ناحية.. والمزيد من التدعيم الحكومي في مجال الدواء والعلاج.. إلى جانب مصالح تجارية ومكاسب أخرى.. وكل هذا يذهب في النهاية إلى جيوب أصحاب الصناعات الدوائية...".

ويرى جريفين "أن هذا نذير شؤم لمستقبل مكافحة السرطان.. يؤدّي إلى تكريس الأوضاع الراهنة في الاتجاهات العلاجية.. التي تضيف في النهاية كل يوم جيشاً جديداً من المنتفعين بهذه التجارة العلاجية الرائجة... ثم يتابع جريفين كلامه فيقول: إذا كنا نريد حقّّّّّّاً أن نسد هذا الشرخ الهائل الذي تتسرب منه المليارات، فليس علينا إلا أن نجرب هذا العلاج البسيط الذي يوجد في الطبيعة بكثرة وبثمن بخس؛ وعندئذ سوف ينهار هذا البناء الضخم لهذه التجارة ذات الأبعاد الصناعية والسياسية المتداخلة... ".

هذه الحقيقة في حد ذاتها تجعل من أصحاب هذه التجارة يبذلون كل ما في وسعهم للتعتيم على أي حقيقة علمية تَعِدُ بوسائل بديلة لعلاج السرطان بتكلفة زهيدة.. لأن معنى ذلك أن يتنازلوا عن الأرقام الفلكية من أرباحهم في تثبيت العلاج على وضعه الراهن.. ويجب أن ننبه هنا إلى أن (الجراحين وأطباء الأشعة والصيادلة والباحثين وكذا الآلاف من الناس الذين يثقون فيهم وينفقون بسخاء للحصول على العلاج والتخلص من هذا المرض البشع).. كل هؤلاء جميعاً لا يمكن أن يمنعوا (وهم واعين) أي محاولة مخلصة للسيطرة على مرض السرطان...!

إنهم جميعاً مهتمون بمقاومة السرطان ويبذلون قصارى جهدهم في هذا السبيل.. وبضمير حي يقظ.. وليس أحب إلى قلوبهم أكثر من أن يتمكنوا من وضع حد لمعاناة الإنسانية التي يسببها مرض السرطان.. علاوة على كل هذا فإن الأطباء والجراحين والصيادلة والمعالجين بالأشعة، يشعرون بأن هذا المرض المهلك يهددهم هم أنفسهم وأسرهم أيضاً.. بنفس الدرجة التي يشعر بها بقية الناس.. ومن المعلوم والواضح أنهم لا يملكون علاجات أخرى سرّية للسرطان يحتفظون بها لأنفسهم ولأسرهم..!!! يقول جى. إدوارد جريفين معلّقاً على هذه النقطة : " هل يتبع هذا بالضرورة أن نفهم أن كل معارضة للتشخيص والعلاج البديل الذي ألمحنا إليه سالفاً هي معارضة بريئة.. وهل من الواجب علينا أن نؤمن بأن المنافع الشخصية والمصالح الخاصة الراسخة ليست عاملاً قائماً وفعالاً..!!؟؟ لا.. بل يجب أن نعلم أن هناك في أعلى الهرم الاقتصادي والسياسي للسلطة في الولايات المتحدة توجد تكتلات ومصالح مالية وصناعية وسياسية متداخلة تداخلاً مذهلاً.. هي بطبيعة تركيبتها وأهدافها تشكل العدو الطبيعي للمقترب الغذائي للصحة والوقاية الصحية والعلاج...

بتحديد أكثر، هم أعداء لفكرة: أن منشأ السرطان والوقاية منه يتوقف على كل ما يدخل الجسم من عناصر غذائية.. وقد استطاع هؤلاء بما يملكون من قوة المال ونفوذ في السلطة السياسية والإدارية أن يخلقوا مناخاً متحيزاً .. بل ومناهضاً لموضوعية البحث العلمي.. بحيث أصبحت حرية البحث العلمي ونزاهته من المستحيلات.. خصوصاً في مجالات الطب والدواء والعلاج والغذاء.. فالتّكتّلات الاحتكارية في الصناعات الدوائية والكيميائية والأغذية سوف تقضي على أي بحث علمي يشكّك في قيمة منتجاتها أو يقترح بديلاً عنها أنفع وأرخص تكلفة.. وسوف تحارب كل أسلوب أو طريقة علاجية بديلة عن الأساليب العلاجية التي فرضتها هي وجعلتها تقليداً راسخاً في الأوساط الطبية والتعليم الطبيّ [ الذي صاغته هي ونفّذته على مدى العقود الطويلة ].. وسخّرت للحفاظ عليه و استمراره قوى ومؤسسات ذات نفوذ خطير في مجالات: السياسة والتشريع والإعلام.. وبإنفاقها الهائل في كل هذه المجالات..

تقول: إنك تحدثنا عن كائن خرافيّ لا وجود له إلا في الخيال..! وأضيف إليك من عندي ما يعزز تشكك.. أقدّم إليك هذه المعلومة: فقد تناول لاندو إمانويل بالنقد آراء جريفين في المجلة الأمريكية للصحة العامة واعتبرها من قبيل نظريات المؤامرة... ومع ذلك أقول: إذا كنت تريد الحقيقة المجردة والمدعّمة بوثائق ومصادر أولية مسجلة في كتب منشورة.. وتحقيقات دارت في أروقة مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس الأمريكي.. وعلى لسان رجال من داخل هذه المنظومة الاحتكارية أصيبوا بصحوة ضمير.. إذا كنت تريد الحقيقة المجردة.. ولديك الصبر والقدرة على أن تراجع ما أكتبه على ما هو مطبوع في كتب ومقالات منشورة في أوعية ورقية أو إلكترونية فسيصيبك الذهول.. بل قد يصيبك الإغلاق العقلي.. ومن ثم فهذا تحذير لمن لا يجد في نفسه المناعة النفسية والصلابة الفكرية أن يواصل قراءة هذا الكلام الذي أحاول فيه الكشف عن الألغاز والأبعاد المتشابكة لهذا الموضوع...

كلما أمعنا التقصّي في الأمور سنجد أن للقوى الاحتكارية التي أشرنا إليها سيطرة هائلة على المهن الطبية، وعلى الدراسة في كليات الطب ومعاهده، وعلى المجلات الطبية التي تنشر أبحاث العلماء.. وكان من نتيجة هذه الهيمنة أن أصبح الطبيب العادي خالي الذهن من أي تشكك فيما حصّله من معرفة طبية.. من خلال هذه المؤسسات.. لقد اكتسب نظرته وتشكّلت عقليته بحذق شديد من جانب القوى المهيمنة على هذه المؤسسات.. علماً بأن هذه القوى تمثل [ مصالح غير طبية على الإطلاق ]، فهي مصالح تجارية بالأساس.. تستطيع هذه القوى أن تضغط بأصابعها على مفاتيح ماكينة السلطة السياسية لتحريك المؤسسات والإدارات الحكومية لخدمة أهدافها ومصالحها.. ولتلفتها عن وظيفتها الأساسية المفترضة فيها.. وهي خدمة الشعب وخدمة مصالحه...

هذه إذن اتهامات جادة ولا ينبغي أن يتم قبولها بدون مناقشة.. فلنبدأ الآن بالنظر في الأدلة التي تؤكد هذه الاتهامات..! وسوف نرى أن المعلومات التي تقدم كأدلة ثبوتية هي بصفة أساسية مستقاة من جلسات مناقشة.. وتقارير منشورة بواسطة لجان في الكونجرس ومجلس النواب الأمريكي في الفترة مابين 1928 إلى 1946م وعلى رأس هذه اللجان: لجنة النواب الفرعية لسنة 1934م للتحقيق في صناعة الدعاية النازية.. ولجنة الكونجرس الخاصة للتحقيق في صناعة الذخيرة لسنة 1935.. وتقرير اللجنة المؤقتة بمجلس النواب للتحقيق في تأثير التكتلات الاحتكارية على الاقتصاد القومي سنة 1940م.. وتقرير لجنة الكونجرس الخاصة بالتحقيق في برنامج الدفاع القومي سنة1942م.. وتقرير لجنة براءات الاختراع لسنة 1942.. وتقرير اللجنة الفرعية بالكونجرس للتعبئة العسكرية سنة 1946م.. إلى جانب مصادر أولية أخرى هامة مثل: لجنة تحقيق الكونجرس في الّلوبيّات، لجنة تحقيق الكونجرس في البنوك والتمويل، سجلات المحاكم وتحقيقات محاكمات نورمبرج.. إلى جانب عشرات المراجع الهامة في المكتبات.

التكتلات الاحتكارية.. كيف ظهرت وكيف تطوّرت:

في سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية ظهرت كتلة احتكارية ( كارتل ) مركزها ألمانيا.. استطاعت أن تسيطر على الصناعات الكيماوية والأدوية في أنحاء العالم.. إذ امتدت عملياتها إلى 93 دولة.. وأصبحت قوة اقتصادية وسياسية هائلة في جميع قارات العالم.. تحت اسم أي. جى. فاربن I .G. FARBEN [ تذكّر هذا الاسم فسيرد كثيراً ] وقد شملت أنشطتها الإنتاجية كل أنواع الصناعات الكيماوية بما فيها الأدوية والذخيرة.. بمعنى آخر أن هذا العملاق الهائل كان يملك في قبضته وسيلتين متناقضتين بإحداهما يهب الصحة والحياة.. وبالأخرى يرسل الموت والدمار.. وأقصى ما يتمناه البشر أن يحصلوا على الأول ويتجنبوا الثاني.. حقيقة رهيبة أن تسيطر حفنة من البشر على الذخيرة والدواء معاً.. فإن من يسيطر عليهما يملك في قبضته العصا المطلقة والجزرة المطلقة..

ثم انظر في جوهر هذه الحقيقة العجيبة لترى أن المكوّنات الأساسية لكل الكيماويات بما في ذلك ما يقتل منها وما يشفي يتركّز في: قطران الفحم والبترول...!!

وباختراع القاطرة ذات الاحتراق الداخلي التي تستخدم الجازولين (البترول) أصبح الذين يملكون تحويل هذه المواد الكيماوية الأولية.. واستخراج مشتقاتها واحتكار تركيباتها في قمة السيطرة على حياة البشر.. وعلى حركة الحضارة الحديثة كلها.. فسرّ حركة هذه الحضارة يقع في لب آلة الكيمياء.. وأصبح وقودها المحرك هو البترول الذي حل محل الذهب.. تلك المادة السحرية الساحرة التي ظلّت مفتاح القوة في العالم أحقاباً من الزمن في تاريخ الإنسانية..!!.

كانت مجموعة شركات (آي. جي. فارْبِِنْ) وراء هتلر (بمعنى أنها كانت تدعّمه بالمال وتخطط معه) حتى في تآمره على حرق البوندستاج الألماني، وإلصاق تهمة حرقه بالشيوعيين.. فقد كان يريد التخلص من منافستهم السياسية له.. ثم أخذ يصدر التصريحات الغاضبة بقصد استنفار الشعب الألماني وتعبئته للحرب.. كان كلامه وتهديداته كلها تدور حول ضرورة تعقب المجرمين والإرهابيين في أي بقعة من العالم والقضاء عليهم.. ولو أمعنت النظر في هذه الواقعة التاريخية لوجدت تماثلاً عجيباً بين حرق البوندستاج وتدميره.. وبين حرق مركز التجارة العالمي بنيويورك وتدميره.. وكذلك بين الأسباب التي أطلقها هتلر والذرائع لحربه العالمية.. وبين الأسباب والذرائع التي أطلقها بوش في حربه على الإرهاب العالمي أو (الإسلامي).. وكان وراء كل هذه الأطماع الإمبريالية والحروب المدمرة نفس التكتلات الاحتكارية للشركات التي لا يُشبع نهمها كل ما في أرض هذا العالم من ثروات...

كيف نشأت فارْبِِنْ في ألمانيا وكيف تعانقت مع روكفلر الأمريكية...؟! :

دار النقاش في الإعلام العالمي دائماً حول (آي. جي. فاربن) باعتبارها كتلة احتكارية ألمانية تسيطر على الصناعات الكيماوية في أنحاء العالم.. ويتدفق إلى مركز إدارتها في فرانكفورت العوائد المالية الهائلة من هذه التجارة.. ولكن فاربن في حقيقتها لم تكن مجرد مشروع صناعي أخطبوطي.. يديره الألمان لحصد الأرباح والثروات.. بل يجب النظر إليها على كونها أيضاً وبالدرجة الأولى (منظومة للمؤامرات السياسية والاقتصادية).. كانت تمارس عملها خلال شبكة واسعة من الوكلاء الأجانب ومن العلاقات السرية، منظمة تدير آلة هائلة بالغة الكفاءة متغلغلة في أنحاء العالم..غايتها النهائية القصوى غزو العالم والسيطرة عليه وبناء إمبراطورية عظمى تديرها فاربن من وراء ستار...

لاحظ أننا لا نتحدث هنا عن الاحتكار الفردي البسيط رغم بشاعته ولا أخلاقيته.. إنما نتحدث عن نوع آخر من الاحتكار.. فالتكتلات الاحتكارية أو ما يطلق عليه [ الكارتلات ] هي نوع من الاحتكار المؤسّسيّ المنظم على نطاق العالم كله.. نتحدث عن أبعاد أشمل وأعمق.. عن منظومة مهولة تستوعب القوى السياسية والاقتصادية والمالية والإعلامية.. وتستخدم في تعزيز مصالحها وتوجّهاتها شخصيات كبيرة منهم رؤساء دول وحكومات سابقين ولاحقين.. وقيادات سياسية لها شهرة عالمية غير منكورة.. أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: هنري كيسنجر الذي صفه أحد الكتاب الأمريكيين بأنه واحد من أبرز الخيول في إسطبل روكفلر.. وستعرف أن [ روكفلر ] هذا هو الاسم الأمريكي الموازي لفاربن في ألمانيا.. وستعرف أيضاً كيف عبرت التكتلات الاحتكارية البحار والقارات والأيديولوجيات لتلتحم في مبادئ واحدة ومصالح واحدة رغم العداوات والحروب بين الدول.. أشير إلى كيسنجر لأنه كان من أبرز اللاعبين في الحرب العربية الإسرائيلية وكان الرئيس السادات يطلق عليه وصف [صديقنا العزيز].. كما أذكر اسم توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق الذي قدّم للشركات الاحتكارية أعظم خدمة في تاريخ بريطانيا.. فقد أجهز على حزب العمال البريطاني من داخله.. وضيّع نضاله السياسي وفلسفته عبر مائة عام.. وضرب الديمقراطية البريطانية في مقتل.. وتحالف مع أسوأ وأكذب إدارة عدوانية إمبريالية في تاريخ أمريكا.. وهو الآن ينعم بمنصب مرموق ويحصد أجره مضاعفاً كمنسّق للرباعية الدولية.. في قضية العرب والمسلمين الأولى [قضية فلسطين].. نعم لا يزال أمام الرجل مهمة معقّدة يعتقدون أنه بدهائه ومواهبه الثعلبية وبراءة مظهره يمكن أن يساعد في تصفية القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل.. وهكذا ترى أننا لا نبعد كثيراً عن مجال مخططات هذه القوى الاحتكارية.. بل أقول إنك لو أنعمت النظر قليلاً لوجدت أننا في بؤرة هذه المخططات...!

لا أكرّس الخوف بحديثٍ عن أعداء كأنهم كائنات خفية رهيبة يصعب الوصول إليها أو مواجهتها بالمقاومة.. بل أعزز الفهم بطبيعة هؤلاء الأعداء وحقيقة أهدافهم في أبعادها الحقيقية.. وأحاول كشف الغطاء عنهم.. حتى لا يبقوا قوى سحرية في عالم الخفاء.. أحاول إزاحة الهالات المقدسة عن الوجوه الكريهة.. أما موضوع فيتامين (بي 17) كعلاج بديل للسرطان وقصته الدرامية في أمريكا فقد كانت بالنسبة لي البداية والمقترب لبحثِ أعمق ودراسة أطول للتكتلات الاحتكارية في أبعادها المتشعّبة.. وآثارها الخطيرة في حياة إنسان هذا العصر ومصيره.. ومن هنا جاء عنوان هذه المقالات...

نعود إلى فاربن فنقول: أنشأ (آي جي فاربن) سنة 1926 عبقريان من نوع فريد أحدهما كان واحداً من رجال الصناعة الألمانية اسمه هيرمان شميت، وكان الثاني سويسري هو إدوار جروتر، وكانت مهمة الثاني إمساك دفاتر فاربن، والإشراف على حساباتها المتشعبة في البنوك.. وذلك للتمويه على المتطفلين حتى لا يصلوا إلى حقيقة ملكيتها لشركات أخرى منتشرة في العالم.. كان شميت مديراً لبنك [دُويتْش رايخبانك] الألماني، وبنك آخر يقوم بتسويات عالمية مقره في سويسرا.. وهكذا من البداية كان الرائدان الصناعيان جزء من التركيبة المالية البنكية الدولية التي تهيمن على العالم..! وفي بداية الحرب العالمية الثانية كانت فاربن قد تطورت بسرعة جبارة لتصبح أكبر مشروع صناعي في أوروبا؛ وأكبر شركة للكيماويات في العالم.. وجزء هامّاً من أقوى تكتل احتكاري في التاريخ.. ولكي تقرأ (فقط مجرد قراءة) أسماء الشركات العديدة التي ترتبط معها باتفاقيات احتكارية تحتاج إلى ساعة كاملة أو أكثر.. في هذه القائمة سوف تجد ما يقرب من ألفيْ شركة على الأقل.. أما إذا أردت أن تقتصر على الشركات التي تملكها فاربن أو تسيطر عليها لتضييق القائمة فإنك تحتاج إلى عدد كبير من الصفحات تملأ كتاباً.. نذكر فيما يلي أكثر هذه الشركات شهرة: ففي داخل ألمانيا ستجد أكبر ست شركات كيماوية وأكبر مجمّعات الصناعات الثقيلة خصوصاً صناعة الحديد.. وعلى رأسها شركة كروب للصلب.. ولا يقل عدد الشركات التي تملكها فاربن أو تهيمن عليها داخل ألمانيا وحدها عن380 شركة.. وفي خارج ألمانيا تملك فاربن وتهيمن على صناعات عملاقة في بريطانيا مثل شركة الكيماويات الإمبريالية.. وكولمان بفرنسا وأَلايِدْ كيميكال في بلجيكا.. وشركات أخرى في اليونان وهولندا والمجر والنرويج وبولندا ورومانيا.. وفي عدد من دول أمريكا اللاتينية وفي السويد والولايات المتحدة الأمريكية.. كما أقامت في الولايات المتحدة اتفاقيات احتكارية مع العديد من الصناعات مشتملة على معامل أبوت Abbott وأتلانتيك أويل.. وبل آند هويل.. وإيستمان كوداك.. ومصانع فاير ستون للمطاط.. وجنرال موتورز للسيارات.. وجنرال تايرز.. وجود يير للمطاط أيضاً.. وجَلْف أويل.. وشركة كيلوج ونسله وبارك ديفيز.. وسنكلير أويل وستاندرد أويل.. وتكساكو يونيون أويل.. ومئات من شركات أمريكية أخرى.. وغير ذلك هناك شركات تقع تحت سيطرتها المباشرة مثل شركات باير لصناعة الأسبرين ولاروش وشركة أنْتِيبَيُوتِكْ..

بحلول عام 1929 كانت فاربن قد عقدت اتفاقيات احتكارية مع عدد من أكبر الشركات الأمريكية على أساس أن تكون هي الشركة المهيمنة كما تفعل روكفلر مع الشركات الأخرى.. وهنا تلاحظ أن العملاقين الأسطوريين الألماني والأمريكي قد الْتحما في عناق أبديّ ولم يفترقا أثناء الحرب العالمية الثانية حتى عندما كان الجنود الألمان والأمريكان يقتتلون بضراوة ويسقط الآلاف منهم قتلى في المعارك الطاحنة...

تبين للألمان أحد عناصر قصورهم في الحرب العالمية الأولى وهو افتقار ألمانيا إلى البترول.. فقامت فاربن بالإنفاق على بحوث واسعة لتسييل الفحم ونجحت في تحويل الفحم إلى جازولين.. ودعت (فرانك هوارد) من إستاندرد أويل الأمريكية لزيارة مصنعها في مارس 1926.. وكان ما رآه فرانك هوارد شيئاً مذهلاً.. جازولين من الفحم.. ! فكتب إلى وولتر تيجل مدير شركة إستاندرد أويل بهذا الانطباع.. وقد شهدت السنوات الثلاثة التالية مفاوضات مكثفة بين الشركتين تم التوقيع بعدها على وثيقة مشاركة احتكارية (كارتل) في9 نوفمبر 1929 حققت النتائج الهامة التالية:

أولاً: مُنحت إستاندرد أويل نصف حقوق عملية هدْرَجة الفحم في كل بلدان العالم باستثناء ألمانيا.. وذلك في مقابل تنازل إستاندرد أويل لفاربن عن 546 ألف سهم في البورصة قيمتها30 مليون دولار.. وتفاهم الطرفان على ألا يتنافسا في المنتجات الكيماوية والبترولية – يعني في المستقبل – إذا أرادت إستاندرد أويل (البترولية) أن تدخل في مجال إنتاج صناعات كيماوية أو أدوية فإنها تفعل ذلك فقط كشريك لفاربن.. وفي مقابل ذلك أتُّفق على ألا تدخل فاربن (الكيماوية أصلاً) في مجال إنتاج بترول إلا كشريك لإستاندرد أويل.. وأن تتجنب كلا من الشركتين أي خطط أو سياسات توسعية في نطاق أعمالهما الراهنة في اتجاه أعمال الشركة الأخرى حتى لا تصبح منافساً خطراً للطرف الآخر.. التحقت شل فيما بعد بهذه الاتفاقية.. وتولدت من هذه الاتفاقات شركات جديدة عملاقة هي شركة جاسكو (1930م).. وكانت مهمتها الرئيسية أن تتيح لكل طرف من أطراف الكارتل أن يستفيد من أي تطور كيماوي مستقبلي يملكه أي طرف من أطرافها.. وبمقتضى هذه الاتفاقية: إذا طوّرت أي من فاربن أو إستاندرد عملية كيماوية جديدة فعليها أن تمنح للطرف الآخر حرية اختيار ثلث العوائد من هذا الاختراع.. عندئذ تأتي جاسكو لتسويق العملية المشتركة في أنحاء العالم وتوزع الحصص المتفق عليها..

هنا إذن مثال لإمبراطوريتين صناعيتين عملاقتين يتلاءمان في حركتهما خطوة خطوة بتنسيق كأنهما وحدة واحدة.. والهدف المشترك هو [ إزاحة أي منافسة من أمامهما في السوق ] وبذلك يضمنان لنفسيهما أقصى نمو وأقصى مكاسب في المستقبل.. ولذلك يمكن القول بأنه قد تم بين الطرفين زواج كاثوليكي لا انفصام فيه ولا رجعة..

يصعب متابعة عمليات التزاوج الاحتكاري بين شركة فاربن الألمانية والشركات الأمريكية.. ولكننا نذكر اثنين من أبرزها على سبيل المثال: في 23 أكتوبر 1936 وقّعت شركة فاربن وشركة ألْكُو.. اتفاقاً جمعا فيه كل ما يملكان من براءات الاختراع والمعلومات التكنولوجية في مجال إنتاج الماغنسيوم في حصيلة واحدة مشتركة ليستفيد منها كلاهما معاً.. ثم التحق بهما طرف ثالث.. هو شركة فورد لصناعة السيارات لتتكون بذلك كتلة احتكارية عالمية ذات ثلاث شعب.. وعندما أنشأت فورد فرعاً لها في ألمانيا أسهمت آي جي فاربن بشراء 40% من أسهم هذا الفرع وأصبح اثنان من مديريها عضوين في مجلس إدارة الشركة [الأمريكية الأصل..!].. وفي المقابل أصبح (إدسل فورد) عضواً في مجلس إدارة شركة آي جي الكيماوية الأمريكية ولحق به (ولتر تيجل) مدير شركة (إستاندرد أويل) و(تشارلز إي ميتشل) مدير بنك روكفلر(ناشيونال سيتي بنك) في نيويورك.. و(بول إم. واربورج) أخو (ماكس واربورج) الذي كان مديراً للشركة الأم في ألمانيا..

لاحظ أن (بول واربورج) كان أحد مهندسي منظومة بنك الاحتياط الفيدرالي، ولاحظ أيضاً أن (بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي) ليس بنكاً تملكه الحكومة الأمريكية كما قد يظن البعض من نسبة الفدرالية إلى اسمه.. إنما هو بنك خاص تملكه أسرة روكفلر وشركاؤهم من رجال المال والأعمال.. وهو البنك الذي يصدر النقود ويطبع الدولارات الأمريكية ويهيمن على حركة المال والاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها..!!وطبقاً لمذكرات "فرانْك فانْدَرْ لِبْ" فإن هذا المشروع تم تفريخه في اجتماع سرّيّ بجزيرة "جيكل أيلاند" بولاية جورجيا وقد حضر هذا الاجتماع "فانْدر لِبْ" نفسه.. ومعه (سناتور أَلْدِرِيكْ) وكان الاثنان يمثلان روكفلر.. وهنري ديفيسون وتشارلز نورتون.. وبنجامين إسترونج.. وكان هؤلاء يمثلون جي. بي مورجان؛ و"إبراهام بيات أندرو" عن وزرة المالية.. و(بول وارْبورْج ) ممثلاً لروتشيلد في إنجلترا وفرنسا.. وأخاً لواربورج اسمه فيليكس متزوج من "فريدة شيف" ابنة جاكوب شيف الذي كان يرأس منظومة بنكية ل (كَهِن ْويلوب وشركاه).. ولمعرفة القصة الكاملة لهذا البنك العجيب اقرأ كتاب: G. Edward Griffin .The Creature from Jekyll Island: A Second Griffin,s Look At The Federal Reserve System: Westlake Village,CA, American Media, 1995

هناك كلام كثير يمكن أن يقال عن هؤلاء الأشخاص الذين ذكرنا أسماءهم آنفاً.. ولكن الحقيقة النهائية بشأنهم أنهم كانوا أكثر من مجرد رجال أعمال يبحثون عن مزيد من الربح.. أو عن وسائل لتوسيع دائرة أسواقهم.. لا..إنهم جزء من سلالة خاصة كانت رؤيتهم تمتد بعيداً جدَّاً وراء حكاية المكسب والخسارة.. لتبلغ أعماق سيطرة سياسية عالمية.. أما هدف التكتلات الاحتكارية أو (الكارتيلات) التي أنشأوها فيما بينهم فلم يقتصر على تقليص التنافس بينهم فقط ولكن لتبادل براءات الاختراع وتقاسم الأسواق الإقليمية.. ووضع الأسعار وتحديدها.. وأحب أن أنبّه إلى أن اتفاقات هذه الكارتيلات لم توقف اشتعال الحروب فيما بينها.. فهي تحدث ولكن مثل كل الحروب بين الدول.. تنتهي بخروج الطرف المهزوم خاسراً أو مفلساً من اللعبة.. في حين يعلن الفائز انتصاره على الآخرين وسيطرته عليهم (كما يحدث بين فتوات الحارات في روايات نجيب محفوظ).. وهكذا تُعلن حالة الهدنة وتبدأ مفاوضات جديدة لإعادة تشكيل اتفاقات احتكارية جديدة على أساس من التوازن الجديد للقوى..يصور هذه الحالة "جورج ستوكنج و مايرون واتْكِينْز" في كتابهما ( Cartels in Action) يقولان: "تنشب حرب الأسعار بين الكارتلات من وقت لآخر ثم تنتهي لتشتعل من جديد.. ثم تنتهي إلى سلام طويل الأجل..

تشتمل اتفاقيات شركات الكيماويات عادة على القرارات التالية: من يبيع ماذا..؟؟ وأين..؟؟ وبأي كمية؟؟ وعلى أية شروط تكون أسعار البيع في الأسواق الخارجية بالذات..؟؟!! ويتم هذا كله بالتفاوض [لا بالتنافس] ذلك لأنهم يعتقدون أن التعاون هو الأكثر فائدة.. إنهم يصلون إلى قراراتهم هذه بعد فصال عنيف وتصارع مرير.. فكل طرف يحاول أن يحصل على أفضل الشروط لنفسه وهذا يتوقف على عوامل كثيرة تشمل: دقة عملياتهم الإنتاجية.. وقوة مركز اختراعاتهم.. وجودة منتجاتهم وحجم مصادر تمويلهم وقوة الدعم الحكومي لهم.. وفي التحليل النهائي تبقى القصة معلقة على تقدير كل طرف لقدرته التنافسية الخاصة بالنسبة للآخرين.. ولو تمعنت في آليات الشركات في تزاوجاتها داخل الكارتيلات.. ومحّصْت في قراراتها غير المعلنة.. وفي تخطيطها الاقتصادي فستجد أنها تصدر من نفس المنبع الذي تخرج منه آليات وخطط النظم الشمولية في العالم...!!!

وستتأكد أن القوانين التي تدفع هذه الشركات حكوماتِها لإصدارها تكون في ظاهرها لخدمة الشعوب.. ولكنها في حقيقة الأمر على عكس ذلك تماماً فهي دائماً ضد مصالح الشعوب.. ويمكنك أن تلحظ هذا بسهولة في محيطك القريب..!! إنها قوانين مصنوعة ومبرمجة لخدمة الشركات الاحتكارية فحسب.. بل يصل الأمر إلى أن الحكومات تحصل على رشاوى منظورة أو غير منظورة لإعاقة وتجريم أي شركة أخرى تجرؤ على منافسة هذه التكتلات الاحتكارية.. وتبدو هذه الحقيقة واضحة في تجارة السوق العالمية خصوصاً في مواد مثل: السكر والشاي والشيكولاته والحديد والمطاط والبترول والسيارات والأطعمة.. إلخ.. ودور الحكومة هنا يتجلى في إصدار أكوام من القيود المفروضة و(الكُوتات) ودعم الأسعار.. وفي أمريكا بالذات هناك جيش من مراكز اللوبيات التي تمثل المصالح الخاصة للكارتيلات لا لحماية الشعب بل لاستنزافه..!

وليس من قبيل الصدفة وجود كبار السياسيين في مجالس إدارة الشركات متعددة الجنسيات.. حيث نجد في مجالس إدارتها شخصيات مثل" يوجين بلاك" رئيس البنك الدولي سابقاً و"جون ماكون" مدير المخابرات المركزية الأسبق.. وديك تشيني ورامسفيلد وغيرهم كثيرون.. ويحدث في أوروبا نفس الشيء.. المهم أن العنصر المشترك بين هؤلاء الناس جميعاً أنهم أقرب في إيمانهم وقناعتهم إلى النظم الفاشية منهم إلى الديمقراطية.. ونتيجة لذلك تحولت فكرة الكفاءة في الإنتاج إلى فكرة الكفاءة في التلاعب بالجماهير وبالحكومات على حد سواء.. بهدف الحصول على امتيازات.. وهكذا رأينا النتيجة الحتمية لهذه المعادلة: الحكومة الأمريكية دائماً عاجزة أمام ظاهرتين متلازمتين في المجتمع: الثراء الفاحش الفاقع والفقر المدقع.. والنظم الشمولية الفظة عندنا لا تستورد منها إلا الأسوأ...!

لقد أصبح من المستحيل على الحكومات أن تضع قوانين لتقييد انطلاق الثراء الجامح أو الحد من الفقر المروّع.. فالشركات الأقوى والأكثر ثراء وبخاصة تلك الشركات التي تتحصن في التكتلات الاحتكارية هي التي تدفع بالحكومات لإصدار قوانين وقرارات ضد منافسيها الأضعف.. وهكذا تجد أن الحكومات لم تعد قادرة على حلول لعلاج البطالة والفقر وإعادة التوازن المفقود في المجتمع.. والسبب أنها أصبحت جزء من المشكلة نتيجة الزواج غير الشرعي بين الحكومات وبين القوى الاقتصادية.. بحيث لا يستطيع المواطن العادي أن يميّز بين قوة سياسية حاكمة وبين قوة اقتصادية مهيمنة فكلاهما أصبح جزء من منظومة عضوية واحدة.. تمثل مصالح هي بطبيعتها مضادة لمصالح الشعوب.. وقد تولّد من هذه الحقيقة حقيقة أخرى تلاحظها بسهولة وهي: أن الشركات الكبرى لم تعد تهتم بأن يعرف الناس مقدار ما تستحوذ عليه من ثروات طائلة.. فلم تعد توجد أمامها قوى أخرى تنافسها أو تعرقل طريقها في سعيها لتكديس المال ونهب الثروات بلا قيود ولا حساب.. وأصحاب هذا النهج اكتسبوا اسماً جديداً في الكتابات السياسية ( الأغنياء السوبر Super Rich )...

الاحتكارات المطلقة والفاشية:

كان النموذج المبكر في دعم الكارتيلات للنظم الشمولية هو دور فاربن في انتشال هتلر أولاً من السديم السياسي في ألمانيا الذي أوشك أن يجرفه إلى عالم النسيان، ولكنهم رأوا فيه الرجل القوي الذي يمكن أن يفيدهم في المستقبل فدفعوا به إلى قمة القيادة في الحزب النازي.. ثم شرعوا في استخدام النازي كأداة لخدمة القوى الاحتكارية.. هنا قد يتساءل القارئ: ما علاقة هذا كله بقصة فيتامين (بي 17 ) وعلاج السرطان..؟! و أقول: إنه يتعلق بصميم الموضوع.. ولكننا نبدأ بالجذور والأعماق.. فالظواهر التي نراها الآن مستقرة أمامنا كأنها أقدار منزّلة لا يملك الناس أمامها إلا التسليم إنما هي نتيجة لسلسلة طويلة من أعمال التمويه والغش والخداع قام بها رجال أشرار على مدى العقود..

لقد تبين لنا كيف استطاعت الكارتيلات أن تجند الحكومات عن طريق إصدار قوانين لوضع سلطة الدولة وإدارتها في خدمة مصالحها الخاصة.. وقد اتّضح للكارتيلات أن أصلح الحكومات جميعاً هي الحكومة الشمولية.. لهذا السبب نرى في كل تاريخ القوى الاحتكارية أنها كانت خلف الكواليس للترويج لكل أنواع الشموليات.. فقد دعمت البلشفية الشيوعية في روسيا.. والنازية الألمانية واحتضنت الفاشية الإيطالية.. وهي تمثل اليوم القوة الشمولية الخفية التي أصبحت واقعاً قبيحاً في الولايات المتحدة الأمريكية...

لأول وهلة يبدو الأمر متناقضاً: أن أغنى الأغنياء هم الذين دعموا النظم الاشتراكية والإجراءات الاشتراكية.. ولكن علينا أن نفهم أنه في أي حكومة شمولية لا يوجد ظل للمنافسة ولا أي تجارة حرة.. وهذه بالضبط هي البيئة المناسبة لازدهار الصناعة الاحتكارية.. بهذه الطريقة تستطيع أن تحقق أعلى الأرباح وأن تكون جزء من الطبقة الحاكمة في نفس الوقت.. وأصحاب هذه الصناعات الاحتكارية لن يخافوا من الضرائب التصاعدية التي ستقع دائماً على عاتق الطبقة الوسطى فقط.. وتؤدّي بالضرورة إلى قمعها.. ثم تتوقف عندها فلا تصل إلى طبقة الأغنياء (السوبر) فهؤلاء لهم قوتهم وتأثيرهم على مجريات السياسة.. مما يساعدهم على إقامة سدود من الإعفاءات الضريبية المقنّنة.. لا تحافظ على ثرواتهم الاستفزازية فحسب ولكن تضاعفها أيضاً.. لهذا يستحيل على الاحتكاريين أن يكونوا رأسماليين أبداً كما يزعمون.. فتعريف الرأسمالي بأنه هو الذي يؤمن بفكرة الملكية الخاصة تعريف قاصر.. فإذا كنت تملك قطعة من الأرض ولكنك لا تستطيع أن تتصرف بها في البيع أو الهبة إلا بإذن شخص آخر فأنت لا تملكها ملكية حقيقية.. والآخر هو المالك الحقيقي.. وبدقة أكثر نقول: إن القدر الذي لا تملك فيه السيطرة على ملكيتك هو ذاته القدر الذي يشاركك فيه الآخر بنصيب من هذه الملكية.. ومثال ذلك: المتنزهات والحدائق والمكتبات العامة التي يقال إنها ملك للشعب..

فليجرب أحد منا ويعرض قطعة من أرض هذه الملكيات العامة لبيعها لحسابه الخاص باعتباره أحد المالكين.. يمكن أن تفعل هذا في مسلسل كوميدي.. ولقد عرفنا كيف كانت النتيجة..! فمن هو المالك الحقيقي لهذه الممتلكات العامة..؟ إنهم أولئك الذين يستطيعون أن يتخذوا بشأنها قرارات نافذة مثل السياسيين والإداريين في السلطة السياسية الحاكمة.. وأولئك الذين يملكون القوة التمويلية لهذه الملكيات العامة.. في النظام الاشتراكي أو الشيوعي كل الأشياء هي ملكية عامة (نظرياً ملكية الشعب) ولكن المالك الحقيقي (الذي يمثل الشعب نظرياً أيضاً) هم النخبة الحاكمة التي تمثل 3% فقط من الشعب.. وبيد هذه النخبة كل شيء.. وهكذا ترى أن مجرد ملكية الأشياء لا تجعل الشخص رأسمالياً.. ففي الرأسمالية الحقيقية ينضاف إلى الملكية مفهوم المشروع الحر.. والسوق المفتوح.. مع الحد الأدنى من التدخل الحكومي.. أنا أشرح فقط ولا أدافع عن رأسمالية ولا شيوعية...!

بخلاف كل هذا يقع مفهوم الاحتكار المطلق، فهذا الوضع العجيب يقتضي تزاوج القوى الاحتكارية مع قوة السلطة السياسية.. والغريب في الأمر أن الناس يتجرعون فكرة الاحتكارات المدعومة بقوة الحكومة على أساس من افتراض وهمي أنهم (أقصد في الدول الديمقراطية) بوسيلة سحرية كامنة في العملية الديمقراطية.. وبقوة صوتهم الانتخابي الذي لا سلطان لأحد عليه هم الكاسبون.. ربما يكون هذا صحيحاً ولكن بالشروط الآتية:

§ إذا كانت حكوماتهم تضعهم في الصورة فتعرِّفهم بشفافية ودقة حقيقة ما يجري بالفعل من تفاصيل..
§ وإذا كان لديهم مرشحون للبرلمان مستقلين وأمناء.. يمكن الاختيار من بينهم أكثرهم صلاحية..
§ وإذا كان من الممكن أن يكسب المرشحون الانتخابات بدون المبالغ المالية الطائلة التي تنفق على حملاتهم الانتخابية..
§ وإذا كانت الأحزاب السياسية لا تهيمن عليها قوى الأغنياء السوبر..

بمعنى آخر يمكنك أن تقول: إن هذه الاحتكارات نظرياً تعمل لصالح الناس العاديين ولكن ليس على هذا الكوكب الأرضي.. وإنما على كوكب آخر لا نعرفه، مع حياة أخرى، استجابة لدوافع أخرى، وتحت نظم سياسية أخرى.. بالتأكيد ليس منها النظام الأمريكي.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم November 16, 2009, 07:20 PM
 
رد: التاريخ

بارك الله فيك يا حلو
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التاريخ الهجري و التاريخ الميلادي دراسة شرعية منبع الحنان معلومات ثقافيه عامه 14 March 2, 2011 01:10 AM
قصص حب ع مر التاريخ.. ياذا الخطا شخصيات عربية 2 March 6, 2010 12:37 AM
رسالة لاعضاء ركن التاريخ الذين لايهمهم من التاريخ الى الاسم رؤوف23 مقالات حادّه , مواضيع نقاش 3 August 22, 2009 10:06 PM
التاريخ عبد القادر خليل التاريخ 0 August 18, 2008 11:20 AM
ما هو التاريخ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ hind التاريخ 5 April 15, 2008 10:13 AM


الساعة الآن 06:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر