فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > روايات و قصص منشورة ومنقولة

روايات و قصص منشورة ومنقولة تحميل روايات و قصص منوعة لمجموعة مميزة من الكتاب و الكاتبات المنشورة إلكترونيا



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم June 8, 2009, 03:47 PM
 
ذكريات الصف الاول الابتدائي

ذكريات الصف الأول الابتدائي

عندما يمر الإنسان في بعض الأوقات بأزمة معينة تراه يقعد منفردا ويبحر في عالم من التأمل والأحلام ويستعيد ذكريات طفولته البريئة والخالية من المسؤوليات والضغوطات ومشاكل الحياة. فيغوص في أعماق ذلك العالم وينتعش حينما يستحضر تلك الأيام السعيدة مبتعدا عن واقعه ومشاكله وآلامه.
وهذه التأملات تعد _إلى حد ما_ محطات استراحة يركن إليها الإنسان ويهفو لها قلبه ليسترد جزءً من نشاطه وحيويته، ثم يعاود خوض غمار حياته الواقعية ويدخل في معتركها مرة اخرى.
ولكن البعض لا يسعد حينما يستذكر أيام طفولته ولا يهفو إليها قلبه لأنه قد مر بظروف أثرت كثيرا على سعادته وسلوكه آنئذ.
وهذا ما أمر به حينما استعيد بعض ذكريات الصف الأول الابتدائي، تلك الأيام العصيبة، التي ما انفك ذهني ينزعج منها حينما يستحضرها. ولن انس تلك الوجوه التي كدرت علي صفو دراستي وأثرت على مستواي العلمي إلى هذه اللحظة.
إن الطفل حينما يدخل المدرسة الابتدائية، يدخل عالما غريبا لم يره من قبل؛ فان عالمه الذي كان يعيشه هو عبارة عن أب وام وأخ أو اخت لا غير، وكل ما سواهم هو غريب وغير باعث للاطمئنان.. بل هو باعث للخوف في بعض الأحيان. فكيف ترى حاله إذا القي في عالم جديد فيه أكثر من ألف طالب وخمسين معلم ومعلمة كلهم غرباء؟! إن حال هذا الطفل كحال من يلقى في كوكب آخر لا يعرف فيه الطريق السليم، أو كمن يلقى في غابة مليئة بالمخلوقات الغريبة بلا دليل.
دخلت إلى المدرسة بخطى ثقيلة حاملا حقيبتي المليئة بالكتب والدفاتر. ولا انس نوع الحقيبة (شركة جلود) وكأنما قد ملئت حجرا احملها بلا معين في طريقي الطويل المؤدي إلى المدرسة.
جلست على رحلتي بين عشرات الأطفال الضاحكين والباكين والساكتين، وفجأة دخل علينا المعلم وبيده عصى طويلة _لم اعرف ماذا يريد أن يصنع بها_ فساد الصمت والتجهم على هذه الوجوه البريئة وقال لنا:- "اليوم سنتعلم كتابة حرف الألف".
بدا المعلم بكتابة الحرف على السبورة وبعدها طلب مني أن اعتلي المنصة واكتبه بيدي. نهضت من رحلتي وتوجهت صوب السبورة. وحالما شرعت بكتابة الحرف صرخ بي المعلم:- " لا تكتب بيدك اليسرى" فاضطررت أن اكتب الحرف بيدي اليمنى ولكن بصعوبة وعناء.
انقضى هذا الدرس ببطئ شديد وتمنيت حينها أن تكون امي بجانبي لأرتمي بين أحضانها وأتخلص من هذا العالم الذي بدأ يزعجني.
بعد انتهاء الفرصة أو استراحة الطلبة، دق جرس المدرسة معلنا بداية المعركة، عفوا بداية الدرس الثاني، فدخل علينا معلم الحساب وبدا يتحدث معنا بطلاسم لم افهم منها شيئا وعلمت بعدها انه يريد أن يعلمنا كتابة الأرقام. كنت استرق انظر إليه تارة واغمض عيني تارة اخرى خوفا من أن يعلم انني انظر إليه. أين أنت يا امي، فقد طالت المدة ولا ادري متى يحين وقت الذهاب إلى المنزل.
بعد انتهاء هذا الفصل من الإزعاج والخوف دق جرس المدرسة فخرجنا إلى الساحة للاستراحة. جلس بقربي ولد اكبر مني بكثير فوضع يديه على كتفي وقال لي:- "أنت صديقي"!!!. من هذا الشخص يا ترى؟ إن شكله مخيف وعمره كبير جدا. مسك بيدي واخذ يتمشى معي في الساحة وخلفه أصدقاؤه وكلهم كبار السن. لكن هذا الولد بدا يزعجني فيقوم بقرص اذني ويحذرني من سماع صوت أو بكاء أو شكوى، فكنت اختزن الألم ولا اعترض خوفا من العقاب.
ما هذه المدرسة القبيحة؟ هل هي مدرسة للتعليم أم هي سجن للتعذيب وما معنى اسمها المكتوب على باب المدخل (مدرسة الفضائل الابتدائية للبنين).
دق جرس المدرسة معلنا بدء الدرس الثالث، آه يا لها من محنة فمن سيكون المعلم الجديد. دخلت الصف وجلست على رحلتي لكن المعلم لم يأت بعد. فبدا التلاميذ باللعب والمزاح والمرح، فرحت لهذه الأجواء وبدأت اقفز والعب واضرب بيدي على الرحلة. نعم هذا هو الدرس الذي افضله وهذه هي الحياة التي اعرفها. فجأة هجمت علينا إحدى المعلمات بعينين غاضبتين وبدأت تعاقبنا الواحد تلو الآخر حتى وصلت إلي فرمقتني بنظرة شريرة لطالما رايتها في أفلام الكارتون (الساحرة العجوز، الملك الشرير، الوحش والديناصور) وقالت لي بصوت مرعب:- "مد يدك بسرعة" ولكنني _وبدون قصد_ كذبت عليها مدعيا البراءة من إصدار هذه الضجة فكانت هذه هي الكذبة الاولى في حياتي، ولكنها كانت صك النجاة لي. فاختزنتها في عقلي لاستخدم نفس الوسيلة لو مررت بنفس المحنة. انتهى هذا الدرس الذي كان درسا في مادة (الحياتية) شرحت لنا المعلمة كيف نغسل اليدين قبل وبعد الطعام.
خرجت من الصف، وإذا بهذا الولد يتقدم إلي مرة اخرى وقال لي نفس مقالته السابقة "أنت صديقي" وسحبني معه إلى الساحة وبدا يعصر اذني بقوة ويحذرني من الكلام. وأثناء ما كان يمشي معي هذا الولد أحسست بالجوع فأخرجت من حقيبتي (لفة بيض) كانت قد أعدتها لي امي صباحا، فاخذ هذا الولد المزعج لفتي واكلها أمامي وأنا انظر إليه بلا حول ولا قوة. وقد علمت بعد ذلك أن هذا الولد هو من أسوء التلاميذ في هذه المدرسة ولم ينجح من الصف الرابع الابتدائي لحد الآن؛ وقد اجتاز الصفوف الاولى بعد عدة سنوات من الرسوب ويعمل بائعا للنفط.
تركني هذا الولد وذهب ليلعب في مكان آخر حينها تنفست الصعداء وارتحت منه ومن إزعاجاته. وبينما أنا نظر إلى هذا العدد الكبير من الطلبة وإذا بي أرى جاري في نفس الزقاق فركضت إليه مبتسما وابتسم هو أيضا وبدأنا نلعب معا لعبة (الركيضان) اركض ويلحقني فإذا امسكني اركض أنا خلفه وهكذا. وبينما نحن نلعب سوية ونمرح في ساحة المدرسة بكل فرح وسعادة فإذا بالمعلم المسؤول عن تنظيم الفرصة يصرخ بنا "تعالوا تعالوا" هربنا منه ودخلنا الصف فركض خلفنا وامسك بنا نحن الاثنين كما يمسك الذئب بفريسته. وقام بضرب أيدينا على القفى بعصاه الغليظة المصنوعة من الخيزران كل يد ضربتن. تورمت يداي وجلست باكيا بكاء شديدا اريد امي وأبي فانا لا استطيع حمل حقيبتي الثقيلة بعد الآن وامشي كل هذه المسافة الطويلة لأصل إلى البيت. وقررت حينها أن لا أعود إلى هذه المدرسة أبدا.
حينما أتذكر هذه الأيام وهذه اللحظات يعتصرني الألم وأتمنى لو كنت بمقام والدي فاوسع هؤلاء المجرمين ضربا وامنعهم من دخول هذه المدرسة. فهل يصح أن يعامل طفل لم يتجاوز العاشرة من العمر، هذا الطفل الذي قال الشاعر بحقه أحبب الطفل وان لم يكُ لكْ ..إنما الطفل على الأرض ملكْ،هل يصح أن يعامل مثل هذه المعاملة؟! وكيف نستطيع أن نرغّبه بالمدرسة وطلب العلم إذا كانت هذه المؤسسات المهمة تحوي هكذا نماذج من المعلمين وما أكثرهم . قساة القلوب عديمي الرحمة. فهل هذا هو المعلم الذي قال بحقه الشاعر "كاد المعلم أن يكون رسولا"؟!!! لا اعتقد ذلك. وهل يا ترى أن هكذا نوع من العقوبة ستورث العلم والحصافة والذكاء؟ وماذا عن الدول التي نسميها بال (متقدمة) هل تطبق نفس هذا النوع من العقاب حتى غدت (متقدمة)؟ وأي جرم ارتكبه الطفل صاحب اليدين الناعمتين حتى يلقى هذا النوع من القصاص.
يالها من فترة مؤلمة إذ كانت مرحلة البناء العلمي والنفسي والأخلاقي وحصل لي كل هذا.فان الذكريات المؤلمة مكدرة للبال ومجلبةً للألم والازعاج فإذا أردت أن أستذكر فترة سعيدة في حياتي، فاني أستذكر مرحلة الدراسة الجامعية.. هذه المرحلة التي ما برحت تفارقني طوال أيامي الباقية. ولم يمر اسبوع إلا وارى في منامي كأني داخل أروقة جامعتي، الجامعة المستنصرية، مع زملائي وزميلاتي نلتقي ونتحدث ونتبادل الافكار. فلله دركم أيها الأساتذة الأجلاء، يا من كنتم نموذجا رائعا للمعلم النبيل. والحق أقول إن الفترة التي اعتبرها ربيع حياتي في البناء العلمي هي الحياة الجامعية وإذا أردت أن اركن إلى نفسي وأتأمل في فترة لأستريح من مشاكل الحياة، فاني استذكر تلك الأيام الجميلة التي لن أنساها ما حييت.
فائز البيضاني
10/3/2009
[email protected]
الملفات المرفقة
نوع الملف: doc ذكريات الصف الاول الابتدائي.doc‏ (43.5 كيلوبايت, المشاهدات 70)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم June 8, 2009, 11:00 PM
 
رد: ذكريات الصف الاول الابتدائي

أستاذ / ياسر
كل التحية والشكر
تقبل مرورى
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
طلاب الابتدائي ينتقمون من والد زميلهم بو راكان قناة الاخبار اليومية 6 August 3, 2012 07:09 AM
نتيجة الشهادة الاعدادية والابتدائة والصف الثالث الابتدائى اسكندرية زهرة العلا المواضيع العامه 158 June 20, 2010 11:52 PM
ملخصات الصف الخامس $MODY$ الدليل العلمي للطلاب و المعلمين 3 August 4, 2009 04:02 PM
ريا ضيات الصف السادس $MODY$ الدليل العلمي للطلاب و المعلمين 5 November 17, 2008 06:10 PM


الساعة الآن 12:29 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر