فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > معلومات ثقافيه عامه

معلومات ثقافيه عامه نافذتك لعالم من المعلومات الوفيره في مجالات الثقافة و التقنيات والصحة و المعلومات العامه



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم May 27, 2009, 03:05 PM
 
بعض صفحات من الكشول .. للبهاء العاملي

أثنى بعضهم على زاهد، فقال الزاهد: يا هذا لو عرفت مني ما أعرفه من نفسي لأبغضتني.
شعر:
إذا كان ربي عالماً بسريرتي ... فما الناس في عيني بأعظم من ربي
وفد حاجب بن زرارة على أنوشيروان، فأستأذن عليه، فقال للحاجب: سله من هو ؟ فقال: رجل من العرب، فلما مثل بين يديه قال له أنوشيروان: من أنت ؟ قال: سيد العرب. قال: أليس زعمت أنك أحدهم ؟ فقال: إني كنت كذلك، ولكن لما أكرمني الملك بمكالمته صرت سيدهم، فأمر بحشو فيه دراً.
خطب معاوية خطبة عجيبة فقال: أيها الناس هل من خلل ؟ فقال: رجل من عرض الناس: نعم خلل كخلل المنخل، فقال: وما هو ؟ فقال: إعجابك بها ومدحك لها.
من أمثال العرب، قالوا: شتم جديٌ على سطح ذئباً مر به. فقال الذئب: لم تشتمني أنت وإنما شتمني مكانك.
من كلام الحكماء: لا تكن ممن يرى الغذاة في عين أخيه، ولا يرى الجذع المعترض في حلق نفسه، ومن كلامهم إذا رأيت من يغتاب الناس، فأجهد جهدك أن لا يعرفك، فإن أشقى الناس به معارفوه.
وقال جار الله الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار في الباب السابع والتسعين منه: مر رجل بأديب فقال: كيف طريق بغداد ؟ فقال: من هنا، ثم مر به آخر، فقال: كيف طريق كوفة ؟ فقال: من هنا وقال له: بادر مسرعاً من ذلك المار الألف واللام أنت تحتاج إليهما وهو مستغن عنهما فخذهما فإنك أحوج إليهما منه .
وقال بعضهم: الدنيا مدورة، ومدارها على ثلاث مدورات: الدرهم، والدينار والرغيف.
قال امرأة لرجل أحسن إليها: أذل الله كل عدو لك إلا نفسك، وجعل نعمته عليك هبة لك لا عارية عندك. وأعاذك من بطر الغنى وذل الفقر، وفرغك الله لما خلقك له ولا شغلك بما تكفل به.
وجد يهودي مسلماً يأكل شوياً في شهر رمضان، فأخذ يأكل معه، فقال له المسلم: يا هذا إن ذبيحتنا لا تحل على اليهود، فقال: أنا في اليهود مثلك في المسلمين.
إستأذن سالم بن قتيبة في تقبيل يد المهدي، فقال: إنا نصونها عن غيرك، ونصونك عنها.
دعا رجل آخر إلى منزله، وقال: لنأكل معك خبزاً، وملحاً، فظن الرجل أن ذلك كناية عن طعام لذيذ أعده صاحب المنزل، فمضى معه فلم يزد على الخبز والملح، فبينما يأكلان إذ وقف سائل، فزجره صاحب المنزل مراراً فلم ينزجر، فقال له: إذهب وإلا خرجت وكسرت رأسك، فقال: المدعو: يا هذا إنصرف فإنك لو عرفت من صدق وعيده ما عرفت من صدق وعده ما تعرضت له.
أنشد الفرزدق لسليمان بن عبد الملك قصيدته التي يقول فيها:
فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام
فقال له: ويحك با فرزدق أقررت عندي بالزنا ولابد من حدك، فقال: كتاب الله يدرؤ عني الحد قال: وأين ؟ قال: " والشعراء يتبعهم الغاوون " إلى قوله: " أنهم يقولون ما لا يفعلون " فضحك وأجازه.
قال كاتب الأحرف ومن هذه القصة أخذ الصفي قوله:
نحن الذي أتى الكتاب مخبراً ... بعفاف أنفسنا وفسق الألسن
لبعضهم:
يا هند ما في زماني ... مساعف أو مساعد
قولي صدقت وإلا ... فكذبيني بواحد
كتب ملك الهند إلى الرشيد: يتهدده في كتاب طويل، فكتب إليه الرشيد: الجواب ما تراه ما لا تقرأه.
من كلامهم: نوائل الملوك للشرف لا للعلف، لا تستمع ببرد الضلال، مع حر البلبال، قال هشام لبعض نساك الشام: عظني، فقرأ الناسك " ويل للمطففين " الآيات، ثم قال: هذا لمن طفف المكيال والميزان، فما ظنك بمن أخذ كله، فبكى هشام من كلامه.
دخل الشعبي على عبد الملك، وعنده ليلى الأخيلية، وقال: إن هذه لم يخجلها أحد في كلام، فقال الشعبي: إن قومها يسمون ولا يكتنون، فقال: ولم لا نكتني ؟ فقال: لو فعلت لزمتني الغسل، فأخجلها وكانت قبيلتها يكسرون نون المضارع.
ودخل ثمامة دار المأمون وفيها روح بن عبادة، فقال له روح: المعتزلة حمقى، وذلك أنهم يزعمون أن التوبة بأيديهم، وأنهم يقدرون عليها متى شاؤوا وهم مع ذلك دائبون يسألون الله تعالى أن يتوب عليهم فما معنى مسألتهم إياه ما هو بأيديهم والأمر فيه إليهم لولا الحمق ؟ فقال له ثمامة: ألست تزعم أن التوبة من الله وهو يطلبها من العباد أجمع في كلامه وعلى لسان أنبيائه، فكيف يطلب الله تعالى من العباد شيئاً ليس بأيديهم، ولا يجدون إليه سبيلاً فأجب حتى أجيب.

(1/265)


قال محمد بن شبيب غلام النظام: دخلت إلى دار الأمير بالبصرة، وأرسلت حماري فأخذه صبي يلعب عليه، فقلت له: دعه، فقال: إني أحفظه لك، فقلت: إني لا أريد حفظه قال: يضيع إذن، قلت: لا ابالي بضياعه، فقال: إن كنت لا تبالي بضياعه فهبه لي، فانقطعت من كلامه.
ومن كلامهم: الكريم شجاع القلب، والبخيل: شجاع الوجه، ولا تطلب المفقود حتى تفقد الموجود.
قال رجل للفرزدق: متى عهدك بالزنا يا أبا فراس ؟ فقال: منذ مالت امك يا أبا فلان.
قيل لعاشق: لو كان لك دعوة مستجابة ما كنت تدعو ؟ قال: تسوية الحب بيني وبين ما احب حتى يمتزج قلبانا سراً وعلانية.
بعث ملك في طلب اقليدس الحكيم، فامتنع وكتب إليه إن الذي منعك أن تجيئنا، منعنا أن نجيئك.
قال رجل ليوسف عليه السلام: إني لأحبك، فقال: وهل أوتيت إلا من المحبة، أحبني أبي فالقيت في الجب، واستعبدت، وأحبتني امرأة العزيز فلبثت في السجن بضع سنين.
ومن كلام بعض الحكماء: ثلاثة لا تسخف بهم: السلطان، والعالم، والصديق، فمن استخف بالسلطان ذهب دنياه، ومن استخف بالعالم ذهب دينه، ومن استخف بالصديق ذهب مروته.
ومن كتاب المدهش في حوادث سنة 241 ماجت النجوم، وتطايرت شرقاً وغرباً كالجرادة من قبل غروب الشمس إلى الفجر، وفي السنة التي بعدها رجمت السويد وهي ناحية من نواحي مصر بحجارة، فوزن منها حجر كان عشرة أرطال، وزلزلت الري وجرجان، وطبرستان، ونيشابور، وإصفهان، وقم، وكاشان، ودامغان في وقت واحد، فهلك في دامغان خمسة وعشرون ألفاً، وتقطعت الجبال، ودنا بعضهم من بعض، حتى سار جبل من يمن، وعليه مزارع قوم فأتى مزارع قوم آخرين، ووقع طاير أبيض بحلب، وصاح يوماً أربعين صيحة، يا أيها الناس اتقوا الله، ثم طار وأتى من الغد وفعل ذلك، ثم ما رؤي بعدها ومات رجل من بعض أكوار الأهواز، فسقط طاير على جنازته، وصاح بالفارسية، إن الله قد غفر لهذا الميت ومن حضر جنازته.
قال ولد الأحنف لجارية أبيه: يا زانية فقالت: لو كنت زانية لما أتيت بمثلك.
لما مات جالينوس وجد في جيبه رقعة فيها مكتوب ما أكلته مقتصداً فلجسمك، وما تصدقت به فلروحك، وما خلفته فلغيرك، والمحسن حي وإن نقل إلى دار البلى، والمسيء ميت وإن بقي في دار الدنيا والقاعة تسر الخلة والتدبير يكثر القليل، وليس لابن آدم أنفع من التوكل على الله سبحانه.
قال بعض الحكماء: الصبر صبران: صبر على ما يكره، وصبر على ما تحب، والصبر الثاني أشدهما على النفوس.
رأيت في كتاب خط قديم أن الحب سر روحاني، يهوي من عالم الغيب إلى القلب، ولذلك سمي هوى، ومن هوى يهوي إذا سقط، ويسمى الحب بالحب لوصوله إلى حبة القلب التي هي منبع الحياة، وإذا اتصل بها سرى مع الحياة في جميع أجزاء البدن، وأثبت في كل جزء صورة المحبوب كما حكي أن الحلاج لما قطعت أطرافه كتب في مواضع الدم: ألله ألله، وفي ذلك قال:
هو ما قد لي عضواً ولا مفصل ... إلا وفيه لكم ذكر
وهكذا حكي عن زليخا: أنها فصدت يوماً فارتسم من دمها على الأرض: يوسف يوسف.
قال صاحب الكشاف: ولا تعجب من هذا، فإن عجائب بحر المحبة كثير.
مر الشبلي بمؤذن وهو يؤذن فقال: اشتدت الغفلة وتكررت الدعوة.
غيري جنى وأنا المعذب فيكن ... فأنني سبابة المتندم
وعلى هذا المنوال لبعض الأعراب:
وحملتني ذنب أمرئ وتركته ... كذي العر تكوي غيره وهو راتع
العر قروح يخرج في مشافر الإبل وقوائمه.
قال في كتاب مجمع الأمثال: إن الإبل إذا فشا فيها العر أخذ بعير صحيح، وكوي بين يدي الإبل بحيث ينظر إليه فتبرأ كلها بإذن الله تعالى منه قول النابغة: وحملتني ذنب أمرئ البيت.
قال حكيم لرجل كان مولعاً بحب جارية لها مشتغلاً بها عما يهمه من امور معاده: يا هذا هل تشك في أنك لا بد أن تفارقها ؟ فقال: نعم قال: فاجعل تلك المرارة المتجرعة في ذلك اليوم في يومك هذا، وأربح ما بينهما من الخوف المنتظر وصعوبة معالجة ذلك بعد الإستحكام واشتداد الإلفة.
مر الجنيد برجل، فرآه يحرك شفتيه، فقال: بم اشتغالك يا هذا ؟ قال: بذكر الله، فقال: إنك اشتغلت بالذكر عن المذكور.
دعت أعرابية في الموقف فقالت: سبحانك ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله وأوحشه على من لم تكن أنيسه ؟

(1/266)


بنى أردشير بناءاً عجيبة، فقيل لبعض الحكماء: هل تجد فيه عيباً ؟ فقال: ما رأيت مثله: ولكن فيه عيب واحد قال: وما هو ؟ قال إن لك منه خرجة لا تعود بعدها إليه ودخلة إليه لا تخرج بعدها منه فبكى أردشير.
شعر:
رأيت العشف حوشيتم عيوناً ... تسيل دماً وأكباداً تشظى
ألا يا معشر العشاق توبوا ... " فقد أنذرتكم ناراً تلظى "
من كتب رياض النعيم عن إبراهيم بن نفطويه النحوي قال: دخلت على محمد بن دواد الإصفهاني صاحب المهذب في مرضه الذي مات فيه، فقلت: كيف تجدك ؟ فقال: حب من تعلم أورثني ما ترى، قلت: ما منعك منه مع القدرة عليه ؟ فقال: إن الاستمتاع على وجهين النظر المباح واللذة المحظورة، أما النظر المباح فقد أوصلني إلى ما ترى، وأما اللذة المحظورة، فقد منعني منها ما بلغني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من عشق وكتم وعف غفر الله له وأدخله الجنة، قال: ثم أنه أنشدني أبياتاً لنفسه فلما انتهى إلى قوله:
إن يكن عيب خده من عذاري ... فعيوب العيون شعر الجفون
فقلت له: أنت تنفي القياس في الفقه وتثبت في الشعر.
وقال: غلبة الهوى وملكة النفوس دعوا إليه، قال: ومات في ليلته ؛ وقد ذكرت شرذمة من أحوال محمد بن داود الإصفهاني في المجلد الأول من الكشكول، فمن شاء وقف عليه.
قصيدة منسوبة إلى السيد السجاد عليه السلام
تبارك ذو العلى والكبرياء ... تفرد بالجلال وبالبقاء
وسوى الموت بين الخلق طراً ... فكلهم رهائن للفناء
ودنيانا وإن ملنا إليها ... فطال بها المتاع إلى انقضاء
ألا إن الركون على غرور ... إلى دار الفناء من العناء
وقايظها سريع الظعن عنها ... وإن كان الحريص على النواء
يحول عن قريبٍ من قصور ... مزخرفة إلى بيت التراب
فيسلم فيه مهجوراً فريداً ... أحاط به شحوب الإغتراب
وحول الحشر أفظع كل أمر ... إذا دعي ابن آدم للحساب
وألفى كل صالحة أتاها ... وسيئة جناها في الكتاب
لقد آن التزود إن عقلنا ... وأخذ الحظ من باقي الشباب
فعقبى كل شيء نحن فيه ... من الجمع الكثيف إلى الشتات
وما حزناه من حل وحرم ... يوزع في البنين وفي البنات
وفي من لم نؤهلهم بفلس ... وقيمة حبة قبل الممات
وتنسانا الأحبة بعد عشر ... وقد صرنا عظاماً باليات
كأنا لم نعاشرهم بودٍّ ... ولم يك فيهم خيل موات
لمن يا أيها المغرور تحوي ... من المال الموفر والأثاث
ستمضي غير محمود فريد ... ويخلو بعد عرسك بالتراث
ويخذلك الوصي بلا وفاء ... ولا إصلاح أمر ذي التباث
لقد وقرت وزراً مرجحناً ... يسدعليك سبل الإنبعاث
فما لك غير تقوى الله حرز ... ولا وزر وما لك من غياث
يعالج بالتطيب كل داءٍ ... وليس لداء دينك من علاج
سوى ضرع إلى الرحمن محض ... بنية خائف ويقين راج
وطول تهجد بطلاب عفو ... بليل مد لهم الستر داجي
وإظهار الندامة كل وقت ... على ما كنت فيه من اعوجاج
لعلك أن تكون غداً حظياً ... ببلغه فايز وسرور ناجي
عليك بظلف نفسك عن هواها ... فما شيء ألذ من الصلاح
تأهب للمنية حين تغدو ... كأنك لا تعيش إلى الرواح
فكم من رائح فينا صحيح ... نعته نعاته قبل الصباح
وبادر بالإنابة كل وقت ... على ما فيك من عظم الجناح
فليس أخو الرزانة من تواني ... ولكن من تشهر للفلاح
وإن صافيت أو خاللت خلاً ... ففي الرحمن فاجعل من تواخي

(1/267)


ولا تعدل بتقوى الله شيئاً ... ودع عنك الضلالة والتراخي
فكيف تنال في الدنيا سروراً ... وأيام الحياة إلى انسلاخ
وجل سرورها فيما عهدنا ... مشوب بالبكاء وبالصراخ
لقد عمي ابن آدم لا يراها ... عمي أفضى إلى صمم الصماخ
أخي قد طال لبثك في الفساد ... وبئس الزاد زادك للمعاد
صبا منك الفؤاد فلم تزغه ... وحدت إلى متابعة الفؤاد
وقادتك المعاصي حيث شاءت ... وألفتك امرءاً سلس القياد
لقد نوديت للترحال فاسمع ... ولا تتصاممن عن المنادي
كفاك مشيب رأسك من نذير ... وغالب لونه لون السواد
ودنياك التي غرتك فيها ... زخارفها تصير إلى الجذاذ
تزحزح عن مهالكها بجهد ... فما أصغى إليها ذو نفاذ
لقد مزجت حلاوتها بسمٍ ... فما كالحرز منها من ملاذ
عجبت لمعجب بنعيم دنياً ... ومغبون بأيام اللذاذ
ومؤثر المقام بأرض قفر ... على بلد خصيب ذي رذاذا
هل الدنيا وما فيها جميعاً ... سوى ضل يزول مع النهار
تفكر أين أصحاب السرايا ... وأرباب الصوافن والعشار.
وأين الأعظمون يداً وبأساً ... وأين السابقون لدى الفخار
وأين القرن بعد القرن منهم ... من الخلفاء والشمم الكبار
كأن لم يخلقوا أو لم يكونوا ... وهل حي يصان عن البوار
أيغتر الفتى بالمال زهواً ... وما فيها يفوت من اغترار
ويطلب دولة الدنيا جنوناً ... ودولتها مخالفة المجازي
ونحن وكل من فيها كسفر ... دنا منا الرحيل على وفاز
جهلناها كأن لم نختبرها ... على طول التهاني والتعازي
ولم نعلم بأن لا لبث فيها ... ولا تعريج غير الإجتياز
أفي السبخات يا مغبون تبني ... وما يبقى السباخ على الأساس
ذنوبك جمة تترى عظاماً ... ودمعك جامد والقلب قاسي
وأياماً عصيت الله فيها ... وقد حفظت عليك وأنت ناسي
فكيف تطيق يوم الدين حملاً ... لاوزار كبار كالرواسي
هو اليوم الذي لا ود فيه ... ولا نسب ولا أحد مواسي
عظيم هوله والناس فيه ... حياري مثل مبثوث الفراش
به تتغير الألوان خوفاً ... وتصطك الفرايص بارتعاش
هنا لك كل ما قدمت يبدو ... فعيب ظاهر والسر فاشي
تفقد نقص نفسك كل يومٍ ... فقد أردى بها طلب المعاش
إلى كم تبتغي الشهوات طوراً ... وطوراً تكتسي لين الرياش
عليك من الأمور بما يؤدي ... إلى سنن السلامة والخلاص
وما ترجو النجاة به وشيكاً ... وفوزاً يوم يؤخذ بالنواصي
فلست تنال عفو الله إلا ... بتطهير النفوس من المعاصي
وبر الوالدين بكل رفق ... ونصح للأداني والأقاصي
لما قتل جعفر بن يحيى البرمكي قال أبو نواس: والله مات الكرم والجود والفضل والأدب، فقيل: ألم تكن تهجوه حال حياته ؟ فقال ذلك والله لشقائي وركوني إلى أهوائي، وكيف يكون في الدنيا مثله في الجود والأدب، ولما سمع قولي فيه:
لقد غرني من جعفر حسن بابه ... ولم أدر أن اللوم حشو إهابه
ولست إذا أطنبت في مدح جعفر ... بأول إنسان خرى في ثيابه
بعث إليّ بعشرين ألف درهم، وقال: إغسل ثيابك بها، قال رجل لأحمد بن خالد الوزير: لقد اعطيت ما لم يعطه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وكيف ذلك يا أحمق ؟ قال: لأن الله تعالى يقول لنبيه: " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " وأنت فظ غليظ ونحن لا ننفض من حولك.

(1/268)


قال الشيخ في الشفا: المعاد منه ما هو مقبول من الشرع ولا سبيل إلى إثباته إلا من طريق الشريعة وتصديق خبر النبوة وهو الذي للبدن عند البعث وخيرات البدن وشروره معلوم لا يحتاج أن يعلم، وقد بسطت بالشريعة الحقة التي أتانا بها سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم حال السعادة والشقاوة التي بحسب البدن منه ما هو مدرك بالعقل والقياس البرهاني، وقد صدقه النبوة وهو السعادة والشقاوة التابعتان للأنفس، وإن كانت الأوهام تقصر عن تصورها الآن لما توضحه من العلل، والحكماء الإلهيون رغبتهم في إصابة هذه السعادة أعظم من رغبتهم في إصابة هذه السعادة البدنية.
قال بعض الفضلاء: ذهب لذات الدنيا بأجمعها، ولم يبق منها إلا حك الجرب والوقيعة في الثقلاء.
قيل لبعض الظرفاء: ما أهزل برزونك ؟ قال: نعم يده مع أيدينا.
ضرب رجل أعور بحجر فأصاب العين الصحيحة من أعور، فوضع الأعور يده على عينيه، وقال: أمسينا والحمد لله.
حجب بعض الأمراء أبا الينا ثم كتب إليه يعتذر منه، فقال: يحجبني مشافهة، ويعتذر إلي مكاتباً.
من الديوان
أخي أمسك الباقي شهيداً معدلاً ... وأصبحت في يوم عليك شهيدا
فإن كنت في الأمس اقترفت إساءة ... فثن بإحسان وأنت حميد
ولا ترج فعل الخير يوماً إلى غد ... لعل غداً يأتي وأنت فقيد
ويومك إن عاتبته عاد نفعه ... إليك وماضي الأمس ليس يعود
دخلت غرة على عبد الملك، فقال لها: أنت غرة كثيرة؟ فقالت: أن غرة بنت جميل قال: أتروين قول كثير ؟.
لقد زعمت أني تغيرت بعدها ... ومن ذا الذي يا عزلا يتغير
تغير جسمي والخليقة كالتي ... عهدت وما يخبر بسرك مخبر
فقالت: أروي ذلك، واكن أروي قوله:
كأني انادي صخرة حين أدبرت ... من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوح فما تلقاك إلا بنجلة ... فمن مل منها ذلك النجل ملت
قال: فأمرها بالدخول على زوجته عاتكة، فلما دخلت قالت لها عاتكة: خبريني عن قول كثير فيك:
قضى كل ذي دين فوفى عزيمه ... وعزة ممطول معنى غريمها
من هذا الدين ؟ فقلت: وعدته قبلة، فقالت عاتكة: أنجزي وعدك وعلي إثمه.
من الديوان
ألم تر أن الدهر يوم وليلة ... يكران من سبت جديد إلى سبت
فقل لجديد الثوب لا بد من بلى ... وقل لاجتماع الشمل لا بد من شت
آخر
فتى لرغيفه قرط وشلف ... وإكليلان من خرز وشذر
إذا كسر الرغيف بكى عليه ... بكا الخنسا إذا فجعت بصخر
آخر
رغيفك في الأمن يا سيدي ... يحل محل حمام الحرم
ولله درك من ماجد ... حرام الرغيف حلال الحرم
قال أبو العينا: أخجلني ابن صغير لعبد الرحمن بن خاقان قلت له: وددت أن لي ابناً مثلك، فقال: هذا بيدك، قلت: كيف ذلك ؟ قال: إحمل أبي على امرأتك تلد لك ابناً مثلي.
قال رجل لابن عمر: إن المختار كان يزعم أنه يوحي إليه فقال: صدق إن الله تعالى يقول: " وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم " .
رأيت في بعض التواريخ المعتمدة عليها أن معن بن زائدة كان يتصيد، فعطش فلم يكن في تلك الحال مع غلمانه ماء، فبينما هو كذلك إذ مر به جاريتان من حي هناك، في جيد كل واحدة قربة من الماء، فشرب منهما، وقال لغلمانه: هل معكم شيء من نفقتنا ؟ فقالوا: ليس معنا شيء، فدفع لكل منهما عشرة أسهم من سهامه كان نصالها من تبر، فقالت إحداهما للاخرى: ويحك ما هذه الشمايل إلا لمعن بن زايدة، فليقل كل منا في ذلك شيئاً، فقالت إحداهما:
يركب في السهام نصار تبر ... ويرميها العدى كرماً وجودا
فللمرضى علاج من جراح ... وأكفان لمن سكن اللحودا
وقالت الاخرى
ومحارب من فرط جود بنانه ... عمت مكارمه الأقارب والعدا
صيغت نصال سهامه عن عسجد ... كيلا يعوقه القتال عن الندى
قيل لحكيم بن ظريف: هل يولد لابن خمس وتسعين ولد، فقال: نعم إذا كان في جيرانه ابن خمس وعشرين سنة.

(1/269)


في كشف الغمة عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال: جعت يوماً بالمدينة فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة، إذاً أنا بامرأة قد جمعت مدراً، فظننتها تريد بله فقاطعتها كل ذنوب على تمرة، فملئت ستة عشر ذنوباً حتى مجلت يداي ثم أتيت الماء، فأصبت منه ثم أتيتها، فقمت بكفي هكذا بين يديها، وبسط الراوي كفيه، فعدت لي ستة عشر تمرة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأكل معي منها.
قولهم: إن سر الحقيقة مما لا يمكن أن يقال له محملان: إحداهما - أنه مخالف لظاهر الشريعة في نظر العلماء: فلا يمكن قوله: وعلى هذا جرى قول زين العابدين عليه السلام.
يار ب جوهر علم لو أبوح به ... لقيل لي أنت ممن تعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسملون دمي ... يرون أقبح ما يأتونه حسنا
الثاني: إن العبارات قاصرة عن أدائه وغير وافية ببيانه فكل عبارة قربته إلى الذهن من وجه أبعدته عنه من وجوه.
كلما أقبل فكري ... فيك شبراً فر ميلا
وعلى هذا جرى قول بعضهم:
وإن قميصاً خيط من نسج تسعة ... وعشرين حرفاً من معاليك قاصر
ومن هذا يظهر أن قولهم: إفشاء سر الربوبية كفر، له محملان أيضاً، فعلى محمل الأول يراد بالكفر ما يقابل الإسلام، وعلى المحمل الثاني يراد بالكفر ما يقابل الإظهار إذ الكفر في اللغة الستر، فيكون معنى الكلام أن كلما يقال في كشف الحقيقة، قفهو سبب لإخفائها وستر لها في الحقيقة.
الصاحب
غزال له وجه ينال به المنى ... يرى الفرض كل الفرض قتل صديقه
فإن هو لم يكفف عقارب صدغه ... فقولوا له يمسح بترياق ريقه
وله أيضاً
ما في زمانك من ترجو مودته ... ولا صديق إذا جار الزمان وفى
فعش وحيداً ولا تركن إلى أحد ... ها قد نصحتك فيما قلته وكفى
وإني لتعروني لذكراك هزة ... لها بين جلدي والعظام دبيب
وما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى لا أكاد اجيب
ويضمر قلبي حبها ويعينها ... علي فيما لي في الفؤاد نصيب
السبب في تسمية الأيام التي في آخر البرد بأيام العجوز، ما يحكى أن عجوزاً كاهنة في العرب، كانت تخبر قومها ببرد يقع، وهم لا يكترثون بقولها حتى جاء فأهلك زرعهم فقيل: أيام العجوز وبرد العجوز، وقال جار الله في كتاب ربيع الأبرار: قيل الصواب أنها أيام العجز أي آخر البرد، وقيل: إن عجوزاً طلبت من أولادها أن يزوجوها، فشرطوا عليها أن تبرز إلى الهواء سبع ليال، ففعلت وماتت.
الوجه المشهور في قوس قزح لم يرتضه المولى الفاضل كمال الدين حسين الفارسي ؛ وتصدي لتخطئة القائلين به في أواخر تنقيح المناظر، وأورد هو في الكتاب المذكور وجهاً لطيفاً في غاية الدقة والمتانة وعساك تجده في بعض مجلدات الكشكول.
لأصحاب النفوس القدسية، التصرف في الأجرام الأرضية والسماوية للتأييدات الإلهية، ألا ترى إلى تصرف إبراهيم على نبينا وعليه السلام في النار " يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم " وموسى في الماء والأرض " فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق. فقلنا اضرب بعصاك البحر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً " وسليمان في الهواء " ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر " ودواد عليه السلام في المعدن " وألنا له الحديد " ومريم في النبات " وهزي إليك بجذع النخلة " وعيسى في الحيوان " كونوا قردة خاسئين " ، ونبينا في السماويات " اقتربت الساعة وانشق القمر " .
سئل الصادق عليه السلام لم يكلب الناس على الأكل في أيام الغلاء ؟ فقال: لأنهم بنوا الأرض وإذا قحطت قحطوا، وإذا أخصبت أخصبوا.
في كتاب ربيع الأبرار: من عجايب بغداد أنه موطن الخلفاء، ولم يمت بها خليفة أبداً.
وفيه :طول ثقيل عند رجل، فما أمسى وأظلم البيت لم يأته بالسراج، فقال الرجل: أين السراج ؟ فقال صاحب البيت: إن لله تعالى يقول: " وإذا أظلم عليهم قاموا " ، فقام وخرج.
شعر
وإني وإن أخرت عنكم زيارتي ... لعذر فإني في المحبة أول
فما الود تكرار الزيارات دائماً ... ولكن على ما في القلوب المعول

(1/270)


هبت فعلمت أنها من نجد ... ريح لنسيمها أريج الند
لكن أنا قد قلت لواش عندي ... هذي النسمات للكثيب الفرد
يا عاذل كم تطيل في العذل علي ... دعني وتهتكي فقد راق لدي
خذ رشدك وانصرف ودعني والغي ... ما أحسن ما يقال قد جن بمي
وله
حيا وسقى الحمى سحاب هامي ... ما كان ألذ عامه من عام
يا مي وما ذكرت أيامكم ... إلا وتظلّمت على أيامي
قال في الهياكل لما رأيت الحديدة المحمية يتشبه بالنار لمجاورتها، ويفعل فعلها فلا تعجب من نفس استشرقت واستنارت واستضاءت بنور الله، فأطاعتها الأكوان.
قال القيصري في شرح فصوص الحكم: الأرواح منها كلية، ومنها جزئية، فأرواح الأنبياء أرواح كلية يشتمل كل منها على أرواح من يدخل في حكمه، ويصير من امته، كما تدخل الأسماء الجزئية في الأسماء الكلية، وإليه الإشارة بقوله تعالى: " إنّ إبراهيم كان امة قانتاً لله " .
عن بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ذبحنا شاة، فتصدقنا بها الا الكتف، فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم، ما بقي الا الكتف، فقال صلى الله عليه وسلم: كلها بقي الا الكتف.
قال الحسن البصري: ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه، بشك لا يقين فيه من الموت.
شعر
الموت لو صحّ اليقين به ... لم ينتفع بالعيش ذاكره
دخل العتبي المقابر فأنشأ يقول:
سقياً ورعياً لإخوان لنا سلفوا ... أفناهم حدثان الدهر والأبد
نمدهم كل يوم من بقيتنا ... ولا يؤوب إلينا منهم أحد
قال رجل لأبي الدرداء: لم نكره الموت ؟ فقال: لأنّكم خربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم، فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى الخراب.
قال الحسن البصري لرجل حضر جنازة: أتراه لو رجع إلى الدنيا لعمل صالحاً ؟ فقال: نعم، قال: فإن لم يكن هو، تكن أنت.
قال الشيخ في آخر الشفاء: رأس الفضايل عفة، وحكمة، وشجاعة، ومن اجتمعت لها معها الحكمة النظرية فقد سعد، ومن فاز مع ذلك بالخواص النبوية كاد يصير رباً إنسانياً ويكاد أن يحل عبادته كعبادة الله تعالى، وهو سلطان العالم الفاضل في الأرض، وخليفة الله فيها.
كتب مسيلمة الكذاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد، فإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشاً قوم يعتدون ؛ وبعث معها رجلين، وقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهدان أنّي رسول الله ؟ قالا: نعم، قال: أتشهدان أنّ مسيلمة رسول الله ؟ قالا: نعم، إنه قد اشرك معك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا أنّ الرسول لا يقتل لضربت أعناقكما، ثم كتب إليه رسول الله: من محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، أما بعد ؛ " فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين " .
وادعت سجاح بنت الحارث النبوة في أيام مسيلمة، وقصدت حربه، فأهدى إليها مالاً واستأمنها، حتى أمنته وأمنها فجاء واستدعاها، وقال لأصحابه: اضربوا لها قبة وجمروها، لعلها تذكره لباه، وفعلوا فلما أتت قالت له: إعرض عليّ ما عندك، فقال لها: إنّي أريد أن أخلو معك حتى نتدارس، فلما خلت معه في القبة، قالت: إقرأ عليّ ما يأتيك به جبرائيل ؛ فقال: إسمعي هذه الآية: إنّكن معشر النساء خلقن أفواجاً، وجعلن لنا أزواجاً، نولجه فيكنّ إيلاجاً، ثم نخرجه منكنّ إخراجاً. فقالت: صدقت إنّك نبي مرسل، فقال لها: هل لك في أن أتزوجك فيقال: نبي تزوج نبية ؟ فقالت: إفعل ما بدا لك فقال لها:
ألا قومي إلى المخدع ... فقد هبي لك المضجع
فإن شئت فملقاه ... وإن شئت على الأربع
وإن شئت بثلثيه ... وإن شئت به أجمع
فقالت، بل به أجمع، فإنّه للشمل أجمع، فضرب بعض ظرفاء العرب لذلك مثلاً وقال: أعلم من سجاح، فأقامت معه ثلاثاً، وخرجت إلى قومها، فقالوا: كيف وجدته ؟ فقالت: لقد سألته فوجدت نبوته حقاً، وإنّي قد تزوجته، فقال قومها: ومثلك يتزوج بغير مهر، فقال مسيلمة: مهرها أنّي قد رفعت عنكم صلاة الفجر والعتمة:

(1/271)


قال أهل التاريخ: ثم أقامت بعد ذلك مدة في بني تغلب، ثم أسلمت، وحسن إسلامها.
ومن خزعبلات مسيلمة: والزارعات زرعاً، فالحاصدات حصداً، فالذاريات ذوراً، فالطاحنات طحناً، فالعاجنات عجناً، فالآكلات أكلاً.
فقال بعض ظرفاء العرب: فالخاريات خريا.
قال الشيخ محي الدين في الباب الثامن من الفتوحات: إن من جملة العوالم عالماً على صورنا إذا أبصره العارف، يشاهد نفسه فيها، وقد أشار إلى ذلك عبد الله بن عباس فيما روي عنه في حديث الكعبة، أنها بيت واحد من أربعة عشر بيتاً، وأنّ في كل أرض من الأرضين السبع ؛ خلقاً مثلنا، حتّى أنّ بينهم ابن عباس مثلي، وصدقت هذه الرواية عند أهل الكشف، وكل ما فيه حي ناطق وهو باق لا يتبدل واذا دخله العارفون، فإنّما يدخلونه بأرواحهم لا بأجسامهم ؛ فيتركون هياكلهم، في هذه الأرض، ويتجردون، وفيها مداين لا تحصى، وبعضها يسمى مداين النور لا يدخلها من العارفين الا كل مصطفى مختار، وكل حديث وآية وردت عندنا مما صرفها العقل عن ظاهرها في هذه الأرض، إنتهى كلام الشيخ، وهذا العالم يسميه حكماء الإشراق الإقليم الثامن من عالم المثال وعالم الأشباح.
وقال التفتازاني في شرح المقاصد: وعلى هذا بنو أمر المعاد الجسماني، فإنّ البدن المثالي الذي يتصرف فيه النفس حكمه حكم البدن الحسي، في أنّ له جميع الحواس الظاهرة والباطنة فيلتذ، ويتألم باللذات، والآلام الجسمانية.
قال كاتب الأحرف: مما يلايم ما نحن فيه ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام في أواخر مجلد الأول منه، عن الصادق جعفر بن محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال ليونس بن ظبيان: ما يقول الناس في أرواح المؤمنين ؟ فقال يونس: يقولون يكونون في حواصل طير خضر في قناديل تحت العرش، فقال أبو عبد الله: سبحان الله ! المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في موصلة طير أخضر، يا يونس المؤمن إذا قبضه الله تعالى صير روحه في قالب كقالبه في الدنيا، فيأكلون، ويشربون، فإذ قدم عليهم القادم عرفوا بتلك الصورة التي كانت في الدنيا وروى بعد هذا الحديث عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عن أرواح المؤمنين فقال: في الجنة على صور أبدانهم لو رأيته لقلت فلان.
قال الراغب في المحاضرات: كان الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عند المأمون فلما حضر وقت الصلاة رأى الخدم يأتونه بالماء والطشت، فقال الرضا عليه السلام: لو توليت هذا بنفسك. فإن الله تعالى يقول: " فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً " .
قال جعفر الخالدي: رأيت الجنيد في النوم. فقلت له: ما فعل الله بك ؟ فقال: طاحت تلك العلوم، ودرست هاتيك الرسوم، وما نفعنا الا ركيعات كنا نركعها في السحر.
جميل
وإني لأستحييك حتى كأنّما ... عليّ بظهر الغيب منك رقيب
آخر
أقول لهم كروا الحديث الذي مضى ... وذكرك من بين الأنام اريد
اناشده الا أعاد حديثه ... كأنّي بطيء الفهم حين يعيد
إبن المعتز
يا رب إن لم يكن في وصله طمع ... وليس لي فرج من طول هجرته
فاشف السقام الذي في لحظ مقلته ... واستر ملاحة خديه بلحيته
قال في المحاضرات: نظرت امرأة من أهل البادية في المرآة ؛ وكانت حسنة الصورة، وكان زوجها رديّ الصورة ؛ فقالت له والمرآة في يدها: إنّي لأرجو أن ندخل الجنة أنا وأنت، فقال: فكيف ذلك ؟ فقالت: أما أنا فلأنّي ابتليت بك، فصبرت، وأما أنت فلأن الله تعالى أنعم بي عليك، فشكرت، والشاكر والصابر في الجنة.
لبعض الأعراب
ماء المدامع نار الشوق تحدرها ... فهل سمعتم بماء فاض من بار
شعر
وجاهلة بالحب لم تدر طعمه ... وقد تركتني أعلم الناس بالحب
الخزارزي
يا من اذا أفبل قال الهوى ... هذا أمير الجيش في موكبه
كل الهوى صعب ولكنّني ... بليت بالأصعب من أصعبه
عبدك لا تسأل عن حاله ... حل بأعدائك ما حل به
قد كان لي قبل الهوى خاتم ... واليوم لو شئت تمنطقت به
وذبت حتى صرت لو زج بي ... في مقلة الوسنان لم ينتبه

(1/272)


ابن المعتز
وجاءني في قميص الليل مستتراً ... يستعجل الخطو من خوف ومن حذر
فقمت أفرش خدي في الطريق له ... ذلاً وأسحب أذيالي على الاثر
ولاح ضوء هلال كاد يفضحه ... مثل القلامة قد قدّت من الظفر
فكان ما كان مما لست أذكره ... فظنّ خيراً ولا تسأل عن الخبر
ابن بسام
لا أظلم الليل ولا أدعي ... أنّ نجوم الليل ليست ثغور
ليلي كما شاءت فإن لم تزر ... طال وإن زارت فليلي قصير
العباس بن الأحنف
قد تسحب الناس أذيال الظنون بنا ... وفرق الناس فينا قولهم فرقا
وكاذب قد رمى بالظنّ غيركم ... وصادق ليس يدري أنّه صدقا
ابن المعمار
يا صاح قد ولى زمان الردى ... والهم قد كشر عن نابه
باكر لكرم العنب المجتنى ... واستجنه من عند عنّابه
واعصره واستخرج لنا ماءه ... لكي تزيل الهمّ عنّا به
ولا تراعي في الهوى عاذلاً ... أفرط في العذل وعنّى به
كتب العباس بن معلى الكاتب إلى القاضي ابن قريعة: فتوى، ما يقول القاضي أدام الله تعالى أيامه في يهودي زنا بنصرانية ؟ فولدت له ولداً جسمه كالبشر، ووجهه كالبقر فما يرى القاضي في ذلك فليفتنا مأجوراً ؟ فأجاب هذا من أعدل الشهود على الملاعين اليهود، أنّهم اشربوا حب العجل في صدورهم فخرج من ايورهم، وأرى أن اخلق على الأرض وينادي عليهما ظلمات بعضها فوق بعض.
لما تزوج المهلب ب أبي صفرة بديعة المطربة، أراد الدخول بها، فجاءها الحيض، فقرأت: وفار التنور فقرأ و: " ساوي إلى الجبل يعصمني من الماء " فقرأت " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم " .
شعر
القلب لديك عذره متضح ... والعين عليك دمعها منسفح
يا غاية منيتي وأملى أملي ... قد طال عتابنا متى نصطلح
قد قضينا العمر في مطلكم ... فظننا وعدكم كان مناما
أإذا متنا نرى وعدكم ... أم اذا كنا تراباً وعظاما
شعر
أرى الأيام صبغتها تحول ... وما لهواك من قلبي نصول
حداة العيس بالاظعان مهلاً ... فلي في ذلك الوادي خليل
فوا أسفا على عيش تقضى ... وعمر قد بقى منه القليل
أتت ودموعها في الخد يحكي ... قلائدها وقد أخذت تقول
غداة غد تزم بنا المطايا ... فهل لك في وداع يا خليل
فقلت لها وعيشك لا ابالي ... أقام الحيّ أو جد الرحيل
يخاف من النوى من كان حياً ... وإنّي بعدكم رجل قتيل
البهاء زهير
ويحك يا قلب أما قلت لك ... إياك أن تهلك فيمن هلك
حركت من نار الجوى ساكناً ... ما كان اغناك وما اجملك
ولى حبيب لم يدع مسلكا ... تشمت بي الأعداء الا سلك
ملكته رقي فيا ليته ... لو رقّ أو أحسن فيما ملك
بالله يا أحمر خديه من عضّك ... أو أدماك أو أخجلك
وأنت يا نرجس عينيه كم ... تشرب من قلبي وما أذبلك
ويا لمي مرشفة إنّني ... يغيرني المسواك إن قبلك
ويا مهزّ الرمح من قدّه ... تبارك الله الذي عدّلك
مولاي حاشاك ترى غادراً ... ما أقبح الغدر وما أجملك
ما لك في حسنك من مشبه ... ما تم للعالم ما تم لك
شعر
لا سلاماً لا كلاماً لا رسولاً لا رسالة ... كل هذا يا حبيبي من علامات الملالة

(1/273)


رأيت في بعض التواريخ أنّه لما قتل الفضل بن سهل في الحمام بسرخس، كما هو في الكتب مسطور، أرسل المأمون إلى امه، أن ترسل من متروكاته ما يليق بالخليفة من الجواهر الثمينة والأموال النفيسة، وأمثال ذلك، فأرسلت إلى المأمون سفطاً مقفولاً مختوماً بختم الفضل، ففتح المأمون السفط، فإذاً فيه درج بخط الفضل المكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قضى به الفضل بن سهل على نفسه، قضى أن يعيش ثمانية وأربعين سنة ثم يقتل بين ماءٍ ونار.
وفي عيون الأخبار: أنّه لما كان صباح اليوم الذي قتل فيه، دخل الحمام وأمر أن يحجم وتلطخ جسده بالدم ليكون ذلك تأويل ما دلت عليه النجوم ؛ من أنّه يهراق دمه ذلك اليوم بين ماء ونار، ثم أنّه أرسل إلى المأمون والرضا عليه السلام أن يحضر الحمام أيضاً، فامتنع الرضا عليه السلام وأرسل إلى المأمون يمنعه من ذلك، فلما دخل إلى الحمام جرى دمه.
أبو الرضا الفضل بن منصور الظريف الشاعر الأديب حسن الشعر ؛ له ديوان جيد توفي سنة 435، ومن شعره:
وأهيف القد مطبوع على صلف ... عشقته ودواعي البين تعشقه
وكيف أطمع منه في مواصلة ... وكل يوم لنا شمل يفرقه
وقد تسامح قلبي في موافقتي ... على السلوّ ولكن من يصدقه
أهابه وهو طلق الوجه مبتسم ... وكيف يطعمني في السيف رونقه
شكر العلوي امير مكة له شعر حسن توفي سنة 453:
قوّض خيامك عن أرض تضام بها ... وجانب الذل إنّ الذل مجتنب
وارحل اذا كان في الأوطان منقصه ... فالمندل الرطب في أوطانه خشب
لما دعى إبراهيم بن المهدي الخلافة، أتى إليه المعتصم بابنه الواثق، وقال: هذا عبدك هارون ولما استخلف المعتصم قبض إبراهيم بيد ابنه ودخل عليه وقال: هذا عبدك هبة الله، قال أصحاب التواريخ: وكانت الواقعة في بيت واحد.
قال في كامل التواريخ: لما قتل الوزير نظام الملك، أكثر الشعراء من المراثي فيه، فمن ذلك قول شبل الدولة مقاتل بن عطية:
كان الوزير نظام الملك جوهرة ... مكنونة صاغها الباري من النطف
جاءت فلم تعرف الأيام قيمتها ... فردها غيرة منه إلى الصدف
وفيه أيضاً إنّ الأسعار غلت بمصر سنة 465 وكثر الموت، وبلغ الغلا إلى أنّ امرأة يقوم عليها رغيف بألف دينار، وسبب ذلك أنّها باعت عروضاً لها، قيمتها الف دينار بثلاثمأة، واشترت عشرين رطلاً حنطة، فنهبت عن ظهر الحمال فنهبت أيضاً مع الناس فأصابها مما خبزته رغيفاً واحداً.
مهيار الشاعر الأديب صاحب المحاسن والشعر العذب الرائق كان مجوسياً فأسلم على يد السيد المرتضى وكان يتشيع، قال في كامل التواريخ: إنّ أبا القاسم ابن برهان قال له يوماً: يا مهيار قد انتقلت بإسلامك في النار من زاوية إلى زاوية، قال: وكيف ذلك ؟ قال: إنّك كنت مجوسياً فصرت تسب أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم في شعرك.
ياقوت بن عبد الله المستعصمي الكاتب أشهر من أن يذكر، وكان مولعاً بكتابة نهج البلاغة، وصحاح الجوهري، ومن شعره:
يا مجلساً مذ فقدت ابهته ... أصبحت والحادثات في قرن
وأوجه مذ عدمت رؤيتها ... ما نظرت مقلتي إلى حسن
لا بلغت مهجتي مآربها ... إن سكنت بعدكم إلى سكن
أحمد بن علي بن الحسين المؤدب المعروف بالغالي، توفي سنة 448، ومن شعره:
تصدّر للتدريس كل مهوّس ... بليد تسمّى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدى من هزالها ... كلاها وحتى رامها كل مفلس
قال في كامل التواريخ في سنة خمس وثمانين وأربعمائة ومات في هذه السنة عبد الباقي محمد بن الحسين الشاعر البغدادي، وكان يتهم بأنّه يطعن على الشرائع، فلما مات كانت يده مقبوضة، فلم يطق الغاسل فتحها، فبعد جهد فتحت فإذاً فيها مكتوب:
نزلت بجار لا يخيب ضيفه ... ارجّي نجاتي من عذاب جهنم
وإنّي على خوفي من الله واثق ... بإنعامه والله أكرم منعم

(1/274)


من كامل التواريخ في حوادث سنة 603: ما صورته: في هذه السنة قتل صبي صبياً ببغداد كانا يعاشران وعمر كل منهما يقارب عشر سنة، فقال أحدهما للآخر: ألا إن أضربك بالسكين وأهوى بها نحوه، فدخل رأسها في جوفه، فمات، فهرب القاتل ثم أخذ وأمر بقتله فلما أرادوا قتله، طلب دواة وبياضاً، وكتب فيها من قوله:
وفدت على الكريم بغير زاد ... من الحسنات والقلب السليم
وسوء الظن إن يعتد زاد ... اذا كان القدوم على كريم
قيل لأنوشيروان: ما بال الرجل يحمل الحمل الثقيل فيحتمله ؟ ولا يحتمل مجالسة الثقيل، فقال: لان الحمل يشترك فيه جميع الأعضاء، والثقيل يتفرد به الروح.
قال الشيخ في فصل المبدأ والمعاد من إلهيات الشفاء: لو أمكن إنساناً من الناس أن يعرف الحوادث التي في الأرض والسماء جميعاً وطبائعها، لفهم كيفية ما يحدث في المستقبل، وهذا المنجم القائل بالأحكام مع أنّ أرضاعه الأولى ومقدماته ليست مستندة إلى برهان بل عسى أن يدعي فيها التجربة أو الوحي، وربما حاول قياسات شعرية أو خطابية في إثباتها فإنّه إنّما يعول على دلائل جنس واحد من أسباب الكائنات، وهي التي في السماء، على أنّه لا يضمن من عنده الإحاطة بجميع الأموال التي في السماء، ولو ضمن لنا ذلك ووفى به لم يمكنه أن يجعلنا ونفسه بحيث يقف على وجود جميعها في كل وقت وإن كان جميعها من حيث فعله وطبعه معلوماً عنده، وذلك لأنّه لا يكفيك أن تعلم أنّ النار حارة مسخنة وفاعلة كذا وكذا في أن تعلم أنّها سخنت ما لم تعلم أنّها حصلت وأي طريق في الحساب يعطينا المعرفة بكل حدث في الفلك ؟ ولو أمكنه أن يجعلنا ونفسه بحيث نقف على وجود ذلك، لم يتم لنا به الإنتقال إلى المغيبات، فإنّ الأمور المغيبة التي في طريق الحدوث، إنّما تتم بمخالطات بين الامور السماوية والامور الأرضية المتقدمة ؛ والاحقة فاعلها ومنفعلها طبيعيها وإراديّها، وليست تتم بالسماويات وحدها، فما لم يحط بجميع الأمرين وموجب كل منهما خصوصاً ما كان متعلقاً بالمغيب، لم يتمكن من الإنتقال إلى المغيب، فليس لنا إذاً اعتماد على أقوالهم، وإن سلمنا متبرعين أنّ جميع ما يعطوننا من مقدماتهم الحكمية صادقة، إنتهى كلام الشيخ في الشفاء.
عن محمد بن عبد العزيز قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: يا عبد العزيز الإيمان على عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرة بعد مرة، فلا يقول صاحب الواحدة لصاحب الإثنين لست على شيء، حتى ينتهي إلى العاشرة، ولا تسقط من هو دونك، فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك درجة، فارفعه إليك برفق، ولا تحمل عليه مما لا يطيق فتكسره، فإنّه من كسر مؤمناً فعليه جبره، وكان المقداد في الثامنة، وأبو ذر في التاسعة، وسلمان في العاشرة.
من كلام بعض العارفين: الأخ الصالح خير لك من نفسك ؛ لأنّ النفس لأمّارة بالسوء، والأخ الصالح لا يأمرك الا بالخير.
قيل لأمير المؤمنين عليّ، وهو على بغلة له في بعض الحروب: لو اتخذت الخيل يا أمير المؤمنين، فقال: أنا لا أفر عمن كر، ولا أكر على من فر، والبغلة تكفيني.
من كلام حكماء الهند: إذا احتاج إليك عدوك أحبّ بقاءك، وإذا استغني عنك وليك هان عليه موتك.
ومن كلامهم: كل مودة عقدها الطمع، وحلها اليأس.
رأيت في بعض الكتب: أنّ الشطرنج إنّما وضعها الحكماء لملوك الروم والفرس لأنّهم لا يكون لهم علم وكانوا لا يطيلون الجلوس مع العلماء لجهلهم، واذا اجتمعوا مع أمثالهم تلاحظوا كما يتلاحظ البقر، فوضعوا لهم في ذلك ليشتغلوا بها، وأما ملوك اليونان وقدماء الفرس والروم، فكان لكل منهما كعب عال في العلم، وكانوا لا يتفرغون عنه لأمثال الامور الواهية.
قال الحجاج لشيخ من الأعراب: كيف حالك في الأكل ؟ فقال: إن أكلت ثقلت، وإن تركت ضعفت، قال: فكيف نكاحك ؟ قال: إذا بذلت لي عجزت، وإذا منعت شرهت، قال: فكيف نومك ؟ قال: أنام في المجمع، وأسهر في المضجع، قال: فكيف قيامك وقعودك ؟ قال: اذا قعدت تباعدت عنّي الأرض، وإذا قمت لزمتني، فقال: فكيف مشيك ؟ قال: تعقلني الشعرة، وتعثرني البعرة.

(1/275)


وصفت ام معبد، النبي صلى الله عليه وسلم، فأجادت فقيل لها: ما بال صفتك أوفى وأتم من صفتنا ؟ فقالت: أما علمتم أنّ المرأة اذا نظرت إلى الرجل كان نظرها أشفى، من نظر الرجل إلى الرجل.
قيل لأبي العيناء: فيم أنت ؟ قال: في الداء الذي يتمناه الناس، يعني الهرم.
ابن المعتز في وصف الإبريق
كأنّ إبريقنا والراح في فمه ... طير تناول ياقوتاً بمنقار
أوصى بعض الوزراء، أن يكتب على كفنه، اللهم حقق ظنّي بك.
عميد الملك وزير الب أرسلان في غلام تركي كان واقفاً على رأسه، يقطع بالسكين قبضته.
شعر
أنا مشغوف بحبه وهو مشغوف بلعبه ... صانه الله فما أكثر إعجابي بعجبه
لو أراد الله خيراً وصلاحاً لمحبه ... نقلت رقة خديه إلى قسوة قلبه
كان يحيى بن أكثم يناظر رجلاً في إبطال القياس ؛ وكان الرجل يقول في أثناء مناظرته: يا أبا زكريا، فقال: لست أبا زكريا ؛ فقال الرجل: يحيى يكون كنية أبا زكريا ؛ فقال: يحيى بن أكثم: ففيم بحثنا إلى الآن ؟ يعني أنّك قلت بالقياس وعملت به.
دق رجل الباب على الجاحظ، فقال الجاحظ من أنت ؟ فقال الرجل: أنا، فقال الجاحظ: أنت والدق سواء.
هارون بن أبي الفرج المنجم وقيل: هارون ابن علي المنجم:
سقى الله أياماً لنا ولياليا ... مضين فلا يرجى لهنّ رجوع
إذ العيش صاف والأحبة جيرة ... جميعاً وإذ كل الزمان ربيع
واذ أنا إما للعواذل في الصبا ... فعاصي وإما للهوى فمطيع
كشاجم
ما لذة اكمل في طيبها ... من قبلة في إثرها عضه
خلستها بالكره من شادن ... يعشق منه بعضه بعضه
ابن الأعرج
وده ود صحيح وهو عني ذو انقباض ... فهو في الظاهر غضبان وفي الباطن راض
عرفي
هذا الشعر مطلع من قصيدة لجميل:
ألا أيها النّوام ويجكم هبوا ... نسائلكم هل يقتل الرجل الحب
وإلى بيت جميل أشار ابن نفاده في قوله:
أهجر وصد وافتراق وغربة ... وبين فيالله كم يحمل الصب
فقل لمحب نبه الركب سائلاً ... ونام نعم قد يقتل الرجل الحب
لساني
قال السيد الشريف في حاشية شرح التجريد: إن قلت: ما تقول فيمن يرى أنّ الوجود مع كونه عين الواجب وغير قابل للتجزي والانقسام، قد انبسط على هياكل الموجودات وظهر فيها فلا يخل منه شيء من الأشياء، بل هو حقيقتها وعينها، وإنّما امتازت وتعينت بتقيدات وتعينات وتشخصات اعتبارية، ويمثل ذلك بالبحر وظهوره في صورة الأمواج المتكثرة، مع أنّه ليس هناك الا حقيقة البحر فقط، قلت: هذا طور وراء طور العقل، لا يتوصل إليه الا بالمجاهدة الكشفية دون المناظرات العقلية، وكل ميسر لما خلق له:
شعر
أنت في الأربعين مثلك في ... العشرين قل لي متى يكون الفلاح
قدماء الحكماء: على أنّ نفوس الحيوانات ناطقة مجردة، وهو مذهب الشيخ المقتول وقد صرح الشيخ الرئيس في جواب أسئلة بهمنيار، بأن الفرق بين الإنسان والحيوانات في هذا الحكم مشكل.
وقال القيصري في شرح فصوص الحكم: ما قال المتأخرون: من أنّ المراد بالنطق هو إدراك الكليات لا التكلم، لأن التكلم مع كونه مخالفاً لوضع أهل اللغة لا يفيدهم، لأنّه موقوف على أنّ النفس الناطقة المجردة تكون للإنسان فقط. ولا دليل لهم على ذلك، ولا شعور لهم بأنّ الحيوانات ليس لها إدراك الكليات، والجهل بالشيء لا ينافي وجوده، وإمعان النظر فيما يصدر عنها من العجايب يوجب أن يكون لها إدراك الكليات. انتهى كلامه ولا يخفى أنّ كلام القيصري يعطي أنّ مراد المتقدمين بالنطق هو المعنى اللغوي، وبذلك صرح الشيخ الرئيس في أول كتابه الموسوم بدانش نامه علائي.
وهكذا قال أرسطو في كتابه الموسوم باثولوجيا، إنّ من وراء هذا العالم سماء وأرض وبحر، وحيوانات ونبات وناس سماويون، وكل من في ذلك العالم سماوي وليس هناك شيء أرضي، والروحانيون الذين هناك يلائمون للإنس الذين هناك، لا ينفر بعضهم عن بعض، وكل واحد لا ينافي صاحبه، ولا يضاره بل يستريح إليه.

(1/276)


بعض الحكماء، على أنّ الفلزات المتطرقة أنواع مختلفة مندرجة تحت جنس وصيرورة نوع نوعاً آخر محال عنده، وأصحاب الكيمياء وبعض الحكماء على أنّ الأجساد المذكورة إنّما هي أصناف مندرجة تحت نوع واحد، والذهب كالإنسان الصحيح وبقية الأجساد اناس مرضى دواؤهم الإكسير.
قال بعض المحققين: وعلى تقدير تسليم كونها نوعاً لا يلزم استحالة الإنقلاب، فإنا كثيراً ما نشاهد صيرورة النواة عقرباً، والشيخ الرئيس بعد ما تصدى لإبطال الكيميا في كتاب الشفا، ألف في صحتها رسالة سماها حقايق الأشهاد.
ذكر الزهد عند الفضيل بن عياض، فقال هو حر فإنّ في كتاب الله تعالى، لا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم.
قال بعض الأماجد: ما رددت أحداً عن حاجة الا تبينت العزة في قفاها والذل في وجهي.
وقف أعرابي على قوم يسألهم، فقالوا: من أنت ؟ فقال: إنّ سوء الإكتساب يمنعني من الإنتساب.
قال بعضهم: كان الناس يفعلون، ولا يقولون، ثم صاروا يقولون ولا يفعلون واليوم لا يقولون ولا يفعلون.
من كلام الحكماء: من لم يستوحش من ذل السؤال، لم يأنف من لوم الرد.
قصة جارية الخليفة التي كانت تهوى غلاماً، فألقت نفسها في دجلة، وأتبعها الغلام واعتنقها، وغاصا في بحر الرحمة والغفران.
من أبيات ابن الرومي
رأيت الدهر يرفع كل وغد ... ويخفض كل ذي زنة شريفه
كمثل البحر يغرق فيه در ... ولا ينفك يطفو فيه جيفه
وكالميزان يخفض كل واو ... ويرفع كل ذي زنة خفيفه
شكى رجل من علته، فقال له بعض العارفين: أتشكو ممن يرحمك إلى من لا يرحمك ؟ ! دخل الإمام الحسن بن علي عليهما السلام على عليل، فقال له: ان الله تعالى قد أنالك فاشكره، وذكرك فاذكره.
إعتل الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، فقال: اللهم اجعله أدباً ولا تجعله غضباً.
قيل: العلة تحمل على الجمال، والعافية على المنال.
عن ابن عباس، قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قوم فقالوا: إنّ فلاناً صائم الدّهر قائم الليل كثير الذكر، فقال النبي: أيّكم يكفيه طعامه وشرابه ؟ فقالوا: كلنا، قال: فكلكم خير منه.
لفظ خاتم في قولنا: محمد خاتم النبيين يجوز فيه فتح التاء وكسرها، فالفتح بمعنى الزينة مأخوذ من الختم الذي هو زينة للألبسة، والكسر إسم فاعل بمعنى الآخر، وذكر ذلك الكفعمي في حواشي المصباح، وفي الصحاح الخاتم بكسر التاء وفتحها وخاتمة الشيء آخره ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وقوله تعالى: " وختامه مسك " أي آخره، لأنّ آخر ما يجدونه رائحة المسك.
من الكشاف في تفسير سورة التطفيف، الضمير في كالوهم أو وزنوهم، ضمير منصوب راجع إلى الناس، وفيه وجهان: أن يراد كالوا لهم أو وزنوا لهم، فحذف الجار واوصل الفعل كما قال:
ولقد جنيتك اكمؤاً وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الاوبر
والحريص يصيدك لا الجواد، بمعنى جنيت لك ويصيد لك، وأن تكون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، والمضاف هو المكيل والموزون ولا يصح أن يكون ضميراً مرفوعاً للمطففين، لأنّ الكلام يخرج به إلى نظم فاسد، وذلك أنّ المعنى اذا أخذوا من الناس، استوفوا، وإذا أعطوهم أخسروا، وإن جعلت الضمير للمطففين، انقلب إلى قولك اذا أخذوا من الناس استوفوا، واذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا، وهو كلام متنافر، لأنّ الحديث واقع في الفعل، لا في المباشر، والتعلق في إبطاله بخط المصحف، وإنّ الألف التي تكتب بعد واو الجمع غير ثابتة فيه ركيك، لأنّ خطّ المصحف لم يراع في كثير منه حد المصطلح عليه في علم الخط على أنّي رأيت في الكتب المخطوطة بأيدي الأئمة المتقنين، هذا الألف مرفوضة لكونها غير ثابتة في اللفظ والمعنى جميعاً ؛ لأنّ الواو وحدها معطية معنى الجمع وإنّما كتب هذه الألف تفرقة بين واو الجمع وغيرها في نحو قولك: هم لم يدعوا، وهو يدعو فمن لم يثبتها قال: إنّ المعنى كاف في التفرقة بينهما.
وعن عيسى بن عمرو وحمزة، أنهما كانا يرتكبان ذلك، أي يجعلان الضميرين للمطففين: ويقفان عند الواوين وقيفة يبنيان بها ما أرادا.

(1/277)


في الكشاف أنّ امرأة أيوب عليه السلام قالت له يوماً: لو دعوت الله ؛ فقال لها: كم كانت مدة الرخاء ؟ فقالت: ثمانين سنة، فقال: أنا أستحيي من الله أن أدعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي.
حكى بعض الثقات قال: إجتزت في بعض أسفاري بحي بني عذرة، فنزلت في بعض بيوته فرأيت جارية قد البست من الجمال حله الكمال فأعجبني حسنها وكلامها، فخرجت في بعض الأيام أدور في الحي ؛ وإذا أنا بشاب حسن الوجه عليه أثر الوجد، أضعف من الهلال: وأنحف من الخلال، وهو يوقد ناراً تحت القدر، ويردد أبياتاً، ودموعه تجري على خديه فمما حفظت منه قوله:
فلا عنك لي صبر ولا فيك حيلة ... ولا منك لي بدولاً عنك مهرب
ولي ألف باب قد عرفت طريقه ... ولكن بلا قلب إلى أين أذهب
فلو كان لي قلبان عشت بواحد ... وأفردت قلباً في هواك يعذب
فسألت عن الشاب وشأنه: فقيل: يهوى الجارية التي أنت نازل في بيت أبيها، وهي محتجبة عنه منذ أعوام، قال: فرجعت إلى البيت، وذكرت لها ما رأيت، فقالت: ذاك ابن عمي، فقلت لها: يا هذه إن للضيف حرمة، فنشدتك بالله إلا متعتيه بالنظر إليك في يومك هذا ؛ فقالت: صلاح حاله في أن لا يراني، قال: فحسبت أن امتناعها عنه ضنة منها، فمازلت اقسم عليها حتى أظهرت القبول، وهي متكرهة، فلما قبلت ذلك مني قلت: أنجزي الآن وعدك فداك أبي وأمي، فقال: تقدمني فإني ناهضة في أثرك، فأسرعت نحو الغلام فقلت: إبشر بحضور من تريد فإنها مقبلة نحوك الآن، فبينا أنا أتكلم معه إذاً خرجت من خبائها مقبلة تجر أذيالها وقد أثارت الريح غبار أقدامها ؛ حتى ستر الغبار شخصها، فقلت للشاب: ها هي وقد أقبلت، فلما نظر إلى الغبار، صعق وخر على النار لوجهه، فما أقعدته إلا وقد أخذت النار من صدره ووجهه فرجعت الجارية وهي تقول: من لا يطيق مشاهدة غبار نعالنا، كيف يطيق مطالعة جمالنا.
أقول: وما أشبه هذه القصة بقصة موسى على نبينا وعليه السلام: " ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً " .
قيل لبعض العارفين: هل تعرف بلية لا يرحم من ابتلي بها ونعمة لا يحسد المنعم عليه بها ؟ قال هي الفقر ؟ ويقال إنه لما سمع بعض العارفين الكلام المشهور: نعمتان مكفورتنان: الصحة والأمان، قال: إن لهما في ذلك ثالثاً لا يشكر عليه أصلاً، بخلاف الصحة والأمن، فإنه قد يشكر عليهما، فقيل: ما هو ؟ فقال ذلك الفقر، فإنها نعمة مكفورة من كل من انعم عليه به، إلا من عصمه الله.
الوقت باصطلاح الصوفية، هي الحال الحاضرة التي يتصف السالك بها، فإن كان سروراً فالوقت يكون سروراً، وإن كان حزيناً، فيكون حزيناً، وهكذا، وقولهم: الصوفي ابن الوقت، يريدون به أنه لا يشتغل في كل وقت إلا بمقتضياته من غير التفات إلى ماض، أو مستقبل.
لا أدري
اديرت علينا بالمعارف قهوة ... يطوف بها من جوهر العقل خمار
فلما شربناها بأفواه فهمنا ... أضاءت لنا منه شموس وأقمار
وكاشفنا حتى رأيناه جهرة ... بأبصار صدق لا تواريه أستار
فغبنا به عنا فنلنا مرادنا ... ولم يبق عنا عند ذلك آثار
من كلامهم: أذ اعيد الحديث، ذهب رونقه.
من كلام العرافين: إن للعارف تحت كل لفظ نكتة، وفي ضمن كل قصة حصة، وفي أثناء كل إشارة، وفي طي كل حكاية كناية، ولذلك تراهم يستكثرون من الحكايات في تضاعيف محاوراتهم ليأخذ كل من السامعين ما يصيبه ويحظى بما هو نصيبه على حسب الاستعداد وقد علم كل انسان مشربهم وعلى هذا ورد: أن للقرآن، ظهراً وبطناُ إلى سبعة أبطن، فلا تظن أن المراد بالقصص والحكايات الواردة في القرآن العزيز محض القصة والحكايات لا غير، فإن كلام الحكيم يجل عن ذلك.

(1/278)


دخلت سودة بنت عمارة الهمدانية على معاوية، بعد موت أمير المؤمنين عليه السلام فجعل يؤنبها على تحريضها عليه أيام صفين، وآل امره إلى ان قال، ما حاجتك ؟ فقال: أن الله ماسائلك عن أمرنا، وما افترض عليك من حقنا، ولا يزال يعدو علينا من قبلك من يسمو بمكانك، ويبطش بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل، ويدوسنا دوس الحرمل يسومنا الخسف ويذيقنا الحتف، هذا بشر بن ارطأة قدم علينا، فقتل رجالنا، وأخذ أموالنا، ولولا طاعتك لكان فينا العز والمنعة، فإن عزلته عنا شكرناك، وإلا كفرناك فقال لها معاوية اياي تهددين بقومك ؟ لقد هممت أن احملك على قبة اشرس فاردك فينفذ فيك حكمه، فاطرقت سودة ساعة، ثم قالت:
صلى الإله على جسم تضمنها ... قبر فاصبح فيه العز مدفونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلاً ... فصار بالحق والايمان مقرونا
فقال معاوية: من هذا يا سودة ؟ قالت هو والله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والله لقد جئته في رجل كان ولاه صدقاتنا، فجار علينا، فصادفته قائماً يصلي فلما رآني انفتل من صلاته، ثم أقبل علي بوجهه ورفق ورأفة وتعطف، وقال: ألك حاجة ؟ قلت: نعم، فأخبرته الخبر، فبكى، وقال: اللهم انت الشاهد علي وعليهم، أنى لم آمرهم بظلم خلقك ! ولا بترك حقك، ثم اخرج قطعة جلد، فكتب فيها بسم الله الرحمن الريم قد جاءتكم بينة من ربك، فافوا الكل والميزان، ولا تبخسوا الناس اشياءهم، ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها الخ " ، فإذا قرأت كتابي هذا، فاحتفظ بما في يدك من علمنا حتى يقدم من يقبضه منك والسلام، ثم دفع الرقعة إلي فوالله ما ختمها بطين، ولا حزمها، فجئت بالرقعة إلى صاحبه، انصرف عنها معزولاً فقال معاوية: اكتبوا لها ما تريد، واصرفوها إلى بلدها غير شاكية.
من الكافي، أن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام خرج من الحمام، فلقيه إنسان فقال: طاب استحمامك، فقال: يا لكع وما تصنع بالإست هاهنا ؟ فقال: طاب حميمك، فقال: أما تعلم أن الحميم: العرق، قال طاب حمامك، فقال: وإذا طاب حمامي فأي شيء لي ؟ قل طهر ما طاب منك، وطاب ما طهر منك.
وقيل لأمراة من الأعراب: من أين معاشكم ؟ فقالت: لو لم نعش إلا من حيث نعلم لم نعش.
خفف أعرابي صلاته، فلاموه على ذلك، فقال: إن الغزيم كريم.
قال ابن السمالك لبعض الصوفية: إن كان لباسكم هذا موافقاً لسرايركم، فقد أحببتم أن يطلع الناس عليها، وإن كان مخالفاً لها فقد هلكتم.
قال بعض الأمراء لمعلم ابنه: علمه السباحة قبل الكتابة فإنه يجد من يكتب له ولا يجد من يسبح عنه.
كانت العرب إذا أوفدت وافداُ، قالت له: إياك والهيبة، فإنها الخيبة، وعليك بالفرصة، فإنها مزيلة للغصة، ولا تثب عند ذنب الامر وثب عند رأسه.
قيل لأعرابية: ما الذل ؟ فقال: وقوف الشريف بباب الدني، ثم لا يؤذن له.
قيل: فما الشرف ؟ قالت: عقد المنن في أعناق الرجال.
قيل لأياس القاضي: لا عيب فيك إلا أنك تعجل في القضاء من غير ترو فيما تحكم به، فرفع كفه، وقال: كم أصبعاً ؟ فقالوا: خمسة، قال: عجلتم وهلا قلتم واحد اثنين، أربعة خمسة ؟ فقالوا: لا نعد ما عرفنا، فقال: : وأنا لا أؤخر ما تبين لي الحكم فيه.
قال رجل للأعمش: إنك تحب الدارهم، قال: إنما أحب الإستغناء عن سؤال مثلك.
سئل بعض العلماء عن قوله تعالى: " وأما السائل فلا تنهر " فقال: هو طالب العلم.
بعث عثمان بن عفان بصرة إلى أبي ذر على يد عبد له، وقال له: قبلها فأنت حر، فلم يقبلها فقال: إقبلها فإن فيه عتقي، فقال: إن كان فيها عتقك، فإن فيها رقي.
لما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له: أوص لعيالك، فقال: لا خير والشماخ بن ضرار إنه أشعر العرب، فقالوا له: أوص للمساكين بشيء من مالك، فقال: أوصيت لهم بطول المسألة فإنها تجارة لن تبور، قالوا: أوصنا، قال: إحملوني على حمار، فإنه لم يمت عليه كريم فلعلي لا أموت ثم أنشد:
لكل جديد لذة غير أنني ... وجدت جديد الموت غير لذيذ
فقيل له: من أشعر العرب ؟ فأشار إلى نفسه ثم بكى، فقيل له: جزعت من الموت ؟ فقال: لا، ولكن ويل للشاعر من رواية السوء ! قال ابن إدريس في السرائر: إن العرب تزعم أن نصف النهار الأول في الصيف أطول من نصفه الآخر، وفي الشتاء بالعكس، وعليه قول الشاعر:

(1/279)


فيا ليت حظي من وصال اميمة ... غديات صيف أو عشيات شتية
من كلام الحكماء: إذا أردت أن تعذب عالماً، فاقرن معه جاهلاً.
جاء بعض الزهاد إلى تاجر ليشتري قميصاً فقال له بعض الحاضرين: إنه فلان الزاهد فأرخص عليه فغضب الزاهد، وولى عنه، فاقل: جئنا لنشتري بدراهمنا لا بزهدنا.
قالت: امرأة مالك بن دينار له في أثناء مجادلة: يا مرائي فقال لها: لبيك هذا إسم ما عرفني به أحد إلا أنت منذ أربعين سنة.
من كلام الحكماء: الصديق نسيب الروح، والقريب نسيب الجسم.
قيل لراع عابد وجدت الذئاب بين غنمه وهي لا تؤذيها: متى اصطلحت الذئاب مع غنمك ؟ قال: منذ اصطلح الراعي مع الله تعالى.
وقال في ربيع الأبرار: كان المعتصم ثامن الخلفاء العباسية، وكان ملكه ثمان سنين وثمانية أشهر، وكان له من الأولاد ثمانية ذكور وثمانية إناث، وفتح ثمانية حصون وبنى ثمان قصور، وخلف ثمانية آلاف يدينار وثمانية آلاف درهم.
غضب الرشيد على ثمامة بن أبرش وكان فاضلاً فسلمه إلى خادم له، يقال له: ياسر، وكان الخادم يتفقد ويحسن إليه فسمعه ثمامة يوماً يقرأ: " ويل للمكذبين " بفتح الذال فقال له ثمامة: ويك إن المكذبين هم الأنبياء، فقال الخادم: كان يقال إنك زنديق، وما كنت اصدق أن أشتم الانبياء يا ثمامة ؟ فتركه وهجره، فما رضي عنه الرشيد ورده إلى مجلسه، سأله يوماً في أثناء محاورته: ما أشد الأشياء ؟ فقال: عالم يجري عليه حكم جاهل.
قال بعضهم: الأصوات ثلاثة، صوت الحبيب وصوت المبشر، وصوت تكة المحبوب.
هلكت إبل أعرابي بأجمعها في يوم، ففرح، وقال: إن موتاً تخطاني إلى إبلي، لعظيم النعمة علي.
قال الأعمش لجليس له: هل تشتهي جدياً سميناً وأرغفة يانقة وخلا حاذقاً ؟ فقال: نعم، فأخرج له خبزاً يابساً وخلا، فقال الرجل: أين الجدي والأرغفة ؟ فقال: لم أقل إنهما عندي، وإنما قلت: هل تشتهي ذلك.
روي أن الصاحب رأى أحد ندمائه متغير السحنة فقال له: ما الذي بك ؟ قال: حمى فقال له الصاحب: قه، فقال النديم: وه، فاستحسن الصاحب ذلك، وخلع عليه.
قال رجل لفيلسوف: إن فلاناً عابك أمس بكذا وكذا، فقال الفيلسوف: لقد واجهتني أنت بما استحي الرجل من استقبالي به.
قال بعض الوزارء: من الدلايل على استقامة طبع الرجل محبته لثلاثة أشياء: التين، والبطيخ، والباذنجان، فإن نقص من شخص واحد من الثلث نقص ثلث من إنسانيته.
ضل لأعرابي بعير، فحلف إن وجده أن يبيعه بدرهم واحد، فوجده فلم يحتمل قلبه أن يبيعه بذلك الثمن، فعمد إلى سنور وعلقه في عنقه، وأخذ ينادي عليه الجمل بدرهم وهو السنور بخمسة مأة، ولا أبيعها إلا معاً، فمر به بعض الأعراب وقال: ما أرخص الجمل لولا القلادة في عنقه.
قال بعض الزهاد: لولا الليل ما احببت البقاء في الدنيا.
وقال آخر: ما غنمي إلا طلوع الفجر وقال الخليل بن أحمد: أضداد متجاورة، وأشباه متباينة، وأقارب متباعدة، وأباعد متقاربة.
كان ابن مسعود يقول: الدنيا كلها هموم، فما كان منها سرور، فهو ربح، قال جل لآخر: إذا رأيت سواداً بالليل، فاقدم عليه ولا تخف منه، فإنه يخافك كما تخافه، فقال: أخاف أن يكون ذلك السواد سمع هذا الحديث كما سمعته أنا.
عن زبن العابدين عليه السلام: الدنيا سبات، والآخرة يقظة، ونحن بينهما أضغاث.
قال جار الله الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار: كان الرشيد يقول للكاظم عليه السلام: يا أبا الحسن حدد فدك حتى أردها عليك، فأبى حتى ألح عليه، فقال: لا آخذها إلا بحدودها، قال: وما حدودها ؟ قال: إن حددتها عليك لم تردها، فقال: بحق جدك الا فعلت، فقال: أنا الحد، فعدن، فتغير وجه الرشيد، قال: هيه، فقال: الحد الثاني سمرقد فاربد وجهه، وقال: هيه، قال: والحد الثالث أفريقية، فاسود وجهه، وقال: هيه، فقال: الرابع سيف البحر مما يلي أرمينية، قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، قال جار الله: ثم إنه عزم على قتله.
نظر حكيم إلى رجل حسن الصورة سيء الخلق، فقال: أما البيت فحسن، وأما ساكنه فردي.
قيل لبعض السلف: إذا كان الله تعالى رحيماً، فكيف يعاقب العباد ؟ قال: رحمة لا يغلب حكمته.
أراد بعض العباد يطلق امرأته، فقيل له: وما عيبها ؟ فقال: وهل يتكلم أحد بعيب امرأته فلما طلقها وتزوجت قيل: قل الآن، فقال: هي امرأة غيري، مالي ولها.

(1/280)


قال خياط لابن المابرك: انا أخيط ثياب السلاطين، فهل تخاف علي أن أكون من أعوان الظلمة ؟ قال: لا، إنما أعوان الظلمة الذين يبيعون منك الخيوط والإبرة، وأما أنت فمن الظلمة أنفسهم.
تنازع رجلان عند المأمون فرفع أحدهما صوته، فقال المأمون: يا هذا إنما الصواب في الأسد لا في الأشد.
لا أدري
والله والله وحق الهوى ... وهو يمين ليس يرتاب
ما حطك الواشون عن رتبة ... عندي ولا ضرك مغتاب
كأنما أثنوا عليك ولم ... يعنوك عندي بالذي عابوا
سئل ابن المبارك عن أخلاق أهل البلاد، فقال: أما أهل الحجاز فأشد الناس في الفتنة، وأضعفهم فيها وأما أهل العراق، فأكثرهم طلباً للعلم، وأقلهم به عملاً، وأما أهل المصر، فأكيسهم صغاراً وأحمقهم كباراً، وأما أهل دمشق، فأطوعهم للمخلوق وأعصاهم للخالق.
قال في ربيع الأبرار في الباب الرابع والعشرين منه، يقال للمتلون بوقلمون وهو ضرب من ثياب حرير ينسج بالروم والمصر يتلون الواناً.
قال رجل لآخر: يا ابن الزانية، فقال: با ابن العفيفة، إكذب حتى أكذب، وعلى هذه المنوال قول بعض الظرفاء:
ثالبني عمرو وثالبته ... قد أثم المثلوب والثالب
قلت له خيراً وقال الخنا ... كل على صاحبه كاذب
كتب هشام بن عبد الملك إلى ملك الروم: من هشام أمير المؤمنين إلى ملك الطاغية فكتب في جوابه، ما كنت أظن أن الملوك يسبب بعضها بعضاً وإلا لكنت أكتب إليك من ملك الروم إلى الملك المذموم هشام الأحول الشؤوم.
حكى الراغب في المحاضرات، قال كان بإصفهان يهودي وكان إذا أتاه جندي صاح به من الباب يا اخا القحبة ؟ يقول: لما سمعت صوتك عرفت أنك هو ؟.
كان بعض الخلفاء معتاداً لأكل الطين من صغره فقالايوماً لطبيبه: ما الذي يذهب أكل الطين ؟ فقال: عزمة من عزمات الرجال، قال: صدقت ولم يعد بعدها إلى أكله.
قيل لجالينوس: ما تقول في البلغم ؟ قال: مسلك، كما أغلقت عليه الباب فتح لنفسه باباً آخر.
قيل: فالسوداء ؟ قال هي الأرض إذا تحركت تحرك ما عليها.
قيل: فالصفراء ؟ قال: كلب عقور في حديقة، قيل: فالدم ؟قال: عبدك في يدك وربما قتل العبد سيده.
قيل لبعضهم: مالك لا تأكل الشيء الفلاني ؟ فإنه لذيذ، فقال: تركت ما احب لأستغني عن العلاج بما أكره.
كان بابن العميد نقرس فقيل له: لا تجزع فإنه يؤذن بطول العمر، فقال: هو حق لأن من به النقرس يسهر ليله فيصير نهاراً، فيطول عمره.
قال بقراط لما حضرته الوفاة: خذوا مجامع العلم عني: من كثر نومه ولانت طبيعته ونديت جلدته طال عمره، وسئل ما بال البدن أنور ما يكون عند تناول الدواء ؟ فقال: إنما يثور الغبار عند كنس البيت.
باع رجل أرضاً واشترى بثمنها فرساً، فقال له بعض الحكماء: يا هذا أتعلم ما صنعت ؟ بعت ما تعلفه السرجين فيعوضك الشعير، واشتريت ما تعلفه الشعير فيعوضك السرجين. قال في المحاضرات: ادعى رجل على آخر بطنبور عند بعض القضاة، فأنكر المدعى عليه وتوجه اليمين عليه: فقال القاضي ؟ قل إن كانت الطنبور عندي فأيرك في حراختي.
فقال: أي يمين هذه ؟ فقال القاضي: هذه يمين الدعوى اذا كانت طنبوراً.
طلب رجل من بايع حلاوة، أن يبيعه منها رطلاً نسية.
فقال له البايع: ذق منها فإنّها جيدة، فقال له: إنّي صائم قضاء رمضان العام الأول، فقال البايع: معاذ الله أن اعاملك أنت مماطل ربك من سنة إلى سنة فكيف تفعل بي ؟ قيل: والله ما احب أن يجعل حسناتي يوم القيامة إلى أبواي، لأنّي أعلم أنّ الله أرحم بي منهما، وفي الخبر أنّ الله تعالى خلق جهنم من فضل رحمته، سوطاً يسوق به عباده إلى الجنة.

(1/281)


كل مفهوم مغاير للوجود كالإنسان مثلاً، فإنّه ما لم ينضم إليه الوجود بوجه من الوجوه في نفس الأمر لم يكن موجوداً فيها قطعاً، وما لم يلاحظ العقل انضمام الوجود إليه لم يكن له الحكم بكونه موجوداً فكل مفهوم مغاير للوجود فهو في كونه موجوداً في نفس الأمر محتاج إلى غيره الذي هو موجود، وكلما هو محتاج في كونه موجوداً إلى غيره، فهو ممكن اذ لا معنى للممكن الا ما يحتاج في كونه موجوداً إلى غيره، ولو كان ذلك الغير وجوده فكل مفهوم مغاير للوجود، فهو ممكن ولا شيء من الممكن بواجب فلا شيء من المفهومات المغايرة للوجوب بواجب، وقد ثبت بالبرهان أنّ الواجب موجود فهو لا يكون الا عين الواجب الذي هو موجود بذاته لا بأمر مغاير لذاته، ولما وجب أن يكون الواجب جزئياً حقيقياً قايماً بذاته، ويكون تعينه بذاته لأمر زايد على ذاته، وجب أن يكون الوجود أيضاً كذلك إذ هو عينه فلا يكون الوجود مفهوماً كلياً يمكن أن يكون له أفراد بل هو في حد ذاته جزئي حقيقي ليس فيه إمكان عدد ولا انقسام.
وقايم بذاته منزه عن أن يكون عارضاً لغيره فيكون الواجب هو الوجود المطلق أي المعرى عن التقييد بغيره والإنضمام إليه، وعلى هذا لا يتصور عروض الوجود للماهيات الممكنة فليس معنى كونها موجودة إلا أنّ لها نسبة مخصوصة إلى حضرة الوجود القايم بذاته تلك النسبة على وجوه مختلفة، وأنحاء شتى يتعذر الإطلاع على ماهيتها فالموجود كلي، وإن كان الوجود جزئياً حقيقياً، هذا ملخص ما ذكره بعض المحققين من مشايخنا قال: ولا يعلمه الا الراسخون في العلم إنتهى كلام العلامة في حواشي التجريد.
الصوفية يقولون: الجنّ أرواح متجسدة في أجرام لطيفة، الغالب عليها النار والهواء، كما أنّ على بدن الإنسان الماء والتراب، وهم قادرون على التشكل بأشكال مختلفة وخلع الصور، والدخول في صور اخرى ومزاولة الأعمال الخارجة عن طوق البشر، وغذاؤهم الهواء المتكيف برائحة الطعام، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإستنجاء بالعظام، وقال: إنّه زاد إخوانكم الجنّ.
وقال الشيخ العارف شيخ محيي الدين العربي في الفتوحات: أخبرني بعض المكاشفين أنّه رأى الجنّ يأتون إلى العظم، فيشمونه ثم يرجعون، وحكي الشيخ المفتول في حكمة الإشراق، عن أهل دربند من مدن شروان وأهل ميانه من آذربايجان يشاهدون الجن كثيراً وقد نقلته كلاً في المجلد الثالث من الكشكول.
لأبي فراس الشعر
اولي الذخاير في الحماية والرعاية والحراسةعمر الفتى فهو النهاية في الجلالة والنفاسة فحذار من تضييعه إن كنت من أهل الكياسةوأرض الخمول مع السلامة فالبلاء مع الرياسة
في بيان الحقيقة
وقالوا في الهجاء عليك إثمٍ ... وليس الإثم الا في المديح
لأنّي إن مدحت مدحت زوراً ... وأهجو حين أهجو بالصحيح
لكاتبه
جاء البريد مبشراً ... من بعد ما طال المدى
بالله خبرني بما ... قد قال جيران الحمى
يا أيها الساقي أدر ... كأس المدام فإنّها
مفتاح أبواب النّهى ... مشكاة أنوار الهدى
قد ذاب قلبي يا بني ... شوقاً إلى أهل الحمى
هذا الربيع اذ أتى ... يا شيخ قل حتى متى
قم يا غلام وقل لنا ... الدير أين طريقه ؟
فالقلب ضيع رشده ... ومن المدارس ما اهتدى
قل للبهائي الممتحن ... داو الفؤاد من المحن
بمدامة أنوار ها ... تجلو عن القلب الصدى
ظهور المختلفات على القوة الباصرة وتميز بعضها من بعض بالعوارض والتشخصات إنّما هو بإشراق نور الشمس أعني الضوء عليها، ولولاه لما ظهر على تلك القوة شيء منها فضلاً عن تميز البعض عن البعض، ونور الشمس لا يتكثر في نفسه بإشراقه على المتكثرات ولا يختلف في ذاته بظهوره على المختلفات، وإن كان سبب لظهور تكثرها واختلافها، فإذا أشرق على قطع الزجاج الملونة، ظهر كل من تلك القطع بلون خاص، ليس للاخرى وهو في ذاته مبرؤ عن جميع الألوان واذا أشرق على الخزف والياقوت أظهرهما للحس من غير أن يلحقه وصمة نقص من ظهوره على الأول، أو يستفيد زيادة شرف بإشراقه على الثاني .
وقال بعض العارفين

(1/282)


ألا ترى إلى قولك في الركوع: سبحان ربّي العظيم وبحمده وفي السجود: سبحان ربّي الأعلى وبحمده.
ولله درّ من قال
سمعت من بعض الثقات أنّ الوزير السعيد علي بن عيسى الاربلي صاحب كشف الغمة، كان ماراً في خيله ورجله، وأصحابه يطردون الناس بين يديه، فسألت امرأة، من امرأة اخرى من هذا ؟ هذا رجل طرده الله عن خدمته، وشغله بخدمة أبعد خلقه عنه، فلما سمع الوزير كلامها تزهد وترك الوزارة، وقد نظم هذا المضمون صاحب السبحة .
أكل أعرابي لحماً وبنوه الثلاثة حوله جلوس، فبقي منه عراق ؛ فقال لأولاده: أيّكم أحسن وصفه فهو له، فقال الأول: أنا آكله حتى لا تدري أهو من عظام العام الأول أم هذا العام ؟ فقال: أحسنت، فقال الثاني: أنا آكله حتى لا أدع لذرة فيه مقيلاً فقال: أحسنت ؛ وقال ثالث: أنا أجعل عظامه أدامه، فقال له: خذه.
قيل لبعض الخلفاء: لم لا تؤذ غلمانك ! فقال: هم امناؤنا على أنفسنا فإذا أخفناهم فكيف نأمنهم ؟.
كان أبو تمام يعقد كلامه فقيل له: لم لا تقول ما يفهم ؟ فقال: لم لا نفهم ما يقال ؟ قال الجرجاني للحاتمي: إنّما تحرم لأنّك تشتم ؛ فقال: إنّما اشتم ؛ لأنّي احرم.
وقال المأمون للعتابي: ما المروة ؟ قال: ترك اللذة، فقال: ما اللذة ؟ قال: ترك المروة.
قيل لرجل: ما بلغ بك من عشق فلانة ؟ فقال: أيم الله إنّي كنت أرى القمر في دارها أضوء منه، في دار غيرها.
ومن كلامهم: لا سرف في الخير كما لا خير في السرف، قال بعض الوزراء: ما جلس بين يدي أحد قط الا وتوهمت أنّي بين يديه ؛ من تغلب الزمان، وحذراً من تغير الأيام وتنقل الأعمال.
قال جار الله الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار: الأيدي الثلاثة: يد بيضاء وهي الإبتداء بالمعروف: ويد خضراء وهي المكافأة، ويد سوداء وهي المنّ بالمعروف.
ومن كلام جار الله: ما يرى أحد ثانياً له في العدل الا الأحوال، من دعاء ام إسكندر للإسكندر: رزقك الله حظاً يخدمك به ذوو العقول، ولا رزقك عقلاً تخدم به ذوي الحظوظ.
قال أبو يزيد البسطامي: ليس الزاهد من لا يملك شيئاً: إنّما الزاهد من لا يملكه شيء.
في الحديث: لكل شيء قمامة وقمامة المسجد، لا والله ؛ وبلى والله.
من كلام ابن السماك الواعظ: يا ابن آدم أنت في حبس منذ كنت أنت في الصلب محبوس، فتخرج إلى الرحم ؛ فتكون محبوساً، ثم إلى السرير فتكون محبوساً ثم إلى الكتاب فتكون محبوساً، ثم تكبر فتكون محبوساً بالكد على العيال ثم تصير في القبر محبوساً ؛ فاطلب لنفسك أن لا تكون بعد الموت محبوساً.
قال ارسطو طاليس: العاقل يوافق العاقل ؛ وأما الجاهل فلا يوافق العاقل ولا الجاهل كما أنّ الخط المستقيم ينطبق على المستقيم ؛ وأما المعوج فلا ينطبق على المعوج ولا المستقيم.
كان للفضيل شاة، فاعتلف من علف بعض الامراء شيئاً يسيراً ؛ فما شرب من لبنها بعد ذلك.
بعث السلطان محمود إلى الخليفة القادر بالله ؛ يتهدده بخراب بغداد، وإن تحمل تراب بغداد على الفيلة إلى الغزنة ؛ فبعث إليه الخليفة كتاباً فيه: " الم " وليس فيه سوى ذلك ولم يدر السلطان ما معنى ذلك، وتحير علماؤه في حل هذا الرمز ؛ وجمعوا كل سورة في القرآن أولها " ال م " فلم يكن فيها ما يناسب الجواب ؛ وكان في جملة الكتاب شاب لم يعبأ به ؛ فقال: إن أذن لي السلطان ؛ حللت الرمز ؛ فأذن له، فقال: ألم تهدده بالفيلة ؟ قال: نعم ؛ قال: كتب إليك " ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل " فاستحسن السلطان ذلك، وقربه وأجازه.
العرب تسمى المأة سنة من التاريخ حماراً، ويسمى مروان بالحمار ؛ لأنّه كان على رأس المائة من دولة بني امية.
اشترى بعض العرب حماراً مسناً، فقال: أرى هذا الحمار ولد قبل سنة الحمار.

(1/283)


الشيخ السهر وردي استدل على مغايرة النفس للبدن، بأنّ النفس كما يتعلق بالبدن العنصري المحسوس في عالم الحس، يتعلق أيضاً بالأبدان البرزخية، والهياكل المثالية، على ما يعلم ويشاهد في المنام، وبيانه أنا نرى أنفسنا في المنام ببلاد غير بلادنا وفي بلد صغير، أو كبير وغير ذلك مما يعلم منه يقيناً أنّه ليس البدن العنصري ويشاهد ذلك البدن، كما يشاهد البدن العنصري لا غير، فعلم أنّ النفس مغايرة لهذين البدنين نسبتها إليهما على السواء، وقال في الهياكل: وكيف يتوهم هذه المهية القدسية جسماً والحال أنّها اذا طربت طرباً روحانياً يكاد يترك عالم الأجساد، وتطلب عالم ما لا يتناهى، كما يشهد به أرباب الشهود واستدل أيضاً بأنّ البدن دائماً في التحلل والذبول، والنفس سالمة مدة العمر من ذلك.
من كتاب جلاء الأرواح: سأل الرشيد موسى بن جعفر عليه السلام كيف زعمتم أنّكم أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منا ؟ فقال: لو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟ فقال: سبحان الله كنت أفتخر بذلك على العرب والعجم، فقال: لكنّه لا يخطب إليّ ازوجه.
وفي رواية اخرى أنّه قال له: هل كان يجوز أن يدخل على حريمك وهنّ مكشفات ؟ فقال الرشيد: لا، قال: لكنّه يدخل في حرمي، وهنّ كذلك، فقال له الرشيد: صدقت.
قال بعض الظرفاء: السوقي إذا وزن عمله يوم القيامة، فلا بد أن يقول: حولوه إلى الكفة الاخرى ففي الميزان عين.
وفي المحاضرات أن المأمون مر منكراً واذاً كناس يقول: قد سقط المأمون من عيني منذ قتل أخيه، فبعث إليه ببدرة، فقال له: ان رأيت أن ترضى عنّي فعلت.
قيل للحسن البصري: هلاّ تصلي فان أهل السوق قد صلوا ؟ ! فقال: اولئك قوم إن نفقت سوقهم أخروا الصلاة وإن كسدت عجلوها.
شعر
لا تسلك الطرق اذا خطرت ... لأنّها تفضي إلى المهلكة
قد أنزل الله تعالى ولا ... تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
ومن أمثال العرب الموضعة للبهائم، أنّ الدجاجة عيرت الحمامة، بأنّها كثيرة النسل وأنّ الحمامة لا تزيد في السنة على فرخين، فقالت لها الحمامة: أنت لا تهم بالحب لفراخك، ولا تأتي لهم من المواضع البعيدة، بل هم يلقطونه حال خروجهم من البيض، وأما نحن فنحتاج إلى تحصيل الحب، وحمله إليهم من المواضع البعيدة، ولو كنت كذلك لم يزد فراخك على الواحد، فضلاً عن الإثنين.
قال ابن خالويه الغلوي في كتابه المسمى: بكتاب لبلباب، ليس في كلام العرب مؤنث غلب على المذكر الا في ثلاثة أحرف: الأول في التاريخ، فيكتبون لثلاث مضين وثلاث إن بقين بإثبات إن الشرطية لعدم تيقن بقائها لجواز كون الشهر ناقصاً، وكذا يكتف في النصف لخمس عشرة ليلة خلت لا لنصف خلا، لأنّك لست على يقين من أنّه النصف، وتقول: صمت عشراً ؛ ولا تقول: عشرة مع أن الصوم لا يكون الا بالنّهار، وكذا تقول: سرت عشراً لا عشرة.
الثاني: أنّك تقول: الضبع العرجاء للمؤنث والمذكر.
الثالث: النفس مؤنثة ويقال: ثلاثة أنفس على لفظ الرجال ؛ ولا يقال ثلاث أنفس.
كان بعضهم في أيام صغره أشد ورعاً منه في أيام كبره، وقد أنشأ هذا المضمون بقوله:
عصيت هوى نفسي صغيراً وعندما ... أتتني الليالي بالمشيب وبالكبر
أطعت الهوى عكس القضية ليتني ... خلقت كبيراً ثم عدت إلى الصغر
قال في مروج الذهب: وقد كان سعى بأبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام إلى المتوكل، وقيل له: أنّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعة أهل قم، وأنّه عازم على الملك، فبعث إليه جماعة من الأتراك فهجموا عليه ليلاً على غفلة فلم يجدوا في داره شيئاً ووجدوه في بيت وحده مغلق عليه وهو يقرأ القرآن، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصى وعلى رأسه ملحفة من الصوف متوجهاً إلى ربه يترنّم بآيات في الوعد والوعيد.
قال: فحمل على تلك الحال إلى المتوكل فأدخل عليه وهو في مجلس الشرب، والكأس في يده، فأعظمه، وأجلسه على جانبه وناوله الكأس الذي في يده فقال: " والله ما خامر لحمي ودمي قط فاعفني منه : " فعافاه، وقال له أسمعني صوتاً فقرأ: " كم تركوا من جنات وعيون " الآيات.
فقال: أنشدني شعراً أستحسنه فقال: إنّي لقليل الرواية للشعر فقال: لا بد من ذلك، فأنشده:

(1/284)


باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال فما أغنتهم القلل
وانزلوا بعد عزّ عن معاقلهم ... واسكنوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد موتهم ... أين الأساور والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعمة ... من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين سائلهم ... تلك الوجوه عليها الدود ينتقل
وطال ما أكلوا دهراً وما شربوا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد اكلوا
وطال ما عمّروا دوراً لتحصنهم ... ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
وطال ما كنزوا الاموال وادخروا ... فخلفوها على الأعداء وارتحلوا
أضحت منازلهم قفراً معطلة ... وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
قال: فأشفق من حضر على عليّ ؛ وظنّوا أنّ بادرة تبدر منه إليه ؛ والله لقد بكى المتوكل بكاءاً طويلاً ؛ حتى بلت دموعه لحيته وبكى من حضره، ثم أمر برفع الشراب ثم قال له: يا أبا الحسن أعليك دين ؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار ؛ فأمر بدفعه إليه ورده إلى منزله من ساعته مكرماً.
قال بعض العلماء: حججت في بعض السنين ؛ فبينما أنا أطوف بالبيت إذاً بأعرابي موشح جلد غزال ؛ وهو يقول:
أما تستحي يا ربّ أنت خلقتني ... اناجيك عرياناً وأنت كريم
قال: فحججت في العام القابل ورأيت الأعرابي وعليه ثياب وحشم وغلمان فقلت له: ان الذي رأيتك في العام الماضي وأنت تنشد ذلك البيت ؟ فقال: نعم خدعت كريماً فانخدع.
قيل لأبي الحرث: كان له برذون ضعيف: هل سبقت برذونك هذا ؟ فقال: نعم مرة واحدة كنت مع قافلة ؛ فدخلنا زقاقاً ضيقاً لا منفذ له ؛ وكنت آخر القوم، فلما رجعوا كنت أولهم.
من كتاب تعبير الرؤيا للكليني ره: جاء رجل إلى الصادق عليه السلام وقال: رأيت أنّ في بستاني كرماً ؛ يحمل بطيخاً فقال له: إحفظ امرأتك، لا تحمل من غيرك، وأتاه رجل فقال: كنت في سفر فرأيت ؛ كأنّ كبشين ينتطحان على فرج امرأتي ؛ وقد عزمت على طلاقها لما رأيت ؛ فقال عليه السلام: أمسك أهلك إنّها لما سمعت بقرب قدومك أرادت نتف المكان، فعالجته بالمقراض.
وفي ربيع الأبرار أنّ إبليس قال: إلهي إنّ عبادك يحبّونك ؛ ويعصونك ؛ ويبغضوني، ويطيعوني ؛ فأتاه الجواب: إنّي عفوت عنهم ما أطاعوك بما أبغضوك، وقبلت منهم إيملنهم ؛ وإن لم يطيعوني بما أحبوني.
في مخلف وعده شعر:
ووعدتني وعداً حسبتك صادقاً ... فغدوت من طمعي أجيء وأذهب
وإذا اجتمعت أنا وأنت بمجلس ... قالوا مسيلمة وهذا أشعب
كان يحيى بن خالد يكثر الجلوس في البيت الصغيرة الضيقة ؛ فقيل له في ذلك فقال: هي أجمع للعقل، وأضبط للفكر.
لأبي الفرج الإصفهاني ؛ وهو علي بن الحسين صاحب كتاب الأغاني، فقد حضر في باب بعض الامراء ومعه تحفة، فحجب عن الدخول:
شعر
حضرتكم دهراً وفي الكمّ تحفة ... فما أذن البواب لي في لقائكم
إذا كان هذا حالكم يوم أخذكم ... فما حالكم بالله يوم عطائكم
توفي أبو الفرج المذكور في سنة 356 في أيام المطيع بالله ؛ وجمع كتاب الأغاني في خمسين سنة.
وفي كتاب جلاء القلوب: أنّ الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام رأى الحسن البصري يقص عند الحجر ؛ فقال له: يا حسن ترضى نفسك للموت ؟ قال: لا ؛ قال: فعلمك للحساب ؟ قال: لا ؛ قال: فثم دار للعمل غير هذه الدار ؟ قال: لا، قال: فلله في أرضه معاذ غير هذا البيت ؟ قال: لا، قال: فلم تشغل الناس عن الطواف به ؟ قال الراوي: فما قص الحسن بعدها.
كان أبو حيان النحوي متضلعاً بالعلوم، وصنف كتباً جيدة مفيدة، ولكنّه أحرقها في آخر عمره، فليم على ذلك، فقال: العلم إما سر أو علانية ؛ فالسر لا أجد من يتجلى به، وأما العلانية فلا أرى من يحرص عليه.
وجد بعض الأعراب رجلاً مع امه فقتلها ؛ فقيل له: هلا قتلت الرجل وتركت امك فقال: كنت أحتاج كل يوم إلى أن أقتل رجلاً.
شهد جماعة عن ابن شبرمة على قراح النخل، فقال لهم: كم عددها ؟ قالوا: لا ندري، فردّ شهادتهم، فقال واحد منهم: كم لك تقضي في هذا المسجد ؟ فقال: ثلاثون سنة.

(1/285)


قال: كم فيه اسطوانة ؟ فخجل وقبل شهادتهم.
وشهد عنده رجل، فرد شهادته، وقال: بلغني أنّ جارية غنت فقلت لها: أحسنت، فقال: قلت ذلك حين ابتدأت أو حين سكتت ؟ قال: وحين سكتت، قال: استحسنت، سكوتها أيها القاضي، فقبل شهادته.
قال رجل لآخر: أمؤمن أنت ؟ قال: إن أردت قوله تعالى: " آمنا بالله وما انزل علينا " ، فنعم، وإن أردت قوله تعالى: " إنّما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " فلا أدري.
رمى المتوكل عصفوراً، فأخطأه، فقال وزيره ابن حمدون: أحسنت يا سيدي فقال: أتهزئني ؟ كيف أحسنت ؛ قال: إلى العصفور .
كان سائل يمشي، وخلفه ابن صغير له، فسمع الصغير امرأة تصيح خلف جنازة وتقول: يذهبون بك يا سيدي إلى بيت ليس فيه غطاء، ولا وطاء، ولا غذاء ولا عشاء فقال الصبي: يا أبت إنما يأخذونه إلى بيتنا .
قيل لأبي العيناء: ما أشد عليك من ذهاب بصرك ؟ فقال: قوم تبدؤني بالسلام فكنت احب أن أعلم لأقطع عنه كلامي.
وقال يوماً لبعض الصبيان: في أي باب من أبواب النحو أنت ؟ فقال: في باب الفاعل والمفعول به، فقال: أنت في باب أبويك إذن.
وقالت له جارية: هب لي خاتمك أذكرك به، فقال لها: اذكريني بالمنع، وقالت له فتية يوماً: يا أعمى، فقال: ما أستعينن على فتح وجهك بشيء أنفع منه.
وعد بعض الملوك لبعض البلغاء بحاجة، ووعده إلى العصر فجاء إليه وقت الظهر، فقال الملك: إنّي ألم أقل لك إلى العصر فقال الرجل: نعم، ولكن الإفراط في الإستظهار خير من الإستظهار في التواني.
جامى
في أنّ الانس بالأموات أولى من مخالطة الأحياء الذين هم أموات القلوب.
في التوحيد
من الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام:
يعيب الرجال زماناً مضى ... وما لزمان مضى من غير
فقل للذي ذم صرف الزمان ... ظلمت الزمان فذم البشر
كانت علية بنت المهدي اخت هارون الرشيد من أجمل النساء وأظرفهم، وأشعرهم، وأمهرهم في صناعة الموسيقى، وصياغة الألحان، وكانت عنيفة حسنة الدين ولا تغني ولا تشرب الا أيام اعتزالها الصلاة، فإذا طهرت لازمت الصلاة وتلاوة القرآن، ومن كلامها ما حرم الله تعالى شيئاً الا وجعل فيما حلل عوض منه فبأي شيء يحتج عاصيه، وهي التي كانت تهوى غلاماً للرشيد يسمى طلاً، وحكايتها فيه مشهورة قد أوردتها في المجلد الأول من الكشكول ولها أبيات رائقة فمن ذلك قولها:
وضع الحب على الجور فلو ... أنصف المعشوق فيه لسمج
ليس يستحسن في فنّ الهوى ... عاشق يحسن تأليف الحجج
قال محمّد بن إسماعيل بن موسى الهادي: كنت عند المعتصم وعنده مخارق وعلية، وعقيد. تغنى عقيد بهذين البيتين:
نام عذالي ولم أنم ... واشتفى الواشون من سقمي
واذا ما قلت بي ألم ... شك من أهواه في ألمي
فطرب المعتصم، وقال: لمن هذا الشعر واللحن ؟ فأمسك الحاضرون عن الجواب، فقلت: هما لعلية، فلوى المعتصم وخمد عني فعرفت أنّي غلطت، وأنّ القوم أمسكوا عن الجواب عمداً ففطن بي، وقال: يا محمد: فإنّ نصيبك منها مثل نصيبنا.
وشعر علية كثير أوردت بعضه في المجلد الأول من الكشكول.
قال الأصمعي: دخلت البادية ومعي كيس فأودعته امرأة منهم، فلما طلبته أنكرته فقدمتها إلى شيخ من الأعراب، فأقامت على إنكارها فقال: قد علمت أنّه ليس عليها إلا اليمين فقلت كأنّك لم تسمع قوله تعالى:
ولا تقبل لسارقة يمينا ... وإن حلفت بربّ العالمينا
فقال: صدقت، ثم أخذ يتهددها فأقرت وردت إليّ الكيس، ثم إلتفت إليّ الشيخ، وقال: في أي سورة هذه الآية ؟ فقلت في قوله تعالى:
ألا هبّي بصحنك فأصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا
فقال: سبحان الله لقد كنت أظنّ أنّها في " إنا فتحنا لك فتحاً مبينا " حدث يحيى بن أكثم والمأمون: أنّ كثيراً اجتمع مع عزة فلم يعرفها، فقالت: من أنت ؟ قال: كثير، قالت: هل تركت عزة فيك نصيباً لغيرها، فقال: لو أنّ عزة كانت أمة لجعلتها لك فكشفت البرقع وقالت: يا كثير، هذا أيضاً من كذب الوشاة، فاستحيى منها فقال المأمون: وأيم الله لقد استحييت له وأنا على سريري.

(1/286)


ومما ينخرط مه هذه الحكاية في سلك ما يروى أنّ عزة قالت لبثينة: تصدي لكثير وطمعيه في نفسك لأسمع ما يجيبك به وأستكشفي سريرته فأقبلت إليه وعزة تمشي وراءها متخفية فعرضت عليها الوصل فدنا منها وأنشد شعراً:
رمتني على عمد بثينة بعدما ... تولى شبابي وارجحنّ شبابها
بعينين نجلاوين لو رقبتهما ... بنوء الثريا لأستهل سحابها
فكشفت عزّة عن وجهها فلم يقطع كلامه.
شعر
ولكنّما ترمين نفساً مريضة ... لعزة منها صفوها ولبابها
فضحكت وقالت اولى لك بها نجوت.
من المحاضرات مر سفيان الثوري برجل وهو ينشد:
تشاغل كل مخلوق بشيء ... وقلبي في محبته وفيه
أتوب إلى الذي أضحى وامسي ... وقلبي يتقيه ويرتجيه
فدنى سفيان: منه وأخذ يبكي معه ثم قال:
عسى قلب الممكن في فؤادي ... برق الذل طاعة عاشقيه
فقال سفيان: اللهم لا تضلنا بعد إذ هديتنا .
ومر ناسك بدار فيها أبو نؤاس وهو ينشد شعراً:
إنّ في توبتي لفسخاً لجرمي ... فاعف عني فأنت للعفو أهل
فرفع الناسك يديه بالدعاء، فقال: اللهم تب عليه فقد تاب وأناب إليك، فلما أنشد أبو نؤاس بعد هذا البيت:
لا تؤاخذ بما يقول على السكر ... فتى ما له على الصحو عقل
أعرض الناسك وقال: اللهم أرشد فلاناً.
طغرل بن أرسلان من طغرل بن سلطان ملكشاه كان غرة جبهة السلاجقة وكان حسن الصورة، لطيف الشمائل، رضي الأفعال، جيد الشعر بالفارسية والعربية.
للرشيد في جواريه الثلاث
ملك الثلث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان
مالي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهنّ وهنّ في عصياني
ما ذاك الا أنّ سلطان الهوى ... وبه غلبن أغز من سلطاني
وفد بعض الشعراء على زبيدة، فقال في مدحها:
أزبيدة ابنة جعفر ... طوبى لزائرك المثاب
تعطيه من رجليك ما تعطي ... الأكف من الرغاب
فوثب الخدم بضربه، فقالت: كفوا عنه فما قصد ما فهموه، إنّه لما رأى الناس يقولون: شمالك أندى من كل يمين، أراد أن ينسج على هذا المنوال.
قال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام: عظني وأوجز، فقال: توقّ ما تعيب، فقال: زدني قال: لا تأت ما تعيب ولا تعب ما تأتي، هكذا نقله الراغب في المحاضرات، وقوله: لا تعب ما تأتي في معناه خفاء. قال بعض الفضلاء: لو ابدل لفظ ما بمن لكان أظهر، ولعل هذا من تصرف النساخ.
قال كاتب الأحرف: الظاهر أنّ مراده عليه السلام لا تعب من غيرك، ما تأتيه أنت، وهذا معنى ظاهر.
شعر
مما قال أمير المؤمنين في مرثية النبي صلى الله عليه وسلم:
كنت السواد لناظري ... فبكى عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت احاذر
وقد حام هذا المعنى من قال:
ليجهد الدهر في مسائي ... فإنّني بعد ذا صبور
فلست أرجو ولست أخشى ... ما أحدثت بعدك الدهور
من كتاب قوت القلوب: عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، أنّ لله تعالى في خلقه مثوبات فقر، وعقوبات الفقر، فمن علامات الفقر، إذا كان مثوبة أن يحسن عليه خلقه، ويطيع ربه، ولا يشكو حاله، ويشكر الله تعالى على فقره، ومن علامة الفقر إذا كان عقوبة أن يسوء عليه خلقه، ويعصي فيه ربه ويكثر الشكاية، ويتسخط القضاء، وهذا النوع من الفقر هو الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ أبو الرزاق في شرح منازل السائرين: العشق العفيف أقوى سبب في تلطيف السر والإعداد للعشق الحقيقي، بأنه يجعل الهموم واحداً، ويقطع توزع الخاطر وتفرقه، ويلذذ خدمة المحبوب ويسهل التعب والمشقة في طاعته وامتثال أمره بخلاف العشق المنبعث من غلبه سلطان الشهوة، فإنه وسواس ناش من تسليط الفكر في استحسان شمايل بعض الصور وعبادة للنفس بالسعي في تحصيل اللذات وعلى هذين النوعين يبنى مدح العشق الصوري وذمه في كلام بعض العرفاء والحكماء إنتهى كلامه.

(1/287)


قال بعضهم في وصف كلام سلس: لو كان الكلام طعاماً لكان هذا أداماً، قالت امرأة بعض الأحرار لزوجها: أما ترى أصحابك إذا أيسرت لزموك وإذا عسرت رفضوك ؟ فقال: هذا من كرم نفوسهم يأتوننا في حال القوة على الإحسان إليهم، ويتركونا في حال الضعف عنهم.
حكي أن بعض حكماء الإسلام تصدي التوفيق بين كلام فلاسفة الحكماء وما نطقت به الأنبياء، وهو وإن أصاب في البعض، لكن لابد في البعض من ارتكاب تكلفات بعيدة وتأويل كلام الأنبياء ليتم التوفيق، والصواب أن يجعل الميزان كلام الأنبياء المتلقى من الوحي الإلهي ولا يلتفت إلى تأييده بموافقة كلام بعض الفلاسفة.
قال الشيخ محي الدين في فصوص الحكم في فص الإسماعيلي: الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، والحضرة الإلهية يطلب الثناء المحمود بالذات، فيثني عليه بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، بل يالتجاوز " فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله " ، ولم يقل وعيده بل قال " ويتجاوز عن سيئاتهم " .
وقال في فص اليونسي: أما أهل النار فمآلهم إلى النعيم، لكن في النار، إذ لابد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب برداً وسلاماً على من فيها، وهذا نعيمهم انتهى كلامه.
جملة معترضة قال: أبو محمد بن يحيى مؤدب المأمون: صليت يوماً قاعداً لمرض أصابني فأخطأ المأمون، فقمت لأضربه، فقال: أيها الشيخ تطيع الله قاعداً وتعصيه قائماً.
قال بعض أهل الكلام بعد نقل هذا الكلام: مما يلايم هذا، الحديث المشهور سيأتي على جهنم زمان ينبت في قعرها الجرجير.
قال الفاضل المبيدي في شرح الديوان: لا يبعد أن يكون الخطأ في الأحكام النجومية مستنداً إلى تغير صورة البروج بالحركة الثانية، ويؤيد ذلك أن منجمي الهند يرتبطون الأحكام على نفس الصور كما ذكره بعض المحققين.
سئل بعض العارفين من المتأخرين عن ظهور الوحدة في مظاهر الكثرة فقال: التصريف تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة، لمعان مقصودة لا يحصل إلا بها.
قال الشبيخ السهروردي في التلويحات: كان الحكماء أخذوا العالم حيواناً واحداً وسموا جسمه جسم الكل، له نفس ناطقة هي مجموع النفوس وعقل واحد هو مجموع العقول، وسموا مجموع النفوس نفس الكل، ومجموع العقول عقل الكل، وأكثرهم خص العالم بالسماء غير ملتفت إلى كائن فاسد.
الشيخ المقتول في التلويحات: لا يكون الإنسان من الحكماء ما لم يكن يحصل له ملكة خلع البدن، فلا يلتفت إلى هؤلاء المشبهة بالفلاسفة، والمخبطين الماديين فان الأمر أعظم مما قالوا.
قال صاحب المفاحص: التعبير عن المبدإ الفياض تعالى شأنه بالوحدة، فإنها أشمل من الوجود.
وبعض أهل العرفان يعبر عنه بالنقطة، والشيخ العربي يعبر عنه بالعشق: وللناس فيما يعشقون مذاهب، ولله در من قال:
عباراتنا شتى وحسنك واحد ... وكل إلى ذاك الجمال يشير
قال بعض الظرفاء: كأم وجه فلان وجه عجوز راحت إلى أهلها بطلاقها.
من كلامهم: إذا علم الثقيل أنه ثقيل، فليس بثقيل.
قال في ربيع الأبرار: وجد جمجمة عظم الرأس: قد تناثرت أسنانها فكان وزن كل سن أربعة أرطال.
قال حائك للأعمش: ما تقول في الصلاة خلف الحائك ؟ قال: لا بأس بها على غير وضوء قال: ما تقول في شهادته ؟ قال: تقبل مع عدلين يشهدان معه.
قيل لأعرابي على مائدة لبعض الخلفاء وقد حضر فالوذج وهو يأكل منه: يا هذا إنه لا يشبع منه أحد إلا مات، فأمسك يده ساعة، ثم ضرب بالخمس وقال: إستوصوا بعيالي خيراً.
قيل لأعرابي: ما تسمون المرق ؟ قال: السخين، قال: فإذا برد ؟ فقال: نحن لا نتركه يبرد، فقال: سخن لا يبرد مبرد.
جلس كسرى للمظالم، فتقدم إليه رجل قصير وجعل يقول: أنا مظلوم وهو لا يلتفت إليه، فقال الوزير: أنصف الرجل فقال: إن القصير لا يظلمه أحد، فقال: أصلح الله الملك إن الذي ظلمني، أقصر مني.
كان الجاحظ قبيح الصورة جداً حتى قال الشاعر:
لون يمسخ الخنزير مسخاً ثانياً ... ما كان الادون قبح الجاحظ
قال يوماً لتلامذته ما أخجلني إلا امرأة أتت بي إلى صايغ، فقالت مثل هذا، فبقيت حائراً في كلامها، فلما ذهبنت سألت الصايغ، فقال: استعملتني أ أصنع لها صورة جني، فقلت: لا أدري كيف صورته، فأتت بك.

(1/288)


ولي أعرابي اليمن، فجمع اليهود، وقال: ما تقولون في عيسى عليه السلام ؟ قالوا: قتلناه، وصلبناه، فقال: لا تخرجوا من السجن حتى تؤددوا ديته.
من لطايف الأعراب قال أعرابي لآخر: أقرضني عشرين درهماً، جلني شهراً قال: أما الدراهم، فليست عندي، وأما الأجل فقد أجلتك سنة بدلاً عن شهر.
حكى لأصمعي قال: نزلت في بعض الأحياء، فنظرت إلى قطع من القديد منظومة في خيط فأخذت في أكلها، فلما استوفيتها أقبلت المرأة صاحبة الخباء وقالت: أين ما كان في الخيط ؟ فقلت: أكلته، فقالت: ليس هذا مما يؤكل إني امرأة أخفض الجواري وكلما خفضت جارية علقت خفضتها في هذا الخيط.
وقال: قد عزم الحجاج على قتل رجل، فهرب واستخفى منه، ثم جاء إليه بعد أيام، وقال: أيها الأمير إن فلاناً ضرب عنقي، فقال له الحجاج: وكيف جئت ؟ قال: أصلح الله الأمير إني أرى كل ليلة أنك، قتلتني فأردت أن يكون قتلة واحدة، فعفى عنه وأجازه.
كان عبد الأعلى السلمي مرائياً، فقال يوماً: الناس يزعمون أني مرائي، ولقد كنت بالأمس والله صايماً وقد صمت اليوم أيضاً، وما أخبرت بذلك أحداً.
وطول أعرابي صلاته، فمدحه الحاضرون، فلما فرغ من صلاته قال: وأنا مع ذلك صايم.
خرج ديوجانس الحكيم مع رفيق له موسر في سفر، فعرض لهم اللصوص، فقال: الويل إن عرفوني، فقال الحكيم: الويل إن لم يعرفوني.
ولما اخرج سقراط ليقتل مظلوماً، بكت زوجته فقال: ما يبكيك ؟ فقالت: لأنك تقتل فقال: يا هذه لو كنت تحبين أن ان اقتل ظالماً ؟
البختري
والله والله وحق الهوى ... وعيشنا الماضي وودي القديم
ما خطر السلوان في خاطري ... أعوذ بالله السميع العليم
قادمته يوماً فألفيته ... متصل الصمت قليل النشاط
حتى لقد أوهمني أنه ... بعض التمائيل التي في البساط
لحقنا زماناً والسباع تهابنا ... وفي وقتنا نخشى صياح الثعلب
شعر
هم يشوقني إلى طلب المنى ... وهوى يشوقني إلى الأوطان
جمالك في كل الحقايق سائر ... وليس له إلا جلالك ساتر
في كتاب الروضة: عن الصادق عليه السلام قال: " إن الله ليحفظ من يحفظ صديق أبيه " .
وعنه صلوات الله عليه: " إذا دعوت، فظن أن حاجتك بالباب " .
وعنه صلوات الله عليه: " إذا سألت الله حاجة فسمها باسمها، فإن الله ييحب أن تبتث إليه الحوائج " .
رأيت في بعض التواريخ ما صورته: من كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام في زوال بني العباس، ملك بني العباس يسر لا عسر فيه، لو أجتمع الترك والديلم والهند على أن يزيلوا ملكهم لما قدروا أن يزيلوه، حتى يشذ عنهم مواليهم، وأرباب دولتهم: وتسلط عليهم ملك من الترك جهوري الصوت، يأتي عليهم من حيث بداء ملكهم، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا يرفع له راية إلا نكسها، الويل الويل الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر، ثم يدفع بالحق ظفره إلى رجل من عترتي يقول بالحق ويعمل بالحق، قال صاحب التاريخ: اراد بذلك هولاكوخان، حيث جاء من ناحية خراسان، ومنها ابتداء ملك بني العباس، أن أول ما أخذت البيعة لهم في خراسان بسعي أبي مسلم، وحكاية قتل هلاكوخان المعتصم بالله العباسي مشهورة، وأراد بقوله: ثم يدفع بظفره إلى رجل من عترتي، يريد به المهدي المنتظر صلوات الله عليه خروجه كما جاء في الخبر، قال في بهجة الحدائق سلمت الكوفة والحلة والمشهد من القتل في وقعة هلاكوخان لأنه لما ورد بغداد كاتبه أبي السيد بن طاوس، والفقيه ابن العز، وسألوه الامان قبل فتح بغداد فطلبهم، فخافوا فمضى إليهم والدي خاصة، فقال كيف أقدمت على المكاتبة قبل الظفر ؟ قال: لأن أمير المؤمنين علي عليه السلام، وقد أخبر بك، وتلا عليه الخبر.
العنقاء في اصطلاحهم هي الهيولى لأنه لا يرى كالعنقاء، ولا يوجد إلا مع الصورة ويسمى العنصر الأعظم، والقشر في اصطلاحهم كل علم ظاهره يصون العلم الباطن الذي هو لبه عن الفساد كالشريعة للطريقة، والطريقة للحقيقة، فمن لم يصن حاله وطريقه بالشريعة، فسد حاله وآلت طريقته هوساً وهوى ووسوسة، ومن لم يتوصل بالطريقة إلى الحقيقة ولم يحفظها بها فسدت حقيقته وآلت إلىالزندقة والإلحاد والإضلال.

(1/289)


سئل بعض الوعاظ وهو على المنبر: كيف شعر علي صلوات الله عليه بالسائل ؟ مع كونه في صلاته مستغرقاً في الإقبال على الله بكليته، فأنشده:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ... عن النديم ولا يلهو عن الكاس
أطاعه سكره حتى تحكم من ... فعل الصحاة فهذا أفضل الناس
رأيت في بعض الكتب المعتمدة إذا جمعت طرفي الجلالة وقسمت المجتمع على حروفها الأربعة، وضربت الخارج عن القسمة، أعني الواحد والنصف في عدد الجلالة أعني 66 تبلغ عدد الأسماء الحسنى 99.
وفي كتاب مشارق الأنوار: أن لفظ الجلالة أربعة أحرف، وكل حرف اسقط منها دل الباقي على العظمة والملك، فإذا اسقط الهمزة بقي لله، وإذا اسقط اللام الأول أيضاً بقي له وله كل شيء، وإذا اسقط اللام الثانية أيضاً بقي الهاء، أعني هو.
وفي الحديث: بعثت إلى الأحمر والأسود، أي إلى العرب والعجم لأن الغالب على ألوان العرب السواد والسمرة، والاغلب على ألوان العجم البياض والحمرة، والمارد بالعجم ما عدا العرب، وقيل المراد بالأسود والأحمر، الجن والإنس، فالأسود كناية عن الجن لعدم ظهورهم، والأحمر عن الانس، والقول الأول هو المشهور.
كان أبو القيس يهوى جارية، وكانت مولعة بهجره وتعذيبه حتى أدنف وأشرف على التلف، فلما احتضر بلغها ذلك، فعطفت عليه، وأتت إليه وأخذت بعضادتي الباب وقالت: كيف حالك ؟ فلما سمع كلامها أنشد:
ولما رأتني في السياق تعطفت ... علي وعندي من تعطفها شغل
أتت وحيالض الموت بيني وبينها ... وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل
ثم وضع رأسه على قدميها ومات رحمه الله.
شعر
وإذا تكامل للفتى من عمره ... خمسون وهو إلى التقى لا يجنح
عكفت عليه المخزيات فما له ... متأخر عنها ولا متزحزح
وإذا رأى الشيطان صورة وجهه ... حياً وقال فديت من لا يفلح
من أمثال العرب، تحاكم أرنب وثعلب إلى الضب، فقالا: اخرج إلينا يا أبا حلس فقال: في بيته يؤتى الحكم، فقال الأرنب: إن وجدت تمرة قال: حلوة فكلها، فقال: إن هذا غصبنيها، قال: لنفسه يفي الخير، قال: وإني لطمته، قال البادي أظلم، قال: فلطمني قال: حر انتصر لنفسه.
قال: فاحكم بيننا، قال قد حكمت، فهذه الكلمات كلها صارت أمثالاً تنقل في الإصطلاحات في حرف الميم.
إن الشيخ أبا طالب المكي في قوت القلوب، قال: إن الأفلاك تدار بأنفاس بني آدم ونقل ذلك أيضاً عن الشيخ محي الدين العربي .
ابن حيوش
اذ المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل عل النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
تعيرنا انا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل
وما ضرنا انا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل
لنا جبل يحتله من نجيره ... منف يرد الطرف وهو كليل
وإنا لقوم ما نرى القتل سبة ... إذا ما رأته عامر وسلول
يقرب حب الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول
وما مات منا سيد في فراشه ... ولا طل منها حيث كان فتيل
تسيل على حد الظبات نفوسنا ... وليست على غير السيوف تسيل
صفونا فلم نكدر وأخلص سرنا ... إناث أطابت حملنا وفحول
إذا مات منا سيد قام سيد ... قؤول بما قال الكرام فعول
وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول
وما اخمدت نارلنا دون طارق ... ولا ذمنا في النازلين نزيل
وأسيافنا في كل شرق ومغرب ... بها من قراع الدارعين فلول
معودة أن لا تسل نصالها ... فتغمد حتى يستباح قبيل
قال الشيخ في النجاة: الفلك حيوان مطيع لله تعالى، إنتهى كلامه.
قال بعض المحققين: إذا كان مثل الذباب والخنفساء حياً، فما المانع من كون الشمس والقمر في زمرة الأحياء ؟ وما أحسن قول بعض العارفين في صفة الأفلاك ؟ !
البسامي

(1/290)


أيا دولة السفل أطلت المكث فانتقلي ... ويا ريب الزمان أفق نقت الشرط في الدول
قال الشبخ العارف عبد الرزاق الكاشي في اصطلاحات: عبد الرؤوف من جعله الله مطهراً لرحمته ورأفته، فهو أرأف خلق الله بالناس، إلا في الحدود الشرعية، فإنه يرى الحدود ما أوجبه عليه من الذنب الذي جر على يده، رحمة منه عليه، وإن كان ظاهره نقمة، وهذا مما لا يعرف الاخاصة الخاصة بالذوق، فإقامة الحد عليه ظاهراً عين إكرامه به باطناً.
الشيخ المقتول أبو الفتح شهاب الدين يحيى ابن اخ شهاب الدين السهروردي وكان مرتاضاً سياحاً قصد حلب، وأعزه الملك الظاهر فحسده فقهاؤها، وأفتوا بقتله، فقتل سنة 586.
تظلم أهل الكوفة إلى المأمون من وال كان عليهم، فقال المأمون: كفوا فلا أعلم أعدل منه في عمالي ولا أقوم، فقال المتظلم: إن كان له هذا الوصف، فجعل لكل بلد فيه نصبباً ليستووا العدل، وإذا فعل أمير المؤمنين ذلك، لم يكن نصيبنا منه أكثر من ثلاث سنين فضحك المأمون وعزله.
كتب بعض العمال إلى وال ولاه ولاية يقال لها الشيز، ليستعفى، ويطلب العزل
شعر
ولاية شيز عزل ... والعزل فيها ولاية
فولني العزل عنها ... إن كنت لي ذا عناية
قال بعض الحكماء: إذا وليت ولاية، فإياك أن تستعين في ولايتك بأقاربك، فتبتلي بما ابتلى به عثمان بن عفان، واقض حقوقهم بالمال لا بالولاية.
إختلفوا في أن الإنسان، هل يمكنه تغيير خلقه أم لا ؟ فالغزالي في الإحياء والمحقق الطوسي في الأخلاق على الأول، ويعضده قول النبي صلى الله عليه وسلم " حسنوا أخلاقكم " .
وبعض الأكابر على الثاني، وعليه قول بعضهم:
شعر
لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام:
وكل جراحة فلها دواء ... وسوء الخلق ليس له دواء
وقال الراغب في الذريعة: من منع من تغير الخلق، فإنه اعتبر القوة نفسها، وهذا صحيح، فإن النوى محال أن ينبت منه الإنسان تفاحاً، ومن أجاز تغيره فإنه اعتبر إمكان خروج ما في القوه إلى الوجود، وإفساده بإهماله نحو النوى فإنه يمكن أن يتفقد فيجعل نخلاً، وأن يترك مهملاً حتى يعفن، فإذن اختلافهما، بحسب اختلاف نظريهما.
استعمل المنصور رجلاً على خراسان، وكان لين العريكة، فأتته امرأة في ظلامة فلم تر عنده غناء، فقالت له: أتدري لم ولاك أمير المؤمنين ؟ قال: لا، قالت: لينظر أيتم أمر خراسان بلا وال.
قال المنصور العباسي لجنده: صدق القائل أجع كلبك فيتبعك، فقال الجند: نعم وربما يلوح له غيرك برغيف، فيتبعه ويدعك .
قال أبو العيناء لصاعد: نحن في دولتك محرومون ؟ وفي عطيتك مرحومون.
بعض الشعراء في عامل يقال له أبو علي طالت مدة ولايته.
شعر
وقالوا العزل للعمال حيض ... لحاه الله من حيض بغيض
فإن يك هذا فأبو علي ... من اللائي يئسن من المحيض
قيل: كان عبد الملك قبل ولايته ملازماً للمسجد الحرام، مواظباً على صلاة وقراءة القرآن حتى سموه حمامة المسجد، فلما جاء خبر ولايته، كان المصحف في حجره، فوضعه، فقال: هذا فراق بيني وبينك.
قيل لبشر الحافي، أوصني: فقال: إلزم بيتك فترك الولاية ولاية.
قيل لأعرابي: أيسرك أن تكون خليفة وتموت أمتك ؟ قال: لا، لأنها تذهب الأمة وتضيع الأمة.
فسر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل " : بأن مراده صلى الله عليه وسلم أن من خاف الله واليوم الآخر، اجتهد في العبادة أيام شبابه، وقوته وسواد شعره، فقد كنى عن العمل في الشباب، بالدلج، وهو السبي في الليل كما يكنى عن الشيب بالصبح ولذلك تفسير قولهم: عند الصباح يحمد القوم السرى، أن عند المشيب يحمد المرء ما عمله في الطاعات أيام شبابه، وما أحسن في هذا الباب قول سراج الوراق ؟ !
وقالت يا سراج علاك شيب ... فدع لجديده خلع العذار
فقلت له نهار بعد ليل ... فما يدعوك أنت إلى النفار
فقالت قد صدقت وما سمعنا ... بأن ضيع سراج في نهار
آخر
صبر النفس عند كل ملم ... إن في الصبر حيلة المحتال

(1/291)


لا تضيقن في الامور فقد ... يكشف غماؤها بغير احتيال
ربما لجزع النفوس من الأمر ... له فرجة كحل العقال
وقيل: الأولى حمل كلامه صلوات الله عليه على العموم، ويكون المراد أن من طلب أمراً يخاف وفاته جد فيه، فيكون الإدلاج كناية عن الجد، وتحمل المشقة، ولا يخفى أن التفسير الأول ألطف وأرشق وإن كان الثاني أعم وافيد، هذا، والأولى أن يجعل قوله: أدلج استعارة تبعية ويكون ذكر المنزل ترشيحاً للإستعارة، ولك أن تجعل الكلام بجملته استعارة تمثيلية، من قبيل أراك تقدم رجلاً وتؤخر اخرى، ليت شعري لم لا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل، ولا يخفى غاية مناسبته بالمعنى اللغوي، إذ العبادة بمنزلة السير إلى الله تعالى، فمتى وقعت بالليل كانت إدلاجاً: وأيضاً لا يزال ساهراً بالليل، كما روي عن ربيع بن خيثم أنه كان يجتهد في العبادة ليلاً، ولا ينام عامة ليلته فسألته ابنته فقالت: إن الناس كلهم ينامون بالليل، فما بالك لا تنام ؟ قال: يا بنتاه أن أباك يخاف البيات يعني قوله تعالى: " إن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون " .
ابن عبد الجليل الأندلسي غفر الله له:
أتراه يترك الغزلا ... وعليه شب واكتهلا
علق بالبيض ما علقت ... نفسه السلوان ما عقلا
غير راض عن سجيته من ... ذاق طعم الحب ثم سلا
أيها اللوام ويحكم ... إن لي عن لومكم شغلا
ثقلت عن لومكم اذني ... لم تجد فيه الهوى ثقلا
تسمع النجوى وإن خفيت ... وهي ليست تسمع العذلا
أبطل الحق الذي بيدي ... سحر عينيها وما بطلا
حسبت إني ساحرقها ... مذ رأت رأسي قد اشتعلا
يا سماة الحي مثلكم ... يتلافى الحادث الجللا
قد نزلنا في جواركم ... فشكرنا ذلك النزلا
ثم واجهنا ظباءكم ... فلقينا الهول والوهلا
أضمنتم أمر جيرتكم ... ثم ما أمنتم السبلا
كان أمير المؤمنين عليه السلام يقذف بابنه محمد بن الحنفية في المهالك، ويقدمه في الحروب، ولا يسمح في ذلك بالحسن والحسين عليهما السلام، حتى أنه كان يقول: هو ولدي وهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لمحمد بن الحنفية، كيف يسمح بك أبوك في الحروب ويبخل بهما ؟ فقال: أنا يمينه وهما عيناه، فهو يدفع عن عينه بيمينه.
الباخزري
يوم دعانا إل حث الكؤوس به ... ثلج سقيط وغيم غير منجاب
وأطنب البرد حتى الشمس ما طلعت ... إلا مزملة في فرو سنجاب
قال كميل بن زياد: سألت أمير المؤمنين علياً عليه السلام ما الحقيقة ؟ فقال: ما لك والحقيقة ؟ قلت: أولست صاحب سرك ؟ قال: بلى ولكن يترشح عليك ما يطفح مني، قلت: أومثلك يخيب سائلاً ؟ ! فقال: الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة: قلت: زدني بياناً فقال: محو الموهوم مع صحو المعلوم، قلت: زدني بياناً، قال نور يشرق الرسوم من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره، قلت: زدني بياناً، فقال: إطف السراج فقد طلع الصبح.
العلامة في كتاب التحفة مصر على أن فلك الزهرة فوق فلك الشمس، والفاضل مولانا غياث الدين جمشيد الكاشاني تصدى لدفع كلامه في رسالته التسي سماها سلم السماوات.
الباخزري
إذا علا رذل ولم يدل ... في المجد ببرهان ولا حجة
فاخدمه ما در له المال أو ... فشت على مقلاته العجة
وصائغ الدهر فكم دولة ... صاغت من السلحة اترجة
قال بعض العارفين: إذا اشرب القلب حب الدنيا لم تنجع فيه كثرة المواعظ كما أن الجسد إذا استحكم فيه الداء لم ينجع فيه كثرة الدواء.
من الكافي عن الصادق عليه السلام: كلما ازداد عبد إيماناً، ازداد ضيقاً في معيشته.
وفيه أيضاً قال: لولا إلحاح المؤمنين على الله في طلب الرزق، لنقلهم من الحال التي هم فيها إلى أضيق منها في معيشته.

(1/292)


وفيه أيضاً عنه قال: ما كان من ولد آدم مؤمن إلا فقيراً ولا كافراً إلا غنياً، حتى جاء إبراهيم، فقال: ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا فصير الله في هؤلاء أموالاً وحاجة، وفي هؤلاء أموالاً وحاجة.
عاد بعضهم بعض العارفين، فوجده مبتلى بأمراض عديدة، وآلام شديدة فقال لتسليته: يا هذا، من لا يصبر على البلاء، فليس صادقاً في دعوى المحبة فقال العارف: ليس كما قلت، ولكن من لم يجد لذة في البلاء، لم يكن صادقاً في دعوى المحبة.
أراد بعض العباد ضيعة له ليتصدق بثمنها، فقال له بعض أصحابه: لو ادخرتها لعيالك فقال: بل أدخرها لنفسي عند الله وأدخر الله تعالى لعيالي.
الأولياء أربعة: سالك محض، ومجذوب محض، وسالك مجذوب، وهو ما تقدم سلوكه على جذبته، ومجذوب سالك وهو بعكس ذلك.
جذبه من جذبات الحق، تساوي عمل الثقلين.
صام بعض العباد أربعين سنة لم يعلم به أحد من الأباعد والأقارب، كان يأخذ غذاءه فيتصدق به في الطريق، فظن أهله أنه أكمل في السوق، ويظن أهل السوق أنه أكل في البيت.
التصوف هو التمسك بالفقر والإفتقار، والتحقق بالبذل، والإيثار وترك التعرض والإختيار.
الباخزري
لا ترج خيراً شاملاً في البشر ... فشرهم أشمل لو يعتبر
ثلثاهم شر ومصداق ما حكيته حصر حروف البشر
العارف من أشهده الله صفاته، وأسمائه وأفعاله، فالمعرفة حال تحدث عن شهود والعالم من أطلعه الله على ذلك لا عن شهود بل عن يقين.
والشيخ هو الإنسان الكامل في علوم الشريعة والطريقة والحقيقة البالغ إلى حد التكميل فيهما لعلمه بآفات النفوس، وأمراضها، وأدوائها، ومعرفته بدوائها، وقدرته على شفائها، والقيام بهذا، إن استعدت ووفقت لاهتدائها، والعامة: الذين اقتصر علمهم على علم الشريعة، ويسمى علماؤهم، علماء الرسوم.
قالوا: في العزوبة ألف هم، فقلت لهم: وفي التزويج أيضاً.
فذا في حيص بيص لغير أهل ... وذا من أهله في حيص بيصا
التهامي
رب ورقاء هتوف بالضحى ... ذات شجو صدقت في فنن
ذكرت ألفاً ودهراً ماضياً ... فبكت حزناً فهاجت حزني
فبكائي ربما أرقها ... وبكاها ربما أرقني
قد أثارت في فؤادي لهباً ... كاد لولا أدمعي يحرقني
أتراها بالبكا مولعة ... أم سقاها البين ما جرعني
فمتى تسعدني اسعدها ... ومتى اسعدها تسعدني
ولقد أشكو فما تفهمه ... ولقد تشكو فما تفهمني
غير أني بالجوى أعرفها ... وهي أيضاً بالجوى تعرفني
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال رسول الله: " يا معاشر المساكين طيبوا نفساً، وأعطوا الله الرضا من قلوبكم، يثبكم الله عز وجل على فقركم، فإن لم تفعلوا فلا ثواب لكم " .
وفيه عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: الفقر أزين للمؤمن من العذار على خد الفرس.
جاء رجل مؤسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نقي الثوب، فجلس، وجاء رجل معسر درن الثوب، فجلس إلى جنب المؤثر، فقبض المؤثر ثيابه من تحت فخذيه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خفت أن يمسك من فقره شيء " ؟ قال: لا، قال: " خفت أن يصيبه من غناك شيء " ؟ قال: لا، قال: " خفت أن يوسخ ثيابك " ؟ قال: لا، قال: " فما حملك على ما صنعت " ؟ فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي قريناً يزين لي كل قبيح ويقبح لي كل حسن، وقد جعلت له نصف مالي، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم للمعسر أتقبل ؟ قال: " لا " ، قال الرجل: ولم ؟ قال: " أخاف أن يدخلني ما دخلك " . قال صلى الله عليه وسلم: " ملعون من ترأس، ملعون من هم بها، ملعون من حدث بها نفسه " .
في الكافي عن الصادق عليه السلام حديث طويل: لما اخرج ذرية آدم من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق، نظر آدم إلى ذريته، وهم ذر، قد ملؤوا السماء.
وفي حديث آخر، أن أبا بصير سأله كيف أجابوا وهم ذر ؟ قال: جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه، يعني الميثاق.
عن الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين علي عليه السلام على المنبر، لا يجد أحدكم طعم الإيمان، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطيه، وما أخطاه لم يكن ليصيبه.

(1/293)


وعن الصادق عليه السلام قال: المسجون من سجنته دنياه عن آخرته .
وعن الصادق عليه السلام قال: قال موسى عليه السلام للخضر عليه السلام: أوصني، فقال: إلزم ما لا يضرك معه شيء، كما لا ينفعك من غيره شيء، منقول عن الكافي.
ابن أبي الحديد
إن زلت النفس وهي في بدن ... مركب كل فعل وزلل
يارب فاغفر لها لغربتها ... فإن فيه الغريب يحتمل
عبيد الله بن عبد الله طاهر
إلى كم يكون العبث في كل ساعة ... وكم لا تملين القطيعة والهجرا
رويدك إن الدهر فيه كفاية ... لتفريق ذات البين فانتظر الدهرا
قال الإمام في مباحث المشرقية: زعم بعض الحكماء أن السبب في حدوث الحوادث الجوية كالهالة، وقوس قزح، هو اتصالات فلكية، وقوى روحانية اقتضت وجودها، وحينئذ لا يكون من قبيل الخيالات، ثم قال: وهذا الوجه يؤيده أن أصحاب التجارب شهدوا بأن أمثلة هذه الحوادث في الجو تدل عل حدوث حوادث في الأرض، ولولا أنها موجودات مستندة إلى تلك الاتصالات والأوضاع، ولم يتم هذا الإستدلال.
من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر ، " يا أبا ذر: إذا أصبحت، فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت، فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل مرضك، ومن حياتك قبل موتك فإنك لا تدري ما اسمك غذاً، يا أبا ذر كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك، يا أبا ذر من طلب علماً ليصرف وجوه الناس إليه، لم يجد ريح الجنة، يا أبا ذر لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر لمن عصيت، يا أبا ذر دع ما لست منه في شيء، ولا تنطق فيما لا يعنيك واخزن لسانك ما تخزن ورقك، يا أبا ذر لو نظرت إلى الأجل ومسيره لأبغضت الأمر وغروره " .
لبعضهم
لو كنت عاتبني لسكن لوعتي ... أملي رضاك ورزت غير مجانب
لكن مللت فلم يكن لي حيلة ... صد الملول خلاف صد العاتب
كان بين الدعبل والرقاشي مهاجاة شديدة: فمن قول الرقاشي في دعبل:
لدعبل نعمة يمت بها ... فلست حتى الممات أنساها
أدخلنا داره فأكرمنا ... فدس امرأته فنكناها
فلما بلغ دعبلاً هذان البيتان، قال: لو قال: فغفناها كان أبلغ في الهجا وأعف له، لدعبل للرقاشي:
إن الرقاشي من تكرمه ... بلغه الله منتهى همه
يبلغ من بره ورأفته ... حملان إخوانه على حرمه
قريب من هذا البيت الأخير، قول العباس بن الأحنف:
قلبي إلى ما ضرني داعي ... يكثر أحزاني وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي إذا ... كان عدوي بين أضلاعي
أبو الشيص
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حباً لذكرك فليلمني اللوم
أشبهت أعدائي فصرت احبهم ... اذ كان حظي منك حظي منهم
وأهنتني فأهنت نفسي عايداً ... ما من يهون عليك ممن يكرم
عويب بعض الأدباء على ركوب الحمار فأنشد:
لا تنكروني على حمار ... يضيع في مثله الشعير
وكيف لا يمتطي حماراً ... من جل إخوانه حمير
لما أسرت أم علقمة الخارجية، وأتى بها الحجاج، وكان قد وقع بينها وبين الحجاج حروب شديدة، فقال لها: يا عدوة الله تخبطين الناس بسيفك خبط العشواء، فقالت: ويحك أعليّ ترعد وتبرق، لقد خفت الله خوفاً صيرك في عيني أصغر من ذباب، وكانت منكسة فقال: ارفعي رأسك، وانظري إليّ، قالت: أكره أن أنظر إلى من لا ينظر الله إليه، فقال، يا أهل الشام ما تقولون في دمها ؟ فقالوا: جميعاً حلال اقتلها أيها الأمير، فقالت: ويحك لقد كان جلساء أخيك فرعون خيراً من جلسائك، حيث استشارهم في موسى وهارون، فقالوا: أرجه وأخاه وهؤلاء الفسقة أمروا بقتلى فأمر بها فقتلت.
سئل شقيق البلخي رجلاً، كيف يفعل فقراؤكم ؟ قال: إن وجدوا أكلوا، وإن فقدوا صبروا، قال: كل كلاب البلخ هكذا، قال: فأنتم ؟ قال: وإن وجدنا آثرنا، وإن فقدنا شكرنا.
من أمثال العرب قولهم: فلان عينه دولاب فم أكيله، يريدون أنه يلاحظ أكيله عند الأكل، وهو من أعظم العيوب عندهم.

(1/294)


أكل رجل من العرب عند معاوية: فرأى على لقمته شعرة، فقال: خذ الشعرة من لقمتك، فقال: وأنت كنت تلاحظني ملاحظة من يرى الشعرة ؟ ! والله لا اؤاكلك بعدها أبداً.
وأكل آخر مع معاوية، وجعل يمزق جدياً على الخوان تمزيقاً عنيفاً، ويأكله أكلاً ذريعاً فقال له معاوية: إنك لغضوب عليه، كأنّ امه نطحتك، فقال وإنك مشفق عليه كأنّ امه أرضعتك.
قال الحسن لرجل استشاره في تزويج ابنته: زوجها من تقي، فإنّه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها.
قال الراغب في المحاضرات: إنّ الأعشى الشاعر كان مدمناً للخمر ومن شعره:
وكأس شربت على لذة ... واخرى تداويت منها بها
ومات الأعشى في بيت خمارة فارسية، فقيل لها ما كان سبب موته ؟ فقالت: منها بها بكشتش.
قال بعض الحكماء: إن خير نصفي الرجل آخره، لأنّه يذهب جهله، ويكثر عمله ويجتمع رأيه، وشر نصفي المرأة آخرها، يسوء خلقها، وتحد لسانها، وتعقم رحمها.
لبعض الأعراب مرت أعرابية بقوم يشربون، فسقوها، فلما شربت أقداحاً، وجدت خفة وأريحية وطرباً، فقالت: أتشرب نساؤكم في العراق من هذا ؟ فقالوا: ربما شربنه فقالت: فما يدري أحدكم من أبوه زنين إذن وربّ الكعبة.
شعر
مهفهف القد هضيم الحشا ... يكاد ينقد من اللين
كأنّ في أجفانه منتضى ... سيف عليٍّ يوم صفين
أعشى
ويوم كان المصطلين بحره ... وإن لم تكن نار قيام على الجمر
صبرت له حتى تجلى وإنّما ... تفرج أيام الكريهة بالصبر
آخر
غنينا بها عن كل من لا يريدنا ... وإن كثرت أوصافه ونعوته
ومن صد عنا حسبه الصد والقلا ... ومن فاتنا يكفيه أنا نفوته
وقال الشهرزوري: المزاح يفني الهيبة ؛ كما يفني النار الحطب.
الخلفاء العباسيون ؛ ومدة أعمارهم ؛ وسنّي خلافتهم.
مدة خلافتهم جميعاً خمسمأة وأربعة وعشرون سنة وشهوراً، وتاريخ انقراضهم لفظ خون أعني 656.
قال الشهرزوري في تاريخ الحكماء: قيل لفيثاغورس: ما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء أكثر مما يأتي الأغنياء أبواب العلماء ؟ فقال: لمعرفة العلماء بفضل الغنى، وجهل الأغنياء بفضل العلم.
قال بعض الظرفاء: ذهبت اللذات بأسرها، ولم يبق منها الا حك الجرب، والوقيعة في الناس ما يلي أقوى جانبيه يميناً، وما يلي مقابله شمالاً، وما يلي حركته الإرادية النقلية أماماً وما يقابلها خلفاً، فما تجردت ذاته عن هذه الصفات، يكون من قبيل قول من قال:
لا تقل دارها بشرقي نجد ... كل نجد للعامرية دار
ولها منزل على كل أرض ... وعلى كل دمنة آثار
صورة ما كتبته الأديبة الفاضلة الفريدة، عايشة بنت الباعوني في عنوان قصيدتها التي عارضت بها يائية ابن الفارض، ومن فتح الله على سطره هذه الأحرف، حقق الله مرجوها في رحمته بفضله ومنه تمدح الحبيب الأعظم صلّى الله عليه وآله وكرم وعظم.
سعدان جئت ثنيات اللوى ... حى عني الحي من آل لوي
واجر ذكري فاذا أصغوا له ... صف لهم ما قد جرى من مقلتي
وبشرح الحال فانشر ما انطوى ... في سقام قد طوا في أي طي
في هوى أقمار ثم نصبوا ... حسنهم أشراك صيد للفتي
عرب في ربع قلبي نزلوا ... وأقاموا في السويدا من حشي
أطلقوا دمعي ولكن قيدوا ... بهواهم عن سواهم أسودي
ذبت حتى كاد شخصي يختفي ... عن جليسي فكأنّي رسم في
وجنوبي قد تجافت مضجعي ... وجفوني قد تجافاها الكري
قال لي الآسي وقد شف الضبى ... وتمادى الداء من فرط الهوي
لا شفى الا بترياق اللقا ... وبرشف الشهد من ذاك اللمي
آه واحر غليلي في الهوى ... وبغير الراي مالي قطرري
ترى هل يسعفوني بالمنى ... قبل موتي وأرى ذاك المحي
ما قلوني لا ولكن قد شووا ... بالجفا والصد قلبي أي شي

واذا هب صبا من نحوهم ... بلبلت لبي صبابات لدي

(1/295)
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
صفحات حياتنا كيف نغيرها ميدو احمد33 علم النفس 5 January 22, 2013 09:24 AM
صفحات حياتي بقايا دمع كلام من القلب للقلب 6 February 21, 2008 11:47 PM


الساعة الآن 11:13 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر