فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الروايات والقصص > شعر و نثر

شعر و نثر اكتب قصيده , من انشائك او من نِثار الانترنت , بالطبع , سيشاركك المتذوقين للشعر مشاعرك



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم May 20, 2009, 04:20 PM
 
قصيدة.. ونثر: اقترانٌ وافتراق

قصيدة.. ونثر: اقترانٌ وافتراق

عبد العزيز بن صالح العسكر



قالي لي صاحبي: هل في الشعر العربي ما يسمى (قصيدة النثر)؟ ومتى ولدت؟ وعلى يد من تمّ اكتشافها؟ وما مدى قرابة الشعر الحر بأدبنا العربي؟ فقلت: لقد سألت عن يسير.. وإليك البيان:
كانت الحركة المستقبلية الإيطالية التي تزعمها (مارينبتي) أول من دعا إلى شعر غير موزون، وجاء (كوستاف كان) ليطلق مصطلح " الشعر المتفلّت" free Verse وتدّعي الموسوعة الأمريكية Standard Encycloped أنّ ولت ويتمان اشتهر في القرن التاسع عشر في أمريكا بهذا اللون من الشعر المتفلت باللغة الإنجليزية، وانتشر في فرنسا وزاد انتشاره في انكلترا وأمريكا في القرن العشرين.
هذا بدايات الشعر الحر أو المنثور أو الشعر المشعور والذي تطورت تسميته إلى (قصيدة النثر).
ومما تميز به ذلك الشعر!! هو الغموض والرمزية والتناقض؛ فالشعر الحر عند الانجليز يجمع تناقضات بين المعاني والألفاظ واستعمال للألفاظ في غير ما وضعت له على ادعاء التجديد بلا حدود، فلم يعد للغة حدودها ولا للمعاجم دلالاتها ولا للنحو قيمته.!!
ومن أئمة الشعر الحر (قصيدة النثر) أدونيس، ومما نقل عنه قوله (الشعر نقيض الوضوح) وقوله: (فيصبح الشعر في هذه الحالة ثورة على اللغة، ثورة مستمرة)!! ويقول في تعريف الشعر في كتابه (مقدّمة في الشعر العربي): (إنه اللامحدود، اللانهائي، هذا مجال الإبداع، والشعر هنا سيّال أبدي المفاجآت، والأشكال الشعرية هنا بلا نموذج، كل شكل كاف بذاته، نموذج بذاته).. ويقول (المتصوف يحيا في سُكر يسكر في دورة العالم، وهذا السكر نابع من قدرته الكامنة على أن يكون هو والله واحدا )!
وحينما نقرأ هذا القول وأمثاله ندرك مدى الاضطراب الذي يقع فيه رواد ما يسمى (قصيدة النثر)؛ فإذا كان للشعر العربي الأصيل معالم وضوابط وحدود تضمن له جماله ووضوحه وتأثيره وتميزه.. فإنّ (الشعر الحر) جسد بلا روح، واسم بلا مسمى، وخيال بلا حقيقة، وسيظل صوتاً بلا صدى، وجعجعة بلا طحين، وسيظل شعراؤه خطباء بلا جمهور!!
ولكي يكون المقال مدعماً بالمثال، أطلب منك رعاك الله أن تقرأ نموذجاً مما تحفل به بعض الصحف من ذلك النثر المشعور.. وستجد العجب العجاب.. كلمات متناثرة ربما تفهم منها شيئاً، وغالباً فإنك لا تفهم شيئاً سوى الإغراق في الغموض وتوظيف الكلمات توظيفاً جديداً يجعل الناقة عصفوراً والزمن فاكهة والسواد بياضاً وجمالاً!!
وحينذاك تدرك أننا نفتقد جذور الأدب وعموده وتلاده، تجد جديداً مقطوع الصلة بالقديم، وإبداعاً لم يُبن على أساس، وأغصاناً لا جذع لها ولا جذور!!
ومما هو محل اتفاق بين النقاد المتقدمين والمتأخرين، أنّ كل جديد يجب أن يكون وثيق الصلة بالقديم، وأنّ شرف الأبناء مربوط بشرف الآباء، وأنّ مقومات الشخصية تستدعي وعياً بالماضي وفهماً له يكون أساساً لبناء المستقبل.. وما يأتي في المستقبل هو صورة مطوّرة من الماضي، ونتاجاً شرعياً من نسل الماضي، وحفيداً ينسب لأجداده.
وما يسمى (الشعر المنثور) أو (قصيدة النثر) هو ابن لا أهل له، ومولود لا نسب له في تاريخنا الأدبي وتراثنا الفكري والمعرفي!!
وكلّ ما عرفناه في التاريخ العربي أنّ الأدب قسمان فقط، ونوعان لا ثالث لهما، فهو شعر أو نثر.. وللشعر معالم وخصائص تميزه عن النثر.. وقد أكد أحد نقاد العربية وعلمائها هذه الحقيقة حينما قال:
إذا الشعر لم يهزرك عند سماعه--------فليس خليقاً أن يقال له شعر
وقال الآخر
لآلئ الشعر أوزان وقافية--------تشع من وهج الإبداع نوراً
لا يركبن عباب البحر غير فتي جلد تمرّس إقلاعاً وإبحاراً
يخوضه كل ذي عزم وموهبة--------وينثني العاجز المضطر إدباراً

وحينما سأل أحدهم أحد أئمة العربية: كيف أصير شاعراً؟ علم الإمام أنّ صاحبه لا يملك موهبة شعرية، فقال له:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه--------وجاوزه إلى ما تستطيع
ومعنى هذا: أنه ليس من الضروري أن من ملك مشاعر وعواطف يكون شاعراً، وإنما يستطيع تلبية دواعي عواطفه ومشاعره في القصة والمسرحية والرسالة وغيرها.
فالشعر عند العرب وصفٌ نفيس، ومنبر رفيع، ومقام كبير لا يصحّ أن يمنح إلا لمن استحقه بجدارة، ولا يرقاه إلا أولو العزم من الموهوبين.. أما غيرهم فإن أمامهم ميدان واسع وساحة رحبة يستطيعون أن يبدعوا فيها، وأن تتألق قدراتهم وملكاتهم الأدبية وأن (يبرزوا) فرساناً يشار إليهم بالبنان.
وفي مقابل كلمة (شعر) في تاريخنا وأدبنا، جاءت كلمات: خطبة، رسالة، قصة، مسرحية، مقامة، مثل، حكمة.. كل هذه الأسماء السبعة في مقابل كلمة (شعر)، ولقد ظلّ المؤرخون على هذا الفهم وتلك القناعة حتى عصرنا الحديث.
ولم نجد من وصف أسلوباً قصصياً بأنه شعر، ولم نجد من وصف آيات قرآنية أو حديثاً نبوياً بأنه شعر.. وذلك أن الله تعالى نفى الشعر عن القرآن الكريم والحديث النبوي، مع أنّ بعض ما في القرآن الكريم والسنة النبوية مما يشبع (الشعر الحر).
وفي المقامات والرسائل الأدبية على مرّ العصور، صور نفيسة جداً ونماذج رائعة من جميل القول وبديع النظم وفائق المشاعر، ولكن لم يقل واحدٌ من أصحاب تلك النماذج من الرسائل والمقامات: إنّ ما كتبه أو قاله أو ألّفه شعر، ولم يوصف في كتب الأدب والتاريخ بأنه شعر.. وبقي ما قيل من رسائل ومقامات وغيرها يتبوأ مكان الصدّارة في الكتب، دون أن يُغيًّر اسمه أو يملّ منه ناظمه أو قارئه.
وأما حكاية التجديد أو الجديد، فإنّ الشرط اللازم لقبوله هو أن لا يصادم الثوابت والمسلّمات، ولكل أمة ثوابتها ومسلّماتها التي تحرص عليها وترتبط بها عزتها وقوتها واستقلالها.. ومن أهم تلك الثوابت والمسلمات، القواعد العلمية والأدبية التي وضعها أئمة العلم والفقه والأدب.. وبها تتميز الأمة وتفخر على مرّ الزمان.
أما اليوم.. وفي ظل ما فرض في الساحات الأدبية فإني أقرر أنّ (كل الناس شعراء) بلا تردد؛ إذا كان الشعر المنثور وقصيدة النثر مما تحفل به ساحات الأدب وصفحات الثقافة ومنابر الإبداع!!
ويستطيع من حمل قلماً أن يعبر عن مشاعره بأسلوب قصصي وما عليه إلا أن يضع في كل سطر كلمة أو كلمتين و(يلمّع) كتابته ببعض العبارات الغامضة أو الخيالية المغرقة في الخيال، وسينال (رتبة) شاعر مع مرتبة الشرف.. وإذا أراد أن ينال مكاناً في أروقة الأدب وملاحقه، فعليه أن يتعرّف على مشرفيها (سلمهم الله).. وعندها يكون صاحبنا: الشاعر المبدع الكبير، وما عليه أن يستطيع قراءة قصيدة عمودية من شعر شعراء العصر الجاهلي أو العباسي أو غيراه.. بحجة مقبولة، وهي أن ذلك الشعر (قديم).. وأحسن الله عزاء من سوّلت له نفسه النظم على شاكلة القديم!!
أما بعد:
فسيبقى للشعر العربي الإصيل إشراقه وبهاؤه وقوته، وسيظل احتفال الناس به رغم وجود ما يزاحمه، وسيحفظ التاريخ غرر الشعب وبدائعه لا يزيدها تقدم الزمن إلا نفاسة وغلاء وأهمية، فهي الوثائق لأحداث التاريخ، والشواهد على وقائعه، والمعالم على عصوره، ورصيد التراجم لأبطاله وأفذاذه.
وشعر تلك مكانته وهذه أهميته، هيهات أن تطغى عليه رياح التغيير، أو تمحوه زوابع التجديد أو تفقده مكانته محاولات المقلدين واجتهادات العاجزين.. وهل سنجد مثل قول المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
أو قول الآخر:
نسير إلى الأعداء والطير فوقنا---------لها القوت من أعدائنا ولنا النصر
وانظر إلى درر المعربي لترى كيف يعجز (مشرعو قصيدة النثر) عن محاكاتها أو الرقي إلى مستواها:
وإن كان في لبس الفتى شرف له---------فما السيف إلا غمده والخمائل
فواعجباً كم يدعى الفضل ناقص---------ووا أسفاً كم يظهر النقص فاضل
فإن كنت تبغى العز فابغ توسطاً---------فعند التناهي يقصر المتطاول
توقّى البدور النقص وهي أهلة،----------ويدركها النقصان وهي كوامل

وحتى عند الموت يبقى للشعر روعته وبهاؤه، وصدق التعبير وجمال الوصف والخيال، فقد قال عبدالعزيز الرفاعي رحمه الله قبل موته قصيدة رائعة اسمها (السبعين)، ومنها:
حنّت إلى عبق التراب جوانحي---------لا غرو يشتاق الترابَ ترابٌ
أما الرصافي فقد وجه رسائل شعرية أجد من المناسب نقلها هنا لقوة دلالتها على ما ذكرناه عن الشعر العربي، يقول:
أرى الشعر أحياناً يجيش بخاطري---------ويبذل ما قد عزّ لي من مصونه
إذا انتظمت أبيانه في قصائدي---------ترى كل بيت ممسكاً بقرينه
وما كان دوح الشعر يوماً ليجتنى---------بغير اليد الطولى ثمار غصونه
ولم يستقد إلا لذي المعية----------يكون كرائي العين رجم ظنونه
لعمرك إنّ الشعر صمصام حكمة----------وإن النهى معدودة من قيونه
هو الشعر لا أعتاض عنه بغيره---------ولا عن قوافيه ولا عن فنونه


* عضو الجمعية السعودية للغة العربية.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شعر ونثر عبد القادر خليل شعر و نثر 0 August 14, 2008 11:24 PM
شعر ونثر عبد القادر خليل شعر و نثر 0 August 14, 2008 02:18 AM
شعر ونثر عبد القادر خليل شعر و نثر 0 August 13, 2008 02:08 PM
قصيدة .. ونثر ! سفاح لا ينجب ابناء شرعيين - بقلم عدنان كنفاني advocate مقالات حادّه , مواضيع نقاش 0 February 11, 2008 09:48 PM
شعر ونثر فراشة فلسطين شعر و نثر 2 December 13, 2007 02:19 PM


الساعة الآن 12:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر