مجلة الإبتسامة

مجلة الإبتسامة (https://www.ibtesamah.com/)
-   النصح و التوعيه (https://www.ibtesamah.com/forumdisplay-f_89.html)
-   -   التجارة بالدين في عهد النبي قصة مسجد الضرار بقلم حاتم صادق (https://www.ibtesamah.com/showthread-t_512196.html)

معرفتي February 3, 2017 11:48 PM

التجارة بالدين في عهد النبي قصة مسجد الضرار بقلم حاتم صادق
 
التجارة بالدين في عهد النبي قصة مسجد الضرار
بقلم
حاتم صادق



بعض الناس تزعجهم وتضايقهم عبارة ( التجارة بالدين) ، ويستشيطون غضبا لمجرد ذكرها وسماعها ، ويرفعون عقيرتهم بالسؤال الإستنكاري : يعني إيه تجارة بالدين ؟ ومن أين أتيتم بهذا الكلام الذي لا أصل له ..

ولأمثال هؤلاء نقول : اهدؤوا يا سادة ! فالتجارة بالدين ظاهرة معروفة في كل الشرائع والأديان بلا استثناء، وبالنسبة لنا كمسلمين فهي مسجلة ومقررة في كتابنا الكريم ، ولا ينكر حقيقتها إلا مخدوع أو جاهل أو جاحد .. في سورة آل عمران يقول رب العزة " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم "،

و الآية بيسر ووضوح فيها إثبات لحالة تجارة واضحة واستفادة من الدين وعهده وأيمانه مقابل ثمن قليل من الدنيا وعرضها الزائل.

والقرآن الكريم يحدثنا عن واقعة محددة وقعت في زمن النبي (ص) ، وكانت تجسيدا حيا لفكرة المتاجرة بالدين والتستر بردائه والوقوف في ظل رايته ، إنها قصة (مسجد الضرار) التي جاءت تفاصيلها في سورة التوبة " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ" .

فمع كل الهدايات النبوية ، ومع كل الأبواب المفتوحة للخير في مجتمع النبي والصحابة ، يحدثنا القرآن الكريم عن جماعة تعمل داخل المجتمع متسترة بستار الدين ، وتختفي بشرها في بيت من بيوت الله وتتصل بأعداء الله ، وتبذل كل ما في وسعها لتفتيت المجتمع والقضاء على وحدته وتماسكه في ذات الوقت الذي يسعون فيه بنواياهم الشريرة و سلوكياتهم المشينة

لهدم الدين زاعمين أنهم الأشد إيمانا والأكثر صدقا وأنهم ما أرادوا بعملهم هذا إلا الحسنى.

ومن خلال كتب التفسير نفهم أن (مسجد الضرار) لم يكن إلا وكر للمؤامرات على الدين وعلى المجتمع في المدينة ،

وقد بناه اثنا عشر رجلا من كبار المنافقين وهم: خذام بن خالد ومن داره أخرج مسجد الشقاق، وثعلبة بن حاطب، ومُعتِّب بن قُشير، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعياد بن حُنيف، وجارية بن عامر وابناه مجمع بن جارية، وزيد بن جارية، ونَبْتل بن الحارث، وبخزج، وبجاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت.

ولما فرغوا منه أتوا النبي (ص) وهو يتجهز لغزوة تبوك وأخبروه أنهم قد ابتنوا مسجدا لذي العلة والحاجة ، والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، وطلبوا منه أن يأتيهم ويصلي لهم فيه ليأخذ الصبغة الشرعية وإنهم لكاذبون إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتذر لهم بقوله (إني على جناح سفر وحال شغل) ووعدهم أن يصلي فيه بعد عودته.

ووفقا لما جاء في تفسير ابن كثير الذي أورد القصة بأدق

تفاصيلها ، فإن الله عز وجل قد أنزل على نبيه: " لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ " إلى " وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين".

وبعد أن علم النبي (ص) علم حقيقة الأمر وأطلعه ربه على المخطط ،دعا مالك بن الدُّخْشُم ومعن بن عدي - أو : أخاه عامر بن عدي - فقال : ( انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه ) . فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ، وهم رهط مالك بن الدّخشم ، فقال مالك لمعن : أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل أهله فأخذ سَعَفا من النخل ، فأشعل فيه نارًا ، ثم خرجا يَشتدَّان حتى دخلا المسجد وفيه أهله ، فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه ،

وأمر رسول الله أن يتخذوا ذلك الموضع كناسة تلقى فيه الجيف والقمامات.

و مع قصة مسجد الضرار هذه ، التي هي قصة قرآنية وليست من نسج الخيال ، أحب أن أسجل ما يأتي :

1- إن قصة مسجد الضرار لم تسجلها آيات الكتاب الكريم للتسلية وتزجية الفراغ ، وإنما في تسجيلها إشارة وهي أن مساجد الضرار ستظل تبنى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وأن التستر بالدين والتجارة به سيظل معمولا بهما إلى نهاية العالم وفناء الحياة ، وأن بداية اللعبة قد تكون من (المسجد) الذي يفترض أنه أطهر بقاع الأرض و أكثرها بعدا عن الشرور والآثام .

2- أن النوايا الخبيثة لا تمنع أصحابها من الظهور بمظهر الأطهار الأنقياء ، ولا تحول دون ادعاءاتهم المتكررة بأنهم

طلاب خير وحملة هداية .. فالآيات التي تناولت قصة هذا المسجد ذكرت الأسباب الحقيقية للقيام بهذا العمل الذي يبدو خيرا ونبيلا ، وأن الهدف من ورائه لم يكن إلا الضرر والشقاق وتقسيم المجتمع وتجميع أعداء الله والرسول وبث الفتنة بين عناصره لتفريق الناس على أساس عنصري أو قومي أو عشائري ، كأن يقال هذا من أهل المدينة وهذا من أهل مكة ، وهذا أوسي وذاك خزرجي ... إلخ .

مع كل هذا الشر والمكر والخداع وسوء النوايا، يحلف القائمون على هذا العمل أنهم ما قصدوا إلى الخير ولا فعلوا إلا ما هو حسن و من شأنه الرفق بالمسلمين في التوسعة على أهل الضعف، والعلة والعجز عن المسير إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3- في القصة دلالة واضحة على وجوب إزالة وهدم كل شيء يخشى من بقائه الفتنة حتى ولو كان مسجدا .

4- يتبقى أن نشير إلى أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قد تنبه بحسه النابه وعقله الذكي إلى ما في القصة من حكمة ، فأمر المسلمين بعد الفتوحات أن يبنوا مساجد في تلك البلاد المفتوحة ، وأمرهم في ذات الوقت ألا يبنوا في موضع واحد مسجدين حتى لا يضار أحدهما الآخر .. وليتنا نقارن بين فهم عمر هذا بسموه ورقيه ، وبين ما نراه في حاضرنا في القرى والمدن ، حيث تتجاور المساجد دون داع أو حاجة حتى أصبح الأمر وكأن عندنا (مسجد لكل مصل) ، والإسراف مكروه حتى ولو كان في بناء المساجد .. ولو تأملنا في فقه الأولويات لتغيرت النظرة ، خاصة و أن وجوه الخير لا أول لها ولا آخر ولا يقتصر أمرها على المساجد .


الساعة الآن 04:42 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر