مجلة الإبتسامة

مجلة الإبتسامة (https://www.ibtesamah.com/)
-   مقالات الكُتّاب (https://www.ibtesamah.com/forumdisplay-f_215.html)
-   -   بضاعة يناير مقال بقلم عمر طاهر (https://www.ibtesamah.com/showthread-t_538353.html)

معرفتي December 21, 2017 04:18 PM

بضاعة يناير مقال بقلم عمر طاهر
 
بضاعة يناير
بقلم
عمر طاهر

عزيزى توم هانكس..
أندهش مثلك من الناس التى تحمِّل «بوعزيزى»- بمناسبة ذكرى وفاته التى تمر هذا الأسبوع- مسؤولية ما حدث بعد أن أشعل النار فى نفسه، وتنسى الشرطية «فادية حمدى» التى صفعت «بوعزيزى» بالقلم على وجهه أمام الناس بعد أن اعترض على مصادرة بضاعته كبائع فاكهة، تلك الإهانة الصارخة كانت مزدوجة لأنها فى شقٍّ إهانة السلطة لمواطن، وفى آخر إهانة امرأة لرجل، صحيح أنه تقريباً مفيش فرق، إذ جميعنا هنا نسمى زوجاتنا «الحكومة»، لكن شقيق بوعزيزى أوضح فداحة الأمر عندما قال: «معروف عندنا فى قبيلة الهمامة أن الذى تضربه امرأة نلبسه فستاناً».
أندهش من الذين يرددون «عميانى» أن إشعال بوعزيزى النار فى نفسه أشعل المنطقة كلها، لأ اسمح لى كده المنطقة «بتتلكك»، فلتت الأمور من بين يدى البعض فى المنطقة لأن أياديهم كانت مشغولة فى «التحسيس» على «البطحة» التى فوق رؤوسهم. فى تحميل بوعزيزى مسؤولية ما آلت إليه الأمور فى المنطقة تبسيط مخل. كان هناك حلم شعبى نبيل يزداد قوة بصور باسمة تنشرها الصحف يومياً لشهداء الحلم، برد الشتاء وصوت شادية ودخان عربات البطاطا والحبايب الذين عثروا على بعضهم البعض صدفة فى الميدان بعد غيبة فغرقوا فى الأحضان والدموع والأمل، كان آخر ما فعله أصحاب الحلم أن دهنوا الأرصفة ونظفوا الشوارع، ثم ظهر آخرون سألنى عنهم يوماً عامل فى كافتيريا بعد أن شمر عن ساقه: «مين الناس دى اللى بتتكلم باسم الثورة؟ هم دول اللى أخدت علشانهم 18 خرطوشة فى رجلى؟».
تحولت الثورة فى يد البعض إلى أمر مخيف، كانت الثورة تفقد كل يوم متراً من أرضها بسبب كليبات ساخرة تسحل الجميع وتتقصَّى عوراتهم وتتفنن فى التعالى والإهانة، قوائم سوداء تتوعَّد، اتهامات بالخيانة توزَّع مجاناً، أصوات عالية تقدم ضجيجاً صارخاً بلا محتوى، كانت الثورة من أجل الناس كلها، ثم تمت غربلتهم لاختيار من محسوب على الثورة ومن يستحق الإهانة.
كان الأذى من داخل صفوف الثورة أقوى من خارجها، وكان الإعلام المضاد نبيهاً، إذ اختار أسماء بعينها وضخَّمها باعتبارها رموز الثورة وقدَّم لها الفرصة «علشان تخلص الثورة على نفسها بنفسها»، وللأسف وقع معظمهم فى الفخ.
كان هناك إعلام مضاد لأن نجاح هذا الحلم كان بمثابة النهاية لكثيرين، ضياع مناصب وأضواء وثروات وجماهيرية، بخلاف ناس كانت تكره الثورة لله فى لله لاعتقادها أن الثورة كانت فرح محدش عزمهم فيه، هذا بخلاف الضباع الذين خرجوا من جحورهم بأطماع أقوى من أن تتحملها فكرة كان طموحها الإنسانية، بخلاف ضعف إدارة الموقف عموماً، الفجوة كانت كبيرة، وكان الشباب يحاولون سدَّها بأجسادهم، يقولون لك إن الخراب حدث بسبب تدخل جهات أجنبية، جهات أجنبية إيه؟ مشكلة هذا الحلم هى مشكلة كل المنتجات المصرية عموماً (التقفيل).
المأساة لم تكن فى «بوعزيزى» ولا فى الثورة فى حد ذاتها، وإن كانت ثمة مؤامرة كما يقولون فالمؤامرة حدثت بعد تنحى مبارك. كان هناك كثيرون يبحثون عن «منابهم» بجنون، ولديهم يقين «إن اللى مش هيشوفها دلوقتى مش هيشوفها تانى». تسأل عن الأزمات؟ لم تحكم الثورة حتى تُحمِّلها مشاكلك، ولم يتخذ أهل الحلم قراراً واحداً من 11 فبراير 2011 حتى يومنا هذا، وكل شىء واضح لكل ذى عقل، لكن «الغرض مرض».
ثورة يناير كانت فرصة يسهل تمييز من أهدرها، وكانت بضاعة ثمينة، لكن لسوء حظها كانت- على رأى المثل الشعبى- «بضاعة.. والناس جوّاعة».
محبتى.. عمر

نقلا عن جريدة المصري اليوم


الساعة الآن 04:34 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر