مجلة الإبتسامة

مجلة الإبتسامة (https://www.ibtesamah.com/)
-   كتب السياسة و العلاقات الدوليه (https://www.ibtesamah.com/forumdisplay-f_197.html)
-   -   جوزيف ستالين (https://www.ibtesamah.com/showthread-t_70899.html)

أبـو زياد October 15, 2008 10:29 PM

جوزيف ستالين
 
جوزيف ستالين

https://www.ahewar.org/search/pic/869.jpg
عضو في الحزب البلشفي. مفوض الجنسيات بعد ثورة أكتوبر. توصل بعد مناورات سياسية إلى مركز الأمين العام للحزب. قدم نظرية "الاشتراكية في بلد واحد". قام بعميات تطهير شاملة ضد معارضيه. شارك في الحرب العالمية الثانية وانتصر على النازيين
أسس اللينينية

أسس اللينينية: الموضوع واسع، وينبغي، لاستيفاء بحثه، كتاب كامل، بل مجموعة كاملة من الكتب. فلا يمكن إذن، بطبيعة الحال، أن تكون محاضراتي هذه عرضاً كاملاً للينينية. فهي لا يمكن أن تكون، في أحسن الحالات، سوى خلاصة مقتضبة لأسس اللينينية. على أنني أرى، مع ذلك، أن من المفيد عرض هذه الخلاصة، وذلك لإعطاء بعض نقاط الابتداء الأساسية التي هي ضرورية لدراسة اللينينية دراسة موفقة.
أن عرض أسس اللينينية لا يعني، بعدُ، عرض أسس مفهوم لينين عن العالم. فمفهوم لينين عن العالم وأسس اللينينية ليسا نفس الشيء الواحد من حيث المدى. أن لينين ماركسي، ومن الواضح أن أساس مفهومه عن العالم هو الماركسية. ولكن لا ينتج عن ذلك أبداً أن عرض اللينينية يجب أن يبدأ بعرض مبادىء الماركسية. أن عرض اللينينية يعني عرض ما هو خاص وجديد في مؤلفات لينين، وما اضافه لينين إلى كنز الماركسية العام، وما هو، بطبيعة الحال، مقرون باسمه بهذا المعنى فقط، سأتكلم في محاضراتي عن أسس اللينينية.
وعلى هذا، ما هي اللينينية؟
يقول بعضهم أن اللينينية هي تطبيق الماركسية على الظروف الخاصة بالوضع الروسي. إن في هذا التعريف جزءاً من الحقيقة، ولكنه بعيد عن أداء الحقيقة بكاملها. فقد طبق لينين الماركسية فعلاً على الواقع الروسي، وفعل ذلك ببراعة المعلم. ولكن لو أن اللينينية لم تكن غير مجرد تطبيق الماركسية على وضع روسيا الخاص، إذاً لكانت حادثاً قومياً محضاً وقومياً فقط، روسياً محضاً وروسياً فقط. بينما نحن نعلم أن اللينينية حادث أممي، له جذور في مجموع التطور الأممي، وليس حادثاً روسياً فقط. ولذا أرى أن عيب هذا التعريف هو أنه تعريف وحيد الجانب.
ويقول آخرون أن اللينينية هي بعث العناصر الثورية التي كانت في ماركسية العقد الخامس من القرن التاسع عشر (1840 – 1850)، خلافاً لماركسية السنين التالية التي غدت، كما يقولون، معتدلة وغير ثورية. فإذا ضربنا صفحاً عن هذا التقسيم الأبله السخيف الذي يجعل مذهب ماركس قسمين: ثورياً ومعتدلاً، فيجب الاعتراف بوجود جزء من الحقيقة حتى في هذا التعريف غير الكافي وغير الوافي إطلاقاً. وهذا الجزء من الحقيقة هو أن لينين قد بعث بالفعل محتوى الماركسية الثوري الذي وأده انتهازيو الأممية الثانية. ولكن هذا ليس سوى جزء من الحقيقة. أما الحقيقة كلها عن اللينينية، فهي أنها لم تقتصر على بعث الماركسية، بل خطت فوق ذلك خطوة أخرى إلى الأمام، بتطويرها الماركسية في الظروف الجديدة للرأسمالية ولنضال البروليتاريا الطبقي.
وبعد، فما هي اللينينية، إذن؟.
إن اللينينية هي ماركسية عصر الاستعمار والثورة البروليتارية. وبتعبير أدق اللينينية هي نظرية وتاكتيك الثورة البروليتارية بوجه عام، ونظرية وتاكتيك ديكتاتورية البروليتاريا بوجه خاص. فقد ناضل ماركس وأنجلس في المرحلة السابقة للثورة (نعني الثورة البروليتارية) حين لم يكن الاستعمار قد تطور بعد، في مرحلة تهيئة البروليتاريين إلى الثورة، تلك المرحلة التي لم تكن الثورة البروليتارية فيها قد غدت بعدُ، ضرورة مباشرة عملية لا مناص منها. أما لينين، تلميذ ماركس وأنجلس، فقد ناضل في مرحلة الاستعمار المتطور، في مرحلة الثورة البروليتارية الآخذة في النمو، وفي وقت انتصرت فيه الثورة البروليتارية في قطر واحد فحطمت الديمقراطية البرجوازية، ودشنت عهد الديمقراطية البروليتارية، عهد السوفيات.
هذا هو السبب في أن اللينينية هي تطور الماركسية إلى أمام.
ويلاحظ، عادة، في اللينينية، ذلك الطابع الكفاحي إلى حد فائق العادة، والثوري إلى حد فائق العادة. وهذا صحيح تماماً. بيد أن هذه الخاصة في اللينينية يعود تفسيرها إلى عاملين أثنين: أولهما، أن اللينينية قد انبثقت من صميم الثورة البروليتارية، فلا يمكن إلا أن تحمل طابع هذه الثورة. وثانيهما، أنها نمت وتقوت في المعارك ضد انتهازية الأممية الثانية، وهو كفاح كان ومازال الشرط الأولي الضروري لنجاح النضال ضد الرأسمالية. ويجب أن لا ننسى أن ثمة مرحلة كاملة تمتد بين ماركس وأنجلس من جهة، وبين لينين من جهة أخرى، سادت فيها انتهازية الأممية الثانية دون منازع. فالنضال بلا هوادة ضد هذه الانتهازية كان، بلا مراء، من أهم مهمات اللينينية.

- 1 -
الجذور التاريخية اللينينية


ترعرعت اللينينية وتكونت في ظروف الاستعمار، حين بلغت تناقضات الرأسمالية نقطتها القصوى، حين أصبحت الثورة البروليتارية قضية نشاط عملي مباشر، حين انتهت المرحلة القديمة، مرحلة تهيئة الطبقة العاملة للثورة، إلى غايتها، أي تحولت إلى مرحلة جديدة، هي مرحلة الهجوم المباشر على الرأسمالية.
كان لينين يسمي الاستعمار الرأسمالية المحتضرة . فلماذا؟ لأن الاستعمار يدفع بتناقضات الرأسمالية إلى الحد الأخير، إلى الحدود القصوى التي من بعدها تبدأ الثورة. ومن بين هذه التناقضات ثلاثة ينبغي النظر إليها على أنها أهم التناقضات.
التناقض الأول، هو التناقض القائم بين العمل والرأسمال. فالاستعمار هو تسلط التروستات والكتل الاحتكارية الضخمة والمصارف والطغمة المالية، تسلطاً مطلقاً، في الأقطار الصناعية. وقد تبين، أثناء النضال ضد هذا التسلط المطلق، أن الأساليب المعتادة لدى الطبقة العاملة - كالنقابات والتعاونيات والأحزاب البرلمانية والنضال البرلماني – ليست كافية على الإطلاق. فأما أن تضع نفسك تحت رحمة الرأسمال، وتعيش في ضنك كما في السابق، وتنحدر باستمرار أدنى فأدنى، وإلا فعليك بسلاح جديد: هكذا يضع الاستعمار المسألة أمام جماهير البروليتاريا الغفيرة. إن الاستعمار يسوق الطبقة العاملة إلى الثورة.
التناقض الثاني، هو التناقض القائم بين مختلف الكتل المالية والدول الاستعمارية، في صراعها من أجل مصادر المواد الأولية، ومن أجل أراضي الغير. فالاستعمار هو تصدير رؤوس الأموال إلى مصادر المواد الأولية، هو الصراع الجنوني لامتلاك هذه المصادر امتلاكاً احتكارياً، هو الصراع لإعادة تقسيم عالم تم تقسيمه من قبل. وهو الصراع تشنه، بعنف شديد، الكتل المالية الجديدة والدول الجديدة، التي تفتش عن مكان تحت الشمس ، ضد الكتل والدول القديمة التي تتشبث بما اغتصبته بكل ما لديها من قوة. ولهذا الصراع الجنوني بين مختلف الكتل الرأسمالية، خاصة جديرة بالملاحظة، هي أنه يحتم قيام الحروب الاستعمارية، كعنصر لا مناص منه، في سبيل الاستيلاء على أراضي الغير. وهذه الظاهرة لها، هي أيضاً، خاصة جديرة بالملاحظة تتجلى في أنها تؤدي إلى إضعاف الرأسماليين بعضهم لبعض، وإلى إضعاف موقف الرأسمالية بوجه عام، وإلى تقريب ساعة الثورة البروليتارية، وإلى جعل هذه الثورة ضرورة عملية.
التناقض الثالث، هو التناقض الموجود بين قبضة من الأمم المتمدنة السائدة وبين مئات الملايين من أبناء الشعوب المستعمرة والتابعة في العالم. فالاستعمار هو أوقح أنواع الاستثمار، وأشد أشكال الاضطهاد غير الإنساني، الوحشي، ضد مئات الملايين من سكان الأقطار الشاسعة الواسعة في المستعمرات والبلدان التابعة. وهدف هذا الاستثمار وهذا الاضطهاد، أنما هو نهب الأرباح الفاحشة. ولكن الاستعمار، حين يستثمر هذه البلدان، يضطر إلى أن ينشىء فيها خطوطاً حديدية ومصانع ومعامل ومراكز صناعية وتجارية. ولذلك فظهور طبقة بروليتارية، وتكوين مثقفين من أبناء البلاد، ويقظة الوعي الوطني، واشتداد حركة التحرر، هي النتائج المحتومة لهذه السياسة . وأن تعاظم قوة الحركة الثورية في جميع المستعمرات وفي جميع البلدان التابعة دون استثناء لدليل واضح على ذلك. وهي حالة تهم البروليتاريا، من حيث أنها تزعزع مواقع الرأسمالية وتدكها من جذورها، وذلك بتحويلها المستعمرات والبلدان التابعة من احتياطي للاستعمار إلى احتياطي للثورة البروليتارية.
تلك هي، بالإجمال، تناقضات الاستعمار الرئيسية التي حولت الرأسمالية القديمة المزدهرة إلى رأسمالية محتضرة.
وقد كان من جملة معاني الحرب الاستعمارية التي نشبت منذ عشر سنين، أنها جمعت كل هذه التناقضات في عقدة واحدة، وألقت بها في كفة الميزان، وبذلك عجلت المعارك الثورية للبروليتاريا وسهلتها.
وبعبارة أخرى: إن الاستعمار لم يؤد فقط إلى أن الثورة أصبحت شيئاً لا بد منه من الناحية العملية، بل أدى أيضاً إلى تكوّن ظروف ملائمة للهجوم المباشر على قلاع الرأسمالية.
هذا هو الوضع الدولي الذي ولَّد اللينينية.
وقد يقال لنا: كل هذا حسن جداً. ولكن ما شأن روسيا هنا، وهي ما كانت، ولا كان من الممكن أن تكون، البلد الكلاسيكي(1) للاستعمار؟ وما شأن لينين هنا، وهو الذي عمل قبل كل شيء في روسيا ومن أجل روسيا؟ ولماذا كانت روسيا بالذات، منبت اللينينية، وموطن نظرية الثورة البروليتارية وتكتيكها؟
ذلك لأن روسيا كانت أكثر من سواها، نقطة التقاء لجميع تناقضات الاستعمار هذه.
ذلك لأن روسيا كانت أكثر من أي بلد آخر حبلى بالثورة، ولهذا السبب كانت وحدها قادرة على حل هذه التناقضات بالطريق الثوري.
فأولاً، كانت روسيا القيصرية موطن الاضطهاد بكل أنواعه – الرأسمالي والاستعماري والعسكري على السواء – وفي أشد أشكاله وحشية وبربرية. فمن ذا الذي يجهل أن سلطان الرأسمال في روسيا كان يمتزج بالاستبداد القيصري، وأن عدوانية القومية الروسية كانت تمتزج بقيام القيصرية بدور الجلاد ضد الشعوب غير الروسية، وأن استثمار مناطق كاملة – في تركيا وإيران والصين – كان يرافقه إلحاق هذه المناطق بالقيصرية، كما تلازمه حرب الفتوحات؟ لقد كان لينين على حق في قوله بأن القيصرية هي استعمار عسكري إقطاعي . فقد كانت القيصرية خلاصة مكثفة لأشد نواحي الاستعمار سلبية، مرفوعة إلى التربيع.
ثم أن روسيا القيصرية كانت احتياطياً قوياً للاستعمار الغربي، ليس فقط من حيث أنها كانت تفتح الأبواب على مصراعيها للرأسمال الأجنبي الذي كان يهيمن في روسيا على فروع من الاقتصاد الوطني ذات شأن حاسم، كالمحروقات وصناعة التعدين، بل لأنها كانت أيضاً تستطيع أن تضع ملايين الجنود على الأقدام لمصلحة الاستعماريين الغربيين. تذكروا الجيش الروسي بملاينه الأربعة عشر، الذي سفك دمه على الجبهات الاستعمارية في سبيل تأمين الأرباح الفاحشة للرأسماليين الانكليز والفرنسيين.
ثم أن القيصرية لم تكن فقط كلب الحراسة للاستعمار في شرقي أوروبا، بل كانت فوق ذلك أيضاً عملية للاستعمار الغربي لكي تستنزف من السكان مئات الملايين، لتسديد فوائد القروض الممنوحة لها في باريس ولندن وبرلين وبروكسل.
وأخيراً، كانت القيصرية حليفاً أميناً كل الأمانة للاستعمار الغربي في اقتسام تركيا وإيران والصين، الخ. ومن ذا الذي يجهل أن القيصرية خاضت الحرب الاستعمارية إلى جانب الاستعماريين الحلفاء، وأن روسيا كانت عنصراً أساسياً في هذه الحرب؟
لهذا كانت مصالح القيصرية والاستعمار الغربي تندمج وتندغم بعضها ببعض، لتشكل في النهاية شلة واحدة من مصالح الاستعمار. فهل كان باستطاعة الاستعمار الغربي أن يرتضي فقدان سند قوي في الشرق، ومستودع زاخر بالقوى والموارد، كروسيا القديمة، روسيا القيصرية والبرجوازية، دون أن يجرب قواه كلها في نضال مستميت ضد الثورة في روسيا، للدفاع عن القيصرية وتثبيت أقدامها؟ كلا، طبعاً.
غير أنه ينتج عن هذا أن كل من كان يريد ضرب القيصرية، كان يرفع يده بالضرورة على الاستعمار، وأن كل من كان ينتصب في وجه القيصرية كان مضطراً للوقوف أيضاً في وجه الاستعمار، ذلك لأن كل من كان يعمل للقضاء على القيصرية، كان لا بد له من القضاء على الاستعمار أيضاً، إذا كان ينوي فعلاً أن لا يكتفي بضرب هذه القيصرية، بل كذلك أن يجهز عليها وأن لا يبقي لها أثراً. وهكذا كانت الثورة ضد القيصرية تقارب الثورة ضد الاستعمار، وكان لا بد لها من أن تتحول إلى ثورة ضد الاستعمار، إلى ثورة بروليتارية.
وخلال ذلك، كانت تصعد في روسيا أعظم ثورة شعبية وقفت على رأسها أعظم بروليتاريا ثورية في العالم، تحت تصرفها حليف له من الشأن ما لجماهير الفلاحين الثوريين في روسيا. فهل من حاجة إلى البرهان على أن ثورة كهذه ما كان من الممكن أن تقف في منتصف الطريق، وأنها، في حال نجاحها، كان لا بد لها من السير قدماً، رافعةً علم الانتفاض المسلح على الاستعمار؟
لهذا السبب كان لا بد لروسيا من أن تصبح نقطة الالتقاء لتناقضات الاستعمار، ليس فقط من حيث أن هذه التناقضات كانت تتجلى بأوضح ما يمكن في روسيا نظراً لما تميزت به هذه التناقضات فيها من خساسة وفظاعة ووطأة لا تطاق، وليس فقط من حيث أن روسيا كانت دعامة رئيسية للاستعمار الغربي، تربط الرأسمال المالي في الغرب بمستعمرات الشرق، بل كذلك من حيث أن القوة الحقيقية القادرة على حل تناقضات الاستعمار بالطريق الثوري، كانت موجودة فقط في روسيا.
فينتج من هذا إذن، أن الثورة في روسيا لم يكن من الممكن إلا أن تصبح بروليتارية، لم يكن من الممكن إلا أن ترتدي، منذ الأيام الأولى من تطورها، طابعاً أممياً، وبالتالي، لم يكن من الممكن إلا أن تزعزع نفس أركان الاستعمار العالمي.
فهل كان بمستطاع الشيوعيين الروس، في مثل هذه الحالة، أن ينحصروا في عملهم ضمن نطاق الثورة الروسية الوطني الضيق؟ طبعاً لا. بل على العكس، كان الوضع بكامله سواء في الداخل (أزمة ثورية عميقة) أو في الخارج (الحرب) يدفعهم إلى أن يتجاوزوا، في عملهم، هذا النطاق، وأن ينقلوا النضال إلى الحلبة الدولية، وأن يكشفوا جروح الاستعمار، وأن يبرهنوا حتمية إفلاس الرأسمالية(2)، وأن يحطموا الاشتراكية الشوفينية والاشتراكية المسالمة ، وأخيراً أن يقضوا على الرأسمالية في بلادهم، وأن يبدعوا للبروليتاريا سلاحاً جديداً للنضال، هو نظرية وتكتيك الثورة البروليتارية، وذلك لكي يسهلوا على البروليتاريين في جميع الأقطار مهمة القضاء على الرأسمالية. ولم يكن في وسع الشيوعيين الروس أن ينهجوا غير هذا النهج، إذ عن هذا الطريق فقط كان من الممكن الاعتماد على حدوث بعض تغيرات في الوضع الدولي من شأنها أن تقي روسيا من عودة النظام البرجوازي إليها.
هذا هو السبب في أن روسيا صارت موطن اللينينية، وأن لينين قائد الشيوعيين الروس صار خالق اللينينية.
وهنا اتفق لروسيا وللينين، ما اتفق تقريباً لألمانيا ولماركس وأنجلس بين 1840 و 1850. فقد كانت ألمانيا إذ ذاك حبلى بثورة برجوازية، كما كانت روسيا في بداية القرن العشرين. وقد كتب ماركس في البيان الشيوعي :
إن انتباه الشيوعيين يتجه على الأخص نحو ألمانيا، لأنها على أعتاب ثورة برجوازية، ولأنها ستقوم بهذه الثورة في ظروف أكثر تقدماً من حيث المدنية الأوروبية، وبوجود بروليتاريا متطورة أكثر بكثير مما كانت عليه في انكلترا في القرن السابع عشر، وفي فرنسا في القرن الثامن عشر، وبالتالي، فالثورة البرجوازية الألمانية، لا يمكن أن تكون سوى مقدمة مباشرة لثورة بروليتارية .
وبعبارة أخرى، كان مركز الحركة الثورية ينتقل نحو ألمانيا.
وقد لا يكون ثمة مجال للشك في أن هذه الظروف التي أشار إليها ماركس في المقطع المذكور هي التي كانت السبب الراجح في أن ألمانيا صارت موطن الاشتراكية العلمية، وفي أن زعيمي البروليتاريا الألمانية، ماركس وأنجلس، هما اللذان كانا مبدعيها.
ويجب أن يقال مثل هذا، ولكن على درجة أرفع أيضاً، عن روسيا في بداية القرن العشرين. فقد كانت روسيا، عهد ذاك، على أعتاب ثورة برجوازية، وكان عليها أن تقوم بهذه الثورة ضمن ظروف أكثر تقدماً في أوروبا، وبوجود بروليتاريا متطورة أكثر مما كانت عليه في ألمانيا في أعوام 1840 – 1850، (فضلاً عن انكلترا وفرنسا). وكانت كل العلائم تحمل على الاعتقاد بأن هذه الثورة ينبغي أن تكون خميرة ومقدمة للثورة البروليتارية. وليس من باب الصدفة أن لينين، منذ عام 1902، حين كانت الثورة الروسية بعد، في طور التهيئة، كتب في كتابه ما العمل؟ ، هذه الكلمات التي فيها من النبوءة ما فيها:
يضع التاريخ الآن أمامنا (يعني أمام الماركسيين الروس - ستالين) مهمة قريبة، هي مهمة ثورية أكثر من جميع المهام القريبة الموضوعة أمام البروليتاريا في أي بلد آخر...
فانجاز هذه المهمة، أي تهديم أقوى حصن لا للرجعية الأوروبية فحسب، بل (ويمكننا قول ذلك الآن) وللرجعية الأسيوية أيضاً، سيجعل من البروليتاريا الروسية طليعة البروليتاريا الثورية العالمية . (لينين) – المؤلفات الكاملة. صفحة 382، الطبعة الروسية).
وبتعبير آخر: كان من الواجب أن ينتقل مركز الحركة الثورية نحو روسيا.
ومعلوم أن مجرى الثورة في روسيا قد حقق نبوءة لينين هذه تماماً.
فهل بعد هذا مجال للدهشة من أن يصبح بلد قام بمثل هذه الثورة، ولديه مثل هذه البروليتاريا، موطن نظرية وتكتيك الثورة البروليتارية؟
وهل بعد هذا مجال للدهشة من أن يكون لينين، زعيم البروليتاريا الروسية، قد أصبح، في الوقت نفسه، مبدع هذه النظرية التكتيك وزعيم البروليتاريا العالمية؟


.

أبـو زياد October 15, 2008 10:33 PM

رد: جوزيف ستالين
 
- 2 -
الطريقة

قلت آنفاً أن بين ماركس وأنجلس من جهة، وبين لينين من جهة أخرى، تمتد مرحلة كاملة سيطرت فيها انتهازية الأممية الثانية. وعلي، في سبيل التدقيق، أن أضيف إلى ذلك، أن سيطرة الانتهازية هذه لم تكن شيئاً شكلياً بحتاً، بل كانت سيطرة فعلية. فمن الناحية الشكلية، كان على رأس الأممية الثانية ماركسيون "أمناء"، "قويمو المبدأ" مثل كاوتسكي وغيره. أما في الواقع، فكان عمل الأممية الثانية الأساسي يسير على خطة الانتهازية. فكان الانتهازيون، نظراً لطبيعتهم البرجوازية الصغيرة الميالة للمسالمة، يسالمون البرجوازية، وكان "قويمو المبدأ" بدورهم يسالمون الانتهازيين في سبيل "المحافظة على الوحدة" مع هؤلاء الانتهازيين، وحرصا على "السلم في داخل الحزب". وبالنتيجة كانت الانتهازية هي المسيطرة، لأن السلسلة بين سياسة البرجوازية وسياسة "قويمي المبدأ" كانت متصلة الحلقات، لا انقطاع فيها.
كانت تلك المرحلة، مرحلة تطور سلمي للرأسمالية نسبياً، مرحلة كالتي تسبق الحرب، أن صح التعبير، يوم لم تكن تناقضات الاستعمار المفجعة قد أتيح لها بعد، الوقت الكافي لتظهر بوضوح تام، ويوم كانت إضرابات العمال الاقتصادية، والنقابات، تتطور بشكل "عادي" إلى حد ما، ويوم كان النضال الانتخابي والكتل البرلمانية تسجل نجاحات "يدوخ لها الرأس"، ويوم كانت الأشكال المشروعة للنضال ترفع عالياً حتى السحاب، ويوم كان في النية "قتل" الرأسمالية بالطرق المشروعة. وبكلمة: في تلك المرحلة كانت أحزاب الأممية الثانية مصابة بالسمنة(3) ، ولم تكن تريد أبداً أن تفكر جدياً في الثورة وفي ديكتاتورية البروليتاريا وفي تثقيف الجماهير تثقيفاً ثورياً.
وبدلاً من نظرية ثورية متماسكة، كانت هناك فرضيات نظرية متناقضة، ونتف نظرية انفصلت عن نضال الجماهير الثوري الحي وانقلبت إلى عقائد جامدة رثة. وطبعاً، في سبيل إنقاذ الظواهر، كانوا يستشهدون بنظرية ماركس، ولكن لكي يستلوا منها روحها الثورية الحية.
وبدلاً من سياسة ثورية، كان هناك تفكير مبتذل سقيم وثرثرة سياسية مسكينة، ودبلوماسية برلمانية، وتطبيقات برلمانية. وطبعاً، في سبيل إنقاذ الظواهر، كانوا يتخذون قرارات وشعارات "ثورية"، ولكن لكي توضع في الدروج.
وبدلاً من العمل على تثقيف الحزب وتعليمه التكتيك الثوري الصحيح على أساس أخطائه نفسها، كانت القضايا المزعجة توضع جانباً بكل عناية، كانت تطمس وتموّه ببراعة. وطبعاً، في سبيل إنقاذ الظواهر، كانوا لا يأنفون من الكلام عن القضايا المزعجة، ولكن لكي ينتهوا آخر الأمر إلى بعض قرارات "مطاطة".
هكذا كان وجه الأممية الثانية، وتلك كانت طريقتها في العمل وأسلحتها.
غير أن عهداً جديداً كان يقترب، هو عهد الحروب الاستعمارية ومعارك البروليتاريا الثورية. وكان يتبين، بكل جلاء أن أساليب النضال القديمة غير كافية ولا قوة لها أمام سلطان الرأسمالي المالي.
فكان من الأهمية بمكان أن يعاد النظر في كل نشاط الأممية الثانية، في كل طريقة عملها، وأن يطرد منها روح التفكير المبتذل، وضيق الأفق المسكين، والثرثرة السياسية، والتنكر للمبادئ، والاشتراكية الشوفينية، والاشتراكية المسالمة. وكان من الأهمية بمكان، فحص كل أسلحة الأممية الثانية فينبذ منها ما هو صدئ هرم، وتصنع أسلحة جديدة. وبدون هذا العمل التمهيدي، كان شن الحرب على الرأسمالية أمراً لا طائل تحته. بدون هذا، كانت البروليتاريا معرضة لخطر البقاء بسلاح غير كاف، أو حتى مجردة تماماً من السلاح، في المعارك الثورية الجديدة التي تواجهها.
إن هذا الشرف، شرف القيام بفحص عام لمستودعات الأممية الثانية، وتطهيرها تطهيراً عاماً، كان من نصيب اللينينية.
تلك هي الظروف التي ولدت فيها طريقة اللينينية وتصلب عودها.
فما هي متطلبات هذه الطريقة؟
هي، أولاً، اختيار العقائد النظرية للأممية الثانية في نار نضال الجماهير الثوري، في نار التجربة الحية، أي إعادة الوحدة المفقودة بين النظرية والنشاط العملي، وإزالة القطيعة القائمة بينهما. إذ بهذه الطريقة فقط يمكن خلق حزب بروليتاري حقاً، مسلح بنظرية ثورية.
ثانياً، اختبار سياسة أحزاب الأممية الثانية، لا حسب شعارات هذه الأحزاب وقراراتها (التي لا يمكن الوثوق بها)، ولكن حسب أعمالها وأفعالها، إذ بهذه الطريقة فقط يمكن إحراز ثقة الجماهير البروليتارية واستحقاق هذه الثقة.
ثالثاً، إعادة تنظيم كل عمل الحزب حسب أسلوب جديد ثوري، بروح تثقيف الجماهير وإعدادها للنضال الثوري، إذ بهذه الطريقة فقط، يمكن تهيئة الجماهير للثورة البروليتارية.
رابعاً، الانتقاد الذاتي للأحزاب البروليتارية، وتعليم هذه الأحزاب وتثقيفها على أساس أخطائها نفسها، إذ بهذه الطريقة فقط، يمكن تكوين كادر حقيقي وزعماء حقيقيين للحزب.
ذلك هو الأساس، وذلك هو الجوهر في طريقة اللينينية.
فكيف طبقت هذه الطريقة في النشاط العملي؟
إن لدى انتهازيي الأممية الثانية سلسلة من العقائد النظرية يرددونها دائماً كلازمة.
فلنأخذ بعض هذه العقائد:
العقيد الأولى: حول ظروف استيلاء البروليتاريا على السلطة. يؤكد الانتهازيون أن البروليتاريا لا تستطيع ولا ينبغي لها أن تستولي على السلطة إذا لم تكن تشكل هي نفسها الأكثرية في البلاد. أما البراهين على ذلك، فلا وجود لها، إذ ليس في الاستطاعة، لا نظرياً ولا عملياً، تبرير هذه الفرضية البلهاء. ويقول لينين لهؤلاء السادة من رجال الأممية الثانية: لنسلم بذلك. ولكن إذا حصل وضع تاريخي (كحرب أو أزمة زراعية أو غير ذلك) تيسرت فيه للبروليتاريا التي تؤلف أقلية السكان، الإمكانية بأن تلف حولها الأكثرية العظمى من الجماهير الكادحة، فلماذا لا تستولي على السلطة؟ لماذا لا تفيد البروليتاريا من الوضع الملائم، الدولي والداخلي، لأجل اختراق جبهة الرأسمال والتعجيل في بلوغ الحل العام الشامل؟
ألم يقل ماركس من قبل، في عام 1850، أن الثورة البروليتارية في ألمانيا ستكون في وضع "ممتاز" إذا أمكن مساندة الثورة البروليتارية "بتجديد حرب الفلاحين"، إن صح التعبير؟ أو ليس من الواضح لكل واحد وللجميع، إن البروليتاريين في ألمانيا كانوا نسبياً أقل عدد آنذاك منهم في روسيا عام 1917؟ أو لم تظهر التجربة العملية للثورة البروليتارية الروسية أن هذه العقيدة العزيزة على قلوب أبطال الأممية الثانية خالية من كل دلالة حيوية بالنسبة إلى البروليتاريا؟ أليس واضحاً أن التجربة العملية لنضال الجماهير الثوري تحطم هذه العقيدة البالية وتقضي عليها؟
العقيدة الثانية: إن البروليتاريا لا تستطيع الاحتفاظ بالسلطة إذا لم يكن لديها مقدار كاف من الملاكات(4) الجاهزة، المثقفة والإدارية، القادرة على تنظيم إدارة البلاد. فينبغي أولاً تشكيل هذه الملاكات في ظل الرأسمالية، ثم الاستيلاء على السلطة بعد ذلك. ويجيب لينين بقوله: لنسلم معكم. ولكن لماذا لا يمكن قلب المسألة: فنستولي على السلطة أولاً، ونخلق الظروف الملائمة لتطوير البروليتاريا، ثم نسير بخطى الجبابرة إلى أمام لنرفع مستوى جماهير الشغيلة الثقافي، ونكوّن ملاكات عديدة من القادة ورجال الإدارة المنبثقين من أوساط العمال؟ ألم تظهر التجربة العملية الروسية أن ملاكات القادة المنبثقين من أوساط العمال تنمو في ظل السلطة البروليتارية أحسن وأسرع بمائة مرة مما تنمو في ظل سلطة الرأسمال؟ أليس واضحاً أن التجربة العملية لنضال الجماهير الثوري، تدفن أيضاً، دونما رحمة، هذه العقيدة النظرية الجامدة التي يقول بها الانتهازيون؟
العقيدة الثالثة: إن طريقة الإضراب السياسي العام غير مقبولة لدى البروليتاريا، لأنها غير ثابتة الأساس نظرياً (أنظر نقد أنجلس لها)، ولأنها خطرة عملياً (إذ يمكن أن تدخل الاضطراب إلى المجرى الاعتيادي لحياد البلاد الاقتصادية، ويمكن أن تفرغ صناديق النقابات)، كما أنها لا يمكن أن تحل محل أشكال النضال البرلمانية التي هي الشكل الرئيسي لنضال البروليتاريا الطبقي. ويجيب اللينينيون: حسناً! ولكن، أولاً، لم ينتقد أنجلس كل إضراب عام، بل انتقد فقط نوعاً معيناً من الإضراب العام، هو الإضراب الاقتصادي العام للفوضويين، الذي كان الفوضويون يحبذونه، عوضاً عن نضال البروليتاريا السياسي – فما شأن طريقة الإضراب السياسي العام هنا؟ وثانياً، من هو الذي برهن، وأين برهن، أن الشكل البرلماني للنضال هو الشكل الرئيسي لنضال البروليتاريا؟ إلا يدل تاريخ الحركة الثورية على أن النضال البرلماني ليس سوى مدرسة وعوناً لتنظيم نضال البروليتاريا خارج البرلمان، وأن القضايا الأساسية لحركة العمال إنما تحل، في ظل الرأسمالية بالقوة وبنضال الجماهير البروليتارية المباشر، وبإضرابها العام وبثورتها؟
وثالثاً، من أين جاءوا بمسألة الاستعاضة عن النضال البرلماني بطريقة الإضراب السياسي العام؟ أين ومتى حاول أنصار الإضراب السياسي العام الاستعاضة عن أشكال النضال البرلماني بأشكال النضال خارج البرلمان؟ ورابعاً، ألم تبين الثورة في روسيا إن الإضراب السياسي العام هو أكبر مدرسة للثورة البروليتارية، ووسيلة لا مثيل ولا بديل لها لتعبئة الجماهير البروليتارية، العظيمة وتنظيمها، عشية الهجوم على قلاع الرأسمالية؟ فأي شأن هنا للحرات الثخينة على تشويش المجرى الاعتيادي للحياة الاقتصادية وعلى صناديق النقابات؟ أليس واضحاً أن تجربة النضال الثوري العملية تحطم أيضاً عقيدة الانتهازيين هذه؟ الخ... الخ...
لذلك كله، كان لينين يقول أن "النظرية الثورية ليست عقيدة جامدة" وأنها "لا تتكون نهائياً إلا في صلة وثيقة بالنشاط العملي، بحركة جماهيرية حقاً وثورية حقاً" (مرض الطفولة(5) )، ذلك لأن النظرية يجب عليها أن تخدم النشاط العملي، ولأن "النظرية ينبغي لها أن تجيب على الأسئلة التي يطرحها النشاط العملي" (أصدقاء الشعب(6) )، ولأن من الواجب اختبارها بواسطة معطيات النشاط العملي.
أما فيما يتعلق بالشعارات السياسية والقرارات السياسية لأحزاب الأممية الثانية، فيكفي أن يتذكر المرء تاريخ شعار: "الحرب على الحرب" لكي يدرك كل ما هنالك من الرياء والعفونة في سياسة هذه الأحزاب التي تخفي أعمالها المعادية للثورة وراء شعارات وقرارات ثورية طنانة. ولا تزال ماثلة في أذهان الجميع تلك المظاهرة الطنانة التي قامت بها الأممية الثانية في مؤتمر "بال"(7) حيث هدد الاستعماريون بجميع فظائع الثورة المسلحة إذا هم أجترأوا على شن الحرب، وحيث وضع ذلك الشعار الرهيب: "الحرب على الحرب". ولكن من ذا الذي لا يتذكر أن قرار "بال" هذا، قد أخفي في الدروج، بعد قليل من الزمن وعلى عتبة الحرب نفسها وأعطي العمال شعاراً جديداً، وهو أن يفني بعضهم بعضاً في سبيل مجد الوطن الرأسمالي؟ أليس واضحاً أن الشعارات والقرارات الثورية لا تساوي فلساً إذا هي لم تدعم بالأعمال؟ ويكفي أن نقارن بين السياسة اللينينية القائلة بتحويل الحرب الاستعمارية إلى حرب أهلية، وبين سياسة الخيانة التي سارت عليها الأممية الثانية في أثناء الحرب، لكي ندرك كل ما يتصف به ساسة الانتهازية من صغار، وكل ما تتصف به طريقة اللينينية من عظمة.
ولا بد لي هنا من إيراد مقطع من كتاب لينين: "الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي"، الذي يكيل فيه سياط النقد اللاذع لزعيم الأممية الثانية كاوتسكي، لمحاولته الانتهازية الرامية إلى الحكم على الأحزاب حسب شعاراتها وقراراتها المكتوبة على الورق، لاتبعاً لاعمالها. يقول لينين:
"أن كاوتسكي يسير على سياسة برجوازية صغيرة نموذجية، على سياسة ضيقة الأفق مبتذلة، حين يتخيل... إن إعلان شعار ما يغير شيئاً في القضية فكل تاريخ الديمقراطية البرجوازية يفضح هذا الوهم: فالديمقراطيون البرجوازيون قد وضعوا دائماً ويضعون دائماً كل أنواع "الشعارات" المطلوبة، لكي يخدعوا الشعب. فالمهم هو التثبت من صدقهم، والمقابلة بين الأعمال والأقوال، وعدم الاكتفاء منهم بالعبارات المثالية والتدجيلية، بل التفتيش عن محتواها الطبقي الحقيقي". (المؤلفات الكاملة، المجلد 23، ص 377).
ولا حاجة لأن أتكلم عن خوف أحزاب الأممية الثانية من الانتقاد الذاتي، ولا عن طريقتهم في إخفاء أخطائهم، وطمس المسائل المزعجة، وستر نقائصهم وراء عرض خادع لحالة يزعمونها باعثة على الرضى، وهي طريقة تجعل الفكر الحي كليلاً، وتمنع تثقيف الحزب تثقيفاً ثورياً بتجارب أخطائه نفسها – وقد سخر لينين من هذه الطريقة وشهّر بها. وإليكم ما كتبه لينين عن الانتقاد الذاتي في الأحزاب البروليتارية في كتابه "مرض الطفولة":
"إن موقف أي حزب سياسي من أخطائه هو من أهم المقاييس وأصدقها للحكم فيما إذا كان هذا الحزب حزباً جدياً، وفيما إذا كان يقوم فعلاً بواجبه نحو طبقته ونحو الجماهير الكادحة. إن اعتراف الحزب صراحة بخطئه، والكشف عن أسباب هذا الخطأ، وتحليل الظروف التي ولدته، ودراسة وسائل إصلاحه بانتباه ودقة، هذه هي صفة الحزب الجدي، هذا هو معنى قيام الحزب بواجباته، هذا هو معنى قيام الحزب بتعليم وتثقيف طبقته، ومن ثم الجماهير. (المؤلفات الكاملة، المجلد 25، ص 200).
يقول بعضهم أن كشف الحزب لأخطائه وممارسته الانتقاد الذاتي أمران خطران عليه، إذ قد يستخدمهما الخصوم ضد حزب البروليتاريا. لقد كان لينين يعتبر هذه الاعتراضات غير جدية وغير صحيحة مطلقاً. وإليكم ما قاله بهذا الصدد، منذ عام 1904، في كراسة "خطوة إلى أمام، وخطوتان إلى وراء"، يوم كان حزبنا لا يزال ضعيفاً وقليل العدد:
إنهم (يعني خصوم الماركسية – تعليق من ستالين) يطيرون فرحاً ويهللون ابتهاجاً حين يرون مناقشاتنا. ومن الواضح أنهم، سيهزون في وجهنا تلك المقاطع من كراسي المخصص لعيوب حزبنا ونواقصه، بقصد استخدام هذه المقاطع لغاياتهم. إن الاشتراكيين الديمقراطيين الروس قد تمرسوا بالمعارك تمرساً كافياً، بحيث لا يضطرون لمثل وخزات الدبابيس هذه، وبحيث يتابعون انتقاداهم الذاتي بالرغم منها، ويواصلون، بغير مداراة أو محاباة كشف نواقصهم التي سيتم تلافيها حتماً ولا محالة، بفضل نمو حركة العمال". (المؤلفات الكاملة، المجلد 6، الصفحة 161).
هذه هي، بالإجمال، الخطوط المميزة لطريقة اللينينية. إن ما تعطيه طريقة لينين قد كان موجوداً، من حيث الجوهر، في تعاليم ماركس، هذه التعاليم التي هي "انتقادية وثورية من حيث الجوهر"، على حد قول ماركس. فهذه الروح الانتقادية والثورية، متغلغلة في طريقة لينين كلها من أولها إلى آخرها. ولكن من الخطأ الظن أن طريقة لينين هي مجرد تجديد بنيان ما أعطاه ماركس، وأعادته إلى حاله. ففي الواقع، ليست طريقة لينين عبارة عن أعادة طريقة ماركس الانتقادية والثورية إلى حالها فقط، بل هي أيضاً تطبيق ملموس وتطوير إلى أمام لطريقة ماركس، ولديالكتيكه المادي.


(3) أو متبرجزة (نسبة إلى البرجوازية) – هيئة التعريب.
(4)الكادر – هيئة التعريب.
(5)أسم كتاب للينين – هيئة التعريب.
(6)أسم كتاب للينين أيضاً – هيئة التعريب.
(7) مؤتمر "بال": هو المؤتمر الذي عقدته الأممية الثانية في 24 و 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1912 في مدينة بال بسويسرا هيئة التعريب.

أبـو زياد October 15, 2008 10:35 PM

رد: جوزيف ستالين
 
- 3 -
النظرية



سآخذ من هذا الموضوع ثلاث مسائل:
ا) أهمية النظرية للحركة البروليتارية،
ب) انتقاد "نظرية" العفوية،
ج) نظرية الثورة البروليتارية.



أ – أهمية النظرية
يعتقد البعض أن اللينينية هي تقديم النشاط العملي على النظرية، بمعنى أن الأساسي في اللينينية هو تطبيق المبادئ الماركسية، هو "تحقيق" هذه المبادئ أما النظرية فاللينينية لا تهتم بها إلا بما لا يذكر. ومن المعروف أن بليخانوف تهكم أكثر من مرة على "لا مبالاة" لينين بالنظرية، وخصوصاً بالفلسفة. كذلك من المعروف أن النظرية ليست أبداً ذات حظوة لدى عدد عديد من المناضلين اللينينيين اليوم، خصوصاً بسبب النشاط العملي الهائل الذي تفرضه عليهم الظروف فينبغي أن أعلن أن هذا الرأي، هو أكثر من غريب، حول لينين واللينينية، خاطئ بصورة مطلقة ولا يطابق الواقع أبداً، وأن ميل المناضلين العمليين إلى عدم الاهتمام بالنظرية يخالف بصورة مطلقة روح اللينينية ويحمل أخطاراً عظيمة على القضية.
إن النظرية هي تجربة حركة العمال في كل البلدان، هي هذه التجربة مأخوذة بشكلها العام. ومن الواضح أن النظرية تصبح دون غاية، إذا لم تكن مرتبطة بالنشاط العملي الثوري؛ كذلك تماماً شأن النشاط العملي الذي يصبح أعمى إذا لم تنر النظرية الثورية طريقه. إلا أن النظرية يمكن أن تصبح قوة عظيمة لحركة العمال إذا هي تكونت في صلة لا تنفصم بالنشاط العملي الثوري، فهي، وهي وحدها، تستطيع أن تعطي الحركة الثقة وقوة التوجه وأدراك الصلة الداخلية للحوادث الجارية، وهي، وهي وحدها، تستطيع أن تساعد النشاط العملي على أن يفهم ليس فقط في أي اتجاه وكيف تتحرك الطبقات في اللحظة الحاضرة، بل كذلك في أي اتجاه وكيف ينبغي أن تتحرك في المستقبل القريب. أن لينين نفسه قال وكرر مرات عديدة هذه الفكرة المعروفة القائلة:
"بدون نظرية ثورية، لا حركة ثورية(8) " (ما العمل؟، المجلد الرابع، صفحة 380، الطبعة الروسية).
لقد فهم لينين أحسن من أي إنسان آخر، أن النظرية أهمية عظمى، خصوصاً بالنسبة لحزب كحزبنا، نظراً للدور الكفاحي الذي وقع على عاتقه من حيث هو طليعة البروليتاريا الأممية، ونظراً لما تتصف به الحالة الداخلية والدولية، التي يعمل ضمنها، من تشابك وتعقيد. وقد تنبأ منذ عام 1902 بهذا الدور الخاص الذي يضطلع به حزبنا، فرأى من الضروري أن يذكّر إذ ذاك بما يلي:
"فقط حزب ترشده نظرية الطليعة، يستطيع أن يقوم بدور مناضل الطليعة" (المرجع نفسه).
واليوم وقد تحققت نبوءة لينين هذه عن دور حزبنا، فهل من حاجة إلى البرهان بأن فكرة لينين هذه تكتسب قوة خاصة وأهمية خاصة.
وربما كان من الواجب أن نعتبر كأسطع مظهر لما كان يعلقه لينين من أهمية عظمى على النظرية، أن لينين بالذات قام بمهمة من أكبر المهام خطورة وشأناً، وهي تعميميه في ميدان الفلسفة المادية، لأهم ما أعطاه العلم منذ أنجلس حتى لينين، وكذلك انتقاده العميق الشامل للتيارات المخالفة للمادية بين الماركسيين. كان أنجلس يقول أن "المادية مجبرة على أن تأخذ وجهاً جديداً لدى كل اكتشاف جديد كبير". ومن المعلوم أن لينين بالذات قام، في عهده، بهذه المهمة في مؤلفه الرائع: المادية والمذهب النقدي التجريبي(9) . ومن المعلوم أن بليخانوف الذي كان مغرماً بالتهكم على "لا مبالاة" لينين بالنظرية، لم يغامر حتى بالتصدي، بصورة جدية، لمثل هذه المهمة.



ب – انتقاد "نظرية" العفوية أو حول دور الطليعة في الحركة
إن "نظرية" العفوية هي نظرية الانتهازية، هي نظرية السجود أمام عفوية حركة العمال، هي النظرية القائمة على إنكار الدور القيادي لطليعة الطبقة العاملة، إنكار الدور القيادي لحزب الطبقة العاملة، إنكاراً فعلياً.
إن نظرية السجود أمام العفوية تتعارض بشكل حازم مع الصفة الثورية لحركة العمال، أنها تعارض في أن تتجه الحركة نحو النضال ضد أسس الرأسمالية – فهي تحبذ أن تتبع الحركة فقط خطة المطالب "الممكنة التحقيق"، "المقبولة" بالنسبة للرأسمالية، أنها تحبذ كلياً "خطة أقل ما يمكن من الجهد". إن نظرية العفوية، هي عقلية الترادونيونية(10).
إن نظرية السجود أمام العفوية تعارض معارضة تامة في أعطاء الحركة العفوية صفة واعية ومنظمة، أنها تعارض في أن يسير الحزب على رأس الطبقة العاملة، وفي أن يرفع الحزب الجماهير إلى مستوى الوعي، وفي أن يقود الحزب الحركة وراءه. انها تريد من العناصر الواعية في الحركة، أن لا تمنع هذه الحركة من متابعة السير في مجراها، أنها تدعو إلى أن يقتصر الحزب على ملاحظة الحركة العفوية وعلى الزحف في مؤخرتها. إن نظرية العفوية هي نظرية الانتقاص من دور العنصر الواعي في الحركة، هي عقلية "السير في المؤخرة" هي الأساس المنطقي لكل انتهازية.
إن هذه النظرية، التي ظهرت على المسرح منذ ما قبل الثورة الأولى في روسيا أدت عملياً إلى أن أنصارها المدعوين ب"الاقتصاديين"، أخذوا ينكرون ضرورة وجود حزب عمال مستقل في روسيا، ويقاومون نضال الطبقة العاملة الثوري في سبيل القضاء على القيصرية، ويحبذون السياسة الترادونيونية في الحركة ويضعون، بوجه عام، حركة العمال تحت زعامة البرجوازية الحرة.
إن نضال الأيسكرا القديمة، وانتقاد لينين الرائع لنظرية "السير في المؤخرة"، في كراسة "ما العمل"؟، لم يسحقا "الاقتصادية" فقط، بل خلقا أيضاً الأسس النظرية لقيام حركة ثورية حقاً للطبقة العاملة الروسية.
ولولا هذا النضال، لكان من العبث حتى مجرد التفكير في إنشاء حزب عمال مستقل في روسيا، وفي دوره القيادي في الثورة.
غير أن نظرية السجود أمام العفوية ليست حادثاً روسياً فقط. فهي منتشرة انتشاراً واسعاً، ولكن بشكل مختلف قليلاً، في جميع أحزاب الأممية الثانية بدون استثناء. وأعني هنا النظرية المسماة بنظرية "قوى الإنتاج". وهي النظرية التي تسعى، بعد أن بتذلها زعماء الأممية الثانية، إلى تبرير كل شيء، والتوفيق بين كل الناس، هي النظرية التي تتحقق من وجود الوقائع التي تفسرها حين يكون جميع الناس قد شبعوا من هذه الوقائع وملوَّها، ثم بعد أن تتحقق منها، تهدأ وتستريح. كان ماركس يقول أن النظرية المادية لا تستطيع أن تقتصر على تفسير العالم، بل ينبغي عليها أيضاً أن تغيِّره. ولكن كاوتسكي وشركاه، لا يأبهون بذلك كله، أنهم يفضلون الوقوف عند القسم الأول من صيغة ماركس.
وها كم مثالاً من الأمثلة العديدة على تطبيق هذه "النظرية". يقال أن أحزاب الأممية الثانية هددت، قبل الحرب الاستعمارية، بإعلان "الحرب على الحرب" إذا ما شرع المستعمرون في الحرب. ويقال أن هذه الأحزاب، عشية ابتداء الحرب تماماً، دفنت شعار "الحرب على الحرب" في الدروج، وطبقت شعاراً مضاداً له هو شعار "الحرب في سبيل الوطن الاستعماري". ويقال أن ملايين الضحايا وقعت من العمال بنتيجة هذا التغيير في الشعارات. ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن هناك من يقع عليه الذنب في ذلك، وأن هناك من خان الطبقة العاملة أو باعها، فليس هنالك شيء من هذا أبداً! فقد جرى كل شيء كما كان ينبغي أن يجري. وذلك، أولاً، لأن الأممية هي، كما يبدو، "أداة سلم" لا أداة حرب. وثانياً، لأنه مع "مستوى قوى الإنتاج" الذي كان موجوداً آنذاك لم يكن من الممكن القيام بأي شيء آخر، ف"الذنب" هو ذنب "قوى الإنتاج". هذا هو على الضبط ما توضحه "لنا" نظرية قوى الإنتاج" لصاحبها السيد كاوتسكي. وكل من لا يؤمن بهذه "النظرية" ليس بماركسي. وأين دور الأحزاب؟.. وأهميتها في الحركة؟.. ولكن ماذا يمكن أن يقوم به الحزب مع وجود عامل حاسم مثل "مستوى قوى الإنتاج"؟..
ومن الممكن ذكر عديد من هذه الأمثلة عن تزييف الماركسية.
وهل نحن بحاجة إلى البرهان بأن هذه "الماركسية" المزيفة، الرامية إلى تغطية عري الانتهازية، ليست سوى لون، مؤتلف مع الأسلوب الأوروبي، من ألوان نظرية "السير في المؤخرة" نفسها التي كافحها لينين منذ ما قبل الثورة الروسية الأولى؟
وهل نحن بحاجة إلى البرهان بأن تحطيم هذا التزييف النظري، هو شرط أولي لإنشاء أحزاب ثورية حقاً في الغرب؟

ج – نظرية الثورة البروليتارية
إن النظرية اللينينية عن الثورة البروليتارية تأخذ، كنقطة انطلاق لها، ثلاث موضوعات أساسية:
الموضوعة الأولى – أن سيطرة الرأسمال المالي في الأقطار الرأسمالية المتقدمة، وإصدار الأوراق المالية، من حيث هو أحدى عمليات الرأسمال المالي الرئيسية، وتصدير الرساميل نحو منابع المواد الأولية، من حيث هو أحد أسس الاستعمار والسلطان المطلق للطغمة المالية، من حيث هو نتيجة لسيطرة الرأسمال المالي، كل ذلك يكشف الصفة الطفيلية الفظة للرأسمالية الاحتكارية، ويزيد الإحساس بنير التروستات والسنديكات الرأسمالية مائة مرة، وينمي سخط الطبقة العاملة ضد أسس الرأسمالية، ويسوق الجماهير إلى الثورة البروليتارية من حيث هي وسيلة الخلاص الوحيدة (راجع "الاستعمار" بقلم لينين).
ومن هنا استنتاج أول: احتدام الأزمنة الثورية في البلدان الرأسمالية، وتعاظم عناصر الانفجار أكثر فأكثر على الجبهة الداخلية، البروليتارية، في بلدان "المتروبول" .
الموضوعة الثانية - أن تصدير الرساميل المتعاظم إلى البلدان المستعمرة والتابعة، وتوسيع "مناطق النفوذ" والممتلكات المستعمرة حتى شملت مجموع الكرة الأرضية، وتحوّل الرأسمالية إلى نظام عالمي قوامه الاستعباد المالي والاضطهاد الاستعماري لأكثرية السكان العظمى في الكرة الأرضية من قبل قبضة من البلدان "المتقدمة" – كل ذلك أدّى، من جهة، إلى جعل مختلف الاقتصاديات الوطنية ومختلف الأراضي الوطنية، حلقات من سلسلة واحدة اسمها الاقتصاد العالمي، وأدى من جهة أخرى إلى تقسيم سكان الكرة الأرضية إلى معسكرين: إلى قبضة البلدان الرأسمالية "المتقدمة" التي تستثمر وتضطهد المستعمرات الشاسعة والبلدان التابعة، إلى أكثرية عظمى من البلدان المستعمرة والتابعة المضطرة إلى القيام بنضال في سبيل التحرر من النير الاستعماري (راجع "الاستعمار").
من هنا استنتاج ثانٍ: احتدام الأزمة الثورية في البلدان المستعمرة، وتعاظم عناصر التمرد أكثر فأكثر ضد الاستعمار على الجبهة الخارجية، جبهة المستعمرات.
الموضوعة الثالثة – إن الامتلاك الاحتكاري ل"مناطق النفوذ" وللمستعمرات، وتطور البلدان الرأسمالية تطوراً غير متساوي مما يؤدي إلى نضال وحشي من أجل تقسيم العالم تقسيماً جديداً بين البلدان التي تمَّ لها الاستيلاء على أرض والبلدان التي ترغب في نيل "حصتها"، والحروب الاستعمارية من حيث هي الوسيلة الوحيدة لإعادة "التوازن" المفقود - كل ذلك يؤدي إلى احتدام النضال على الجبهة الثالثة، بين الدول الرأسمالية، مما يضعف الاستعمار ويسهل اتحاد الجبهتين الأوليتين ضد الاستعمار: الجبهة البروليتارية الثورية وجبهة تحرير المستعمرات (راجع "الاستعمار").
ومن هنا استنتاج ثالث: حتمه الحروب في عهد الاستعمار، وحتمية تكتل الثورة البروليتارية في أوروبا مع ثورة المستعمرات في الشرق، فتؤلف الاثنتان جبهة الثورة الموحدة العالمية ضد جبهة الاستعمار العالمية(11).
إن جميع هذه الاستنتاجات تجتمع، لدى لينين، في هذا الاستنتاج العام بأن "الاستعمار هو عشية الثورة الاشتراكية"(12) (مقدمة كتاب "الاستعمار، أعلى مراحل الرأسمالية"، المجلد 19، صفحة 71، الطبعة الروسية).
وتبعاً لذلك، يتغير ذات الشكل الذي توضع به مسألة الثورة البروليتارية، مسألة طبيعية هذه الثورة، ومداها، وعمقها؛ تتغير اللوحة الإجمالية للثورة بوجه عام.
فقبلاً، كان تحليل الظروف التي تسبق الثورة البروليتارية يجري عادة من وجهة نظر الوضع الاقتصادي لهذا البلد أو ذاك مأخوذاً بمفرده. أما الآن، فإن هذا الشكل في معالجة القضية لم يعد كافياً. فينبغي الآن مجابهة الأمر من وجهة نظر الحالة الاقتصادية في مجموع البلدان، أو في أكثريتها، من وجهة نظر الحالة الاقتصادية في مجموع البلدان، أو في أكثرها، من وجهة نظر حالة الاقتصاد العالمي، لأن مختلف البلدان ومختلف الاقتصاديات الوطنية لم تعد وحدات تكفي نفسها بنفسها، بل أصبحت حلقات في سلسلة واحدة أسمها الاقتصاد العالمي، لأن الرأسمالية القديمة "المتمدنة" تطورت إلى استعمار، والاستعمار هو نظام عالمي قائم على الاستعباد المالي والاضطهاد الاستعماري لأكثرية السكان العظمى في الكرة الأرضية من قبل قبضة من البلدان "المتقدمة".
قبلا، جرت العادة أن يتناول الكلام وجود أو غياب ظروف موضوعية لأجل الثورة البروليتارية في مختلف البلدان، أو، على الأصح، في هذا البلد المتطور أو ذاك. أما الآن. فإن وجهة النظر هذه لم تعد كافية. فينبغي الكلام الآن عن وجود أو غياب ظروف موضوعية لأجل الثورة في مجموع نظام الاقتصاد الاستعماري العالمي، من حيث هو كل، وعلى هذا، فأن وجود بعض بلدان غير متطورة بصورة كافية من الناحية الصناعية، في جسم هذا النظام، لا يمكن أن يكون عائقاً لا يُذلل في وجه الثورة، ما دام النظام بمجموعه، أو على الأصح لأن النظام بمجموعه، قد نضج لأجل الثورة.
قبلا، كانت العادة أن يجري الكلام عن الثورة البروليتارية في هذا البلد المتطور أو ذاك، من حيث هي مقدار بذاته، مقدار مطلق يكفي نفسه بنفسه، ويعارض جبهة وطنية معنية للرأسمال، كما هي الحال في قطبين متعارضين متقاطرين. أما الآن، فأن وجهة النظر هذه لم تعد كافية فينبغي الكلام الآن عن الثورة البروليتارية العالمية، ذلك لأن جبهات الرأسمالية الوطنية المختلفة أصبحت حلقات في سلسلة واحدة أسمها جبهة الاستعمار العالمية التي ينبغي أن تعارضها الجبهة المشتركة للحركة الثورية في جميع البلدان.
قبلا، كانت الثورة البروليتارية تعتبر نتيجة للتطور الداخلي وحده في بلد معين. أما الآن، فإن وجهة النظر هذه لم تعد كافية فالآن ينبغي اعتبار الثورة البروليتارية قبل كل شيء كنتيجة لتطور التناقضات في النظام العالمي للاستعمار، كنتيجة لانقطاع سلسلة الجبهة الاستعمارية العالمية في هذا البلد أو ذاك.
أين ستبدأ الثورة؟ أين، في أي بلد قبل غيره، يمكن خرق جبهة الرأسمال؟
هناك حيث الصناعة أكثر تطوراً، حيث البروليتاريا تؤلف الأكثرية، حيث الثقافة أكثر، والديمقراطية أكثر،... هكذا كان الجواب قبلاً، بوجه عام.
غير أن النظرية اللينينية عن الثورة تعارض ذلك وتجيب: كلا! ليس بالضرورة هناك حيث الصناعة أكثر تطوراً، الخ. فأن جبهة الرأسمال ستُخرق هناك من حيث سلسلة الاستعمار أضعف، لأن الثورة البروليتارية هي نتيجة لانقطاع سلسلة الجبهة الاستعمارية العالمية في أضعف مكان فيها، وعلى هذا، فمن الممكن أن يحدث أن البلد الذي بدأ الثورة، البلد الذي خرق جبهة الرأسمال، هو، من الناحية الرأسمالية، أقل تطوراً من البلدان الأخرى التي هي أكثر تطوراً والتي بقيت مع ذلك في نطاق الرأسمالية.
في عام 1917، كانت سلسلة الجبهة العالمية الاستعمارية في روسيا أضعف منها في البلدان الأخرى، وهناك انقطعت وفتحت الطريق للثورة البروليتارية. فلماذا؟ لأن روسيا كانت تجري فيها اكبر ثورة من الثورات الشعبية، ثورة تسير في رأسها بروليتاريا ثورية لديها مثل هذا الحليف الجدي الذي هو ملايين الفلاحين المضطهدين المستثمرين من قبل كبار ملاكي الأراضي. لأن خصم الثورة هناك كان ذلك الممثل البشع للاستعمار، وهو القيصرية المحرومة من كل وزن معنوي والتي استحقت حقد جميع السكان. لقد حدث أن كانت السلسلة في روسيا اضعف، رغم أن روسيا كانت، من الناحية الرأسمالية، أقل تطوراً، مثلاً، من فرنسا أو ألمانيا، من انكلترا أو أميركا.
وأين ستنقطع السلسلة في المستقبل القريب؟ كذلك هناك حيث ستكون أضعف. ليس من المستبعد أن تنقطع السلسلة مثلاً في الهند. ولماذا؟ لأن هناك بروليتاريا ثورية فتية ملتهبة، ولها حليف هو حركة التحرر الوطني، وهو حليف خطير الشأن دون جدال، وجدي دون جدال. ولأن الثورة، في هذا البلد، لها هذا الخصم المعروف عند الجميع وهو الاستعمار الأجنبي المحروم من كل نفوذ معنوي والذي استحق حقد جميع الجماهير المضطهدة والمستثمرين في الهند.
كذلك من الممكن تماماً أن تنقطع السلسلة في ألمانيا، لماذا؟ لن العوامل التي تعمل في الهند مثلاً، بدأت تعمل في ألمانيا أيضاً. ومن الواضح أن الفرق العظيم بين مستوى تطور الهند ومستوى تطور ألمانيا لا يمكن إلا أن يترك طابعه على سير الثورة وعلى مخرجها في ألمانيا.
ولهذا يقول لينين:
"... إن البلدان الرأسمالية في أوروبا الغربية ستكمل تطورها نحو الاشتراكية... لا عن طريق "نضج" متساوي للاشتراكية لديها، بل عن طريق استثمار دول لدول أخرى، عن طريق استثمار أول دولة مغلوبة في الحرب الاستعمارية، ويضاف إليه استثمار كل الشرق. غير أن الشرق، من جهة أخرى، قد دخل نهائياً، بسبب هذه الحرب الاستعمارية الأولى نفسها، في الحركة الثورية، وأنجز نهائياً في فلك الحركة الثورية العالمية" ("من الخير أقل ولكن أحسن"، المؤلفات الكاملة، المجلد 27، صفحة 415 – 416).
وبكلمة، ينبغي، كقاعدة عامة، أن تنقطع سلسلة الجبهة الاستعمارية، هناك حيث حلقات السلسلة هي أضعف، وعلى كل حال، ليس من ضروري أن تنقطع هناك حيث الرأسمالية أكثر تطوراً، وحيث النسبة المئوية للبروليتاريا هي كذا، ونسبة الفلاحين كذا، وما إلى ذلك.
ولهذا، فإن الحسابات الإحصائية عن النسبة المئوية البروليتارية في تركيب السكان، في هذا البلد بمفرده أو ذاك، تفقد فيما يتعلق بحل مسألة الثورة البروليتارية، تلك الأهمية الاستثنائية التي كان يعزوها إليها، بطيبة خاطر، فقهاء الأممية الثانية الذين لم يفهموا ما هو الاستعمار والذين يخافون الثورة كما يخافون الطاعون.
وبعد، فإن أبطال الأممية الثانية كانوا يؤكدون (وما زالوا يؤكدون) أن بين الثورة الديمقراطية البرجوازية من جهة، والثورة البروليتارية من جهة أخرى، هوة، أو على كل حال، سوراً مثل سور الصين يفصل أحداهما عن الآخر بفترة من الزمن طويلة كثيراً أو قليلاً، نعمل فيها البرجوازية التي تصل إلى الحكم عن تطوير الرأسمالية، بينما تكدس البروليتارية قواها وتستعد "للنضال الحاسم" ضد الرأسمالية. ويقدرون هذه الفترة، عادة بعشرات السنين، إن لم يكن بأكثر من ذلك. فهل بنا من حاجة إلى البرهان على أن "نظرية" سور الصين هذه هي، في ظروف الاستعمار، خالية من كل معنى علمي وأنها ليست، ولا يمكن أن تكون، سوى وسيلة لتغطية ولتزيين الشهوات المعادية للثورة لدى البرجوازية؟ وهل بنا من حاجة إلى البرهان بأنه، في ظروف الاستعمار الذي يحمل في صلبة بذرة الاصطدامات والحروب، في ظروف "عشية الثورة الاشتراكية"، حين تتحول الرأسمالية "المزدهرة" إلى رأسمالية "محتضرة" (لينين)، بينما الحركة الثورية تتعاظم في جميع بلدان العالم، وحين يتحالف الاستعمار مع جميع القوى الرجعية دون استثناء، حتى مع القيصرية ومع نظام القنانة، وبذلك يجعل من الضرورة تكتل جميع القوى الثورية، ابتداء من الحركة البروليتارية في الغرب إلى حركة التحرر الوطني في الشرق، وحين يصبح تحطيم بقايا الأنظمة الإقطاعية غير ممكن بدون نضال ثوري ضد الاستعمار، - هل بنا من حاجة على البرهان بأن الثورة الديمقراطية البرجوازية، في بلد متطور إلى حد ما، لا يمكن، في مثل هذه الظروف، إلا أن تقترب من الثورة البروليتارية، لا يمكن إلا أن تتحول الأولى إلى الثانية؟ لقد برهن تاريخ الثورة في روسيا، بوضوح، أن هذه النظرية صحيحة ولا جدال فيها. وليس من العبث أن يكون لينين، منذ عام 1905، على أعتاب الثورة الروسية الأولى، قد صور في كراسة "خطتان" الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة الاشتراكية كحلقتين من سلسلة واحدة، كلوحة واحدة جامعة لمدى الثورة الروسية:
"ينبغي على البروليتاريا أن تقوم بالثورة الديمقراطية إلى النهاية بل تضم إليها جماهير الفلاحين لسحق مقاومة الأوتوقراطية بالقوة، وشل تذبذب البرجوازية. وينبغي على البروليتاريا أن تقوم بالثورة الاشتراكية بأن تضم إليها جماهير العناصر شبه البروليتارية من السكان لسحق مقاومة البرجوازية بالقوة وشل تذبذب الفلاحين البرجوازية الصغيرة. تلك هي مهمات البروليتاريا، هذه المهمات التي يصورها جماعة "الايسكرا" الجديدة بشكل بالغ الضيق في جميع مقاييسهم وجميع قراراتهم عن مدى الثورة."(لينين، المجلد الثامن، صفحة 96).
ولا أتكلم هنا عن مؤلفات لينين الأخرى الحديثة التي تظهر فيها فكرة تحويل الثورة البرجوازية إلى ثورة بروليتارية بصورة أبرز مما في "خطتان"، من حيث هي، أعني هذه الفكرة، أحد أحجار الزاوية في النظرية اللينينية عن الثورة.
يعتقد بعض الرفاق، كما يظهر، أن لينين لم يصل إلى هذه الفكرة إلا في عام 1916، وأنه، قبل ذلك، كان يعتبر أن الثورة في روسيا ستنحصر في النطاق البرجوازي، وأن الحكم، بالتالي، سينتقل من أيدي جهاز ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين إلى أيدي البرجوازية، لا إلى أيدي البروليتاريا. ويقال بأن هذا التأكيد قد تسرب حتى إلى صحافتنا الشيوعية. فعليّ أن أقول أن هذا التأكيد خاطىء تماماً، وأنه لا يطابق الواقع أبداً.
في وسعي أن ارجع إلى خطاب لينين المعروف الذي ألقاه في المؤتمر الثالث للحزب في عام 1905، وصف فيه ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين، التي هي انتصار الثورة الديمقراطية، بأنها ليست "تنظيم النظام"، بل هي "تنظيم الحرب" (تقرير عن اشتراك الاشتراكية الديمقراطية بالحكومة المؤقتة الثورية، في المؤتمر الثالث لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في روسيا، المجلد السابع، صفحة 264).
وفي وسعي أن أرجع بعد ذلك إلى مقالات لينين المعروفة "عن الحكومة المؤقتة" (عام 1905)، وفيها يشرح الإمكانيات المقبلة لتطور الثورة الروسية ويضع أمام الحزب مهمة "العمل بشكل لا تكون معه الثورة الروسية حركة بضعة أشهر، بل حركة سنين عديدة، وأن لا تؤدي فقط إلى تنازل القابضين على زمام الحكم عن بعض الإصلاحات الطفيفة، بل أن تؤدي إلى القضاء تماماً على هذا الحكم" – وفي هذه المقالات، يشرح لينين هذه الإمكانية المقبلة ويربطها بالثورة في أوروبا ويقول متابعاً:
"وإذا استطعنا بلوغ ذلك، فعندئذ... عندئذ سيلهب الحريق الثوري أوروبا، وسينهض العامل الأوروبي بدوره، وقد ضاق ذرعاً بما يلقاه من عذاب من الرجعية البرجوازية، فيرينا "كيف يكون الشغل"، عندئذ يعود النهوض الثوري في أوروبا فيحدث رد فعل مقابل في روسيا ويجعل من عهد مدته سنوات ثورية عديدة، عهداً مدته عشرات عديدة من السنين الثورية..." ("الاشتراكية الديمقراطية والحكومة المؤقتة الثورية"، المجلد السابع، صفحة 191).
ويمكنني أن أرجع، بعد ذلك، إلى مقال لينين المعروف، المنشور عام 1915، والذي يقول فيه:
"أن البروليتاريا تناضل بتفان في سبيل الاستيلاء على الحكم، في سبيل الجمهورية، في سبيل مصادرة الأراضي ... في سبيل إشراك "الجماهير الشعبية غير البروليتارية" في تحرير روسيا البرجوازية من نير "الاستعمار" العسكري الإقطاعي (- القيصرية). وستستفيد البروليتاريا حالاً(13) من تحرير روسيا البرجوازية من نير القيصرية ومن سلطة كبار الملاكين العقاريين على الأرض، ستستفيد البروليتاريا من ذلك لا لأجل مساعدة الفلاحين الأغنياء في نضالهم ضد العمال الزراعيين، بل لأجل القيام بالثورة الاشتراكية بالتحالف مع بروليتاريي أوروبا". ("خطتا الثورة"، المجلد الثامن عشر، الصفحة 318).
وفي استطاعتي أخيراً أن أرجع إلى مقطع معروف من كراس الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي وفيه يستشهد لينين بالمقطع المذكور أعلاه عن مدى الثورة الروسية في كتاب خطتان ويصل إلى الاستنتاج التالي:
"أن كل شيء قد جرى على الضبط كما قلنا، أن مجرى الثورة قد صدق صحة تفكيرنا.. ففي البداية مع "كل" جماهير الفلاحين ضد النظام الملكي، ضد كبار ملاكي الأراضي، ضد الإقطاعية (وبذلك تبقى الثورة برجوازية، ديمقراطية برجوازية). وبعدئذ مع الفلاحين الفقراء، مع أشباه البروليتاريين، مع جميع المستثمرين، ضد الرأسمالية بما فيها أغنياء الريف والكولاك والمحتكرون، وبذلك تصبح الثورة اشتراكية. أما أن يراد إقامة سور صيني بصورة مصطنعة بين الواحدة والأخرى والفصل بينهما بأي شيء سوى درجة استعداد البروليتاريا ودرجة اتحادها مع الفلاحين الفقراء، فتلك هي غاية ما يمكن أن يصل إليه تشويه الماركسية وابتذالها وإحلال الليبرالية محلها". (المجلد 23، صفحة 391).
إن ذلك يكفي فيما اعتقد.
وقد يقال لنا: حسناً، ولكن مادام الأمر كذلك، فلماذا حارب لينين فكرة "الثورة الدائمة (المستمرة)"؟
ذلك لأن لينين كان يقترح "الاستفادة إلى النهاية" من الكفاءات الثورية لدى جماهير الفلاحين واستخدام طاقتها الثورية عن آخرها لتصفية القيصرية تصفية تامة وللانتقال إلى الثورة البروليتارية. هذا، في حين يكن أنصار الثورة الدائمة يفهمون دور جماهير الفلاحين العظيم الأهمية في الثورة الروسية، كانوا يستصغرون قوة الطاقة الثورية لدى جماهير الفلاحين، كانوا يستصغرون قوة البروليتاريا الروسية وكفاءتها على جر جماهير الفلاحين وراءها. وهكذا جعلوا من الأصعب قضية تحرير جماهير الفلاحين من نفوذ البرجوازية، قضية جمع جماهير الفلاحين حول البروليتاريا.
ذلك لأن لينين كان يقترح تتويج عمل الثورة بانتقال الحكم إلى البروليتاريا. بينما أنصار الثورة "الدائمة" يبغون البدء رأساً بحكم البروليتاريا، فما كانوا يدركون أنهم بذلك يغمضون أعينهم عن هذا "الواقع البسيط" وهو بقايا الإقطاعية ولا يحسبون حساب هذه القوة العظيمة الأهمية التي هي جماهير الفلاحين الروس، ما كانوا يدركون أن سياسة كهذه ما كان من الممكن إلا أن تعرقل قضية كسب جماهير الفلاحين إلى جانب البروليتاريا.
وإذن فلينين لم يكن يحارب أنصار الثورة "الدائمة"، حول قضية استمرار الثورة، إذ أن لينين نفسه كان يتمسك بوجهة نظر الثورة المستمرة، بل كان يحاربهم لأنهم كانوا يستصغرون دور جماهير الفلاحين، الذين هم أعظم احتياطي للبروليتاريا،ولأنهم ما كانوا يفهمون فكرة زعامة البروليتاريا.
وليس في المستطاع اعتبار فكرة الثورة "الدائمة فكرة جديدة. فقد صاغها ماركس، للمرة الأولى، حوالي عام 1850، في رسالته الشهيرة إلى عصبة الشيوعيين. ومن هذه الوثيقة أخذ "الدائميون" عندنا فكرة الثورة المستمرة. وجدير بالذكر أن "الدائميين" عندنا، حين اخذوا هذه الفكرة عن ماركس، عدلوها بعض الشيء، وبتعديلهم إياها "أفسدوها" وجعلوها غير صالحة للاستخدام العملي. فكان لا بد من يد لينين المجربة البارعة لإصلاح هذا الخطأ، ولأخذ فكرة ماركس عن الثورة المستمرة بشكلها الصافي، وجعلها أحد أحجار الزاوية في النظرية اللينينية عن الثورة.
وهاكم ما يقوله ماركس بصدد الثورة المستمرة (الدائمة)، بعدما عدَّد في رسالته سلسلة من المطالب الديمقراطية الثورية التي يدعو الشيوعيين إلى انتزاعها، قال ماركس:
"في حين أن البرجوازيين الديمقراطيين يريدون، بتحقيق أكثر ما يمكن من المطالب المتقدم ذكرها، إنهاء الثورة على أسرع وجه، تقوم مصالحنا ومهمتنا نحن على جعل الثورة دائمة، مادامت جميع الطبقات المالكة، المالكة كثيراً أو قليلاً، لم تقص عن الحكم، وما دامت البروليتاريا لم تستول على سلطة الدولة، ومادامت جمعيات البروليتاريين في جميع أقطار العالم الرئيسية، وليس في بلد واحد فقط، لم تتطور بصورة كافية لوقف المزاحمة بين بروليتاريي هذه الأقطار، ومادامت قوى الإنتاج، القوى الحاسمة على الأقل، لم تتمركز في أيدي البروليتاريين".


وبكلمة أخرى:
أ‌) إن ماركس لم يقترح قط أن تبدأ الثورة في ألمانيا، خلال أعوام 1850 – 1860، بالسلطة البروليتارية رأساً، وذلك على الضد من خطط "دائميينا" الروس؛
ب‌) إن ماركس كان يقترح فقط تتويج عمل الثورة بالسلطة البروليتارية للدولة، وذلك بإسقاط جميع أقسام البرجوازية عن سدة الحكم، واحداً بعد آخر، خطوة خطوة، ومن ثم، بعد أن تصبح البروليتاريا في الحكم، اشعال حريق الثورة في جميع الأقطار. وكل ذلك ينطبق تماماً على ما علَّمه لينين وما حققه في مجرى ثورتنا سيراً على نظريته عن الثورة البروليتارية في ظروف الاستعمار.
وينتج من ذلك أن "دائميينا" الروس لم يستصغروا فقط دور جماهير الفلاحين في الثورة الروسية، وكذلك أهمية فكرة زعامة البروليتاريا، بل هم عدّلوا فكرة الثورة "الدائمة" عند ماركس (بإفسادها) وجعلوها غير صالحة للاستخدام العملي.
لهذا كان لينين يتهكم على نظرية "دائميينا" فينعتها بأنها "فريدة" و "رائعة"، ويتهمهم بأنهم لا يريدون "التفكير في الأسباب التي جعلت هذه النظرية الرائعة على هامش الحياة طوال عشرة أعوام". (من مقال كتبه لينين عام 1915، بعد عشرة أعوام من ظهور نظرية "الدائميين" في روسيا. راجع "خطتا الثورة"، المجلد 18، صفحة 317).
لهذا كان لينين يعتبر هذه النظرية نصف منشفيكية، قائلاً بأنها "تستعير من البلاشفة الدعوة إلى نضال البروليتاريا الثوري الفاصل، وإلى استيلاء هذه الأخيرة على السلطة السياسية، وتستعير من المنشفيك "إنكار" دور الفلاحين" (المرجع نفسه).
تلك هي الوضعية فيما يتعلق بفكرة لينين عن تحويل الثورة الديمقراطية البرجوازية إلى ثورة بروليتارية، وعن استخدام الثورة البرجوازية للانتقال "حالا" إلى الثورة البروليتارية.
ولنتابع. في السابق، كانوا يعتبرون من غير الممكن انتصار الثورة في بلد واحد، إذ كانوا يعتقدون أن الانتصار على البرجوازية يقتضي عملاً مشتركاً من البروليتاريين في مجموع الأقطار المتقدمة، أو في معظم مثل هذه الأقطار، على الأقل. أما الآن، فوجهة النظر هذه لم تعد تطابق الواقع. الآن، ينبغي الانطلاق من إمكانية مثل هذا الانتصار، لأن تطور مختلف الأقطار الرأسمالية في ظروف الاستعمار، بصورة غير متساوية وعلى قفزات، وتطور التناقضات الحادة في داخل الاستعمار، مما يؤدي إلى حروب محتمة، ونمو الحركة الثورية بل كذلك إلى ضرورة انتصار البروليتاريا في بلدان منفردة. وأن تاريخ الثورة في روسيا لبرهان مباشر على ذلك. ولكن من المهم أن لا ننسى هنا أن خلع البرجوازية لا يمكن تحقيقه بنجاح إلا عندما تجتمع بعض الشروط التي هي ضرورية بصورة مطلقة، والتي بدونها يكون بلا جدوى حتى مجرد التفكير في استيلاء البروليتاريا على السلطة.
وها كم ما يقوله لينين بصدد هذه الشروط في كراسه مرض الطفولة:
"إن قانون الثورة الأساسي، الذي أثبتته جميع الثورات، ولاسيما الثورات الروسية الثلاث في القرن العشرين، هو: لا يكفي، لأجل الثورة، أن تشعر جماهير المستثمرين والمضطهدين باستحالة العيش كالسابق، وأن تطالب بتغييرات. فينبغي، لأجل الثورة، أن يكون المستثمرون لم يعد في استطاعتهم أن يعيشوا ويحكموا كالسابق. فعندما يصبح "الذين تحت" لا يريدون العيش كالسابق، و"الذين فوق" لا يستطيعون الحكم كالسابق. عندئذ فقط تستطيع الثورة أن تنتصر. ويمكن التعبير عن هذه الحقيقة بصورة أخرى في الكلمات التالية: أن الثورة غير ممكنة بدون أزمة وطنية عامة (تتناول المستثمَرين والمستثمِرين معاً)(14) . فإذن لأجل الثورة، ينبغي، أولاً، أن تكون أكثرية العمال (أو، في كل حال، أكثرية العمال الواعيين، المفكرين، النشيطين سياسياً) قد فهمت فهماً تاماً ضرورة الثورة، وأن تكون مستعدة للموت في سبيلها، وينبغي، ثانيا،ً أن تعاني الطبقات الحاكمة أزمة حكومية من شأنها أن تجر إلى الحياة السياسية حتى أكثر الجماهير تأخراً..، وأن تضعف الحكومة وتجعل من الممكن للثوريين خلعها بسرعة" (المجلد 25، صفحة 222).
غير أن خلع سلطة البرجوازية وإقامة سلطة البروليتاريا في بلد واحد، لا يعنيان بعدُ، ضمان انتصار الاشتراكية التام. أن البروليتاريا في البلد المنتصر، بعد توطيد سلطتها، وجرّ جماهير الفلاحين وراءها، في وسعها ومن واجبها أن تبني المجتمع الاشتراكي. ولكن هل يعني هذا أنها بذلك تحقق انتصار الاشتراكية التام، النهائي؟ وبعبارة أخرى، هل يعني هذا أنها تستطيع، بقوى بلدها وحدها، أن توطد الاشتراكية نهائياً وتضمن البلاد تماماً ضد التدخل، وبالتالي، ضد إعادة النظام الرأسمالي؟ كلا، طبعاً. فلأجل هذا، من الضروري أن تنتصر الثورة في بعض البلدان، على الأقل. ولذلك فأن تطوير ومساندة الثورة في الأقطار الأخرى هما مهمة أساسية على الثورة المنتصرة. لذلك ينبغي للثورة في البلد المنتصر أن لا تعتبر نفسها كمقدار نفسه بنفسه، بل كعون، كوسيلة لتعجيل انتصار البروليتاريا في الأقطار الأخرى.
لقد أفصح لينين عن هذه الفكرة بكلمتين، إذ قال أن مهمة الثورة المنتصرة هي القيام "بأقصى ما هو ممكن التحقيق في بلد واحد لأجل تطوير ومساندة وأيقاظ الثورة في جميع الأقطار" (الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي، المجلد 23، صفحة 385).
تلك هي، أجمالاً، الخطوط المميزة للنظرية اللينينية عن الثورة البروليتارية.




(8)إشارة التأكيد مني ج. ستالين.
(9) Empiriocriticisme et Materialisme.
(10) Trade Unionisme : تيار انتهازي في حركة العمال يرمي إلى صرف الطبقة العاملة عن النضال السياسي بدعوى حصر اهتمامها بالقضايا الاقتصادية – هيئة التعريب.
(11) المتروبول (Metropole)، كلمة تطلق على البلد الاستعماري المسيطر بالنسبة للمستعمرات والأقطار التابعة له. فانكلترا هي المتروبول بالنسبة لكينيا والملايو، مثلا، وفرنسا هي المتروبول بالنسبة لبلاد السنغال ومدغسكر، الخ.- هيئة التعريب.
(12) إشارة التأكيد مني – ج. ستالين.
(13) إشارات التأكيد مني ج. ستالين.
(14) إشارة التأكيد مني – ج. ستالين.


الساعة الآن 12:34 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر