خطاط عثماني حامد الآمدي
1891-1982م في أحد مستشفيات استانبول طويت في هدوء صفحة مجيدة لآخر عباقرة الخط العربي في تركيا، وقد رثاه عارفوه على صفحات المجلات والصحف التركية. وهالني وللأسف أنه لم تُشِر إليه أية صحيفة أو مجلة عربية من قريب أو بعيد مع فضل الرجل وغزارة التراث الذي خلفه. وقد وافاه الأجل المحتوم يوم الأربعاء 19 مايو/أيار الماضي 1982.. وبوفاته فقدَ العالم الإسلامي رجلاً من خيرة أبنائه وقف حياته لكتابة القرآن الكريم، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.. رحلة العلم ولد الشيخ حامد الآمدي في ديار بكر بتركيا عام 1309هـ - 1891م واسمه الحقيقي الشيخ موسى عزمي، واشتهر بحامد أيتاش الآمدي نسبة إلى »آمد« وهي قرية في ديار بكر. والده »ذو الفقار« ووالدته »منتهى«، وكان جده خطاطاً، درس في الكتّاب في مسجد »أولو« بقريته وأكمل دراسته الثانوية بالمدرسة العسكرية الرشيدية بديار بكر ثم انتقل إلى استانبول لدراسة القانون حيث أمضى سنة واحدة في »كلية الحقوق« أو »مكتب القضاة« كما كانت تسمى، ثم انتقل إلى أكاديمية الفنون الجميلة والصنايع، وكان ذلك بمعاونة أستاذه »مدحت بك« الذي لاحظ موهبته في الخط، وفي هذه الأثناء توفي والده واضطر إلى ترك الأكاديمية للعمل وكسب القوت. وقد تعلم الخط الثلث علي يد أحمد حلمي بك، كما تعلم الرقعة على يد وحيد أفندي، ثم عمل مدرساً ثم خطاطاً في دار الطبعة، ثم تقدم للعمل في مطبعة المدرسة العسكرية ونال إجازة امتحان الخطاطين. ثم سافر إلى ألمانيا حيث درس رسم الخرائط وعمل في قوات الصاعقة بالجيش الألماني في أثناء الحرب العالمية الأولى، وعند عودته إلى استانبول تعلم »الجلي ثلث« من الحاج نظيف بك وكتابة الطغراء من إسماعيل حقي وغيرهم من مشاهير الخطاطين في عصره. ومن آثاره التي يمكن مشاهدتها في تركيا والعراق ومصر، ما تركه من كتابات قرآنية، في مسجد شيشلي ومسجد أيوب ومسجد باشباهشي ومسجد حاجي كوشك في استانبول وقبة مسجد كوخاتيب في أنقرة، ومساجد أخرى كثيرة في استانبول ودنزلي وشانا قلعة. كما كتب أربعين حديثاً نبوياً وكثيراً من كتب تعليم الخط والآلاف من مختلف الكتابات الإسلامية والمدائح النبوية والأشعار وغيرها. وكان قمة إنتاجه نسخ المصحف الشريف مرتين بخط يعتبر من أجمل الخطوط. وله تلاميذ كثيرون في تركيا والشام والعراق، أجازهم ومنحهم شهادات تقليدية تؤهلهم لحمل لقب خطاط، ومن الغريب أن تعلمتْ على يديه طالبة يابانية أجازها في الخط العربي. وقد زاره كاتب المقال في مكتبه الواقع في خان رشيد أفندي-أنقرة جاد سي- محلة سركه جي باستانبول، وكان قد جاوز السابعة والثمانين عاماً، وكان ما يزال يكتب بنشاط وبيد ثابتة. ولعل في النماذج المنشورة في كتاباته أحسن تعريف للقارئ العربي بشيخ الخطاطين المبدعين، رحمه الله. وعزاؤنا هو ما خلفه من آثار كثيرة تعتبر الآن تراثاً للأمة الإسلامية، فورثها مصاحف خطها قلمُه وطبعت في استانبول وبرلين وتعد من روائع المصاحف التي طبعت في العالم، كما أن عزاءنا فيه فيمن خلفوه من تلاميذه الذين ورثوا عنه أسرار الحرف العربي وقواعد كتابته وأصول خطه، وأذكر منهم الأستاذ حسن شلبي من استانبول أمدّ اللهُ في عمره. الحرف العربي في تركيا.. وإذا كانت اللغة التركية قد تحولت عن الحرف العربي الشريف إلى الحرف اللاتيني في عام 1926م، إلا أن عباقرة الخطاطين ظلوا يؤدون رسالتهم المقدسة: ألا وهي رسالة المحافظة على الحرف العربي بجماله وقمة إبداعه. وإذا تحدثنا عن الحرف العربي الشريف فهو ذلك الحرف الذي كتب به القرآن الكريم من ألف ولام وميم ونون وصاد.. فشرفت العربية بقرآن كريم من لدن عزيز حكيم. من مشاهير الخطاطين .. الخطاط حامد الآمدي محمود شكر محمود الجبوري هو موسى عزمي الملقب بحامد الآمدي ولد سنة 1891 ميلادية في ديار بكر، وفيها اكمل دراسته الابتدائية وتعلم مبادئ الخط على يد استاذه (مصطفى عاكف) وانتقل الى المدرسة الرشيدية العسكرية فتعلم فيها خط الرقعة. كانت حياته حافلة بالكفاح حيث توفي والده فاضطر الى ان يشمر عن ساعديه ليدخل معترك الصراع الانساني فعمل في مجال التدريس في (استانبول). واشتغل خطاطا في بعض المطابع ليمارس مهارته في فن الخط الذي تعلمه في دراسته الابتدائية والاعدادية. وعلى يدي (الحاج نظيف بيك) درس هذا التلميذ المتحرق لمعرفة اسرار فنون خطي الثلث والنسخ،ولكن القدر اختطف مدرسه بعد الدروس الاولى وحملته مسيرته الحياتية والوظيفية ليعمل خطاطا في مطبعة الاركان الحربية العمومية. ومنذ عام (1920) تفرغ موسى عزمي لفن الخط الذي عشقه وملك عليه حواسه، وأخذ يوقع اعماله الخطية الرائعة باسم “حامد” وسبب ذلك كما قال: انه عندما تفتحت موهبته المبدعة في زمن مبكر من حياته وعرف من زملائه الخطاطين ومن باقي متذوقي فن الخط: قرر انه يجب عليه ان يحمد الله على هذه النعمة الوافرة فسمى نفسه (حامداً). العثمانيون والخط العربي لقد توجت بغداد عاصمة للخط العربي ابان العصر العباسي، وبعد انتهاء هذا العصر انتقلت عناية الخط العربي الى الأتراك العثمانيين واصبحت عاصمة الخط العربي (استانبول) عاصمة آخر خلافة اسلامية.ان اسماء مثل [حمد الله واحمد القرة حصاري،والحافظ عثمان وراقم وكثيرين غيرهم) لدليل على ازدهار فن الخط لدى العثمانيين وليس غريباً ان يبزغ نجم علم جديد من اعلام الخط العربي وحفيد من احفادهم ليصبح ظاهرة واسما عظيماً ذاع صيته مع بداية القرن العشرين وحتى يومنا هذا انه النجم الخطاط الفذ خليفة العمالقة “حامد الآمدي” او حامد ايتاج رحمه الله.لقد برع -رحمه الله- في فن الخط ولكن بطريقة مبتكرة اذ تتلمذ على يد الخطاط الكبير “نظيف بيك”- رحمه الله- ولكنه نمى ملكته الفطرية بنفسه حيث وازن بين يده وبصره بشكل منسق الى ابعد حدود التنسيق ثم توالت تلمذته بعد تعرفه على أشهر الخطاطين، ومن ثم مصادقته اياهم، ومنهم (الحاج كامل الديك) واسماعيل حقي امين يازجي، خلوصي ثم تمر الايام ويفوق التلميذ النجيب “حامد” اساتذته شهرة وقدرة حتى قالوا عنه بأنه ما رأى نوعاً من الخط الا كتبه وأبدع فيه.لقد تتلمذ على يده عدد من الخطاطين الذين يتصدرون هذا الفن اليوم ومنهم من قضى نحبه حتى قبل وفاة استاذه كالخطاط العظيم هاشم البغدادي ومنهم من هو على قيد الحياة - أطال الله في اعمارهم مثل: يوسف ذنون، علي الراوي، رأفت ، حسين قطلو، حسن شلبي، الذي تتلمذ على يد تلميذ حامد الآمدي، حليم.أغمض اغماضته الاخيرة وفاضت روحه الى باريها في تمام السابعة والنصف من مساء يوم الثلاثاء الموافق 18 مايو 1982م). حامد الآمدي: اخر الخطاطين العثمانيين العمالقةكان حامد خطاطاً فذاً وهبه الله قدرات عظيمة مكنته من كتابة اصعب الخطوط، وان لم يكن قد درسها على يد استاذ وبهذه الموهبة الفائقة قدم لفن الخط أروع الأعمال وبها اثبت قدرته على الابداع دون تعلم ومن أهم انجازاته تنشئة جيل كبير من الخطاطين كانوا يأتون اليه من بلدان العالم كافة فضلا عن الأتراك منهم وكلهم تعلم على يده اسرار هذا الفن الخالد، كما نقلوا جمالياته الى العالم بأسره فاذا لمعت نجوم خطاطين مبدعين فالفضل لله ثم للخطاط حامد الآمدي الذي يعد آخر الخطاطين العثمانيين العمالقة.وأن فضل ما كتب حامد يرجع الى المرحلة الأولى من حياته اذ انه ظهر كخطاط محترف مع بداية العشرينيات من القرن الماضي، واستمر كذلك حتى قارب الشيخوخة.ويعد حامد آخر المبدعين الأتراك في الخط العربي وقد امتد انتاجه قرابة سبعين عاماً في العمل والابداع المتواصل الذي يمتاز بالدقة والروعة وحسن التشكيل وجمال الحروف ورشاقتها. المصادر -1خالد علي الجلاف: مقال: حامد في ذاكرة تلاميذه ومحبيه مجلة : حروف عربية - العدد الثاني -2001 م- الامارات مجلة فصلية تعنى بشؤون الخط العربي -1محمود شكرالجبوري أ-كتاب المدرسة البغدادية في الخط العربي- بغداد - 2001م ب-حامد الآمدي: خطاط القرن العشرين “مقال” جريدة الصباح- العراق - بغداد العدد/ 709- تشرين الثاني/ 2005م من روائع الحضارة العثمانية: الخَطَّاطْ حَامِدْ آخرُ الخطاطين العظام يقول الدكتور علي إرسلان - وهو خطاط وأستاذ بجامعة إستانبول-: " يعتبر فن الخط أصعب الفنون الإسلامية ذلك لأن الفنان فيه لا يملك في يده غير القلم البسيط، وهذا القلم مسطرة الخطاط وبِرْجَلَهُ، وهو قسطاسه الذي يعيّن به أحجام الحروف. هذا القلم يقوم بأداء كل وظائف الآلات الأخرى التي يمتلكها الفنانون في سائر الفنون الأخرى." يكمل الدكتور علي إرسلان:" لذا تلزم الخطاط خصلتان رئيسيتان هما القابلية وبذل الجهد. هناك من جلسوا سنوات عديدة يتلقون فن الخط على أيدي أساتذةٍ خطاطين، ومع ذلك لم يتمكنوا من تحصيل هذا الفن، وهناك أيضاً أصحاب الإستعداد الفريد في تاريخ الخط، تلقوا القليل من هذا الفن على يد أساتذة قلائل ولفتراتٍ زمنية قصيرة، واتخذوا بجانب هذا عدة أسطرٍ قليلةٍ مما خطه سابقوهم، نموذجاً يحتذونه لتدريب أنفسهم وبهذا احتلوا المكانة العظيمة في تاريخ فن الخط، وخلدت أسماؤهم أساتذة عظاماً في الخطوط. وحامد واحد من هؤلاء الفنانين العباقرة، وهم قلائل في التاريخ الفني الإسلامي"
انتقل حامد بعد انتهائه من الكتاب، إلى المدرسة الرشيدية العسكرية في ديار بكر، وفيها تعلم خط الرقعة عن معلمه "واحد أفندي". نموذج من خط الرقعة. كما تعلم خط الثلث عن أحمد حلمي بك معلم الرسم وضابط الجندرما، نموذج من خط الثلث. وتعلم حامد عن هذين المعلمين خطوط اللغة اللاتينية والخطوط الرومانية والغوطية، كما تعلم الخط أيضاً عن قريب له يدعى عبد السلام أفندي ومن معلم آخر يدعى سعيد أفندي وهو إمام مسجد له أسلوبه الخاص في تعليم الخط عبر طلبه من الطلاب كتابة آيات قرآنية على السبورة بالطباشير وبهذه الوسيلة تمكن حامد من كتابة القرآن الكريم بالطباشير عدة مرات. ونتيجة لاهتمام حامد بالخط، رسب في عامه الأول من المدرسة الرشيدية العسكرية فمنعه والده من مزاولة الخط. إلا أن حادثة جعلت والده يتراجع عن قراره هذا، وهي أن حامداً كان يعاون أحد معلميه الخطاطين في كتابة لوحة خطية على قطعة من القماش تحمل عبارة "يحيا السلطان" وذلك بمناسبة ذكرى جلوس السلطان عبد الحميد على العرش ، في هذه الأثناء أخذ حامد يحاول كتابة طغراء السلطان مما دفع المسؤولين في ديار بكر إلى منح حامد ليرة ذهبية مكافأة له فطار بها فرحاً إلى والده ليخبره بالأمر الذي شرح صدر والده، فسامحه وأذن له بمزاولة فنه.
|
رد: خطاط عثماني حامد الآمدي
Ċℓαѕṣΐς مجهود رائع وموضوع متميز كعادتك :) |
رد: خطاط عثماني حامد الآمدي
مجهود تستحقين الشكر علية
بارك الله بك |
الساعة الآن 05:31 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر