مجلة الإبتسامة

مجلة الإبتسامة (https://www.ibtesamah.com/)
-   روايات و قصص منشورة ومنقولة (https://www.ibtesamah.com/forumdisplay-f_133.html)
-   -   تحليل مقامات بديع الزمان الهمذاني (https://www.ibtesamah.com/showthread-t_431143.html)

Yaqot May 8, 2014 12:05 PM

تحليل مقامات بديع الزمان الهمذاني
 
المقامة الجرجانية




حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ:
بَيْنمَا نَحْنُ بِجُرجَانَ، فِي مَجْمَعٍ لَنَا نَتَحَدَّثُ وما فينا إِلاَّ مِنَّا، إِذْ وَقَفَ عَليْنَا رَجُلٌ لَيْسَ بِالطَّويلِ المُتَمَدِّدِ، ولا الْقصيرِ المُتَرَدِّدِ، كَثُّ العُثْنُونِ، يَتْلُوهُ صِغَارٌ فِي أَطْمارٍ، فافْتَتَحَ الْكَلامَ بِالسَّلامِ، وَتَحِيَّةِ الإِسْلامِ، فَوَلاَّنا جميلاً، وأَوْلَيْناهُ جَزيلاً، فَقَالَ: يا قَوْمُ إِنِّي امْرؤٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، مِنَ الثُغُورِ الأَمَويَّةِ نَمَتْني سُلَيْمٌ ورَحَّبَتْ بِي عَبْسٌ جُبْتُ الآفاق، وتَقَصَّيْتُ العِرَاقَ، وَجُلْتُ الْبَدْوَ وَالْحَضَرَ، ودَارَيْ رَبِيَعَةَ وَمُضَرَ، ما هُنْتُ، حَيْثُ كُنْتُ، فَلا يُزْرِيَنَّ بِي عِنْدكُمْ ما تَرَوْنَهُ مِن سَمَلي وأَطْماري، فَلَقَدْ كُنَّا وَاللهِ مِنْ أَهْلِ ثَمٍّ وَرَمٍّ، نُرْغِي لَدَى الصَّباحِ ونُثْغِى عِنًدَ الرَّواحِ

وفينَا مَقَامَاتٌ حِسَانٌ وُجُوهُهُم *** وأَنْدِيَةٌ يَنتَابُها القَوْلُ والفِعْلُ

عَلَى مُكْثِرِيهِمْ رَزْقُ مَنْ يَعْتَرِيهِمُ *** وَعِنْدَ المُقِلَّينَ السَّمَاحَةُ والبَذْلُ
ثُمَّ إِنَّ الدَّهْرَ يا قَوْمُ قَلَبَ لِي مِنْ بَيْنِهمْ ظَهْرَ الْمِجَنَّ، فاعْتَضْتُ بِالنَّوْمِ السَّهَر، وبالإِقامَةِ السَّفَرَ، تَتَرَامى بِي المَرَامي، وتَتَهَادَى بِي المَوَامِي، وَقَلَعَتْنِي حَوَادِثُ الزَّمَنِ قلْعَ الصَّمْغَةِ، فَأُصْبِحُ وأُمْسِي أَنْقَى مِنَ الرَّاحَةِ وأَعْرَى مِنْ صَفْحَةِ الْوَليدِ، وأَصْبَحْتُ فَارِغَ الفِناءِ، صَفِرَ الإِنَاءِ، مالِي إِلَّا كَآبَةُ الأَسْفارِ، ومُعَاَقَرَةُ السِّفَارِ، أُعَانِي الفَقْرَ، وأمَاني الْقَفْرَ، فِراشِي الْمَدَرُ، وَوِسَادِي الحَجَرُ

بِآمدَ مَرَّةً وَبِـرأْسِ عَـيْنٍ *** وأَحْيَاناً بِمَيّا فَـارِقِـينَـا

لَيْلَةً بِالشَّآمِ ثُـمَّـتَ بِـالأهْ *** وَازِ رَحْلِي وَلَيلَةً بِالْعِرَاقِ
فَما زَالَتِ النَّوَى تَطْرَحُ بيِ كُلَّ مَطْرَحٍ، حَتَّى وَطِئْتُ بِلادَ الحَجَرِ وَأَحَلَّتنِي بَلَدَ هَمَذَانَ، فَقَبِلَنِي أَحْيَاؤُهَا، وَأَشْرَأَبَّ إِلَىَّ أَحِبَّاؤُهَا، وَلكِنِّي مِلْتُ لإِعْظَمِهشمْ جَفْنَةً، وَأَزْهَدِهِمْ جَفْوةً:

َلهُ نَارٌ تُشَبُّ عَلَى يَفَـاعٍ *** إِذَا النِّيرانُ أُلْبِسَتِ الْقِنَاعَا

فَوَطَّأَ لِي مَضْجَعاً، وَمَهَّدَ لِي مَهْجَعاً، فَإِنْ وَنَى لِيَ وَنْيةً هَبَّ لِيَ ابْنٌ كأَنَّهُ َسَيْفٌ يَمَانٍ، أَوْ هِلاَلٌ بَدَا فِي غَيْرِ قَتَمانٍ، وَأَوْلاني نِعَماً ضَاقَ عَنْهَا قَدْرِي، وَاتَّسَعَ بِهَا صَدْرِي، أَوَّ لُهَا فَرْشُ الدَّارِ، وَآخِرُها أَلْفُ دِينَارٍ، فَمَا طَيَّرَتْنِي إِلا َّالنِّعَمُ حَيْثُ تَوَالَتْ، وَالدِّيَمُ لَمَّا انْثَالتْ، فَطَلَعْتُ مِنْ هَمَذَانَ طُلُوعَ الشَّارِدِ، وَنَفَرْتُ نِفَارَ الْآبِدِ، أَفْرِي الْمَسَالِكَ، وَأَقْتَفِرُ المَهَالِكَ، وَأَعَانِي الْمَمَالِكَ، عَلَى أَنِّيَ خَلَّفْتُ أُمَّ مّثْوَايَ وَزُغْلوُلاً لِي.
كأَنَّهُ ُدْمُـلٌـج مِـنْ فِـضَّةٍ نَـبَـهٌ *** فِي مَلْعَبٍ مِنْ عَذَارَى الحَيِّ مَفْصُومُ
وَقَدْ هَبَّتْ بِي إِلَيْكُمْ رِيحُ الاِحْتِيَاجِ، وَنَسِيمُ الإِلْفَاجِ، فَانْظُرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ لِنِقْضٍ مِنَ الأَنْقَاضِ مَهْزُولٍ، هَدَتْهُ الحَاجَةُ، وَكَدَّتْهُ الْفَاقَة:

أَخَا سَفَرٍ، جَوَّابَ أَرْضٍ، تَقَاذَفَتْ *** بِهِ فَلَوَاتٌ؛ فَهْوَ أَشْعَثُ أَغْبَـرُ

جَعَلَ اللهُ لِلخَيْرِ عَلَيْكُمْ دَلِيلاً، وَلاَ جَعَلَ للِشَّرِّ إِلَيْكُمْ سَبِيلاً. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَرَقَّتْ وَاللهِ لَهُ الْقُلُوبُ، وَاغْرَوْرَقَتْ لِلُطْفِ كلاَمِهِ العُيُونُ، وَنُلْنَاُه مَا تَاحَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ، وأَعْرَضَ عَنَّا حَامِداً لَنا، فَتَبِعْتُهُ، فَإِذَا هُوَ وَاللهِ شَيْخُنَا أَبُو الْفَتْح الإِسْكَنْدَرِيُّ.


الساعة الآن 03:06 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر