مجلة الإبتسامة

مجلة الإبتسامة (https://www.ibtesamah.com/)
-   روايات و قصص منشورة ومنقولة (https://www.ibtesamah.com/forumdisplay-f_133.html)
-   -   السيرة الذاتية للكاتب أوسكار وايلد (https://www.ibtesamah.com/showthread-t_431109.html)

Yaqot May 8, 2014 11:20 AM

السيرة الذاتية للكاتب أوسكار وايلد
 
أوسكار وايلد والظاهرة الأخلاقية المثالية
/ د. غالب سمعان/ دمشق - سورية

إن أهم ما يميز مسرحية (الزوج المثالي The Ideal Husband) للكاتب الأيرلندي أوسكار وايلد (1900-1954) Oscar Wilde، هو إصرارها على الأخلاقية الرفيعة، وعلى ضرورة التمسك بالمبادئ الأخلاقية، القائمة على ركائز الأمانة والشرف، والنماذج البشرية التي يقدمها أوسكار وايلد في هذه المسرحية الهامة، نماذج أرستقراطية Aristocratic، تحيا حياتها الاجتماعية الحافلة، على أن أرستقراطيتها التي تتصف بمظاهر الأبهة والثراء، والسلطان والترف، تظل بالرغم من كل شيء، أرستقراطية أخلاقية، فالتركيز على فكرة المثال الأخلاقي، هو ما يميز العمل الأدبي، والإرادة الأرستقراطية ليست معزولة عن الأخلاقية الرفيعة، لا بل أنها إرادة أخلاقية غائية مثالية، وهو ما يعني أن الروح الأرستقراطية الموصوفة، إنما هي روح أرستقراطية نبيلة، لأنها أخلاقية، ولها إيمانها بالمثال الأخلاقي، وبالمبادئ الأخلاقية القويمة.
وبالإضافة إلى الأرستقراطية الأخلاقية، هناك الأرستقراطية السفسطائية Sophistic التي يتم احتواؤها داخل إطار الأخلاقية، بالرغم من النجاح الحياتي الذي يتأتى لها في بعض الأحيان، فالتركيز على النجاح الذي تؤدي إليه الأخلاقية، يلقى الامتداح الأكبر، بالمقارنة مع النجاح الذي تؤدي إليه الروح السفسطائية، التي هي روح أخلاقية غير مكتملة، وفق الرؤية الفكرية التي تعرضها المسرحية، والتي تضع الأخلاق فوق الميول السفسطائية، وترفض في الوقت ذاته، الاستغناء عن تلك الميول السفسطائية، أو التنكر لها، وبالطبع يؤدي الميل السفسطائي إلى الوقوع في الخطأ، وهنا تتدخل الأخلاق، كي يتم احتواء الخطأ، والانطواء عليه انطواء أخلاقيا.

والواقع أن أهم ما يعترض الأخلاقية الرفيعة، المعروضة في المسرحية، هو الميل السفسطائي، الذي يضع المنافع في مرتبة أعلى من الأخلاق، بالإضافة إلى ظاهرة الخطيئة، أو ظاهرة الوقوع في شراك الإغراء Temptation، الذي يعني انتكاسة حقيقية من الناحية الأخلاقية، وإن بطل المسرحية سير روبرت تشيلترن وزوجته ليدي تشيلترن، يمثلان المثال الأخلاقي، لكنهما يظلان عاجزين عن أن يكونانه تماما، والسبب في ذلك يعود إلى قابلية البطل للاستجابة للإغراء، وللوقوع في الخطيئة، وإلى انحراف زوجته باتجاه النفاق الأخلاقي، فإصرارها على المبادئ الأخلاقية المثالية، إنما هو إصرارها على أرستقراطيتها، التي تعني ترفعها عن أية خطيئة، أو أي سلوك يفتقر إلى الأمانة والشرف. وفي مقابل رؤية البطل وزوجته، تطالعنا رؤية بارون أرنهايم السفسطائية، ورؤية مسز تشيفلي النفعية، التي تضع المنافع قبل الأخلاق، لكن الرؤية السفسطائية في مسرحية (الزوج المثالي) تظل مؤطرة بالأخلاقية، والنجاح القائم على ركائز سفسطائية، يظل أدنى مرتبة من نظيره القائم على ركائز أخلاقية، وهو ما يود أوسكار وايلد أن يؤكده، ويدعو إليه.
وبالطبع لا يعني النجاح في تبني موقف فكري، والنجاح الواقعي الحياتي الذي يرافقه، صوابيته ومشروعيته، كموقف فكري، وهكذا فإن نجاحات بارون أرنهايم ذي الميل السفسطائي، لا تعني أن السفسطائية على صواب، وأوسكار وايلد ذاته أخلاقي بأكثر من كونه سفسطائيا، وهو يؤسطر السفسطائية كي يكون بإمكانه أسطرة الأخلاقية القادرة على احتوائها. وفي تاريخ الفلسفة، لا تدل نجاحات الفيلسوف السفسطائي جورجياس
(380-427) Gorgias ق. م. وغيره من السفسطائيين، على صوابية السفسطائية، والفكر الإنساني لا يستطيع الاستغناء عن الأخلاقية، التي يمثلها فلاسفة اليونان الأخلاقيون كسقراط وأفلاطون وأرسطو، وهي الأخلاقية القادرة تماما على احتواء السفسطائية، ومنعها من تعميم نموذجها الأكثر ثباتا. وبالرغم من توصيف أوسكار وايلد للسفسطائية، توصيفا دالا على ترحابه بها، فإنه الكاتب الذي تعلق تعلقا وجدانيا عميقا بالفلسفة الأفلاطونية، وليس بالمبادئ السفسطائية التي أقرها الفلاسفة السفسطائيون. وان فلسفة أفلاطون (347-428) Plato ق. م.
قادرة بالفعل، على احتواء فلسفة جورجياس، الداعية إلى كنز المال، واكتساب السلطان، والمجد الدنيوي، وهذه الأحوال تظل مما هو مقبول، ومسموح به، عندما تكون محتواة داخل الرؤية الأفلاطونية، دون أن يتأتى لها الانطلاق بمعزل عن الأخلاقية، فالدور الذي تلعبه الأخلاقية، هو دورها، الذي يمكن الحياة الاجتماعية من الاحتفاظ بالضوابط الضرورية، من أجل صونها، وعدم تدهورها باتجاه الفوضى، أو باتجاه إظهار الأميال البشرية المرفوضة. ومن ناحية أخرى، فان فلسفة أفلاطون حاولت وضع الأرستقراطية تحت تصرف الأخلاقية، وتحويلها إلى أخلاقية، فالذي يتصف بالأخلاق الرفيعة هو الإنسان الأرستقراطي. والحدث الأساسي في المسرحية، هو الطلب الذي تتقدم به مسز تشيفلي إلى سير روبرت تشيلترن، وهي تدعوه فيه إلى مساندة مشروع قناة الأرجنتين، في مجلس العموم، لأنها استثمرت فيه أموالا كبيرة، بناء على نصيحة بارون أرنهايم، وأكثر من ذلك، فإنها تأمر سير روبرت تشيلترن، وكيل وزارة الخارجية، وتهدده بفضح ماضيه، وكشف أصل ثروته، ومركزه الحكومي، فالبطل الذي باع سرا من أسرار مجلس الوزراء إلى بارون أرنهايم، قبل ثمانية عشرة عاما، كتب خطابا يفضح فيه بطريقة حمقاء، سلوكه الذي يفتقر إلى الأمانة والشرف، وهو الخطاب الذي تحتفظ به مسز تشيفلي، وتهدد بوضعه تحت تصرف الصحافة، وهو ما يعني تعريض روبرت تشلترن إلى احتمال الطرد من الحياة العامة، وإلى القضاء على مستقبله السياسي الذي ينتظره.
وبالفعل فإن إمكانية إسقاط البطل من عليائه، إمكانية واقعية، خاصة وأنه تمكن من اكتساب التعاطف العام، بوصفه رجلا أمينا وشريفا، وقادرا على التعامل مع السياسة بوصفها أخلاقا رفيعة، وهكذا فإن اكتشاف فضيحة في حياته، سيؤدي إلى حملة ديماغوجية Demagogic أخلاقية ضده، ولن يكون في إمكانه صدها، أو منعها من إسقاطه، والقضاء على مستقبله الموعودوالأحداث تتم في لندن، في نهاية القرن التاسع عشر، أي في الفترة التي شهدت التوسع الاستعماري البريطاني، لكن اهتمام الكاتب يتركز على الحياة الاجتماعية، وعلى الطبائع البشرية، بعيدا عن الشؤون التي تتعلق بالنواحي البريطانية الاستعمارية، والاهتمام بقناة السويس أو بقناة الأرجنتين، إنما هو الاهتمام الهادف إلى اقتناص الثروة لا غير، لا بل أن الرؤية الأخلاقية داخل البنيان الاجتماعي البريطاني، تتحول إلى رؤية نفعية، عندما يتعلق الأمر بالدول والشعوب الأخرى، فالبطل روبرت تشيلترن القيم على المثال الأخلاقي الأعلى، يتحدث عن قناة السويس بوصفها مشروعا هاما، لمجرد أنه فتح الطريق أمام الإمبراطورية البريطانية، ومكنها من الوصول إلى شبه القارة الهندية، مباشرة، وبطريقة أفضل وأسهل، وأقل تكلفة، وهو الذي اطلع على قرار الحكومة البريطانية بشراء أسهمها، وعمد إلى تسريب الخبر إلى بارون أرنهايم، مما أدى إلى حصول البارون على مبلغ كبير من المال، وإلى حصوله هو على المبلغ الذي كان يحتاجه من أجل بناء حياته العملية القادمة. ومما هو جدير بالتوقف عنده، العلاقة القائمة، أو التي ينبغي أن تكون قائمة بين السياسة والأخلاق القويمة، فالنجاح الذي حققه روبرت تشيلترن في حياته السياسية العملية، هو نجاحه الأخلاقي بالدرجة الأولى، والواقع أنه يتعامل مع السياسة بوصفها أخلاقا، إلا أنه الرجل الذي وقع في شراك الإغراء، وتصرف بطريقة نفعية في وقت من الأوقات، وهو التصرف الذي قاده إلى إن يتبوأ مركزه السياسي في الحكومة، لكنه الآن وقد أصبح في موقف حياتي اجتماعي وسياسي يتصف بالقوة، أخذ يكفر عن خطيئة شبابه، عن طريق الاحتكام إلى المبادئ الأخلاقية القويمة، والقيام بالأعمال الخيرية.وعلى خلافه، فإن مسز تشيفلي تنظر إلى السياسة، لا بوصفها حياة نبيلة، بل بوصفها لعبة بارعة، ومصدرا للمتاعب في بعض الأحيان، وهي تفرض على روبرت تشيلترن واقعا جديدا، وتضطره إلى التساهل، وإلى تقديم التنازلات، والمنفعة تفرض عليه التنكر للأخلاق، خوفا من الأخلاق ذاتها، وهو يتحدث مع زوجته، المتمسكة بالأخلاق المثالية، تمسكها الأرستقراطي المكين، عن الحلول الوسطى، وعن ضرورة نسيان الماضي، وعدم الاحتكام إليه عند إطلاق الأحكام الأخلاقية التقييمية على الآخرين، مما يؤدي إلى استغراب الزوجة وامتعاضها، والواقع أن مسز تشيفلي تمثل النزوع الأرستقراطي السفسطائي، بأسلوبها الانفعالي الدال على افتقارها للتوازن في حياتها الخاصة، وعلى خلافها فإن روبرت تشيلترن وزوجته يمثلان النزوع الأخلاقي، الذي يتورط في الخطيئة، ويحاول التستر عليها، عن طريق اقتراف خطيئة أخرى، وكل هذا لأنهما محكومان بالأخلاقية. وأوسكار وايلد كاتب أخلاقي في جوهره، وهو يدافع عن الأخلاق القويمة، وعن النزوع السفسطائي والخطايا، شريطة أن تكون مؤطرة بالأخلاق، ومحتواة داخل بوتقتها، دون أن تكون لها القدرة على التحرك باستقلالية فجة، وما تهربه من القوانين الأخلاقية بدليل على وجوده خارج دائرتها، فالكاتب أخلاقي بطبيعته، وتهربه من القوانين الأخلاقية لا يعني أكثر من انحداره باتجاه الرذيلة، ورنوه الصادق إلى الفضيلة.طرطوسومما يكشفه النص المسرحي، عمق الولاء الذي يحتفظ به روبرت تشيلترن لمعلمه ومرشده، بارون أرنهايم، وهو البارون الذي يمثل الميل السفسطائي إلى القوة والسلطان، لكنها القوة التي ترى في المال طريقة تحققها الوحيدة، فالأقوياء هم الأثرياء، وهم أصحاب السلطان، واندفاع روبرت تشيلترن وراء فلسفة القوة الموصوفة، إنما هو اندفاعه السيكولوجي إلى تجاوز مثله الأخلاقية العليا، التي تقيده وتحتجزه داخل أطرها، لكن إغراءه، ووقوعه في شراك الإغراء، يظل واقعا داخل نطاق الأخلاقية التي يتصف بها، وهو يلعب دورا هاما في صيانة أخلاقيته الرفيعة، فالخطيئة التي اقترفها في شبابه الباكر، أدت به إلى التمسك بالمبادئ الأخلاقية، كمحاولة واعية ولاواعية للتكفير عنها، وهو لا يشعر بالندم حيال اقترافه لذنبه، ولا غرابة في موقفه الذي يؤكد فيه عدم شعوره بالندم، فالذنب ذاته أدى إلى حيازته للثروة، وإلى نجاحه الذي تتابعت حلقاته، إلى أن وصل إلى منصب وكيل وزارة الخارجية. ثم أن الأخلاقية التي يتصف بها، تدين بالولاء للخطيئة التي اقترفها في شبابه الباكر، أي أنها تحتاجها بوصفها قادرة على تنبيه الأخلاقية، وتدعيمها وصونها، ومن ثم فإن الندم في هذه الحالة غير ضروري. وأوسكار وايلد الذي تردى من الناحية الأخلاقية، لم يشعر بالندم إلا في وقت متأخر، عندما بدا له أن الانجراف وراء الخطيئة، والإغراء الدنيوي، أصبح قادرا بالفعل على تهديد الأخلاقية، التي يتصف بها، اتصافا قبليا، غير أنه لم يستطع تقبل الحال الأخلاقية التي كان عليها قبل وقوعه الأول في الخطيئة، وما كان بإمكانه التعرف إلى نوعية الأخلاقية، القائمة على الانطواء على الخطيئة، لولا اقترافه لها، ولو أن استجابته للإغراء توقفت عند حادثة واحدة، ولم تتعداها إلى متوالية لا تنتهي من الحوادث، لما بدا الندم له شيئا ضروريا وهاما، فالمشاعر التي تتضمن الأسف والتوبة والندم، والتي تحدث عنها، في تأملاته، الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال (1662-1623) Blaise Pascal، لن يكون بإمكان السيكولوجية الأخلاقية أن تطلبها، وترنو إليها، رنوها الصادق والعميق، إذا لم يكن التورط في الخطيئة، تورطا كبيرا وخطيرا، ومع ذلك فإن هذه الصيغة من التورط العميق، أدت إلى اندفاع أوسكار وايلد في نهاية المطاف، باتجاه الفلسفة الأفلاطونية، والكاثوليكية الرومانية، اندفاعا قويا، وهناك من يرى أن زهديات أبي نواس (814-756)أعمق وأصدق من زهديات أبي العتاهية (826-748)، وما من غرابة في ذلك، فانحدار أبي نواس العميق باتجاه الخطيئة، أدى إلى اندفاعه باتجاه الأسف والتوبة والندم، اندفاعا قويا، لم يكن أبو العتاهية، مما يحتاج إليه، وبالمثل يمكن التحدث عن ظاهرة الأسف والتوبة والندم، لدى القديس، والفيلسوف اللاهوتي، أوغسطين (430-354) Saint Augustine، فالتورط العميق في الخطايا والآثام، انقلب إلى قداسة عميقة وصادقة، ولا زيف فيها.
والمسرحية تود أن تؤكد استحالة كون الإنسان أخلاقا فقط، واستحالة كونه مثالا أخلاقيا منزها عن أي عيب، وهكذا فإن أسطرة المثال الأخلاقي الأعلى، يعني تحويله إلى فكرة طوباوية، والحياة الاجتماعية التي يحياها أناس واقعيون، لا يمكن لهم أن يكونوا أمثلة أخلاقية كاملة، لكن اهتمام أوسكار وايلد واهتمام أبطاله بالمثال الأخلاقي الرفيع، يظل قائما. والعلاقة التي تربط روبرت تشيلترن بزوجته هي علاقة المحبة، التي تبجل وتقدس المثال الأخلاقي الأعلى، الذي يمثله كل منهما للآخر، لكن الأحداث المتوالية تكشف الخطيئة التي تنطوي عليها حياة البطل، والنفاق الأخلاقي الذي تنطوي عليه سيكولوجية زوجته، وهو ما يؤدي إلى إنزالهما من عليائهما، وإلى اعترافهما بنقاط ضعفهما، وتقبلهما لحقائقهما البشرية الواقعية وغير المثالية، على أنهما يظلان على إيمانهما بالمثال الأخلاقي الرفيع. ومما يدل على تغليب الاعتبارات الأخلاقية على المنافع السفسطائية، اعتراف البطل بأن المحبة التي تنطوي على الأخلاقية الرفيعة، أرفع شأنا من الطموح الذي ينطوي على الدوافع السفسطائية، المفصولة عن الأخلاق، لكنه البطل الذي لا يستطيع رفض المطامح، أي أنه لا يتنكر، ولا يود أن يتنكر، لدوافعه السيكولوجية القادرة على تحييد الأخلاق، والانطلاق وحدها، معبرة بانطلاقها عن ميل سفسطائي أصيل، وغير قابل للإلغاء.
وإن الاعتقاد باستحالة كون الكائن البشري مثالا أخلاقيا رفيعا، أي باستحالة كونه إنسانا كاملا، يدفع البطل روبرت تشيلترن إلى التنقيب والبحث في حياة مسز تشيفلي، عله يعثر على وثيقة، تدينها في شأن من الشؤون، وتمكنه من مقايضة الخطيئة التي اقترفها في شبابه، بالخطيئة التي يسعى إلى كشفها في حياة مسز تشيفلي، وبالرغم من فشله في مسعاه، فإن مقايضة خطيئة بخطيئة هو ما يتم السعي من أجل تحقيقه، وهو ما يتحقق بالفعل عن طريق صديق العائلة لورد جورنج. ومسز تشيفلي تمثل النموذج الحياتي الواقعي العملي اللاأخلاقي، بالمقارنة مع إصرار روبرت تشيلترن وزوجته على المبادئ الأخلاقية، وهو ما يجعله عاجزا عن تقبل الديماغوجية الأخلاقية التي تنتظره في حال افتضاح أمره، وهي الديماغوجية الأخلاقية المتوقعة في السياق الاجتماعي الأخلاقي، ثم إن إصرار النماذج البشرية على الأخلاق القويمة، أدى إلى عزل مسز تشيفلي في نهاية المطاف، عزلا تاما، وإلى إخفاقها في تحقيق أي مأرب من مآربها، وهكذا فإن الأخلاق التي تنطوي على السفسطائية، وتحتويها، تحقق الغلبة، ويظل المثال الأخلاقي الأعلى منارة يهتدي بها الجميع، ويتطلعون إلى التماهي معه، وهو الطرح الأخلاقي الذي يقدمه أوسكار وايلد، فكأنه يقرر دون مواربة، أن المثال الأخلاقي هو حلم بشري مثالي غائي، ولكن تحققه أمر غير ممكن في الحياة الواقعية، وهو ما يعني من ناحية أخرى، أن تملصه من الأخلاق القويمة، ودعوته إلى فصل الفن عن الأخلاق، والقول بضرورة أن يكون الفن خالصا من أجل الفن، إنما هو أخلاقية تحاول تبرير سلوكاتها اللاأخلاقية.
وفيما يتعلق بالإغراء الذي استجاب له روبرت تشيلترن، والذي نتج عنه امتلاكه للثروة، وحيازته على السلطان الذي تمناه واشتهاه، فإن البطل يؤكد بلسان الكاتب، أنه سلوكه الشجاع والجريء، فالاستجابة للإغراء تتطلب شجاعة وجرأة نادرتين، وفي مقابل ذلك نجد الإصرار الأخلاقي في الأدبيات الأخلاقية على ضرورة تجنب الإغراء، ومقاومته، والانتصار عليه.
وإن التعامل مع الخروقات الأخلاقية يتخذ طابعا أخلاقيا هو الآخر، فالتغاضي والتسامح هما سيدا الموقف، وهو ما يتجلى في تقبل الزوجة لزوجها بعد اكتشافها لسلوكه الأخلاقي الشائن، وفي تقبله لها بعد اكتشافه لنفاقها الأخلاقي، وحرصها على الأخلاق القويمة، حرصا أرستقراطيا نفعيا، مما يؤدي إلى إغفال الفضيحة التي كانت تنتظر روبرت تشلترن، وإلى ترقيته في مجلس الوزراء، أي أن الصيغة بأكملها صيغة أخلاقية مثالية، فالخطيئة يتم احتواؤها، والجميع يغتفرون الخطايا التي يرتكبها الآخرون، ويحصلون على مغفرة وجدانية صادقة لخطاياهم، وهو ما يعني وجود نوع من المساواة الاجتماعية،
لكن هذه الظواهر السيكولوجية تشكل عبئا ما، وهو العبء الذي يتم التخفف منه أكثر فأكثر في أدب أوسكار وايلد، فالنماذج البشرية في مسرحيته (أهمية أن يكون المرء جادا)، لها أخطاؤها وشهواتها المشروعة، التي يتم النظر إليها بوصفها أخطاء وشهوات، مؤطرة تماما بالبراءة الحقيقية


الساعة الآن 11:38 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر