مجلة الإبتسامة

مجلة الإبتسامة (https://www.ibtesamah.com/)
-   بحوث علمية (https://www.ibtesamah.com/forumdisplay-f_120.html)
-   -   باكثير مات مقهورا بقلم مجدي إبراهيم تقديم محمد عباس عرابي (https://www.ibtesamah.com/showthread-t_187286.html)

محمس عربي April 4, 2010 11:50 AM

باكثير مات مقهورا بقلم مجدي إبراهيم تقديم محمد عباس عرابي
 
باكثير ·· مات مقهوراً
نعم لقد مات باكثير مقهورا أمام ضربات أعداء النجاح وهم كثر في كل زمان وعصر ولكن إمام جهود المخلصين الأوفياء من أمثال الدكتور محمد أبو بكر حميد وتلامذته في ربوع العالم العربي من محبي أدب باكثير أنصف باكثير وصدقت فراسته حينما قال لابد أن يأتي يوم أنصف فيه وهيا بنا أخي القارئ نتعرف على مقال الأستاذ الفاضل مجدي إبرهيم
يُعتبر على أحمد بأكثير واحداً من أنضج أبناء جيله - جيل الوسط الذي تلا جيل العقاد وطه حسين، وينتمى إليه جليل نجيب محفوظ وعبد الحميد جودة السحار، هذا الجيل الذي كرس كل جهده للرواية - باستثناء باكثير الذي كان شاعراً في الأصل وشارك أبناء جيله في كتابة الرواية، فقد اشتهر في البداية بأعماله الروائية الأولى - وخصوصاً بعدما أخرجت روايته الأولى >سلامة القس< إلى فيلم سينمائي غنائي بطلته أم كلثوم وازدادت شهرته بعد ذلك عند إصداره روايته التاريخية الشهيرة >واإسلاماه< فنالت الروايتان شهرة عريضة لا تقلان أهمية عما عداها: >سيرة شجاع، والثائر الأحمر واحدة من أخطر الروايات التاريخية في القرن العشرين، وذلك لا ستشرافها نهاية الشيوعية وفشل نظريتها في إسعاد الفقراء·

ثقافة مستنيرة
ولد علي أحمد باكثير ي مدينة سورابايا الأندونيسية في عام 1910 م لأب من حضرموت وأم اندونيسية، ومن المعروف أن العديد من الحضرميين وسكان عدن والساحل الجنوبي لشبه الجزيرة كانوا ولايزالون مبحرين إلى إندونيسيا وغيرها من مناطق جنوب شرقي آسيا ومشتغلين بالتجارة، وهكذا كانت ولادة باكثير، غير أن المقام لم يطل به في أندونيسيا إذا أرسله والده على عادة الحضرميين إلى حضرموت وهناك اشتد بها عوده وبدأ تعلمه، وينتهي نسب أسرته إلى كندة، وهو نسب تقف الفصاحة قديماً وحديثاً عنده على حد تعببير صاحب >خلاصة الأثر< وقد قدمت هذه الأسرة الكثير من الشعراء والعلماء عبر العصور، أعظمهم في الجاهلية امرؤ القيس الكندي، وفي الإسلام ابن خلدون ويعقوب الكندي، وقال باكثير يفتخر بنسبه:
من آل أبي كثير من سلالا
ت أقيال لهم مجد قدامُ
ومن هناك رحل إلى الممكة العربية السعودية ليقضي بها عاماً وبعض العام، وما لبث أن سفار منها إلى مصر في عام 1934 م ليستقر بها·
انفتح باكثير على الثقافة العربية الإسلامية السلفية المستنيرة التي يقودها السيد محمد رشيد رضا في مجلة >المنار< والسيد محب الدين الخطيب في مجلة >الفتح<، وقد قاده هذا التأثر إلى البحث عن>العروة الوثقى< وقراءة كتابات جمال الدين الأفغاني و محمد عبده، كما تشهد بذلك أشعاره وآثاره في حضرموت، ثم أدى به هذا التطور في فكره إلى الاصطدام مع من أسماهم بابي مدين من الغلاة والصوفيين·
وعرف في تلك الفترة كداعية للإصلاح الاجتماعي والديني ورائداً للتجديد في أساليب التعليم وعدواً للجهل والتخلف·
ومن قصائد المبكره التي يضع فيها يده على أسباب تخلف الأمة الإسلامية كلها قوله:
كيف النهوض لأمة منكودة
مُنيت ديانتها بسوء تفهم
تلكم نواميس الرقي صريحة
نطقت بها أي الكتاب المحكم
فهم النبي وصحبه أسرارها
فتقدموا في المجد أي تقدم
وتوثبت بهم العزائم للعلا
حتى وطئن بها جبين المرزم
ذاكم دم الإسلام يجري فيهم
دم عزة وتغلب وتكرم
وتولى باكثير وهو دون العشرين إدارة مدرسة النهضة ثم أصدر مجلة >التهذيب< مع نخبة من الأدباء الشباب سنة 1349 ه ·· بعدها تفاقمت الأمور حوله وأحس بالفارق الكبير بين فكره وفكر كبار قومه الذين ضاقوا به ذرعاً، ثم كانت وفاة زوجته الشابة مما زاده هماً وغما فهام حزيناً باكياً:
ثلاث يعز الصبر عند حلولها
ويذهل عنها عقل كل لبيب
خروج اضطرار من بلاد تحبها
وفرقة إخوان وفقد حبيب
وتخرج باكثير من قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الأدب - جامعة القاهرة عام 9391م وعمل مدرساً بعض الوقت، ثم التحق بوزارة الثقافة والإعلام بمصر ومنح الجنسية المصرية وبقي عاملاً في حقل الإعلام والأدب حتى وفاته عام 9691م·
في كلية الأداب، بدأ باكثير يكتشف الاتجاهات الجديدة في مواهبه وبدأ يعدل من مقاييسه الفنية ، فبعد أن قرأ لشكسبير وأعجب به أدرك الفارق بينه وبين أحمد شوقي فاتجه إلى كتابة الفن المسرحي على طريقة شكسبير وكانت له تجربة رائدة في المسرح الشعري الحر، وصدرت مسرحية:
>اختاتون ونيفرتيتي< سنة 0491 م ورحب بها المازني وكتب مقدمتها - ولكن هذا العمل لم يلق الترحيب من بقية النقاد فانصرف باكثير عن المسرح النثري، ثم كتب عملين بالعربية الفصحى هما: أوبرا قصر الهودج، وأوبريت شادية الإسلام·

رائد المسرح الشعري
في عام 0491 عرفه الناس بمسرحية شعرية كتبها على بحر المتدارك (أخناتون ونفرتيتي) فاعتبرها النقاد المسرحية الرائدة في الشعر الحر الدرامي وغير الدرامي، وفي مقدمتهم د· عز الدين اسماعيل في مقال له بمجلة المسرح ، إذ قال: >فحركة الشعر الجديد التي بدأت منذ أواخر الأربعينيات في العراق والتي امتدت في ما بعد إلى سائر الأقطار العربية ومازالت حتى اليوم تنمو وتتطور، لم تحدث في شكل القصيدة من البداية إلا ما أحدثه باكثير من كسر وحدة البيت وطرح القافية بصورتها القديمة، واتخاذ التفعيله أساساً للبناء الموسيقي<·
وقال إبراهيم المازني:
>إن كتاب الصديق باكثير تحفة جديرة بإكبار الأدباء والمؤرخين، وبشرى أيضاً بظهور كوكب في عالم الشعر<·
وقال صلاح عبد الصبور:
>إن معظم شعرائنا لم يجرأوا على الانتقال بين التفعلات من البيت الواحد، فذلك أمر بعيد القربى عن الأذن العربية، ولعل باكثير من الجيل السابق كان أكثر من جيلنا طموحاً وأشد جرأة<·
لقد كتب باكثير أكثر من سبعين مسرحية تناول معظمها قضايا العرب وفلسطين في المجتمع الدولي، ولهذا فإنه يعد رائداً للمسرح السياسي وللشعر الحر في أدبنا الحديث بحق·· نذكر منها - على سبيل المثال:
قصر الهودج، شادية الإسلام، الوطن الأكبر، عشاق من حضرموت، امبراطورية في المزاد، دم الشهداء، في سبيل إسرائيل، ذكرى من الشرق الأقصى، أكبر من العرش، الجولة الثانية، نصير الإسلام، دولة تتسول، في بلاد العم سام، الهلال الخصيب، في جحيم القتال، رؤيا بونابرت، وعودة الفردوس·
وإلى جانب مسرحياته السياسية الصارخة، كتب مسرحيات إسلامية وفكرية، كما اتخذ من قصص الأساطير الفرعونية واليونانية وسيلة فنية ورمزية لمعالجة القضايا الفكرية الإسلامية، مثل:
>مأساة أديب، اخناتون ونفرتيتي، أوزوريس، الفرعون الموعود، الفلاح الفصيح، وفاوست الجديد<·
وله أيضاً مسرحية بعنوان: هاروت وماروت، مستوحاة من قصص القرآن، أما مسرحية شهرزاد فهي من التراث الشعبي، وهما المسرحيتان اللتان نال عنهما جائزة الدولة الأولى سنة 1962م· ثم اتجه إلى كتابة الرواية التاريخية الإسلامية (سلامة القس، واإسلاماه) التي فازت بكثير من الجوائز، وأخرجت للسينما بلغات عديدة ·· ثم كتب روايتي سيرة شجاع، والثائر الأحمر· ولعل أضخم عمل أدبي كماً وكيفاًَ كتبه باكثير هو: ملحمة عمر الكبرى التي ختم بها حياته، وتقع في تسعة عشر جزءاً يصور الحياة الإسلامية في كل جوانبها في عصر عمر بن الخطاب·

قضايا التحرر في العالم الإسلامي
عادى باكثير الاستعمار وفند دعاوى الصهيونية ومن يقف ورائها من الدول الكبرى·· وأخذت قضايا التحرر في العالم العربي والإسلامي نصيب الأسد من تمثيلياته القصيرة المنشورة· نعم، لقد دعا باكثير إلى تكتل دول العالم الثالث، ورأى أن قيام كتلة ثالثة على الساحة العالمية فيها إنصاف لدول العالم الثالث، بحيث يبرز بوزنه الحقيقي في التأثير على موازين القوى·
وقاده حسه السياسي إلى التنبؤ بنكبة فلسطين قبل حدوثها بثلاث سنوات في مسرحيته (شيلوك الجديد) التي كتبها سنة 1944 وتنبأ فيها بأن الحل الوحيد أمام العرب هو فرض الحصار الاقتصادي على هذه الدول الدخلية حتى تختنق وتموت·
وكان الناقد الشهيد سيد قطب أول من تنبه لأهمية الرؤية السياسية في مسرح باكثير، وها هو يقول:
>مسرحية شيلوك الجديد عمل أدبي يجيء في إبانه ليلقى على قضية فلسطين ضوءاً منيراً كشافاً وليصورها على حقيقتها التاريخية والواقعية ولترسم الحل الناجح لها وهو الحل الذي اهتدت إليه الجامعة العربية بعد شهر من ظهور المسرحية، وحسب المؤلف - وهو فرد - أن يلتقي في تفكيره مع أبرز رجال الجامعة العربية في حل قضية فلسطين<·
وهكذا بقيت فلسطين في مقدمة قضايا مسرح باكثير السياسي حتى وفاته، كتب بعد ذلك مسرحيات: شعب الله المختار، إله إسرائيل، ثم التوراة الضائعة·

سلامة القس والمرأة العربية
في قصة >سلامة القس حرص باكثير على ألا يجعلها تطغى في جانبها التاريخي على حرية الشخصيات في الحركة أو على تلقائية الحوار، وعن طريق استخدامه للحوار مع النفس استطاع أن يجسد لنا شخصية عبد الرحمن العربي، التقى الذي لم يجرفه الحب إلى درجة ارتكاب الخطيئة أو الكفر بأهل مجتمعه وإنما نجد فيه المحب العفيف والتاجر الشريف·· وربما أراد أن يرمز إلى تداول بيع سلامة من يد إلى يد رغم فنها الغنائى الرفيع ومكانتها الاجتماعية لدى عشاق غنائها لكي ينبه إلى ضرورة إعطاء فرصة أكبر للمرأة في هذا العصر لتساعد الرجل في بناء المجتمع العربي في الإطار المناسب للمرأة العربية الحافظة لدورها وبيتها·

واإسلاماه!
أما قصة >واإسلاماه< فإن قصتها مبنية على إشارة أوردها المقريزي في كتابه (السلوك لمعرفة دول الملوك) بشأن انتساب قطز القائد المملوكي المصري الذي هزم التتار لعائلة خوارزم شاه التي حكمت في إيران والهند، ونقرأ فيها عن نجاة قطز وابنة عمه جهاد/ أو جلنار، وكيف تمكن الحب من قلبيهما حتى تزوجا·
ويعيب هذه القضية كثرة التفصيلات التاريخية، وانسياق الكاتب في حماسه الشديد لبعض الموضوعات مثل الجهاد والتجارة في الأسواق في صورة أقرب للمقال، ولعل لجوء باكثير في بعض المواطن إلى الحوار مع النفس يرجع إلى تأثره بطريقة شكسبير التي يألفها من يقرأ مسرحياته، منها روميو وجوليت التي ترجمها باكثير إلى العربية·
وقصد باكثير من وراء هذه القضية أن يؤكد على أن على مجتمعنا أن يواصل جهاده في مختلف الميادين تطوراً وتعزيزاً للقيم الإنسانية الرفيعة·

لغة أصيلة
من بين مزايا قصص باكثير، اللغة الفصحى التي دأب على استخدامها في اسلوب أنيق وعبارات جذلة، وقد كان منبته في بيئة القرآن الكريم والشعر سبباً في لجوئه كلما ناسب المقام إلى الاستشهاد بهما، ولا تخلو من بعض العبارات المسجوعة أو التعبيرات الخطابية الرنانة·
وحرص على إبراز دور اللغة العربية في ديمومة ثقافة الماضي ووصلها بالحاضر، ولعل تمسكه بالفصحى فيه من الدلالة على الوحدة الفكرية التي ينبغي أن تصان بين الشعوب الناطقة بها· وهناك ملاحظة أخرى في كتاباته ألا وهي الإيمان الراسخ بأنه قد حان الوقت لكى نتحرك من الضعف والتخلف إلى القوة والتقدم، وهذا الهدف ممكن التحقيق متى كانت هناك الإرادة الصحيحة للمجتمعات من كافة النواحي التطويرية، ومتى تأسست تلك الإرادة على قاعدة أخلاقية صلبة تخلقت بكل القيم التي تهدف إلى إسعاد الإنسان على هذه الأرض·

ومات مقهوراً!
في العاشر من نوفمبر عام 1969 م، مات باكثير مقهوراً حين وجد نفسه في أخريات أيامه يستبعد عن الأضواء وعن مجده المسرحي الذي حظي به منذ أواخر الأربعينيات والخمسينيات خلال العروض الجماهيرية الناجحة التي شهدتها خشبة المسرح القومي لمسرحياته·
ولم يقف التجاهل عند حدود النقاد والباحثين والدارسين وأساتذة الأدب بالجامعات، ولكنه يصل إلى حد تجاهل نتاجه الأدبي، ولم يبالغ باكثير حين تنبأ بأنه سيأتي اليوم الذي سيأخذ فيه حقه فقد بقيت أعماله، وبقي ذكره بها ونسي التاريخ كل من حاول التقليل من قيمته·· فقد عاش حياته كلها لأمته، يتكلم بلسانها ويذود عن حماها، وتشهد له أعماله الغزيرة في المسرحية والرواية والشعر بأن لكل وطن عربي وإسلامي في أدبه نصيباً، فقد عاش ومات وهو يجاهد بأن يقول كلمته المدوية بعز الإسلام ومجد العرب في وجوه أعداء الأمة ، مات وهو يشكو كيد الأعداد وعقوق الأبناء، دون أن يترك وصيته أو أموالاً أو أولاداً - لكنه قال قبل رحيله:
لا تندبوني إني لم أمت ضرعاً
فإن علمتم علي الذل فابكوني
وإن تريدوا لوجه الحق تكرمتي
فابقوا الشهادة للدنيا وللدين
ابن الوليد على اليرموك يرقبكم
وليث أيوب يرعاكم بحطين





بقلم الكاتب: مجدي إبرهيم


الساعة الآن 07:27 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر