مجلة الإبتسامة

مجلة الإبتسامة (https://www.ibtesamah.com/)
-   امومة و طفولة (https://www.ibtesamah.com/forumdisplay-f_111.html)
-   -   شجارات الإخوة..صراع وتعلم (https://www.ibtesamah.com/showthread-t_484033.html)

مرافئ الشجن November 6, 2015 12:02 PM

شجارات الإخوة..صراع وتعلم
 
من الخطأ أن نعتقد أن الوئام فقط هو ما يجب أن نعيشه داخل الأسرة، فكلما كان عدد أفراد الأسرة أكبر كان المجال أكثر لنشوء العديد من الخلافات والمشاجرات والنزاعات بين أفرادها، وخصوصًا بين الأخوان، ويجد كثير من التربويين أن هذا الأمر صحي جدًا إذا تم ضبط العلاقات بمحددات معينة وخطوط لا يمكن تجاوزها عند نشوء الشجارات. ولو رجع كل منا بذاكرته لمرحلة طفولته أو المراهقة، فسيذكر العديد من المواقف التي كان لها تأثير مباشر أو غير مباشر نتيجة العلاقات بين الإخوة، وسيجد في تحليله لها الكثير من المسببات سواء من الوالدين أو من الإخوة فيما بينهم، أو ممن له علاقة مباشرة بالتربية داخل الأسرة مثل الجد أو الجدة إن كان لهما وجود في نفس المنزل.


علاقة تنافسية قوية..

حين يوجد طفلان أو أكثر داخل الأسرة، فمن المؤكد أن التنافس سيقع لا محالة، وهذا التنافس سيأخذ أشكالاً متعددة منها التشاحن والشجار، وهي أمور تسبب القلق للوالدين، إذ يشعران أنهما ارتكبا خطأ ما في أسلوب التربية، ولكن واقعيًا أن لا علاقة مباشرة في غالب الأحيان لهذا الأمر، لأنه من الطبيعي جدًا أن يدفع الأطفال بعضهما بعضًا لأجل التسابق لأخذ لعبة، أو للجلوس في مكان معين، أو للتحكم بجهاز التلفزيون وغيره، وقد يقوم الأكبر بإغاظة الأصغر، ويقوم الأصغر بشكوى ضد الأكبر وهكذا... وحين نقول إن أمورًا كهذه تبدو طبيعية فلا يعني ذلك ألا يكون هناك خوف من تطور هذه المشاعر العدائية بينهما في فترة لاحقة، وقد لا يحدث ذلك مطلقًا، وربما ارتبطا فيما بعد بعلاقة صداقة قوية تستمر إلى الأبد، وقد يتناسيان المضايقات الجانبية التي حدثت في الطفولة. ولكن قد لا يتوقف الأمر عند ذلك على الإطلاق، ولو حدث هذا لما كنا عرفنا بأن أول جريمة بشرية كانت على الأرض بين قابيل وهابيل بسبب المنافسة بينهما، ولا توالت إلينا كثير من القصص والوقائع الإجرامية من كل أطراف العالم بجرائم بين الإخوة.


خصائص الشجارات وأسبابها

من المهم لنا أن نربط بين أسباب الشجارات بين الإخوة، وبين الحاجات النفسية الأساسية للفرد داخل الأسرة. وحين نستعرض جزءًا من هذه الحاجات سنجد أن هناك حاجة أساسية لإثبات الذات والحصول على المكانة الاجتماعية المناسبة، وهناك الحاجة إلى الحب والاهتمام والرعاية، وحاجة الطفل للشعور بالأمن النفسي والاجتماعي والخصوصية الفردية، وهذه الحاجات توجد في كل إنسان منذ ولادته حتى مماته، وتظهر كثيرًا في أي مكان يعيشه الفرد سواء داخل الأسرة لرغبته في الحصول على اهتمام والديه وفخرهما به، أو في المدرسة من أجل الحصول على رضا المعلم والتفوق على الأقران، وحين نكبر تبدأ في الظهور في الجامعة، حيث يكبر المجتمع الذي ننتمي إليه والصراع الذي يواجهه الإنسان للحصول على معدلات تتيح له التخصصات المطلوبة مهنيًا. كما تظهر عند تكوين الأسرة والزواج للاستحواذ على الحب والاهتمام من كل طرف تجاه الآخر. كما نجدها في بيئة العمل للحصول على الرضا الوظيفي والحوافز والبروز في المنظمة أو المؤسسة. وحين نربط الحاجات النفسية الأساسية للإنسان بالظروف التي يعيشها نجد أن الصراعات والشجارات غالبًا ما تصب في مجرى واحد وهو الحصول متطلبات نفسية أساسية أوجدها الله تعالى في كل نفس بشرية.

وحين نتوجه بالتحديد لشجارات الإخوة، ربما نستطيع أن نحدد بعض الأوجه التي تتسبب في حدوث هذه النزاعات، ومنها على سبيل العرض لا الحصر ما يلي:

اعتماد الأطفال على الوالدين بشكل مباشر للحصول على الحب والانتباه، بحيث يجد كل فرد أنه يجب ألا يشاركه أحد في هذا الاهتمام.

قد يكون هناك علامات ومؤشرات داخل الأسرة لتفضيل الوالدين لأحد الأبناء على الآخر، مما يوقد شعلة الغيرة منه. وقد يكون ــ أحيانًا ــ اهتمام الوالدين يتجه لأحد الأطفال لوجود مشكلة لديه، أو أنه يحتاج إلى رعاية أكثر من غيره، ولكن عقليات الأطفال لا تستوعب كثيرًا مثل هذا الأمر. وقد أوحت لي يومًا إحدى الصغيرات في المدرسة أنها تتمنى لو كانت مصابة بمتلازمة داون مثل أخيها لأن والديها يعتنيان به أكثر منها!
إذا وجد في العائلة طفل موهوب وذو إمكانات متعددة، ووجد الاهتمام من المدرسة بشكل جيد، وامتد هذا الاهتمام للوالدين وأعطي وقتًا أكثر من غيره، وحصل على تقدير من العائلة الصغرى والكبرى، دون أن يصاحب ذلك اهتمام ببقية الإخوة بنفس المستوى، فإن مشاعر الحقد تتسلل إلى نفوس بقية الإخوة ويشعرون دائمًا بأن منجزاتهم تقارن بما يفعله الموهوب، ولذا لا أهمية لها. فتحدث هنا صراعات قوية وتبدأ المنازعات والشجارات التي ربما هي موجهة للوالدين في الأصل. وأذكر أنني قرأت حوارًا مع طبيبة نفسية استعرضت حالة لشاب في العشرينيات أصبح يعاني من الرهاب الاجتماعي ويفشل في الدراسة والعمل ومقابلة الآخرين بسبب أن أخاه الأكبر كان متميزًا وناجحًا ويخطف الأنظار، وكأن الوالدين اكتفيا به عن بقية اخوته.

تقارب السن بين الأبناء يجعل الشجارات تنمو أكثر، نظرًا لأن كل فرد لم يأخذ حقه بالتفرد قليلاً، وتفكيره يقوده دائمًا إلى أن الصراع وسيلة للبقاء والتسلط وفرض الوجود، ومن الممكن اعتبار فرق 3 سنوات بين الأطفال وسيلة جيدة لتحقيق نوع من التوازن داخل الأسرة.

هناك أخطاء والدية في التربية أثناء التعامل مع الأبناء، مثل استخدام المقارنة ولو بحسن نية من الأهل، ولكنها تؤدي إلى التشاحن والتباغض بين الإخوة. فحين يكون أحدهم منظمًا ويهتم بأدواته، والآخر على النقيض، يتم مقارنته بقولهم: انظر إلى أخيك أو أختك يهتمان بأدواتهما ويحافظان عليها وأنت لا تفعل..! أو يكون متفوقًا بالدراسة والآخر أقل منه بقولهم: لن تصبح متفوقًا كأخيك! ويتوقعون أن ذلك محفزًا جيدًا لإثارة غيرته للاقتداء به. ولكن مع الأسف أن هذه المسألة لا تحفز على الإطلاق ولكنها تجعل الطفل يشعر بالكراهية تجاه إخوته وتجاه والديه، ولا يمكن لوضعه أن يتغير داخل نظام المقارنات.


إيجابية الشجارات

يتعلم الأخوان من بعضهم البعض جيدًا، فالطفل الثاني في الأسرة يتعلم الكثير من المهارات بشكل أسرع من الأول كمهارة تعلم اللغة والحديث، ونرى أن الثاني لا يأخذ وقتًا طويلاً في التدرب على استخدام دورة المياه والاهتمام بنظافته الشخصية، وكلها جوانب تعتبر إيجابية تربويًا، كما أن المشاحنات البسيطة تجعله قادرًا على تعلم الدفاع عن النفس وأخذ حقوقه والمحافظة على ممتلكاته واحترام ممتلكات الغير، كما أن المشاركة مع الآخرين يتعلمها الطفل مع إخوته، وخصوصًا في الألعاب الجماعية أو في الأدوات التي يستخدمها جميع أفراد الأسرة، مثل جهاز رياضي أو كمبيوتر أو أرجوحة، فهو يدرك من خلالها أنها ليست ملكًا شخصيًا له، وإن أراد أن يستخدمها فيجب أن يترك لغيره دورًا لاستخدامها، وهذه ميزة إيجابية إذا نشأ صراع حول هذه الأمور.

والمشاجرات تعتبر من أخصب التجارب التي يخوضها الطفل للتعلم، فمن خلالها يتعرف على كيفية خوض أي مشكلة بنجاح، ويتقن فن التعامل مع الآخرين، وربما يكون للوالدين هنا تأثير جيد حين ينظمون الأمر بين الأطفال في الحصول على وقت لكل منهم.


للتقليل والوقاية من الشجارات

لا يمكن عمل احترازات أسرية مشددة تمنع الأخوان من التشاجر، ولكن هناك أساليب تقلل من حدتها، وتجعل مستوى العلاقات أقل تشاحنًا، وهي بالدرجة الأولى من اختصاص الوالدين، ونذكر منها بعض الأساليب الممكنة:
ليبتعد الوالدان عن مناصرة الطفل الذي يستجدي بشكل مستمر، لأنهما بذلك يدعمان ويعززان لديه الشعور بأهمية الاستجداء والبحث عن مناصرة، وبذلك يفقد الطفل تعلم مهارات أخرى أكثر فائدة مثل الحوار وتتعطل لديه القدرة على التعاطي مع الآخرين وانتظار منقذ يأتي إليه لحل الصراع.

تدخل الأهل كثيرًا في فض النزاعات يجعل المشاجرات لا تتوقف، فكلما ابتعد الوالدان عن حلبة الصراع كان ذلك فرصة تربوية مواتية للتعلم الذاتي للطفل. فالصراع لا بد أن ينتهي بينهما دون تدخل، وخصوصًا إذا لم يصل الأمر للتخريب أو العنف الجسدي. فهنا يبدأ الطفل بتعلم فن المحاورة والعتاب لتصفية الخلاف ويصبح لديه مهارة جديدة في حل الخلافات واللجوء للحلول السلمية.

على الوالدين التعامل مع الأبناء بعدالة متناهية، فلا تفضيل لأحد على الآخر، ويجب تجنب المقارنات السلبية والابتعاد عن عبارة (لماذا لا تكون مثل فلان أو علان) فهي بلا فائدة، ومن الأفضل أن تكتشف ما لدى طفلك من مهارات حتى لو كانت بسيطة وتقوم بتعزيزها، فهذا سيوصله للحصول على امتيازات دون مقارنة قاتلة. ويجب الحذر من المكافآت غير العادلة أو إعطاء أحد أكثر من الآخر، أو الاعتماد على أحد وإهمال الآخر، بل يجب منح الوقت والفرص بشكل متساو دون أن يترك للطفل مجرد التفكير بأن يشعر بالظلم من أي تصرفات والدية غير محسوبة.
تعاملوا مع كل طفل بفرديته المطلقة، واجعلوا لكل طفل خصوصيته، وامنحوه مظاهر الحب كالتقبيل والاحتضان وبكلمات التقدير والاحترام. وليبتعد الوالدون عن إحضار هدايا متكررة لأبنائهم، واتركوا لهم فرصة اختيار الألعاب التي يرغبون فيها دون وصاية، واجعلوهم يتحملون مسؤولية اختيارهم، فهذا سيزيد من مهارات الاعتماد على أنفسهم واستخدامهم للتفكير الناقد والتحليل للأمور.

من الجيد مشاركة الوالدين لأبنائهم في لعبة جماعية، ويعرضون أنفسهم للغضب والتشاجر معهم، ويستخدمون أساليب معينة تجعل الأطفال يتعلمون منهم، مثل التراجع في حالة الخطأ والاعتذار ومنح الفرصة للغير.

للتقليل من الصراعات وخصوصًا بين المراهقين، اجعلهم ينشغلون بتنظيم برنامج أسري، مثل قضاء إجازة نصف السنة والتخطيط لها ورصد ميزانية وعمل حجوزات وترتيب برنامج للرحلة، فهذه النوعية من الأساليب تجعلهم يقتربون من بعضهم، ويتفقون على أمور تعني الجميع، ويأخذون آراء الآخرين، وتؤدي هذه المشاريع إلى تغيير لغة الحوار والتفاهم


الساعة الآن 02:47 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر