(إِسْطَنْبُولُ)
كَانَتْ إِسْتَانْبُولُ قَدِيمًا مَدِينَةً صَغِيرَةً تَسَمَّى
(بَيزَنْطَنَةَ) ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الإِمْبَرَاطُورُ
الرُّومَانِيُّ
قُسْطَنْطِينُ الأَوَّلُ وَأَعْلَنَهَا عَاصِمَةً لَهُ عَامَ
330م.، وَعُرِفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِاسْمِ
القُسْطَنْطِينِيَّةِ نِسْبَةً إِلَى هَذَا الإِمْبَرَاطُورِ.
فِي العُصُورِ الأُولَى لِلإِسْلاَمِ كَانَتْ هُنَاكَ مُحَاوَلاَتٌ عَدِيدَةٌ لِفَتْحِ هَذِهِ المَدِينَةِ، وَكَانَ اهْتِمَامُ
المُسْلِمِينَ بِهَذِهِ المَدِينَةِ رَغْبَةً مِنْهُمْ فِي تَحْقِيقِ بِشَارَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ قَالَ:
(
لَتُفْتَحَنَّ القُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الجَيْشُ ذَلِكَ الجَيْشُ). وَكَانَتْ أَوَّلُ مُحَاوَلَةٍ
لِحِصَارِ القُسْطَنْتِينِيَّةِ عَامَ
(34هـ-654م) فِي عَهْدِ الخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، ثُمَّ
تَلَتْهَا مُحَاوَلاَتٌ أُخْرَى عَدِيدَةٌ كَانَ أَهَمُّهُمَا مُحَاوَلَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا كَانَتْ فِي عَهْدِ مُعَاوِيَةَ بْنِ
أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَالَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ
أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ، الَّذِي دُفِنَ عِنْدَ أَسْوَارِ القُسْطَنْطِينِيَّةِ، أَمَّا المُحَاوَلَةُ الأُخْرَى المُهِمَّةُ فَكَانَتْ فِي عَهْدِ
سُلَيْمَانِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ. ظَلَّتْ القُسْطَنْطِينِيَّةُ مُمْتِعَةً عَلَى الفَاتِحِينَ حَتَّى قَامَتِ الدَّوْلَةُ
العُثْمَانِيَّةُ، فَحَاوَلَ العُثْمَانِيُّونَ فَتْحَهَا، فَكَانَتْ هُنَاكَ مُحَاوَلاَتٌ عَدِيدَةٌ مِنَ السَّلاَطِينِ
العُثْمَانِيِّينَ.
فِي عَهْدِ السُّلْطَانِ العَظِيمِ
مُحَمَّد الثَّانِي بْن مُرَاد الثَّانِي، حَاوَلَ العُثْمَانِيُّونَ فَتْحَ
القُسْطَنْطِينِيَّةِ بِجَيْشِ مُكَوِّنٍ مِنْ
265 أَلْفِ مُقَاتِلٍ تَصْحَبُهُمْ المِدْفَعِيَّةُ الثَّقِيلَةُ، وَخَرَجَ فِي مُقَدِّمَةِ
الجَيْشِ الشُّيُوخِ والعُلَمَاءُ وَكِبَارُ رِجَالِ الدَّوْلَةِ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى القُسْطَنْطِينِيَّةِ يَتَقَدَّمُ الجَمِيعَ
ا
لسُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ الثَّانِي، وَتَحْتَ وَابِلٍ مِنَ النِّيرَانِ والسِّهَامِ اقْتَحَمَ الجُنُودُ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ
أَسْوَارَ المَدِينَةِ، وَتَدَفَّقَتْ جُمُوعُهُمْ إِلَيْهَا كَالسَّيْلِ الجَارِفِ وَدَخَلَهَا السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ الثَّانِي
فَاتِحًا فِي يَوْمِ الثُّلاَثَاءِ 29 مِنْ مَايُو 1453، وَمُنْذُ ذَلِكَ اليَوْمِ لُقِّبَ
السُّلْطَانُ بِالفَاتِحِ،
وَلَمَّا دَخَلَ المَدِينَةَ تَرَجَّلَ عَنْ فَرَسِهِ، وَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ، ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى كَنِيسَةِ (آيَا صُوفْيَا)
وَأَمَرَ بِتَحْوِيلِهَا إِلَى مَسْجِدٍ.
وَمُنْذُ ذَلِكَ التَّارِيخِ أَصْبَحَتِ القُسْطَنْطِينِيَّةُ عَاصِمَةً لِلدَّوْلَةِ العُثْمَانِيَّةِ.