عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم June 11, 2009, 12:57 AM
 
رد: سلسلة القصص الواقعية في تحدي المستحيل ... المغامر المنسي



الفصل الثاني

وصلنا في قصتنا الى وصول علي و بشير الى موريطانيا حيث كان الهدف الأساسي من الرحلة، مواصلة الدراسة الجامعية، ولكن وبحكم المتعود بشيء ما يصعب عليه كثيرا تقبل الواقع إذا تغير وهذا ما حصل للصديقين، وجدا الحياة صعبة جدا في موريطانيا، البنية الأساسية متدنية جدا، كل الوسائل المتعود عليها في تونس اختفت تماما شكلا ومضمونا، وكانت هنالك اختلافات كثيرة وكبيرة إقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، كل هذا دفع الصديقين لأخذ قرار لا أدري كيف وقع الإختيار عليه، ووفق أي مقياس، ولكن تمر بالإنسان فترات حياتية يقرر فيها أشياء تبدو له غريبة كل الغرابة بعد مضي بعض الوقت وقد يدفع حياته ثمنا لهذا الإختيار الطائش، اتفق الصديقان على تغيير كلي للمسيرة بالدوران ضد عقارب الساعة وبشكل سريع، كان اختيار علي و بشير القيام برحلة للعمل في جزر الموريس،.... نعم جزر الموريس، وقد يكون الكثير منكم لا يعرفها، هذه الجزر تقع في أقصى الجنوب الشرقي للقارة الإفريقية، بالضبط شرق جزيرة مدغشقر، وبمسافة تقدر ب 900 كم، وأول من زار جزر الموريس كان الفينيقيون الآتون من لبنان في سنوات 2000 قبل الميلاد، ووصلها العرب في القرن الخامس ميلادي، وبها رفاهية كبرى في العيش ولها طابع غربي متميز ولهذا توجه اليها بطلا رحلتنا من أجل التنعم سياحيا وماديا...
كان الإتفاق بينهما أن يقوما بالرحلة برا من دولة الى دولة ببساطة كبيرة، نظرا الى خريطة إفريقيا،تصوراها صغيرة ، وآمنا بأن الإرادة من الممكن أن توصلهما الى جزر الموريس، أبعد نقطة في إفريقيا وفي ظل تطور الإتصالات الحديثة والقدرة السريعة في تحويل الأموال وبرمجا على البقاء على خط اتصال دائم بأسرة بشير أوأقاربه بفرنسا للتمويل المالي عند الضرورة، وأقتنعا بما توصلا اليه ، وهذه ميزة تطبع تصرفات الشباب، الإقتناع بالرأي بسرعة دون تحديد كاف للمصاعب والعواقب، وبدات الرحلة وأمتطى الصديقان وسائل النقل البري باتجاه دولة مالي المحاذية لموريطانيا، وتمكنا من عبور كل التراب المالي وبصعوبة كبيرة لأن الدولة كانت فقيرة وكل آليات سهولة العيش منعدمة، وكانت فرصة لعلي وبشير لتدارك صعوبة الرحلة، والمشاق الكبيرة التي اعترضتهما كانت إنذارا لاستحالة المواصلة لشابين معدمين في اتجاه دولة بعيدة جدا، ولكن كان قدر الله هو الغالب وواصل بطلا قصتنا الطريق، وعبرا الحدود الفاصلة بين مالي والنيجر وصولا الى العاصمة نيامي، حيث دخلا مرحلة إستراحة في انتظار تقرير المرحلة القادمة، ووجدا الأحوال في النيجر في أسوأ حال،وتعتبر موريطانيا أو مالي جنة مقارنة بها وتأكد الصديقان من استحالة المواصلة لأن المال لم يعد كافيا لعبور دولة أخرى فما بالك بعشرات الدول، وقررا بعد مدة من التفكير العميق الإستقرار مؤقتا في المكان الذي وصلا اليه و مواصلة الدراسة في جامعة من جامعاتها، وعرفا عن النيجر ما يدمي القلب فمآسي النيجر فاقت التصور، فهي تتعرض دائما لموجات من الجفاف الشديد تاتي على الأخضر واليابس مما جعل الأوضاع هناك ماساوية لدرجة كبيرة وبقيت النيجر تتخبط وحيدة رغم أنها دولة إسلامية، ويكفي أن تعرف أن أكثر من 85 في المائة من سكانها مسلمون وهي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي وأكثر أرضها صحراء، ونسبة الصحراء تفوق الثلاثة أرباع، وتصل الأوضاع أحيانا لتصبح أوراق الأشجار الغذاء الرئيسي للعائلات، وتعمد النسوة الى حفر مساكن النمل لإستخراج الحبوب التي خزنت بها، وعندما تصل الأوضاع المعيشية بالشخص للطمع في نملة فلكم تصور باقي الصورة، إنتشار لكل مساوئ المجتمعات المتخلفة من المخدرات الى الدعارة الى التجارة بأي شيء من أجل ابسط شيء، إتصل علي وصديقة بعديد الجامعات ولكن الأوضاع كانت في القاع، التعليم متردي، الطالب لا يحمل من كلمة طالب سوى الإسم، وجدا الدراسة تمر بحالة ركود غريب، وهو ليس ركودا ولكنه شلل كامل أصابها في العمق، فالدراسة متوقفة لأسباب عديدة ومختلفة، بعضها مفهوم وبعضها غير واضح الملامح إطلاقا، وقد يكون من حظ الصديقين العاثر أن وصلا النيجر في تلك الفترة وقد تكون من أصعب الفترات التي مر بها البلد، كانت الأجساد تتحرك ولكن بلا روح، الناس تتكلم ولكن لمجرد الكلام ليس الا، كان الإسلام هو دين الشعب ولكنه كان مجرد شعار ليس إلا، وكم فوجئا بحالة الإنحلال الأخلاقي المتفشي هناك نتيجة الفقر الرهيب الذي لا يرحم، وكانت الصورة تشبه تماما قطيعا من الأغنام في مكان فسيح وداخل هذا القطيع يمارس كل شيء، وجد علي و صديقة الجامعة اسما ولم يجدا الجامعة منبرا للعلم، كانت العديد من الطالبات بابنائهن المولودين بطرق الله أعلم بها يسكنون الحرم الجامعي، كانت القدور تغلي والخبز يعد في الحرم الجامعي نفسه، الحرم الجامعي بقدره العالي أصبح مأوى للطلبة الفقراء والمشردين من عامة الشعب ممن دفعتهم الحاجة لطريق مغلق لم يجدوا له منفذا، توقف الدراسة أجبر الصديقين على إعادة الحسابات جملة وتفصيلا، إنتظرا شهرا كاملا عسى أن تجد المشاكل حلا ولكن لا حياة لمن تنادي، كانت المشاكل الإقتصادية والإجتماعية أكبر من أن يتقدم فيها حلم الصديقان أنملة واحدة، والمال بدأ ينفذ رويدا رويدا، حتى وصل الى مرحلة لا يكفي للرجوع بواحد فما بالك باثنين , لم يجرؤ علي ولا صاحبه في الإتصال بأي مسؤول عربي، لأنه ببساطة لم و لن يوجد مسؤول عاقل يصدق رواية الدراسة بالنيجر أو السفر الى جزر الموريس، وستفتح أبواب يصعب على أحد غلقها بعد ذلك، كان الصديقان في تلك المدة يقتصدان لدرجة حدود الإقتصاد في النفقة، والنفقة تهم الأكل فقط لأن المبيت موجود في المبيت الجامعي، المهم أن تخفي رأسك في أي ركن فيه والصباح آت لتبدأ الحياة من جديد، كل اتصالات علي وبشير بالأسرة انقطعت لأن الإتصالات كانت بدائية جدا وبالكاد تنطق لينقطع الإتصال، فشلت كل المساعي للرجوع الى أرض الوطن بشكل سليم وآمن، وبقي الصديقان في انتظار الفرج من الله سبحانه وتعالى، وتعود الصديقان على البشرة السمراء حتى اصبح كل منهما يستغرب شكله في المرآة، وتواصلت الحياة صعبة المنال في ظل تلك الأوضاع، حتى فاقت الشهر وهي مدة كافية لتقضي على الموارد المالية البسيطة لعلي وبشير، وفي قمة تردي الحالة وقف الصديقان على حالة متردية أكثر من حالتهما، وكان ذلك عندما كانا يتسكعان او يتنزهان بالمعنى الجميل للمعنى في سوق أسبوعية بالقرب من المبيت الجامعي، صدفة أبصراها، إمرأة جميلة لها ملامح أجنبية، ولأول مرة منذ أكثر من شهر يشاهدان قشرة مخالفة للقشرة السمراء، كانت تلبس اللباس التقليدي الخاص بالنيجر وكحب اطلاع حياها بشير باللغة الفرنسية وحيته كذلك بنبرة حزينة وبلهجة تبتعد كثيرا عن نطق أهالي النيجر، واكتشف الصديقان أنهما أمام حالة غريبة فاقت قصتهما، وكاد يغمى عليهما وهما يعرفان موطنها الأصلي، كانت المرأة تونسية ومن عائلة راقية بالمعنى العصري للكلمة، واكتشفا مصيبتها التي تدمي القلب، مصيبة كل فتاة تغريها المظاهر وتدخل المجهول ضد رغبة الجميع، امرأة تونسية من عائلة غنية مرمية في قلب النيجر و في حالة غريبة وبقصة تبكي العيون، فقررا مساعدتها رغم أنهما أولى بالمساعدة، و تلك ميزة المسلم تجده في قلب المأساة يهرع لمساعدة أخاه المسلم .
ما هي قصة هذه المراة؟ و ماذا تفعل في النيجر؟ و ما دور بطلي قصتنا في تتمة احداثها؟

كل ذلك سأرويه لكم في الجزء القادم إن شاء الله

أترككم في حفظ الله ورعايته


التعديل الأخير تم بواسطة aboumanar ; June 11, 2009 الساعة 10:11 PM
رد مع اقتباس