عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم May 20, 2009, 04:14 PM
 
Kiss ثلاث صور للمرأة في مسرح شوقي.. المرأة بطلة (1)

ثلاث صور للمرأة في مسرح شوقي.. المرأة بطلة (1)

د. حسين علي محمد



أصدر أحمد شوقي سبع مسرحيات شعرية في الأعوام الستة الأخيرة من حياته، جعل البطل امرأة في أربع منها: "كليوباترة" في "مصرع كليوباترة"، و"هدى" في "الست هدى"، و"نتيتاس" في "قمبيز"، و"الست نظيفة" في "البخيلة"، وقامت بدور مؤثر في مسرحيتين أخريين "عبلة" في "عنترة" و"ليلى" في "مجنون ليلى"، وتوارى دورها قليلاً في مسرحية واحدة هي "علي بك الكبير".
ولمّا كان الشعب العربي في مصر منذ فشل ثورة عرابي يبحث عن بطله الذي يُحقق له الحرية والاستقلال، ويبني له دولته المستقلة الناهضة، وحاول أن يجده في مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول … وغيرهم، فقد وجدنا البطلة في مسرح شوقي تشغلها قضية استقلال بلادها من ربقة العدو الخارجي، وهذا ما نجده واضحاً في شخصيتي "كليوباترة" في "مصرع كليوباترة"، و"نتيتاس" في "قمبيز"،.
ولقد كانت البطلة مثالية في كلتا المسرحيتين؛ تُضحِّي بأحلامها في الحياة الرّغيدة التي تعيشها، ودمها يُهراق في سبيل حريتها ونهضتها.
تقول "كليوباترة" مصورة انصرافها عن أنطونيو في موقعة أكتيوم:
أيها السادة اسمعوا خبرَ الحرْ
بِ وأمْرَ القتالِ فيها وأمْري
واقتحامي العُبابَ والبحْرُ يطْغى
والجواري به على الدَّمِ تجْري
بين أنْطونيو وأكتافَ يَوْمٌ
عبقريٌّ يسيرُ في كلِّ عصْرِ
أخذتْ فيهِ كلُّ ذاتِ شِراعٍ
أُهبةَ الحرْبِ واستعَدَّتْ لِشَرِّ
لا ترى في المجالِ غيْرَ سبوحٍ
مقبِلٍ مُدبرٍ مكرٍّ مِفَرِّ
وترى الفلك في مطاردةِ الفل
كِ كنسْرٍ أرادَ شَرًّا بنسْرِ
وتخال الدخانَ في جنباتِ الجوِّ
جُنحاً منْ ظلمةِ الليْلِ يسْري
ودويّ الرياحِ في كُلِّ لجٍّ
هزج الرَّعْدِ أو صيَاح الهزبْرِ
وترى الماءَ منهُ عودَ سَريرٍ
لغَريقٍ، ومنْهُ أحشاءُ قبْرِ
يغسلُ الجرحَ شرَّ منْ غسَلَ الجر
ح، ويأسو من الحياةِ ويُبْري
كنتُ في مركبي وبيْنَ جنُودي
أزنُ الحرْبَ والأمورَ بفكْري

قلتُ روما تصدَّعت فترى شطْ
راً من القوْمِ في عَداوةِ شَطْرِ
بطلاها تقاسما الفُلكَ والجيْ
شَ وشَبَّا الوغَى ببَرٍّ وبَحْرِ
فتأمَّلْتُ حالَتيَّ مليًّا
وتدبَّرْتُ أمرَ صحْوي وسُكري
وتبيَّنْتُ أنَّ روما إذا زا
لتْ عن البحْرِ لم يسُدْ فيهِ غيْري
كنتُ في عاصِفٍ سللْتُ شِراعي
منْهُ فانسلَّتِ البوارجُ إثْري
خلَصَتْ منْ رحى القتالِ ومِمّا
يلحقُ السُّفْنَ منْ دمارٍ وأَسْرِ
فنسيتُ الهوى ونصْرة أنطونيو
سَ، حتى غدرتُهُ شَرَّ غَدْرِ
علِم اللهُ قدْ خذلْتُ حبيبي
وأبا صبْيتي وعَوْني وذُخْري
موقفٌ يعجبُ العُلا كنتُ فيه
بنْتَ مصْرٍ، وكنتُ ملْكةَ مصْرِ

فالمرأة في هذا النص المسرحي تنسى الهوى، وتخذل حبيبها وزوجها وأبا صبيتها، ولا تتذكَّر من موقفها إلا أنه «موقفٌ يعجبُ العلا» كانت فيه حقيقة "ابنة لمصر" تهمها فقط مصلحتها، والحرص على مستقبلِ تاجها.
وهي في هذا الوقف علامة لحرية الشرق، والبحث عن استقلاله من كل نفوذ من خلال إضعافها ما استطاعت لقوة روما مع المُحافظة على قواها هي:
قلتُ روما تصدَّعت فترى شطْ
راً من القَوْمِ في عداوةِ شَطْرِ
...
وتبيَّنْتُ أنَّ رومَا إذا زا
لتْ عن البحْرِ لم يسُدْ فيهِ غيْري

وإذا كانت شخصية كليوباترة تمثل الملكة المصرية عند شوقي، فقد اختار نتيتاس الأميرة المصرية «وجعلها رمزاً لمعنى التضحية السّامي إذْ أرخصت حياتها، وبذلتْ ما يُضَنُّ به مُخاطرة لحماية وطنها وحياطته، واختارها بنتاً لفرعون مصر المقتول «إبرياس» الذي فتك به أمازيس الفرعون الجالس على العرش».
وهي تُخاطب فرعون أمازيس:
جئتُ أفدي وطني منْ
سيف قمبيز ونارِهْ
جئتُ أفْدي وطنيْ منْ
دنسِ التْحِ وعَارِهْ
وهي ترد على تثبيط المثبطي
ن لها بأن تدع ملاعب الصبا، وتُسافر إلى الفرس:
ومالي لا أُعطي البلادَ إذا دَعَتْ
بلادي، حَياتي للبلادِ ومالي

و«لقد كان البطل في كلتا المسرحيتين امرأة ، ويتفق هذا مع نهوض المرأة المصرية بعد ثورة 1919 0 التي قامت بأول مظاهرة نسوية مشاركة للثورة في عام 1919 تطالب بالاستقلال وتحقيق مطالب البلاد وقد قامت المرأة بدور لا يستهان به منذ دخلت الجامعة وشاركت في الحياة العملية والاجتماعية بنشاطات متعددة 0 ونذكر هنا مشاركتها في حركة المقاطعة التي نظمها الوفد للإنجليز أثر اعتقال سعد للمرة الثانية.
ووجود بطلة - في بدايات المسرح الشعري في مصر - مرتبطة بهموم وطنها ، ودفاعها عن قضاياه ، وذودها عنه ، وتضحيتها في سبيله إشارة ذات معنى لبعض الرجال الذين ينأون بأنفسهم عن قضايا الوطن ، ويؤثرون السكينة ، وينعزلون عن مجتمعهم وقضاياه في جزر نائية منغلقين حول ذواتهم ، مع أن الطوفان حينما يجيء لن تعصمهم منه جزر ذواتهم الهشة».


منقول
رد مع اقتباس