عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم December 18, 2008, 08:34 PM
 
مدينة بيت المقدس، عاصمة للثقافة العربية للعام 2009م

مدينة بيت المقدس، عاصمة للثقافة العربية للعام 2009م


الرمز والأهمية


الكاتب والباحث احمد محمود القاسم

اعتمد وزراء الثقافة العرب، في اجتماعاتهم الأخيرة منذ سنتين المنعقد في نوفمبر 2006 في سلطنة عمان، اعتماد مدينة القدس عاصمة دولة فلسطين المنشودة كعاصمة للثقافة العربية لعام 2009م على غرار العواصم العربية الأخرى التي حملت هذا الشعار كدمشق لهذا العام 2008م.
مدينة بيت المقدس لتكون عاصمة للثقافة العربية في العام 2009م ، ويعتبر هذا اللقب وارتباطه بمدينة بيت المقدس بالذات، حدثا هاما وكبيرا على المستوى العربي والدولي، على الصعيد الثقافي والعلمي، لما للمدينة المقدسة من اهمية تاريخية، ودينية، لدى المسلمين والمسيحيين، سواء على الصعيد المحلي او العربي او الدولي ولتعدد الثقافات بها وتسامحها، فالمدينة المقدسة، تعتبر رمزا هاما لأهم ديانتين سماويتين، وهما الديانة المسحية والديانة الأسلامية، ولا احد يستطيع نكران اهمية المدينة المقدسة لدى المسيحيين والمسلمين، فكنيسة القيامة وتوابعها من الكنائس المسيحية، تؤكد على اهمية المدينة المقدسة، لدى الأخوة المسيحيين، فهي مولد السيد المسيح، وايضا مكان قيامته المقدسة في كنيسة القيامة، والتي بنتها ام الملك الروماني قسنطين، الملكة (هيلانة) ، كما انها تحوي طريق الآلام التي حمل خلالها السيد المسيح محمولا على صليبه.
بالنسبة للمسلمين في كافة انحاء المعمورة، فتعتبر اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فقبلة المسلمين الأولى كانت نحو مدينة بيت المقدس، فصلاة أي مسلم على مستوى العالم أجمع لم تكن لتتم الا باتجاه مدينة بيت المقدس، وفيما بعد اصبحت قبلتهم وصلاتهم نحو المسجد الحرام في مكة المكرمة، كذلك اجتمع في المسجد الأقصى نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) بالأنبياء جميعا في المسجد الأقصى المبارك وأمهم بصلاة جامعة أثناء رحلتي الأسراء والمعراج.
كما ان للديانة اليهودية نصيب ما، في هذه الأرض المقدسة، وان لم يكن بمستوى الديانتين المسيحية والاسلامية حيث عاش سيدنا ابراهيم ابو الأنبياء وبنى المسجد الأبراهيمي في مدينة الخليل، كما عاش فترة من حياته في المدينة المقدسة وبنى بها المسجد الأقصى، حيث يعتبر سيدنا ابراهيم ابو الأنبياء وابو كل من سيدنا اسحق ويعقوب وهم انبياء بني اسرائيل.
عملت دولة الاحتلال الصهيوني منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في العام 1967م ، ومن بينها مدينة بيت المقدس على تهويد المدينة المقدسة، وتغيير كافة ملامحها الأسلامية والمسيحية، كي تصبج مدينة يهودية خالصة، وحاصرت الأماكن المقدسة بها، وعملت على صبغ المدينة المقدسة بالصبغة اليهودية، علما بان اليهود الصهاينة ليس لهم وجود ديني حقيقي يذكر منذ آلاف السنين بهذه المدينة، فقد ذكروا بان هناك هيكلا قد دمر عبر التاريخ على يد القائد نبوخذنصر قائد الجيش البابلي، ولكن حفريات الصهاينة، خلال أكثر من 30 عاما في منطقة جبل الهيكل والمنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى المبارك، أثبتت لهم بالدليل القاطع، ان لا آثار تذكر لا من قريب ولا من بعيد، لأي هيكل مزعوم في هذه المنطقة المقدسة، وبالتالي لم يعد لليهود الصهاينة أي أثر لهم بها يعطيهم اهمية دينية لهذه المدينة المقدسة، ولكنهم آثروا الكذب والأفتراء، فادعوا ان لهم حائطا اسموه حائط المبكى يدعون بأنه هو بقايا احد جدران هيكلهم المزعوم، وحقيقة امر هذا الحائط، هو حائط البراق، وهو الجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك، والذي بناه سيدنا عمر بن الخطاب عنما فتح مدينة بيت المقدس، وخلصها من حكم الأمبراطورية الرومانية.
هذه المدينة المقدسة والتي اعتبرت عاصمة للثقافة العربية في العام 2009م عمل اليهود على تهويدها وتغيير معالمها الدينية الأسلامية والمسيحية، ويودون الأستحواذ عليها بالكامل، وجعلها مدينة يهودية خالصة لهم ولوحدهم، رغم عما بيناه على انها لا تمثل لليهود ولا للديانة اليهودية أي قداسة لهم، أو اهمية، لعدم وجود هيكلهم المقدس بها أو أي آثار دينية أخرى تدل على اهميتها لهم عبر عصور التاريخ.
تعتبر مدينة بيت المقدس[1] إحدى أهم بقاع الأرض قدسية، وظهرت أهميتها الدينية منذ أن ظهرت مدينة مكة، وظهرت بها الكعبة المشرفة، التي بناها سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام، فمدينة بيت المقدس، عرفت منذ العرب الكنعانيين اليبوسيين منذ 3500 عام ق.م.، و اليبوسيون هم إحدى القبائل العربية الكنعانية، التي هاجرت من الجزيرة العربية الى ارض فلسطين، فبنوا مدينة بيت المقدس، وكان ملكهم في ذلك الزمان، ويدعى (ملكي صادق)[2] وهو أحد الملوك الموحدين في ذلك العصر، ويقال انه كان من الأنبياء الموحدين كسيدنا إبراهيم، وقد نصبه عدد من الملوك في المنطقة المحيطة بمدينة بيت المقدس ملكا عليهم، لسمو أخلاقه ولكثرة تعبده، وكان يملك مغارة في إحدى مناطق بيت المقدس للتعبد بها، وكان على صلة قوية مع سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء، فكما هو معروف، فقد كان سيدنا إبراهيم من الموحدين، وعندما هاجر من مدينة (أور) في شمال العراق الى مدينة بيت المقدس عبر مدينة " حران "، استقبله الملك (ملكي صادق) وأحسن استقباله، وقد عاش الاثنان في نفس الفترة الزمنية، لذلك كانا على صلة كبيرة ببعضهم، وقد زار سيدنا إبراهيم الملك (ملكي صادق) في مدينة بيت المقدس مرات عديدة، وقامت بينهما صداقة متينة، وكانت تدعى مدينة بيت المقدس في ذلك الزمان بمدينة (يبوس)[3] نسبة الى أهلها اليبوسيين العرب الذين بنوها.
من المعروف أن المنطقة المقام عليها المسجد الأقصى المبارك، من المناطق المقدسة منذ القدم، وقد بني فيها المسجد الأقصى بعد أربعين عاما من بناء الكعبة المشرفة، وقد كان يوجد في بقعة الأرض المقام عليها المسجد الأقصى حاليا، مسجدا (المسجد كلمة كانت تطلق على مكان التعبد منذ القدم) خاصا للتعبد منذ ثلاثة آلاف و خمسماية عام قبل الميلاد، لذلك فان هذه البقعة المقدسة من الأراضي الفلسطينية، هي ملك للعرب اليبوسيين منذ آلاف السنين، وحتى يومنا هذا، وأية ادعاءات أخرى خلاف ذلك، تعتبر باطلة ولا أساس لها من الصحة.
أثبتت الحفريات[4] الإسرائيلية، التي قام بها علماء الآثار الصهاينة، في منطقة الحرم القدسي الشريف، منذ احتلالهم لمدينة بيت المقدس، من اجل البحث عن هيكل سليمان المزعوم، أن لا وجود لأي آثار، فيما يتعلق بالهيكل المزعوم، وقد ثبت للكثير من العلماء، أن هذا الهيكل هو من صنع الخيال، حيث لم يثبت وجوده على مر العصور، ويقال بأن هذا الهيكل سوف يهبط من السماء، حسب الوعد الإلهي لليهود، الذي يدعي اليهود أن الرب وعدهم به، ولكنه لم يهبط بعد، لذلك فلا وجود له بالمنطقة بالقطع، ولم يكن موجودا بالأصل، وما الادعاءات الصهيونية بوجود الهيكل المزعوم، إلا افتراءات و إفكا وبهتانا كبيرا.
عندما فتح الخليفة عمر بن الخطاب مدينة بيت المقدس، أمر ببناء المسجد الأقصى بها، في المكان المقدس الحالي كما جاء في مقدمة الموضوع، وتوالى من بعده المسلمين بترميمه وتوسعته، حتى أصبح بوضعه الحالي، ومما زاد من قدسية المكان وعظمته للمسلمين، إسراء سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) من المسجد الحرام في مكة المكرمة، الى المسجد الأقصى في مدينة بيت المقدس كما جاء في مدمة الموضوع ايضا، وكان هذا في أواخر الحكم الروماني لمدينة بيت المقدس. ترجع أهمية مدينة بيت المقدس للمسلمين وأيضا، لأنها كانت أولى القبلتين وفيها ثالث الحرمين الشريفين، وهي عند المسلمين أيضا ارض الرباط والجهاد، وحديث الرسول الكريم عن فضل الصلاة فيها كان من المبشرات، بأن القدس سيفتحها المسلمون، وستكون لهم، وسيشدون الرحال الى مسجدها، مصلين متعبدين، وما يدعي به الصهاينة اليهود (بحائط المبكى)، على أساس انه من بقايا الهيكل، ما هو إلا (حائط البراق)، وهو الجدار الغربي من مبنى المسجد الأقصى المبارك، وهو المكان الذي ربط فيه سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) دابته (البراق)، ولذلك سمي الحائط بهذا الاسم أي حائط البراق.
هناك الكثير من الأجوبة لكثير من الأسئلة، التي تراود تفكير أبناء شعبنا العربي وشعبنا المسلم في كافة أرجاء المعمورة، لأنه قد لا يعرف حقيقة مثل هذه الأسئلة والأجوبة والتي قد تكون قد وصلت إليه والى ذويه وأقربائه بشكل مغلوط، و تناقلتها العامة والخاصة، دون أن تدري بحقيقتها على أكمل وجه، خاصة وان تاريخ الإنسان منذ العصور القديمة، مصدره هو كتاب التوراة، والذي حرف فيه اليهود الكثير من مواضيعه وأحكامه وأحداثه، وأعادوا كتابتها حسب رغيتهم وأمزجتهم، حتى تتفق مع أكاذيبهم وادعاءاتهم الباطلة، هذا الكتاب الذي عمل اليهود والصهاينة على تحريفه ليتفق مع أطماعهم و أهوائهم، وفي وقتنا الحاضر يعتبره بعض المثقفين في العالم، هو المرجع التاريخي الوحيد، لكل التاريخ الإنساني، على الرغم من معرفة البعض منهم، بأن هذه التوراة، ليست النسخة الأصلية، بل هذه التوراة، تم وضعها بعد حوالي ألف سنة من نزول التوراة الحقيقية، على سيدنا موسى، من قبل أحد حكماء بني إسرائيل، والمدعو (عزرا)، بالتعاون مع عدد آخر من تلامذته، وقد اشتملت التوراة المحرفة هذه، على الكثير من الأكاذيب والأباطيل ضد الأنبياء والرسل باسم الرب، ربهم، والذي يدعونه (يهوة)، فعمل اليهود الصهاينة، على توسيع كل ما يتعلق بتاريخهم، من أحاديث و أقوال وتأييد مزعوم لهم، وتقليص، بل وحذف وتحريف وتشويه، كل ما لا يهمهم لكثير من الصور، بحق الشعوب الأخرى التي ورد ذكرها، والمطلع على التوراة الحالية، يلمس بأن تاريخ البشرية، وكأنه تاريخ بني إسرائيل فقط، وأن البشر هم بني يهوذا فقط، ولا أحد غيرهم.
فماذا فعل العرب والمسلمون لتجسيد مدينة بيت المقدس، عاصمة للثقافة العربية؟؟؟؟ وماذا قدموا من اجل تجسيد هذا التوجه الثقافي الرائد، باعتماد مدينة بيت المقدس عاصمة للثقافة العربية، وكم دفعوا أو صرفوا من اجل تجسيد وتفعيل وتعظيم هذا القرار العربي بحق مدينة بيت المقدس، واين هي البرامج الثقافية العربية والاسلامية والتي تجسد المدينة لهذا الأجراء الرائع؟؟؟ واين هي آلية العمل المنشودة من أجل تحقيق هذا الهدف بجعل مدينة بيت المقدس عاصمة للثقافة العربية؟؟؟ وما هي المشاريع الثقافية التي اعدوها واعتزموا فتحها في هذه المناسبة العظيمة والخالدة؟؟؟ لا فلسطينيا ولا عربيا ولا اسلاميا من بادر وقدم المشاريع ولا آليات العمل للترويج لمدينة بيت المقدس كعاصمة للثقافة العربية، وقد تكون السلطة الفلسطينية معذورة نوعا ما بالتخطيط والتنفيذ لجعل مدينة بيت المقدس عاصمة للثقافة العربية، ولكن ماذا قدم العرب والمسلمون من مشاريع لتجسيد هذه العاصمة؟؟؟؟؟ كعاصمة للثقافة العربية، وما هي آليات العمل التي اقترحوها حتى ينفذوا مشاريعهم هذه؟؟؟ اذا كان في نيتهم مشاريع ما لحد الآن. ونعود ونقول مرة اخرى بأن القدس عروس عروبتكم واسلامكم، فماذا اعددتم لها بالله عليكم من مشاريع تجسد هذه العاصمة الثقافية؟؟؟؟ وكم اعتمدتم أو صرفتم من الأموال من اجل انجاح هذا الهدف؟؟؟ لا اعتقد ان هناك تحركا عربيا او اسلاميا يصب من اجل جعل هذه المدينة، مدينة بيت المقدس كعاصمة للثقافة العربية عام 2009م، فلماذا كل هذا الجمود العربي والاسلامي، ولماذا لم نسمع عن مشاريع ابداعية رائدة في هذا المجال؟؟؟ لماذا لم نسمع عن فتح المكتبات الكبرى في مدينة بيت المقدس او اعتماد مبالغ مالية ضخمة لمثل هذا الهدف؟؟؟؟ لماذ لم تعتمد المبالغ المالية الضخمة لبناء المساجد الكبيرة والكنائس، لزيادة قدسية المدينة المقدسة لدى كل من المسلمين والمسيحيين؟؟؟ في الوقت الذي عمد فيه اليهود على تهويد المدينة، ولم يبق منها عربيا ودينيا الا الشيء القليل، والقليل جدا من احيائها عربيا، اعتقد جازما بأن العرب والمسلمون لن يصحوا لعمل شيء للمدينة المقدسة الا بعد ان يكون اليهود الصهاينة قد هودوا ايضا الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك، وحتى كنيسة القيامة، وبعد ان يكونوا قد مسحوا كل اثر عربي او اسلامي او مسيحي، عندها سوف نتذكر ونقول: جرني أجارك الله.



[1]-كتاب بيت المقدس والمسجد الأقصى، تأليف محمد حسن شراب (المصدر السابق)، صفحة 268.

[2]-كتاب بيت المقدس والمسجد الأقصى/ تأليف محمد حسن شراب، صفحة 342.

[3]-كتاب بيت المقدس والمسجد الأقصى/ تأليف محمد حسن شراب، صفحة 34.

[4]-كتاب قبل أن يهدم الأقصى، تأليف عبد العزيز مصطفى، صفحة 229.
__________________
ممنوع وضع الايميل // إدارة المجلة
رد مع اقتباس