عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم November 11, 2008, 10:28 AM
 
نموتُ نموتُ وتحيا ....... زقارة .!

.
.
.



لا أعرف تحديداً متى بدأت أشعر بأنني لست على ما يرام ..
أولاً كنت ألهث في طريق صعودي للدرجات العشر الموصلة إلى المنزل ..
ثم بدأت أتوقف لأستريح عند الدرجة الخامسة ..
ثم أصبحت أجلس عند ذات الدرجة ..
وعندما أصل أخيراً أشعر بجمهورٍ من الألم يحتشد في كل أنحائي ..
صداع ، ضيق في التنفس ، حرارة هائلة في فم المعدة ..
والآن ينضم لاعب جديد لهذه التشكيلة ..
ألم ممض يبدأ من أعلى الظهر تحت الكتف الأيسر مع خدر بسيط في الأطراف ..
ولأنني ( لسّا يا دوب بلغت الثلاثين ) ..
أي أنني لا أزال بعيداً عن أمراض القلب والشرايين ..
فلم أعر الأمر أي اهتمام ..
لولا زوجتي التي أصرت على زيارة الطبيب ..
أنتم تعرفون أنني أكره الأطباء .. وليس السبب أننا لا نراهم إلا ونحن مرضى .!
لذلك لا نكون في مزاج رائق لتكوين علاقات طيبة ..
بل لأن الطبيب هو الأحمق الوحيد الذي يستغرق ساعتين ..
وينهب مبلغاً فلكياً من المال ..
لتشخيص التهابٍ بسيطٍ في اللوز .!
ومن ثم يصرّ على وصف المضاد الحيوي (Augmentin ) باهظ الثمن ..
وهو خير من يعلم أن اللوز تستجيب لأي مضاد حيوي آخر .!

المهم ..

مستنداً على ذراع أخي العزيز في مثل هذه الحالات فقط علاء ..
أقف أمام باب العيادة التي تقول اليافطة المعلقة بالجانب الأيمن منه
أنها عيادة الدكتور : سامر بلبول ، أخصائي أمراض صدرية ..
من بين أنفاسي المتقطعة سلمت عليه ..
ولاحظت أنه يعطّر عيادته بمعطّر جو غريب الرائحة ..
لا بد وأنه يستخدم معطر جو بنكهة الربو أو الدرن ..

قام من مكانه متلهفاً وهو يرد السلام ..
الحمد لله ، لم يخب ظني كثيراً ..
هناك نوعان من الأطباء ، طبيب لا يعرف ما يفعل ..
مثل هذا الطبيب ..
لذلك يتظاهر بالتعاطف ، ويكتفي بتأدية دور الأخ أو الزوجة
( لو كانت زوجتك صلعاء ورأسها ضخم مثل القرع الذي يستخدمه الأمريكيون في عيد الهالووين )

وهناك النوع الرصين الذي يعرف جيداً ما يفعل ..
لذلك لا يضطر كثيراً لتملقك ..
النوع الأخير غير موجودٍ للأسف ..
على الأٌقل ليس في مستوصفاتنا الخاصة ..

سألني في لهفة مصطنعة : خير شبَك ؟ من شو عمتشكي .!

أجبته وأنا موشك على الموت اختناقاً : إسهاااااااااال ، إسهال شديد يا دكتور .!

رد علي ذاهلاً : عفواً ، شو دخلني أنا بإسهالك ؟

رسمت أشنع علامات الاستغراب على ملامحي وأنا أسأله : عفواً ..ظننتك طبيب أمراض صدرية ؟؟!!


رد علي متحذلقاً : نعم طبيب أمراض صدرية أعالج أمراض الصدر ، وليس الإسهال .!


أجبته بعد أن وقع في الفخ كما كنت متوقعاً :

طيب يا دكتور طبيب أمراض صدرية ..

واحد معاه ضيق نفس ويتكلم وهو موشك على فقدان الوعي ..
ويكح بين كل حرف وحرف ، من إيش تتوقع إنه يشكي مثلاً ؟
أكيد مو من سرطان الرحم .!

احمرت رقبته الضخمة ( لا بد أن هذه من علامات الحنق لدى هذا الطبيب )
وابتلع الإهانة بصمت ..
وأخذ يعبث بالأدراج باحثاً عن شيء ما ليستخدمه في قتلي ..
نظر إلي أخي علاء نظرة عتاب وهو يحاول كتم ضحكاته ..


حقاً أنا لست بتلك الوقاحة ..
ولكن أحداً لن يلومني على ما فعلت ..
خصوصاً عندما يتضح أن مثل هؤلاء الأطباء العابثين الذين نسوا أن الطب رسالة ..
هم المسئولون عن حياتنا .؟

يعني هذا الشخص كان من الممكن جداً أن يكون ( عبيط الحارة )
لولا أن والده قد صرف عليه وتحمل عبئه حتى تخرج من كلية الطب ..

أو على الأرجح أنه لم يتخرج من أي كلية ..
وربما هو مجرد سمكري أو عجلاتي رُزق بابن حرام زور له شهادة الطب خاصته .؟


بعد أن انتهى من فحصي ..
أخبرني بالأمور الاعتيادية التي يسمعها أي شخص قضى نصف عمره مدخناً ..
إلتهاب مزمن بالشعب الهوائية ..
وأخبرني بأنه كان سيكتفي بوصف بعض المضادات الحيوية ومذيب للبلغم مثل ال Ventolin

لكنه قرر بناء على الأعراض التي ذكرتها تحويلي لطبيب الأمراض القلبية ..
لا أخفيكم القول ..
شعرت بخوفٍ شديد من مجرد ذكر تخصص الطبيب ..
نحن نتظاهر بالشجاعة أمام كل الأمراض العادية التي اخترع العلم الحديث علاجاً بسيطاً لها ..
يؤخذ على شكل كبسولات أو شراب ..
أما الأمراض التي نشعر أمامها بخوف شديد ..
مثل مرض السرطان ..
والذي يتحاشى البعض مجرد ذكره كأن يقولوا ( هذاك المرض ) أو ( هداك الشي ) ..

والأمراض ذات الخلفية الجنسية مثل الإيدز ..
والتي ارتبط ذكره بالانحلال والانحراف ..
لذلك يعامل المرض بالكثير من الخوف والازدراء ، فكيف بالمريض نفسه ؟ ..
وأمراض القلب ..

المهم ، كنت أقول بأنني شعرت بالخوف الشديد ..
لكنني أقنعت نفسي بأن الأمر لا يعدو عن كونه محاولة منه للانتقام مني ..


بعد كثيرٍ من التردد ، دخلت إلى عيادة الدكتور ( للأسف نسيت اسمه )
أصفه لكم كتعويضٍ عن اسمه فأقول : طويل القامة ، ضخم الجثة ، رأس أصلع ضخم ..
يرتدي نظارات ..
ولا أدري ما هو السر في كون أغلب الأطباء صلع الرؤوس ..
وليسوا على غرار أطباء (Gray's Anatomy ) الوسيمين ..
أصحاب الشعور الكثيفة ، والطلّة المتأنقة البهية ..
سلمت عليه فرد علي السلام دون أن يقوم من مكانه
وهو ما رجح كونه طبيباً يعرف ما يفعله ..

نظر إلي نظرة مليئة بالاحتقار ، لا أدري لماذا ، وبدأ بالأسئلة الاعتيادية :

اسمك ؟
مصطفى خالد
عمرك ؟
30

نظر إلي في شك ؟
كنت قد جهزت رداً مفحماً لو حاول إخباري بأنه شاهد أشخاصاً في الخمسين من العمر يبدون أصغر سناً مني ..
كنت سأخبره بأنني شاهدت كذلك العديد من راكبي الدراجات النارية يرتدون خوذات رأسٍ واقية أصغر حجماً من رأسه ..
لكنه للأسف كان رقيقاً جداً ومجاملاً إذ أخبرني أنني أبدو في الثامنة عشر ..
وتلك إهانة تفوق إهانة رؤيته لأشخاص في الخمسين يبدون أصغر مني ..

واصل أسألته :

تدخن ؟
نعم
من كم سنة ؟
16 سنة

نظر إلي نظرة ذهولٍ حقيقية ..
وهو يكرر ما قلته لتوي ، سطعشر سنة ؟

أجبته : للأسف والله يا دكتور ..

أنت تعرف أنه هناك صنفين من المدخنين ..
صنف دخن بغية ( البرستيج ) وتقليد نجوم السينما ..

وصنف دخّن ليشعر بأنه رجل ..

أنا من الصنف الثاني ..
الذي دخن ليشعر بأنه رجل ..
أي أنني دخنت في سن مبكرة جداً ..


تصاعد رتم أسئلته : قهوة ؟ شاي ؟
الكثير الكثير منهما .


ضيق عينيه وهو ينظر إلي قائلاً :
أكيد أن أحداً ما قد سبق وأخبرك بأن الدخان هو القاتل البطيء ؟

أجبته مستغرباً من سؤاله : نعم سمعت ، الكل يخبرني بذلك ..

ضرب سطح المكتب بيده بعنف وهو ينهض قائلاً :
غلط ، غلط ،
لو كانت الخطورة الوحيدة من التدخين هي الموت فأنت في نعمة ..
لأنه لا يوجد طريق في العالم لا يؤدي إلى الموت ..
كل الطرق تنتهي بك في القبر ..
كل المغامرات الجيدة منها والسيئة تتركك جثة متعفنة في النهاية ..


الحقيقة أنني أجفلت من أسلوب كلامه وخفت كثيراً ..
لقد نسيت هذا النوع من التعنيف منذ زمن طويل ، ربما منذ أيام المدرسة الابتدائية ..


استمر في ثورته وهو يقول :
ما يفعله التدخين هو أنه يمتصك امتصاصاً ..
يسرق منك حياتك ولكنه يبقي على رمقٍ بسيط يكفي لإقناعك بأنك لا زلت حياً ..
إنه أمريكا صغيرة ، أمريكا تمارس دورها مع الأفراد فقط وليس مع الشعوب ..
لكنه لو نظرنا إلى الأمر نظرة شمولية يشبه أمريكا بتاعتنا بشكل كبير ..

القتل البطيء كان زمان عندما كان التبغ تبغاً ..
قبل أن تمتلئ السجائر بالمبيدات الحشرية والسموم القاتلة ..
سموم تؤثر على المخ والأعصاب والتفكير والإدراك وكل شيء .!

القتل البطيء في حالة كان التدخين هو العادة السلبية الوحيدة التي تمارسها ..

أنظر إلى نفسك ..
أنت مجرد مفاصل مربوطة بشكل سيء .!
( حقيقة لم يصفني أحدهم من قبل بهذا الوصف الجديد المبتكر )

أنت تقتل نفسك بإخلاصٍ شديد ، قهوة ، شاي ، تبغ ، مشروبات غازية ..

عليك حقاً بمراجعة نفسك ..
وترتيب حساباتك ..

لا تعتقد بأنك تمتلك ترف التفكير والاختيار ..
لا تتردد في قضية تركك للتدخين ..

اسأل نفسك ، هل أنت راغب بالاستمتاع أم بالموت ؟

لو كنت ترغب بالاستمتاع فإن مصارعة أسماك القرش في البحر ممتعة لكنها مميتة ..
ولا أعرف أشخاصاً كثر يصارعون أسماك القرش بحثاً عن المتعة ..

وإن كنت تبحث عن الموت ، فعليك باختيار وسيلة سهلة وغير معقدة ..
من الظلم أن تموت منتحراً بالتدخين ومن ثم تعذب أحبائك في البكاء عليك ..
على الأقل لو كنت تريد أن تنتحر فعليك أن تعامل بالازدراء اللائق بالمنتحر ..


حقاً عليك أن تسأل نفسك ..
هل تستحق أن تموت ، لتعيش السيجارة ؟


سلمني ورقة التحويل لقسم الأشعة في يدي وأنا في حالة لا وعي ..
هي شيء أقرب للسبات ..

لا أريد أن أطيل في ذكر ما أعاني منه تحديداً ..
فما ذاك هدفي والله ، أنا لا أبحث عن تعاطف من أي نوع ..

ولا أريد أن أكون ( عادل إمام ) يهرّج طوال المسرحية ثم يقف لمدة ثانيتين
راسماً على وجهه علامات الحزن والأسى مطالباً إيانا بأن نتكاتف ونقف يداً بيد ضد الاحتلال الغاشم ..

ليصفق له الجميع في نشوة ، ولتتسم المسرحية بأنها مسرحية جادة هادفة ..

لكني حقاً أتساءل ..

هل يستحق الأمر أن نموت .. لتحيا زقارة .!



أخوكم : ابن أبي فداغة المبطّل تدخين

ثبتك الله يا ابن أبي فداغة
__________________

ما أجمل أن يكتب اسمك بأرض لم تطأها
لا تملك إلا أن تقف عاجزا أمام يد كتبته
تشكر بنانها ‏




عندما أجدني محملا بكل هذه الناشين أجزم أنني بين النجوم




للمستقبل نحن نشيد البناء ,, نحن البناؤون


رد مع اقتباس