عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم April 17, 2018, 07:43 AM
 
رد: كيف يجب أن يكون المعلّم في اﻻسﻻم؟

ومن أهم صفات المعلم الصبر والحلم وطول البال، فعلى المعلم المربّي الذي يريد إخراج جيلٍ يتبع منهاج وعقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله أن يكون صبورا حليما حتى يستطيع التحمل، فخُلق الصَّبر والتحمُّل له الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾،

وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بالصبر حتى في أعسر المواقف. وإن طول البال وسعة الصدر ضرورية ومهمة خصوصا كلما تذكر المعلم أن أجره محفوظ عند الله وأن هؤلاء النشء أمانة في عنقه. وعليه أن يدرك أن الطلاب لهم قدرات مختلفة وذوو أمزجة مختلفة، وذوو حاجات ومصالح ومشاكل وهموم مختلفة، فهو لهم معلم ومربٍّ وأب ينبغي أن يتَّسع قلبه لهم، ويرفق بهم ويرحمهم، ويعطف عليهم، ويصبر على معاناة تعليمهم وتوضيح الأفكار لهم بمختلف قدراتهم وحاجاتهم ونفسياتهم وعقولهم، فمنهم من يفهم العبارة والدرس من أول شرحٍ لها، ومنهم من يحتاج إلى إعادة وتكرار وشرح وتفصيل. ورسولنا e يقول: «إن الله لم يبعثنِ معنّتاً ولا متعنّتاً ولكن بعثني معلماً وميسراً».



لكن نرى بعض المعلمين هداهم الله لا يملكون من الصبر والرحمة شيئاً، فمجرد أن يُغضبه الطالب أو لا يفهم أمرا أو يسأل عنه تراه يغضب ويثور بدل أن يحلم ويصبر ويتحمل. وقد يحصل أحياناً أن يتعرض لتصرفاتٍ أو كلامٍ به أذى من بعض الطلاب أو شيء من هذا القبيل فلا بد أيضا أن يتحمل ويصبر ويحتسب، ويمتص غضبهم واستفساراتهم وحتى ضجرهم أحيانا، ونذكر حين دخل معاوية بن الحكم رضي الله عنه في الصلاة مع الجماعة ولم يعلم أن الكلام قد حُرّم في الصلاة، فعطس أحد الصحابة فشمته، فنبهه بعض الصحابة بالإشارة فلم يفهم واستمر في كلامه، فلما انتهت الصلاة ناداه رسول الله ﷺ فأتى إليه خائفا، فقال له رسول الله e بكل لطف ولين: «أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتحميد وقراءة القرآن»، فقال معاوية معلقا على فعل رسول الله ﷺ: بأبي هو وأمي، ما رأيت أحسن تعليما ولا أرفق منه e. فهذا الصبر والرفق من رسول الله e القدوة والمعلّم وما يصدر عنه من أقوال وأفعال وتصرفات كلها تعليم.



وكذلك من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المعلم الصدق والوفاء بالوعد فيما يدعو الله إليه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾، فإذا وعد المعلم الطلاب بوعد معين فلا بد أن يفي بما وعد أو أن يعتذر لهم حتى يكون صادقاً أمامهم فيما يطلب منهم أن يفعلوا أو فيما يطلب منهم أن يتركوا ونحو ذلك. وكذلك عليه أن يكون متخلّقا بخلق التواضع، روى ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" عن عمر بن الخطاب t أنه قال: "تعلَّموا العلم، وعلِّموه للناس، وتعلَّموا له الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلَّمتم منه، ولمن علَّمتموه، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم جهلكم بعلمكم". وهو مُعلِّم ومتعلم في الوقت نفسه، فلا عجب ولا غرابة أن يستفيد الْمُعلِّم من طلابه في بعض مسائل العلم، بل أن يتراجع عن خطأٍ له وقع فيه، أو يقول لهم: "لا أدري"، و"الله أعلم" فيما خفي عليه ولم يعرفه، فهذا يجعله كبيراً في نفوسهم، ويتعلَّمون منه التواضع، وعدم الجرأة على الفتيا بغير علم.



نعلم أن الإسلام دين عدل ومساواة يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾، فليس في الإسلام طبقية، ولا يُكرم الغني لغناه ولا يُذَلُّ الفقير لفقره. والطلاب هم رعية والمسئول الأول عنها هو الْمُعلِّم عملاً بحديث رسول الله e: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»، فهم سواسية فلا يفاضل في معاملتهم حسب مكانة أهلهم أو حسبهم أو نسبهم أو مالهم...

والعدل في المعاملة لم تكن تغيب عن علمائنا الأوائل، فتوارثوا توصية المعلم به، وتحذيره من خلافه. رُوي عن مجاهد بن جبر التابعي الكبير وتلميذ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: "معلم الصبيان إذ لم يعدل بينهم جاء يوم القيامة مع الظَّلَمة"، وقال ابن سحنون في "ما جاء في العدل بين الصبيان"، "وليجعلهم بالسواء في التعليم، الشريف والوضيع، وإلا كان خائنًا". وليس مثلما نرى في معاملة البعض اليوم لطلابهم يفرقون بين الطلاب، فيتجاوزون عن خطأ وفساد بعض الطلاب ممن أهلهم في موقع السلطة أو الغنى ويعطونهم حقا ليس لهم وعلى حساب غيرهم ممن يستحقونه. بينما في الإسلام حرص الخلفاء أن يعامل المعلمون أبناءهم كما يعاملون غيرهم، فها هو الخليفة هارون الرشيد في الوصية التي أرسلها إلى الكسائي مؤدب ابنه ومن ضمن ما جاء فيها: "... وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القوّاد إذا حضروا مجلسه، وقوِّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أبى فعليك بالشدة والغلظة".



إن المعلم الجادّ المخلص لا تقف مهمّته ودوره عند حدّ ما يُقدّمه في الصف، بل دوره الأهم هو قوة تأثيره في طلابه ومجتمعه، في قول الحق والوقوف معه، ولننظر في تاريخ معلمينا وعلمائنا وأئمتنا الذين حملوا العلم وعلّموه عقيدة وعلماً وعملاً ومنهجاً ودعوة، فها هو الإمام أحمد المعلم والذي ضرب أروع الأمثلة في الثبات على المبدأ والصبر أمام الفتن، لقد أوذي وسجن، وضرب وأهين، فلم تلِن له قناة، ولم يتزحزح عن حقٍ يراه ولو كلفه حياته، وهذه دروسٌ للعلماء والمعلمين والدعاة في كل زمانٍ ومكان.

وها هي العالمة المعلّمة أم الدرداء الصغرى والتي كان يستدعيها عبد الملك بن مروان لتعلم نساءه، سمعته في مرة يلعن خادمه لأنه أبطأ عليه في أمر، فقالت له: سمعت أبا الدرداء يقول، سمعت رسول الله e يقول: «لا يكون اللّعانون شفعاء ولا شهداء، يوم القيامة»، قالت ذلك له ولم تخش في الحق لومة لائم ولم يمنعها كونه الخليفة من قول الحق، ولم تقل ليس لي علاقة بالأمر أو ليس هذا من شأني مثلما يفعل عدد من علماء ومعلمي هذا الزمان، ولم تقف موقف المتفرج غير العامِل مثل المعلمين الذين يقفون موقفا سلبيا مما يرونه الآن من تغريب في سياسة التعليم وتغيير في المناهج، فحتى لو كانوا لا يستطيعون التغيير في نُظم التعليم والمناهج - تلك السموم التي يضعونها لأبنائنا وبناتنا بين طيات الكتب ودفّاته -

إلا أنَّ ذلك لا يعفيهم من واجبهم في إنكارها وتخفيف أضرارها بإعطاء الفكرة الصحيحة التي تنقضها من أساسها فهذا واجبهم كمربين مسلمين، خاصة ونحن نعيش النظام الرأسمالي بكل ما يحمله من مفاهيم بعيدة عن أحكام الإسلام عاملين فيه على هدم العقيدة الإسلامية ونشر الفساد والعلمانية والحريات والديمقراطية وغيرها من المفاهيم الرأسمالية العفنة في نفوس أبنائنا، فيجب عليهم إظهار هذا الفساد ومحاربة تلك الأفكار وتبيان زيفها وخطرها. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ليس العلم بكثرة الحديث ولكن العلم بالخشية". فعليهم تعليمهم أسلوب التفكير الإسلامي الصحيح وعدم الرضا بما لا يُرضي الشرع، والصدع بالحق وعدم المداهنة والنفاق فيه... أن يزرعوا في نفوسهم أن الأجل والرزق بيد الله وحده فلا يخافون في الله لومة لائم، ولا يتعلمون الخوف والجبن...


يتبع بإذن الله تعالى


رد مع اقتباس