الموضوع: نص مسرحي
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم March 20, 2018, 03:55 PM
 
نص مسرحي

مسرحية ترانزيت
ايمان الكبيسي

الشخصيات
الشيخ :كبير الغجر.
الطبيبة: فتاة من غير الغجر، طالبة في كلية الطب.
(رامي، فهد، سليم): اخوة الفتاة
الفتاة: ابنة الشيخ، فتاة من الغجر.
مسعود: مستطرق.
شمس: فتاة من الغجر
العرافة.
الام: ام الفتاة وزوجة الشيخ.
القابلة







المشهد الأول
(مجموعة من السلايدات بيضاء المتحركة على جنبات المسرح وكأنها غرف زجاجية تعمل عوارض لخيال الظل، امرأة خلف احد السلايدات وكأنها في عملية وضع مع القابلة، بينما اولادها الثلاثة على المسرح يحاولون صيانة الادوات الموسيقية).
رامي: سنُرزق بأخ اخر... يملأ البيت فرحا.
(صيحات وألم، بكاء طفل إيذانا بولادته، تخرج القابلة وهي فرحة وسط زغاريد النسوة).
القابلة: بشراكم ... بشراكم إنها فتاة ...إنها مفتاح سعدكم... هي باب الثراء. (سليم ورامي شاردان مصدومان وكأن صاعقة ضربت راسيهما)
فهد: (يترك الالة التي في يديه، ويخرج من محفظة اخيه سليم نقود ليعطيها للقابلة) شكرا لك يا خالة...سنجهز لامنا واختنا كوخ العزل حتى يبرءان.
القابلة: سأعاود القدوم إليها مساءا للاطمئنان على صحتها وصحة المولود، مبارك لكم (تخرج).
فهد: (يغني وينقر على الطبل الذي يحمله ويرقص فرحا، بينما سليم ورامي لازالا في صدمتهما، ثم ينتبه الى اخويه فيتفاجئ بحالهما) ما بالكما؟
رامي: (في ذهول) انثى!!!
فهد: نعم انثى يال سعدنا... انثى(يعود للرقص والعزف)
سليم: (إلى اخويه) ما العمل يا إخوتي...فقد وضعت أمنا انثى؟
رامي: ليس أمامنا إلا أن نفعل ما أمرنا به أبانا.
فهد: (يتذكر فيضرب بيده على راسه)ااااااه انثى!!!!
سليم: (الى فهد) النبوءة... أنسيت ما قالته العرافة لأبيكم؟
(يظهر على الداتا شو مشهد لرجل يستمع لامراة تغطي وجهها بخمار لايظهر منه الا عينين جاحظتين، وصوت كئيب).
العرافة: سبب شقاء ابناءك واهلك فتاة من صلبك، تحطم القلوب قبل البيوت، وتصلب القريب قبل الغريب. سبب شقاء ابناءك واهلك فتاة من صلبك، تحطم القلوب قبل البيوت، وتصلب القريب قبل الغريب.
رامي: حماية القرية مسؤوليتنا، حتى يعود... (تقاطعه إلام وهي تخرج متعبة وفي أحضانها الطفلة)
الام: انه مجرد كلام لعرافة خِرفة، لا يمكننا الأخذ به، فقد كذبت وان صدقت. إن كبدي يتفطر حزنا وأنا انظر إلى الجمال الملائكي الذي وادعه الله فيها، كيف لنا أن ونواريه التراب.(يذهب الإخوة إلى أمهم لرؤية الصغيرة وإذا بها تسحرهم بجمالها).
فهد: ليس لنا بد من ذلك يا امي.
الام : خطرت لي فكرة بعدما بشرتني القابلة بها, سنخفي هذه الطفلة عن اعين الناس ونُوهِم الجميع بأنها ماتت، لحين انقضاء سنين سفر أبيكم، وعندها يحلها الحلال، بصراحة قلبي لا يطاوعني على تنفيذ ما أراده أباكم، فما رأيكم؟
فهد: انا معكِ يا أمي.
سليم: لا لن أخالف أمر أبي.
رامي: انا كذلك لن اعصي امر والدي.
الام: لقد حباها الله بجمال يفوق الحد، وهذه نعمة لنا معشر الغجر ستكون سبب سعدنا وغنانا.
رامي: لكن النبوءة قالت عكس ذلك؟
سليم: ربما كان معكِ حق، فهي جميلة جدا وربما تكون بالفعل سببا لسعدنا، لكني اخشى غضب والدي.
الام: سنحاول ايجاد حل قبل وصوله بالسلامة.
سليم: اذهبي لتستريحي ريثما نحظر لكما كوخ العزل، اااااه صحيح فالقابلة ستعود مساءا عندها يجب إخبارها بوفاة الفتاة حتى لا يفتضح امرنا عند ابينا.
المشهد الثاني
(المسرح مقسم إلى منطقتين يمين ويسار بواسطة بعض السلايدات، في يمين المسرح سلايد في زاوية المسرح, فهد والفتاة يصارعان الرياح والظروف المناخية القاسية في الصحراء وكأنهما هاربين من شيء، الوقت صباحا، وعلى شمال المسرح خيمة كبيرة وفتيات يرقصن رقصات الغجر خلف السلايدات وبعض الرجال يجلسون بشكل نصف دائرة، أجواء صاخبة, المسرح يعج بالأغاني والرقصات الغجرية والإضاءة الملونة، او لربما استعاض المخرج عن هذه اللوحة بعرض (داتا شو) لإحدى حفلات الغجر حسب رؤيته الذاتية. الوقت مساءا تضاء الجهة اليسرى مع خفوت أصوات الغناء والإضاءة في الجهة الأخرى).
الفتاة: إلى متى نبقى نرتحل... مضت أعوام وأعوام ونحن على هذا الحال.
فهد: معك حق... لكنّنا مطاردين ونساء القرية في كل المدن يتنقلن، يبيعن، ويكشفن الطالع ويتسولن، وأخشى ان يتعرفن علينا لو راينّنا.
الفتاة: اشكالنا تغيرت ومن الصعوبة ان يتعرف علينا احد.
فهد: ربما، لكن ذلك الوشم الذي يزين ذراعك واليدين لازال لم يتغير.
الفتاة: لقد مللت الترحال
فهد: ربما هي لعنة الغجر.
الفتاة: ماذا تعني؟
فهد: انها قصة طويلة بدأت بقتل جدنا (كين) لاخاه فعاقبه الله بان يهيم في الارض، لذا فالغجر يرتحلون لا مستقر لهم ولا وطن.
الفتاة: والأرض التي كنا عليها ونحن صغار ا ليست وطنا؟!
فهد: لا... حتى تلك الأرض ترفضنا بحجة إننا نُقلقُ راحتها برقصاتنا وأغانينا.
(تعود الإضاءة إلى الجهة الثانية وارتفاع اصوات الغناء مع اظلام الجهة اليمنى من المسرح، يدخل مسعود وهو رجل ثلاثيني متعب يرتدي بزة رسمية ممزقة، تظهر عليها بعض الأتربة، وبعض الكدمات والجروح تعتلي الوجه والجسد, يخفت الصخب دون أن ينتهي بينما يتوجه نحوه شيخ من الغجر.
مسعود: (يتحدث إلى نفسه) كان عليّ أن أطيع أمي فقد نهتني عن السفر هذا اليوم، نجوت بإعجوبة.
الشيخ: علامات التعب ظاهرة عليك، استرح قليلا يا بني.
مسعود: تعرضت سيارتي على بعد مسافة من قريتكم لعبوة زُرعت في الطريق ... نجوت بأعجوبة، وقد شارف النهار على توديعي فلم أجد سوى أضواء احتفالاتكم هاديا استدل بها في وحشة الظلام.
الشيخ: جئت أهلا وحللت سهلا، ما اسمك يا ولدي؟
مسعود: اسمي مسعود.
الشيخ: عاشت الاسامي يا مسعود، استرح هنا ريثما انادي لك ابنتي طبيبة القرية (يذهب الشيخ إلى إحدى الراقصات ويهمس في اذنها, فتأتي معه).
مسعود باستغراب إلى الشيخ) ا هذه طبيبة القرية؟!!
الطبيبة: ما الغرابة في ذلك؟
مسعود: طبيبة وترقص؟!!!
الطبيبة: الست مسعود وانفجرت في وجهك عبوة؟!!
مسعود: معكِ حق فكل شيء في زماننا جائز.
الطبيبة: دعني افحص جسدك لاتاكد من سلامتك.
(يتمدد مسعود على الاريكة الطينية التي يجلس عليها بينما تحاول الطبيبة تضميد جراحه، بينما يعود الشيخ الى مكانه في الاحتفال).
مسعود: هذا الرجل ابيكِ؟
الطبيبة: لا... لكنه يعاملني كأبنته، لقد فقد فتاة بعمري فيما مضى، لذلك يعدني مثل ابنته التي فقدها.
مسعود: فقدها؟!!
الطبيبة: سمعت من أهل القرية إن نبوءة مشؤومة اقتضت وأد الفتاة، وهذا ما أراده والدها إيمانا بتلك النبوءة، لكن أبناءه وزوجته اتفقوا عن إخفاء الأمر عنه واعطائها لاحدى النساء التي لم تُنجب في القرية... كبُرت الفتاة وزاد جمالها زهوا والقا، وما ان وقعت عين الاب عليها حتى وقع في حبها، قد بدتْ راضية من نظراتها له خصوصا وهو كبير القرية وكان معروفا بوسامته واناقته، فأراد الزواج بها فلم يكن امام زوجته وابناءه الى الاعتراف له بالحقيقة لمنع هذا الزواج، عندها تذكر تلك النبوءة فلم يكن امامه الا ان يقضي على الفتاة، فقرر أخيها الصغير خطفها والذهاب بها بعيدا حيث لا يعلم احد عن مكانهما حتى الآن.
(إظلام للجهة اليسرى وتعود الإضاءة إلى الجهة الأخرى)
الفتاة: انا اكره الغجر.
فهد: لا يا صغيرتي ... أهلنا أناس طيبون... يعيشون بسلام مرددين ابق حيث الغناء، فالأشرار لا يغنون.
الفتاة: وأبي الم يكن يغني؟
فهد: يقال انه من أجمل الأصوات في شبابه.
الفتاة: كيف يفكر في قتلي وهو يمارس الغناء؟
فهد: ربما لأنه ترك الغناء منذ زمن !!! او ربما كان مجبرا فعرافة القرية لا تخطئ تنبؤاتها.
الفتاة: إذن أنت تصدق كلامها!!!!
فهد: رغم انّا لم نشهد عليها غير الصدق...لكنك أختي التي أحب واضحي لأجلها بحياتي... ابقي هنا يا صغيرتي بينما ابحث عن طعام لنا.
الفتاة: سأختبئ في ذلك الكهف حتى تعود.
(إظلام الجهة اليسرى وإضاءة الجهة الأخرى )
مسعود: كل ما في هذا المكان غريب!!!
الطبيبة: ليس اغرب من الخارج، كل عالمنا غريب، او ربما نحن غريبون عن عالمنا (تحاول تغيير الموضوع) جراحك ليست عميقة، لكن من الأفضل أن تستريح حتى تشفى تماما.
الشيخ: (مقتربا منهما) ستحل ضيفا علينا حتى تشفى، (يُمسك بمسعود ويحاول ايقافه) هيا تعال معي لتستريح في داخل البيت (يخرجان).
(تعود أصوات الصخب والغناء تعم المسرح)
شمس: ( تخرج من خلف السلايد نحو الطبيبة) من هذا الذي اطل علينا؟
الطبيبة: رجل مصاب وقد ضل طريقه.
شمس: ضل طريقه؟
الطبيبة: وهل يأتي إلى هنا الا الضالين؟
شمس: أراكِ نادمة على ما انتِ فيه!!!
الطبيبة: لم يعد في العمر متسع للندم...هي ايام نعيشها كيفما تكون.
شمس: ان أردت الهروب يمكنني مساعدتكِ.
الطبيبة: اهرب؟!!! وقد دخلت الحمام بملء ارادتي, ومِنْ مَنْ اهرب؟ فالناس هنا طيبون لا هم لهم سوى إشاعة الفرح، عادلون فالكل سواسية الكل يعمل الكل يفرح والكل يعيش.
شمس: لطالما سالت نفسي (باستغراب) كيف لشابة جميلة متعلمة مثلكِ ان تعتاد حياة الغجر؟
الطبيبة: (اظلام المسرح الا من بقعة ضوء صفراء حول الطبيبة) "ميوازيك على المر الا الامر منه" كنت طالبة في المرحلة الأولى لكلية الطب، اجتهدت كثيرا، كي احصل على مقعد في كلية الطب...اخيرا سيتحقق حلمي سأصبح (بصوت عالي وتفاخر) الدكتورة نهى سأشغل عيادة تدر لي الكثير وسأشتري لوالدي الضرير مسكنا في العاصمة بيتا يؤوي أجسادنا انا وأخواتي الثلاث، لكن القدر كان يُضمر لي غير ذلك في جعبة ذلك الأستاذ الوسيم، فقد أدركَ عوزي واستدلَ على مفاتيح كنوزي.
(بقعة ضوء حمراء في اعلى المسرح، يظهر من خلالها الاستاذ الوسيم)
الاستاذ: يا فاتنتي...الا تدركين الرماد الذي تركته نيرانكِ, ادركيني ... تعالي نسبح نحو امواج الهيام. (يقترب منها ويرقصان في بقعة واحدة، يتغير لون البقعة الى الاحمر)
الطبيبة: لا اعرف السباحة ...دعني وشأني...اخشى الغرق. (تحاول الخروج من بقعة الضوء لكنه يمسك بها بحركة راقصة ويعيدها الى البقعة والى الرقص).
الاستاذ: ذلك الجسد الممشوق النديّ يُغرِق لا يغرق...لا تخشيّ الغرق ما دمتِ معي، سأكون قارب نجاة غارقا في محيطاتك، سفينة تسكن مياهك تنتقل بين جبالكِ والهضاب.
الطبيبة: (تخرج من البقعة خائفة, تجوب المسرح وكأنها تطرق الابواب المتمثلة بالسلايدات، التي تسلط عليها اضاءة خضراء، وهي تخاطب خالقها) لم يبق باب لم اقف عنده واتضرع اليه، ابكي عند ضريحه...كل اولياءك الصالحين سمعوا بكائي وتوسلي، دعوتك سرا وعلانية، في المطر... امام البحر...عند الخسوف والكسوف، وقت السَحر، عند الفجر، في الكنائس والجوامع ان تُنجني من عبادك الطالحين، تبعد عني كل ما يغضبك مني ... فانت اقرب لي من حبل الوريد...(تسكت وكأنها يائسة من الاجابة) لم تستمع لشكواي، ربما صوتي لم يكن عاليا بما يكفي لاسماعك، لم تشملني رحمتك بجمع الحافظين فروجهم والحافظات، كنت اعلم ضعفي فالتجات الى قوتك، وقلة حيلتي فوكلت امري اليك... تركتني لقدري...فهل تحاسبني اذا ما اخطأت؟
الاستاذ: (يعيدها للبقعة ويرقصان) ذلك الجسد الممشوق النديّ يُغرِق لا يغرق...لا تخشيّ الغرق ما دمتِ معي، سأكون قارب نجاة غارقا في محيطاتك، سفينة تسكن مياهك تنتقل بين جبالك والهضاب.
الطبيبة: (وهو يراقصها) صدقته... لامست قدماي مياه البحر ...اخذت ابحر وابحر... آمنت بكل خرافاته, صدقت اكاذيبه، وبدون ان ادري وجدت نفسي اغرق...اغرق لا قوارب ولا بزات نجاة،(يتركها ليعود الى البقعة الاولى)، بل حتى تلك السفن الناقلة غيرت مسارها إلى شواطئ اخرى، كنت مجرد محطة يسكنُها لاه ٍ لحظات الانتظار.
الاستاذ: لم تصبري...كان عليك تحمل المصاعب معي ومن اجلي.
الطبيبة: (تصفق بحماس) احسنت... احسنت كنت ممثلا بارعا، دور(روميو) تقمص فيك بجدارة، لكنك لم تعِ بعدها مكان (جولييت)، لِمَ اضعتها؟ ستُسدل الستار وهي اسيرة...محطمة ... مكسورة، في ما انت تبحث عن دور جديد وانثى اخرى تؤمن بك وبلعبتك التي تُجيد.
الاستاذ: كان عليك ان تحذري من الأمواج العاتية (تقاطعه)
الطبيبة: صه... صه ايها الوسيم!! (تطفئ البقعة الموجهة نحو الاستاذ فيما يخرج هو دون ان يشعر به الجمهور) فقد وصلتُ حدا في صراعي مع الموج لا تستطيع الوصول اليه...انا الان اركب امواجا لا قبل لك على مجاراتها... حطمتُ ارقاما قياسية في ركوب الامواج. (يضاء المسرح)
شمس: ربما كان الوضع أفضل مما أنت عليه الان, ربما كانت لك فرصة أخرى.
الطبيبة: الأقدار لا تهب الفرص للفقراء، حتى مهنة الطب ليست للفقراء. أي فرصة تلك التي تمنحني مصروفي وتكاليف دراستي وسكني, أي قَدَرٍ ذلك الذي يمحي الديون المتراكمة فوق كاهلي...لا شيء ...لاشيء سوى ذلك العمل المسائي.
شمس: مادمت تعملين ... تحققين الحلم.
الطبيبة: نختار أحلاما بمقاسات كبيرة فنتعثر بها، كان عملي هو استئصال لحلمي...انا اعمل ليلا متخفية عن الأنظار، حتى بدأ ذلك العمل يجذب الزبائن من مختلف الأوساط فمنهم أبناء محلتي ومنهم زملائي في مقاعد الدراسة... وشاع الخبر وذاع صيتي, أصبحت مشهورة (باستهزاء) وبدل ان اكون طبيبة أعالج الناس من الإدمان أصبحت ذلك المخدر الذي يدمنونه بل حتى انا أدمنته، فإلى أين اهرب؟ ولمن؟ ولماذا؟ اتعرفين؟!! احيانا احسدك.
شمس: تحسديني؟!! انا!!
الطبيبة: نعم فقد ولدتِ في هذه البيئة وكل من يمت إليك بصلة يمتهن مهنتك, فلا محظورات لديك ولا تابوهات... لا احد يطاردكِ... لاخوف من النهار.
(تدخل الام وهي حزينة، تقترب من شمس والطبيبة)
الام: هل من اخبار عن ابنتي واخيها؟
شمس: لا ياخالة لاجديد.
الطبيبة: الكل يبحث...من يبحث ليغفر ... ومن يبحث لينتقم ... من يبحث عن الحب... ومن يبحث لقتل الحب...اما انا فعليّ الاختباء من كل اولئك الباحثين. (تختفيان خلف السلايدات مع أغنية "انه طبيبة ديرتي واشتكيت اصبحت ابحث عن طبيب مداوي" وتستمر الرقصات خلف السلايدات)
الام: هل ستعود إلى أحضاني؟ أحقا ستعود!!! فهد يا ولدي لا تبتعد بها بعيدا، لقد أكل الندم جسد والدك، ألا تعودا؟
العرافة: (تدخل المسرح لعرض بضاعتها) اعرف الطالع ... واكشف المستور ... أسنان ذهب للحلوات... خرز وقلائد للمحبة... للرزق. (تنظر إلى الام) لماذا تستعجلين الخراب؟ ذلك القدر آتٍ لا محال، (تستذكر النبوءة) سبب شقاء أبناءك واهلك فتاة من صلبك، تحطم القلوب قبل البيوت، وتصلب القريب قبل الغريب.
الام: كفاكِ كذبا يا وجه الشؤم ها قد ضاعت البنت وأخوها ربما أكلتهما الذئاب وكل ذلك بسبب خرافتك. ( اغنية ع الياني الياني على الي راح وخلاني، مع الرقصات خلف السلايدات)
العرافة: ستعود ...ستعود لتُقّتل الباقين ...ستعود
(يقف كل من في جهة المسرح اليسرى دون حراك مع خفوت الإضاءة ليتحول المشهد إلى الجهة الأخرى، كهف كبير وأصوات مرعبة)
الفتاة: تأخر أخي ...أخشى البقاء وحدي... يا الهي ... لماذا يتحتم عليّ ان ابقى مطاردة، مطرودة؟ (تتلمس وجهها وجسدها بتفاخر) هذا الابداع والسحر يدفن بالتراب!!! لماذا يُقدم هذا الجمال قربانا لرؤوس عفنة؟ لماذا اُحرم من حضن امي؟ من قربي لاخوتي، من حبهم، من حنو الاب على ابنته، لماذا يقف قدري عائقا امام من اراد تثمين انوثتي؟ يالَ حظي العاثر ... لايدق القلب الا لذلك المُحرم الذي ينوي قتلي... ايتها الاقدار لقد رسمت لي طريقا لاسعادة فيه، لكني ساسعى لاكماله سأنتقم من كل دفعني اليه، الحرب، فهي سبيلي الذي رسمته الاقدار، الحرب لاقلب لها... لادين، لافرق بين مُذنب وبريء، بين عاصٍ او مطيع فالكل حطب ووقود، فالحرب كالحب كل شيء فيها مباح. (اضاءة خافتة مع ظهور خيال لشخص مقيد خلف السلايد)
صوت من داخل الكهف: أيتها الجميلة ساعديني....أنقذيني.
الفتاة: (بخوف وهي ترتجف) هل من احد هنا؟
الصوت2: إني مقيد هنا منذ سنين ومفتاح قيدي في مكان ما في هذا الكهف ... أرجوك ساعديني وابحثي لي عنه ...وسأكون رهن إشارتك لا اعصي لك أمرا.
الفتاة: من أنت؟
الصوت2: انا عفريت... عاقبتني ملكة العفاريت وتركتني في هذا الكهف مقيد.
الفتاة: (يظهر عليها الخوف والتردد) ماذا افعل؟ يا الهي اهرب من البشر فتصادفني العفاريت.
الصوت2: لاتخافي... اعدك اني لن اُسيء اليكِ.
الفتاة: (اصوات ذئاب مرعبة واضاءة بعد أن استجمعت قواها وبعد تفكير) إن انا أنقذتك ما المقابل؟
الصوت2: اطلبي ما شئت سأكون لك عبدا او أخا، ابا ان رغبتِ.
الفتاة: بل أريدك زوجا.
الصوت2: كيف تريدين هيئة زوجك, نجار؟ شاعر؟ تاجر؟
الفتاة: (بعد تفكير) رجل دين.
الصوت2: رجل دين؟ طلب غريب!!!
الفتاة: نعم ... رجل الدين هو الوحيد الذي يُطاع بدون تفكير... ثقة مطلقة ... وولاء اعمى...سيفي الذي ابطش به.
الصوت2: سأكون لك بهيئة رجل الدين وأتقدم لخطبتك من أخيكِ.
الفتاة: ااااااه اخي لقد نسيتُ أمره...انه سيرفض هذا الزواج, فلا يحق للغجرية ان تقترن بغير الغجريّ.
الصوت2: إن أردت أكن غجريا سأكون.
الفتاة: لا لا داعي لذلك, فقط عليك قتل أخي ثم الزواج بيّ.
الصوت2: اقتل أخيكِ؟!!! هل تعنين ما تقولين؟
الفتاة: أخي وهذا الوشم (تنظر إلى كفيها) هما ناقوس يدق في عالم النسيان, لذا علي التخلص منهما...فالحرب لا قلب لها, هذا شرطي إن أردت حريتك.
الصوت2: موافق
الفتاة: وتكون رهن اشارتي ...لاتعص لي امرا.
الصوت2: أنقذيني... ولكِ ما أردت وأكثر.
(تعتيم)

المشهد الثالث
(لوحة راقصة للطبيبة مع مسعود توحي بالحميمية والتقارب الحاصل بينهما، مع موسيقى هادئة، تخفت اصوات الموسيقى مع ارتفاع ضحكاتهما بانتهاء الرقصة)
الطبيبة : ها قد شفيت تماما يمكنك الان العودة من حيث اتيت.
مسعود: لا اظنني شفيت... بل زاد المي ووجعي.
الطبيبة : ( تضرب على كتفه) جروحك التأمت ...كفاك دلالا(تروم المغادرة)
مسعود: (يمسك يدها محاولا منعها من تركه) الا تذكرين ليلتنا؟
الطبيبة: (بارتباك) انا لا اذكر سوى اللحظة التي أعيشها الآن.
مسعود: اما انا فلا زال ذلك النور المنبعث من الجسد المرمري يغشى عيني... ينابيع السعادة الغامرة ... شلالات الحب الدافئ ... طراوة الوديان ... ارتفاعات الجبال وقممها الحادة، تلك النهايات المستفزة، الشمس التي تشرق في العينين بعد ليل ساحر... لم يكن حلما، بل كانت رحلة إلى جِنان الله، سفر بين السماء والأرض.
الطبيبة: (تحاول تخليص يدها بارتباك) هذا عملي وأتقاضى عليه اجر.
مسعود: لا تكذبي... لم يكن كما تصفين.
الطبيبة: ربما كانت فسحة للنفس...او رحلة كما وصفتها انت وها قد انتهت رحلتنا.
مسعود: بل ربما بدات، اني احبكِ.
الطبيبة: انك تبيع الماء في حارة السقايين, نحن بائعو الهوى، اذهب ببضاعتك بعيدا ان أردت ان لا تخسرها.
مسعود: لن اخسرها ولن اخسرك...لقد اخترتك من بين كل النساء.
الطبيبة: هناك مثل للغجر يقول" لا تختر امرأة في ضوء القمر" عندما يحل النهار ستكون لك نظرة اخرى فالشمس تعرينا، وتكشف عيوبنا.
مسعود:حتى عيوبك اعشقها، ارجوكِ تعالي معي إلى بر الامان، إلى مكان لا تخشي فيه ضوء الشمس، كفاك العيش في الظلامات.
الطبيبة: ما الذي تريده مني؟
مسعود: اريد الزواج بكِ.
الطبيبة: (تضحك بهستيريا) تتزوجني...كيف ستعُرّفني للناس، لاهلك، بماذا ستخبرهم عني...اتجرؤ ان تخبرهم اني اسكن مع الغجر؟
مسعود: سأسعى لاقناعهم، هذا وعد.
الطبيبة: اذهب من حيث اتيت...فعالمك لا يعنيني.
مسعود: اعلم انك تبادليني الشعور.اعطِ لنفسكِ فرصة... فكري مليا.
الطبيبة: علمتني الحياة ان لا فرص لأمثالي.
مسعود: ما الذي يعجبكِ في هذه الحياة؟
الطبيبة: لم اجد افضل منها، اما عالمك الذي تغريني به فهو سبب وجودي هنا انا مطرودة من عالمك.
مسعود: ستعودين اليه معي...سنكمل الحلم سويا.
الطبيبة:عدّ إلى الاقنعة الملتصقة بالوجوه... الى القتل إلى الانفجارات اليومية إلى قوافل الموتى، مواكب العزاء المستديمة، إلى الكذب، الخداع، الكفر بكل شيء...انه عالم الموتى...مكان ليس لي فيه مكان، ودعني اعيش بسلام.
مسعود: اراكِ تجبريني على قرار لا اريد اتخاذه.
الطبيبة: بل اعلن لك حبي وخوفي، ابتعد كي اضمن سلامتك، فالنار تحرق من يقترب منها.
مسعود: لن اترككِ.
الطبيبة: ولن يترككَ الغجر حيا...واهلي الذين يبحثون عني سينتقمون منك ومني...اذهب ولا تعد الى هنا( تخرج من المسرح باكية)
مسعود: ساطلب يدكِ من شيخ الغجر واسكن معكِ... ساكون واحدا منكم.
( اظلام للمسرح كله لتظهر خلف السلايدات خيالات لرقاصات مع اغنية " انه غريب بهالبلد انشد وادور، اسمر وشامة بالحنج عينة وسيعة")

المشهد الرابع
(رقصة للطبيبة على ايقاعات غجرية خلف السلايد مع اغنية الهجع، ثم تتوقف، لتكرر الفتاة على المسرح تلك الحركات مع تسليط الضوء بشكل بقعة عليها، تكرر العملية مرة اخرى، تصرخ الفتاة وهي تجوب المسرح هلعا مغلقة اذانها بيديها، فهي لا تريد سماع هذا الايقاع، تتحدث مع نفسها )
الفتاة: كفى...كفى... (تتنقل بحركات قلقة ) اسكتوا تلك الاصوات اخرسوا تلك الانغام ... لا اطيق سماع ايقاعاتهم...إلى متى يلاحقني ذلك الماضي، لا اطيق غناءهم حركاتهم العبثية... سنين وسنين تمر وهذا الهاجس لايغادر مسمعي... لماذا ينصاع جسدي لاصواتهم ؟
(يدخل العفريت بهيئة رجل الدين، وهو يحاول الامساك بزوجته وتهدئتها)
الزوج: كل يوم وانت مع هذا الكابوس ياحبيبتي ...دعكِ من هذا الماضي، واستمعي لاجمل اخباري.
الفتاة: فعلتُ كل شيء لانسى ذلك التاريخ الاسود، لا اريد ان انُعت بالغجرية، اريد ان تحطِم بيوتهم فوق رؤوسهم، لا اريد لهؤلاء القوم اثر يذكرني بهم.
الزوج:ما في جعبتي من اخبار تُنسيكِ كل شيء، الا ذلك المستقبل الذي يريد احتضانكِ، فاسمعي مني...ولا تتعجلي هلاكهم... كل ماعليك ان تصبري، وعندما تكونين مسؤول البلدة الجديد سيكون لك ان تعاقبي او تصفحي.
الفتاة: وهل سيُدلي سكان المدينة باصواتهم لشخص لايعرفوا له اصل؟
الزوج: هذا دوري، اصدار الفتاوى، وتحريم انتخاب هذا، ومباركة انتخاب ذاك... كل الاصوات ستؤول الى صندوق غاليتي.
الفتاة: والغجر؟
الزوج: تلك هي المفاجئة!!! لقد علمت من مصادر موثوقة ان الغجر يمثلون بيئة خصبة لكل فتاة تود الهرب من اهلها وقبيلتها او حتى زوجها.
الفتاة: ما الجديد في ذلك؟ كل الناس تعلم ذلك علم اليقين.
الزوج: لكن الجديد عندما تلجأ اليهم انثى مطلوبة من عشيرتها التي تمثل اكثر من نصف سكان البلدة سيكون الامر مختلف.
الفتاة: لم افهم ما تعني!!!
الزوج: علمتُ ان اباكِ يحمي فتاة كانت تدرس الطب في العاصمة، وبعد ان تركت دراستها وهربت من اهلها لجأت الى قرية الغجر، ولازالت قبيلتها تبحث عنها لغسل عارها، وغيرها الكثير ممن تركت زوجها او اهلها الى ذلك الملاذ الامن.
الفتاة: كومة قش وما علينا سوى اشعال الفتيل.
الزوج: احسنت يافاتنتي... مساعدتنا لتلك القبيلة مع قليل من الفتاوى تضمن اصواتا تؤهلكِ لحكم البلاد باكمله لا مدينة صغيرة حسب، اما الان فعودي الى ذلك الماضي ومتعيني بميلانكِ ودوران ذلك الخصر المنحوت، واشعلي ليلتنا قبل اشعال النار في ذلك القش.
الفتاة: لا... لا سيكون الاحتفال الكبير يوم تحقيق حلمي... سارقص لك حتى الصباح على تلك الارض التي طُردت منها.
(هتافات من خلف الكواليس) انتِ انتِ لاسواكِ...لانرضى بحاكم سواكِ
بالروح بالدم نفديكِ يابنت الاكابر...بالروح بالدم نفديكِ يارمز المفاخر
الزوج: الم اقل لكِ ...ان الفرح قادم...ساخرج لهم واحشدهم للهجوم على الغجر، وابعث احد اتباعي ليُدل قبيلة الطبيبة على مكانها.
الفتاة: اذهب وحالما يتحقق النصر سنعلن الافراح...ونحيي الليالي الملاح.
(تعتيم)






المشهد الخامس
(حفل عرس الطبيبة من مسعود واجواء احتفالات واغاني ورقصات، اضاءة ملونة)
العرافة: ستعود...ستعود...سبب شقاء أبناءك واهلك فتاة من صلبك، تحطم القلوب قبل البيوت، وتصلب القريب قبل الغريب.
الشيخ: دعك من هذا وتعالي شاركينا الفرح.
العرافة: ستعود...ستعود...رياح لاتُبقي ولاتذر...نار تُحرق الاخضر واليابس... سيُنحر الحب ...سيُنحر الحب (صوت رياح عاتية تشتت جمع المحتفلين، اضاءة مضطربة، اصوات اطلاقات نار يسقط على اثرها العروسان وهما مخضبان بالدماء، هدوء يعم المكان الا من بكاء الشيخ وصدى صوت العرافة، اظلام للمسرح الا من ثلاث بقع للضوء واحدة موجهة حول الشيخ وهو يحتضن جثة الطبيبة، والبقعة الاخرى موجهة الى الفتاة التي تدخل من اطلاق النار، والاخيرة موجهة نحو العرافة ).
الشيخ: (يوجه كلامة الى جثة الطبيبة) ابنتي... اجيبيني...لاتتركي اباكِ.
العرافة: ابنتكَ سبب شقائكَ...ها قد عادت لِتُهلك الحرث والنسل.
الفتاة: انتِ سبب شقائي وشقائهم.
الشيخ: (يتوجه الى الفتاة) فهد؟ اين فهد؟ هل كان اول ضحاياكِ؟
الفتاة: ادعُ له بالرحمة فقد اكلته الذئاب.
العرافة: الذئاب البشرية...نعم اكلته الذئاب... كم من الجرائم مرتكبة باسمكَ ياذئاب... يوسف اكلته الذئاب ... فهد تاكله الذئاب.
الشيخ: لماذا عدتِ؟
الفتاة: لاحقق نبوءة تلك الحمقاء... فتنال عقابك... ويأكل الحزن قلبك بعد ان يُقتل اهلك واحبائك.
الشيخ: ما ذنبهم؟ وما ذنب هذه الفتاة ؟...كانت ملاك رحمة.
الفتاة: وما ذنبي انا حين قررت قتلي.
الشيخ: لم تكن رغبتي...لكن حفاظا على اهلي وناسي.
الفتاة: انا كذلك...لم تكن رغبتي أن اطردكم من هذه الارض او ان اقتلكم...لكن حفاظا على اهلي ...وخُلقي ...وناسي.
الشيخ: ناسكِ؟ من هم ناسكِ؟
الفتاة: ستعرف الان من هم ناسي.
(اصوات من خارج المسرح لجماهير محتشدة تطالب بطرد الغجر او قتلهم، يظهر الزوج وهو يركب عربة تنزل من الاعلى، تبقى معلقة بين الارض واعلى المسرح، مع ارتفاع صوته، بالتحريض)
الزوج: طهروا ارضكم من اولئك المفسدين...ذلك التراب اُغرق لسنين طوال بدماء زكية، لايجوز لاولئلك الضالين تدنيسه.
الشيخ: نعم نحن مفسدون ... لاننا نشيع الفرح كما تشيعون القتل ... ربما نمتهن بيع الهوى بقدر امتهانكم لبيع البغض... لكننا لم نقتل... لم نسرق... ولم نُجبِر احدا على القدوم الينا, فمن يأت الينا هو راغب في حياتنا ...لامجبر عليها...نحن مفسدون، وانتم المصلحون... فاصلحوا الارض بقدر صلاحكم... واغرقوها بالدماءالطاهرة. (اظلام للمسرح مع اطلاقات نار كثيفة ودخان يملئ المسرح)

(سِتار)
رد مع اقتباس