عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم September 30, 2017, 07:40 PM
 
Rose رد: تحميل صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة ، سعاد العنزي ، نسخة نصية أصلية

"صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة" لسعاد عبد الله العنزي

في 06/04/2011


عمر كوش


عالجت الرواية الجزائرية موضوع العنف السياسي الذي ضرب الجزائر والجزائريين خلال فترة تسعينيات القرن العشرين المنصرم، وأودى بحياة عشرات الآلاف من الجزائريين، وهو أمر يحسب لكتّاب الرواية الجزائرية المعاصرة، الذين تصدوا بجرأة للتطرف والعنف السياسي، قبل أن يصبح موضوعاً عالمياً، حيث استثمرته العديد من التجارب الرواية الإبداعية، التي تفاوتت من حيث المستوى الفني، وتمكنت روايات عديدة من تصوير ظاهرة العنف ومعالجتها، بوصفها موضوعاً، ومن تقديمها في نصوص روائية. وفي هذا السياق يأتي كتاب «صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة» للكاتبة الكويتية سعاد عبد الله العنزي، الذي تتناول فيها ظاهرة العنف السياسي في عدد من الروايات الجزائرية المكتوبة باللغة العربية، مع استبعادها تلك الروايات المكتوبة باللغة الفرنسية، ربما لسبب شخصي، يتعلق بعدم قدرتها لفهم تلك النصوص في لغتها الأم. إضافة إلى سبب آخر، يتمثل في أن تلك الروايات كتبت في فضاء ثقافي يختلف عن الفضاء الثقافي العربي، ويختلف في اهتماماته ومرجعياته عما يهم القارئ العربي.

وينهض متن التناول النقدي على روايات، «فوضى الحواس» لأحلام مستغانمي، و«دم الغزال» لمرزاق بقطاش، و«الورم» لمحمد ساري، و«سادة المصير» لسفيان زدادقة، و«الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي» للطاهر وطار، و«متاهات ليل الفتنة» لاحميدة عياشي، و«بخور السراب» لبشير مفتي، و«شرفات الكلام» لمراد بوكرزازه، و«حارسة الظلال دون كيشوت في الجزائر» لواسيني الأعرج، و«وادي الظلام» و«مرايا متشظية» لعبد الملك مرتاض.

ويجري استقصاء مدارات السرد، من خلال التركيز على الجانب الموضوعاتي في الرواية الجزائرية، أي الاعتناء بمضامينها، وتحليلها تحليلاً يقارب أبرز المحاور التي تطرقت لها، والبحث في «جذور العنف»، ومعرفة الأسباب التي أدت إلى تحول العنف من ظاهرة فردية إلى ظاهرة جماعية، التي أوجدت ما يسمى بـ«العنف المسيس». ثم يتمّ تناول «صور العنف» المتحققة مادياً وجسدياً، ولغوياً، التي تمس كامل فئات المجتمع الجزائري، من نساء وأطفال، ورجال، وشيوخ، بالإضافة إلى جميع العاملين بالمؤسسة الجزائرية، لا سيما، فئة المثقفين، والانتقال إلى «تجليات الحياة العنيفة»، من خلال الاشتغال على الأثر المعنوي والمادي للعنف على المواطن الجزائري والمؤسسة الجزائرية، والبحث في علاقة المكان والزمان، وفضاء النصوص الروائية، بالأحداث والشخصيات، ومعرفة نوع تلك العلاقة المباشرة والطردية، والرابط المشترك بينهما.

وتهتم المؤلفة بتجليات الخطاب الروائي في النصوص المدروسة، بدءاً من العنوان وانتهاء بالصوت السردي، حيث تركز على مسألة العنونة، والوقوف أمام مسألة لغوية، جديدة قديمة، وهي مسألة التناص، التي تبحث في التعالقات النصية بين المتن الروائي المدروس، وبين نصوص سابقة، بهدف الحصول إلى معرفة الكيفية التي ظهرت وفقها التعالقات النصية في المتن الروائي المدروس. ثم الانتقال إلى تناول «الصوت السردي»، المتعلق بالسارد، لما له من أهمية في تقديم الحكاية، بوصفه صوت المؤلف الضمني للرواية، والذي لولا وجوده لتعذر فعل الحكي، ووجود الحكاية، حيث يتضح أن السرد والسارد هما جوهر العمل الروائي، فحاولت المؤلفة أن تقترب من ثلاث علامات فارقة في «الصوت السردي»، تتمثل في ضمائر السرد، وعدد الرواة الذين يقومون بالسرد، والتبئير في السرد، وقياس مدى مصداقية السارد. وهي محاور أساسية بحثت في مسألة «الصوت السردي»، انطلاقاً من فرضية تستقصي مدى إتقان السارد للعناصر السابقة، إذ كلما أجاد السارد فيها، كلما زادت علامة جودة المتن الروائي. صور العنف وتجلت في المتون الحكائية المدروسة كثير من صور العنف السياسي، توزعت بين صورة المتطرف وصورة السياسي وصورة المثقف ورجال الدين والعامل العادي البسيط، وصولاً إلى المرأة والطفل. وهي صور تحمل بين طياتها العديد من الدلالات، التي تستحق الدراسة والتحليل. وقد عني الروائيون بالحديث بإسهاب عن المتطرف من منظورهم الخاص، بوصفهم فئة من فئات المجتمع، التي تعرضت للعنف بصفة عامة، ومثقفين استهدفوا من قبل الإرهابيين بصفة خاصة.

وترى المؤلفة أن ما يميز الروايات، موضع الدراسة، أنها تماهت مع الواقع بشفافية تامة. كما تشاطرت الرواية باعتبارها فناً أدبياً مع بقية العلوم الإنسانية، بالنظر إليها وبتقييمها من زوايا نظر متعددة، أدانت الأفعال الإجرامية الشنيعة بقوة كما التمست في بحث الأسباب، والدوافع الخفية، فأدانوا التاريخ والظروف الخارجية والداخلية لنشوء العنف.

ولا شك في أن للعنف تجليات عديدة، بدأت من أبسط الأشياء حتى أكبرها، مشكلة لوحة متعددة الأطراف، لوحة تصور مأساة الإنسان الجزائري، وأثر الإرهاب عليه، فماتت وتعطلت لغة الحياة الطبيعية لتحل محلها لغة الموت والفناء، لغة لا تحمل من المعاني الإنسانية سوى الخوف والحذر وموت القيم الجميلة، في فضاء نصي شاحب رمادي كئيب. وقد برهن ذلك على مقدرة الكاتب الجزائري على رسم صورة كاريكاتورية ساخرة من الواقع، من خلال توظيف أشياء العالم الخارجي بطريقة مثيرة ومدهشة، تجعل القارئ يتماهى مع النصوص ليدين العنف بكل صوره وأشكاله.

وتتناول المؤلفة تقنيات السرد، بوصفها عناصر الأساسية لأي عمل سردي، من خلال البحث في ثلاثة من العناصر السردية التي شكلت ملمحاً سردياً في الروايات موضع الدراسة، تتمثل في مسألة العنونة، والتناص، والصوت السردي، حيث لا تعدّ هذه العناصر وحدها الملمح الأساسي في الروايات المدروسة، لكن جرى انتقاؤها بناء على ضوابط معينة، تتجسد في أن حيز الأطروحة لا يسمح بأن يتطرق إلى جميع مكونات السرد في الأعمال المدروسة. وفي أن كلاً من، مسألة العنونة والتناص والصوت السردي، شكلت علامات فارقة ومميزة للأعمال المدروسة، حيث أخذت مسألة العنونة حيزاً كبيراً من اهتمام المبدعين الجزائريين، وكانت عناوين الأعمال الأدبية علامات بارزة في إنتاج الكثير من الدلالات التي تجعل من القارئ، يعطيها الكثير من تأويلاته. كما أن التعالق النصي شكل مكوناً أساسياً في بناء الأعمال الروائية، حيث اتخذت الروايات من التناص مع التاريخ العربي الإسلامي مرجعية، حاولت من خالها فهم ما يحدث في الراهن الجزائري. وكذلك لا يمكن تجاوز الصوت السردي في التناول؛ نظراً لأثره الكبير في الروايات، حيث يمكن أن يكون السارد إحدى الشخصيات الأساسية، وأحياناً قد يكون متخفياً وغير واضح المعالم، وهو الذي يخبر القراء بالأحداث، إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وإما بتقنية مألوفة أو غير مألوفة، وبراعة السارد في عرض الأحداث خير دليل على براعة وحذاقة مؤلف هذا العمل دون ذاك.




* عن "السفير" اللبنانية

ـ صور العنف في الرواية الجزائرية المعاصرة، سعاد عبد الله العنزي، دار الفراشة، الكويت، 2010.
رد مع اقتباس