عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم June 7, 2017, 05:43 PM
 
حرية العقيدة في المبدأ الراسمالي

حرية العقيدة في المبدأ الراسمالي


نشأت فكرة الحريات ومنها حرية العقيدة مع نشوء المبدأ الراسمالي , وذلك نتيجة للظلم الذي مارسه الملوك والقياصرة في أوروبا وروسيا على الناس مستغلين الدين ورجال الدين مطية لاستعباد الناس واخضاعهم لسيطرتهم .

فثار الفلاسفة والمفكرون وأثاروا الناس من حولهم ضد الدين ورجاله, الذي رأوا فيهما العائق من تقدم الانسان ونهضته , وانه يحول بينه وبين التحرر والابداع .
والانسان لا يمكن ان يتقدم في الحياة وينعم بالسعادة والطمأنينه الا اذا نال هذه الحرية .
فكان ذلك الصراع بين الملوك والقياصرة ورجال الدين من جهة , الذين كانوا يطالبون باخضاع الحياة للدين , وبين المفكرين والفلاسفة الذين رأوا الدين اساس المشكلة .

ودارت بينهم مجادلات محتدمة عن وجود الخالق وعن علاقته بهذه الحياة , فأنكر بعض الفلاسفة والمفكرين هذه الفكرة , وأسفر هذا الصراع عن حل وسط قائم على فصل الدين عن الحياة , فالحياة وأنظمتها يتولاها الناس والسلطة الزمانية ممثلة بالدولة , والدين وشؤونه يتولاه رجال الدين والسلطة الروحية بعيد عن الحياة وأنظمتها .
أما مسألة العقيدة وهل هنالك خالقا ً أم لا وما علاقته بالأنسان , فهذه مسألة فردية تخص الفرد بعينه , وقد أعطوا هذا الفرد الحرية في اختيار العقيدة التي يريد . فنشأت بذلك حرية العقيدة في المبدأ الرأسمالي .
إذا فالمبدأ الرأسمالي اعترف ضمنا ً بوجود الخالق عندما نادى بفصل الدين عن الحياة , بمعنى ان هنالك خالقا ولكن يجب قطع العلاقة معه وأنه ليس له دخل في وضع أنظمة الحياة .
وبهذا المفهوم عالجت الرأسمالية فكرة وجود الخالق , ووضعت الاساس الذي قامت عليه وبنت عليه نهضتها .
وبالتدقيق في هذا الاساس الذي قام عليه الرأسمالي يتبين خطأ معالجة الرأسمالية لمسألة العقيدة وذلك من خلال :
1- ان مسألة العقيدة هي مسالة مصيرية للانسان , فهي التي تحدد له سبب وجوده في الحياة والغاية من وجوده , وما هو مصيره . فهي أساس الحياة وحجر الزاوية فيها .
فالحياة التي يعيشها الانسان ويحس بها من خلال ما هو موجود من حوله هل هنالك خالقا ً خلقها أم وجدة من تلقاء نفسها ؟

هذا هو السؤال الأساسي المصيري , الذي تحدد الاجابة عليه حياة الانسان ومصيره .
فالمبدأ الرأسمالي هرب من الاجابة على هذا السؤال واختار عدم الاجابة عليه .فهل الهروب من حل المشكلة هو الحل الصحيح لها ؟
2- ان الحل الذي قدمه المبدأ الرأسمالي لهذا السؤال المصيري قائم على الجمع بين النقيضين .
فالمسألة اما ان يكون هنالك خالق ولا بد من وجود علاقة معه , او عدم وجود خالق وبالتالي ليست هناك علاقة . وهذان أمران متناقضان , فكيف يمكن الجمع بينهما ؟
فالحل الوسط الذي قدمه المبدأ الرأسمالي بفصل الدين عن الحياة هو جمع بين نقيضين تأبى العقول السليمة القبول به لاستحالته .
3- تعامل المبدأ الرأسمالي مع مسألة العقيدة على انها مسألة فردية تخص الفرد وحده ويختار العقيدة التي يشاء .
وهذه مغالطة مقصودة لصرف الابصار عن نور الحقيقة . وذلك لان الفرد لا يمكن ان ينفصل عن الجماعة فهو فرد منها , فكيف يعالج مسالة اساسية مصيرية بعيدا ً عن كونه فردا ً من جماعة . فما تحتاجه الجماعة يحتاجه هو كفرد , وما يحتاج اليه كفرد يشارك الجماعة به . ومسألة العلاقة بالخالق لا تخصه هو فقط كفرد بل هي مما يحتاجه الجميع , فهل يحتاج الفرد بصفته الفردية لخالق يدبر أمره , وتستغني الجماعة عن هذا الخالق !!!!!! هذا لعمري عين المغالطة .

4- لو سلمنا جدلا ً ان للانسان حرية العقيدة , واختار هذا الانسان عقيدة قائمة على ان للحياة خالق خلقها وهو الذي يدبر جميع شؤونها . فماذا يفعل الانسان حينها ؟

هل يتبع عقيدته التي تفرض وجود علاقة مع خالقها ؟ أم يتبع المبدأ الرأسمالي القائم على قطع هذه العلاقة ؟
5- ان واقع الانسان يقر بأته مهما سمى في تفكيره ونبغ في عبقريته فإنه لا يستطيع ان يضع نظاما ً صحيحا ً لحياته وذلك لعجزه وعدم إحاطته بجميع مشاكل الحياة .

فعجزه هذا يفرض انه محتاج لخالقه , فلا بد من وجود علاقة معه , وهذا ما تنفيه الرأسمالية لا لشئ الا للهروب من حل المشكلة وعدم البحث عن الحل الصحيح لها . وهذا استخفاف بكيفية معالجة القضايا المصيرية ووضع اساس متين للحياة .

6- لم يقم المبدأ الرأسمالي أي دليل على عقيدته هذه , واكتفى بقطع العلاقة مع الخالق . فهل يقبل عقل سليم أن يسلم لفكره أين كانت علاوة على كونها فكرة اساسية مصيرية دون دليل يبرهن على صحتها ؟
7- لم يراع المبدأ الرأسمالي فطرة الانسان , فالأنسان يشعر طبيعيا ً بأنه عاجز وناقص ومحدود ومحتاج , فهو بفطرته هذه يشعر بوجود خالقا ً له وانه محتاج اليه .
فالرأسمالية لم تراع هذا الجانب الفطري في الانسان , بل تنكرت له ولم تأخذه بالحسبان بل حصرته بالناحية الفردية . وكأن احتياج الانسان للخالق يقتصر على أداء بعض الطقوس والشعائر الفردية , وتغافلت عن شعور الانسان بالحاجة الى الخالق ليدبر له جميع شؤون حياته .
8- ان قصور الدين النصراني عن وضع علاج شامل لجميع شؤون الحياة واستغلال ملوك اوروبا وقياصرتها له لا يعني ان ذلك يعم ليشمل كل دين .
فالاسلام دين مبني على العقل موافق للفطرة اعطى الاجابة الصحيحة عن اساس الحياة عندما اقر بوجود الخالق ووجوب تسيير انظمة الحياة بما جاء به الوحي من نظام الهي . وقد نصب من الادلة والبراهين القاطعة على صحة هذه العقيدة .

من خلال هذه النقاط وغيرها الكثير يبرز خطأ المبدأ الرأسمالي في أساسه وخطأ حرية العقيدة التي ينادي بها .
بل ان فكرة حرية العقيدة وغيرها من الحريات هي فكرة خيالية يستحيل تطبيقها في الواقع, وما تقوم به الدول الغربية الرأسمالية وعلى رأسها أمريكا من محاربة الدين الاسلامي ومنعه من اقامة دولته وصد الناس عنه بإلصاق تهمة الارهاب به دليل على عدم وجود فكرة حرية العقيدة عند اصحاب هذا المبدأ نفسه .
بالاضافة الى ذلك فإن تطبيق المبدأ الرأسمالي في المجتمعات الغربية وصرف الناس عن اساس الحياة الاول وهو وجود خالق لهذه الحياة , حول حياة الناس في تلك المجتمعات الى جحيم لا يطاق حيث اصبحت الحياة عبارة عن مصالح مادية بحته لا بقاء فيها الا للاقوياء أما الضعفاء والفقراء فقد اصطلوا بنار الظلم والحرمان .
وما تعانيه المجتمعات الغربية من خواء روحي واضطراب نفسي وتفسخ في علاقات الافراد في المجتمع ومن انحلال وفساد واحتكار واستغلال لهو خير دليل على فساد هذا المبدأ وفساد فكرة الحرية فيه .

وهذا الامر هو ما دفع الكثير من أفراد تلك المجتمعات للبحث عن العقيدة الصحيحة التي وجدوها في العقيدة الاسلامية , فأقبلوا على اعتناقه بالالاف , مما شكل مشكلة للقائمين على ذلك المبدأ , فلجأوا الى محاربة الاسلام بكافة الأساليب الشيطانية ليحولوا دون اعتناق افراد مجتمعاتهم للاسلام .بل وللحيلولة دون عودة الاسلام كمبدأ عالمي يضع العلاج الصحيح لما تعانيه البشرية جمعاء من مشاكل .

يقول الحق سبحانه وتعالى :" الا له الخلق والامر " هذا هو اساس المبدأ الاسلامي . فالله هو سبحانه الخالق وله وحده الامر والنهي ووضع النظام الصحيح للبشر .

وعندما تعود الامور الى مجراها السليم وتوضع في نصابها الصحيح بقيام دولة الاسلام التي تطبق المبدأ الالهي حينها سيدرك الجميع صحة هذا المبدأ وصحة عقيدته , وحينها يقبلوا على اعتناقه من كل فج وصوب . وصدق الله العظيم القائل :" اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا "
رد مع اقتباس