عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم April 24, 2017, 05:03 PM
 
مفهوم النظام الاجتماعي

مفهوم النظام الاجتماعي


يتجاوز الكثيرون من الناس فيطلقون على جميع أنظمة الحياة اسم (النظام الاجتماعي) وهذا إطلاق خاطئ.
لأن أنظمة الحياة أولى أن يطلق عليها (أنظمة المجتمع) ، إذ هي في حقيقتها أنظمة المجتمع، لأنها تنظم
العلاقات التي تقوم بين الناس الذين يعيشون في مجتمع معين، بغضّ النظر عن اجتماعهم أو تفرقهم.

والاجتماع لا يلاحظ فيها وإنما تلاحظ العلاقات فحسب، ومن هنا كانت متعددة ومختلفة بحسب تعدد العلاقات
واختلافها، وهي تشمل الاقتصاد، والحكم، والسياسة، والتعليم، والعقوبات، والمعاملات، والبيّنات وغير ذلك.

فإطلاق (النظام الاجتماعي) عليها لا وجه له، ولا ينطبق عليها. وعلاوة على ذلك فإن كلمة (الاجتماعي)
صفة للنظام، فلا بد أن يكون هذا النظام موضوعاً لتنظيم المشاكل التي تنشأ عن الاجتماع، أو للعلاقات
الناشئة عن الاجتماع. واجتماع الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، لا يحتاج إلى نظام لأنه لا تنشأ عنه مشاكل،
ولا تنشأ عنه علاقات تحتاج إلى نظام.

وإنما يحتاج تنظيم المصالح بينهما إلى نظام، من حيث كونهم يعيشون في بلاد واحدة ولو لم يجتمعوا.
أما اجتماع الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، فإنه هو الذي تنشأ عنه مشاكل تحتاج إلى تنظيم بنظام، وتنشأ
عنه علاقات تحتاج إلى التنظيم بنظام، فكان هذا الاجتماع الأولى بأن يطلق عليه النظام الاجتماعي لأنه في
حقيقته ينظم الاجتماع بين الرجل والمرأة، وينظم العلاقات التي تنشأ عن هذا الاجتماع.

ولذلك كان النظام الاجتماعي محصوراً في النظام الذي يُبيِّن تنظيم اجتماع المرأة بالرجل والرجل بالمرأة،
وينظم علاقة المرأة بالرجل والرجل بالمرأة الناشئة عن اجتماعهما، لا عن مصالحهما في المجتمع، ويبيِّن
كل ما يتفرع عن هذه العلاقة. فتجارة المرأة مع الرجل والرجل مع المرأة هي من أنظمة المجتمع، لا من
النظام الاجتماعي. لأنها تدخل في النظام الاقتصادي.

أما منع الخلوة بين الرجل والمرأة، أو متى تملك المرأة طلاق نفسها، أو متى يكون للمرأة حق حضانة الصغير،
فإن ذلك كله من النظام الاجتماعي. وعلى ذلك يكون تعريف النظام الاجتماعي هو: النظام الذي ينظم اجتماع
المرأة بالرجل، والرجل بالمرأة، وينظم العلاقة التي تنشأ بينهما عن اجتماعهما، وكل ما يتفرع عن هذه العلاقة.

وقد اضطرب فهم الناس ولا سيما المسلمين للنظام الاجتماعي في الإسلام اضطراباً عظيماً، وبعدوا في
هذا الفهم عن حقيقة الإسلام ببعدهم عن أفكاره وأحكامه، وكانوا بين مفرِّط كل التفريط، يرى من حق المرأة
أن تخلو بالرجل كما تشاء وأن تخرج كاشفة العورة باللباس الذي تهواه. وبين مفرط كل الإفراط لا يرى من حق
المرأة أن تزاول التجارة أو الزراعة، ولا أن تجتمع بالرجال مطلقاً، ويرى أن جميع بدن المرأة عورة بما في ذلك
وجهها وكفاها. وكان من جراء هذا الإفراط والتفريط انهيار في الخلق، وجمود في التفكير، نتج عنهما تصدع الناحية
الاجتماعية وقلق الأسرة الإسلامية وغلبة روح التذمر والتأفّف على أعضائها، وكثرة المنازعات والشقاق
بين أفرادها.

وصار الشعور بالحاجة إلى جمع شمل الأسرة، وضمان سعادتها يملأ نفوس جميع المسلمين.
وصار البحث عن علاج لهذه المشكلة الخطيرة يشغل بال الكثيرين، وصارت المحاولات المختلفة تظهر أنواعاً
متعددة لوضع هذا العلاج.
فوضعت المؤلفات التي تبين العلاج الاجتماعي، وأدخلت التعديلات على قوانين المحاكم الشرعية، وأنظمة
الانتخابات. وحاول الكثيرون تطبيق آرائهم على أهليهم من زوجات وأخوات وبنات. وأدخلت على أنظمة
المدارس تعديلات من حيث اختلاط الذكور بالإناث. وهكذا ظهرت هذه المحاولات بهذه المظاهر وأمثالها.

ولكن جميع أولئك وهؤلاء لم يوفقوا إلى العلاج، ولم يهتدوا إلى النظام، ولم يجدوا إلى ما يحسونه من إصلاح
أي سبيل. لأنه قد عمي على معظم المسلمين أمر علاقة الجنسين: المرأة والرجل. وصاروا لا يعرفون
الطريقة التي يتعاون فيها هذان الجنسان، حتى يكون صلاح الأمّة من هذا التعاون، وقد جهلوا أفكار الإسلام
وأحكامه التي تتعلق باجتماع الرجل بالمرأة جهلاً تاماً، مما جعلهم يتناقشون ويتجادلون فيما هو حول طريقة
العلاج، ويبعدون عن دراسة حقيقتها، حتى ازداد القلق والاضطراب من جراء محاولاتهم، وصارت في المجتمع
هوة يخشى منها على كيان الأمّة الإسلامية، بوصفها أمّة متميزة بخصائصها. ويخشى على البيت الإسلامي
أن يفقد طابع الإسلام، وعلى الأسرة الإسلامية أن تفقد استنارة أفكار الإسلام وتبعد عن تقدير أحكامه وآرائه.
رد مع اقتباس