الموضوع: المرأة والرجل
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم April 17, 2017, 09:45 PM
 
رد: المرأة والرجل

ومن هنا كان لا بد من إيجاد مفهوم معين عند الإنسان عن غريزة النوع، وعن الغرض من وجودها في الإنسان، يكوّن عنده نظرة خاصة إلى ما خلقه الله في الإنسان من غريزة النوع، بحيث يحصرها في صلة الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل. ويكوّن عنده نظرة خاصة إلى ما بين الرجل والمرأة من صلات الذكورة والأنوثة، أو بعبارة أخرى الصلات الجنسية، بحيث تنصب على القصد الذي من أجله وجدت وهو بقاء النوع. وبهذه النظرة يتحقق إشباع الغريزة، ويتحقق الغرض الذي من أجله وجدت، وتتحقق الطمأنينة للجماعة التي تأخذ هذا المفهوم، وتوجد لديها هذه النظرة الخاصة.

وكان لا بد أيضاً من تغيير نظرة الجماعة -أي جماعة- من بني الإنسان إلى ما بين الرجل والمرأة من صلات الذكورة والأنوثة أو بعبارة أخرى الصلات الجنسية، من نظرة مسلطة على اللذة والتمتع، إلى جعل هذه اللذة والتمتع أمراً طبيعياً وحتمياً للإشباع. وجعل النظرة منصبة على الغرض الذي من أجله كانت هذه الغريزة. وهذه النظرة تبقي غريزة النوع وتصرفها في وجهها الصحيح الذي خلقت له، ويفسح المجال للإنسان ليقوم بجميع الأعمال، ويتفرغ لجميع الأمور التي تسعده.


ولهذا كان لا بد للإنسان من مفهوم عن إشباع غريزة النوع، وعن الغاية من وجودها، وكان لا بد أن يكون للجماعة الإنسانية نظام يمحو من النفوس تسلط فكرة الاجتماع الجنسي واعتبارها وحدها المتغلبة على كل اعتبار، ويبقي صلات التعاون بين الرجل والمرأة. لأنه لا صلاح للجماعة إلا بتعاونهما، باعتبار أنهما أخوان متضامنان تضامن مودّة ورحمة.

ولذلك لا بد من التأكيد على تغيير نظرة الجماعة إلى ما بين الرجل والمرأة من صلات تغييراً تاماً يزيل تسلط مفاهيم الاجتماع الجنسي، ويجعلها أمراً طبيعياً وحتمياً للإشباع، ويزيل حصر هذه الصلة باللذة والتمتع، ويجعلها نظرة تستهدف مصلحة الجماعة، لا نظرة الذكورة والأنوثة. ويسيطر عليها تقوى الله لا حب التمتع والشهوات. نظرة لا تنكر على الإنسان استمتاعه باللذة الجنسية، ولكنها تجعله استمتاعاً مشروعاً، محققاً بقاء النوع، متفقاً مع المثل الأعلى للمسلم، وهو رضوان الله تعالى.

وقد جاءت آيات القرآن منصبَّة على الناحية الزوجية، أي على الغرض الذي كانت من أجله غريزة النوع. فجاءت الآيات مبينة أن الخلق للغريزة من أصله إنما كان للزوجية أي لبقاء النوع، أي أن الغريزة إنما خلقها الله للزوجية. وقد بينت ذلك بأساليب مختلفة، ومعانٍ متعددة، لتجعل نظرة الجماعة إلى صلات المرأة بالرجل نظرة مسلطة على الزوجية، لا على الاجتماع الجنسي، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء:1) و

قال: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } (لأعراف:189)

وقال: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } (الرعد: من الآية38) وقال: { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } (النحل: من الآية72

وقال: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } (الروم: من الآية21)

وقال: { فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } (الشورى: من الآية11) وقال: { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } { مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } (لنجم:46)

وقال: { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } (النبأ:8) .

فالله سلط الخلق على الذكر والأنثى من ناحية الزوجية، وكرر ذلك حتى تظل النظرة إلى الصلات بين الذكر والأنثى منصبة على الزوجية أي على النسل لبقاء النوع.
رد مع اقتباس