عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم April 17, 2017, 07:59 PM
 
رد: تحميل الرواية السريانية للفتوحات الإسلامية - تيسير خلف - جودة عالية - مجلة الابتسامة p



«الرواية السريانية للفتوحات الإسلامية» قراءة مغايرة

2016/04/1

حربي محسن عبد الله :


في كتابه (الرواية السريانية للفتـوحــات الإســــلامية)، منشـــورات» دار التكوين- دمشق، يسلط تيسير خلف الضوء على الفتوحات الإسلامية لكن برواية تختلف عما عهدناه سابقاً.
فالرواية السريانية حيادية إلى حد ما بين الروايتين، الإسلامية بمختلف تشعباتها والرواية البيزنطية المقتضبة. كما يؤكد المؤلف، فالرواية السريانية تحظى بكم كبير من المصداقية لكونها ابنة زمنها. لكنها وكغيرها من المؤلفات التي عنيت بالأحداث العظمى في تاريخ البشرية جمعاء، كانت تعاني مشكلة أساسية، وهي اعتمادها على روايات شفهية متعددة، تم تدوينها بعد أكثر من قرنين من وقوعها، وهو ما خلق بعض الاضطراب في تسلسل الأحداث، ووجود أكثر من رواية في أي كتاب من كتب الفتوحات نفسه يناقض بعضها بعضاً، إضافة إلى تدخل الميول السياسية والمذهبية والأهواء في بعض هذه الروايات. ثمة ملاحظة أولية لا بد من التوقف عندها يذكرها المؤلف في توضيح له في أول الكتاب وهي أن الكثير من الوقائع مؤرخة بالتاريخ اليوناني وهو الذي يعتمده السريان في التقويم، ويسمى تقويم الاسكندر أو التقويم السرياني أو التقويم اليوناني أو تأريخ ذي القرنين؛ ويبدأ هذا التقويم يوم الاثنين الأول من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 312 ق.م، فهو متقدم على التاريخ الميلادي 311 سنة وثلاثة أشهر.
أما مشكلة الروايات السريانية فهي أنها تعاني الخلط في الطبوغرافيا، خصوصاً تلك المتعلقة بجنوب بلاد الشام،ـ مع تنبيه المؤلف إلى أن الباحث المدقق يلحظ الخلط في هذا الجانب، مع أنه من السهل تصويبه بالاعتماد على المصادر الأخرى، وهو خلط يمكن تفهمه من رواة تبدو علاقتهم بجغرافية جنوب سورية ضحلة مقارنة مع علاقتهم بجغرافية شمال سورية التي هي موطن الرواة المتعددين،إضافة إلى مشكلة أخرى هي التركيز على موضوعة العقاب الإلهي الذي حلّ بمضطهدي السريان بكلا الفريقين البيزنطيين والفرس على حد سواء. فالكثير من الوقائع التاريخية التي تم توثيقها انطلقت من هذه القاعدة، أي الانتقام الإلهي، والتسليم بالروايات السابقة بوصفها روايات لا يرقى إليها الشك، والاستطراد في الحديث عن الخوارق والمعجزات، وهي مشكلات كانت تعانيها جميع كتب التاريخ في الحقبة البيزنطية، سواء منها السريانية أو اليونانية أو اللاتينية. لقد كان الوازع الديني هو المحرّض الأساس للكثير من الرواة السريان.
رغم ذلك فقد شكلت الروايات السريانية مصدراً مهماً للكثير من المؤرخين العرب والأرمن. يشير الكتاب إلى أن التأثيرات السريانية واضحة في تاريخ الطبري، وكذلك في مؤلفات المسعودي، إضافة إلى كتب التاريخ الأرمني المعروفة التي أشار إليها أكثر من باحث، ولأن السريان عاشوا على تخوم الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية، وكانت بلادهم مسرح صراع بين الأكاسرة والقياصرة، وعانوا الويلات من كلا الجانبين، وتوفرت لهم فرصة الاطلاع على تفاصيل الحياة البيزنطية والفارسية على حد سواء، بما في ذلك حياة القصور. كذلك نجد حياة البلاط الفارسي موجودة بتفاصيلها في الرواية السريانية. كما انفردتْ برواية الكثير من الأخبار التي لا ترد في أي مصادر أخرى، منها تفاصيل مهمة عن سير المعارك في فتوحات العرب المسلمين، فقد استقبل السريان العرب بوصفهم مخلصين من الاضطهاد اليوناني ولذلك أطلقوا على أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب لقب «فاروقو» أي المخلّص وهو أحد ألقاب السيد المسيح، من هنا يأتي تحليل الكاتب لموقع الراوي السرياني وميوله الذي بيّن أن روايته لأخبار الفتوح الإسلامية أصيلة، لم تتأثر بالروايات الأخرى، سواء منها العربية الإسلامية أو البيزنطية اليونانية، بل ظلت الرواية منسجمة مع التصور السرياني الديني للعقاب الإلهي المحتوم على محوري عقيدة (الإيمان القويم). ولذلك ركزت الرواية السريانية على القصص والأخبار التي تمثل عبرة لمن يعتبر مهما كانت قيمتها التاريخية ضئيلة، في حين كان هدف التوثيق التاريخي يأتي بالدرجة الثانية ومن زاوية خدمة المقولة الدينية. أما موقف السريان من المسلمين فقد تأرجح بين التأييد المطلق والقليل من التحفظ على بعض المواقف، وخصوصاً خلال فترة الفتوحات في أنطاكيا والجزيرة الفراتية وقيليقيا.
من الجدير ذكره أن الروايات السريانية متوزعة في تاريخ ميخائيل الكبير الذي عده المؤلف المصدر الأكثر أماناً واطمئناناً بالنسبة له فيما يتعلق بالرواية المتعلقة بالفتوح الإسلامية، نظراً لعدم وجود أي تأثير من تأثيرات المراجع العربية الإسلامية وغيرها عليه، ولأنه أشار في معرض اقتباساته إلى المصادر التي نقل عنها، وإلى المصادر التي حفظها كما هي، وعلى الخصوص تاريخ التلمحري الذي نجزم بأنه حفظ معظمه من الضياع إضافة إلى تاريخ الرهاوي المجهول، وهو يضم المعلومات نفسها التي يذكرها المؤرخ ميخائيل الكبير، ولكن مشكلة كتاب الرهاوي المجهول، تعاني من تدخل الرواية العربية الإسلامية التي استفاد منها الرهاوي في سد بعض الثغرات التي تعانيها الرواية السريانية، ثم تاريخ ابن العبري المسمى تاريخ الأزمان، والجزء المتعلق بالفتوحات الإسلامية وهو غير مترجم للعربية ومازال بلغته السريانية، والأمر نفسه يمكن أن يقال عنه فيما يتعلق بتأثره بالمصادر العربية الإسلامية وتاريخ الزوقنيني المنحول لديونيسيوس التلمحري، فهذا الكتاب إضافة إلى اختصار فقراته المتعلقة بفترة الفتوح الإسلامية، فإنه يعاني اضطراباً كبيراً في التواريخ لا يمكن الركون إليه بأي شكل من الأشكال، غير أن أهميته تزداد عند تناوله للفترتين الأموية والعباسية نظراً لأنه ينقل الأحداث بصفته شاهد عيان. في خاتمة الكتاب يذكر المؤلف أن وجهة النظر السريانية من وقائع الفتوح انتقلت في عهد معاوية ابن أبي سفيان إلى داخل المعسكر الإسلامي، بعد أن كانت في الفتوح المبكرة من داخل المعسكر البيزنطي، وهو ما دل دلالة معبرة على إشراك السريان في جيوش الفتح الإسلامي خلال عهد معاوية، بعد أن كانوا ضمن جيوش البيزنطيين في الفتوح المبكرة. وهذه الملاحظة بالذات أعطت للرواية السريانية مصداقية كبيرة من شأنها أن تكمل بعض الروايات الإسلامية وتدعم بعضها وتصوب البعض الآخر.
رد مع اقتباس