الموضوع: السلام عليكم
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم January 31, 2016, 09:04 PM
 
Smile رد: السلام عليكم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

للأسف ليس الكتاب متاحا حاليا
ولكن وجدت لكِ عرض مفيد لهذا الكتاب


نهضة اليابان

(ثورة المايجي إيشين)

دراسات وأبحاث في التجربة الإنمائية اليابانية
الجذور التاريخية والأيديولوجية والحضارية لهذه النهضة

تحرير: ناغاي ميتشيو و ميغال أوروتشيا

ترجمة: نديم عبده وفواز خوري

أشرف على الطبعة العربية: أنطوان بطرس


تقديم: هشام الشرابي

صدر هذا الكتاب بالتعاون بين: مركز بحوث التجربة الإنمائية اليابانية/بيروت
و جامعة الأمم المتحدة/طوكيو

الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر/بيروت

حجم الكتاب: 345 صفحة من الحجم (أكبر من المتوسط)

محتويات الكتاب:

توطئة
مقدمة الطبعة الإنجليزية
مقدمة الطبعة العربية

القسم الأول: المايجي إيشين: المنظور العام

الفصل الأول: المايجي إيشين: الخلفية السياسية
تقديم: ماريوس ب. جانسن/ جامعة برنستون/ نيوجرسي

الفصل الثاني: ثورة المايجي وتحديث اليابان
تقديم: كووابارا تاكيو/ جامعة كيوتو/ اليابان

الفصل الثالث: الاستقلال والتحديث في القرن التاسع عشر
تقديم: توياما شيجيكي/محفوظات يوكوهاما التاريخية/ اليابان

الفصل الرابع: المايجي إيشين: ثورة بورجوازية غير مكتملة
تقديم: إيغور لاتشييف/ أكاديمية العلوم في موسكو

الفصل الخامس: معنى التغييرات الثورية
تقديم: بيوتر فيدوسيف/ أكاديمية العلوم في موسكو

القسم الثاني: البيئة الدولية

الفصل السادس: تحديث اليابان من منظور العلاقات الدولية
تقديم: شيباهارا تاكوجي/ جامعة ناغويا/ اليابان

الفصل السابع: العلاقات الدولية عشية المايجي إيشين
تقديم: وان فنغ/ الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية/بكين

القسم الثالث: السياسات والشخصية

الفصل الثامن: الوعي المفاهيمي في المايجي إيشين
تقديم: ناجيتا تتسوووه/ جامعة شيكاغو/ الولايات المتحدة

القسم الرابع: الثقافة

الفصل التاسع: المايجي: ثورة ثقافية
تقديم: فرانك ب. غيبني/ شركة دائرة المعارف البريطانية

الفصل العاشر: الوقع على الثقافة الشعبية
تقديم: إيروكاوا دايكيشي/ معهد طوكيو للاقتصاد ـ اليابان

الفصل الحادي عشر: دور الأدب في إنماء الثقافة
تقديم: لاريسا ج. فيدوسييفا/ أكاديمية العلوم في موسكو

القسم الخامس: تاريخ الفكر والتربية

الفصل الثاني عشر: التربية في أوائل فترة المايجي
تقديم: ناغاي ميتشيو/ جامعة الأمم المتحدة/طوكيو

الفصل الثالث عشر: المعرفة الغربية والمايجي إيشين
تقديم: لو وان هي/ أكاديمية تيانجين للعلوم الاجتماعية/الصين

الفصل الرابع عشر: ثورة المايجي التي لم تكتمل في التاريخ العقلاني
تقديم: تاكيدا كيوكو/ الجامعة المسيحية العالمية/طوكيو

القسم السادس: المجتمع والاقتصاد والتكنولوجيا

الفصل الخامس عشر: التاريخ الاقتصادي لفترة الإعادة
تقديم: نيشيكاوا شونساكو و سايتو أوسامو/ جامعة كييو وجامعة هيتو تسوباشي/ طوكيو

الفصل السادس عشر: الإعادة وتاريخ التكنولوجيا
تقديم: يوشيدا ميتسوكوني/ جامعة كيوتو/ اليابان

الفصل السابع عشر: من انتقال التكنولوجيا الى الاستقلال التكنولوجي
تقديم: هاياشي تاكيشي/ معهد الاقتصاديات النامية ـ طوكيو

توطئة

في العام 1868 وبعد 215 عاما من عزلة اختيارية متعمدة في عصر الإقطاع، ومن ثم قرارها الدخول في عصرٍ جديد، شهدت اليابان تجربة لعلها من التجارب الاستثنائية في تاريخ البشر. فقد تفجرت الطاقات اليابانية على العالم الخارجي ملتهمة في طريقها كل ما كان يجري في العالم أو حتى ما كان يعتمل في الفكر البشري، وكانت تلك عملية أشبه بتحطيم زجاج غرفة مضغوطة وإفلات الطاقات من عقالها، على حد تعبير الكاتب الإنجليزي (آرثر كوستلر).

وخلال عقدين من الزمن، ولربما أقل، استطاع المصلحون في عهد المايجي أن يرموا جانباً قروناً من المسلمات، وأن يحلوا محلها أفكاراً وتصورات جديدة.

وها نحن اليوم ـ بعد أكثر من مائة وأربعين عاماً من نجاح التجربة اليابانية في التحديث وصعود اليابان الى مصاف الدول العظمى، وخاصة في الميادين الاقتصادية والصناعية والمعلوماتية ـ عاجزون عن الإتيان بمثال آخر موازٍ له. وبلغ من سرعة وروعة هذا التطور، أن علماء التاريخ والاجتماع ما زالوا عاجزين عن الاتفاق حول حقيقة ما جرى في اليابان.

وتشكل بحوث الكتاب ـ الذي بين أيدينا ـ وهو حصيلة مؤتمر دولي انعقد بهدف تقويم الحدث الهام في تاريخ اليابان وتجربتها في التحديث، مجموعة لمختلف نواحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية التي تواجه بلداً يسعى الى النمو. والمصاعب التي واجهها كما قام بتحليلها خبراء ينتمون الى عقائد سياسية مختلفة. ومن هنا أهميته وتكامله، وأن تعميمه سوف يشكل مساهمة هامة في ميدان الجدل الفكري الدائر حول مصاعب التنمية في منطقتنا العربية.

نسأل الله أن يوفقنا في تقديمه بشكل يساعد القارئ والمتصفح العربي لأخذ الفائدة.

مقدمة الطبعة العربية

كتب هذه المقدمة المفكر العربي الراحل: هشام شرابي أستاذ التاريخ في جامعة جورج تاون الأمريكية

في منتصف القرن التاسع عشر حدثت في اليابان (ثورة المايجي) التي كان لها أكبر الأثر ليس في تاريخ اليابان فحسب بل أيضاً، كما بينت أحداث القرن العشرين في تاريخ العالم بأكمله. من جراء هذه (الثورة) تحولت اليابان بظرف فترة لا تتجاوز حياة جيل. من مجتمع زراعي إقطاعي محافظ الى دولة عصرية صناعية حديثة. وأصبحت في النصف الأول من القرن العشرين قوة عسكرية كبرى، ثم بعد الحرب العالمية الثانية، قوة اقتصادية عظمى لا تجاريها سوى الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية.

حتى سنة 1866 عاشت اليابان في أحضان نظام إقطاعي كامل وحضارة يابانية خالصة في انقطاع تام عن العالم الخارجي. وفجأة، حدث التغير الداخلي، حدث بشكل عز نظيره في تاريخ الأمم، إذ قامت قيادة جديدة استلمت السلطة دون إراقة دماء وأعادت مركز الإمبراطور وقررت إنهاء العزلة اليابانية وبناء الدولة الموحدة والاقتصاد الصناعي القائم على النموذج الأوروبي. وهكذا خلال عقد أو عقدين من الزمن تمكنت اليابان من إحداث تغيير في المجتمع والدولة فاق بشموليته وجذريته ما حققته الثورة الفرنسية في آخر القرن الثامن عشر.

من الصعب تفسير التجربة اليابانية بشكل قاطع ونهائي، إلا أن هناك عوامل وراء هذه التجربة يمكن تحديدها، وأهمها (كما لخصها كووابارا تاكيدو أستاذ التاريخ في جامعة كيوتو، في دراسته) هي التالية:

ـ الموقع الجغرافي النائي الذي وفر لليابان الحماية ضد الغزو الخارجي وضد الاستعمار الغربي وسهل لها بعد الثورة مواصلة سياسة الانعزال النسبي.

ـ قيام عملية التحديث بمبادرة ذاتية وباستقلال تام عن أية سلطة خارجية استعمارية.

ـ التجانس الإثني والثقافي للمجتمع الياباني.

ـ امتداد سلام شامل في اليابان على مدى 250 سنة قبل قيام (المايجي) مما أدى الى تكوين نظام بيروقراطي في عهد (توكو غاوا) السابق للثورة يندر أن يكون له مثيل في العالم.

ـ التربية الشعبية والنسبة العالية للمتعلمين (43% للرجال و15% للنساء) عند قيام الثورة.

ـ انتشار اللغة الواحدة بين جميع اليابانيين.

ـ الوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي اللذان غذيا الاعتماد الذاتي والأساليب العملية في التعامل السياسي والاقتصادي وأضعفا النزاعات العقائدية والفلسفية والدينية بين اليابانيين.

ـ القدرة على التكيف مما ساعد على نمو (روح صناعة تقدمية وديناميكية) تختلف كل الاختلاف عن الروح الزراعية والقبلية المحافظة.

ـ غياب العامل الديني عن السياسة وضعف النظام الطبقي بالمقارنة مع البلدان الصناعية المتقدمة.

قدمت الأبحاث التي يتألف منها هذا الكتاب في مؤتمر دولي عقد تحت رعاية جامعة الأمم المتحدة في اليابان وشارك فيها عددٌ من الكتاب والأخصائيين اليابانيين والصينيين والروس والأمريكيين. وتشكل هذه الأبحاث بمجموعها عرضاً متكاملاً لتجربة التحديث اليابانية من منطلقات مختلفة.

فيعالج القسم الأول ثورة (المايجي) على الصعيدين السياسي والاجتماعي، ويتناولها القسم الثاني من منظور العلاقات الدولية والعلاقات الخارجية. ويتألف القسم الثالث من دراسة شاملة للوعي المفاهيمي الذي رافق إصلاحات (المايجي). ويركز القسم الرابع على الثورة الثقافية ودور الأدب في تكوين الثقافة العليا والثقافة الشعبية. ويعالج القسم الخامس الإصلاحات التربوية التي تم إنجازها بعد الثورة مباشرة، ويحلل صيغ المعرفة الغربية التي تم نقلها في الفترة الأولى الحاسمة. أما القسم السادس والأخير فيعالج العوامل الرئيسية في عملية انتقال التكنولوجيا وتحقيق المقدرة الصناعية المستقلة لليابان.

إن إصدار هذه الأبحاث باللغة العربية من قبل مركز بحوث التجربة الإنمائية اليابانية في بيروت يشكل حدثاً هاماً في ساحة الفكر العربي وخطوة عملية هامة سيكون لها أثرها الكبير في الحوار القائم حول التنمية والتغيير في العالم العربي. والمركز هو ربما الوحيد بين المعاهد ومراكز البحث في العالم العربي الذي يتوجه الى (الشرق) والتجربة اليابانية بخاصة وليس الى الغرب ليستمد منه الدروس غير الغربية لتطبيقها في عملية التحديث.

ودافع المركز من دراسة اليابان وثورة (المايجي) ليس الرغبة في جعل اليابان نموذجا يستبدل به النموذج الغربي (الذي سارت عليه البلدان العربية منذ عصر النهضة) بل السعي لتفهم الفلسفة اليابانية وأدواتها والأساليب التي مكنتها من اقتناء التكنولوجيا الغربية وبناء المقدرة الذاتية على استعمالها دون الوقوع تحت هيمنة الغرب.

ومن هنا السؤال الذي يطرحه المركز ويحاول أن يستمد الإجابة عليه من خلال هذه الأبحاث.

ما هي الدروس في التجربة اليابانية التي يمكن للعالم العربي استخلاصها في نهاية القرن العشرين للخروج من حالة التبعية والتخبط والدخول في مرحلة جديدة من النمو والتغيير والحداثة؟

الفصل الأول: المايجي إيشين: الخلفية السياسية


تقديم: ماريوس ب. جانسن/ جامعة برنستون/ نيوجرسي

تعتبر إعادة (المايجي) نقطة تحول فاصلة في التاريخ الياباني. فعلى الرغم من أن الأحداث الفعلية لعام 1868 لم تكن أكثر من انتقال للسلطة ضمن الطبقة الحاكمة القديمة، فإن هذه العملية الأكثر شمولاً والتي يُطلق عليها (إعادة المايجي) أدت الى وضع حد لهيمنة طبقة المحاربين وتحول الهيكلية اللامركزية للعهد الإقطاعي الحديث في عصوره المبكرة ـ الى دولة مركزية تحت سلطة الملك التقليدي والذي أصبح الآن ملكاً عصرياً.

وقد اتخذ زعماء حركة الإعادة سلسلة من الخطوات الحازمة لبناء المنعة الوطنية ووضعوا بلادهم بسرعة على الطريق المؤدية الى القوة الإقليمية والعالمية. والواقع أن (إعادة المايجي) تعتبر حدثاً هاماً بالنسبة لتاريخ اليابان وشرقي آسيا والعالم. ولا يسمح ضيق المكان لإيفاء هذا الحدث الهام مع التسلسل الزمني، لكن سنحاول الإحاطة به من باب التزود الثقافي.

إيضاح معلوماتي تاريخي (ليس من الكتاب): المايجي (الحكومة المستنيرة) اسم أطلق على فترة الحكم التي بدأها الإمبراطور (موتسو هيتو1867) وكان يُلقب ب (مييجي تينو)، بعد وفاة والده الذي كان امتداداً لحكم أسرة حكمت اليابان 300 سنة أسسها رجل قوي اسمه (توكوغاوا 1570) وهو أحد ثلاثة رجال في تاريخ اليابان يحفظون وحدة البلاد. الإطار العام

لقد سبقت الأزمة السياسية التي عصفت باليابان في الستينات من القرن التاسع عشر صعوبات داخلية شديدة ومخاطر خارجية. فقد شهدت الأعوام (1830ـ 1844) سلسلة من الانتفاضات، حينما تمزقت اليابان نتيجة المجاعات التي حصدت الكثير من الضحايا في المناطق الوسطى والشمالية من البلاد. أضف الى ذلك انعدام الكفاءة الإدارية وعدم الاستجابة لتشجيع المقاومة الشعبية.

اندلعت مجموعة من الثورات في تلك الفترة، أكثرها أهمية تلك التي قادها ضابط كونفوشي مثالي من الساموراي في أوزاكا يُدعى (أوشيو هايها شيرو) والذي أدت دعوته الحماسية للعصيان المسلح الى جعله بطلاً في نظر المؤرخين اللاحقين.

كما نشبت عدة ثورات للفلاحين وأعمال شغب في المدن، وأصبحت تلك العدوى تنقل تلك الثورات من مكان لمكان في البلاد، غير أن المطالب في كل ثورة لم تكن لتصوغ برنامجاً واضحاً، فقد كانت كل انتفاضة أو ثورة تقف وراء مطالب جزئية، تختلف عن الثورات الأخرى.

استجابت الحكومة اليابانية في عام 1841 لتلك المطالب وصاغتها بما سمي (إصلاحات تمبو) من خلال مقترح قدمه عضو (الروجو: مجلس الحكماء) واسمه (ميزونو تاداكوني). وجاء في المقترح: الحد من البذخ لرجال الدولة، وإيقاف الهجرة من الريف الى المدن، والحد من ممتلكات الإقطاعيين وتوزيعها على السكان.

لم تنجح تلك المقترحات في كل الأقاليم، فثار الإقطاعيون وتبرموا من فقدانهم امتيازاتهم التي اعتبروها حقوقاً تنسجم مع الوفاء التاريخي للماضي. أدى هذا الوضع الى ضعف الحكم المركزي، وضعف معها القدرة على تحصيل الضرائب والصرف على الأجهزة الحكومية أو تقوية الجيش، مما خلق شعوراً عاماً بعدم قدرة البلاد على صد أي خطر قادم من الخارج، سيما وأن هزيمة الصين في (حرب الأفيون 1838ـ1842) كانت ماثلة أمام اليابانيين.

كان الرد على هذا الخطر الظاهر متأثراً بتيارات عدة تعمل في الفكر الياباني. فالاطلاع الواعي على أحوال الغرب كان نتيجة الإقبال على تعلم الثقافة الغربية والذي بدأ جدياً في نهاية القرن الثامن عشر، ونتج عنه فيض من ترجمات للكتب التي أدخلها الهولنديون الى البلاد. وكانت المؤلفات في اللغة الصينية التي جاء بها تجار صينيون الى (ناجازاكي) أسهل استيعاباً بالنسبة لليابانيين المتعلمين.

أحس مجموعة من المفكرين اليابانيين أن هذا الكم من المعارف والمعلومات التي تدخل البلاد دون رقابة ستؤثر على الهوية العرقية اليابانية، فانتشر ما عُرف ب (كوكو غاكو) أي التشديد على التعليم الوطني، ورفع شعار تبناه أغلبية المثقفين (تبجيل الإمبراطور، طرد البرابرة).

فتح المرافئ والمشاركة السياسية الأوسع

كانت صناعة القرارات التي أسس لها (توكوغاوا) تنحصر برجال وزعامات مرتبطين بهيئة تُسمى (الباكوفو) ولم يكن لرؤساء الإقطاعيات أو حتى زعماء العشائر الذين لم يرتبطوا بتلك الهيئة حق التصويت وإبداء الرأي. وخلال موجة الانتفاضات تحالف الإقطاع مع المنتفضين، وإن كانت أسباب معارضتهم تختلف.


لكن لم يعد الرأي حكراً على (الباكوفو: الهيئة المرتبطة بالإمبراطور) فقد تم إشراك (الدايميو: الهيئة العليا لممثلي الإقطاعيين)، وهذا الإجراء الذي سبق سنة تولي (المايجي) الحكم، لم يرضي حراس النظام القديم، فتم تطهير كبار الإقطاعيين وعملائهم في مقاطعة (كيوتو)، وإعدام ثمانية منهم بقطع رؤوس ستة منهم كالمجرمين، وذلك على يد رئيس الحكومة (إي ناوسوكي)، مما أدى الى اغتياله في آذار/مارس 1860 من حملة السيوف في مقاطعة (ميتو).

وقد أدت تلك الاضطرابات لاحتجاج القوى الأجنبية التي ظهرت فجأة لتكون وكأنها مؤيدة للمطالب الجماهيرية، مما دفع الحكومة لتقديم تنازلات منها فتح المرافئ، والتوقف عن التهديد بطرد الأجانب.

كما اتسمت تلك الفترة باضطراب في السياسة الخارجية، حيث كانت تختفي بعثات دبلوماسية يابانية بالكامل، يُعتقد أنه كان يتم تصفيتها بحجة تسريب معلومات للخارج وطلب المعونة الخارجية.

موالون نشطون

أدى اغتيال (إي ناوسوكي) عام 1860 الى بدء فترة من العنف غيرت الخلفية التي ارتكزت عليها سياسات العهد القديم من (توغوكاوا). وكان اللاعبون النشطون في هذه المرحلة هم من أنصار الشرعية، لكنهم لم يكونوا من رتب وأوضاع اجتماعية رفيعة، بل كانوا من أوضاع اجتماعية متواضعة أطلقوا على تنظيمهم اسم (الشيشي: أي الرجال ذو الأهداف الرفيعة).

لقد كان هؤلاء يعيشون على حدود الطبقة الحاكمة وحدود باقي اليابانيين، مما أتاح لهم حرية التحرك بمجالات أوسع، وقد تلقى هؤلاء علومهم في مدارس خاصة، كانوا يتحركون بحذر شديد، مع ذلك استطاعوا أن يستقطبوا حولهم أطيافاً واسعة من اليابانيين الذين أعلنوا تفانيهم من أجل حماية وطنهم ورمزه (الإمبراطور).

استطاع (الشيشي) أن يؤثر في سياسة الأقاليم، وكبحت من تأثير الإقطاع، وأصبحت ظاهرتهم مقترنة بالقوة والعنف لمواجهة خصومهم، فكانوا يهاجمون الموانئ للحد من التدفق الأجنبي الذي نُظر إليه كمسئول عن إشعال الفتن، ووجد في كل مكان مقابر لضحاياهم. ولم يسلم تنظيمهم من منافسات فيما بينهم فقد كان يتم تصفية مجموعات منهم من باب المؤامرة والمؤامرة المضادة.

التنافس الإقليمي

رغم أنه كان بإمكان التنظيمات النشطة والمسلحة، زعزعة نظام الحكم في اليابان، خصوصا تشكيلات (حملة السيفين)، لكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك لأنهم عجزوا عن لم شملهم في مختلف مقاطعات اليابان، من جهة، ومن جهة أخرى لم يرغبوا في التعاون مع الأجنبي، كما لم يرغب قسمٌ منهم في التوجه نحو المجهول، فرأى بعضهم حماية مؤسسة الملك والإصلاح من داخلها.

كان هناك فريقان مؤثران في بعض المقاطعات الهامة مثل (ساتزوما الثانية) و(تشوشو التاسعة) و (ميتو الحادية عشرة) و (توسا التاسعة عشرة)، كان في هذه المقاطعات أعدادٌ متفاوتة من (الساموراي) والتي وإن بدا أنها وحدات مندمجة، فقد كانت ذات حدود طبيعية متميزة في المقاطعات، وكان قسمٌ من (الساموراي) يخفي امتعاضه من العهد القديم، ولكن كان هذا الامتعاض تقل فاعليته عندما تُحسب امتيازات تلك الطبقة ومصالحها، فيكون خيارها عدم الإسهام في هدم النظام.

تسابقت عدة مقاطعات في اقتراح تعديلات على النظام، فكانت تنظم مسيرات عسكرية يشترك فيها ممثلو البلاط. ولم تكن الإصلاحات التي تمت مقنعة.

قام (الشوغن: الحاكم الإقليمي) الشاب (إيو موشي) بزيارة إمبراطور (كيوتو) متقدما بكل خضوع تقليدي الى الإمبراطور ليحصل منه على تفويض بالحكم، وكان لدلالة تلك الزيارة، الاعتراف بكيوتو كعاصمة بديلة، وإبقاء التقليد القديم. وبعد وفاة هذا الحاكم الشاب عام 1866، أصبح التوجه الى (كيوتو) تقليداً.

لكن الأمر الذي كان محركاً مهماً للتغيير، هو ضعف الحكام في تنفيذ وعودهم بطرد الأجانب (الغرب)، حيث عجزت المدفعية اليابانية بقصف السفن الأجنبية القريبة من شواطئ (تشوشو وساتسوما)، والذي ردت عليه السفن الأجنبية بقوة هائلة، أدرك اليابانيون من خلالها تخلفهم وعجزهم عن الإيفاء بوعودهم. وحاول القادة ترتيب صفوفهم بعد الإحساس بالخطر الخارجي.

تحالف قوات الإعادة

كانت مطالب الأجانب بفتح الموانئ، وما يرافقها من اتفاقيات، بمثابة جرس إنذار، عجل من التفاف عموم الشعب مع تشكيلات واسعة من (الساموراي)، وفي الوقت الذي كانت أصابع الاتهام في تردي الأوضاع تتجه الى الحكومة، فقد برزت قيادات محنكة من مجموعة من المقاطعات، استطاعت خداع الحكومة، بالتظاهر أنها تسير وِفق رغباتها، فقد قدمت الحكومة استقالتها، بناء على اتفاق تم مع القوات الزاحفة من الثوار، يقضي بإعادة تشكيل الحكومة بشكل ائتلافي، لكن القوات الزاحفة، كانت قد عملت بالسر مع الإمبراطور للتخلص من نفوذ الحكومة، وما أن استقالت الحكومة، حتى استصدر الثوار أمراً إمبراطورياً فزحفوا بقواتهم على المقاطعات كافة، ولم يلقوا مقاومة تُذكر. وقد أخذ هذا الزحف اسم (الجيش الإمبراطوري)، في حين من كان ضده هم الإقطاعيون ومجلس البرلمان (الدايميو). وكان انتصارهم في حزيران/يونيو 1869.

من الإعادة الى الثورة

في أثناء الزحف، أصدرت الحكومة المفوضة في 6/4/1869، ميثاقاً إمبراطوريا من خمسة بنود، هدفه تطمين (الدايميو) باستمرار دورهم في النظام. وقد صيغ الميثاق بذكاء بالعموميات. فوعد بالتئام المجالس لتسيير عجلة الدولة، وتحدث عن فرص كاملة لجميع أفراد الشعب والرسميين على السواء، وشدد على إلغاء (عادات الماضي الشريرة) وبناء كل شيء على (قوانين الطبيعة العادلة) وعلى السعي وراء المعرفة (في كافة أنحاء العالم) من أجل (تقوية أسس الحكم الإمبراطوري). هذا (الميثاق العهد) أظهر كيف يمكن لوثيقة واحدة أن تضطلع بأدوار متعددة.

اكتشف النظام أنه من اللازم أن يكون ميالاً الى إبعاد نفسه عن الممارسات الأنانية التي وصمت النظام السابق، وبنفس الوقت تفادى الإيحاء بأية تغييرات جذرية، فكان يطلب من الناس أن يمارسوا أعمالهم كالمعتاد، ويوجه الشكر الى المجاهدين (كما كان تسميتهم شائعة).

يقول كاتب هذا البحث (ماريوس. ب. جانسن): أن تسلسل الإصلاحات بهذه الطريقة يوحي بأنه جرى تطبيق ذكي لخطة شاملة موضوعة قَبلاً. ثم يستدرك قائلاً: ليس هناك أي دليلة تبين أنه توجد جهة تنسق تلك الخطط الذكية، وإنما كانت الأحداث والتغييرات المتتالية تدفع بظهور حلول لها بالضرورة.

وسنحاول تلخيص ما حدث بعيداً عن تدوين الأسماء للأشخاص والمناطق لصعوبة تذكرها أو الاستفادة من ذِكرها:

ـ وجدت حكومة جديدة، أكثر موظفيها من الشباب، لم يكن لهم مكانة اجتماعية ذات نفوذ في مقاطعاتهم. لكن القوة الفعلية المحركة استمدت بالفعل من وجود أشخاص منتقيين بعناية من المقاطعات يتمتعون بنفوذ اجتماعي ولهم القدرة على التوجيه والتأثير بمجريات الأمور.

ـ في عام 1871، استقر الرأي أن يتجول عددٌ من الأشخاص ذوو النفوذ، في عدد من بلدان العالم المتقدم، بهدف دراسة إنشاء المؤسسات وهياكل تنظيمات الدولة، وعادوا بعد سنتين في عام 1873.

ـ بعد الاكتمال السيطرة على المقاطعات، تم تبسيط نظام الرتب العسكرية، بعد أن كان نظاماً معقداً ينضوي تحته نصف مليون من الساموراي، فأصبح يشمل ثلاث فئات، بأسماء مختلفة. [ وهذا الوضع سيجعل الرتب العليا من الساموراي فيما بعد بالتحرك للثورة].

ـ تم تقليص عدد المقاطعات من 250 مقاطعة الى 50 محافظة.

ـ تم حل تنظيم الساموراي ودمجهم بالجيش، وتخفيض رواتب الفئة العليا منهم. فثار السموراي في عام 1877 ثورة كبرى تم تصفيتها وهزيمتها.

ـ تم تشريع القوانين ودخول اليابان طريقها لأن تصبح دولة حديثة، على غرار توصيات الصفوة التي تجولت بالعالم.

ـ كان الإمبراطور بحاجة لتكوين طبقة جديدة من النبلاء تحيط به، وما أن جاء عام 1884، حتى أصبح في اليابان 913 بيتاً قد منح لقب الأرستقراطية، خلفاً لطبقات النبلاء القديمين.

ـ توقف الملك وأسرته عن تملك الأراضي وترك لمجلس الحكومة باقتطاع الإقطاعيات لرجال الدولة بعد أن يأخذ منهم تعهداً على أن يكونوا (مضيفين للفلاحين) وليس مالكين لهم.

ـ أحس اليابانيون العاديون بأنهم هم الكاسبون من ثورة (المايجي)، فلقد أدت المساواة في التعليم وحرية التنقل ودفع الضرائب الى الإحساس بالعدل.

ـ لم تكن المبالغ المعطاة للنبلاء وللأرستقراطيين الجدد، تميزهم كثيراً عن باقي الشعب ـ رغم قلتهم ـ فقد كان من المألوف أن يُرى نبيلٌ يعيش حياة الفقراء، أو يعيش في أحيائهم.

هذه الصورة الخاطفة والسريعة تبرز بوضوح غرابة وصعوبة وصف وتصنيف فترة الإعادة في التاريخ الياباني.

الفصل الثاني: ثورة المايجي وتحديث اليابان


تقديم: كووابارا تاكيو/ جامعة كيوتو/ اليابان
تقديم:

الباحث الياباني هنا، لا يقدم مساهمته كمختص في التاريخ، إذ هو مختص في الأدب الفرنسي، لكن ساءه ما سمع من غمز وسوء إنصاف لثورة المايجي، فهو إذ وجد أن كثيراً من المراقبين في فرنسا والاتحاد السوفييتي السابق والصين يعطون ثورة المايجي حقها بشكل طبيعي، لكن وصف تلك الثورة بأنها ثورة بورجوازية، وإن كان لا يضيرها، فإنه ناجم عن عدم فهم دقيق لما حدث في اليابان، وهو هنا يريد أن يضع بعض النقاط المضيئة للراغبين في الاطلاع على تلك التجربة.

لقد وصل الباحث الى أن وصف ما حدث، هو أنها ثورة ثقافية وليدة القومية. والتشديد على الجانب السياسي وحده. وكان الهدف النهائي للقائمين عليها هو: تحويل اليابان الى (دولة مهيبة ذات طابع أوروبي في جزيرة في الشرق الأقصى). وكان هناك من يقول (الانفصال عن آسيا، سيروا مع القوى الأوروبية).

ماذا تأتى عن إعادة المايجي؟

قيل عن الدولة التي نشأت من المايجي، أنها دولة عسكرية منذ البداية، وقد يكون هذا الكلام صحيحاً، ولكنه لا يشبه ما هو عليه في دول العالم الثالث للأسباب التالية:

1ـ التقليد الياباني الموغل في القدم الذي حصر السلطة بيد الطبقة المحاربة.

2ـ تأثير أفكار أشخاص أمثال (يوشيدا شويين وهوندا توشياكي وتاكانو تشووي) الذين كانوا مقتنعين بأن اليابان تحتاج الى بعض المراكز عبر البحار للدفاع عن نفسها في وجه الدول الغربية.

3ـ الخوف من الدول الغربية الذي استحوذ على اليابانيين منذ نهاية عهد (توكوغاوا) وبلغ حداً من الصعب تفهمه اليوم.

وقد نجحت اليابان (كما يقول الباحث) في التحديث وحققت ذلك بسرعة لا مثيل لها في تاريخ العالم. وتمثل هذا التحديث في ( ديمقراطية الحكم، ورأسمالية الاقتصاد، وإنتاج المصانع، ونظام تعليم إلزامي على الصعيد القومي، وإنشاء قوة عسكرية قومية، وتحرير الوعي الشعبي من القيود التقليدية).

أهمية العناصر السابقة في التحديث (حسب رأي الباحث)

1ـ الديمقراطية: يفاجئنا الباحث أنه لم يعتبر اليابان دولة ديمقراطية، ولم تصبح كذلك إلا بعد الحرب العالمية الثانية. ثم ذهب أكثر من ذلك عندما قال أنها ليست ديمقراطية تلك التي تأتي بأوتوقراط وأرستقراطيين للحكم، بل الديمقراطية هي تلك التي كانت موجودة بالاتحاد السوفييتي والصين!

2ـ رأسمالية الاقتصاد: لم تنبثق الرأسمالية في اليابان كما هي في بريطانيا، من الطبقات الشعبية، بل جاءت رأسمالية الدولة من حكومة (المايجي) نفسها، ورأسمالية الدولة في اليابان هي شبيهة لرأسمالية الدولة في الاتحاد السوفييتي.

3ـ لقد تم فرض التعليم الإلزامي في بريطانيا عام 1870 وفي اليابان عام 1872 وفي فرنسا عام 1882 وفي الولايات المتحدة عام 1918 وفي ألمانيا عام 1919. وتميز التعليم الإلزامي في اليابان بأنه كان عادلاً لكل عموم الشعب بعكس بريطانيا حيث كان هناك مدارس للأغنياء ومدارس للفقراء.

4ـ إنشاء قوة عسكرية قومية: كانت المساواة في صفوف العسكريين وتبوئهم الرتب المختلفة متقدمة على نظيراتها في الدول الغربية.

5ـ في تحرير الوعي من القيود القديمة: لا يمكن القول أن يابان (المايجي) كانت ناجحة جداً، فقد سبقهم الغرب في مفهوم الفرد ومفهوم المواطن.

خصوصية وضع اليابان في نجاح خطط المايجي:

1ـ الظروف الجغرافية: كانت اليابان الدولة الأبعد عن أطماع القوى الغربية عندما كانت تُعد العدة للسيطرة على العالم، فاليابان جزيرة بعيدة. وهذه تعتبر ميزة لعزلة اليابان وتفكير أبنائه دون تأثيرات خارجية.

2ـ الاستقلال الوطني: تعتبر اليابان من الدول القليلة جداً في العالم التي لم تتعرض للاحتلال من قبل الغير. وكان لهذا أثر على أن ثورة المايجي كانت ثورة داخلية تميل للمحافظة على تقاليد وهوية البلاد.

3ـ لم يحظَ أي بلد في العالم بفترة سلام امتدت 250 سنة كما في اليابان، وقد أتاح حسن الطالع هذا، إنضاج الثقافة بدرجة عالية من التطور.

4ـ خلال الفترة الطويلة من السلام، كانت هناك مبادرات شعبية للتربية والتعليم، فتشير بعض الدراسات الغربية (البروفيسور رونالد دور) أنه عند بداية ثورة المايجي كانت نسبة المتعلمين في اليابان 43% للذكور و 15% للإناث، في حين أن تلك النسبة في روسيا والصين عند قيام ثورتيهما المتأخرتين عن ثورة المايجي لم تكن النسبة أكثر من 15%، وفي الهند 10%.

5ـ تجانس الظروف والأوضاع في عموم اليابان، فبالمقارنة بفرنسا مثلاً، والتي تعتبر نموذجا لتجانس الشعب داخلها، كان في فرنسا فروق في نظم القضاء والزراعة بين شمالها وجنوبها، في حين أن تلك الاختلافات لم تكن في اليابان.

6ـ ابتعاد اليابانيين عن الاهتمام بالفلسفة والمنطق والمناقشات النظرية، لغياب النزاعات الأهلية التي تمد المفكرين بالتأمل والتنظير، كما أنه ليس هناك خلافات مذهبية أو دينية. ويضرب الباحث مثلاً أن 300 إقطاعي سلموا أراضيهم وممتلكاتهم للإمبراطور طوعاً ودون تذمر عند قيام المايجي.

7ـ التسليم بالأقدار: يؤكد عالم الاجتماع البرفيسور (ساكوتا كييشي) أن (هناك تقليداً قديما في المجتمع الياباني يقضي بقبول الظروف على أنها قدر مكتوب وما عليه إلا التكيف مع الأوضاع السائدة).

8ـ إلغاء الطبقية في اليابان على يد المايجي. وعزل العامل الديني الذي كان أصلاً قليل الأثر، فمنعت حكومة المايجي التبشير بالمسيحية كما أجبرت الشيع البوذية على الإذعان لسلطتها.

الفصل الثالث: الاستقلال والتحديث في القرن التاسع عشر


تقديم: توياما شيجيكي/محفوظات يوكوهاما التاريخية/ اليابان

خطر الاستعمار

شكل الاستعمار خطراً كبيراً جداً على اليابان في الفترة الواقعة في منتصف القرن التاسع عشر، وكانت مظاهر الخطر على أشدها في فترة الخمسينات من القرن نفسه، ولكنها بدت تخفت مع نهاية القرن التاسع عشر.

لقد كانت السفن الحربية تقف على مقربة من سواحل اليابان وكأنها وحوش تترقب بفريستها، وقد يكون كثرتها وراء عدم انقضاضها على اليابان، وذلك للتعقيدات التي كانت تنظم العلاقات بين الدول الاستعمارية، وقد تختلف اليابان عن الصين أو الهند بعدة نقاط منها:

1ـ بدأت الضغوطات الأجنبية على اليابان بعد مرور عشر سنوات على بدء الغرب عملية قضم الصين والتي لم تكن قد هُضمت بعد.

2ـ كان موقع اليابان في شمال شرقي آسيا بعيداً عن المواقع التي كانت بريطانيا تحتلها مثل الهند وما جاورها.

3ـ كانت بريطانيا منشغلة بصورة كلية بمواجهة الحركات الآسيوية الوطنية المناهضة للاستعمار.

العوامل الداخلية والاحتجاج الشعبي

رغم أن اليابان أدارت اتقائها للخطر الاستعماري بحنكة كبيرة، حيث وقعت اتفاقيات مع الولايات المتحدة، إلا أن الوضع الداخلي في عام 1853 كان عاما مناسباً لتفكك الدولة اليابانية وتحويلها لمستعمرة بسهولة، لولا حذر المستعمرين من بعضهم البعض (البريطانيون والفرنسيون والهولنديون). لكن وفي العام نفسه تراجعت قبضة الإقطاع وارتفعت وتيرة الحراك السياسي الداخلي مما عقد من مهمة المستعمرين.

وممكن القول أن الفلاحين والذين قد بدءوا ثورتهم الأولى عام 1836 إثر انخفاض عوائدهم من المحاصيل الزراعية، مما لفت انتباه من أرادوا الثورة من الفئات الأخرى للانضمام للفلاحين، أو اعتبارهم ستاراً للارتفاع بمستوى الثورة. وهذا ما حدث في عام 1866، عندما أصبحت الاحتجاجات الشعبية ظاهرة ملفتة لم يكن بالإمكان تجاهلها، وإن كانت متقطعة وغير مستمرة وتفتقد لقيادة مركزية. لكنها كانت عاملاً هاماً في سقوط القيادات التقليدية وتهديم الإقطاع.

التجارة

في الفترة التي كان يتطلع الاستعمار للدخول فيها الى اليابان، برزت ظاهرة جديدة لم تكن معهودة سابقاً في اليابان، وهي إغراق الأسواق اليابانية بالبضائع المستوردة، والتي يقل ثمنها عن مثيلاتها اليابانية، كذلك تصدير خيوط الحرير، مما سبب ندرته في داخل اليابان وتعطيل الصناعات القائمة عليه.

هذا الوضع أدى الى ثورة الصناعيين والتجار، والمطالبة بوقف تصدير خيوط الحرير، ومراقبة ميناء (يوكوهاما) لوقف استيراد البضائع الأجنبية التي أضرت بالصناعة والتجارة المحلية.

وقد فسر البعض أن ثورة الفلاحين، كانت من وحي التجار والصناعيين وبدعمهم، ولكن ذلك غير صحيح، فقد لمست تلك الفئات منفردة الأضرار التي تلحق بها.

العلم والتكنولوجيا

لم تمنع قرون الانعزال الوطني، تغلغل بعض العلوم والتكنولوجيا الغربية والمعلومات حول العالم الخارجي الى اليابان وذلك عبر التجار الهولنديين في ميناء (ناغازاكي). وقد ركز اليابانيون في التزود بالثقافات والمعارف المتعلقة بالطب والفلك. وقد انتبه (الساموراي) الى أهمية نقل العلوم العسكرية وما يتعلق بالتسليح، فعملوا على نقلها ودفع سياسيين متنورين الى دفة الحكم يشاركونهم اهتماماتهم.


الإقطاع

أدى تدهور سيطرة الإقطاع الى إفقار مالية (الشوغونة: الحكومات المحلية وهيئات دعمها)، فلم تستطع أن تتسلح بما يكفي لبسط سيطرتها على مناطق نفوذها. فتبنت شعار (اطردوا البرابرة)، ملتقية بذلك مع القوى الوطنية الأخرى. لكنها بالوقت نفسه، كانت تعمل سراً على عدم الاصطدام مع القوى الأجنبية بالمعنى الحربي، لمعرفتها بضعف إمكاناتها.

لقد رفعت القوى المعادية (للشوغونة) نفس شعارهم (اطردوا البرابرة) لإحراج تلك الفئة وتحييدها.

الإعادة

لقد نجحت إعادة (المايجي) لأن التغييرات الكبيرة في نظام (الباكوهان )، قد تمت في تتابع سريع: (1) إعادة الحكم الإمبراطوري في عام 1868. (2) تسليم سلطات المقاطعات الى الحكومة الجديدة في عام 1869. (3) إقامة نظام الولايات في العام 1871. (4) احتواء وقمع المعارضة المسلحة التي قادها زعماء إقطاعيون متمردون. (5) ضبط الاحتكاك مع القوات الأجنبية المحيطة باليابان (6) الانفتاح بذكاء على العالم الخارجي.

ما هو الباكوهان؟ [أي: الحكومة الوطنية التي جاءت كحل وسط بين الحكومة المركزية (باكوفو) والحكومات المحلية (هان)، وعرفت (باللغة العربية ب الإقطاعية المركزية، ويختلف نظام الحكم هذا عن النظام الإقطاعي لغرب أوروبا والنظام الإقطاعي في الدول الآسيوية ذات الحكم المركزي قبل العصر الحديث ].

إرساء التحديث

في العام 1871، ومباشرة بعد إقامة نظام الولايات تم إيفاد بعثة (ايواكورا) التي ضمت العديد من كبار الموظفين، الى أمريكا وأوروبا من أجل التفاوض حول إعادة النظر في المعاهدات غير المتكافئة ودراسة أوضاع الغرب. وفي العام التالي اعتمدت الحكومة نظاماً تربويا جديداً. وفي العام 1873 صدر قانون التجنيد الإلزامي وآخر لتعديل الضريبة على الأملاك. كما أنشأت الحكومة نظاماً مصرفيا، وأرست الإطار القانوني لنشاط الشركات. كما أنها اتبعت سياسات من شأنها تشجيع الصناعة بعدة طرق منها على سبيل المثال إنشاء مصانع ممكننة ومزارع للدواجن تُدار من قبل الدولة في عدة مناطق. كما تم إدخال المؤسسات التكنولوجية والثقافية الأجنبية بالجملة.

لقد اكتشفت الدولة أن التقليد للغرب لم يفد شيئاً، لا في المصانع ولا في المزارع مما أدى الى بيع تلك المصانع والمزارع للقطاع الخاص.

وفي الأعوام بين 1880 و 1884، قامت احتجاجات شعبية واسعة، منها (300) ألف من ملاك الأراضي، والمصنعين والمزارعين، طالبت بتأسيس برلمان وطني، وتخفيض الضرائب، وتعديل الاتفاقات مع الدول الأجنبية، ومع ذلك فبالرغم من قصر المدة والقمع الشديد الذي مارسته الدولة ضد معارضيها، فإن تلك التجربة القصيرة كان لها الانعكاسات التالية:

أولاً: أدت الاحتجاجات الى إجبار الدولة على وضع دستور، والدعوة الى جمعية وطنية.

ثانياً: حالت حركات الإضراب دون زيادة الضرائب العقارية في عام 1880.

ثالثاً: إن الأفكار والتقنيات الجديدة الوافدة من الغرب والتي شجعت الحكومة على انتشارها بين سكان المدن ثم الى الأرياف، لينمو الوعي الديمقراطي والشعبي بالمعنى الحديث.

لقد أدت الجهود المتبادلة بين رجال الفكر والحركات الشعبية الى الوصول لدستور عام 1889، ثم انتخاب برلمان عام 1890، كانت الأغلبية فيه للمعارضة، لقد أعطى الدستور للإمبراطور سلطات واسعة لا تحدها السلطة الشرعية، كما ضمن هيمنة العسكريين والبيروقراطيين. هذا الوضع أدى الى إعادة توحيد اليابان بشكل قوي. وقد دفعت الحرب اليابانية ـ الصينية التي اندلعت عام 1894 الى وقوف المعارضة مع الجيش والسلطة المركزية.

وبعد أن انتصرت اليابان في حربها مع الصين، زاد التفاف المواطنين حول دولتهم، فالتزم الكل بنظام التعليم لترتفع نسبة من يدخلوا المدارس من 30% قبل الحرب الى 90%، كما التزم المواطنون بخدمة العلم العسكرية ليتبدل الشعار من الخدمة الإلزامية قبل الحرب اليابانية ـ الروسية الى شعار (أمة تحت السلاح).

وفي عام 1911 أصبحت اليابان الإمبريالية على قدم المساواة مع غيرها من دول الغرب.

الفصل الرابع: المايجي إيشين: ثورة بورجوازية غير مكتملة

تقديم: إيغور لاتشييف/ أكاديمية العلوم في موسكو

اهتم العلماء السوفييت بثورة المايجي في اليابان اهتماماً يفوق نظرائهم في مختلف أنحاء العالم، ففي عام 1968 عقد معهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي مؤتمراً للخبراء السوفييت بمناسبة مرور 100 عام على بداية (المايجي إيشين) وقد قدم 25 خبيراً بارزاً في تاريخ اليابان وثقافتها تقارير ومحاضرات مثيرة للنقاش.

ولم يكتفِ الخبراء السوفييت بقراءاتهم لليابان، بل قرءوها من خلال كتابات اليابانيين وقراءات الأجانب الغرب، وبالذات الأمريكان، وحتى لا يتيه القارئ بالأسماء اليابانية للأحداث والوقائع أو أسماء القادة والمؤثرين فكرياً في مناقشة هذا الموضوع، ارتأينا تبسيط الموضوع وإعادة تقديم البحث الذي بين يدينا بصورة تسهل فهم طبيعة القراءة السوفييتية لثورة المايجي اليابانية.

الاختلاف الأساسي بين القراءة السوفييتية والقراءات الغربية

أنكر الخبراء السوفييت وجهة النظر الرأسمالية في تفسير ما حدث في اليابان. ففي حين رأى الغرب أن ما جرى في اليابان هو ثورة من القصر نفسه من أجل التحديث، اعتبر السوفييت أن نظرية التحديث الغربية ما هي إلا (لفظة) فضفاضة ترى الأمور بعيون غربية وعلى مسطرة ليبرالية لا تصلح في مناقشة ما جرى في اليابان، وقدموا براهينهم التي سنسوقها تباعاً.

في حين يرى الخبراء السوفييت أن ثورة المايجي هي ثورة شعبية أتت بتغييرات كبيرة على صعيد تنمية اليابان. وإن تشبيه الثورة اليابانية 1867ـ 1868، بالثورة البريطانية 1640ـ 1660، أو الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر هو تشبيه خاطئ، لا ينبع إلا من عقول ليبرالية.

الفلاحون هم عماد ثورة اليابان

يقدم الباحث السوفييتي (إيغور لاتيشيف) برهانه، في أن الفلاحين هم من كان مركز الثورة أو الثورات في اليابان. فيقول بين عامي 1868 و 1873، حصلت في اليابان نحو 200 ثورة فلاحية، وقد شارك فيها عشرات الألوف من الناس، وجيء بقوات عسكرية لقمعها.

وأن من يقول أن المايجي جاءت دون إراقة دماء، فهو مخطئ، فقد دفعت الحكومة اليابانية بقوات مجموعها 120 ألف محارب، قُتل منهم 3556 وجرح 3804 كما فقدت القوات المساندة للحكومة من العشائر وغيرها 4707، وتلك الخسائر تفوق ما خسرته اليابان في حربها مع الصين، حيث كان مجموع خسائرها 5417 قتيل.

لم يتفرد الخبراء السوفييت بنظرتهم تلك، فقد كتب المفكر الياباني اللامع (كوتوكو شوسوي) عام 1903 (التاريخ الاجتماعي هو سجل للثورات، فالثورات تؤدي الى تقدم الإنسانية. حاول أن تتخيل أية درجة من التطور كان يمكن للإنسانية أن تحققها لو لم يكن هناك (كرومويل) في بريطانيا، ولو لم يُعلن الاستقلال الأمريكي، ولو لم يخلق الشعب الفرنسي النظام الجمهوري، ولو لم توحد إيطاليا، ولو لم تكن هناك حركة المايجي في اليابان).

المايجي ثورة بورجوازية

وعلى العكس من الباحثين الأجانب، فإن الخبراء السوفييت في الشؤون اليابانية يعتبرون ثورة المايجي هي ثورة بورجوازية، وأنها لم تكن استثناء ضمن الظواهر الطبيعية الشاملة... وقد بدأت تحول اليابان من الإقطاعية الى الرأسمالية. وقد حصلت على فوائد اقتصادية واجتماعية وسياسية.

إن التحليل السوفييتي يُظهر بصورة قاطعة أن ثورة المايجي كانت بداية تحول اليابان من الإقطاعية الى الرأسمالية، وأن أعضاءً من البرجوازية اليابانية هم الذين استأثروا بالفوائد الحقيقية لنزاعات 1867ـ1868. ويميل الخبراء السوفييت في الشؤون اليابانية الى القول أنه كان هناك ثلاث قوى رئيسية معنية بالصراع ضد الإقطاعية: الفلاحون الفقراء وأهالي المدن الذين حاربوا بصورة تلقائية ضد النظام الإقطاعي دون أن يكون لديهم تصور سياسي واضح؛ ونبلاء البلاط والساموراي الذين حاربوا ضد الهالة المحيطة بالإمبراطور (الشوغن) من أجل إقامة المَلَكية المطلقة؛ وأخيراً البرجوازية التجارية والصناعية الآخذة بالبروز.

الثورات البرجوازية في نظر الخبراء السوفييت

في رأي الخبراء السوفييت، أن الثورات بما فيها البرجوازية تشكل مرحلة اختبارٍ مؤلمة للشعب، فهي تؤثر بنسبة كبيرة على مصير ذلك البلد. أي أنها تعطي حافزاً جديداً للحياة. فهي تجدد نشاطاتهم وتلهمهم، وتستنهض أشدهم عزماً وطاقة للعمل. والثورة اليابانية ليست استثناءً. فقد أنقذت اليابان من الوقوع في براثن الاستعمار وفجرت طاقات العلماء والمثقفين.

على أن الخبراء السوفييت لم يغالوا في تقدير الأهمية التاريخية لعهد المايجي، فقد أشار بعضهم (جوكوف وإيدوس) الى أن ثورة 1867ـ1868 لم تكن سوى بداية في عملية تحول المجتمع الياباني من الإقطاعية الى الرأسمالية. وبالرغم من جميع التغييرات الكبيرة التي حصلت في الحياة اليابانية أواخر القرن التاسع عشر، فإن بقايا الإقطاعية لم تُلغ إلا مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.

لماذا لم تبتعد ثورة المايجي الى أكثر من ذلك؟

يتساءل الخبراء السوفييت: لماذا لم يمضِ الفلاحون الى الإطاحة بنير كبار الملاكين؟ ما الذي منع الشعب الياباني بأسره من أن يحصل على تلك الحقوق البرجوازية الديمقراطية التي استطاعت شعوب بريطانيا وفرنسا وبلدان رأسمالية غربية أخرى اكتسابها قبل ذلك؟

إن الجواب على هذه الأسئلة يكمن في سلوكية المشاركين في الانقلاب. فأرستقراطية البلاط والساموراي وكذلك التجار والمصرفيون ورجال الأعمال الذين ساروا في ظلهما، لم يكونوا راغبين بمواصلة القتال من أجل إلغاء الإقطاعية إلغاءً كاملاً. ولم يرغبوا في الوقوف الى جانب المشاركين في ثورات الفلاحين العفوية التي كانت تفتقر الى أهدافٍ سياسية واضحة.

وقد تحولت تطلعات الأرستقراطيين والساموراي الذين قادوا الانقلاب، الى تطلعات معادية للثورة. فقد فضلوا السعي الى استقرار الوضع. وهذا يفسر العزيمة التي تجلت عندهم لقمع الاضطرابات وثورات الفلاحين دون أية ضوابط في استعمال الأسلحة. ورويداً رويدا واعتباراً من العام 1873 أخذ تمرد الفلاحين بالتلاشي.

اليابان تنقاد الى مصاف الدول الإمبريالية


أصبحت اليابان منذ بداية القرن العشرين بلداً إمبريالياً تسيطر على مقدراته برجوازية احتكارية. وإن سياسة اليابان الخارجية تستمد جذورها من الصفة غير المستكملة للإصلاحات البرجوازية التي قامت بها حكومة المايجي.

إن هدف بناء قوات مسلحة قادرة على صد القوات الاستعمارية المعتدية كان متوافقاً مع مصالح الشعب الياباني. لكن لم تنته المسألة هنا، فقد أصبحت القيادات الجديدة تتطلع الى الامتداد للخارج، شأنهم بذلك شأن الثورة الفرنسية، من خلال حملات نابليون بونابرت. فقد غزت القوات اليابانية تايوان في عام 1874، كما غزت كوريا في عام 1876.

ينتهي الباحث الى القول: من هنا يجب الحذر في تقييم تجربة المايجي في اليابان والتي نعترف أنها حققت التقدم والرفاه للمجتمع الياباني، لكنها كانت أيضاً امتداداً للروح الإمبريالية المتنامية والروح العسكرية غير القابلة للضبط، والتي أدت الى كوارث، لا للشعب الياباني فحسب بل ولشعوبٍ أخرى.

الفصل الخامس: معنى التغييرات الثورية


تقديم: بيوتر فيدوسيف/ أكاديمية العلوم في موسكو

إن أي تحليل مقارن للتقدم الاجتماعي والقومي في بلدان عدة هو ذو دلالة معرفية كبيرة بالنسبة للحاضر والمستقبل. ويؤسس الباحث هنا لمساهمته، إذ يقول: اختلف العلماء في تقييم (إعادة المايجي)، وقد تشابه التقييم عند بعض العلماء اليابانيين مع زملاءهم السوفييت. والتغيير الثوري ليس مجرد موضوع نظري، بل يمكن ترجمته الى ممارسة وواقع. وهنا تكمن أهمية إعادة المايجي في انعكاساتها التطبيقية.

يستعرض الباحث أصول الثورات وأنواعها وأهدافها، ويحاكم أو يفحص ما حصل في اليابان، من حيث موقعه من تلك النماذج العالمية المتفق عليها في علوم السياسة.

(1)

المفاهيم النظرية العالمية التي تتكرر في الخطابات السياسية، تنشد الأخوة العالمية والمساواة بين جميع البشر والشعوب وحول السلام والوفاق الدائمين. ولتحقيق تلك المبادئ لا بد من جهود تُبذل من قبل الشعوب بأشكال مختلفة، وهذه الجهود لم تحقق كل أهدافها لغاية الآن.

الثورات هي أهم وسائل تحقيق تلك الأهداف. والثورة في تعريفها: (عملية تغيير هائلة تتطلب تدمير كل ما هو قائم من أجل خلق شيء جديد. إنها تنطوي على تدمير البنى القديمة التي تخطاها الزمن وإحداث تبدلات مفاجئة في الحياة الاجتماعية. وتشمل كذلك النواحي العلمية والتكنولوجية. فالثورة هي المحرك بل القوة الدافعة للتاريخ).

والثورة ليست مجرد صدامات أمنية مرحلية بين فئات اجتماعية ضمن المجتمع، وإنما هي صدام حاسم بين الطبقة الحاكمة والجماهير المضطهدة، ينتج عنه تحول في السلطة من الفئات الحاكمة الى فئات أخرى. إنه يسفر عن تغيير في البنية الاقتصادية وفي المؤسسات الاجتماعية والنظريات الأيديولوجية.

(2)


التغيير الثوري يمكن أن يكون كالرصاصة سريعاً ويحمل معه كل التغييرات، وممكن أن يكون بطيئاً ويمتد لفترة طويلة، في حالة الثورات البرجوازية، كثورة (المايجي) في اليابان، وفي الحالة الأخيرة، فإن السلطة ستنتقل الى مجموعات جديدة.

ما حصل في اليابان، هو ثورة (القول للباحث)، لقد انتقلت السلطة الى مجموعات جديدة، حتى لو كانت تلك المجموعات قد اختارت النظام الملكي (الإمبراطوري)، لكنها في جوهرها قد ابتعدت عن الطغيان العسكري والإقطاعية. واتجهت نحو النظام البرجوازي.

عند مقارنة ما حدث في اليابان مع الغرب الأوروبي، فقد كانت الثورات في الغرب خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، ثورات معادية للإقطاع، فقد أزالت طبقة كبار الملاكين الأرستقراطية وحررت الفلاحين، على الأقل من الناحية الشكلية، من العبودية الشخصية، ومهدت الطريق أمام النمو السريع للصناعة والتجارة والنقل. لكن القوة الاقتصادية والسياسية ظلت في أيدي دوائر ضيقة من الملاكين والبرجوازية التجارية والصناعية. وقد أدى ذلك الى القضاء على الأكثرية الساحقة من الشعب وتحولهم الى عمال مأجورين أو الى مزارعين تابعين.

(3)

في الجانب الاجتماعي للثورة. تقسم ثورات العصر الحاضر الى ثلاثة أنواع: (1)معادية للإقطاع، (2) معادية للبرجوازية (3) معادية للاستعمار. في أوروبا خلال القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر، حصلت ثورات تم من خلالها إزالة الملكية الإقطاعية، وحصول الأقنان (العبيد) على ملكية الأراضي، ممهدين بذلك الطريق أمام ظهور أوروبا البرجوازية، وقيام الثورات البرجوازية التي أدت الى انتقال السلطة الى الرأسماليين.

(4)

ما هي القوة المحركة للثورة؟ من هو البطل الذي يقف وراء أي نوع من الثورات، أكانت معادية للإقطاع أم للاستعمار أم للبرجوازية؟

مما لا شك فيه أن هناك مجموعة من القوى المؤثرة. هناك أولا، البرجوازية التي يمكن أن تكون البطلة والقوى المحركة لثورة تستهدف الإقطاع، مستقطبة تأييد الجماهير الشعبية، وقد تكون النتيجة إقامة دولة برجوازية وطنية لكن من دون أن تذهب مكاسب الثورة الى الجماهير.

وقد تكون هناك أيضاً قوى أخرى معادية للإقطاع. ففي اليابان لم تستطع الحركة المعادية للإقطاع أن تستقطب تأييد الشعب الذي عانى من القمع على يد الإقطاعية فحسب وإنما كذلك تأييد بعض العناصر الإقطاعية الفردية مثل مجموعات (الساموراي) أو (الشيزوكو) التي عارضت الدكتاتورية العسكرية.

وهناك ثانياً، البروليتاريا والمزارعون الذين يمكن أن يشكلوا القوة المحركة لثورة تستهدف الإقطاع فيقيمون تحالفاً ديمقراطياً بين القوى الاجتماعية، كما حدث في ثورات روسيا.

لقد استعمرت البلدان الرأسمالية أراضي شاسعة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا حيث عانت الشعوب المستعمَرة من نير مزدوج، هو اضطهاد الحكومات المحلية المتعاونة مع المستعمر والاضطهاد الذي تنطوي عليه آلية استغلال الدولة الاستعمارية.

(5)

هناك أوجه شبه في بعض الثورات، فمثلاً تتشابه الثورة اليابانية مع الثورة المكسيكية وثورات أخرى في أمريكا اللاتينية. وهناك وجه شبه بين الثورة الصينية التي حدثت في شنغهاي عام 1927 والثورة المكسيكية.

ويسبق كل الثورات الهامة نشاط فكري وفني وثقافي، يقوم بتوعية الشعب وتحريضه على رفض ما هو قائم. (فولتير وجان جاك روسو وغيرهم) في فرنسا. (نيكولاي شيرنيشفسكي وليو تولستوي ومكسيم غوركي) في روسيا، وفي كل ثورات العالم، حتى اليابان نفسها.

القسم الثاني: البيئة الدولية

الفصل السادس: تحديث اليابان من منظور العلاقات الدولية



تقديم: شيباهارا تاكوجي/ جامعة ناغويا/ اليابان

(1)

كثيرٌ من المشاكل التاريخية المرتبطة بتحديث اليابان، كان وراء تأثير الغرب كقوة دافعة مباشرة. فقد كان قدوم الأسطول الأمريكي بقيادة (الكومودور بيري) عام 1853، أول مظاهر الضغط الأجنبي المدعوم بقوة مسلحة. إلا أن تأثير الغرب على اليابان كان متعدد الوجوه.

وكان أحد هذه الوجوه الانفتاح القسري للمرافئ على (التجارة الحرة) والتغييرات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن ذلك (بما في ذلك سقوط البنية الصناعية التجارية القائمة وإعادة التكوين التي رافقت الاندماج بالسوق العالمية).

والوجه الثاني انطوى على ضغوطات سياسية ودبلوماسية وعسكرية مارسها الغرب على اليابان بموجب المعاهدات غير المتكافئة (التعرفات الجمركية المنخفضة، حق إقامة المستوطنات الأجنبية، المحاكم القنصلية، معاملة الدولة الأكثر رعاية من طرف واحد وبنود أخرى).

أما الوجه الثالث، فقد أضفى توثيق العلاقات الدبلوماسية والتجارية بصورة متزايدة، فقد دخلت التكنولوجيا الصناعية والعلوم الحديثة الى البلاد مما أدى الى ازدياد في نفوذ القيم والحضارة والثقافة الغربية وأنظمتها السياسية.

(2)

مع اندفاع الدول الغربية شرقاً خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بحثاً عن أسواق للمنتجات التي ازدادت نتيجة التصنيع الرأسمالي، ظلت الصين واليابان منطقتين واقعتين فعلياً على أطراف العالم المعروف آنذاك. فحتى الخمسينات من القرن التاسع عشر، عندما بدأ الاستيطان في كاليفورنيا وبات من الممكن عبور المحيط الهادئ بواسطة السفن البخارية، فإن هذين البلدين كانا الأكثر بعداً عن الولايات المتحدة الفتية.

وعلى عكس بلدان آسيوية أخرى مثل الهند وفيتنام اللتين أصبحتا مستعمرتين للدول الغربية في القرن التاسع عشر، فإن الصين واليابان بقيتا شبه مستقلتين عن الغرب اقتصاديا وسياسياً، رغم أن مرافئهما فتحت قسراً وفرضت عليهما معاهدات غير متكافئة.

(3)

كيف نفسر نجاح اليابان في التصنيع وفي تحديث مؤسساتها الاجتماعية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر في حين تعذر ذلك على الصين؟

هناك تفسيران لهذا التساؤل عند الباحثين اليابانيين. الأول يرى أن اليابان كانت في منتصف القرن التاسع عشر قد حققت كثيراً من الشروط اللازمة للتحديث. والثاني يرى أن خضوع الصين للغرب اقتصادياً وسياسياً كان أكبر مما كان عليه خضوع اليابان، وبالتالي توافرت لليابان فرصة أفضل لتحقيق نموها الاقتصادي المستقل.

يرى (بي أي باران) في مؤلفه (الاقتصاد السياسي للنمو) أن نجاح اليابان في التصنيع يعود الى اكتفائها الذاتي النادر (أي انخفاض مستوى تبعيتها للبلدان الأخرى) وهو أمر نادر بين الدول غير الغربية.

أرجعت (مودلر) الاختلاف بين وضع البلدين (اليابان والصين) لأسباب عدة:

أ ـ أن القوى الغربية كانت تركز نشاطاتها في آسيا في منتصف أواخر القرن التاسع عشر على احتلال وحكم كل من الهند وإندونيسيا والهند الصينية والصين، ولم تولِ اليابان اهتماماً كبيراً كونها بلداً ثانوياً ذا موارد قليلة وسوق صغيرة.

ب ـ بالإضافة لتجارة الأفيون مع الصين، فقد أقامت الدول الغربية مع الصين علاقات تجارية ركزت على المنتجات الأساسية اللازمة للإنتاج والاستهلاك الجماعي.

ج ـ كانت الصين مثقلة بالتعويضات الكبيرة المترتبة عليها بسبب هزائمها المتلاحقة في حروبها مع القوى الغربية. وقد أدت استثماراتها الكبيرة على صعيد سكك الحديد والمناجم ودينها القومي الخارجي الى إبقائها في موقع بالغ الهشاشة. وقد أُجبرت الصين على السماح في نشر المسيحية في أراضيها.

أما اليابان كانت أقل عرضة للتدخلات الخارجية (حسب مودلر).

(4)

يبين صاحب البحث رأيه فيما قرره واستنتجه الآخرون وبالذات (مودلر)، فيقارن بين وضع كل من الصين واليابان، فيبدأ بالسكان فالصين في نهاية القرن التاسع عشر كان عدد سكانها 300 مليون نسمة، في حين اليابان 37 مليون. وبعد عدة سنوات من ثورة (المايجي 1867) كان حجم تجارة اليابان مع الغرب يوازي خُمس تجارة الصين معه (مع اعتبار الفارق بعدد السكان).

شنت بريطانيا عدة حروب على الصين باسم (حرب الأفيون) بين أعوام 1840ـ 1858، فانتزعت منها بموجب اتفاقيات (هونغ كونغ وكولون) وفتحت 14 مرفأ وأجبرت الصين على دفع تعويضات ضخمة، كذلك فعلت فرنسا والولايات المتحدة.

بقيت الصين تستورد من الغرب احتياجاتها من الخيوط والملابس، في حين تحولت اليابان بحلول عام 1890 الى مُصدرٍ لتلك البضائع بعدما كانت مستوردة هي الأخرى.

في عام 1885 بلغت ديون الصين المتراكمة لصالح بريطانيا وحدها 5.47 مليون جنيه إسترليني، وهذا الرقم يعادل ثلث دخل الصين الوطني. في حين اقترضت حكومة (المايجي) 4.6 مليون جنيه إسترليني تم تسديدها عام 1898 مع فوائدها. بينما ارتفعت ديون الصين بعد الحرب الصينية اليابانية وثورة (البوكسير).

(5)

يكشف المؤلف قدرات على فهم ما كان سائداً في تلك الفترة وهو ما أطلق عليه (إمبريالية التجارة الحرة)، ويفسر من خلال تلك الرؤيا ما كانت تمثله الهند ككنزٍ للإمبراطورية الإنجليزية كونها خاضعة مباشرة لاستعمارها الرسمي، في حين كانت الصين واليابان وكذلك بلاد فارس (1836ـ 1857) وتركيا (1838 ـ 1861) وسيام (1855) وغيرها، كانت بلداناً سعت إنجلترا الى السيطرة عليها بصورة غير رسمية، وهي سيطرة ارتكزت اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً على المعاهدات غير المتكافئة.

وبالنظر الى ظروف وسائل النقل والاتصالات في تلك الأيام ومدى قدرة بريطانيا على تحريك قواتها العسكرية على امتداد مثل هذه المسافات، فإن إمكانية الاحتلال المباشر أي فرض سيطرة رسمية على الصين واليابان، وهما دولتان ذوات تراث تاريخي طويل في آسيا الشرقية، كانت أمراً لا يمكن حتى تخيله.

لذلك، كانت سيطرة بريطانيا غير المباشرة وغير الرسمية تتمثل بقمع تمرد (تايبينغ) ودعم أسرة (شينغ) وحكومة (المايجي) وغيرها من الإجراءات ما كانت إلا جزءاً يسيراً من الخطة السياسية المعقدة التي اعتمدتها بريطانيا مقارنة مع القوى الغربية الأخرى.

كانت مصالح بريطانيا تتضارب مع مصالح غيرها، وكانت الولايات المتحدة خارج اللعبة، وفي الأعوام من 1861ـ1865، نسقت بريطانيا وفرنسا جهودهما تجاه تلك المنطقة، فتقدمت فرنسا نحو جنوبي فيتنام ووسعت روسيا نفوذها باتجاه الحدود شمالي وشمالي غرب الصين. وتنافست بريطانيا وروسيا على جزيرة (تسوشيما). واختلفت فرنسا وبريطانيا حول سياستيهما تجاه اليابان. كما أن روسيا وبريطانيا اختلفتا حول كوريا. وفي ثمانينات القرن التاسع عشر فرضت فرنسا حكمها على فيتنام وضمت بريطانيا (بورما: ميامارا الآن).

عرفت القيادات اليابانية كل تلك الأمور، وكان عليها لتحقيق مواجهتها لها بنجاح أن تحقق ما يلي:
أ ـ دولة موحدة ملتزمة بحق تقرير سلوكها تجاه البلدان الأجنبية.
ب ـ قاعدة مالية متينة.
ج ـ تنظيم فعال للسلطة فيما يتعلق بالتنمية.

وهذه المحاور في نشاط المايجي لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تقييمها.

الفصل السابع: العلاقات الدولية عشية المايجي إيشين


تقديم: وان فنغ/ الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية/بكين


يركز هذا المقال على العلاقات الدولية التي كانت تحيط باليابان، مع إيلاء أهمية خاصة لتأثير الأحداث التي شهدتها الصين على اليابان في السنوات التي أدت الى إعادة المايجي.

(1)


يعود تقدم الدول الغربية شرقاً الى القرن السادس عشر الذي يصفه كارل ماركس ببداية العصر الرأسمالي. فكان للبرتغال حاكماً على الهند منذ عام 1509. وقد تلى ذلك التاريخ تواجد بحري للسفن الحربية البرتغالية على الشواطئ الصينية، وتعتبر حادثة جنوح إحدى البواخر البرتغالية في عام 1543، من أهم الأحداث التي استشعر فيها اليابانيون الخطر الخارجي. وقد كانت السيادة شبه التامة في ذلك القرن للسفن البحرية البرتغالية والإسبانية.

مع حلول القرن السابع عشر، حلت كل من هولندا وإنجلترا، محل إسبانيا والبرتغال. وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تفوقت بريطانيا العظمى على جميع منافسيها، وأصبحت في مقدمة الزحف الغربي نحو الشرق. وفي العقدين الثالث والرابع من القرن التاسع عشر، عرفت العلاقات الدولية في الشرق الأقصى تغييراً أساسياً بنتيجة مباشرة بريطانيا العظمى وغيرها من الدول الرأسمالية الغربية حملاتها التوسعية والاستعمارية الطموحة.

وكان من أكثر الأحداث دلالة على الاندفاع الغربي نحو الشرق، هو التحركات لاحتلال الصين من قبل بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، بالفترة الواقعة بين 1840ـ1860.. وهذا الاندفاع هو ما أجبر الصين على توقيع معاهدات مذلة أمام تلك الدول، وقد كان لليابان نصيب من هذه الاتفاقيات مع الدول الغربية.

(2)


يُشير الباحث (وان فنغ)، الى أن معظم المؤرخين يعيدون قصة الضغوط الأجنبية على اليابان الى قدوم السفن السوداء بقيادة الكومودور (ماثيو كالبرايت بيري 1794ـ1858)، لكن للباحث الصيني رأي آخر، فهو يرى أن حربي الأفيون ضد الصين شكلا عاملا مهما في الضغط على اليابان.

من المعلوم أن الصين أكثر أهمية من اليابان في الأطماع الاستعمارية، فقد أدت حربا الأفيون الى فتح مرافئ الصين عنوة أمام القوى الحربية الاستعمارية، ثم احتلالها بالكامل. هذا الأمر شكل صدمة هائلة لليابانيين حركت وعياً قومياً حديثاً بين اليابانيين.

وقد قال المفكر الياباني (ساكوما شوزان)، تعليقاً على ما حدث للصين واستحسانا لما جاء بكتاب الصيني (واي يوان) (لقد ولدنا في مناخات متفاوتة مع ذلك فإن بعضنا لا يعرف شيئاً عن الآخر) وأضاف ( إنه لمن قبيل الصدفة الغريبة أننا أدلينا خلال عام 1842 بآراء متماثلة. إنه فعلاً رفيق من وراء البحار).

وقد تسلل مجموعة من المليشيات اليابانية الى الصين لمعرفة ما يجري هناك. وكانت تلك التجربة كافية لإقناع فصائل الحراك الياباني بوجوب اتخاذ كل خطوة ممكنة للحيلولة دون سقوط اليابان في المنحدر الذي هوت فيه الصين. وقد دفعت صدمة حرب الأفيون باليابانيين الى سلسلة إصلاحات واسعة النطاق تحت شعار (إثراء الأمة وتقوية جيشها).

(3)

من جهتها فإن الدول الغربية استغلت خبرتها المكتسبة من عدوانها على الصين على أتم وجه في محاولتها لإقامة وجود شبه استعماري في اليابان. ويمكن إيجاز الأساليب الرئيسية التي استخلصتها من تجربتها الصينية بما يلي:

أولاً: أهمية عقد معاهدات غير متكافئة تتضمن بند الدولة الأكثر رعاية. فقد وقعت مع الصين عدة اتفاقيات مع البريطانيين والأمريكان والفرنسيين وروسيا.

ثانياً: التشديد على استعمال قوة السلاح.

ثالثاً: التزام جانب الحذر إزاء الثورات الشعبية والقوى المعادية، والعمل الدؤوب الى إجهاضها داخليا.

ولم تكتف القوى الغربية بتلك الأساليب، بل اعتمدت على خبراء دبلوماسيين وعسكريين، جربوا كل الأعمال التي من شأنها تسهيل مهامهم. فقد دفعت بريطانيا في حملاتها ضد اليابان أهم شخصياتها المحنكة دبلوماسيا منهم: (اللورد إلجين) و (السير روثرفورد الكوك) و (السير هاري سميث باركس). ومن الولايات المتحدة الأمريكية (هامفري مارشال) و (تاونساند هاريس). ومن فرنسا (جان باتيست لويس غرو) ومن روسيا (الأميرال إيفيميي فاسيليافيتش بوتياتين).

وقد أورد الباحث إيجاز وتلخيص لكل من هؤلاء الرجال للتدليل على إمكانياتهم وأدوارهم التي قاموا بها.

(4)

ويورد الباحث الصيني عاملاً آخراً لعب دوراً لمصلحة اليابان وهو الاختلاف في الأولوية الإستراتيجية التي أعطتها القوى الغربية لكل من الصين واليابان. وفي الأساس عانت الصين واليابان من الوضع شبه الاستعماري نفسه لدى محاولة مجابهة التقدم الاستعماري للقوى الغربية الرأسمالية. لكن تطورهما التاريخي اللاحق اتخذ منحيين مختلفين جداً.

باختصار فإن الباحث يريد أن يخلص الى أن الأولوية التي أعطاها الغرب للصين (مساحة وثروات وأهمية استراتيجية) قد كانت بمثابة ناقوس الخطر لليابانيين الذي كانوا يرقبوا ما يحدث في الصين، والذين كانوا في حراك سابق لتطوير ذاتهم، جعلتهم تلك الأوضاع على غذ الخطى لإنجاز إصلاحاتهم لتعزيز صمودهم ودرء المخاطر الغربية.

الفصل الثامن: الوعي المفاهيمي في المايجي إيشين


تقديم: ناجيتا تتسوووه/ جامعة شيكاغو/ الولايات المتحدة


بداية لا نعرف ما إذا كان صاحب هذه المقالة أو البحث، إن كان أستاذاً أم أستاذة، لأن المترجم لم يقم بوضع صفحات تعرف بالمشاركين في هذا الكتاب، لذا فإننا سنشير إليه بصفة مجردة.

(1)

يبدأ الباحث بحثه بنقدٍ لاذع للترجمات العالمية حول كلمة (إيشين) المقترنة بثورة المايجي. وعند إعادته لأصولها اليابانية، فإنه إضافة لتوكيده خطأ الترجمة، فإنه يؤسس للتمهيد لتسهيل فهم تلك الثورة.

فيقول: (إن كلمة ((إعادة)) تمثل ترجمة بالغة القصور لتعبير (إيشين: ishin) ويمكن اعتبارها بالفعل نموذجاً صارخاً للترجمة الخاطئة، وقد أثرت بشكل بالغ في نظرة الغرب الى (مايجي إيشين). إن رمز (i) في بداية الكلمة يعني: شد الشرائح المتباينة في المجتمع بعضها الى بعض، أو إعادة تجميعها. أما القسم الثاني (shin) فيعني: البدء باتجاه جديد كلياً. ولا تؤدي كلمة (إعادة) هذا المضمون الثوري أبداً. فهي تلفت ذهن القارئ فور سماعها الى فكرة إعادة السلطة الإمبراطورية بصفتها بنية سياسية واضحة كما كانت قبل الحرب كما في بريطانيا بعد كرومويل أو فرنسا بعد نابليون. والواقع أن الإمبراطور الياباني لم يكن يملك بنية سلطوية خاصة ليعاد إحياؤها، وكل مظاهر الجلالة التي أحيط بها بعد الإيشين هي نتيجة بناء أيديولوجي لدولة حديثة وليست إرثاً لتاريخ حديث.

فالباحث يؤكد أنه نادرا بل من المستحيل أن تجري الأحداث التغييرية، أو كما يسميها (ميشال فوكو) ((البدايات))، بهكذا فجائية تماماً. إنها بالواقع نتيجة تاريخ طويل من (التمفهم الناقد). إن الباحث يؤمن بمصداقية كلام (أنتونيو غرامشي) عندما أشار الى نشاطات كهذه عبر الحقب التاريخية على أنها (جُهدٌ جَدِّيٌ مُكثف لعملية النقد). وهذا سيكون بفضل جهود آلاف النشطاء الذين يبدعون ويفكرون ويعملون ويؤثرون بالمجتمع، دون أن يلتقوا في زمانٍ أو مكان واحد في تاريخ الأمة ـ أي أمة ـ ومساحة الأرض التي تعيش عليها.

(2)

بعدما تجاوزت المائة من الأسماء اليابانية التي أدرجها الباحث في بحثه، ولتشابهها وصعوبة لفظها، آثرت عدم إدراجها (في هذه القراءة المتواضعة). لكنها تدلل بكل تأكيد على الجهود المتنوعة التي قام بها هؤلاء المبدعون في مجالات الفلسفة والزراعة والتجارة والرياضيات، والعلوم المختلفة، من طب واقتصاد وفلك وصناعة سفن، وأثر تلك الجهود في تشكيل الثقافة التي سادت في اليابان منذ أكثر من قرن من إعلان ثورة (المايجي إيشين).

لقد تنوعت آراء وفلسفات كل واحدٍ من هؤلاء الرواد، لتصل في عينة من الزمن الى التضاد فيما بين رواد النوع الواحد من النشاط. فبين مبالغٍ في الهوية الوطنية وقدسية التاريخ الياباني، الى ثائرٍ على تلك القدسية، والذي يُطالب في الخروج من العزلة (الرائعة) لينفتح على العالم وينهل من مهاراته وعلومه وفنونه. وبين من يحصر تلك المهام وإناطتها بالطبقة الأرستقراطية ـ كأصحاب حق تاريخي ـ الى من يجعل هذا الحق لعوام الشعب.

ولكن أكثر الخلافات والتضاد في الأفكار ما جاء في شأن التغيير بقوة السلاح، وبين من كان يطالب بالتحلي بالصبر، حتى جاء من يوفق بين كل تلك الاتجاهات المختلفة أو المتجادلة في تصعيد الوصول الى ما وصلت إليه اليابان عام 1868 عند إعلان القسم وكتابة الدستور باعتبار ذلك التاريخ هو خط انتصار ثورة المايجي إيشين.

(3)

يناقش الباحث في الجانب الفلسفي، فيقترح رسماً تخطيطياً لقطرين متعامدين داخل دائرة، وضع في أعلى القطر العمودي (المثالية) ووضع في الطرف الأسفل (التجريبية)، أما المحور الأفقي للقطر الدائري، فوضع على يمينه (التاريخ) وعلى يساره ( الطبيعة).

ثم وضع ما يشبه التوافيق والتباديل في تأثر أتباع المدارس الفلسفية في اليابان: 1ـ مفهوم التاريخية التجريبية. 2ـ مفهوم التاريخية المثالية. 3ـ مفهوم الطبيعية التجريبية. 4ـ مفهوم الطبيعية المثالية.

ويعتقد الباحث أن من الحكمة النظر الى ثورة المايجي إيشين بأنها نتَاجٌ منوع لنشاطات فلسفية قد تكون متضادة وقد تكون متآخية ولكنها تهادنت في النهاية لتصنع أيديولوجية يابانية، فالأيديولوجيات بنظر الباحث لا تنبثق كاملة المعالم في لحظات الأزمة بدون ارتباط بحقلٍ من الأفكار المتوافرة والمتاحة لحدٍ ما. ويصح هذا على المايجي إيشين كما على الثورة الفرنسية. إن البدايات الأيديولوجية للثورة الفرنسية كانت مزروعة في واقع فكري، زمناً طويلاً قبل أن يبدأ الفلاسفة الحوار فيما بينهم.

في الفلسفة المثالية، يتم النظر الى المعرفة أولاً، عبر عملية استبطان يفسر العالم الخارجي من خلالها بتعابير مثالية. أما في التجريبية ـ والتي كانت الأكثر تأثيراً الى حد كبير خلال القرن الثامن عشر ـ فيجري ترتيب قواعد المعرفة عبر اختبار الأدلة الخارجية، في الطبيعة أو في التاريخ. ويتم التوافق بين العقل المدرك والمعرفة الخارجية من دون إنكار النفس الداخلية بالضرورة.

لكن فيما يتعلق بالتاريخ، فإن النص الأساسي (حسب رأي الباحث)، الذي على العقل البشري أن يختبره، لا بد أن يكون داخل التجربة الإنسانية، أي التاريخ. ويشير الباحث الى رأي تبناه (أُغيو سوراي) الى مسألة الطبيعة، فهي بنظره لا متناهية وخارج الإدراك البشري وخارج الإدراك البشري ولذلك، لا يمكن أن تكون معياراً لتوجيه أعمال الإنسان في سيرة التاريخ.

كان إسهام (أغيو سوراي) أكبر في تقويض سمعة الأرستقراطية. فهو رفض فكر (منسيوس: الفيلسوف الصيني الذي يحتل المرتبة الثانية بعد كونفشيوس 372ـ289 ق م) معتبراً إياه جدلاً غير موثوق، وانتقد أفكار اليابانيين الذين اتبعوه مشيراً الى عجزهم في مناقشة أسباب ظهور البنى السياسية في التاريخ.

(4)

ظهر فيلسوف ومفكر آخر أثر على الفضاء الذهني في اليابان في القرن الثامن عشر هو (دازاي شونداي Dazai Shundai)، فقدم للياباني (أو للإنسان) نصيحة بمثابة منهج (( إذا فشلت البنى السلطوية في العمل بموجب قاعدة التطور، اقترح (دازاي) على الإنسان أن (أ) يثور أو (ب) لا يفعل شيئاً.)) وهو عنى بالخيار الثاني ترك النظام السياسي يتهاوى بنفسه، معلقاً بسخرية أن هذا الخيار الثاني هو المعنى الحقيقي للفلسفة الطاوّية. [ الطاوية: فلسفة صينية قديمة يُسمى جماعتها بالمهديين ـ نسبة الى الهُدى المُستدل عن طريق العقل]

لم يوافق الجميع نظرة دازاي تلك، بأن يُترك النظام لأن يتهاوى بنفسه، فمنهم من رأى أن يحدث بما يشبه (الكرنفالية ) في دفع النظام في لحظاته الأخيرة لأن يسقط بمشهد ثوري جماهيري، بعد أن يبدو للعيان أنه ساقط لا محالة!

ركز علماءٌ يابانيون في شتى المجالات على ضرورة استجلاب المعارف والعلوم ونشرها، حتى للعوام، وفي هذا الصدد أعلنوا رفضهم للطبقية التي تحتكر حق المعرفة والحكمة، وقال أحدهم (نيشيكاوا): (يمكن لأي إنسان أن ينمو إذا تلقى التغذية الصحيحة، فيمكن للفلاح أن يرتقي الى طبقة (الساموراي) وإن لم يكن قد وُلد منهم) وبهذا فقد استنكروا احتكار الأرستقراطيين لتناقل مواقع السلطة، واعتبروا أن نشر المعرفة بين كل الناس هو السبيل لمنع هذا الاحتكار.

(5)

تطرق فلاسفة اليابان الى شيء قد يكونوا منفردين فيه، وهو إمكانية استخدام اللامركزية في الأيديولوجية عالمياً من حيث الانتقاء تاريخياً وجغرافياً، بمعنى: أن الالتزام الكامل بالنمط الياباني لا يكون له المعطى الأولي في كل مراحل التطور التاريخي لليابان، فلا صرامة بقدسية الالتزام بذلك. كما أن التأثر بالصين ونمط التفكير وإدارة الحياة، هو الآخر لم يأخذ تفضيلاً استثنائياً فالتشابه جغرافياً مع المملكة المتحدة (كونها جزر بريطانية) مع اليابان، أكثر ملائمة للقياس مع التشابه الجغرافي مع الصين.

في كتابه ( يومه نوشيرو: بدلاً من الأحلام) استخدم (ياماغاتا) نظرية الوجود الطبيعي لتحليل كل التطورات العقلانية الرئيسية لمجمل القرن الثامن عشر. وحدد (ياماغاتا) ماهية المعرفة على أنها ما قبل علم الفلك، وانتقل الى تنظيم المعرفة في حقول تمتد من الأكثر تجريداً وشمولية الى الحاضر الملموس، فابتدأ بنظرية كوبرنيكس التي وضعت الكرة الأرضية ضمن قاعدة نسبية في مواجهة الكون، منتقلاً الى عالم الجغرافيا المقارنة، وتدرج حتى دخل حقل الاقتصاد السياسي، مُصراً على قدرة الإنسان في التسلح بالمعرفة لمقاومة الخرافة.

خاتمة البحث

يختتم الباحث بحثه بأن ثورة المايجي إيشين لم تكن ثورة انفعالية قام بها حملة السيوف، ولم تكن طلاقاً مع الأصالة وهروباً لما يسمى بالحداثة، بل كانت مزيجاً متناغما ( لا مركزية الأيديولوجية)، وكانت مزيجاً بل واتحاداً بين نشاطات إبداعية في كل المناحي تحالفت بالنهاية للوصول باليابان لما وصلت إليه من خلق (دولة غنية وقوية) وهي ما كان يُطلق عليه باليابان (فوكوكو كيوهاي).


القسم الرابع: الثقافة

الفصل التاسع: المايجي: ثورة ثقافية


تقديم: فرانك ب. غيبني/ شركة دائرة المعارف البريطانية/ شيكاغو

يستعرض الباحث في بحثه، الثورات التي حدثت في العالم منذ القرن الثامن عشر حتى وقت نشره لكتابه، فيذكر أن هناك خمس ثورات عالمية تركت آثاراً على مستوى العالم ولا زالت تترك. الثورة الأمريكية عام 1776، والثورة الفرنسية عام 1789، وثورة المايجي في اليابان عام 1868، والثورة الروسية عام 1917، والثورة الصينية عام 1949.

ولا يستخف الباحث بثورات عديدة حدثت في العالم كثورة محمد علي باشا في مصر وسوريا، وثورة (بوليفار وسان مارتين) في أمريكا الجنوبية، وثورة المكسيك وثورة كمال أتاتورك في تركيا. ولكنه يعتبر تلك الثورات ذات نطاق قومي محدود لا تتعدى حدود مناطق جغرافية معينة.

وعند تصنيفه للثورات، يعتبر الباحث أن الثورة الأمريكية قد جسدت فكرة الاستقلال من الاستعمار بإقامة جمهورية ديمقراطية فيدرالية على أساس سيادة القانون. والثورة الفرنسية، بشعارها (حرية، مساواة، إخاء) ما زالت تلهم الشعوب التي تنتفض عفوياً للانقضاض على الأوتوقراطية والامتيازات. وأعطت الثورة الروسية للعالم المثل الأعلى لدكتاتورية الطبقة العاملة. أما المفهوم الصيني للشيوعية، فإنه استبدل بالطبقة العاملة بالفلاحين. وعندما يتطرق الباحث للثورة اليابانية فإنه يسارع الى تصنيفها بالثورة الثقافية.

(1)

لا يريد الباحث وضع صفة مشتركة بين الثورة الثقافية اليابانية مع الثورة الثقافية الصينية التي أطلقها الشيوعيون بقيادة (ماو سي تونغ). فالثورة الثقافية اليابانية جاءت برضا الشعب بفصائله المختلفة، طلاب، علماء، تجار، صناعيون، ساموراي، الخ. في حين جاءت الثورة الثقافية الصينية من فئة معينة (الشيوعيون) من الأعلى الى الأسفل، وبإجبار الجميع بتبني تلك التغييرات، دون الالتفات الى ما يصبون إليه.

وعند تكييف مفهوم التغيير بالثورة، فإن الباحث يذكرنا بأن الثورة هي قطع لحالة حكم وتغييره جذرياً ابتداءً من هرمه ونزولاً الى قيادات المفاصل في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية وغيرها. وتذكيرنا هنا من قِبل الباحث، هو ردٌ ضمني على أن ثورة اليابان لم تكن من أعلى الهرم (الإمبراطور) برغبته بالتغيير، بل جاء من مختلف أنحاء الشعب، وإجبار الإمبراطور على القبول بهذا التغيير وتبنيه، حفاظاً على ثنائية محورية (الأصالة والحداثة).

يتطرق الباحث الى شعارات وأقوال الثوار الشبان، خصوصاً (الساموراي)، فيؤشر على قول (ليس هناك تاريخ ماضٍ في اليابان، فتاريخنا يبدأ اليوم).

ويذكر الباحث، تصنيفاً لفيلسوف التاريخ الإنجليزي (آرنولد توينبي) الذي يصف الثورة اليابانية بأنها (نزاع كلاسيكي بين [ الهيروديين] و [الزيلوت] وتلك الفئتان هما ما كان سائد في فلسطين عندما كان (هيرود أغريبا) حاكم الجليل الروماني يريد إدخال الثقافة الرومانية مع (زيلوت) المكآبي اليهودي المتعصب.

(2)

يعود الباحث لشرح ماذا تعني ثورة ثقافية بالتراضي، فيقول: أنا لا أعني أن كل امرئ في اليابان والى أي مهنة انتمى، قد اشترك في الزحف لإحداث الثورة، ولكن كان هناك شيء من الحماس في الجو.

كانت الثورتان الفرنسية والأمريكية سياسيتين بصورة رئيسية، بغض النظر عن الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. وكانت الثورتان الروسية والصينية عقائديتين. أما في اليابان، فإن التغييرات الثقافية التي رافقت التحديث قد سبقت الثورة السياسية الفعلية، ثم غذتها كالنار في الهشيم عند اندلاعها.

من المفيد أن نأخذ بعين الاعتبار الأوضاع التي عمل مصلحو المايجي في ظلها. ففي عام 1868 كان يمكن تسمية اليابان عن حق بأنها (دولة إقطاعية) على نحو شبيه بأوروبا في القرون الوسطى. فقطع الرأس والموت على الخازوق والصلب كانت من العقوبات المعمول بها. وكان عامة الشعب معرضين للقطع إربا بسيف واحد من الساموراي بمجرد أن يتسببوا بإزعاجه.

ويدرج الباحث ثلاث مجموعات لعبت دوراً حاسماً في التهيئة للثورة:

1ـ أهل المدن الجدد: استطاع هؤلاء التجار ومقرضو المال والسماسرة والمالكون الجدد تكوين اقتصاد مالي جديد في أوائل القرن التاسع عشر، وتبديل المجتمع الزراعي الياباني الى آخر تجاري. كما أوجدوا خلال ذلك، ثقافة مدنية شعبية كانت تمهيداً لمجتمع حديث من الطبقة الوسطى.

2ـ المفكرون الجدد: انطلاقاً من العقيدة (الكونفوشية) الأصلية، عكفت أجيال من الدارسين من فلاسفة ومؤرخين وعلماء سياسة براغماتيين ومؤسسين أتقياء لعقائد دينية جديدة، على إعادة النظر في مسلمات مجتمعهم وتقصي جذورهم كيابانيين. وخلال ذلك اكتشفوا مغالطات أساسية عديدة في شرعية نظامهم القديم، وفي الوقت نفسه، قام باحثون آخرون بالغوص في الكتب الأوروبية المحظورة سابقاً واستكشاف عالم جديد شامل من العلوم والتكنولوجيا الغربيين. وكان لذلك وقع الصدمة على اليابان.

3ـ أصحاب المواهب المستاءون: نتيجة لتمردهم الغريزي ضد وضعية البطالة القسرية المفروضة على طبقتهم، فقد قام جيلٌ جديد من اليابانيين معظمهم من الساموراي والمزارعين والتجار بالإعراب عن عدم رضاهم على مجتمعهم (المعلّب).

(3)


يخلص الباحث الى أن المرحلة التي سبقت ثورة المايجي، كانت فترة صدام واضطراب ثقافي رهيب ومثير. ومن حسن حظ اليابان أنه كانت في البلاد مجموعات كبيرة من الشباب الطموحين. كان هؤلاء تواقين لتسلم القيادة والتعلم في آن، ولذا فقد خيب آمالهم الحكم السابق القابض بشدة على مقاليد السلطة، كما أحزنهم تفوق الأوروبيين الواضح.

أنجز مصلحو المايجي أهدافاً مدهشة في شموليتها. فقد تم إلغاء المقاطعات. وتم تأسيس مجالس للمحافظات، ومن ثم جمعية وطنية. واعتمد دستور شبيه بدستور (بسمارك) في ألمانيا. وتم تأسيس قوة شرطة. واندفعت البعثات الدبلوماسية في الخارج لنقل كل ما هو مفيد لليابان من علوم وتقنيات.

لم يكن جميع قادة المايجي رجال دولة. وخلال عملية بناء بلد حديث كانوا يتطلعون، مثلهم مثل من يخطط على طاولة رسم، الى اتجاهات مختلفة. فبعضهم أصبح مصرفيا، وبعضهم الآخر مربياً. في حين اتجه فريق ثالث الى ميدان الأعمال والاتصالات وحققوا نتائج لا تقل أهمية على المدى الطويل.
ويلتفت الباحث بذكاء الى أن هناك من بقي يحتفظ بماضيه دون اعتراض أو تذمر مما حدث في البلاد. فيذهب الى (هاجي) وهي بلدة بها قلعة تعتبر مركزاً للتآمر على العاصمة القديمة، وقد تحولت تلك البلدة الى متحف، دون تغيير في ملامحها التي كانت في العهد السابق.

الفصل العاشر: الوقع على الثقافة الشعبية


تقديم: إيروكاوا دايكيشي/ معهد طوكيو للاقتصاد ـ اليابان

إعادة المايجي في تاريخ الحضارة العالمية


تمثل إعادة المايجي إنجازاً نادراً. فضغوطات القوى الأوروبية والأمريكية التي رزحت تحتها اليابان ووقع الحضارة الغربية الكبير شكلت نقطة انطلاق اليابان نحو إحداث ثورة سياسية وإصلاحات اجتماعية واسعة، وتحقيق وحدتها ضمن إطار دولة قومية. فما الذي حدث فيها على الصعيد الثقافي؟

كان هناك، من منظور دولي، نمطان مختلفان من الرد على الحضارة الغربية الحديثة: القبول أو المقاومة. الأول حصل في بلدان مثل اليابان وروسيا اللتين أقامتا علاقات لكنهما لم تُضَحِيا باستقلالهما. والآخر ساد في البلدان التي أُجبرت على التواصل عن طريق الاستعمار وغيره من أشكال الإذعان، وفي الحالة الأولى، كان قبول الحضارة الغربية سهلاً، وقد اُستعملت التكنولوجيا والمؤسسات الأجنبية بصورة انتقائية لإنماء القوة الاقتصادية والعسكرية. إلا أن مقاومة الثقافة الروحية الأوروبية، كالفلسفة والدين، لم تكن قوية كفايةً، مما نجم عنه فترات من التقليد السطحي والبلبلة.

في الحالة الثانية، كما هو في الصين وكوريا والهند والبلدان العربية، لم يكن من الممكن الفصل بين الحضارة الغربية ككل والهيمنة الإمبريالية، الأمر الذي أدى الى صراع طويل بين الثقافتين الأجنبية والمحلية. وبات التفكير استبطانياً، وأشعلت روح المقاومة وحركات المطالبة بحق تقرير المصير. وقد ظهر شخصيات مثل (غاندي) و(نهرو) و(صن يات سن).

وقع الإعادة على طبقات المجتمع الياباني

يتحدث الكاتب، عن تأثير (الإعادة) على الثقافة. وسيتناول حوالي ستين عاماً، قبل انتهاء الثورة وبعدها، ويلخصها قبل تفصيلها بأنها قضت على الفروقات الطبقية وفتحت المجال أمام حرية التنقل ومنحت الشعب (الفسحة) التي يحتاج إليها لتحقيق تطلعاته. كما كانت أيضاً حافزاً كبيراً لتطورات محلية دفعت باتجاه الحداثة الشعبية التي قد بدأت فعلاً قبل الإعادة.

والواقع فإنه من دون هذه التطورات الداخلية كان يستحيل تحقيق انتقال اليابان من التسلط الإقطاعي الى نظام دستوري، وتحولها الى مجتمع صناعي حديث وازدهار ثقافتها، وهذه من مميزات مرحلة المايجي. من جهة ثانية، فإن (الإعادة) جعلت من معظم اليابانيين (إمبراطوريين) بمعنى أنهم علقوا بإحكام ضِمن شبكة النظام الإمبراطوري.

وعندما أراد الكاتب تفصيل أثر الإعادة، قسم عامة الشعب الياباني الى ثلاث فئات وناقش أثر الإعادة على كل فئة:

1ـ طبقة المزارعين (غونو) والتجار الأثرياء (غوشو) والتي تشكل الزعامات القروية.
2ـ الطبقة العاملة الدنيا (كاسو سايكا تسومين) والتي تضع الفئات الدنيا في المدن والطبقة الوسطى والمزارعين الفقراء وأشباه البروليتاريا.
3ـ طبقة المنبوذين (هيسا بيتسو مينشو).

ومن الواضح أن ردة فعل هذه المجموعات الثلاث تجاه (الإعادة) لم تكن متماثلة. فبالنسبة الى المنبوذين، على سبيل المثال، كما نص عليها المرسوم المعروف بمرسوم التحرير في آب/أغسطس 1871، والقاضي بحظر استعمال العبارات المسيئة لهذه الطبقة، كان مصدر فرح عظيم ، وقد استقطب أفئدة المنبوذين الذين عانوا من التمييز والقمع مئات من السنين.

بالمقابل، فإن كثيراً من أفراد الطبقات الأخرى شعر بالامتعاض من هذا المرسوم، وقد تم ترجمة هذا الامتعاض بالهجوم على قرى المنبوذين (هجوم في شهر يناير 1872 وإضرام النار في قرية كاملة وقتل 4 من المنبوذين). وهجوم على أحد قرى (ميماسكا) عام 1873 من قبل 26 ألف من المهاجمين ودمروا فيها 51 منزلاً وحرقوا 263 منزلاً. وذكر الباحث 11 هجوماً من هذا النوع، عاقبت فيها الحكومة 64 ألف شخص في أحد المرات و57 ألف في مرة أخرى.

الوعي المعادي للتغريب لدى الطبقات الدنيا


كانت سياسات الحكومة الجديدة تعسفية، كما لو أن القصد منها كان تدمير عالم من المُثُل الروحية كان الشعب شديد التمسك به. فقد ألغت الحكومة مهرجانات حصاد الخريف، كما حظرت الجمعيات الدينية، والتجمعات خلال طقوس استقبال الشمس والقمر، والمسرحيات الشعبية، وحظرت الجمعيات الشبابية. وطالبت بتقليل المعابد، وأمرت بتوحيدها بغض النظر عن تطابق شعائرها.

كما حظرت الحكومة مناسبات الأعراس، والزيارات الخاصة للتهنئة بالمولود أو التعزية بالميت، وحظرت جمع الأموال الخيرية، وأجبر الناس على قص ضفائر شعورهم وتسريحها حسب الطريقة الغربية.

أحس الناس باشمئزازٍ شديد من هذا التغريب، وقد كُتبت الأشعار والروايات عن هذه المشاهد، فيصف (هيغوشي ايشييو 1896) في رائعته (نيغوري: صورة الظلام) الظروف المعيشية القاسية لفقراء المدينة في هذه المرحلة.

لقد تفهم البيروقراطيون المشاعر التي سادت أوساط طبقات المجتمع الدنيا. واعتقد معظمهم أن الفضيلة تكمن في الاعتقاد بأن (الحضارة مرادفة للتغريب)، وكانوا مقتنعين بأن تحويل اليابان الى أمة (مُغرَّبة) و (حضارية) كان خيراً مطلقاً. واحتقر المتنورون من اليابانيين الطبقات الشعبية على أساس أنهم (رعاع جاهلون عاجزون وبائسون). واقترحوا تسليط (الساموراي) على الفلاحين والبرابرة!

في آذار/مارس 1873، قامت انتفاضة كبرى، غلفها القائمون عليها بلباس ديني بحجة أن البلاط يتعاطف مع التعاليم المسيحية. وبعد قمع تلك الانتفاضة خفت حدة الاعتراضات، وأخذ الشعب بتقبل التحديث.

وقد ظهرت تيارات فكرية على هامش التحول الاجتماعي يمكن تلخيصها:
1ـ تيار رئيسي يستوحي النماذج الغربية، منها تيارٌ يمثل العقلانية البيروقراطية ومنها تيار فكري اجتماعي يساري حديث.
2ـ تيار جانبي يسعى الى نموذج للحداثة الآسيوية الشرقية، ويتفرع منه تيار باطني للفكر المعارض على مستوى الطبقة الدنيا، وتيار فكري اجتماعي يميني حديث.

نتائج الإعادة على طبقة المزارعين والأثرياء

تبين بالتأكيد أن طبقة المزارعين والتجار الأثرياء قد احتضنت فكر الغرب الحديث وحضارته. غير أن هذا القبول جعل حياتهم تتسم بالتناقض. فقد اعتنقوا مذهب المنفعة الذي يكمن في أساس (الحضارة والتنوير) طالما أنه يبرر حاجتهم لجني الثروة ويحوّل طموحاتهم الى حقيقة واقعة، ومع ذلك فإن موقعهم كزعماء لمجتمع القرية أجبرهم على التصرف ـ مثل ذي قبل ـ كنماذج لخلفية علمية زاهدة من القيم الأخلاقية الدنيوية.

أهمية الإعادة في التاريخ الثقافي


كتب (كيتامورا توكوكو) والذي ولد عام 1868، وكان يُطلق عليه أديب مرحلة المايجي، وهو أحد قدامى قادة حركة الحقوق الشعبية، وقد اختتم حياته بالانتحار عام 1894: (( كانت إعادة المايجي ثورة لم يسبق لها مثيل، سعت الى مساهمة الجمهور في حرية الفكر والقلب)). لكن هذه الثورة انتهت قبل أن تكتمل، وقد أوكل لحركة الحرية والحقوق الشعبية استكمال ما بدأته (الإعادة) لكن هذه فشلت بدورها.

لقد استنتج (توكوكو) في النهاية بأن مرحلة المايجي لم تكن ثورة، وإنما فترة انتقالية. لكن حتى بالنسبة إليه فإن (الإعادة) استطاعت جمع (الساموراي) وأفراد الشعب العاديين ضمن بوتقة واحدة من المواطنين. وكانت بهذا المعنى ثورة حقيقية. الواقع أن هذه كلمات تحمل في طياتها ثناءً بالغاً.

الفصل الحادي عشر: دور الأدب في إنماء الثقافة


تقديم: لاريسا ج. فيدوسييفا/ أكاديمية العلوم في موسكو

(1)

إن الأدب القصصي عنصرٌ هام من مكونات الثقافة، لأنه يشكل نظرة خاصة الى الحقيقة الموضوعية، كما أن مسألة الاتجاهات المستقبلية في إنماء المجتمع البشري تكتسب أهمية خاصة اليوم. فأية قيمة أخلاقية سوف ينميها المربون الثقافيون بين أبناء جيل الشباب في العالم؟ أي نوع من الوعي الاجتماعي سوف يتصف به هذا الجيل؟ ما هي الدروب التي سوف يسلكها المثقفون الشباب في مختلف بلدان العالم؟ هذه الأسئلة جميعها هامة بالنسبة للإنسانية جمعاء.

إن الدور الهام الذي تلعبه القصة في قولبة نظرة العالم والقناعات الفلسفية للشباب معروفٌ جداً. فبالتأثير على الأحاسيس وليس فقط على العقل البشري يمكن للقصة أن تكون أحياناً فعالة في زرع أفكار معينة في الوعي الإنساني. فهي تؤثر على عملية التفكير دون إكراه ظاهر، جالبة الى الفرد شعوراً بالرضى بل والمتعة. إن الرسالة التي يحملها عملٌ فني غالباً ما تصبح شخصية فيدركها المرء على أنها رسالته الشخصية، الأمر الذي يساعد على صياغة صورة للعالم أكثر تماسكاً.

إلا أن تأثير الأعمال الأدبية كمصدر للتنوير المعنوي للإنسانية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى إدراك القارئ لها. فإن جوهر الإدراك شيء يتقرر على ضوء المنظومة: الحقيقة والمؤلف والعمل الأدبي والنقد والقارئ. فكلما ازدادت الارتباطات التاريخية والاجتماعية والأخلاقية والعقلية والعاطفية التي يستثيرها المؤلف في قارئه، ازدادت درجة فهم الإنسان للإنسانية ولكفاحها وانجازاتها وسعادتها.

(2)

لقد تمكن العالم الياباني (ناغاشيما نوبويشيرو) عن طريق مقارنة الحضارتين الغربية واليابانية، من تحديد 30 صفة نموذجية للقيم السائدة في الشرق والغرب. وأهمها هي (ثقافة متجاوبة مع الآخرين).

ليس من قبيل المبالغة القول بأن (تجاوب) الثقافة اليابانية مع حضارات الأقسام الأخرى من العالم بدأت بالظهور بعد ثورة 1868، التي كان لها أثرٌ بالغ جداً على تطوير الثقافة اليابانية بشكلٍ عام. فقد وضعت اليابان بعد عام 1868 حداً لعزلة دامت قروناً عديدة وفتحت أبوابها للثقافات الأخرى.

وحسب الباحث الياباني (أوتا سابورو) فإن تولستوي وتورجينيف ورولان وموباسان [ الاثنان الأولان روسيان، والاثنان الآخران فرنسيان] هم من المؤلفين الأجانب الذين يقرأ اليابانيون مؤلفاتهم بانتظام. ويقول (أوتا) عنهم: إنهم يابانيون، وظلت مؤلفاتهم لأكثر من نصف قرن وخلال تبدل الأجيال تجد قراءً لها في اليابان. لقد وفروا دوماً لليابانيين غذاءً روحياً لا بديل عنه.

لا يخفي الكاتب الروسي لهذه المقالة، تضخيمه للدور الروسي أو السوفييتي في تحرير الإنسان الياباني، فيستشهد بأعدادٍ من الروس مثل (مكسيم غوركي) و (ماياكوفسكي) و (فورمانوف) و (فادييف) وكثيرين غيرهم، وكيفية إقبال المثقفين اليابانيين على دراسة هؤلاء والاستزادة من مؤلفاتهم.

(3)

وبعد انكسار اليابان في الحرب العالمية الثانية، انتشر الفن الانحطاطي المتولد من تدني القيم الإنسانية، وتاليا من خيبة الأمل على نطاق واسع في يابان ما بعد الحرب. ففي مقالة نموذجية (حول التدهور المعنوي) كتب (ساكاغوشي انغو) عام 1946 يقول: (يسقط الإنسان بسهولة، ويسقط كذلك الأبطال والقديسون دون أن يستطيع أحدٌ الإمساك بهم. ولا يستطيع أحدٌ أن يُنجي الآخرين بالإمساك بهم. فالإنسان يحيا والإنسان يسقط. وحده طريق السقوط المستمر الى الهاوية يدفع بالإنسان الى اكتشاف ذاته وبالتالي مساعدة نفسه والآخرين).

وبلغ ما يُعرف ب (الأدب الفيزيولوجي) الياباني مرحلة غليان في هذه الفترة، و(قصة العقرب) ل (كورهاشي يوميكو) مثال عليه. وقد تأثر يابانيون بسارتر كما تأثروا بالماركسية، ولكنهم في بحثهم عن الصراع بين الخير والشر، لم يستطيعوا التوفيق بين الوجودية والماركسية.

في عام 1965 حدد (نوما) مؤلف رواية (شبان معاً) عدداً من الاتجاهات في الأدب الياباني: 1ـ ما يُسمى بالفن الخالص. 2ـ المؤثرات العسكريتارية. 3ـ الواقعية التي تلفت النظر، إنما ليس بالضرورة من موقع ماركسي، الى مشاكل المجتمع الحديث. 4ـ الأدب الكاشف لتناقضات حقائق اليوم من وجهة نظر ماركسية. والجدير ذكره أن تأثير مأساة (هيروشيما ونجازاكي) [ المدينتان اللتان ضُربتا بقنبلتين نوويتين] تقع ضمن نطاق الاتجاهين الأخيرين.

(4)

منذ أواسط السبعينات من القرن العشرين، انخفض انتشار الكتب الأدبية السوفييتية، وتوقفت حالة الإعجاب بالأدب السوفييتي.

ولكن الكاتب للمقالة، لا ينسى ذكر أن القراء السوفييت كانوا لا يتركون عملاً أدبياً للكاتب الياباني الشهير (اكوتاغاوا ريونوسوكي) منذ عام 1924، إلا ويقومون بترجمته وقراءته. ويقر اليابانيون بأن هذا الكاتب لم تُترجم أعماله في أي بلد بالعالم بهذا القدر الذي حدث في الاتحاد السوفييتي.

كما أعجب السوفييت بأعمال أدباء وفلاسفة يابانيين أمثال: آبي كوبو صاحب رواية (امرأة في الكثبان الرملية 1966) و أوي صاحب (يوميات بينشيزان) كينزابورو الذي يتحدث افتراضاً، عن رجل يختار طريقه الخاص في الحياة. وأندو شوساكو وكايكو تاكيشي وغيرهم.



رد مع اقتباس