عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم April 2, 2015, 10:00 PM
 
رواية حكايات من خلف الجدران للكاتبة فتاة بلا ألم

شمـوخ في زمـن الانـكسـار

" الجـــــــزء الأول "

(1)



بشروق الشمس على تلك الحارة القابعة خلف تلك المباني الشامخة والشوارع الراقية
وبذالك البيت الطيني المعاند لجبروت الـظلــم ..وريـــاح الــــــقسوة وألــــــم
تخفت خلف النخلة الوحيدة في البيت وهي تكتم ضحكتها براحتها اليمنى
وتطاير أطراف شعرها الذي عبث فيها الهواء وصرخت بشقاوة طفولة لم تدنسه تلك الصحون ألفاضيه..ولا الحياة الرفاهية .." شروق تعالي هنا"
ولم تنتبه لظل الذي تبع خطاها وهزها بصوته الغاضب .."أنا كم مره قلت لكم إذا كنت نــــائــــــــــــم ما تلعبن عند راسي .."
رفعت عينها بعينه وبغيض كسى وجهها.."يووووه منك بندر ابعد عني الحين بسمة تكشفني"
زادت حدت صوته وتــــــعوج جبينه.." وكمان مجمعة بنات الحارة تلعبوا شرعة ببتنا.."
حاولت تسرق نظرها لقادم من طوله الفارع وبصوت منزعج.."يا سلام لو لعبنا بالشارع فضحتونا ولو لعبنا في البيت فضحتونا اجل وين نلعب".. وتخفت خلف الشجر .."يلا ابعد لا تشوفك بسمة "
رد بندر بضحكة يغيض فيها طفلته البريئة.."لا تعلبي عشان إذا شافك احمد يقول هونت عروستي بزر لسه تلعب بالشارع.."
أظهرت جسمها من خلف الشجرة و ضربت بالأرض وتناثرت ذرات من الرمل بدنيا قد تفرق ولكن نادر ما تجمع .."والله لا علم عليك أمي يا قليل الأدب.."
وبصرخة القادمة أفزعتهم .." كشفتك يللا دوري "
روعة.." لا غش هذا بندر خرب علي اللعبة .."
بسمة بروح معاكسة لشخصيتها.."مالي شغل يلا دورك"
ضحك بابتسامة ذوبتها حرارة الشمس الساطعة..وتركهن بجدال ربما لن ينتهي أمد الحياة
استوقفه صوتها الصارخ وهو يتخلل آذنيه كأنغام الكناري .."بندر بندوره دب مثل الكوره.."والله ما راح أخليك تنام طول عمرك".. ومدت لسانها بطوله وركضت تجري بتحدي وشموخ ورثته عن بيت نال من الدنيا بما يكفيه وربما تحديها أصاب وسجلته ذاكرة الأيــــام..وخــطتـــه أقـــــلام الــــــكتــــاب..







خرج من ألبــقــالـــه بعدما رمــى الـــفلوس..استوقفه سرحان قـــاده إلى أمـــاني كثــــيرة
تنفس الصعداء..وفتح علبة الببسي فتناثرت بوجهه..احكم الغطاء بشدة.. ثم سترشق منه قطرات وابتسم بحب اخوي لقادم "هلا أبو الشباب وش مصحيك..خبري فيك نائم"
تمتم بغيض بعدما حجب سلاطة الشمس براحته الغليظة.." وكيف بالله تبني أنام و أنا عندي شياطين في البيت.."
ضحك فارس.." الحمد الله توقعتك بتقول أختي روعة"
بندر.."هو في غيرها الجنية و مجمعة بنات الحارة يلعبون عند راسي.."
فارس بابتسامة لا تختلف عن أخته.." حرام عليك والله حتى أخواتك شروق وغروب جنيات وكلهم نفس الطينة صجة ولجة.."
بندر.." والله على الأقل أخواتي يخافون مني ..وتمتم بغيض وهو يسرد ذاكرته أمامه..ويحــــلق بلا أجنحه "حسبي الله عليها خربت علي حلمي..تخيل حلمت إني أسوق ماكسيما و نائم بفله عيال الشاعر ومتزوج بنت ابو ..وووو "
قطع شروده واسترساله بأحلامه إلتي دائما تقود إلى باب مغلق وبحر لا شاطئ له .." قلتها حلمت وفكينا من خربيطك..وفاتت عليك مباره عمرها ماتتعوض"
بندر بحماس أنساه أحلامه.."هاااا لا تقول جبتوا رأسهم.."
فارس ضرب صدره بفخر.." انا فارس ما اجيبها وستة صفر وماتوا بغيظهم .."
بندر بحسره تنفس فيها.." خسارة راح علي نص عمري ياليتني كنت وقتها موجود"
اكمل فارس كلامه بغيض واضح.." بس الخبل ولد عمك خربها علينا قال ايش تسلل.."
بندر.." الله يأخذه أكيد سيف الحقود.."
فارس.." لا أخوه يوسف.."
زفر بندر بضيق وجلس على عتبة بيت مهجور وأرخى رجليه لعنان.. "فكنا من كلامك وقول لي اليوم مريت بيت جنان"
تغيرت ملامحه وعاد لشروده من جديد انزل رأسه وتأمل بيوت الحارة والجدران الملونة بقلوب ممزقه والسهام تخرق فيها من كل جهة..تنهد بيأس بعدما استوقفته كلمة الحب عذاب المنقوشة على الجدار..وهمس بحرمان.. (ايه و يا ليتني ما مريت)




***



جالس بينهم مثل الغريب ..مثل المنبوذ ..عيونه تسرق النظر لكل فرد منهم. يشوف العز واضح عليهم من ملابسهم من جولاتهم وسيارتهم من قصرهم الفخم يتامل زوجة عمه الي ذهب مالي يده. والانتقام يرجع يتولد بداخله ..سك على اسنانه ورجع يلعب بجواله العنيد اقدم جوال .صحا من تاملاته على صوت ولد عمه " هي انت تعال اشحن جوالي البطاريه فارغة "
ناظره من فوق لتحت وطنشه وكمل سرحانه
ماحس الا بصوت اخترق اذنه تبعه الم حاد التفت عليه شاف المفاتيح قريبه منه وعمه الشرر يتطاير منه .رفع عينه بكل كره وغيض لعمه " ليش تضرب "
عم بسام .." لما يطلبك الي اكبر منك ترد عليه والمفروض تكون خادم له وترد بعض جمايله عليك"
يخسا مابقى الا هو " قالها بكبرياء واضح
قام ولد عمه وشده من طرف ثوبه وتفل بوجهه " تخسا انت وجهك " ودفه بكل قوته على الارض
بسام مسح تفلته .."ايه تمردوا علي وانفخوا ريشكم بس خله يجي سعيد والله لاخليه يعلمكم كيف تمدوا يدكم علي "
تكلم عمه وهو يلعب بمسبحته بطرف اصابعه .." ههههه اخوك الحين تلاقيه عند ابوك ولا حافر له قبر جنبه "
قام بسام بطريقه عصبيه "عمر سعيد ماناساني ولا عمره راح ينساني وصدقوني لاخذ حقي منكم واحد واحد وتشوفوا مين بسام "
وطلع خارج البيت استوقفه بنت عمه تلعب بالحبل والبراءه مطبوعه على جبهة كل وحده منهن
بسام بمكر وعينه على الباب .."مرام تعالي معي الدكان اشتري لك حلاوة "
رمت كل شي بيدها وركضت له .." وكمان ابي مارس"
ضحك بين نفسه.." ولو تبي اعطيك المحل كله ..بس هاااا ياويلك تخبري احد عشان اماني واحلام يزعلوا لوا عرفوا "
هزت راسها والفرحة ماليها وجهه.. ومسكت بطرف ثوبه وطلعت معه
استدرجها لخارج البيت وقف بعيد تحت ضل شجرة عمهم الاخر نزع
سلسالها بهدوء وبعدها التفت لها
مرام شوفي الدكان مسكر ارجعي على البيت والعصر تروحي معي
تغيرت ملامحها للعبوس وزفرت بضيق .." خلاص بس لاتضحك علي "
هز راسه بانتصار على عمه ولد عمه .." لا تخافي مستحيل اضحك عليك"
دخل السالسال بين اصابعه ونشوة الانتقام بانت من ضحكته الي دوت بصوت عالي ليهرب من حياته البائسه ويختفي يوم يومين حتى تخلص قيمته السالسال ويرجع خائب لهم.




***


توقف بوسط الشارع بسيارته الفارهه ..وغير الاتجاه وانطلق مسرعا ..وعلى رغم صغر سنه إلا انه امهر بالقيادة من يسبقه بعشرات السنين ابتسم لشقيقه وتومه ونسخته الاصليه الا من خدش في الجبين ..غير ان شعر نادر كان انعم واكثف..من شعر عامر المميز بتجعيده وسواده الفاحم
عامر بحيرة .."وش فيك"
نادر.."ابي امر على حارة الشقاء"
عامر بتقزز .."اخ أقول لا تقرفنا لف على شارع التحلية ..ولا العليا..ما لقيت غير حارة الشقاء"
التف له نادر بالتفاته بسيطة .." تصدق عاد تعجبني هالحاره فيها ترابط غريب ما اذكر ما مريت بيوم إلا أشوف حرمه داخله ولا وحده طالعة..والشباب ملتفين حول بعض ..حتى عيدهم احسه مختلف عن عيدنا.."
عامر بفكره لمعت برأسه .."جل مر خلينا نقهر عيال حمود بسيارتك الجديدة.."
نادر.." عمرك ما تترك طبعك الشين"
استوقفته طفله تجري بوسط الحاره..وصرخت لما أفزعتها صوت البوق وهو يصرخ
وتوقفت امام السياره ..وغطت وجها براحتيها
صرخ عامر.." انتبه لنفسك"
نزل نادر والتفت لصغيره يهدي من روعها .."ايش فيك تركضي"
غروب بأنفاس متقطعة .."مافيني شيء"
مال عليها نادر ومسح على شعرها.." ايش اسمك"
غروب بخجل كسى وجهها حمرة فأصبح شيء عجيبا.." غروب"
ابتسم لها ونزل بمستواها.."يعني مثلا هذا" واشر لها على الغروب
هزت رأسها بتأكيد وعيونها ما فارقت منظر المغيب.." أيــــه"
عبس بوجهه وابتسم معاندا .." بس أنا ما أحب الغروب أحب الشروق.."
ابتسمت ولفت وجهها وكأنها تعطيه درسا عن التفاؤل .." لا الغروب أجمل.." وحركة أناملها الصغيرة وطوقت بها وجهه وأدرته نحو الغروب وببراءة.." ناظر الغروب أحلى منظر من الشروق "
انتابه شعور غريب وجهه بين كفيها وراحة عجيبة فقدها ولازال يبحث عنها ومال فمه بابتسامة جانبية." ايه حلو بس الشروق قلت لك أحلى"
غروب بإصرار.." بالعكس شروق الشمس دائما تؤذينا بحرارتها وقاسية على البشر أما القمر هو ارحم لنا وكمان الغروب لسكون والهدوء..واشرت على القلب ..وكمان لهذا"
ابتسم بإعجاب.." مين علمك هالكلام"
ناظرته بغرور مزج بثقة.." أمــــــــــي "
تقدم عامر بخطوات تملوها التكبر والاشمئزاز.." أشوف بنت حارة الشقاء طابت لك" وغمز بعينه بلوم
وقف نادر بطوله الفارع.." تدري انك ماسخ"
مشى عامر وقف عند باب السيارة.. وتكلم بإشفاق .. "وتدري انك عاطفي زيادة عن اللزوم.."
أشرت له غروب من بعيد بيدها مودعه وابتسم بحب وكرر لها نفس الحركة
ركب السيارة نادر وبادره بالكلام.." أموت بالبنات وخاصة لكانت حلوات"
وغمز بعينه يغيض عامر..
ابتسم عامر واخذ جواله.." وأموت باللحظات الحلوة عشان كذا لازم أصورها ".. ومد الجوال بكــــل مكـــر




***





مع فرار الشمس لمغيب..ورحيلها ليوم مضى ..ومزق من تقويم الأيام..وطوته صفحات التاريخ ولم يسجل به شيء يذكر..اجتمعت العائلة على المباراة بين فريق النصر والاتحاد
تمدد بندر على الأرض بعدما حضن المخدة إلى صدره بقوة وصار يتابع بشغف..وفارس جالس ومتكئ على الجدار ومتقلب بجلسته من شدة الحماس..وعمر ألأصغرهم سنا تفرش الأرض بكامل جسمه..
ام شروق وروعة وغروب تجمعن بزاوية الصالة ..وأصوات ضحكاتهم قطعت عليهم استرسالهم بالمتابعة ,,
"قسم بالله لو ما سكتن لا مسح فيكم الأرض".. صاح فيهم بندر بغيض
ام بندر المنشغلة بسماع نور على الدرب من إذاعة القران الكريم.."بسم الله الرحمن الرحيم اترك أخواتك يلعبن.."
فارس بضيق وعينيه تصارع الكوره.."يا خالتي والله أزعجنا خليهن يذلفن بالحوش ولا بالسطح او اي مكان.."
شروق بتحدي وعناد.." احنا حرات وين مانلعب نلعب وبدا صوتها يعلى .."الفلاح بالحقول يزرع قمح ثم يقول "
بندر.."يوووووه يمه شوفي صرفة لبناتك.."
ام بندر بضيق بعدما أقفلت الراديو.."اقول بسرعة قفلوا المباراة وعلى دروسكم انت ناسين إنكم ثانوية عامة.."
قفز عمر أخير من سكوته ومن دنيته الي صنعها بنفسه.."طيب انا مالي دخل فيهم ابي اتابع المباراة.."
قامت من جلستها وتمسكت بقوة بالجدار بعدما اهلكتها قدميها من الالم والوجع..وقبلها أهلكتها جور الايام وقسوة تلك القلوب الغافلة..وتكلمت بتعب.."انا داخله اسوي العشاء لو اسمع كلمة وحد ما يصير لكم خير"..وبتهديد.." سامعين.."
أنغاظ بندر من كلمات امه..وتمدد فارس بانسجام..وعمر عاد لصمته ودنيته.
" يا فاطمة يا فاطمة ما تأكلي"
قفز بندر بعدما صوتهن أزعج مسامعه ومسك شروق بيد وغروب بيد وشدهن بقوة..وصرخ محذرا.."تأكلن تبـــــــن سامعات اسمع كلمه زيادة هالمره ما راح أرحمكن.."
علق فارس وهو مشدود النظر بالمباراة.."ايه من الفلاح لـــــ ما تأكلي لو قلتن ما تزرعوا أزين لكم.."
روعة بتحدي.." والله لا علم عليك أمي " وبسرعة هربت دخلت المطبخ وبذكائها قدرت تقلب رأس أمهم عليهم
طلعت ام بندر من المطبخ..وأثار العجين لازال محتل بن أصابعها وصرخت بغضب
"بندر فك أخواتك حسبي الله عليك من ولد"
نزع يده من شعر أخواته ورد بضيق.." ما خرب بناتك غير الدلع"
تركته بدون ان ترد عليه واتجهت لتلفاز ونزعت سلك الاريل.." وردت بعدما استعادت نفسها.."وانتم ما خربكم غير هالتلفيزون"..وبحده أمره.." يللا على دروسكم ولا أشوف احد هنا.."
ضحكن الزهرات بانتصار تعلونهن ابتسامة شروق بشماتة..
أما بندر وفارس اخذوا شنطهم ونثروا كتبهم أمامهم..وعقلهم كان يحوم حول المباراة
و عمر بقى جالس بالصالة ويزفر بضيق ويتمتم بكلمات مفهومة بقاموس الشتم
بندر يتظاهر بالقراءة والتركيز وبهمس .." مين تتوقع يفوز النصر ولا الاتحاد"
فارس بعينين مشدود بالكتاب .."والله مافائز علينا غير الروعة ملت راس خالتي وكملن الفلاح ..وتأكلن تبــن يا فاطمة.."
بندر.."وش أسوى هذي أختك مصيبة بذاتها ولو أنها أختي كان كسرت رأسها"
فارس.."وهذا أنت كاسر رأس اخوتك وكل يوم لهن راس جديدا"

"
"

وبعد ساعة قضوها بالسرحان والشرود إلى أماني مبعثرة وأحلام محطمة
نادت ألام بعاطفتها الرحيمة.. وبقلبها الجياش..نادت بنداء الفطرة لأغلى
حب واقدس قلب نادت " يلا العشاء جاهز"
رمموا كتبهم..والتفوا حول السفرة
ام بندر ." هاااا عساكم حفظتوا لكم كم كلمة"
فارس.." افا ياخاله ماهو كم كلمة قولي كم كتاب "
بندر همس بأذنه وتظاهر بالانشغال بالأكل .."من جنبها"
تجمعوا حول السفرة بحلقه مكتملة ..بحلقه تعمها المحبة والإخاء..وتبث عبيرا يملى النفوس راحة واستقرار..وبهدوء المكان انبعث صوته قاطع لجواء السكينة والطمانيه
عمر.." يمه ابوي يحضر عرس سالم"
تغير وجها وشدة من ملامحها..ثم استرخت بصعوبة تاركه خلفها جبل من الهموم والغموم.." أنا وش دراني"
وانشغل الجميع بالأكل غير إن كلمة غروب صاحبة الثمانية سنين أفزعتهم .."يا رب عساه ما يحضر كل ما يجي حارتنا غير يفضحنا.."










في داخل تلك الغرفة المتهالكة..وعلى ذاك الفراش البالي.. تقلب على الفراش بمحاولة يائسة لهروب من.. الحب من الفقر ..الذل..من أشياء يراها أمامه كل يوم
وبنيران داخله تأكله وتتركه هشيما محطما وبسهام تخترق قلبه وتمزقه وتخره صريعا..تذكر كلماتها..وصوتها ..وحركاتها.." ليان قولي لناصر خليه يدخل مشتاقين له حيل.."
هزت رأسها الطفلة ذات الثمانية سنين وكأنها تنفذا مايقال لها
لفت جنان وبنظرات لازال يجهلها.." عن أذنك فارس أنا ماني فاضيه لك"
تنهد بضيق وتقلب على الفراش لمرة العاشرة متوسل لنوم ان يرحمه وان يسعفه باحلام طالما تمناها واقع يتعايش
حس بكثرة تقلباته وهمس بشك.."فارس نائم"
تنهد وغطى رأسه بالغطاء .."لا ليش"
بندر .." أكيد تفكر بجنان "
سكت فارس ولا رد عليه وربما لم يلقى جوابا يسعفه..الا زفره اتعبته وهي محبوسة بداخله
تنهد بندر بحزن .."حاول تنساها"
سكت فارس برهه ثم تكلم بيأس.. "صعب والله صعب حاولت اكثر من مره بس ما قدرت وكل يوم اقطع مشوار لأخر الحارة واجلس تحت الشمس بس عشان أشوفها وهي راجعه من المدرسة.."
بندر.." بس مستحيل البنت تكون من نصيبك ولا تنسى عيال الشاعر ناصر ونادر وعامر حتى سامر الي بسن عمر راح يوقفوا لك بالمرصاد.."
قفز من نومه وتكلم بغيض ملى صدره ومنعه أن يتنفس.." الله يأخذهم ما في مصيبة إلا وهم فيها"
بندر بواقعيه.." لا تزعل ..حتى لو ما يحبون جنان يأخذوها نكد علينا"
صرخ فارس بضيق ورمي الغطاء جانبا.."اصلا وش يربطهم فيها غير هالفلوس "
بندر .." بس في هالزمن الفلوس هي تربط وهي إلي تبعد والدم ما صار له أهمية "
فارس بتحدي وبشموخ.." مايهمني هذا الكلام انا الحين عمري 17 وإذا خلصت الثانوية بقدم على الجيش وبتوظف وبعدها بتزوج جنان واشوف احد يقدر يمنعني عنها.."
بندر بابتسامة تمردت على ملامح وجهه من حال فارس.."والبنت وش مخطط لها"
فارس يبني أمانيه أمامه ويخط مستقبله وزفر معاندا لكل شيء يواجهه وربما كان شامخ رغم الانكسار.."هي الحين عمرها 13وبعد ثلاث سنين بيكون عمرها 16 واظن كذا عمرها مناسب لي ولها.."
بندر بقسوة ومحطم كل الي بناه فارس.."وانت مخطط وضامن انا البنت بتوافق عليك تراها عرقها وعرق عيال الشاعر واحد"
صرخ بغيض وأشياء كثيرة تحطمت بالقاع وأصدرت إيقاعات حزينة ويائسة غطى رأسه ورمى نفسه على الفراش هاربا من الواقع وهمس متوعدا .." اشوف احد يفكر بجنان صدقني وقتها المــــــــوت ارحــــــــم له..والأيام بينا.."








بالبيت الأخر المقابل لبيت ام بندر كان أفضل حالا بالنسبة لغيره من البيوت المصطفة حوله
طالعت بشكلها على المرايا..وزاد بكاء ..وارتفع نحيبها.. والتفت لامها برجاء حار
"انا كم مره قلت لك ما أبيك تسوي لي ظفريتين"
ام سالم.." اقول احمدي ربك اني لميت كشتك"
بسمه.." بس انا ما حب الظفريتين وكمان بنات عمي يضحكوا علي لا شافون شعري كذا"
ام سالم.." بلا دلع وبسرعة هاتي المكنسة ونظفي الاحواش العصر بيجونا حريم"
بسمه.." لا انت قلتي لي راح اخليك تلعبي مع بنات عمك"
ام سالم.." ياسلام وهن بنات عمك ليش مايلعبن عندك..غير انت كل يوم تروحي لهن"
بسمه ببراءه.."أمهم ما تخليهم تقول عيب البيت كله عيال"
ام سالم.." اذا هي تخاف على بناتها من عيالي حتى أنا أخاف عليك من عيالها..
ولو اشوفك واصله بيتهم لكسر رجولك"
دخل سيف ويوسف وقطعوا كلام أمهم ..ورموا نفسهم على الأرض بتعب وكسل
سيف بوهن بعدما مد رجليه أمامه ينزع الحبال من جزمته الرياضية.." بسمه هاتي لي مويا"
صرخ يوسف وهو ينزع الكاب.." اول طلعي لي ملابسي ابي اتسبح"
سيف.."ياسلام شايفني رسلتها قبلك "
يوسف مسفه سيف وبحدة غاضبه.." ولا كلمه وبسرعة يابسمه طلعي ملابسي"
قفز سيف متحديا.." اشوفك تتحركي"
قام يوسف ونزع يدها بقوة.."قلت لك يللا طلعي ملابسي"
سيف نزع يدها من يده غير مبالي بروح تلك الطفله البرئية وشدها بقوة.. "وقلت لك جيبي لي مويا" واشر على المطبخ بتهديد
وضاعت بسمه بين إخوانها وبين حياتها؟؟؟..فهل ياترى تكون حياتها القادمه اسعد من كذا





***



وقف بسيارته الفارهة..وتجمع أطفال الحارة حولها وكأنه مكوك قادم من الفضاء
نزل من سيارته ودخل البقالة الوحيدة بالحاره بعدما رمى بنظراته المتعاليه شبان الحاره
"اف هذا وش جابه"..قالها بندر الجالس على رصيف الحارة
يوسف.." شوف ابو العز كل يوم جاي هو واخوانه بسياره جديده "
سيف.." ياعمري بس لو يعطيني دوره الف فيها الحاره وارجع"
فارس وطيف جنان محتل ذاكرته..تمنى انه عنده سياره مثلها او يملك قصر مثل قصرهم او روح متعالية كأرواحهم ..تنفس بحسرة وقام من مكانه بدون ما يشعر الآخرين به
خرج ناصر من البقاله وأدار عينيه على الشباب الملتفين حول بعض وخرج منه صوت استخفاف واستحقار ..اخرج سيجارته وأشعلها ثم نثر الدخان بوجههم
وتكلم بأنفه."هي أنت ياولد حمود خذ كيس الارز والسكر من السيارة"
قفز عمر وتبع قفزته قفزة بندر وبغضب لون وجهه وشد من عظلاته .." عسى بس تعطينا رزق على الخدمة"
ناصر.." لأسف بس يمكن اقطع عنكم الرزق"
بندر.." تخسى ياولد الكلب"
تقدم ناصر وشده من مقدمة ثوبه.."انا ولد الكلب ياولد حمود"
دفعه بندر بكل ماوتي من قوة وارتطم على الارض بذل مهان
بندر بعدما استعاد نفسه.." الكلب الي ساكت لك "
وانكب عليه بالضرب والركل والصفع..حاول ناصر ان ينفلت من يديه ولكن قسوة قلب بندر لم ترحمه..تجمع شبان الحاره..بين متفرج ومفزع
واخيرا تسلل من يديه وركب السياره وهو يتنفس بصعوبة وقبل مايدخل راسه .." راح تندم ياولد مريم..وتشوف ناصر ايش يسوي.. وقطرات الدم لاتزال تقطر من فمه وتختلط بكلماته..









على الساعة الثانية والنصف ليللا ..وبسكون اهل الحارة..الا من اصوات الحشرات والقطط وهي تبحث عن من ياوي جوعها وعطشها..ومن يسكن وحشتها وياوي روعتها
صرخت ام بندر بضيق وجلست بزاوية من زوايا البيت.." انا كم مره قلت لكم مالكم دخل بإخوان عزيرة.."
بندر.." يمه انت ماشفتيه كيف شايف نفسه علينا ولا يمن على النعمة الي يرسلها ابوي لنا"
ام بندر.." وارتحت يوم يجي بكره ابوك ويفضحنا بالحاره كلها "
فارس.." طيب بندر ماغلط هو الي شايف نفسه ويتخدم وعمي لازم يعرف الحق من الباطل ماهو كل ماارسلته عزيزة ازبد وارعد على باطل.."
ام بندر بيأس امتلى بقلبها منذ سنين.."ياوليد الي يكلم حمود ينفخ بقربه مخروقه .." ولفت على بندر .." ومن بكره دور لك ناس تنام عندهم وتفتك من شر ابوك لجاءك
بندر بشهقه.." وين تبني اروح"
ام بندر.." روح عند خالتك ام احمد او عند جارنا عبد ربه المهم ابوك لجاء مايشوفك
بندر.."لا انا ماسويت غلط عشان اهرب"
فارس..." ايه ياخاله خليه يواجهه عمي لو مره بالحياة"
سكتت ام بندر ولا ردت عليه وهزت راسها طارده لخواطر المحتله بداخلها..وتركتهم بحيرهم هم بذاتهم استغربوها





***
بفستانها الحريري..وبمشيتها المائلة..وتغنجها الواضح ..جلست بقربه كالأفعى التي تبث سمومها ثم تعود لحجرتها كي تعاود الكره و تجدد نشاطاها لتواصل اللدغة من جديد
زفرت بضيق وأخذت الجوال وتظاهرت بالضيق وهي تكلم أخوها ناصر
نهدت بحسرة وكررت الزفرة اكثر من مره
حمود.." خير وش فيك من يوم ما جلستي وأنت تزفري"
عزيره بطيبه تصنعها وتمزجها بكذب ترجوا منه دنيا زائلة .."شوف عيال مريم هذا جزاتي أنى أرسل لهم كم كيس رز وسكر وسأل عنهم يسوون بناصر كذا.."
حمود انتفض من الصدمه و أدار وجها من شدة الغضب .."ليه وش صار لناصر "
عزيزة.." لا ما صار شيء بس هدي عمرك"
حمود.."أقولك وش صار "
عزيزه.."تكفى عشان خاطري أنسى واخوي ما عليه راح ينسى الضرب والأهانه لكبر"
حمود باستيعاب قليل .."عسى الاولد بس غلطانين على ناصر "
عزيزة ميل فمها على جنب.." ياليتهم بس غلطانين كان زين..الله يسامحه بندر مجمع عيال حارتهم وطايحين بأخوي ضرب وكله عشاني "
حمود باستغراب وادار حاجبه ليسار .."وانت وش دخلك بالموضوع.."
عزيزة.."كيف وش دخلني وهم لسه يحسبوني انا الي حارمهم منك..ولا ماينادون اخوي غير ياخو شريرة .."
قام من جلسته ناظر فيها بغضب وطلع بعدما توعدا أمامه بالانتقام
ام هي دارت بسعاده ورقصت بفرح..وغنت بهلاك لاهل ذاك البيت





***




وقف امام البيت وهو يزبد ويرعد وانهال بالطرقات القوية على الباب وهو يسب ويسخط" افتحي يامريم الباب لايصير لك شيء ..ما هو حمود الي يتسكر الباب بوجهه
خرج اهل الحاره كبيرهم وصغيرهم وكل منهم يأسف على حال أهل هذا البيت الذي لايمر أسبوع او اسبوعان حتى تتكرر نفس المعاناة والمأساة حتى أصبح شيء معتادا وربما وصفا ينعتون به وانشدوه يتغنى بها الكبار قبل الصغار
هز ابو سالم رأسه بأسى بعدما أزعجه صوت أخيه وهو يتوعد.." يالرجال اقصر الشر وتعال ادخل عندي"
حمود وهو ثائر ومنفعل.."والله غير تحصلها مريم وعيالها"
ابو سالم.." الحرمه كافيها خيرها وشرها وتعوذ من الشيطان وتعال"
وبداخل البيت الشامخ الذي لايزال يكابر رغم الرياح التي تضرب به
بندر.." يمه خلينا نفتح الباب ابوي فضحنا"
وقفت على الباب بكل شموخ وتحدي.." لاوالله ماافتحه له وخلي يصرخ ويتوعد ويشرب من البحر اذا تعب"
بندر برجاء وتوسل.. "يمه خلي فضايحنا داخل البيت ما هو الكل يعرفها"
ام البنات فهربن كعادة وكل واحده اختفت بمكان وهي تضع يديه الاثنتين على رأسها بقوة
ورغم هذا لازال صوت الناعق يسمع..وتسقط معه شلالات من الدموع
ولم تمضي ساعة حتى اصاب صوت حمود بحه وتطايرت تهديداته ..وعاد السكون يلف ارجاء الحارة..
الله اكبر .. الله اكبر..صدع بها المؤذن بإرجاء الحارة ..وأعلن لعالم إن الله اكبر مهما تعاظمت النفوس..إن الله اكبر مهما انتفخت الصدور الله اكبر مهما كان هناك اكبر
تنهدت م بندر وهي تسمع المؤذن ورددت مع المؤذن بكل جارحه من جوارحها
" يلا ياعيالي بسرعة وضوء عشان تلحقوا على الصلاة "
فارس.." بس يا خاله أخاف عمي يفضحنا بالمسجد"
ام بندر.." ياوليدي انت رايح بيت ربك وبحمايته ولا تخاف الا منه هو سبحانه وتعالى"
ما ان كبر الإمام تكبيرة الإحرام حتى اصطفوا حوله وأرواحهم محلقه بسماء الخاشعين
اصطفوا ومع كل سجود تتوحد ادعيتهم بصوت واحد.." اللهم اكفنا شره"
"سمع الله لمن الحمدا "..ما ان رفع الإمام من الركوع حتى ..فتح الباب بكل تجهمية
وعينيه تتطاير من الشرر .وسموم الأفعى انتشر بجسمه بالكامل ..تقدم وتقدم معه أعوانه من الشياطين يقودانه الى هلاكه وخسرانه.." مريم..مريم..وين عيالك الهمل"
طلعت من الحمام ولا زالت قطرات الماء تنساب من وجنتيها كالبدر المتلل وبشموخ يوازي الجبال..بشموخ رغم الانكسار المتربص بداخلها "الهمل بالمسجد يصلوا مع المسلمين"
قرب منها وبكل ما يحمله من جبروت غرز خناجره الخمسة بشعرها وهزها بكل ما أوتي من قوة " وليه ووقفتني عند الباب مثل الشحاذ"
حاولت تسلل من يديه وان تسيطر على نفسها وتنزع شعرها من يديه وتكلمت بالم ظاهر
" اترك شعري ياحمود"
صرخ بصوت عالي واهتز كل من في البيت لصوته المزلزل.." هذي هي ترباتك يامريم بعيالي فضحتونا وسودتوا وجهنا..هذي ترباتك بولد اخوي هذي وصاتي عليك.."ودفعها على الأرض بكل قوته وانهال عليها ركل وصفع..وكأنه يهودي قادم من فلسطين ليقتل مسلما نصر لإله المزعوم.."
حاول الصغيرات ان ينقذن امهم ولم تكن لهن حيله الا صريخهن ودموعهن
"السلام عليكم ورحمة الله ..السلام عليكم ورحمة الله.."
ما ان ختم الامام الصلاة حتى ركض مهروها خارج من صلاته و لم يدرك الخشوع وكيف له ان يخشع وقد افسد عليه الشيطان صلاته وذكره انه لم يقفل الباب وراه..لبس حذاه على عجل وتبعه بندر وعمر وقلوبهن تتراقص من خوفا مجهول
دخل البيت يلهث وشهق بصدمه وكل الي راه قطع من الإحزان والألم موزعه بكل مكان
انكب على رجليه وباستفسار رجائ مزوج بغصه اخنقته.." خاله من سوا فيك كذا"
شروق بصياح حار.." هذا ابوي..لا ماهو ابوي هذا الشيطان حق ابوي"
قبل راسها وضمها لصدره.." خاله سامحيني والله نسيت الباب فاتح وما اكنت ادري ان عمي ما رجع..خالتي والله.."
قاطعته ام بندر وهي تمسح دموعها بطرف شيلتها.."يا وليدي انا كم مره قلت لكم ابعدوا عن طريق عزيزة وإخوانها بس ليش ماتسمعوا الكلام..ليش تجيبوا لنا المشاكل وتفضحونا بين جيراننا "
وقف بندر على الباب وضاعت دموعه.. وتوقف أنفاسه ..وكل الي يشوفه قدامه.امرأة مجروحة.. امرأة حكم عليها بالإعدام في حياتها..امرأة كالحديد صهرت وأصبحت كإعجاز نخل خاوية..
"يمه ابوي لازم احد يوقف بوجهه ويحس ان فيه ناس وراك" ..قالها بندر بغصه بعدما كابر بدموعه
" وش تبي تسوي ياولد مريم" قالها حمود بعد ماسمع ماتفهوه بندر..وانقض عليه كالوحش الجائع على فريسة لاتسمن ولاتغني من جوع..واطبقا كلتا يديه على رقبته وكأنه يقضي على الروح المحبوسه بداخله.. وينزع الامل بداخله ..ويحطم الحلم الذي راه
صرخت ام بندر وهي تحاول تنزع ولدها من ابوه.." فك الولد ياحمود"
فارس وينزع بندر من يدا عمه.." عمي بندر مال دخل هذا ناصر هو الي يبدا بالمشاكل"
اجتمع أهل الحارة لمرة الثانية واحتشدوا حول الأبواب والشبابيك .. وجميعهم يهتفوا بدعاء واحد وان اختلفت المسميات.." الله يريحهم من بيت"
خرج بوسط الحارة بعدما نزع روحه من يدي ابوه والدم لازال يقطر من فمه وعنقه مسح الدماء بطرف كمه وصرخ وجميع أهل الحارة سمعوه.." والله لأذبحه ناصر..والله لأشرب من دمه والله ليذوق ناصر الموت على يدي .. تضربني عشان هالقذر تمدي يدك علي انا راح اريحك منه وشوف بندر ايش يسوي"





والله لأذبــح ناصـــر
والله لأشــــرب مـــن دمــه
والله لا يــــذوق المــــوت على يـدي


كــررها وكــررتها معه أهل الحارة فهل لازال هناك شموخ رغم الانكسار






انتــظروا الجــزء الثـــاني
رد مع اقتباس