عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم July 8, 2014, 12:52 PM
 
الاحباط


الإحباط يأتي من الفرق الشاسع ما بين ما كنت تتوقع الحصول عليه و ما بين ما حصلت عليه فعلا في الواقع, الإحباط يأتي عندما تسير الأمور على غير ما كنا نتوقع , عندما نشعر بالعجز أمام مشاكلنا أو نشعر إنها قد تغلبت علينا .. و بما إن الغضب و الإحباط متلازمان فكثيرا ما تكون ردود أفعالنا غاضبة و تسبب تدهور المشكلة لا حلها.
اخرج من منزلي صباحا متوقعا إن الطريق إلى العمل لن يستغرق مني سوى نصف ساعة, فجأة اعلق في زحام لانهائي و اغرق في إزعاج المنبهات, انظر للساعة فأجد إنني قد تأخرت كثيرا عن موعد الدوام الرسمي, ذلك يفقدني أعصابي كل صباح و انا في طريقي للعمل, و ليس الزحام هو المشكلة و حسب, فبمجرد ان يخف الزحام قليلا حتى يأتيك اخ محترف يتجاوزك بسرعة جنونية او يقحم نفسه بينك و بين السيارة التي أمامك و كأنه الوحيد في هذا الكون الذي لديه عمل يقوم به .. و بعد كل تلك المعركة تصل أخيرا إلى العمل ليستنفذ كل ما تبقى لديك من صبر و قدرة على التحمل. كان ذلك كفيل بأن يصيبني بالجنون و يفسد يومي كله إلى إن أدركت إنني الخاسر الوحيد في هذه المعركة و ان بقيت على هذا الوضع سأصاب بمرض ما عاجلا ام آجلا . و طبعا لا استطيع التحكم في الزحام لكنني استطيع التحكم في موقفي تجاه الزحام و بالتالي السيطرة على أعصابي, و لم يكن سهلا التخلص من الأمر كليا إلا إنني نجحت بنسبة هائلة...
***
شاب متحمس يقرأ كتابين و عشرة أحاديث فيستشعر القوة و القدرة على دحض الشبهات و مقارعة الحجة بالحجة فتأخذه الحماسة و يدخل إلى منتدى للمسيحيين (أو أي ديانة أخرى) فيصدم بأن الأمر ليس بالسهولة التي توقعها و إن الحجج المفحمة التي كان يتوقع من الجميع أن يركع أمام جبروتها لم تأثر في احد بل واجهها بعض المتحاورين بالهزل و السخرية. فيصاب الأخ بالإحباط و تنتابه حالة من الغضب فيقوم بشتم المتحاورين بأبشع الألفاظ و يغادر المنتدى حاملا كم كبير من الكراهية و المشاعر السلبية و اليأس الذي يدفعه إلى عدم تكرار التجربة, و ربما إلى الاعتقاد بأنه لا سبيل لإقناع الآخرين إلا بالقوة, و من هنا تزرع البذرة الأولى لكراهية كل من يخالفه و أن كان على دينه و ملته.
***
عندما تعمل في مكان فيه احتكاك مباشر مع الناس ستقابلك بلا شك نوعيات استفزازية من البشر, و إذا سمحت لغضبك ان يسيطر عليك فأنك إما ستدخل في شجار يومي مع احد ما, و إما ستصاب عاجلا أو آجلا بالضغط و أمراض الشرايين و ربما بسكتة قلبية, و في أحسن الأحوال ستقضي أيام عمرك في الشعور بالغضب و التوتر و الاكتئاب . بالطبع انك لن تستطيع تغيير طباع الناس لكنك تستطيع تغيير طباعك و تدرب نفسك كي تصبح أكثر قدرة على التعامل مع الموقف فلا تسمح لمثل هذه الأشياء الصغيرة أن تفقدك أعصابك. يجب ان تكيف نفسك مع أعباء هذه الوظيفة , فالوظيفة لن تكيف نفسها مع طباعك...
لكن للفشل في التكيف مع احباطات الحياة و الغضب الناتج عن ذلك أبعاد أوسع من هذا بكثير و ما القضايا التي تغص بها المحاكم و أقسام الشرطة إلا نتاج هذا الغضب و الإحباط, فتجد شخصا قد طلق زوجته لأنها لم تصنع له طعاما, و الحقيقة ان ذلك ليس السبب الحقيقي بل هي كمية الاحباطات التي واجهاها معا و الفرق الشاسع بين ما كانا يتوقعا قبل الزواج و ما وجداه فعلا على ارض الواقع, فقبل أن يتزوجا كانا يعتقدان إن الحياة الزوجية غراميات و قصص حب.. كان يتوقع زوجته هي الملاك الطائر الذي صمم خصيصا ليتناسب مع طباعه و أفكاره, لكن الواقع يصدمه بحقيقة إن زوجته هذه ليست سوى إنسان آخر لها شخصيتها و اهتماماتها الخاصة التي قد تكون متناقضة كل التناقض مع اهتماماته و أفكاره... و كانت هي تتوهم انه سيكون روميو زمانه و انه سيعود كل يوم من عمله حاملا لها باقة من الورد لكنها تفاجأ بأنه يعود من عمله حاملا حفنة من ضغوط العمل و كمية كبيرة من الاحباطات و قد استنفذ كل ما لديه من صبر في طريقه إلى المنزل .. فلا هو تعلم ان يسيطر على غضبه و يدع ما خارج المنزل خارج المنزل, و لا هي تعلمت كيف تمتص غضبه و تسيطر على الموقف.. كانا يتخيلان ان الزواج هو النهاية السعيدة للقصة, و لم يضعا في اعتبارهما إنها بداية لحياة جديدة مفعمة بالتحديات .. و بالطبع الطلاق سيكون النتيجة الطبيعية لعدم التكيف مع تلك الحياة الجديدة...
ما ان تأخذ نظرة سريعة على صفحة الحوادث في جريدة حتى تقرأ ان شخصا قد قتل شخصا آخر من اجل خلاف على أحقية المرور أو اثر مشادة كلامية سخيفة.. و بالطبع هذا الشخص بعد أن يرتكب جريمته بثوان قليلة ينتابه الفزع و يدرك البون الشاسع بين سخافة الموقف وبشاعة الجريمة التي ارتكبها كردة فعل... فيتمنى بعد فوات الأوان لو انه امسك زمام أعصابه قليلا و لم يرتكب هذه الحماقة و يندم حين لا ينفع الندم.
و اذكر إنني قد حضرت حكما بالقصاص عندما كنت في الثانوية نفذ في شخص كان قد طعن آخر اثر مشادة كلامية بينهما, و اذكر إنني تساءلت في نفسي : كيف يقتل إنسان إنسان آخر من اجل مجرد كلام تافه ( كلام لا يودي و لا يجيب ) .. لو تعلم هذا الشخص كيف يتحكم في غضبه لكان الآن حيا ... و كذلك ضحيته المسكين ...
الحقيقة التي لا مفر منها و التي لا نملك ان نغيرها ان الحياة مليئة بالأحباطات و دائما ما تسير الأمور على غير ما نريد, فأما أن نتعلم كيف نتعايش مع الاحباطات و نسيطر على غضبنا و انفعالاتنا و إما أن نستعد لحياة تعيسة مليئة بالقلق و الاكتئاب . و ما تطورت الشعوب و الأمم و صنعت حضاراتها إلا لأنها تعلمت امتصاص احباطاتها و تحملت مسؤولية حل مشاكلها لا أن تستسلم لانفعالاتها و تجعل غضبها يسير مصيرها أينما أراد, وحين تأتي النتائج غير سارة تكتفي بإلقاء اللوم على غيرها و تتهم الآخرين بالتآمر عليها.
لكن و لسوء الحظ, جميعنا – أفراد و مجتمعات لم نتعلم كيفية السيطرة على غضبنا و احباطاتنا, فنحن نفقد أعصابنا عندما يتأخر الطعام في المطعم و نستشيط غضبا ما أن ينشغل البائع عنا قليلا بزبون آخر, و دائما ما نتحمس لأمر ما او نبدأ مشروع معين لكن ما أن نصطدم ببعض العقبات و المشاكل ينتابنا الإحباط و الضجر و سرعان ما نتخلى عن الأمر برمته, و عندما يقع لنا أمر سلبي أو موقف مع احدهم نجتر الأفكار السلبية لمدة طويلة إلى أن أصبح الحقد و عدم التسامح من شيمنا حتى نكاد لا نسامح اقرب الأقربين, فماذا إذن ستفعل بنا المشاكل و الأزمات الكبرى في حياتنا
(1)...
لا شك بأن الصفات و الدوافع الإنسانية كالتي ذُكرت في هذا الكتاب موجودة في كل البشر, تقل في شخص حتى تكاد تنعدم و تزيد في آخر حتى تكاد تكون السمة الطاغية على شخصيته و لكن ينبغي على الإنسان إذا ما أراد أن يعيش ناجحا متناغما مع الواقع أن يقاوم هذه الدوافع ألا شعورية قدر ما يستطيع لان الاستسلام لها يعني الفشل في الحاضر و مزيد من المشاكل في المستقبل, و التعلل بأن هذه الدوافع هي طبيعة إنسانية ليس سوى تبرير للاستمرار في العيش نفس الحياة دون حدوث أي تغيير ايجابي مستقبلا, و كون الدافع ( طبيعة بشرية) فهذا لا يعني انه لا يمكن التخلص منه او على الأقل إضعاف قوته, فعلى سبيل المثال فأن حب الدعة و الراحة هي طبيعة بشرية, فجميع البشر لديهم الدافع لحب الراحة و تجنب التعب, لكن الاستسلام لهذا الدافع سيجعل الإنسان غير منتج اتكالي فاشل, و ينبغي عليه لكي يكسب رزقه و يحقق أمانيه و أحلامه أن يقاوم هذا الدافع بكل ما أوتي من عزم و قوة.
رد مع اقتباس