عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم May 2, 2014, 05:45 PM
 
ما هو الادب الفكري للقارىء ؟

*شوقي العيسى
لاشك ان للادب عالمه الخاص به والذي من خلاله ينعطف على استراتيجيات هادفة مهمتها ايصال رسالة من احدى وسائل السيميائات الحديثة، لكي تعطي دلالات واضحة في جمالية التلقي.
فيظهر لدينا المرسل سواء كان كاتبا او فنانا او خطيبا او اي نوع من انواع المرسلات الناطقة او الصامتة لتبعث برسالة مفادها نتيجة حتمية يرسمها ذلك المرسل للمتلقي، اذن فمن هو المتلقي لتلك الرسالة؟
فالمتلقي اما ان يكون قارئا او مستمعا او مشاهداً وجميع تلك المفردات تعتمد بالنتيجة على بعض ادراكات ذلك المتلقي لفهم الرسالة التي اراد ايصالها ذلك المرسل، ومن هنا تبرز اشكالية فهم او تفسيرات المتلقي على الرسالة.
فالخبر المرسل يجب ان يكون بسيطا يستخدم لغة بسيطة يفهمها جميع من تلقى ذلك الخبر اكان ذلك في الصحف، مجلات، الشبكة العنكبوتية، الراديو، التلفزيون او عن طريق الخطابة، اما في الادب فهناك اختلاف جذري عن النص الخبري ولذلك يقال
(المعنى بقلب الشاعر) فالكاتب عندما يكتب النص الادبي فهو لا شك انه قد جعل من نصه المرسل تقسيمات متنوعة لفهم المتلقي وحسب ادراكه فتعدد مفهوم النص يبعث باشكالية التدهور الفكري للقارئ وهنا لابد ان اشير الى ان للقارئ انواع فهناك:
القارئ المغالي والذي يدافع عن فكرة الكاتب بما اوتي من قوة سواء فهم الرسالة ام لم يفهما، بمعنى انه يتتبع ماهو مكتوب دون دراية، وهذا النوع من القارئ هو ما يتبع دلالات النص ويصدر احكاما ايجابية بسلامة النص المطروح.
والقارئ المقصر هو الذي يبتعد عن مفهوم النص ودلالات المعنى الذي جاء لاجله فالنص وحبكته ومافيه من معاني ومفردات قد تكون حديثة العهد على القارئ والذي لم يسمع بها لان الفهم له يعتمد على القراءة السابقة وبناء معاني مزدوجة تلم القارئ بما يسمعه من جديد، اذ يكون القارئ وبالا على فهم النص بل وتفسيره تفسيرات مغايرة للواقع مما يبعث رسالة عكسية للفهم لديه، فهو بهذه الحالة ينطلق من انعكاسات نفسية متغايرة مع العمق الثقافي الذي يحمله.
اما القارئ المسئ فهو الذي يعتبر نفسه مبحراً في النص في محاولة منه ايجاد كل شيء وتفسير وفهم كل شيء ولذلك فهو يبتعد عن دلالات فهم المعنى في اي نوع من انواع السيميائيات المتاحة ولذلك فهو يسئ للنص والكاتب كونه يصدر احكاما نقدية تنتقد الكاتب على سوء فهم النص وهذا ما لا يجوز له على الاطلاق ، وبما ان القراءة لدى هذا النوع هي بمثابة استجابة لدوافع نفسية تنبع من احتقان يعيشه هذا النوع فالحكم الذي يصدره لاشك انه قاس بالاضافة الى هذا من اختصاص غيره.
اما القارئ المتواضع وهو القارئ المعتدل الذي لايرى ان هناك مفهوم مطبق للنص مع المفهوم وبهذا فهو يكون وسيط فيما بين الاتجاهين الاول اوالثاني (المغالي والمقصر)، وهذا النوع من القارئ هو عادة مايكون اقرب الى مؤلف النص وله معرفة بطريقة تفكيره ودلالات تعبيره، وهنا لابد من الاشارة الى ان الكاتب للنص ربما اخذ فكرة القارئ القريب له والذي قد يكون ناقش معه تلك الفكرة قبل تخطي حدود كتابة النص وبذلك يكون هذا النوع من القارئ قد عرف وادرك ماهو المعنى الذي يدركه المؤلف.
تنفرد نظرية التلقي وتركز على ان للنص الادبي دورين هما المؤلف والقارئ وتعطي حرية الحركة للقاري باصدار حكمه على النص، فهذه النظرية تعتبر ان هناك مشاركة فعلية بين الكاتب والقارئ، حيث يذهب (ايزر) الى ان العمل الادبي له قطبان المؤلف والقارئ ويعطي القارئ تلك الحرية والتلذذ بقراءة النص والنقد له حسب مافهم له كون هذه العملية هي دورة مكملة لبعضها الاخر فالنص لا يكتمل جماليته الا بوصوله للقارئ الذي هو مكمل لهذه النتيجة، ولكن وحسب مايرى (ايزر) فان نظرية التلقي بهذا المضمون قد اوقعت المؤلف في شراك القارئ اذا كان "جاهلا" للنص فهذا الاخير سيجعل من النص الادبي اضحوكة بل يعطي تفسيرات بما تختلجه نفسه الغير آبهه بالادب الفعلي وهذا مايفرق بين الناقد الادبي الذي يرشح النص في تفسيرات ادبية على اسس منطقية مدروسة على العكس مايذهب اليه الناقد الجاهل الذي قد يسئ الى النص وعندها يظلم المؤلف للنص.
ان المتلقي ان لم يكن على استعداد تام لتقبل وفهم الرسالة الموجهة اليه فسوف يرفضها ويسئ فهمها بل يعمد على انهائها من الوجود وعليه تصدر ردود افعال انفعالية غير متوازنة فاحيانا تكون من خلال التهجم على كاتب النص ونعته باوصاف بذيئة لا تنم عن قدرة الناقد بل عن اتضاح فقدان السيطرة لذلك الناقد الجاهل، واحيان اخرى لا يستطيع ان يعبر عن نقده لموضوعية النص فيبقى يتشبث من هنا وهناك لاثارة نقده بصوت عال امام مجموعات علها تتحفه وتنجده بصواب رايه، وهذا ما يجعل منه شذوذ في انفرادية الراي امام الاخرين.
وعلى العكس من ذلك الناقد الذي يهتم بصياغة الكلمة ولحن الموضوع فله حاسة تذوق معان الادب واستشعارها لان صياغاتها لم تعد عليه مخفيه، فعندما يوجه نقده لكاتب النص انما يوجهه للالتقاء بجمالية جديدة تتحف النص وتعطيه رونقا ايجابيا يوصل رسالة الى المتلقي بكيفية لا بكمية.
ولهذا فقد يصبح الكاتب ضحية وقسوة الجهلة من الذين ينتقدون بدون اهلية او مقدمات للموضوع، وهنا عندما اذكر الكاتب فلا يقتصر على الكاتب نفسه فهناك الفنان والمسرحي والخطيب وماالى ذلك ممن يرسلون رسالتهم الى المتلقي، لذلك باعتقادي ان هناك جرم حقيقي لهؤلاء من قبل الذين ينتقدونهم فلا يحق للقارئ ان ينتقد بصفة شاملة واضعا نفسه محط النقاد والادباء الا اذا كان من ذوي الاختصاص.

لقد كتب الاستاذ مصطفى الكاظمي مقالاً دافع فيه عن الكتاب من قبل بعض المعلقين التي تدخل في اطار تعليقات هابطة لا تمت لاصل النتاج بل تمس بشخصية الكاتب وهذا ما ادرجناه ضمن الناقد الجاهل فاحيانا الجاهل المتلقي عندما لا يجد شيئأ يفيض فيه فيلحق الاذى بالاخرين ليمس الكاتب او الفنان او الخطيب ....الخ، وما هذه الظاهرة الا انعكاس نفسي يختلج في بعض الانفس المريضة لتعلن عداء مطلق وظاهري الى الاخر.
وهنا قد يبرز سؤال او اشكالية حول بعض الكتابات التي هي دون المستوى المطلوب وقد تتعدى الى التهجم والتعدي الى حقوق الاخرين ، فانا شخصياً اعتبر ان الكتابة بما انها رسالة فيجب ان تكون رسالة مهذبة لتصل الى المتلقي بكل ادب واحترام، اما اذا كانت فارغة من محتوى الاحترام وفيها نوع من التعدي والتهجم فهناك من اصحاب الاختصاص ممن يمكنه الرد على الكاتب وبطريقة مهذبة ايضا لا تصل الى مستوى الاضمحلال الذي وصل اليه المتهجم ولا يحق التهجم على شخصية الكاتب فربما تكون لديه بعض النتاجات الرائعة والقيمة. فالحكم لا يمكن ان يسبق التفسير والتفسير لا يمكن ان يتعدى اصحاب الخبرة من النقاد والادباء والفنانين فهذه العائلة هي الوحيدة التي لها الحق باصدار الحكم والا تكون الساحة الادبية غابة تتفاذها جهلة العلم والادب.

*رئيس تحرير رابطة الكتاب العراقيين


رد مع اقتباس