الموضوع: فاروق الأول
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم March 18, 2013, 04:05 AM
 
رد: فاروق الأول - حادث 4 فبراير 1942

فيما يلى النص الحرفى لما سجله السير ( مايلز لامبسون ) عن وقائع 4 فبراير 1942 فى يومياته السريه عن انذاره للملك فاروق

مايلز لامبسون




الاثنين 2 فبراير صباحا :




بدأت المسائل تتحرك بسرعة ، فى البداية تلقيت تليفونا من ( حسين سرى باشا رئيس الوزراء ) يبلغنى انه اصبح مضطرا لتقديم استقالته ، وسوف يذهب الى القصر الساعة 12.30 اليوم لتقديمها ، اتصلت تليفونيا بأحمد حسنين باشا ( رئيس الديوان ) لأطلب منه مقابلة مع الملك لاتزيد على نصف ساعة ، بدا حسنين مراوغا ، ولذلك كلمته بخشونة ، وعاد حسنين فأتصل بى وحاول ان يعاتبنى على الطريقة التى تكلمت بها معه ، ولم اتجاوب وتركته يفهم اننى اعنى ماقلت له ، ثم كررت عليه اننى اريد مقابلة عاجلة مع الملك اليوم وفى اسرع وقت ، وسوف اكون فى القصر بنفسى فى الساعة الواحدة بعد الظهر بالضبط .

وعلى الفور اتصلت بأوكنليك ( القائد العام للقوات البريطانية فى الشرق الاوسط ) وكان مع هيئة قيادته فى اجتماع عندما اتصلت به ، وعندما علمت انهم جميعا هناك ، قلت له اننى سوف انضم اليهم على الفور ، واخذت معى سمارت ( المستشار الشرقى للسفارة ) وتيرنس شون ( الوزير المفوض ) ، وطرحت عليهم ماانوى ان افعله ، وابدى ( اوكنليك ) شيئا من التردد ، وسيطرت على مشاعرى حتى لااقول له ان العسكريين لايستطيعون التصرف فى الامور السياسية وحدهم ، ومن حسن الحظ ان الجنرال ( ستون ) ايد موقفى معتقدا بأن الوقت قد جاء لنكون حازمين .




وتم الاتفاق فى النهاية على اننى عندما اقابل الملك فى الساعة الواحدة بعد الظهر سوف اضع امامه النقاط التالية :


اننا نريد حكومة موالية لنا ، قادرة على تنفيذ المعاهدة بنصوصها وروحها ، وبالتحديد المادة الخامسة من المعاهدة ( الخاصة بالاتصالات مع قوى خارجية معادية ) .


اننا نريد حكومة قوية تستطيع ان تحكم معتمدة على تأييد شعبى كاف .


هذا يعنى ان عليه ان يستدعى ( مصطفى النحاس باشا رئيس الوفد ) وهو زعيم الاغلبية فى البلاد وان يتشاور معه فى شأن تأليف حكومة .


اننى اطلب ان يتم ذلك فى موعد اقصاه ظهر غد .


انه هو شخصيا سوف يكون مسئولا عن وقوع اى اضطرابات او اخلال بالامن فى هذه الفترة .

2 فبراير بعد الظهر :




استقبلنى الملك الساعة الواحدة كما طلبت ، وحاول ان يكون وديا فوق ماهو ضرورى ، وشرحت له لماذا طلبت ان اراه بهذه السرعة ، فقد علمت ان ( سرى باشا ) قدم استقالته وكممثل للحلفاء فى مصر ( وليس بريطانيا وحدها ) ، فقد وجدت من الضرورى ان اعرف من هو رئيس الوزارة الذى سوف يخلفه ، واتأكد من انه يملك المؤهلات الكافية لتنفيذ امين لنصوص وروح معاهدة 1936 .

سلمت للملك البنود الاربعة من مقترحاتى التى ارسلتها الى وزارة الخارجية ، واما بالنسبة للبند الخامس ( اى مسئولية الملك عن حفظ الامن والنظام ) فقد قرأت عليه النص شفويا ، وكان قصدى من ذلك ان يفهم ماأتحدث عنه وبدون ادنى شك .

قبل الملك بدون تردد النقطتين (1) و (2) فى مطالبى ، وقال انها طلبات معقولة ومفيدة ، واما فيما يتعلق بالبند الثالث ( استدعاء النحاس ) فقد دخل بشأنه فى شرح طويل ، وقال انه كان يعمل من اجل تأليف حكومة وحدة وطنية ، وقال انه يسلم بأنه ليس هناك شخص اخر غير ( النحاس ) يمكن ان يرأس هذه الحكومة ، وانه يظن ان علاقته تحسنت مع ( النحاس ) وهو فى الواقع لايرى مرشحا اخر غيره ، واذا استعرضنا المرشحين غير ( النحاس ) فسنجد انهم جميعا لايصلحون الان .

اضاف الملك ان ( احمد ماهر باشا رئيس حزب السعديين ) لديه الحكمة ليدرك انها ليست ساعته .

انتقل الملك من هذه النقطة الى ابداء تردده بشأن استدعاء النحاس باشا ضمن المهلة التى حددتها له ، لم يقل انه لن يستدعى النحاس باشا للتشاور معه ، انما حاول ان يعطينى الانطباع ان خلافه معى هو فى المهلة الزمنية ، فهو يخشى ان العجلة فى استدعاء النحاس باشا قد تعطى انطباعا خاطئا ، كررت عليه بوضوح مرة اخرى اننى اريده ان يخطرنى فى ظرف ساعة واحدة من الان انه استدعى النحاس باشا ، لم استعمل كلمة تهديد مباشرة او غير مباشرة ، ولكننى كنت حازما ، اضفت اننى لن اقبل اى عذر لأية اضطرابات او اخلال بالامن يحدث فى البلد الى حين استدعاء ( النحاس ) .

رد على الملك بأنه لن تكون هناك ايه اضطرابات فقد ارسل هذا الصباح الى طلبة الازهر الذين جاءوا فى مظاهرات الى القصر ، وابلغهم ان عليهم التزام الهدوء ، وتركت مكتب الملك ، وقبل ان اغادر القصر طلبت ( حسنين ) رئيس الديوان الملكى ، ورويت له ماقلته للملك وطلبت منه ان يتأكد من استجابة الملك لما طلبت بحيث يستدعى ( النحاس ) قبل ظهر غد .

حاول ( حسنين ) ان يناقش الموضوع وحاول اقناعى بأنهم كانوا يرتبون لحكومة ائتلافية يرأسها ( النحاس ) لكن تفكيرهم كان يتجه الى ان تكون البداية وزارة محايدة تقوم بأجراء انتخابات حرة تمهد لوزارة وفدية ، وخشيته انه اذا جرى استدعاء ( النحاس ) وتكليفه بتشكيل الوزارة فى خطوة واحدة ، فأن ذلك سوف يؤدى الى اكتساح وفدى يعم كل الدوائر الانتخابية ، ويؤدى الى تهميش الاحزاب السياسية الاخرى وبالذات السعديين والاحرار الدستوريين ، وحين لمح عدم تقبلى لما يقول اكد ان البداية بوزارة محايدة تجرى انتخابات يمكن ان يكون فيه نوع من الفرملة يكفل سلامة الحكم فيما بعد .

قالى لى ( حسنين ) ايضا انه اذا كنت اخشى ان ( على ماهر ) او بعض انصاره ربما ينتهزون فرصة التغييرات السياسية المقترحة ويلعبون ، فهو يستطيع ان يؤكد لى ان ( على ماهر ) واصدقائه سوف يتم استبعادهم بالكامل من الوزارة المستقلة ، قلت له اننى اعرف ان ( النحاس ) لن يقبل بحكومة مستقلة الان ولا بحكومة ائتلافية فيما بعد ، وان مايقوله ( حسنين ) مضيعة للوقت ، ومازلت مصرا على ماطلبته ، وارجو ملحا ان اسمع ان ( النحاس ) دعى لمقابلة الملك والتشاور معه قبل ظهر غد .




2 فبراير مساءا :




فكرت بعد الظهر ان ابعث ( سمارت ) ليقابل ( حسنين ) ويضغط عليه بضرورة العمل وفق ماطلبت منه ظهر اليوم وان يخذره من عواقب التراخى او التأخير ، لكنى من سوء الحظ اكتشفت ان ( سمارت ) اوى الى فراشه مصابا بنوبة برد مفاجىء ، وهكذا طلبت من ( تيرنس شون ) الوزير المفوض ان يبعث الى ( حسنين ) بوصفه صديقا له له رسالة شخصية وعاجلة تؤكد اهمية الاستجابة لما طلبت فى الموعد الذى حددته .




2 فبراير ليلا :




ذهبت للعشاء فى احتفال الهلال الاحمر وبحضور الملكتين ( نازلى وفريدة ) كان الاحتفال فى استوديو مصر ، وكان احتفالا كبيرا ، خصوصا مع حضور عدد كبير من وصيفات الشرف للملكتين فقد كان منظر الوصيفات انيقا ، وعندما عدت الى السفاره بعد منتصف الليل بقليل وجدت برقية من وزارة الخارجية ، وبدا لى انهم هناك لايعرفون ان ( سرى ) استقال ولذلك كتبت اليهم قبل ان انام عن اخر التطورات ، كذلك حرصت على كتابة مذكرة شخصية وخاصة لأنتونى ايدن ( وزير الخارجية ) اضعه فى الصورة لأنى اريد ان تكون وزارة الحرب على بينه من تراخى ( اوكنليك ) القائد العام لقوات الشرق الاوسط .

لم استطع النوم بسرعة لأن عينى كانت ملتهبة وكان لابد ان اضع لها كمادات لمدة نصف ساعة .




الثلاثاء 3 فبراير :




طلب ( امين عثمان ) شغل من قبل منصب وكيل وزارة المالية واصبح حلقة الاتصال بين ( النحاس ) باشا وبين السفير البريطانى مقابلتى ، شرحت له تفاصيل الموقف ، قال لى بصراحة انه جاء بأسم ( النحاس ) لكى يؤكد لى ان ( النحاس ) على اتم استعداد prepared perfectly لكى يلعب دوره معنا مادمنا سوف نمضى فيه الى النهاية ، قلت له اننى اريد ان يعرف ( النحاس ) بعض المسائل المهمة التى طرحتها على وزارة الخارجية فى لندن وهى نقاط سوف اثيرها معه ( النحاس ) مؤخرا عندما يصبح رئيسا للوزارة وهو مااتوقعه ، وابديت اننى اذكر له هذه النقاط الأن لكى يكون ( النحاس ) مستعدا عندما اطلبها رسميا منه .

ابدى ( امين عثمان ) انه واثق من ان ( النحاس ) لن يثير اية مشاكل على اى مسألة يمكن ان نطرحها عليه ، سألنى ( امين ) ما هى نصيحتى ( للنحاس ) وكيف يتصرف بعد ظهر غد ( عندما يدعوه الملك للمشاورات ) قلت لأمين ان ( النحاس ) يستطيع اكثر من غيره ان يكيف موقفه ، ولكن رأيى ان عليه ان يرفض فكرة الحكومة الانتقالية ، فهى مجرد حيلة من القصر تعطيهم فرصه للمناورة وترتيب المؤامرات وتدعيم موقفهم فى البلاد ، قلت ايضا ان ( النحاس ) يستطيع اذا اراد ان يقبل رئاسة وزارة ائتلافية ولو انى اعرف ان هذه المسألة صعبة ، وقال ( امين ) انه سوف يعود الان الى ( النحاس ) ليرى ماعنده .

لابد ان استدرك لأسجل اننى قبل ان يدخل ( امين ) عندى تلقيت اتصالا تليفونيا من ( سرى ) ليبدى لى ملاحظة سمتعتها منى زوجته ( السيدة ناهد سرى ، وهى فى ذلك الوقت رئيسة الهلال الاحمر ) اثناء حضورى لأحتفال امس فى ستوديو مصر ، قلت له اننى بسبب تسارع الحوادث لم استطع الاتصال به امس لأخطره بما جرى ، ووافقنى ( سرى ) باشا على ان فكرة وزارة محايدة مضيعة للوقت ، وان فكرة حكومة ائتلافية حتى لو كانت برئاسة ( النحاس ) سوف تؤدى الى مشاكل كثيرة ، وان الحل الوحيد الحقيقى هو مارأيته من افضلية مجىء وزارة وفدية بالكامل .




3 فبراير بعد الظهر :




الموقف هادىء حتى الساعة 2.15 .



جاء امين برسالة من ( النحاس ) ، نص الرسالة كما يلى :





" فى ظروف سابقة كان ( النحاس ) دائما ينادى بحكومة محايدة تجرى انتخابات ، الان غير رأيه لأن الظروف لاتحتمل ، واما عن فكرة وزارة ائتلافية فرأيه انها لن تنجح لأسباب كثيرة ، بينها انه يعرف ان ( احمد ماهر ) رئيس الحزب السعدى مريض ، اصابته نوبة قلبية خفيفة ، ومعنى هذا ان عضوا اخر من حزبه ( السعديين ) سوف يدخل الوزارة الائتلافية فى حالة تشكيلها وذلك غير مقبول منه ( من النحاس ) ، وفى كل الاحوال فأنه يرى ان الاوضاع فى البلد غاية فى السوء ، والقصر يتأمر ضد وزارة ( سرى ) رغم انه قريب الملك ، واذا كان على ( النحاس ) ان يقدم لنا المطلوب ، فلا مفر ان تكون الوزارة القادمة وفدية ، ونحن نعرف ان ( النحاس ) تعاون معنا بكل جهده من قبل ، وعلينا ان نثق انه حتى لو لم تكن هناك معاهدة فأنه سوف يتعاون معنا كما فعل فى كل الظروف .

وفيما نقله ( امين عثمان ) ايضا ان ( النحاس ) يريدنا ان نعرف ان روح المعاهده تقتضى تعاونا بين الطرفين بكل مايعنيه التعاون من ابعاد ، وانه اذا كان ( حسين سرى ) نافعا لنا ، فأن ( النحاس ) سوف يكون اكثر نفعا لنا ، وأن ( النحاس ) تعاون معنا فى زمن السلم وسوف يكون تعاونه معنا اكثر عشر مرات فى زمن الحرب .

لكنه لكى يتحقق من ذلك ، فلابد ان تكون يده مطلقة بالكامل فى التعامل مع القصر فما يريده هو الديمقراطية والتعاون معنا ، والملك يعارض الهدفين ، واذا ايدناه ازاء الملك فأنه سوف يتكفل بكل شىء ، وفى نفس الوقت فهو لايريد ان يبدو منتقما من الملك ( بسبب اقالة وزارته الاخيرة ) وقد يكون لصالح الملك ان يرى قوة العلاقة بيننا ( الوفد والسفارة ) ويلزم حدوده .

وقال لى ( امين عثمان ) ان ( النحاس ) مستعد لقبول حكومة محايدة اذا كنت انا اريد ذلك ، وحكومة ائتلافية اذا كانت تلك نصيحتى ، لكنه يريد تذكيرى بأن الحكومات الائتلافيه لاتنجح .

قلت لأمين اننى سأملى عليه النقاط التى اريد منه ابلاغها للنحاس ( ان النحاس عليه ان يقول للملك ان الموقف فى غاية السوء ، وانه لايستطيع الثقه فى ولاء الاحزاب الاخرى التى يمكن ان تشارك فى حكومة ائتلافية اذا اصر الملك على ذلك ، وان الحل الوحيد لتفادى المشكلات والمؤامرات هو تأليف وزارة وفدية خالصه حتى تستطيع ان تتحمل المسئولية ، ويستطيع ( النحاس ) ان يطرح على الملك اقتراحين :


1- تخصيص بعض الدوائر الانتخابية للاحزاب الاخرى .


2- امكانية انشاء مجلس استشارى من زعماء الاحزاب ويكون بديلا لفكرة الائتلاف .

لم يكد ( امين ) يخرج من عندى حتى اتصل بى يبلغنى انه حين وصل الى بيت ( النحاس ) عرف انه استدعى الى القصر .




3 فبراير مساء :




فى الساعة السادسة مساء اتصل بى ( امين ) ليبلغنى بلقائه مع ( النحاس ) وبما رواه له عما حدث فى القصر ، املانى ( امين ) محضرا كتبه ( النحاس ) للمقابلة مع الملك ، ولم يعجبنى ماسمعته منسوبا للملك ، وملخصه ان ( فاروق ) طلب من ( النحاس ) تأليف وزارة ائتلافية ، وان ( النحاس ) رفض مبديا استعداده تأليف وزارة وفدية تتحمل المسئولية .

بناء على ذلك وفى الساعه السابعة ، استدعيت ( حسنين ) ، قلت له اننى عرفت بما حدث مع ( النحاس ) باشا ، وانا اريد ان اطلب من الملك ( فاروق ) ان يستدعى ( النحاس ) فى اسرع وقت ، وان يكلفه بتشكيل الوزاره ، ابلغت ( حسنين ) ايضا اننى سوف التقى بالمجلس الحربى فى مصر الساعة العاشرة من صباح غد ، وتركته يفهم ماذا يعنى ذلك ، حاول ( حسنين ) كعادته ان يتلوى ، ولكنى ابلغته بوضوح اننى اعنى مااقول وان عليه ان يعرف اننى اريد من الملك ان يستدعى ( النحاس ) لتأليف الوزارة .

بعد خروج ( حسنين ) بقليل اتصل بى ( امين عثمان ) وابلغته بما قلته لحسنين ، وذهبت الى العشاء والسهرة وعدت الى البيت الساعة 12.15 ، اتصل بى ( امين ) ليسأل ان كان هناك جديد واجبته بالنفى .




الاربعاء 4 فبراير :



كنت مازلت مشغولا بالكمادات على عينى فى الصباح الباكر عندما سمعت ان ( هنرى هوبكنسون ) ( ضابط الاتصال السياسى بالسفارة البريطانيه فى القاهره وقتها ) جاء يحمل رسالة عاجلة ، طلب ان يصعد الى فى غرفة النوم ، ابلغنى ان ( حسنين ) اتصل تليفونيا وطلب ان يرانى بأسرع مايمكن ، لأن لديه رسالة يريد ابلاغها لى ، وحين عرف اننى مازلت فى غرفة النوم ابدى رغبته فى ان يذهب ( هوبكنسون ) اليه فى مكتبه ليتلقى منه الرسالة ، وقد رد عليه ( هوبكنسون ) بأنه سيصعد الى غرفتى ويعود الى فى هذا الشأن ، ثم يرد عليه ، قلت لهوبكنسون ( اننى لا اوافق لأن الوقت تأخر وهم يحاولون المماطلة ) .

فى الساعة العاشرة كان على ان احضر اجتماع لجنة الحرب ( فى مقر وزير الدولة البريطانى المقيم ومكتبه فى ذلك الوقت 10 شارع الطلمبات – جاردن سيتى ) ، فى السيارة كان معى الملحق العسكرى بالسفارة ، فى الطريق قلت له ( ان هناك وسيلتين للتصرف فى ازمة من هذا النوع ، اما ان تعالج الامور سياسيا بحزم وهذا ماافعله ، واما ان تتولى جماعته اى العسكريون حل العقده ، وهذا مااحاول تجنبة ) .

عندما وصلت الى الاجتماع كان الكل حول المائده ، شرحت للكل ولأوليفر ( اوليفر ليتلتون الوزير البريطانى المقيم فى الشرق الاوسط ) تطورات الاحداث حتى هذه اللحظه ، وقلت اننى اريد ان اعرف منهم تصورهم للمهلة التى يجب ان اعطيها للملك نهائيا حتى يستدعى ( النحاس ) لتشكيل الوزارة ، كانت المناقشة مفيدة واتفقنا على ان ابلغ ( حسنين ) رسالة بالموعد ، ولم اجد مبررا لكى اذهب اليه او يجىء لى ، فأتصل به ( حسنين ) تليفونيا وامليت عليه نصا مكتوبا وافق عليه الجميع وكان النص كما يلى :

" اذا لم اسمع قبل السادسة مساء اليوم ان ( النحاس ) دعى لتشكيل حكومة ، فأن صاحب الجلالة الملك ( فاروق ) عليه ان يتحمل العواقب " ، ولم اترك لحسنين فرصة لمناقشة ماتلقاه منى ، واكملنا اجتماع لجنة الحرب ، فقد كانت امامنا ترتيبات كثيرة عند الساعة السادسة مساء فى حالة ما اذا تأخر الملك فى الاستجابة لطلباتنا .

واستدعينا الجنرال ( ستون ) ( رئيس البعثه العسكرية البريطانية فى الجيش المصرى ) كان ( ستون ) يطلب وقتا ، وكذلك اتفقنا على ان نبدأ التحرك الساعة الثامنة مساء ، فى ذلك الوقت على ان اذهب انا يرافقنى الجنرال ( ستون ) الى قصر عابدين لأبلاغ الملك ان عليه ان يتنازل عن العرش ، ولكى نحول دون حدوث اى قلاقل كان لابد ان تسبقنا قوة عسكرية مسلحة تحيط بالقصر قبل ان نصل اليه انا والجنرال ( ستون ) وكنا جميعا على اتفاق بأنه لايجب ان اخرج من القصر الا وفى جيبى ورقة من اثنتين كلتاهما بأمضاء ( فاروق ) " واحدة عليها تنازله عن العرش اذا عاند ، والثانية عليها تكليفه للنحاس اذا قرر ان يطيع " .

وناقشنا اين يذهب فى حالة مااذا تنازل عن العرش واستقر رأينا فى البداية على انه يمكن نقله الى احدى سفن اسطولنا فى الاسكندرية ( وبعدها كان الترتيب ارساله الى المنفى فى كندا ) وكان القصد من كندا اعطائه فرصه لقطع الوقت بالتزلج على الجليد لان تلك كانت رياضته المفضلة ) .

تركت قاعة الاجتماع الى مكتب اخر مجاور ، واستدعيت ( فيتز باتريك ) ( قائد بوليس القاهرة ) ، وطلبت منه ان ينسق على الفور مع الجنرال ( ستون ) ، كذلك اتصلت بوالتر مونكتون ( مساعد وزير الدولة المقيم وهو خبير مرموق فى الشئون الدستورية ) ، وقد اعتبرت ان وجود ( مونكتون ) مصادفة سعيده فى مصر فى ذلك الوقت ، لأنه هو الرجل الذى كتب وثيقة تنازل ( ادوارد الثامن ) عن العرش لكى يتزوج من عشيقته ( واليس سمبسون ) ( التى اصبحت فيما بعد دوقة وندسور بعد ان تنازل ( ادوارد ) عن العرش مفضلا الغرام على الملك ) .

عدت الى السفارة الساعة 12.30 بعد الظهر ، استدعيت ( حسنين ) لمقابلة قصيرة جدا ، اعدت عليه مرة اخرى نصر ما سبق وابلغته به ، وكتبه مرة اخرى ، وقلت له انه ليس عندى مااضيفة الى هذا النص الذى ارجو ان يقنع الملك ( فاروق ) بأنه الضوء الاحمر هذه المرة ، واننى بكل مالدى من وسائل الاقناع اريد ان احذر الملك فأنا اتوقع ان اتلقى منه ردا يستجيب لما طلبت فى الموعد المحدد ولا فسوف تحدث اشياء things will happen .

رأيت مناسبا ان اتأكد من موقف النحاس ، ولانى افهم انه يصعب العثور عليه فى بعض الاوقات ، فقد اردت ان اعرف اين سيكون فى حالة ما اذا دعاه الملك او احتجت انا اليه ، ابلغت ( امين عثمان ) بما حدث مع (حسنين ) وانه من المهم ان يكون ( النحاس ) موجودا حيث يمكن الاتصال به ، ابلغته ايضا اننى اتمنى ان يكون ( النحاس ) عند موقفه ، قال لى امين ان ( النحاس ) نفسه قال له قبل قليل ( انه يتمنى ان لانغير نحن رأينا ) .

وقال امين انه لم ير ( النحاس ) مصمما كما يراه الان ، قال لى ( امين ) ان ( مكرم ) ( مكرم عبيد سكرتير الوفد فى ذلك الوقت ) دعى للقصر .

قلت لأمين اننى ارجو ان لايكون مكرم تراوده امكانية التخاذل الان ، وقد اقتربنا من ساعة الصفر ، قال ( امين ) انه سوف يبقى مع ( النحاس ) بنفسه طوال بعد الظهر .

لكى اكمل السجل فى هذه اليوميات اضيف اننى تلقيت برقية من وزارة الخارجية تصدق على كل الترتيبات التى اتخذتها .




4 فبراير بعد الظهر :




على الغذاء تلقيت معلومات بأن طلبة جامعة الازهر خرجوا فى مظاهرة تنادى ( يحيا روميل ويسقط الانجليز ) وتلك بالتأكيد من نتائج تحريض ( المراغى ) ( الشيخ مصطفى المراغى شيخ الازهر ، وكانت السفارة تتهمه بأنه احد الاعمده الكبيرة التى يستند عليها القصر ) ، تلقيت ايضا معلومات بأن هناك اضطرابات فى الزقازيق ، كان معى على الغذاء عدد من الضيوف بينهم الجنرال السير ( كلود اوكنليك ) ( القائد العام للقوات البريطانية فى مصر ) وقد ناولته ورقة المعلومات التى وصلت الى عبر المائدة ، بعد الغذاء ابلغنى ( امين ) ان ( النحاس ) وصلته معلومات مؤكده بأن الملك يحزم حقائبه ، ثم عاد ( امين ) فأبلغنى ان ( النحاس ) دعى الى مقابلة الملك بعد الظهر .

تأكدت من جميع الترتيبات العسكرية لانى لااستطيع ان استبعد اقدام الملك على حماقة .

الساعة 5.45 لم تصلنى اية اشارة من القصر ، وارسلت الى وزارة الخارجية ابلغهم اننى الان ماض فى تنفيذ خطتى .

الساعة 6 مساء جائتنى رسالة تليفونية من ( تيمور بك ) ( اسماعيل تيمور بك التشريفاتى الاول فى قصر عابدين ) الذى ابلغنى ان ( حسنين ) فى طريقة الى ، ووصل ( حسنين ) فعلا الساعة 6.15 ومعه رسالة من الملك نصها كما يلى :

" عندما تلقى الملك الانذار البريطانى دعا الى القصر فورا الساسه المرفقة اسماؤهم بهذه الرسالة وهم قادة كل الاحزاب السياسية ، وبينهم ( النحاس ) وعرض عليهم خطورة الموقف ، واتفق رأيهم جميعا على صيغة رد طلبوا ابلاغها لى ، وكان نص الرد يقول :

" ان الانذار البريطانى الموجه الى جلالة ملك مصر يمثل خرقا لمعاهدة الصداقة والتحالف بين البلدين ، ولهذا السبب وبناء على نصيحة الزعماء السياسيين ، فأن جلالة ملك مصر لايستطيع قبول هذا الخرق لأستقلال بلاده " .

نظرت الى ( حسنين ) وقلت له هذا كلام بالغ الخطورة ، وسوف اجىء الى القصر لأبلغ الملك ردى عليه بنفسى فى الساعة التاسعة مساء ، وبدا الذهول على وجه ( حسنين ) وسألنى " الا يمكن سير مايلز لك ولى ان نجد حلا لهذه المشكلة ؟ " ثم استطرد ولم اقاطعه عامدا حتى اسمع مالديه قائلا : " اننا نحتاج الان الى حل لأنقاذ ماء الوجه ، واذا ماوافقت على تشكيل حكومة محايده فهو ( حسنين ) على استعداد ان يقسم لى بشرفه انه فى اقل من شهرين سوف تكون فى البلد حكومة وفدية " .

قلت لحسنين : " اننى حاولت مرات من قبل ان اتعاون معه ، لكنى اخشى ان يكون مايقترحه الان مستحيلا بالنسبة لى " .

دعوت لجنة الطوارىء للاجتماع ، وبينما نحن مجتمعون وصل ( امين عثمان ) للسفارة ، ذهبت لمقابلته فى غرفة مجاورة ، سألته على الفور : " هل وضع ( النحاس ) توقيعه حقا على رد الزعماء السياسيين الذى جاء به ( حسنين ) ؟ ، واذا كان ذلك فكيف يمكن تفسير تصرفه ؟ " اكد لى ( امين ) اننى لايجب ان اهتم بأى شىء الا بتأكيداته هو لى بأسم ( النحاس ) .

اضاف ( امين عثمان ) انه يستطيع ان يراهن الى اخر دولار عنده ( ! ) بأن ( النحاس ) متمسك بما اتفق عليه معى ، وكذلك عدت الى غرفة الاجتماع وطلبت اعداد نص بالكلام الذى اوجهه الى الملك ( فاروق ) عندما التقيه فى المساء ، واتفقنا على نصين :


النص الاول فيه مااقوله للملك .


والنص الثانى وثيقة تنازل الملك عن العرش .

النص الاول يقول :





( خلال السنوات الاخيرة تأكد لنا انكم تحت تأثير بعض مستشاريكم ، لم تكونوا مخلصين للحلف ولبريطانيا العظمى ، وانما على العكس من ذلك عرقلتم جهودهم بما يساعد خصومهم .

ان الاتجاه العام ومايصاحبه من ظواهر تؤكد لنا قيامكم بخرق معاهدة التحالف مع بريطانيا بمقتضى المادة الخامسة التى تفرض عليكم الا تقوموا بأيه اتصالات مع اى بلد معاد للحلفاء .

ان جلالتكم فوق ذلك وعن تعمد وبدون داع طلبتم من الحكومة السابقة الرجوع عن قرار اتخذته بمقتضى البند الخامس من المعاهدة ( بطرد المسيو " بوتزى " الوزير المفوض الفرنسى فى القاهرة ) .

واخيرا فأنكم فشلتم فى تأمين قيام حكومة وحدة وطنية ورفضتم ان تعهدوا بالسلطة الى رئيس الحزب الذى يحظى بالاغلبية الشعبيه فى البلد والذى يستطيع وحده تأمين التنفيذ الدقيق للمعاهدة بالروح التى وضعت بها النصوص ، ومثل هذه التصرفات الطائشه وغير المسئولة من جانبكم تعرض امن مصر وامن القوات الحليفة فيها للخطر ، وهنا فأنهم يعلنون لكم انكم لم تعودوا جديرين بالجلوس على العرش ) .





واما النص الثانى ( وثيقة التنازل عن العرش ) فقد كانت على النحو التالى :




" نحن ( فاروق ) الاول ملك مصر تقديرا منا لمصالح بلدنا فأننا هنا نتنازل عن العرش ونتخلى عن اى حق فيه لأنفسنا ولذريتنا ، ونتنازل عن كل الحقوق والامتيازات والصلاحيات التى كانت عندنا بحكم الجلوس على العرش ، ونحن هنا ايضا نحل رعايانا من يمين الولاء لشخصنا "

صدر فى قصر عابدين فى هذا اليوم الرابع من فبراير 1942 .

توقيع " فاروق "


طلبت من وزير الدولة ( اوليفر ليتلتون ) ان يبقى على العشاء ومعه قرينته الليدى ( مويرا ) ، رحنا نناقش مانحن مقبلون عليه ، وكان يرى انه حتى ( النحاس ) رجل مذبذب فى موقفه ، والدليل على ذلك توقيعه على عريضة الزعماء التى ايدوا فيها الملك واتهمونا بالتدخل فى شئون مصر عدوانا على المعاهدة ، وهنا كان رأيه ( وزير الدولة اوليفر ليتلتون ) بعد نقاش طويل ( انه اذا تراجع الولد "the boy " واستسلم للانذار فلا داعى لوضع وثيقة التنازل امامه ) .

قبل ان اخرج من السفاره استدعيت ( امين ) لمقابلة اخيرة اريد ان اتأكد فيها من ان كل شىء يسير على نحو مااريد ، قلت له اننى اتوقع مايلى :

1- ان ( النحاس ) سوف يؤلف وزارة وفدية اذا دعاه الملك ( فاروق ) وطلب منه .

2- انه اذا تنازل الملك عن العرش فأن ( النحاس ) سوف يؤلف الوزاره وينهض بالمسئوليه بطلب منا .

تحركت من السفارة الساعة 8.40 متوجها نحو قصر عابدين ، كان معى الجنرال ( ستون ) وكنت اعرف ان هناك قوة من المدرعات سبقتنا الى حصار القصر ، وكان معنا عدد من السيارات مشت خلفنا ومجموعة من الضباط يمثلون كل اسلحة الجيش البريطانى وفروعه ترافقنا .

فى الطريق رويت للجنرال ( ستون ) مااقترحه وزير الدولة ( اوليفر ليتلتون ) على العشاء ، وابدى الجنرال ( ستون ) انه يوافق بلا تردد على انه ( اذا تراجع الولد فليس لنا ان نجبره على التنازل عن العرش والا وضعنا انفسنا فى مربع الخطأ ) .

وهكذا وصلنا الى القصر ، ولان هذه المقابلة مهمه فأنى اخصص لها فى هذه اليوميات صفحات مستقلة .




ملحق اضافى :





" لأن ماحدث فى قصر عابدين مساء يوم 4 فبراير 1942 موضوع مهم من وجهة نظر تاريخية وانسانية ، فقد رأيت ان اودع فى هذه اليوميات صورة كاملة من التقرير الذى بعثت به الى ( انتونى ايدن ) ( وزير الخارجية ) وهذا نصه :

انتونى ايدن - وزير الخارجية البريطانى


1- صاحب السعاده قد يهمك ان تعرف صورة كاملة لوقائع هذا المساء التى اعتبرها جديرة بالتسجيل .

2- فى الساعة التاسعة مساء وصلت الى قصر عابدين مصحوبا بالجنرال ( ستون ) ومعنا مجموعة منتقاه من الضباط الذين يمثلون كل اسلحة القوات ، وكانوا مسلحين حتى الاسنان ، فى طريقنا للقصر مررنا ببقية قواتنا التى كانت تتقدم فى الظلام متجهه الى القصر لأستكمال حصاره ، وعندما وصلنا كان فى وسعى ان ارى نظرة ذهول فى عيون تشريفاتية القصر الذين وقفوا فى استقبالنا عند مدخله ، وكانت نظراتهم الذاهلة اول اشارة لى بأن المظاهرة التى قمنا بها حققت اثارها المبدئية .

صعدنا الى الطابق الثانى وانتظرنا قليلا ونحن نسمع اصوات الدبابات وهى تتخذ مواقعها حول القصر ، وكان مشهد دخول وخروج تشريفاتية القصر والياوران من ناحية مكتب الملك وهو يهرولون فى ذعر لمسة مضافة الى جو توقعات الشؤم التى ينتظرها اهل القصر .

3- بعد قرابة خمس دقائق من التأخير دعيت الى مكتب الملك فى نفس اللحظه التى كنت فيها على وشك ان ابلغ رئيس الامناء اننى لست مستعدا للانتظار ثانية اضافية واحدة ، وتوجهت فى الممر المؤدى الى مكتب الملك ومعى الجنرال ( ستون ) ولكن كبير الامناء ( سعيد ذو الفقار ) حاول ان يمنع الجنرال ( ستون ) من مرافقتى ، وقد ازحته جانبا بذراعى ودخلت والجنرال ( ستون ) معى الى مكتب الملك .

4- بدا الملك ( فاروق ) مأخوذا ، وسألنى اذا كان يمكن ان يستبقى ( حسنين ) معنا اثناء المقابلة ، ووافقت على طلبه .

5- مضيت مباشرة الى مهمتى وقلت للملك اننى كنت اتوقع منه ردا بلا او نعم فى الساعة السادسة على الرسالة التى بعثت بها الى القصر صباح اليوم ، وبدلا من ذلك جائنى ( حسنين ) فى الساعة السادسة والربع برسالة اعتبرتها ردا ( بلا ) ، وانا الان اريد ان اعرف وبدون مراوغة هل هى نعم ام هى لا ؟ ، وبدا الملك يفكر ولم اترك له فرصة ، وانما اكملت كلامى على الفور مبديا له بأذدراء شديد ان الامور وصلت الى نقطة خطيرة اعتبرها بوضوح اجابة بلا ، وبناء عليه فأنى بمقتضى السلطات المخولة لى اطلب منه توقيع وثيقة بالتنازل عن العرش ، وليس امامه غير ان يوقع عليها فورا ، والا فأننى سوف اتخذ اجراءات اخرى للتصرف معه قد لاتكون مرضية له ، وناولته ورقة التنازل عن العرش .

6- تردد الملك ( فاروق ) لثوان واحسست للحظة انه سوف يأخذ القلم ويوقع ، لكن ( حسنين ) تدخل باللغة العربية وقال شيئا للملك الذى توقف وبدا عليه نوع من الهلع ، وقد نظر الى وسألنى بطريقة محزنة وبدون اية ادعاءات مما كان يتظاهر به من قبل ( اذا كان فى الامكان اعطاؤه فرصه اخرى واخيرة ) ، وقلت له ( اننى لابد ان اعرف فورا وبدون مراوغة ماالذى ينوى عمله ؟ ) ، واجاب بأنه سوف يستدعى ( النحاس ) على الفور ، وزاد فأقترح ان يدعو ( النحاس ) فى وجودى اذا اردت ، وان يكلفه على مسمع منى بتشكيل وزارة جديدة .

سألته ( هل يفهم بوضوح انها يجب ان تكون وزارة من اختيار ( النحاس ) وحده ؟ ، وقال ( انه يفهم ) ، وقلت له " اننى الان على استعداد لأن اعطيه فرصة اخيرة لأنى اريد ان اجنب بلاده تعقيدات قد لاتكون سهلة فى هذه الظروف ، ولكن عليه ان يدرك ان تصرفه يجب ان يكون فوريا " ، وقال مرة اخرى وبصوت متأثر بالانفعال ( انه يستوعب ان ضرورات محافظته على شرفه وعلى مصلحة بلاده تقتضى أن يستدعى ( النحاس ) فورا ) .

7- على هذا الاساس وافقت .

8- حاول الملك ( فاروق ) بعدها وبجهد يثير الرثاء ان يتلطف وان يجعل من نفسه شخصا ودودا ، واكثر من ذلك فأنه وجه لى شخصيا شكره العميق لأننى ساعدته فى اجتياز ازمة بهذه الحده .

9- تركت مكتبه وخرجت مارا بالبهو الطويل المؤدى الى مكتبه ، وكان البهو مزدحما على الاخر بعدد من الضباط البريطانيين ومن تشريفاتية القصر ، كما انه عند اخر الممر من الناحية الاخرى ، كان هناك عدد من السيدات ظهرن لى وكأنهن قطعان من الدجاج المذعور .

وعندما نزلنا الى بهم القصر كان هناك حشد من الضباط البريطانيين ، كما انه من مدخل القصر بدا لى صلب الخوذات والمسدسات ومدافع التومى ، وكلها على استعداد لحالة الانذار .

وبينما نحن نخرج من مدخل القصر ظهرت امامى ساحته الواسعة بأضوائها الخافتة ، كأنها غابة مغطاه بالدبابات والعربات المصفحة والمدافع المصوبة نحو القصر استعدادا للعمل ، وكان المشهد قويا مثيرا للاعجاب بكفاءة الترتبيات العسكرية التى مهدت وساعدت على انجاح مهمتى بهذه السرعة .

10- فور ان وصلت الى السفارة وجدت ( حسنين ) على التليفون ينتظرنى بلهفة ويسألنى ( متى تنسحب القوات المحيطه بالقصر ؟ ، وداعى لهفته ان وجود القوات يعرقل وصول زوار القصر الان واولهم ( النحاس ) وهو لايريد ان نتصور ان هناك تأخيرا ليسوا هم المتسببين فيه ) ، ووعدت ( حسنين ) اننى سوف انظر فى الامر .

وبعد نصف ساعة من هذه المحادثة وصل ( النحاس ) الى مقر السفارة ، قال لى انه قادم من مقابلة الملك الذى استقبله مع عدد اخر من الزعماء السياسيين وان الملك كلفه امامهم جميعا بتشكيل الوزارة على الفور وكما يريد ، كما كلفه بأن يجىء على الفور لأبلاغى بأن كل شىء قد تم كما طلبت ، وان الملك تصرف حسب ماوعدنى وبسرعة .

بقى ( النحاس ) معى وطلبت ان ينضم الينا وزير الدولة ، وابلغت ( النحاس ) بحضوره اننى سوف اتراجع من الان الى خلفية المسرح واترك له ان يقف فى الواجهه ويتصرف ويقوم بتأليف وزارته ، كان ( النحاس ) متحمسا وان عبر عن وساوس لاتزال تراوده حول شرور بعض عناصر القصر ، وكان رايه ان هذه العناصر وعناصر اخرى من خارج القصر لابد من استبعادها فورا ، وقلت له اننى افضل ان اكون الان بعيدا ، وعليه هو ان يتخذ الاجراءات التى يراها ضرورية .

11- لابد ان اقول اننى استمتعت لأبعد مدى بوقائع هذه الليلة ، ولقد راودنى الاغراء فى بعض اللحظات بأن اصر على تنازل الملك ( فاروق ) ولكن راجعت نفسى لأن مقتضيات الحذر اقول ذلك مترددا جعلتنى اترك له الفرصه لأستدعاء ( النحاس ) ، والحقيقة انه لم يكن فى وسعى ان ارغمه على التنازل عن العرش لأنه تأخر فى استدعاء ( النحاس ) وفق ماطلبت منه فى انذارى مدة ثلاث ساعات اى من الساعة السادسة كما طلبت الى التاسعة كما حدث فعلا .

ولم يكن فى وسعنا ان نبرر سياسيا طرده على هذا الاساس امام الرأى العام المصرى او الاجنبى ، زيادة على ذلك فقد كان فى اعتبارى عندما ذهبت الى القصر انه من واجب الجانب المدنى للسلطة البريطانية فى مصر ، ان لاتتسبب فى اى حرج للقيادة العسكرية التى تعاونت معى بطريقة نبيلة طول الوقت ، وعلى اى حال فقد كان مسليا ان ارى نزول الملك على طلباتنا الاصلية دون قيد او شرط وهو مااعتبره نصرا كاملا .

12- فى الختام لابد ان اسجل تقديرى الشديد للصلاحيات التى اعطيتموها لى بالتصرف ، كما اشيد بحكمة وقوة التأييد الذى اعطاه لى وزير الدولة طول الوقت .

4 فبراير مساء" عندما وصلت الى السفارة كان فى انتظارى كثيرون ينتظرون معرفة النتيجة والتفاصيل ، وكان بينهم وزير الدولة ( اوليفر ليتلتون ) الذى اعرب عن سعادته بما توصلنا اليه رغم انه اثناء غيابى فى المهمة التى ذهبت اليها سأل نفسه عما اذا كان قد جعلنى اتردد فى عزل الملك عندما ابدى بعض التحفظ بسبب تشككه فى ( النحاس باشا ) ، وقلت له اننى لم اسف طوال حياتى حتى الان الا لأن الملك استسلم بهذه السرعة ، فقد كنت اتمنى ان يعاند وان نتخلص منه ، وعلى اى حال فأعتقادى اننى تصرفت بحكمة فى الظروف الراهنة ، ( ان الولد مازال فى مكانه ، لكنه اخذ صدمة عمره بمجىء النحاس الى الحكم بهذه الطريقة ، واعتقادى اننا قصقصنا اجنحته ولن يستطيع ان يطير لمدى طويل ) .

انضم الينا ( والتر مونكتون ) ( مساعد وزير الدولة القانونى الذى كتب وثيقة التنازل ) ، وواصلنا الكلام لبعض الوقت ثم انصرف الجميع راضيين ، لكنه كان على ان اسهر الى ساعة متأخرة من الليل لأكتب تقريرى الى وزارة الخارجية .


الخميس 5 فبراير 1942 :




اتصل بى ( حسين سرى ) تليفونيا قبل الساعة التاسعة صباحا وسألته عن ردود فعل ماوقع بالامس ، قال انه يخشى انه لم يكن هناك سبيل اخر ، وروى لى انه وصل الى القصر فى الساعة التاسعة والنصف مع عدد اخر من الزعماء الذين دخلوا وسط طوابير القوات البريطانية التى كانت تحاصره ، وهو يقدر ( ان الولد افلت بمعجزة ) لكنه يعتقد ان ماجرى كان الحل الافضل ، رأيه ( ان الملك سعى وراء المشاكل ونال نصيبه منها ) ، وسألته اذا كان الملك قال شيئا اخر ، واجاب بالنفى ، وقلت اننى سوف احكى له التفاصيل فيما بعد ، نزلت من الطابق الاعلى الى المكتب واستدعيت ( امين عثمان ) لحديث عام ضغطت خلاله على فكرتين طلبت منه ان يزرعهما فى عقل ( النحاس من البداية ) .

الفكره الاولى : ان يقنع ( النحاس ) بالعمل على تعيين ( حسين سرى ) رئيسا للديوان بدلا من حسنين .

والفكره الثانية : العمل على نقل ( حسنين ) ليصبح رئيسا للتشريفات وهو مؤهل لهذه الوظيفة اكثر من رئاسة الديوان

مايلز لامبسون و النحاس باشا


مايلز لامبسون وزوجته وزينب هانم الوكيل زوجة النحاس باشا


الملك فاروق وزوجة السير لامبسون وفى الخلف الامير محمد رضا بهلوى والاميرة فوزية والاميرالاى عمر باشا فتحى وعلى يمين الصورة سعيد باشا ذو الفقار




وقال ( امين ) انه سوف يعمل وفق ماطلبت ، ولكنه سوف يوحى للنحاس بأن هذه الافكار من عنده هو وليس من عندى ، ووافقت ، وقلت لأمين بعد ذلك ان المهمة الاولى امام ( النحاس ) ان يعمل على نقل ( عبد الوهاب طلعت ) وكيل الديوان الملكى من القصر ، وكذلك اقصاء كل الايطاليين العاملين فى خدمة الملك ، وابلغته اهمية افهام ( النحاس ) ان هذه تعليمات لندن ولاينبغى ان تكون موضع مناقشة .


الملك فاروق والوزارة التى تشكلت بعد حادث 4 فبراير

الخميس 5 فبراير ظهرا تلقيت البرقية التالية من ( انتونى ايدن وزير الخارجية ) وقد سعدت بها ، نصها :

( اهنئك بحرارة ، النتائج تشهد لك بالحزم وتؤكد ثقتنا فيك ) ، انتونى شىء جميل .

تقارير " مايلز لامبسون " ( لورد كيلرن ) محفوظة فى دار المحفوظات ب " كيو " قرب لندن فأن يومياته مودعة بناء على وصيته فى كلية " سان انتونى " ب ( جامعة اوكسفورد ) ، وهى الكلية المهتمه بدراسات الشرق الاوسط ، ومحفوظات هذه الكلية من مجموعات الاوراق الخاصه مهوله وذات قيمة يصعب تقديرها






الانذار البريطانى للملك :





1- اننا نريد حكومة موالية لنا ، قادرة على تنفيذ المعاهدة بنصوصها وروحها ، وبالتحديد المادة الخامسة من المعاهدة ( الخاصة بالاتصالات مع قوى خارجية معادية ) .

2- اننا نريد حكومة قوية تستطيع ان تحكم معتمدة على تأييد شعبى كاف .

3- هذا يعنى ان عليه ان يستدعى ( مصطفى النحاس باشا رئيس الوفد ) وهو زعيم الاغلبية فى البلاد وان يتشاور معه فى شأن تأليف حكومة .

4- اننى اطلب ان يتم ذلك فى موعد اقصاه ظهر غد .

5- انه هو شخصيا سوف يكون مسئولا عن وقوع اى اضطرابات او اخلال بالامن فى هذه الفترة .





مذكرة الزعماء للسفير البريطانى :





" ان الانذار البريطانى الموجه الى جلالة ملك مصر يمثل خرقا لمعاهدة الصداقة والتحالف بين البلدين ، ولهذا السبب وبناء على نصيحة الزعماء السياسيين ، فأن جلالة ملك مصر لايستطيع قبول هذا الخرق لأستقلال بلاده " .
__________________
"كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ"


سيساوي وافتخر
رد مع اقتباس