عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم March 14, 2012, 01:28 AM
 
~ فكّر قبل ان تعمل ~

قصة/فكر قبل ان تعمل
روي أن أحدَ الولاةِ كان يتجول ذات يوم في السوق القديم متنكراً في زي تاجر ،

وأثناء تجواله وقع بصره على دكانٍ قديمٍ ليس فيه شيء مما يغري بالشراء ،

كانت البقالة شبه خالية ، وكان فيها رجل طاعن في السن ، يجلس بارتخاء على مقعد قديم متهالك ،



ولم يلفت نظر الوالي سوى بعض اللوحات التي تراكم عليها الغبار ،

اقترب الوالي من الرجل المسن وحياه ، ورد الرجل التحية بأحسن منها ،

وكان يغشاه هدوء غريب ، وثقة بالنفس عجيبة .. وسأل الوالي الرجل :

دخلت السوق لاشتري فماذا عندك مما يباع !؟

أجاب الرجل بهدوء وثقة : أهلا وسهلا .. عندنا أحسن وأثمن بضائع السوق !!

قال ذلك دون أن تبدر منه أية إشارة للمزح أو السخرية ..

فما كان من الوالي إلا ابتسم ثم قال :

هل أنت جاد فيما تقول !؟

أجاب الرجل :

نعم كل الجد ، فبضائعي لا تقدر بثمن ، أما بضائع السوق فإن لها ثمن محدد لا تتعداه !!

دهش الوالي وهو يسمع ذلك ويرى هذه الثقة ..

وصمت برهة وأخذ يقلب بصره في الدكان ، ثم قال :

ولكني لا أرى في دكانك شيئا للبيع !!

قال الرجل : أنا أبيع الحكمة .. وقد بعت منها الكثير ، وانتفع بها الذين اشتروها !

ولم يبق معي سوى لوحتين ..!

قال الوالي : وهل تكسب من هذه التجارة !!

قال الرجل وقد ارتسمت على وجهه طيف ابتسامة :

نعم يا سيدي .. فأنا أربح كثيراً ، فلوحاتي غالية الثمن جداً ..!

تقدم الوالي إلى إحدى اللوحتين ومسح عنها الغبار ، فإذا مكتوباً فيها :

( فكر قبل أن تعمل ) ..تأمل الوالي العبارة طويلا .. ثم التفت إلى الرجل وقال :

بكم تبيع هذه اللوحة ..!؟

قال الرجل بهدوء : عشرة آلاف دينار فقط !!

ضحك الوالي طويلا حتى اغرورقت عيناه ، وبقي الشيخ ساكنا كأنه لم يقل شيئاً ،

وظل ينظر إلى اللوحة باعتزاز .. قال الوالي : عشرة آلاف دينار ..!! هل أنت جاد ؟

قال الشيخ : ولا نقاش في الثمن !!



لم يجد الوالي في إصرار العجوز إلا ما يدعو للضحك والعجب ..

وخمن في نفسه أن هذا العجوز مختل في عقله ، فظل يسايره وأخذ يساومه على الثمن ،

فأوحى إليه أنه سيدفع في هذه اللوحة ألف دينار ..والرجل يرفض ، فزاد ألفا ثم ثالثة ورابعة

حتى وصل إلى التسعة آلاف دينار .. والعجوز ما زال مصرا على كلمته التي قالها ،

ضحك الوالي وقرر الانصراف ، وهو يتوقع أن العجوز سيناديه إذا انصرف ،

ولكنه لاحظ أن العجوز لم يكترث لانصرافه ، وعاد إلى كرسيه المتهالك فجلس عليه بهدوء ..

وفيما كان الوالي يتجول في السوق فكر ..!!

لقد كان ينوي أن يفعل شيئاً لا تأباه المروءة ، فتذكر تلك الحكمة ( فكر قبل أن تعمل !! )

فتراجع عما كان ينوي القيام به !! ووجد انشراحا لذلك ..!!

وأخذ يفكر وأدرك أنه انتفع بتلك الحكمة ، ثم فكر فعلم أن هناك أشياء كثيرة ،

قد تفسد عليه حياته لو أنه قام بها دون أن يفكر ..!!



ومن هنا وجد نفسه يهرول باحثاً عن دكان العجوز في لهفة ،

ولما وقف عليه قال : لقد قررت أن أشتري هذه اللوحة بالثمن الذي تحدده ..!!

لم يبتسم العجوز ونهض من على كرسيه بكل هدوء ، وأمسك بخرقة ونفض بقية الغبار عن اللوحة ،

ثم ناولها الوالي ، واستلم المبلغ كاملاً ، وقبل أن ينصرف الوالي قال له الشيخ :

بعتك هذه اللوحة بشرط ..!!

قال الوالي : وما هو الشرط ؟

قال : أن تكتب هذه الحكمة على باب بيتك ، وعلى أكثر الأماكن في البيت ،

وحتى على أدواتك التي تحتاجها عند الضرورة ..!!!!!

فكر الوالي قليلا ثم قال : موافق !



وذهب الوالي إلى قصره ، وأمر بكتابة هذه الحكمة في أماكن كثيرة في القصر ،

حتى على بعض ملابسه وملابس نسائه وكثير من أداواته !!!

وتوالت الأيام وتبعتها شهور ، وحدث ذات يوم أن قرر قائد الجند أن يقتل الوالي لينفرد بالولاية ،

واتفق مع حلاق الوالي الخاص ، أغراه بألوان من الإغراء حتى وافق أن يكون في صفه ،

وفي دقائق سيتم ذبح الوالي !!!!!

ولما توجه الحلاق إلى قصر الوالي أدركه الارتباك ، إذ كيف سيقتل الوالي ،

إنها مهمة صعبة وخطيرة ، وقد يفشل ويطير رأسه ..!!

ولما وصل إلى باب القصر رأى مكتوبا على البوابة : ( فكر قبل أن تعمل !! )

وازداد ارتباكاً ، وانتفض جسده ، وداخله الخوف ، ولكنه جمع نفسه ودخل ،

وفي الممر الطويل ، رأى العبارة ذاتها تتكرر عدة مرات هنا وهناك :



( فكر قبل أن تعمل ! ) ( فكر قبل أن تعمل !! ) ( فكر قبل أن تعمل !! ) .. !!

وحتى حين قرر أن يطأطئ رأسه ، فلا ينظر إلا إلى الأرض ، رأى على البساط نفس العبارة تخرق عينيه ..!!

وزاد اضطرابا وقلقا وخوفا ، فأسرع يمد خطواته ليدخل إلى الحجرة الكبيرة ،

وهناك رأى نفس العبارة تقابله وجهاً لوجه !!( فكر قبل أن تعمل !!) !!

فانتفض جسده من جديد ، وشعر أن العبارة ترن في أذنيه بقوة لها صدى شديد !



وعندما دخل الوالي هاله أن يرى أن الثوب الذي يلبسه الوالي مكتوبا عليه :

( فكر قبل أن تعمل !! ) ..

شعر أنه هو المقصود بهذه العبارة ، بل داخله شعور بأن الوالي ربما يعرف ما خطط له !!

وحين أتى الخادم بصندوق الحلاقة الخاص بالوالي ، أفزعه أن يقرأ على الصندوق نفس العبارة :

( فكر قبل أن تعمل ).. !!

واضطربت يده وهو يعالج فتح الصندوق ، وأخذ جبينه يتصبب عرقا ،

وبطرف عينه نظر إلى الوالي الجالس فرآه مبتسما هادئاً ، مما زاد في اضطرابه وقلقه ..!

فلما هم بوضع رغوة الصابون لاحظ الوالي ارتعاشة يده ،

فأخذ يراقبه بحذر شديد ، وتوجس ، وأراد الحلاق أن يتفادى نظرات الوالي إليه ،

فصرف نظره إلى الحائط ، فرأى اللوحة منتصبة أمامه ( فكر قبل أن تعمل ! ) ..!!

فوجد نفسه يسقط منهارا بين يدي الوالي وهو يبكي منتحبا ، وشرح للوالي تفاصيل المؤامرة !!

وذكر له أثر هذه الحكمة التي كان يراها في كل مكان ، مما جعله يعترف بما كان سيقوم به !!

ونهض الوالي وأمر بالقبض على قائد الحرس وأعوانه ، وعفا عن الحلاق ..



وقف الوالي أمام تلك اللوحة يمسح عنها ما سقط عليها من غبار ،

وينظر إليها بزهو ، وفرح وانشراح ، فاشتاق لمكافأة ذلك العجوز ، وشراء حكمة أخرى منه !!

لكنه حين ذهب إلى السوق وجد الدكان مغلقاً ، وأخبره الناس أن العجوز قد مات !!

= =

انتهت القصة .. ولكنها عندي ما لم تنته .. بل بدأت بشكل جديد ، وفي صورة أخرى .!

سألت نفسي :

لو أن أحدنا كتب هذه العبارة مثلا :



( الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك.. الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..)

كتبها في عدة أماكن من البيت ،

على شاشة جهاز الكمبويتر مثلاً ،

وعلى طاولة المكتب ،

وعلى الحائط الذي يواجهه اذا رفع رأسه من على شاشة الحاسوب ،

وفوق التلفاز مباشرة يراها وهو يتابع ما في الشاشة !!

وعلى لوحة صغيرة يعلقها في واجهة سيارته ،

وفي أماكن متعددة من البيت ، وفي مقر عمله ...!!

( الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك.. الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..)



( الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك.. الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..)



بل لو أن هذه العبارة لكثرة ما فكر فيها ، وأعاد النظر فيها ،

استقرت في عقله الباطن ، وانتصبت في بؤبؤ عينيه ، واحتلت الصدارة في بؤرة شعوره ،

وتردد صداها في عقله وقلبه ، حيثما حملته قدماه ، رآها تواجهه ..ونحو هذا ..



( الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك.. الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..)

أحسب أن شيئا مثل هذا لو نجح أحدنا فيه ، سيجد له اثراً بالغا في حياته ،

واستقامة سلوكه ، وانضباطاً في جوارحه ، وسيغدو مباركا حيثما كان
:
منقول للفائدة