الموضوع: غرور مُبتعِث
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم December 27, 2011, 10:56 PM
 
غرور مُبتعِث

بسم خالقي ورازقي وحافظي
بينما كنا مجتمعون في إحدى المجالس الشبابية نتحاور في أمور الدين والدنيا , وآخر الأخبار
الساخنة في المناطق العالمية والإقليمية إذ دخل علينا شاب متوسط القامة , نحيف الجسم , شاهرا لسانه ,
صاعِرا خده , رافعا صدره , ناشرا أذياله , ألقى علينا التحية , وجلس جانبا يسترق السمع , أدرك عنوان النقاش ,
وأطراف الحديث , وعمق الحوار , شمر عن ساعديه ووضع رجله اليمنى على اليسرى ,
ومن غير أذن أدلى دلُوه , وأخذ يسهب في الكلام , يُفرِع ويُفصِل , ينتقد ويقترح , يُصرح ويُلمح ,
أستأذنتهُ للتعقيب على ما ثار حفيظتي ,بدأتُ بالكلام , فقاطعني مباشرة وأطنب في التعليق , يتكلم باللغة ا
لإنجليزية تارة وباللغة العربية تارة أخرى , ولا يمل من ذكر الولاية الأمريكية الذي درس فيها ,
يقارن شعبها بشعب الخليج , وأبنيتها بأبنية المملكة , يستنقص من عقول شباب الخليج , ويستهزِأ من الأعراف و التقاليد ,
مفتخرا بالشهادة , ومختالا بالكتب الذي قرأها , لدى فهو في الطب طبيب , وفي السياسة سفير , وفي الاقتصاد خبير , وفي الرياضة عميد
وفي الدين فقيه وفي الأدبِ قدير . استأ الحاضرون منه فستأذنوا بالخروج .

وفي كل مرة يدخل علينا يهرب الجميع من المجلس , أستشعر يوما ذلك فقال إنهم يغارون مني ويحقدون
عليّ لأني أرقى منهم مستوى في العلم والثقافة !!
رد صاحب المجلس على حديثه المتكبر : ليس الحقد هو من فرّهم منك , بل التكبر والغرور
وفقدانك لأدبيات الحوار وأخلاق الحديث هو من جعلهم ينفرون منك
في كل مرة تضع قدمك في مجلسي .

أجاب باستعلاء : وماهي أدبيات الحوار وأخلاق الكلام , أعلمنيها يا خطيب زمانك ؟!

أولا : تعلم كيفية الإنصات قبل كيفية الكلام .
ثانيا : دع عنك الغرور والسخرية في الحديث ولا تستنقص من قدر المستمع ولا تكثر من كلمة ( أنا ).
ثالثا : استأذن قبل الكلام ولا تقاطع أحدا يتكلم وأبدأ من حيث ينتهي .
رابعا : تحدث دائما بنبرة هادئة .
خامسا :لا تتحدث إلا في ما تعرف ولا تستحي أن تقول لا أعلم إذا لم تعلم .
سادسا : خاطب الناس على قدر عقولهم .
سابعا : حاول أن تُشرك الآخرين فيما تتكلمه إسألهم , أجبهم , أُنظر إليهم , وتوقف عندما يتململون من الحديث .
ثامنا : تكلم باللغة العربية ولا تكثر من اللغة الإنجليزية واستخدم الألفاظ اللبقة والجذابة .
تاسعا: أختصر في حديثك وفرق بين الفصاحة والفهاهة .

المغرور : وما هو الفرق بينهما ؟

كنت سأذكره , ولكنك قاطعتني وكأنك لم تعي ما حدثتك عنه ,
استمع جيدا لهذه القصة : يذكر المؤرخون أن المأمون العباسي أراد في يوم من الأيام أن يبين فصاحته وبلاغته للناس
فصعد المنبر فخطب خطبة أطالها وكان يستخدم الألفاظ البليغة حتي يوحي للمستمعين أنه بليغ , وقد كان من جملة
المستمعين إليه رجل أعرابي , وكان عليه ملابس رثة , فأخذ المأمون ينظر إليه ويطيل النظر إلى ما عليه من ملابس
فلما أدرك ذلك الإعرابي , قال أيها الخليفة أنا الذي أكلمك ولا تكلمك ملابسي , تعجب المأمون من كلامه وتنبه أنه رجل مهم وذو حكمة .
فسأله كيف تكون الفصاحة والبلاغة عندكم ؟
قال الإعرابي : الإيجاز مع الفائدة .( تضمين اللفظ القليل بالمعنى الكثير )
وكيف هي الفهاهة التي هي ضد الفصاحة ؟
قال : ما كنت عليه اليوم أيها الأمير فلم يكن خطابك اليوم إلا ألفاظ فارغة الفحوى والمضمون.

أخيرا أراك دائما تتحدث بفخر عن شهاداتك وجامعتك الأمريكية , وتمدح الولاية , وتقدح المملكة .
فيا أخي العزيز إن الغرب له دينهم ولنا ديننا , لهم عاداتهم ولنا عاداتنا فلا تفرض علينا مالا يناسب مجتمعنا ويعارض ديننا .
و أعلم يا مغترا بشهادتك إن العلم والشهاده تنمي القدرات والمواهب فقط , وأما العقل فتنميه التجارب .
كما قال أمير المؤمنين عليه السلام ( العقل عريزة تُربيها التجارب ) .

المغرور : بما أنني دكتور حاصل على شهادة دكتوراه في علم النفس من جامعة Texasالأمريكية هل تريد أن أُحدِثك عن العقل وفلسفته ؟
صاحب المجلس : لا لا أرجوك .
__________________



تِكرَار { الحمدُ لله } .. عِلآج نَفسيّ يَجلبَ لكَ السَعَاده♥ !







رد مع اقتباس