عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم August 24, 2007, 07:49 PM
 
أركان جرائم الشيك

أركان جرائم الشيك
دراسة في القانون الفلسطيني مع المقارنة
*أ.د. سيف الدين البلعاوي

مقدمة :

أهمية الشيك – تعريفه – شروطه

بدأ يحتل الشيك الآن مكانة هامة في دنيا المعاملات أفضل من المكانة التي تحتلها الكمبيالة (بوليسه) أو السند الأدنى، ونظراً لزيادة الثقة فيه وكثرة التعامل به كان من واجب القانون من أجل ضمان قيام الشيك بوظيفته أن يتدخل لحماية هذه الثقة وهذا التعامل، بضمانات قانونية تكفل عدم التلاعب به، وتكفل أيضا سريان أداء مهامه المنوطة به، باعتباره أداة وفاء بين المتعاملين يحل محل النقود في المعاملات التجارية والالتزامات المالية لما يحققه من مزايا عدة، فهو يؤدي بفضل الحسابات الجارية إلى زيادة النقود التي تعتمد عليها مؤسسات الائتمان ويسهل على المودعين في الوقت ذاته استثمار أموالهم بما يحصلون عليه من عائد مع بقائها دائماً رهن إشارتهم، فيوفون منها ما عليهم من ديون دون حاجة إلي نقلها، وإذا كثرت الشيكات وكانت المصارف المسحوبة عليها حامله لشيكات على مصارف أخرى عظمت المزايا التي تترتب على الوفاء بها وأمكن تسويه صفقات كبيرة بعملية نقل الحساب.
ولسنا هنا بصدد بيان التطور التاريخي للشيك منذ نشأته بل تكفى الإشارة إلى أن نطاق استعماله كان في البداية ضيقاً ثم أنتشر إزاء تبيان ما أداه من خدمات تجارية ومدنية وكما هو الشأن في تنظيم أي علاقة بين الأفراد إذا أستتب أمره وبانت أهميته وخطورته بالنسبة إلى بعض جوانب الحياة في المجتمع – يتدخل المشرع بالقدر الذي يراه لازماً وضرورياً للمحافظة على الاستقرار لذلك التنظيم، لذلك نجد أن كثيراً من التشريعات تضم نصوصها أحكاماً تنظم الشيك سواء في المجموعة التجارية أو في غيرها أو في قوانين مستقلة، ويلاحظ من تنظيم التشريعات المختلفة للشيكات أنها جميعاً تنبثق من قاعدة أصلية، وهي قيام هذه الصكوك بوظيفة النقود، وان لم تعتبر من النقد مما أدى إلي انتشار استعمالها كلما ازداد النشاط في مختلف أوجه الحياة، وكلما تقدم الوعي المصرفي فيها[1].
تعريف الشيك :
يلاحظ أن التشريعات في مجملها قد تجنبت الخوض في مسألة تعريف الشيك واقتصر الأمر فيها على ضرورة توافر البيانات الإلزامية فيه إلا أن البعض منها قام بذلك كالقانون الفلسطيني القائم الآن والذي لم يلغ بعد[2] في المادة 73 منه "الشيك هو بوليسه مسحوبة على مصرف ومستحقة الدفع حين الطلب مع مراعاة ما ورد خلاف ذلك فيما بعد، تسري على الشيكات أحكام هذا القانون السارية على الحوالات المستحقة حين الإطلاع "أيضاً في مشروع قانون الشيك لسنة 1982 في مصر، فقد عرف الشيك في المادة الأولي منه بأن الشيك محرر يتضمن أمراً غير معلق على شرط ولا مضاف إلي اجل موجه إلي المسحوب عليه لدفع مبلغ محدد للمستفيد من حساب الساحب لدى المسحوب عليه ولا يعتبر المحرر شيكاً إلا إذا كان مسحوباً على بنك مسجل لدى البنك المركزي" كما عرفه الفقهاء بتعريفات متعددة وإن اختلفت في صياغتها ولكنها تتحد جميعها في بيان طبيعة الشيك وخاصة في قيامه مقام النقود في الوفاء، من ذلك ما عرف به (بأنه أمر من الساحب إلي المسحوب عليه بأن يدفع بمجرد الإطلاع مبلغاً معيناً من النقود إلي المستفيد أو لأذنه أو إلي الحامل[3] وبأنه محرر مكتوب وفقاً لأوضاع حددها العرف يطلب به الساحب إلي المسحوب عليه أن يدفع بمقتضاه بمجرد الإطلاع عليه مبلغاً من النقود لشخص معين أو لإذن شخص معين أو لحامله[4] وبأنه محرر مكتوب وفق أوضاع شكلية استقر عليها العرف يتضمن أمرا صادراً من شخص هو الساحب إلي شخص آخر هو المسحوب عليه، بأن يدفع من رصيده الدائن لديه لأمره (أي لأمر الساحب ذاته، أو لأمر شخص أخر أو للحامل مبلغاً بمجرد الاطلاع على الصك)[5]، ونعتقد انه لا حاجة بنا إلي وضع تعريف خاص للشيك لأن المتمعن في التعريفات السابقة يجد إنها جميعاً لا تخرج عن معنى واحد باعتباره محرراً يقوم مقام النقود في الوفاء، ويثور التساؤل عما إذا كان من الأوفق وضع تعريف تشريعي للشيك أم يترك بدون تعريف ؟
في رأينا أن الشيك في الأصل قد وجد ليسد حاجات التعامل، وكان من شأن استعماله أن وضعت له الضوابط اللازمة لأدائه الخدمات التي يقوم بها، مع أن هذه الضوابط قد استقرت إلي حد كبير وكان للعرف في ذلك دور كبير، والعرف كما نعلم أحد المصادر المعترف بها، وعليه نفضل حتى لا يتجمد الواقع العملي أن لا تتضمن النصوص التشريعية تعريفاً للشيك إذ أن تعريف الشيك بنص تشريعي يؤدي إلي حصر بياناته، وحينئذ يثور الخلاف عن مدى قوة هذه البيانات في الإلزام وتبعاً أثرها في بقاء صفة الصك كشيك أم تحويله إلى ورقة من نوع أخر لذلك يلاحظ أن كثيراً من الشراح يذكرون للشيك بيانات معينة يوصف بعضها دون البعض الأخر بأنه إلزامي ورغم ذلك فهذا اللزوم المطلوب في بعض الأحوال لا يؤدي إلي فقد الشيك لصفته في حالة وجود نص لبعض تلك البيانات وعلى هذا الأساس استبعدت معظم التشريعات الحديثة[6] إيراد تعريف قانوني للشيك مقتصرة فقط على ضرورة اشتمال الشيك على البيانات الإلزامية فيه، وهذا ما فعله مشروع القانون الفلسطيني للتجارة الجديد في المادة 482 منه بقوله يشتمل صك الشيك على البيانات الآتية :
1. كلمة شيك مكتوبة في متن الصك وباللغة التي كتب بها.
2. أمر غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود مكتوباً بالحروف وبالأرقام.
3. اسم المصرف المسحوب عليه.
4. مكان الوفاء.
5. تاريخ ومكان إنشاء الشيك.
6. اسم وتوقيع من أصدر الشيك.
وأشار في المادة 483 منه إلي أن الصك الخالي من أحد البيانات المذكورة في المادة السابقة من هذا القانون لا يعتبر شيكاً إلا في الحالتين الآتيتين:
أ‌. إذا كان الشيك خالياً من بيان مكان الوفاء اعتبر مستحق الوفاء في المكان الذي يوجد به المركز الرئيس للمصرف المسحوب عليه.
ب‌. إذا خلا الشيك من بيان مكان إنشائه اعتبر أنه أنشأ في موطن الساحب .
وإذا كان ما تقدم هو مسلك القانون فإننا نلاحظ أن القضاء في الدول المختلفة، يكتفي متمشياً مع الواقع العلمي، بأن يكون للصك كل المظاهر التي تكفى لاعتباره شيكاً يؤدى وظيفته بمجرد الاطلاع عليه دون الاعتداد بما وراء ذلك، وإن أشارت بعض أحكامه إلى ضرورة استيفاء الشروط التي نص عليها القانون[7]ومن أحكامه أن الشيك المعرف في القانون التجاري بأنه أداه وفاء ودفع ويستحق الأداء لدى الاطلاع عليه ويغني عن استعمال النقود في المعاملات هو نفسه الذي أخذت به أحكام القانون الجنائي، وما دام قد أستوفي المقومات التي تجعل منه أداة وفاء في نظر القانون، فإن الساحب لا يستطيع أن يغير من طبيعة هذه الورقة ويخرجها عما خصها القانون فيها من مميزات[8].
شروط الشيك :
تنقسم الشروط الواجب توافرها في الشيك إلى شروط موضوعية وأخرى، شكلية، الموضوعية تتعلق بالأهلية، والرضا والمحل والسبب، والشكلية تدور في وجوب أن يكون الشيك محرراً وأن يذكر به بيان الساحب والمسحوب عليه والمستفيد والأمر بدفع مبلغ من النقود، وتاريخ التحرير، ومكانة ونعرض لكل منهما بإيجاز تمهيداً للدخول في موضوع بحثنا وهو أركان جرائم الشيك.
أولاً : الشروط الموضوعية :
في الأصل يمثل الشيك علاقتين قانونيتين الأولى بين الساحب والمستفيد والثانية بين الساحب والمسحوب عليه، وقد تنشأ بعد هذا علاقات أخرى بين الموقعين على الشيك، وهذه العلاقات جميعاً شأنها شأن غيرها تحكمها شروط موضوعية تتعلق بالأهلية والرضا المحل والسبب وانتفاء هذه الشروط أو بعضها قد يترتب عليه بطلان الالتزام الناشئ عنها ويقتضينا الحال التعرض لتلك الشروط وفقاً للبيان الآتي:
الأهلية :
لم يشترط القانون المصرفي شروطاً خاصة بالنسبة لأهلية التعامل في الأوراق التجارية وهذا ما فعله قانون جنيف الموحد، إذ ترك كلاهما أحكام الأهلية للقواعد العامة.
وعلية فإن كل شخص طبيعي بلغ سنه الثامنة عشرة ولم تشب أهليته شائبة كالجنون والعته يكون قادراً على إنشاء الأوراق التجارية والالتزام بها ويبطل تصرفه إن كان عديم الأهلية، أما أن كان ناقص الأهلية فيكون له الخيار بين الإجازة أو النقض بعد اكتمال أهليته، وقد جعل القانون التجاري الفلسطيني في مشروعة الجديد الأهلية القانونية ثماني عشرة سنة وكان القانون السابق قد جعل الأهلية القانونية إحدى وعشرين عاماً ميلادياً كاملاً وبالنسبة للشيك فإن التزامات ناقصي الأهلية الذين ليسوا تجاراً، وعديمي الأهلية الناشئة عن توقيعاتهم على الشيك كساحبين أو مظهرين، أو ضامنين احتياطيين، أو بأية صفة أخرى باطلة بالنسبة لهم فقط (م488 مشروع القانون التجاري الفلسطيني)، أما إذا حمل الشيك توقيعات أشخاص ليست لهم أهلية الالتزام به، أو توقيعات غير ملزمة لأصحابها لأسباب أخرى، أو لمن وقع الشيك بأسمائهم فإن التزامات غيرهم من الموقعين تبقي مع ذلك صحيحة (م489 من نفس المشروع) ويثور التساؤل عن أثر البطلان إذا ما تقرر على المسئولية الجنائية من جرائم الشيكات …؟
جرائم الشيكات كما نعلم لا تعدو أن تكون نوعاً من الجرائم العادية ليست لها أحكام متميزة فتنطبق عليها القواعد العامة، ومن ثم فإن بطلان الالتزام من الناحية المدنية لا يؤثر إطلاقاً في صحة الشيك وكونه ورقة متضمنة أمرا بالدفع بمجرد الإطلاع، وقد حوت من البيانات ما يجعلها تقوم مقام النقود،أي أنها تتجرد عن الالتزامات الناشئة عنها، فتستوي أن تكون صحيحة أم باطلة، ومن اجل هذا فقد ذهبت أراء الفقهاء وأحكام المحاكم إلى القول بصحة الشيك الصادر بسبب دين قمار رغم بطلان الالتزام الناشئ عن علاقة المديونية، وإذن يتعين، تطبيق قواعد المسئولية الجنائية بالنسبة إلى جرائم الشيك مجردة عن البحث فيما وراء الالتزام به[9] فإذا كان الشخص مصاباً بعارض من عوارض الأهلية كالجنون أو العته أو الغفلة أو السفه فإن الأحكام الخاصة بالمسئولية الجنائية هي التي تطبق دون القواعد المنصوص عليها في القانون المدني لاختلاف الحكمة فيهما.
الرضا :
يتعين في كل التزام ناشئ عن علاقة قانونية أن يكون مبنياً على رضا صحيح خالي من العيوب فإن شابه غلط أو إكراه أو تدليس ترتب علي ذلك بطلان الالتزام مطلقاً أو نسبياً وفقاً للقواعد المقررة في القانون المدني أو القانون التجاري حسب الأحوال، أما إذا تعلق الأمر بالشيكات وجب القول أن العلاقة السابقة على إعطاء الشيك التي قد تكون مشوبة بعيبي الغلط والتدليس لا تمنع من قيام المسئولية الجنائية إذا تم تحرير الشيك محتوياً البيانات الشكلية المطلوبة إذ يكفي لتوافر إحدى جرائم الشيك قيام القصد العام وهو العلم بوجود مقابل الوفاء الكافي والقابل للسحب. أما عيب الإكراه إذا ما توافر فإن المسئولية الجنائية فيه تكون منتفية لعدم وجود القصد الجنائي بانعدام الإرادة الحرة كمن يهدد أخر بسلاح على التنازل عن دين له فيقوم بتحرير شيك بمقداره – أما إذا لم يؤثر الإكراه على إرادة الساحب الحرة، في هذه الحالة حقت عليه المسئولية الجنائية إلا أنه في حالات أخري من الغلط – كالغلط المادي في تحرير مبلغ الشيك فإن ذلك من شأنه أن ينفي القصد الجنائي والحال نفسه بالنسبة إلى الغلط الناشئ عن معلومات خاطئة تلقاها الساحب من المسحوب عليه عن قدر رصيده لديه، والإهمال المؤدي إلى الغلط لا يرتب المسئولية الجنائية لأن جرائم الشيك هي جرائم عمدية ينبغي أن يتوافر فيها القصد الجنائي.
المحل :
محل الالتزام في الشيك هو دائماً مبلغ محدد من النقود، إذ بهذا المبلغ المحدد تقوم وظيفته في الوفاء، أما أن كان غير ذلك أو كان مجهلاً، فإن ذلك يرتب بطلان الشيك كصك سواء من الناحية المدنية أو التجارية أو من ناحية إمكانية المساءلة الجنائية لاتحاد الحكمة في الحالتين
السبب :
المقصود بالسبب في الشيك – أساس الالتزام الوارد به أي العلاقة القانونية التي من أجلها حرر الساحب الشيك لمصلحة المستفيد، في القواعد العامة يتعين حتى تجوز المطالبة بقيمة الشيك أمام المحكمة المدنية أن يكون سبب الالتزام فيه مشروعاً فإن اتسم بعدم المشروعية كان مصير الدعوى الرفض، أما من الناحية الجنائية فإن عدم مشروعية السبب لا يؤثر على المساءلة الجنائية إذا توافرت أركان إحدى جرائم الشيك ومرد ذلك الحكمة من العقاب في تلك الجرائم إذ مادام غرض المشرع من التجريم هو حماية التعامل بالشيكات على أساس أن الصك يعتبر أداه تحل محل النقود في الدفع استوجب هذا أن لا يؤثر عدم مشروعية سبب إعطاء الشيك في إمكان المساءلة الجنائية، ويتعين توقيع العقاب عند عدم وجود مقابل وفاء كاف وقابل للسحب أو غير ذلك من صور التجريم[10] ويقتصر عدم مشروعية السبب على علاقة المديونية بين ساحب الشيك والمستفيد منه
الشروط الشكلية :
هي البيانات التي ينبغي وجودها في الصك حتى يتحقق له تلك الصفة وتوضح خاصيته في كونه أداه وفاء تقوم مقام النقود وقد نص مشروع قانون التجارة الفلسطيني الجديد في مادته 482 منه على هذه البيانات والتي أشرنا إليها سابقاً، وقد وردت نفس هذه البيانات في المادة الأولي من قانون جنيف الموحد وهي (1) لفظ الشيك مكتوباً في متن الصك باللغة التي كتب بها، (2) أمر غير معلق على شرط أو أجل بوفاء قدر معين من النقود، (3) اسم من يلزمه الوفاء "المسحوب عليه" (4) مكان الوفاء، (5) تاريخ ومكان إنشاء الشيك، (6) توقيع من أصدر الشيك (الساحب) وهو ما تنص عليه المادة الأولى من قانون الشيك الفرنسي لسنة 1935، وكذلك الحال بالنسبة إلي القانون الألماني والسويسري وليس ثمة ما يمنع أن يضاف إلي الشيك بيان اختياري يراه المتعاملون مادام لا يتنافى مع طبيعة الشيك وكونه أداه تقوم مقام النقود كشرط الضمان، وبعد ذلك نود أن نشير إلى أنه لدينا الرغبة في أن نتناول بالبحث والدراسة موضوعات تتعلق بالشيك نعتقد أن لها من الأهمية بحيث تستدعي القيام بذلك، هذه الموضوعات هي أركان جرائم الشيك ثم مدي تحول الشيك من أداه وفاء إلى أداه ائتمان في كل من شيك الضمان، وشيك الوديعة والكلام عن هذه الموضوعات في بحث واحد فوق طاقة هذا البحث لذلك كان من المستحسن أن يكون الكلام عن كل منها في بحث خاص وعليه سيكون عنوان بحثنا هذا : جرائم الشيك وأركانه في حصرها ما بين الساحب والمستفيد.
أما الموضوعات الأخرى فسنتناولها إن شاء الله في أبحاث قادمة وقبل الكلام عن أركان جرائم الشيك نمهد بالأتي:
كان يوجد في فلسطين قانون شامل لأحكام البوالس والشيكات رقم 17 لسنه 1929 زمن وقت الانتداب البريطاني وبعد النكبة واحتلال اليهود لفلسطين ماعدا الضفة الغربية وقطاع غزة سنه 1948 حيث أصبحت الضفة الغربية تحت الأشراف الأردني ومن ثم سريان القانون الأردني للتجارة عليها والصادر سنه 1966 – أما قطاع غزة فخضع للحكم الإداري المصري، وفي هذه الأثناء صدر القرار بقانون رقم 7 لنه 1964 من الحاكم العام لقطاع غزة الذي جاء فيه :
مادة (1) :
يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تتجاوز (خمسين جنيهاً) أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أعطى بسوء نية شيكاً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب أو كان الرصيد أقل من قيمة الشيك أو سحب بعد إعطاء الشيك كل الرصيد أو بعضه بحيث أصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك أو أمر المسحوب عليه الشيك بعدم الدفع.
وأثناء الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة سنة 1967 صدر الأمر رقم 671 لسنة 1981 بشأن الشيكات حيث جاء في المادة الخامسة منه (أ) كل من أصدر شيكاً كان قد سحبه وهو يعلم بأن الصيرفي غير ملزم بدفعه في التاريخ الوارد فيه ولغاية 30 يوماً بعده، أو لم يكن لديه أساس معقول يدعوه إلى الاعتقاد بأن الصيرفي ملزم بدفعه كما ذكر، وقدم الشيك لدفعه خلال المدة المذكورة ولم يدفع، يعاقب بالحبس مده سنة أو بغرامه لغاية عشرة آلاف شيكل أو بغرامة مقدارها أربعة أمثال المبلغ الوارد في الشيك أيهم أكبر.
وفي الضفة الغربية – المطبق عليها حتى ألان في مسائل الشيكات قانون التجارة الأردني نلاحظ أن قانون التجارة وقانون الجزاء قد تضمنا نوعين من الجزاءات على تخلف مقابل الوفاء والرصيد، عند إصدار الشيك:
أولا : الجزاءات المدنية – فقد نصت المادة 231 من قانون التجارة الأردني على أنه لا يجوز إصدار شيك لم يكن للساحب لدى المسحوب عليه في وقت إنشائه نقود يستطيع التصرف فيها بموجب شيك طبقاً لاتفاق صريح أو ضمني، ولا يترتب على انتفاء مقابل الوفاء في هذا القانون بطلان الشيك كسند تجاري كما هو مستفاد من الفقرة الرابعة من المادة السابقة، إذا أن الشيك الذي يفتقر إلي مقابل الوفاء عند إنشائه أو عند وفائه يبقى صحيحاً، ولا يفقد صفته كورقة تجارية، ولكن يترتب على صاحبه ضمان وفائه وفقاً لأحكام الصرف، ويستفاد أيضاً من نص المادة 260 بأنه يمكن لحامل الشيك الرجوع على المظهرين والساحب وبقية الموقعين إذا قدمه للوفاء في المدة المحددة قانوناً وامتنع المسحوب عليه عن الوفاء، وقام بتحرير ورقة الاحتجاج بعدم الوفاء من الرجوع عليهم جميعاً طبقاً لأحكام قانون الصرف.
ثانياً : الجزاءات الجنائية : وتتمثل هذه الجزاءات في اعتبار الساحب مرتكباً لجريمة إصدار شيك دون رصيد ومن ثم توقيع العقوبات لهذه الجزاءات لأن في توقيعها يزرع الثقة في التعامل بالشيك كأداة وفاء يقوم مقام النقود، هذه الجزاءات، تضمنتها المادة 421 من قانون الجزاء المعدلة بمقتضى المادة 17 من القانون رقم 9/1988 بقولها : (1) يعاقب بالحبس مده لا تقل عن سنه ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة دينار، ولا تزيد على مائتي دينار كل من أقدم بسوء نية على ارتكاب أحد الأفعال الآتية : أ ) إذا أصدر شيكاً وليس له مقابل قائم للصرف - ب ) إذا أسترد بعد إصدار الشيك كل المقابل لوفائه أو بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمته – ج ) إذا أمر المسحوب عليه بعدم إصدار الشيك – د) إذا ظهر لغيره شيكاً أو سلمه شيكاً مستحق الدفع لحامله وهو يعلم أن ليس له مقابل يفي بكامل قيمته أو يعلم أنه غير قابل للصرف – ه ) إذا حرر شيكاً أو وقع عليه بصورة تمنع صرفه.
وعلى أثر قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية وتمهيداً للاستقلال شرعت لجان متعددة لإعادة صياغة القوانين الموجودة والعمل على إصدار قوانين فلسطينية جديد تعيد لم شمل الوطن تحت ظل سيادة واحدة.
ومن هذه القوانين قانون التجارة الجديد، الذي تضمن في نصوصه الجزاءات الخاصة المتعلقة بإصدار شيك بدون رصيد، فتحت عنوان الفرع العاشر (العقوبات) من مشروع هذا القانون نصت المادة 543 على ما يلي:
1. يعاقب بالحبس وبغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف دينار كل من أرتكب عمداً أحد الأفعال الآتية :
‌أ. إصدار شيك ليس له مقابل وفاء قابل للصرف.
‌ب. استرداد كل الرصيد أو بعضه أو التصرف فيه بعد إصدار الشيك بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك.
‌ج. إصدار أمر للمسحوب عليه بعدم صرف الشيك في غير الحالات المقررة قانوناً.
‌د. تحرير شيك أو التوقيع عليه بسوء نية على نحو يحول دون صرفه.
2. يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة السابقة كل من ظهر لغيرة شيكاً تظهيراً ناقلاً للملكية، أو سلمه شيكاً مستحقاً الدفع لحامله مع علمه بأن ليس له مقابل يفي بكامل قيمته أو أنه غير قابل للصرف.
3. وإذا عاد الجاني إلى ارتكاب إحدى هذه الجرائم خلال خمس سنوات من تاريخ الحكم عليه نهائياً أو في أي منها، تكون العقوبة الحبس والغرامة التي لا تتجاوز عشرين آلف دينار.
4. وللمجني عليه ولوكيله الخاص في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة أن يطلب من النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال وفي أي حالة كانت عليها الدعوى إثبات صلحه مع المتهم ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها ولو بعد صدور الحكم.
أما عن أركان جرائم الشيك فإننا نلاحظ من مختلف النصوص السابقة أن هذه الجرائم من الجرائم العمدية، ويتطلب القانون بقيامها توافر ركنين أحدهما المادي ويتمثل في وقوع الفعل على صورة من الصور المنصوص عليها، والأخر المعنوي أي القصد الجنائي وبطبيعة الحال لن نتناول هذه الأركان تفصيلاً إلا بالقدر الذي يحتاجه البحث.
المبحث الأول
الركن المادي
ضمن القانون صور التجريم عند التعامل بالشيكات كما هو مشار في المادة 543 من مشروع قانون التجارة الجديد - وذلك على أربعة صور وهي – إصدار – أو إعطاء الساحب شيكاً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب – أو متى كان الرصيد أقل من قيمة الشيك، أو أمره المسحوب عليه بعدم الدفع، أو تحرير الشيك أو التوقيع عليه بسوء نية على نحو يحول دون صرفه.
والعنصر الذي يجمع بين مختلف هذه الصور هو أن المستفيد في الشيك لا يستطيع أن يقتضي قيمته لسبب مرجعه إلى الساحب إما لعدم وجود مقابل وفاء كاف أو لاسترداده هذا المقابل أو لأمر صادر منه بعدم الوفاء أو تحرير الشيك على نحو يحول دون صرفه – وقد استعمل القانون مره مقابل الوفاء ومره الرصيد، وهو يعني ناتج العملية الحسابية بين جانبي الدائن والمدين للساحب في ذمة المسحوب عليه – وهذا الرصيد أو مقابل الوفاء هو الدين النقدي أي مبلغ من النقود، لأن الشيكات تقوم مقامها في الوفاء ومن ثم فإنه متى كان مقابل الوفاء أي نوع أخر من الأموال غير النقود فقدت الورقة صفتها كشيك وأن صلحت مستنداً أخر، ويشترط في هذا الدين النقدي أن يكون محقق الوجود وقت إعطاء الشيك لا وقت تقديمه فقط لأن الشيك هو أمر بالدفع مستوجب الوفاء لدى الإطلاع في أي وقت ولا تتحقق هذه الخاصية بغير تطلب ذلك الشرط[11] كما يشترط في هذا الدين الذي يصلح لاعتباره مقابل وفاء الشيكات ألا يكون معلقاً على شرط واقف بعكس ما إذا كان معلقاً على شرط فاسخ، فالشرط الواقف أو الموقف من شأنه أن لا يوجد الدين من أصله في ذمة المسحوب عليه إلى أن يتحقق الشرط - وفي هذه الصورة لا يجوز سحب شيكات لحين تحقق الشرط وإن حدث هذا اعتبرت بغير مقابل وفاء حتى ولو تحقق الشرط الواقف بعد ذلك لأن العبرة في تعرف وجود مقابل الوفاء من عدمه هو بوقت إعطاء الشيك كما أشرنا، أما الشرط الفاسخ فمن مقتضاه وجود الدين فعلاً في ذمة المسحوب عليه ويبقى قائماً لذمة الساحب، فإن حدث وتحقق الشرط الفاسخ انسحب أثره إلى الماضي واعتبر المسحوب عليه غير مدين للساحب، لذلك جاز سحب الشيكات عليه ولا يعتبر حينئذ بغير مقابل وفاء ولكن إذا تحقق الشرط الفاسخ بعد هذا تعين على الساحب إيداع مقابل وفاء الشيك فوراً.
ومن جهة أخرى يجب أن يكون مقابل الوفاء مستحق الأداء أي قابلاً التصرف فيه، فإذا لم يكن كذلك اعتبر الشيك بمثابة الصك الذي لا مقابل وفاء له (ولو وجد) الدين فعلاً لدى المسحوب عليه فمتي كان الدين مصحوباً بأجل لم يحل بعد، فلا يجوز إجبار المسحوب عليه على الوفاء بالدين الذي في ذمته للساحب قبل حلول أجله كذلك لا يكون مقابل الوفاء قابلاً للتصرف فيه متى كان الساحب ممنوعاً من التصرف حتى ولو وجد المسحوب عليه، كما إذا أشهر إفلاسه ومنع من التصرف، أو أوقع حجزاً على المقابل مع توافر علم الساحب بهذه الواقعة كما يشترط بالضرورة أن يكون لدي المسحوب عليه دائماً مبلغ من المال مساو لقيمة الشيك (دين مساو لقيمة الشيك) فإن كان أقل من القدر المحرر به الشيك اعتبر بغير مقابل وفاء.
أما إثبات وجود مقابل الوفاء فإنه يخضع بشروطه انفه البيان للقواعد العامة المقررة للإثبات في المواد الجنائية، بمعني أن يستقي القاضي قيام الدليل عليه بما يطمئن إليه من أدلة الإثبات وهذا مهما كانت قيمة مقابل الوفاء فلا تطبق قواعد الإثبات في المواد المدنية[12].
وهذا ويظل التزام الساحب بتوفير الرصيد (مقابل الوفاء) قائماً إلي حين تقديم الشيك وصرف قيمته بغض النظر عن شخص المستفيد أو مصيره، لأن القانون إنما اسبغ حمايته على الشيك باعتباره أداة وفاء يجرى في المعاملات مجرى النقود ويستحق الأداء بمجرد الاطلاع.
ويستعمل قانون التجارة الفلسطيني في مشروعه الجديد عبارة ملكية الحامل لمقابل الوفاء (م/508 –1) تنتقل ملكية مقابل الوفاء بحكم القانون إلى حملة الشيك المتعاقبين كما أن التظهير ينقل جميع الحقوق الناشئة عن الشيك إلى المظهر إليه –م 498 –م ومنها بطبيعة الحال مقابل الوفاء.. وهذا يعني أن ملكية مقابل الوفاء ينتقل إلى المستفيد بمجرد إصدار الشيك وتسليمه إليه ولا يكون للساحب أي حق على الشيك بعد أن سلمه للمستفيد، فلا يجوز له أن يسترد قيمته أو يعمل على تأخير الوفاء لصاحبة[13].
وقبل الانتقال إلى صور الركن المادي لشيك نشير إلي النص الخاص بمقابل الوفاء الذي ورد في مشروع قانون التجارة الجديد في المادة 306 وهو "على ساحب الشيك أو من سحب الشيك لحسابه، أن يوجد لدى المسحوب عليه مقابل وفاء للشيك، ويسأل الساحب لحساب غيره قبل المظهرين، والحامل دون غيرهم عن إيجاد مقابل للوفاء، (2) مع مراعاة حكم المادة (513) من هذا القانون يكون مقابل الوفاء موجوداً إذا كان للساحب أو للآمر (بالسحب لدى المسحوب عليه وقت إنشاء الشيك مبلغ من النقود مستحق الأداء) مساوٍ على الأقل لمبلغ الشيك، وجائز التصرف فيه بموجب شيك، طبقاً لاتفاق صريح أو ضمني بين الساحب أو الآمر بالسحب والمسحوب عليه".
وقد تضمنت نصوص مشروع قانون التجارة الجديد في المادة 543 صور الركن المادي في جرائم الشيك، وتبين منها انحصارها في واحدة من أربعة، والأولى إعطاء شيك ليس له مقابل وفاء أو متى كان هذا المقابل لا يفي بقيمة الشيك، الثانية استرداد مقابل الوفاء – الثالثة – منع المسحوب عليه من الوفاء بقيمة الشيك – والأخيرة تحرير شيك أو التوقيع عله بسوء نية على نحو يحول دون صرفه.
والعنصر الجامع بينهما هو أن المستفيد من الشيك لن يستطيع اقتضاء قيمة الشيك.
الصورة الأولى : إعطاء شيك أو إصداره ليس له مقابل وفاء قابل للصرف :
يتحقق إعطاء الشيك أو إصداره بطرحه للتداول أي بخروجه من حوزة الساحب إذ ما دام في حوزته فإنه يستطيع أن يلغيه أو يتلفه أو يعدمه بأي وسيله – فبخروجه من حوزة الساحب تتحقق الحكمة من الحماية الجنائية أو القانونية التي أسبغها المشرع على الشيك بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداه وفاء يجري مجرى النقود في المعاملات، وبمجرد إعطاء الشيك على وضع يدل مظهره وصيغته على أنه مستحق الأداء بمجرد الإطلاع وأنه أداة وفاء لا أداه ائتمان يتم طرحة في التداول أما الأفعال السابقة على تحرير الشيك وتوقيعه فتعد من قبيل الأعمال التحضيرية ما دام الشيك لم يسلم بعد إلى المستفيد.
ولا يشترط قانوناً لوقوع جريمة إعطاء شيك لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب أن يقوم المستفيد بتقديم الشيك للبنك في تاريخ إصداره، بل تتحقق الجريمة لو تقدم المستفيد في تاريخ لاحق مادام الشيك قد استوفي الشكل الذي يتطلبه القانون لكي يجري مجرى النقود ويكون مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع دائماً.
وخروج الشيك من حوزة الساحب وطرحه للتداول واقعة مادية يقوم عليها الدليل بكافة وسائل الإثبات وفقاً للقواعد المقررة لذلك في الإجراءات الجنائية والغالب أن يتم إعطاء أو إصدار الشيك بتسليمه إلى المستفيد، على أنه قد يحدث أن يرسل الساحب الشيك إليه عن طريق البريد أو يقوم بتسليمه إليه وكيل الساحب – ففي الحالة الأولي وهي إرسال الشيك عن طرق البريد، فنلاحظ أن المقرر في أحكام القانون المدني أن الرسالة بمحتوياتها تبقى على ملكية المرسل إلى أن يتسلمها المرسل إليه وبناء على هذا فإنه إلى أن يتسلم المستفيد الخطاب الذي يحتوي على الشيك يعتبر وكأنه لم يخرج من حوزة الساحب[14] أما إذا سلم الساحب الشيك إلى وكيله لتسليمه إلى المستفيد فهل يتحقق بهذا فعل الإعطاء، في هذه المسألة هناك، رأيان الأول يري أن الموكل يمثل الوكيل فهو كشخصه من ثم يعتبر كأنه ما يزال باقياً في حوزة الساحب ولا يتحقق فعل الإعطاء ولا الجريمة إن تبين انتفاء مقابل الوفاء فليس هناك تنازل نهائي من جانب الساحب - أما الثاني فيرى أن مجرد خروج الشيك من حوزة الساحب يعتبر طرحاً للتداول حتى ولو كان من تسلمه وكيلاً للساحب، كما أن الحكمة من الحماية القانونية للشيكات وكونها أداة وفاء تقتضي اعتبار الشيك قد طرح للتداول إلا أنه قضى في فرنسا بأن الشيك لا يتم إعطاؤه إلا بتسليمه إلى المستفيد[15] وهو رأي منتقد لدى الفقه وقد انتصرت للرأي الثاني محكمة النقض المصرية إذ قضت بأنه متى كانت المحكمة قد استظهرت أن تسليم الشيك لم يكن على وجه الوديعة وإنما كان الوكيل المستفيد وأنه قد تم على وجه تخلى فيه نهائياً عما سلمه لهذا الوكيل فإن الركن المادي للجريمة يكون قد تحقق[16].
أما إذا خرج الشيك من حيازة الساحب جبراً عنه أو نتيجة لتصرف مشوب بالغش فإن الواجب هنا هو تطبيق القواعد العامة في المسئولية الجنائية، وهي تتطلب لتوافرها تدخل إرادي من جانب الساحب لإعطاء الشيك، فحيث تنتفي هذه الإرادة ينعدم الركن المادي فليست هذه من جرائم الإهمال، ومن ثم فلا مسئولية عليه وهذا يعني أن من أنشأ شيكاً ثم سرق منه دون إهمال أو عدم حيطة من جانبه لا يسأل جنائياً إذا لم يكن لهذا الشيك مقابل وفاء، مما يستفاد منه أن الإهمال وعدم الحيطة المؤديان إلى السرقة (سرقة الشيك) يوجبان مساءلة الساحب[17].
وفي حالة ما إذا كان الساحب هو المستفيد فالمسألة على خلاف لدى الفقه فيذهب رأي إلى أن إصدار الشيك لا يعني تسليمه إلى المستفيد، فيعاقب الساحب جنائيا إذا أنشأ شيكاً لأذنه وقدمه إلى المسحوب عليه وهو عالم أن لا رصيد له عنده وذلك بقصد الأضرار بسمعه المسحوب عليه بتحريره بروتستو عدم الدفع، وهذا الرأي أخذت به محكمة النقض الفرنسية في حكم لها صادر في 4/11/1972 على أن فعل الإصدار يتحقق ولو كان الساحب هو المستفيد، يستحق العقاب إذا لم يكن له رصيد، ويطبق على هذا ما يسمى بالشيكات المتحركة cheque depannage وبموجبها يستطيع الساحب أن يقتضي قيمة الشيك من خزينة أو مؤسسة أخري غير التي يوجد فيها الحساب الخاص به[18].
والسؤال الذي يطرح نفسه – عما إذا كان التظهير يعد إعطاء أم لا ؟؟ ورد في مشروع قانون التجارة الفلسطيني الجديد حكماً لهذه الحالة مثلما ورد ذلك في بعض القوانين الأخرى التي جرمت هذا الفعل كالقانون العراقي والقانون الجزائري والقانون الفرنسي والمصري الجديد وكان النص كالتالي –2- يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة السابقة كل من ظهر لغيره شيكاً تظهيراً ناقلاً للملكية أو سلمه شيكاً مستحقاً الدفع لحامله مع علمه بأن ليس له مقابل يفي بكامل قيمته أو أنه غير قابل للصرف (543م)، وبناء على قاعدة أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص – فإن الحكم في هذه الحالة لا يقتصر فقط على فعل الإعطاءً أي طرح الشيك للتداول، ومن ثم فكل تصرف في الشيك لاحق لذلك يعد إعطاءً، طالما أن الموقع على الشيك سيئ النية أي يعلم وجود مقابل وفاء كاف وقابل للسحب، وثمة رأي آخر معارض يرى أن هذا الرأي لا يتفق مع الثقة الممنوحة للشيك، والحكمة في التجريم، لأن هذه الثقة لا تتطلب إلا بالنسبة لفعل ساحب الشيك، وأن المظهر إذا علم بعدم وجود مقابل الوفاء وتصرف في الشيك فإنه قد يكون مدفوعاً للتخلص من ضرر يحيق به[19].
ومن جهة أخرى يرى القضاء أن جريمة إعطاء شيك بغير مقابل وفاء أو ليس له مقابل وفاء كاف هي جريمة وقتية تتم بمجرد الفعل المادي بتسليم الشيك إلى المستفيد أو إلى من يمثله، وهي لا تتوقف على تقديم الشيك إلى المسحوب عليه، لأن التعرف على وجود مقابل الوفاء من عدمه هو في تاريخ إعطاء الشيك الذي به تتحقق الجريمة، وكونها جريمة وقتية لها أهمية في التعرف على بدء سريان مدة انقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم[20].
وبالنسبة لعدم وجود مقابل وفاء أو عدم كفايته فإن قيام الصورة الأولي المشار إليها أنفاً يتطلب عند إعطاء الشيك توافر أحد أمرين أما عدم وجود مقابل الوفاء إطلاقاً أو عدم كفاية هذا المقابل بأن كان أقل من المبلغ المحرر في الصك، ويتحقق الأمر في الحالة الأولي حينما ينتفي مقابل الوفاء إطلاقا بأن كان الساحب غير دائن للمسحوب عليه وقت إصدار الشيك، حتى ولو أصبح دائناً فما بعد إذ العبرة في قيام الجريمة كما يقول الفقه هو بوجود مقابل الوفاء وقت إعطاء الشيك.
وقد يكون مقابل الوفاء قائماً لدى المسحوب عليه ومتمثلاً في مبلغ من النقود ومع هذه فهو غير قابل للسحب كما إذا كان قد أوقع عليه حجز ما للمدين لدى الغير، وتتحقق الجريمة حينئذٍ متى أعطى الساحب شيكاً رغم علمه بقيام هذا الحجز الذي يستغرق كل دينة لدى المسحوب عليه، فإن اعتقد أن ما لم يحجز عليه من مقابل الوفاء كاف لسداد قيمة الشيك فقدت الجريمة أحد أركانها وهو القصد الجنائي، أما إذا كان المبلغ المستحق في الشيك أقل من المبلغ المقيد في ذمة المسحوب عليه لحساب الساحب وقت إعطاء الشيك فإن قيام الجريمة في هذه الحالة يتعلق بالقصد الجنائي للساحب فإذا حدث وأن أعطى الساحب شيكاً ثم بان له أنه ليس له مقابل وفاء كاف هل تقوم الجريمة، وبمعني آخر هل الإهمال في التحقق من وجود مقابل الوفاء الكامل يؤدى إلى المسألة الجنائية ؟ المعلوم أن جرائم الشيك من الجرائم العمدية أي لا بد من توافر القصد الجنائي فيها أي العلم والإرادة، ولا تقوم المسألة على الإهمال – فإذا ثبت الخطأ والإهمال بطريق قاطع تطمئن إليه المحكمة لانعدام أحد أركان الجريمة.
الصورة الثانية : استرداد مقابل الوفاء أو بعض (الرصيد) بعد إصدار الشيك :
عبر مشروع قانون التجارة الجديد عن هذه الصورة بقولة "استرداد كل الرصيد أو بعضه أو التصرف فيه بعد إصدار الشيك بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك" يقصد بهذا أن يقوم معطى الشيك في الفترة ما بين تحريره وتقديمه للوفاء باسترداد كل الرصيد الموجود لدى المسحوب عليه أو بعضه بحيث إذا قدم المستفيد الشيك لا يستطيع الحصول على قيمته، وهذا يفترض أن الرصيد موجود لدى المسحوب عليه وقت إصدار الشيك، إلا أن فعل الساحب بالاسترداد جاء في تاريخ لاحق لذلك، والغرض من ذكر هذه الصورة هو منح الثقة للشيكات وتيسيرا جاء في تاريخ لاحق لذلك والغرض من ذكر هذه الصورة هو منح الثقة للشيكات وتيسيراً لتداولها فضلاً عن أنها تلزم الساحب بأن يراعي دوماً أن يبقي في حسابه لدى المسحوب عليه مبلغاً من النقود يساوي بالأقل قيمة الشيك وكما أشرنا بأن جرائم الشيكات من الجرائم الوقتية التي تقتضي أن يتحقق القصد الجنائي وقت وقوع الفعل المادي[21] واسترداد الساحب مقابل الوفاء يعتبر أمراً لاحقاً لإصدار الشيك لذلك جاءت هذه الصورة من صور التجريم لملافاته، وإذا كان الرصيد (مقابل الوفاء) ينتقل إلى المستفيد بمجرد إصدار الشيك ومن ثم تسليمه إليه فلا يكون للساحب أي حق على الشيك بعد أن سلمه للمستفيد كما لا يجوز له أن يسترد قيمته أو يعمل على تأخير الوفاء لصاحبة، بل أنه لا يكفى أن يكون الرصيد قائماً وقابلاً للسحب وقت إصدار الشيك، ولكن يتعين أن يظل على هذا النحو حتى يقدم الشيك للصرف ويتم الوفاء بقيمته، لأن تقديم الشيك للصرف لا شأن له في توافر أركان الجريمة بل هو إجراء مادي يتجه إلى استيفاء مقابل الشيك أو الرصيد من المصرف.
وقد يجري العمل لدى البنوك على عدم أداء قيمة الشيكات متى مضت مده معينة من تاريخ تحريرها كسنة أو ستة أشهر فهل يترتب على هذا جواز استرداد الساحب لكل أو بعض مقابل الوفاء…؟؟ ذهب رأي إلي القول بأنه إذا مضت المدة فلا مانع من سحب مقابل الوفاء لأن الشيك يكون غير قابل للصرف بطبيعته، ولا محل للقول بالعقاب لانتقاء حكمته إذ لم يعد مثل هذا الشيك أداة وفاء بل انعدمت قيمته[22] إلا أن الرأي الغالب يرى أن الذي يحصل عملاً في هذه الحالة هو اعتماد الشيك من جديد من الساحب ويقوم البنك بصرفه وعلى هذا فإنه يمتنع على الساحب أن يسترد مقابل الوفاء (الرصيد) في هذا الفرض.
الصورة الثالثة : منع المسحوب عليه من الوفاء بقيمة الشيك :
وردت هذه الصورة في الفقرة ج من مشروع قانون التجارة الجديد – من المادة 543 المشار إليها حيث نصت "إصدار أمر للمسحوب عليه بعدم صرف الشيك في غير الحالات المقررة قانونا" وهذا يعني أن ثمة أمراً ما يؤمر به المسحوب عليه بعدم الدفع – أي حبس الرصيد (مقابل الوفاء) لديه، ويستوي أن يصدر هذا الأمر قبل إصدار الشيك أو بعده، مما يترتب عليه عدم قدرة المستفيد على صرف قيمة الشيك، والأمر بعدم الدفع لا يصدر إلا من الساحب صاحب مقابل الوفاء والدائن للمسحوب عليه أو من وكيل له، أما إذا صدر هذا الأمر من جهة أخرى لا علاقة للساحب بها كجهة إدارية دون علم من الساحب بذلك، فإن الساحب يعفى من العقاب[23]كما لا يتصور صدوره من أحد المظهرين للشيك، والجدير بالذكر أن هذا الأمر بعدم الدفع يفترق عن حجز ما للمدين لدى الغير السابق الإشارة الذي يوقع فيه أحد الأفراد حجزاً لدى المسحوب عليه على الرصيد الموجود طرفه كله أو بعضه، وسيان أن يكون الحاجز دائناً للساحب أو المستفيد لأن من شأنه منع المسحوب عليه من التصرف في المبلغ المحجوز ويثور التساؤل في هذا الصدد – عما إذا كان الساحب قد أصدر أمراً إلى المسحوب عليه بعدم الدفع ورغم هذا قام الأخير بسداد قيمة الشيك إلى المستفيد، هل تتوافر المسئولية الجنائية في حق الساحب؟
قد يقال أن مراجعة تختلف صور التجريم تكشف عن أن المشرع يفصل بين وقوع الفعل المادي والأمر المترتب عليه، فسحب شيك له مقابل وفاء ولو جزئياً لا يكفى فيه مجرد إعطاء الشيك وإنما يراعي فيه الأثر المترتب عليه وهو عدم سداد قيمة الشيك كله أو جزء منه، وفي صورة استرداد الرصيد كله أو بعضه يراعي كذلك أن من شأن الفعل عدم أداء قيمة الشيك، وعلى هذا الأساس لا يكفي مجرد الفعل المادي الذي صدر من الساحب ما لم تتحقق النتيجة، ومن ثم فلا جريمة في الفرض المشار إليه، إلا أن الرأي الصواب يخالف ذلك فوقوع الضرر ليس شرطاً أو ركناً في جرائم الشيك بل هو مفترض دائماً من مجرد وقوع الفعل المادي إذ من شأنه أن يزعزع الثقة في التعامل بالشيكات، وهو الهدف الذي أراد القانون تحقيقه من التجريم بالنسبة إلى الشيكات، على هذا الأساس يكون إلغاء الأمر بعدم الدفع قبل أن يتقدم المستفيد إلى المسحوب عليه للوفاء بقيمة الشيك يعتبر إزالة لأثر الجريمة بعد تمامها لا مجرد منع وقوعها، ويكون دور النيابة العامة في هذا الصدد ليس تحريك الدعوى الجنائية وإنما صدور أمرها بحفظ الأوراق لعدم الأهمية، أما في حال قيام المسحوب عليه بالوفاء بقيمة الشيك قبل أن يصله أمر الساحب بعدم الوفاء فإننا نكون بصدد صورة من صور الجريمة المستحلية إذ أن الجريمة لن تتحقق إطلاقاً بسبب إنعدام موضوعها، وهو عدم وجود الشيك الذي صدر الأمر بمنع صرفه ومتى كان الأمر كذلك فإنه لا مسئولية على الساحب في هذه الصورة ولا أهمية للبحث في الأسباب الداعية لإصدار الأمر من قبل الساحب بعدم الدفع، ولا لاعتقاد الساحب بمشروعية إصداره، فعدم مشروعية العلاقة لا أثر لها فيما يمكن أن يترتب على تحرير الشيك، فالجريمة في هذه الصورة تتحقق بمجرد صدور الأمر من الساحب إلى المسحوب عليه بعدم الدفع حتى ولو كان هناك سبب مشروع، ذلك أن مراد القانون من العقاب هو حماية الشيك في التداول وقبوله في المعاملات على أساس أنه يجرى فيها مجرى النقود، وأن مجرد إصدار الأمر بعدم الدفع يتوافر فيه القصد الجنائي بمعناه العام الذي يكفى فيه علم من أصدره بأنه يعطل دفع الشيك الذي سحبه من قبل، ولا عبره بعد ذلك بالأسباب التي دفعته إلى إصداره لأنها من قبيل البواعث التي لا تأثير لها في قيام المسئولية الجنائية ولم يستلزم القانون بينه خاصة لقيام الجريمة.
الصورة الرابعة: تحرير الشيك أو التوقيع عليه بسوء نية على نحو يحول دون صرفه:
ويحدث ذلك عند قيام الساحب بالتوقيع على الشيك بغير التوقيع المعتمد لدى البنك أو يحرر الشيك على ورق عادي مع علمه بأن تعليمات المسحوب عليه توجب بعدم الصرف إلا بالنسبة إلى الشيكات المحررة على ورق مطبوع، وثمة حالة أخرى تعرض لها أحد الشراح، تتمثل في سحب المحرر (الساحب) الشيك ثم مزقه بحيث أصبح تمزيقه دليلاً على انصراف إرادة الساحب إلى إلغاء الشيك، وبطبيعة الحال يمتنع البنك عن دفع مبلغ الشيك ولو حمل الحامل القطع الممزقة وأعاد لصقها بصورة متكاملة، وإذا حدث أن مزق الحامل الشيك عرضاً قبل تقديمه، جاز تقديمه للدفع بشرط اعتماد الشيك من الساحب أو من البنك الذي يتولى قبض المبلغ بصفته ضامناً، وجرت العادة على أن يوقع العميل على الشيك بعد كتابة عبارة تفيد (مزق عرضاً بمعرفتنا)، ويعتمد الساحب أو البنك القابض هذا الإقرار، أما إذا تعذر الحصول على توقيع الساحب أو البنك القابض تعين على البنك المسحوب عليه الشيك رده للعميل مؤشراً عليه بما يفيد أن الشيك ممزق.. وإذا كان الشيك ممزقاً دون أن يؤدي ذلك إلى انقسام الورقة شطرين أو أكثر فللبنك دفع مبلغ الشيك ويجوز للبنك أن يرده متى ساوره الشك[24].
الشروع والاشتراك في جرائم الشيك:
الشروع : سبقت الإشارة إلى أن جريمة إصدار شيك لا يقابله رصيد تتم بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بعدم وجود مقابل وفاء له قابل للسحب في تاريخ الاستحقاق، وبذلك يتم طرح الشيك للتداول باعتباره أداة وفاء يجري مجرى النقود في المعاملات.
ولم ينص القانون على عقاب الشروع في جرائم الشيك صراحة هذا ما لاحظناه من مشروع قانون التجارة الجديد بيد أن بعض الفقه أحال في العقاب على الجريمة التامة على العقوبات المقررة لجريمة النصب التي نص القانون على عقاب الشروع فيها مما أدى الأمر إلى إبداء الرأي فيما إذا كان يصح العقاب على الشروع بفرض تصور قيامه في جرائم الشيك، فذهب رأي إلى إمكان قيام الشروع في جريمة إصدار شيك بدون رصيد، وذلك عند ضبط الشيك أثناء إرساله بطريق البريد، وهي صورة الجريمة الموقوفة، أو إذا أمر الساحب المسحوب عليه بعدم الدفع بعد إن كان المستفيد قد قبض قيمة الشيك – وهي حالة الجريمة الخائبة – ويكون العقاب على الشروع في هذه الحالة هو العقاب على الشروع في جريمة النصب[25].
ورغم ذلك لا محل لسريان العقوبة لمنصوص عليها في المادة 543 من مشروع قانون التجارة، لعدم النص عليها صراحة وهذا الرأي هو رأي الفريق الغالب من الشراح[26] وعليه لا عقاب على الشروع في جرائم الشيك، ولا محل للقياس في مسائل التجريم ولو شاء القانون تقرير العقاب على الشروع لنص عليه صراحة.
الاشتراك في جرائم الشيك : من المعلوم أن وسائل الاشتراك في الجريمة كما حددها القانون، هي واحدة من ثلاث – التحريض، الاتفاق، المساعدة - ويشترط حتى يتوافر الاشتراك المعاقب عليه فضلاً عن ذلك هو أن يحدث قبل وقوع الجريمة، ثم تتم بناء عليه.. ولا نعتقد أن من طبيعة جرائم الشيك ما ينافي إمكان الاشتراك فيها – فمن يحرض أخر على إصدار أمر إلى المحسوب عليه بعدم دفع قيمة الشيك، أو يتفق معه على إصدار شيك ليس له مقابل أو رصيد أو يساعده على ذلك بأن يعد له الشيك للتوقيع عليه مع علمه بعدم وجود رصيد - يعتبر في هذه الصور جميعاً شريكاً في الجريمة – كما تجدر الإشارة إلى أن شرطاً آخر يلزم توافره لقيام الاشتراك في هذه الجريمة – والذي سوف نتكلم عنه تفصيلاً فيما بعد ألا وهو الركن المعنوي (أي القصد الجنائي) والذي يتكون من عنصرين العلم والإرادة.. أي لابد من أن يوجه الشريك إرادته بنشاطه المادي إلى تحقيق النتيجة المرجوة من ذلك النشاط ويرغب فيها.. وقد وردت في معظم القوانين حالات يمكن أن يستشف منها ورود هذا الاشتراك والذي أيضا أشار إليه مشروع قانون التجارة الفلسطيني الجديد في المادة 542 منه .. يعاقب بالغرامة.. كل موظف بالبنك ارتكب عمدا أحد الأفعال الآتية.
أ‌. التصريح على خلاف الحقيقة بعدم وجود مقابل وفاء للشيك أو بوجود مقابل وفاء أقل من قيمته.
ب‌. الرفض بسوء نية وفاء شيك له مقابل كامل أو جزئي، ولم يقدم بشأنه اعتراض صريح.
ج. الامتناع عن وضع أو تسليم البيانات المشار إليها في الفقرة الأولي من المادة 527 من هذا القانون (هذه المادة خاصة بالرجوع من قبل الحامل على الساحب والمظهرين وغيرهم).
د. تسلم أحد العملاء دفتر شيكات ولا يشتمل على البيانات المنصوص عليها في المادة 537 من هذا القانون هذه المادة خاصة بالتحريف الذي يقع في متن الشيك.
ويكون المصرف مسئولاً بالتضامن مع موظفيه المحكوم عليهم عن سداد العقوبات المالية المحكوم بها[27] ونعتقد أن لهذا الاشتراك صور كثيرة ولكن يغني عن ذكرها ما أشرنا إليه.


المبحث الثاني

الركن المعنوي
من المعلوم أن الجرائم العمدية. يتطلب القانون لقيامها إلى جانب الركن المادي ركناً معنوياً آخر، وبما أن مختلف الصور التي أوردناها والتي تضمنتها المادة 543 من مشروع قانون التجارة الجديد والتي وردت في معظم القوانين الأخرى[28] هي من الجرائم العمدية التي يتطلب فيها القانون توافر القصد الجنائي فلا يكتفي فيها بمجرد الخطأ أي السلوك الذي لا يتفق مع القانون.
والقصد الجنائي في الجرائم العمدية هو توجيه الفاعل لإرادته نحو الفعل المجرم بقصد تحقيق نتيجته.
ويقسمه غالبية الشراح إلى قسمين القصد العام والقصد الخاص الأول وهو الشأن في أغلب الجرائم الذي يتوافر حينما يكتفي المشرع بمجرد قيام العلم عند الفاعل بما يؤدي إليه فعله من نتائج أنه راغب فيها، والقصد الخاص يكون حينما يعتد المشرع بنية أخرى زائدة عن القصد العام بصورته السالفة ويشترط وجودها لقيام الجريمة، بمعنى أن انتفاءها من شأنه أن لا تقوم الجريمة العمدية. وإن كان هناك احتمال لوجود جريمة من نوع آخر إذا انطوت تحت نص يعاقب عليها، كما هو الحال بالنسبة لجرائم التزوير في المحررات، حيث يشترط توافر نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله، لذلك يمكن القول بناء على أن الجرائم في الشيكات من الجرائم العمدية أنه متى ثبت أن تصرف المتهم كان نتيجة لوقوع خطأ غير مقصود من جانبه لأدى هذا الانتفاء المسئولية عنه، كمن يصدر شيكاً اعتقاداً منه بوجود رصيد كاف لدى المسحوب عليه بناء على أخطاء من هذا الأخير بمقداره، ثم يتبين انعدام ذلك الرصيد أو عدم كفايته، أو كمن يسحب ماله لدى المسحوب عليه تحت تأثير أن المستفيد من الشيك قد قبض قيمته بسبب إعطائه إياه من مدة طويلة كما أن القوة القاهرة من شأنها أن تعدم المسئولية الجنائية إعمالا للقواعد العامة[29] كما أن الباعث وفقاً للقاعدة العامة لا أثر له في قيام المسئولية الجنائية إلا حينما يشترط المشرع ذلك صراحة، إلا أن القاضي قد يعتد به في تقدير العقوبة فيشددها أو يخففها تبعاً لذلك تبعاً ما إذا كان الباعث سيئاً أو حسناً".
والركن المعنوي في جرائم الشيك له أهمية خاصة، نظراً للصور العديدة التي يمكن أن تثور في العمل بسبب انتشار استعمال الشيكات في المعاملات التجارية والمدنية. ثم محاولة البعض تفادي الوفاء بقيمة تلك الشيكات لا سيما في حالة الإخلال بالالتزامات التي كانت سبباً في تحريرها، وبطبيعة الحال فإن اشتراط توافر القصد الجنائي قد يؤدي إما إلى مساءلة معطى الشيك والحكم عليه بالسجن أو قد ينتهي الأمر ببراءته.
هذا وقد اختلفت آراء الفقهاء في تعريف القصد الجنائي في جرائم الشيك وفي تحديد المراد بعبارة سوء النية التي وردت في الفقرة 4 من المادة السابقة المشار إليها (543 من مشروع قانون التجارة) وكذلك عبارة مع علمه التي وردت في رقم 2 من نفس المادة عندما قالت أو سلمه شيكاً مستحق الدفع لحامله مع علمه بأنه ليس له مقابل يفي بكامل قيمته أو أنه غير قابل للصرف.." فذهب رأي إلى أنه إذا كانت الورقة تحمل تاريخاً واحداً فقد استوفت مظهر الشيك كأداة وفاء، يكفي للعقاب على إصدارها أن يكون الجاني عالماً وقت ذلك أنه لا يقابلها رصيد كاف للسحب، وفي حالة سحب الرصيد يتوافر سوء القصد بعلم الجاني وقتئذ أن الشيك السابق إصداره لم يصرف أما الأمر بعدم الدفع فإنه يفترض بطبيعة الحال سوء القصد[30].
أما عن نية الأضرار فلا محل لاستلزامها طالما كان الضرر في هذه الجريمة عنصراً مفترضاً مندمجاً في الفعل المادي ومتصلاً به، بحيث يتعذر تصور وقوع هذا الفعل دون تحقق الضرر المباشر الذي يحظره القانون ويعاقب عليه فيه، كما يحظره أنه لا محل للقول أن سوء القصد يتطلب نية التملك أو الإثراء أو أية نية أخرى من هذا القبيل لأن هذه الجريمة لا تقع على مال الغير، بل هي في الواقع جريمة يريد الملتزم بالدفع التخلص من التزاماته عن طريق العبث بأداة الوفاء لا أكثر، فهي أشبه الجرائم من حيث القصد المطلوب باستعمال سند مخالصة مزور، وهي لا تتطلب شيئاً أكثر من العلم بتزوير هذا السند[31] كما أن استلزام إثبات اتجاه نية الساحب إلى الأضرار بالحامل أمر عسير في كثير من الأحيان مما يترتب عليه إفلات الساحب من العقاب في أغلب الأحوال.
كما سيؤدي إلى زعزعة الثقة في الشيك بسبب صعوبة حمايته ويضيع على الشارع الغرض الذي ابتغاه، وذهب رأي آخر إلى أن فكرة عدم الاكتفاء بمجرد العلم وضرورة انصراف إرادة الجاني إلى التدليس أي إلى عدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب في يوم استحقاق الدفع … ثم يتعرض تفصيلاً لمختلف الصور، فمتى كان الساحب يعلم أنه ليس له رصيد كاف، ورغم ذلك أعطى شيكاً لشخص ما فإنه يعتبر سيئ النية، أما إذا كان المتهم (الساحب) يعتقد خطأ أن رصيده كاف وقائم للسحب فإنه يكون حسن النية ولا تنهض الجريمة قبله ولو كان اعتقاده الخاطئ ناشئاً عن إهمال في البحث والتحري، وسوء النية في الصور السابقة مفترض، وعلى من كان حسن النية إثبات ذلك ولمحكمة الموضوع الرأي الفاصل، أما في صورة تأخير التاريخ فالقصد الجنائي يرجع في تقديره إلى التاريخ الحقيقي لسحب الشيك، فإذا كان الساحب (المتهم) في هذا التاريخ تتصرف نيته إلى عدم الدفع أو يعلم أنه لن يكون له في تاريخ الاستحقاق رصيد كاف فإنه يعد سيئ النية إلا إذا ثبت أنه كان يريد الدفع في ميعاد الاستحقاق وأنه كان يعتقد أنه سيكون في قدرته تقديم الرصيد الكافي قبل الميعاد، وكان اعتقاده مبنياً على أسباب مقبولة، فإنه يكون حسن النية ولا تنهض قبله الجريمة وفي حالة سحب الرصيد يتوافر سوء النية بمجرد العلم وللساحب المتهم أن يثبت حسن نيته، وفي حالة الأمر بعدم الدفع إذا لم يكن لصدوره أي مبرر فمجرد صدور الأمر ينطوي على سوء النية، أما إذا كان للآمر بعدم الدفع سبب مشروع فإن القصد الجنائي توافر بمجرد الأمر بعدم الدفع ولا عبرة بالدوافع التي دعت إلى إصدار هذا الأمر، فالشيك له طبيعة خاصة فهو ليس بسند دين عادي بل هو بمثابة النقود، والأصل فيه أن يقوم بوظيفتها وتتداوله الأيدي، وإذا كان الشخص لا يستطيع أن يسترد بإرادته النقود التي دفعها مقدماً إلى آخر تعاقد معه فكيف يسوغ له تعطيل دفع الشيك بمجرد إرادته، وكيف يتفق ذلك وواجب حماية الغير الذي انتقل الشيك إلى يده ورغبة المشرع في توطيد الثقة في الشيكات تسهيلاً للتعامل.
موقف القضاء : في فلسطين وبالتحديد في قطاع غزة، قضت المحكمة العليا في حكم لها في القضية رقم 65185 استئناف عليا جزاء منه "بأنه وبعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة، وبما أن الاستئناف حاز شكله القانوني، وبما أن واقعة الدعوى قد أجملها الحكم المستأنف وهي توجز في أن المستأنف أصدر أمراً مكتوباً إلى بنك فلسطين بأن يدفع للبنك العربي مبلغ 3887.781 في 15/6/1965 ولما تقدم البنك العربي إلى البنك الأول بهذا الأمر في التاريخ المشار إليه، تبين أن المستأنف ليس له رصيد يفي بقيمته، وعلى أثر ذلك أسندت النيابة العامة إلى المستأنف تهمة مخالفة المادتين الأولى والثانية من القرار بقانون رقم 7 لسنة 1964 وقدمته للمحاكمة أمام محكمة صلح غزة التي قضت في 18/7/1965 بتغريمه عشر جنيهات أو حبسه مدة شهرين، وإذا تأيد هذا الحكم من المحكمة المركزية منعقدة بهيئة محكمة استئنافية في 12/10/1965 أقام المستأنف طعنه الراهن بعد أن حصل على الأذن برفعه في 22/11/1965 طالباً إلغاء الحكم المتقدم والقضاء ببراءته راكناً في ذلك على عدة أوجه محصلها:
1. أن الشيك قد أصدره المستأنف في 23/11/1964 باعتباره فقط وفاء دين وفقاً للثابت في القضية الإجرائية رقم 24/1964 مركزية، فيعتبر كمبيالة وبالتالي لا يسري عليه حكم القانون سالف الذكر.
2. إن هذا الشيك وقد صدر قبل ميعاد استحقاقه بثمانية أشهر فإنه يكون مؤجل الدفع لأجل معين، الأمر الذي ينفي عنه صفة الشيك.
3. إن المستأنف أبلغ البنك المستفيد قبل تاريخ استحقاق الشيك بحدوث ظروف قهرية تمنع من وجود رصيد له، مما يدل على حسن نيته.
وبما أن الحكم المستأنف قد تناول أسانيد الطاعن سالفة البيان بالتمحيص بالرد بأسباب صحيحة تأخذ بها هذه المحكمة، وتضيف إليها أن المشرع قصد من تجريم فعل إصدار الشيك بدون رصيد حماية الثقة في الشيكات باعتبارها أداة وفاء حتى يسهل التعامل بها وأن إذن الدفع يعد شيكاً بالمعنى المقصود في فقه قانون العقوبات ولو كان تاريخ إصداره قد اثبت فيه غير الحقيقة ما دام هو بذاته حسب الثابت فيه مستحقاً للأداء بمجرد الاطلاع وليس فيه ما ينبئ المطلع عليه بأنه في حقيقته ليس إلا أداة ائتمان.
وبما أن الثابت من مطالعة الشيك المرفق رقم (أ) 637028 أنه صادر من المستأنف إلى بنك فلسطين في 15/6/1965 يأمره فيه بأن يدفع لأمر البنك العربي مبلغ 781 و3887 فإنه يكون مستوفياً لجميع الشروط الشكلية التي يتطلب القانون توافرها في الشيكات.
وبما أن مؤدى أفاده البنك المسحوب عليه الشيك وهو بنك فلسطين المرفقة المؤرخة في تاريخ في 15/6/1965 أن المستأنف ليس له رصيد فيه بقيمته، ولما كان المشرع لم يشترط لإنزال العقاب بمن يخالف أحكام القرار بقانون رقم 7 لسنة 1964 إلا مجرد علمه بأن الشيك الذي أصدره لم يكن له وقت إعطائه لمن أصدره مقابل وفاء كاف يمكن التصرف فيه فإنه يكون واضحاً أن المستأنف قد ارتكب الجريمة موضوع الاتهام، ومن ثم يكون الاستئناف على غير أساس من الواقع أو القانون، ويتعين لذلك رفضه وتأيد الحكم المستأنف.
أما في مصر فقد قضى بأنه تتحقق جريمة المادة 337 عقوبات بمجرد صدور الأمر من الساحب إلى المسحوب عليه بعدم الدفع حتى ولو كان هناك سبب مشروع، لذلك إن مراد الشارع من العقاب هو حماية الشيك من التداول وقبوله في المعاملات على أساس أنه يجري مجرى النقود.
فمجرد إصدار الأمر بعدم الدفع يتوافر به القصد الجنائي العام الذي يكفي فيه علم من أصدره بأنه إنما يعطل دفع الشيك الذي سحبه من قبل، ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب التي دفعته إلى إصداره لأنها من قبيل البواعث التي لا تأثير لها في مقام المسئولية الجنائية ولا تستلزم فيه خاصة لقيام الجريمة[32] ويستفاد علم المتهم وقت إصدار الشيك بعدم وجود رصيد له من مجرد إعطاء شيك لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب، وليست المحكمة ملزمة بالتحدث استقلالاً عن هذا العلم لأنه من القصود الجنائية العامة ما دام المتهم لم ينازع أمام محكمة الموضوع في قيام هذا العلم لديه بل إنه يسلم في طعنه بقيامه إذ يقول أن المستفيد كان يعلم وقت إصدار الشيك بعدم وجود رصيد له[33] فمتى كان الحكم قد استخلص من الأدلة التي ذكرها علم المتهم وقت إصدار الشيك بعدم وجود رصيد له بالبنك يكفي للوفاء به ما يتوافر به ركن سوء النية، فلا يقبل من المتهم قول في خصوص حسن نيته[34] إلا إذا كان مثار نزاع[35].
في فرنسا: فقد ذهب القضاء أيضاً بصدد تفسير عبارة سوء النية إلى الاكتفاء بمجرد العلم (علم الساحب) بأنه ليس لدى المسحوب عليه مبلغ مساوي بالأقل لقيمة الشيك[36]، فلا يجدي المتهم دفاعه بأنه اعتقد أريحية البنك المعتادة لتسوية شيكاته مع عدم وجود اتفاق ثابت بينهما في هذا الصدد[37]، كما يتحقق سوء النية إذا أصدر الساحب شيكاته مع علمه بأنه في ظروف قاسية ودون أن يتخذ الحيطة اللازمة للتأكد سلفاً من وجود أو عدم وجود رصيد كاف، فكل إهمال أو عدم احتياط يقع من الساحب يستوجب مساءلته ويقع على عاتق كل من يصدر شيكاً أن يراجع رصيده وقت إصداره[38] ويعلل الفقه هناك هذا القضاء بما توجبه الضرورات العملية من وجوب منح الشيكات ثقة كاملة حتى يطمئن الحامل إلى استيفاء حقوقه كاملة فيوقع العقاب آلياً على كل من يصدر شيكاً ليس له مقابل وفاء[39].
أما عن وقت توافر القصد الجنائي المرتبط بتوافر العلم فإن الأمر فيه يقوم عند تحقيق الركن المادي، فإذا كانت جرائم الشيك كما أشرنا جرائم عمدية يلزم توافر القصد الجنائي لقيامها فإن من المسلم به أن جرائم الشيك هي من الجرائم الوقتية بمعنى أنها ترتكب وتتم في ذات الوقت إلا أن الأمر في حاجة إلى إيضاح. فإذا كان الفعل المكون للركن المادي للجريمة هو إصدار أمر إلى المسحوب عليه بعدم السداد أي تجميد الرصيد لديه، فإن القصد الجنائي ينبغي توافره في ذلك الوقت[40] فمنذ صدور الأمر يفقد الشيك صفته كأداة وفاء، ويصبح بمثابة الشيك الذي ليس له مقابل وفاء، وعلى هذا فليس بمهم أن يكون للشيك مقابل وفاء وقت إصداره أو حتى قيام الدليل على أن المتهم وقت الإصدار كان ينوي سداد قيمة الشيك لأن الواجب الذي يفرضه القانون على الساحب هو التزامه بأن يبقى مقابل الوفاء لدى المسحوب عليه إلى حين سداد قيمة الشيك.. وفي حالة ما إذا كان الركن المادي للجريمة هو استرداد بعض مقابل الوفاء، بحيث يصبح باقية غير كاف للوفاء بقيمة الشيك فإن القصد الجنائي كما هو الحال في الصورة السابقة ينبغي توافره وقت استرداد المقابل[41] بغض النظر عما هو الحال وقت إصدار الشيك. لذلك يجب أن يتوافر لدى الساحب العلم بأن باقي المبلغ لدى المسحوب عليه أقل من قيمة الشيك أو الشيكات التي أصدرها ولم تصرف قيمتها.
أما الصورتان المتبقيتان وهما انعدام مقابل الوفاء وعدم كفاية مقابل الوفاء وذلك في تاريخ إصدار الشيك فإننا نلاحظ أن الشيك يحمل في الأصل تاريخاً واحداً وهو التاريخ الذي حرر فيه وان إثبات قيام القصد الجنائي يكون وقت إصدار الشيك أي علم الساحب بأنه وقت أن حرر الشيك وقدمه للمستفيد لم يكن له مقابل وفاء أو كان مقابل الوفاء أقل من قيمة الشيك. إلا أن الصعوبة تثور حينما يكون تاريخ الشيك مغايراً لتاريخ الوفاء رغم اشتمال المحرر على تاريخ واحد، إذ كثيراً ما يحدث أن يحرر الشيك في يوم معين على أن يتفق الساحب والمستفيد على عدم تقديمه إلى المسحوب عليه إلا في تاريخ لا حق سواء أتم هذا الاتفاق شفاهه أم كان ثابتاً يجعل تاريخ الشيك لاحقاً ليوم تحريره، فإذا لم يكن لمثل هذا الشيك مقابل وفاء كاف فهل يكون إثبات توافر القصد الجنائي في اليوم الذي حرر فيه الشيك فعلاً أو في اليوم الثابت به والذي بموجبه يقدم إلى المسحوب عليه...؟ هذه المسألة في اعتقادنا ترتبط بموضوع التاريخ الذي يحمله الشيك، ويصوره الشيك المتأخر التاريخ، والرأي في هذه الحالة أن إثبات العلم ينبغي أن ينصرف إلى تاريخ تحرير الشيك فعلاً بصرف النظر عن التاريخ المثبت عليه[42] فإذا قدم الشيك في التاريخ الثابت به أو بعده فإنه لن تكون هناك في الغالب فائدة عملية في إثبات عدم وجود الرصيد في تاريخ سابق عليه ما دام الشيك قد سددت قيمته. أما إذا لم تسدد فيكفي هذا لوقوع الجريمة، أي إثبات عدم وجود مقابل الوفاء في التاريخ المحرر عليه.
ولكن إذا قدم الشيك في يوم سابق على التاريخ الثابت به فإنه وإن كان للمسحوب عليه أن يمتنع عن تسديد قيمته، إلا أنه بالنسبة إلى قيام الجريمة وتوافر القصد الجنائي فيها ينتظر إلى وقت تحريره فعلاً، إذ العبرة بحقيقة الحال بصرف النظر عما يضيفه المتعاملون بالشيك من مظاهر غير مطابقة للحقيقة، ولا يخلو هذا النظر من فائدة عملية، إذ أن هذا التاريخ هو الذي تعتبر الجريمة فيه قد وقعت ومن ثم يبدأ حساب مدة انقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم، هذا وقد قضت بعض الأحكام في مصر إلى أنه في حالة الشيك المتأخر التاريخ فلا محل للعقاب إذا لم يكن للساحب رصيد كاف وقت تحرير الشيك، ولكن توافرت لديه فيه جدية في تقديم الرصيد في التاريخ المحدد وتوافر لديه الاعتقاد بأنه سيتمكن من إيجاد الرصيد في هذا التاريخ[43] وان سوء النية ينحصر في علم الساحب وقت الإصدار بانعدام مقابل الوفاء، وفيما بتعلق بشيك مؤخر التاريخ، فإن سوء النية يتحقق إذا كان ساحب الشيك ليس متيقناً من قدرته على إيجاد مقابل الوفاء في التاريخ المدون في الشيك والذي يعتبر هو التاريخ الحقيقي للإصدار وعلى العكس من ذلك لا يسأل جنائياً إذا ثبت أن كان لديه أمل مشروع في تلقي مقابل الوفاء قبل تاريخ الاستحقاق وأنه لم يتسلمه لأسباب خارجة عن إرادته.
وذهب رأي وهو رأي د. محسن شفيق[44]، إلى أنه يجب الاكتفاء بوجود الرصيد في التاريخ المعين في الشيك، إذ لا معنى لاستلزام وجوده قبل ذلك ما دام أن الحامل لن يستطيع الحصول على الوفاء إلا في التاريخ المذكور، ثم أن الساحب لا يقصد إنشاء الشيك إلا في التاريخ المعين، فكيف يجبر على إيجاد الرصيد قبل ذلك ...؟؟ وقد يحدث أن يكون الساحب مديناً للمستفيد بدين مقسط فيحرر له شيكات بعدد الأقساط المستحقة ويضع على كل منها تاريخ استحقاق القسط المراد دفعه، فليس من المقبول في مثل هذا الغرض إجبار الساحب على إيجاد الرصيد قبل حلول الدين الذي يستخدم الشيك للوفاء به، وقد يقال أن الأخذ بهذا الحل يعني إباحة الكذب في تاريخ الشيك، غير أن التشريع القائم لا يضع أي عقوبة على ذكر تاريخ الشيك على غير الحقيقة كما أن تأخير التاريخ لا يقصد به دائماً الغش كما في الفرض الذي ذكرناه ثم ألم تعتمد محكمة النقض على التاريخ المذكور في الشيك فلم تجز للساحب التملص من الجريمة بإثبات كذبه وصدور الشيك في تاريخ سابق عليه.
إثبات توافر القصد الجنائي :
يلاحظ في المواد الجنائية أن القاعدة العامة تقرر بأن عبء الإثبات يقع على عاتق النيابة العامة، بوصفها المدعية في الدعوى الجنائية، ولذلك عليها أن تقيم الدليل على توافر القصد الجنائي أي أن الجاني يعلم بأن فعله من شأنه أن يحقق الجريمة في إحدى الصور التي نص عليها القانون،وأن الساحب المتهم قد أصدر الشيك وهو يعلم بعدم وجود مقابل وفاء إطلاقاً أو أن المقابل أقل قدراً من قيمة الشيك رغم علمه بأنه لم يصرف بعد وهو أمر ميسور دائماً لأن الساحب يعلم برصيده في البنك (المصرف) وبتصرفاته[45]وعدم وجود مقابل الوفاء كاف لسداد قيمة الشيك من شأنه أن يسهل للنيابة العامة التدليل على سوء نية المتهم ومن ثم توافر القصد الجنائي لدية وعلى المتهم إن شاء الدفع بانتفائه ومبيناً انعدام سوء نيته، أي يقيم الدليل من جانبه على صحة ما يدعيه وفي حالة ما إذا عرضت الدعوى المدنية مع الدعوى الجنائية، فيتم التعاون بين النيابة العامة المدعى بالحقوق المدنية لإقامة الدليل علي سوء نية المتهم (الساحب) بمعني أن عبء الإثبات يقع على عاتقها معاً، ولا ينتفي القصد الجنائي أي سوء النية، إذا كان المستفيد يعلم وقت إعطاء الشيك بعدم وجود مقابل الوفاء أو عدم كفايته، أي برغم الاتفاق بينه وبين الساحب على ذلك، وكذلك لو أخطره هذا الأخير بالواقع لان الحكمة ليست حماية المستفيد وإنما رعاية الثقة في الشيكات كما لا ينفي سوء النية رضاء البنك المسحوب عليه دفع قيمة الشيك على الرغم من عدم وجود الرصيد أو عدم كفايته.
هذا والجدير بالذكر أنه تمت معاقبة المستفيد الذي تسلم شيكاً بدون رصيد كاف مع علمه بذلك وجاء على ذلك كالتالي "يعاقب بغرامة لا تجاوز خمسمائة دينار، المستفيد الذي يحصل بسوء نية على شيك ليس له مقابل وفاء سواء في ذلك أكان شخصاً طبيعياً أم اعتياديا م 544 من مشروع قانون التجارة الجديد وقيام الدليل على توافر القصد الجنائي أو عدم قيامه يرجع فيه إلى قاضي الموضوع، باعتباره أحد أركان الجريمة، إذ يجب على القاضي أن يبينه في حكمه وإلا كان قضاؤه معيباً[46].
إثبات حسن النية :
بالرغم مما تقدم يستطيع الدائن أن يقيم الدليل على انتفاء القصد الجنائي لديه، أي على حسن نيته إعمالا للقواعد العامة في الإثبات، مستنداً في ذلك على أي دليل يراه موصلاً إلى تلك الغاية دون التقيد بقاعدة معينة، ويترتب على ذلك أي على إثبات حسن النية انتفاء المسئولية الجنائية فإذا أثبت الساحب بناء على أسباب مقبولة بوجود مقابل الوفاء لدى المسحوب عليه أو أنه مساو لقيمة الشيك، عندئذ يكون الساحب حسن النية، خاصة إذا ثبت أن المسحوب عليه قد أرسل إليه كشفاً مبيناً به رصيده كما تجرى العادة في البنوك بالرغم من وجود خطأ مادي اعتقد بصحته وأصدر الشيك في حدود المبلغ الوارد به ثم تبين عدم كفاية الرصيد أو إذا كان المسحوب عليه قد أوقف الحساب الجاري لأي سبب كان دون أن يخطره بذلك[47] ولاشك في أن قيام الدليل على حسن النية يرجع فيه إلى وقائع كل دعوى على حده، وما يطمئن إليه قاضي الموضوع والمهم فيها أن يكون اعتقاد المتهم على أسباب مقبولة ويراعي فيها ظروف الواقعة بالنسبة إليه في الوقت الذي حدثت فيه فمجرد اعتقاد الساحب أن تابعية أودعوا في حسابه مبالغ تكفي للوفاء بقيمة الشيك فإن ذلك لا يبرر دفاعه القائم على انتفاء علمه بعدم وجود مقابل وفاء لهذا الشيك مادام أنه لم يقدم دليلاً قاطعاً على هذا الدفاع[48] هذه هي أركان جرائم الشيك كما وردت في نصوص مشروع قانون التجارة الفلسطيني الجديد وهي أيضاً التي أخذت بها قوانين البلدان المختلفة في الوقت الحالي.
الخاتمة

لاحظنا من الدراسة السابقة مدى الأهمية التي يقوم عليها التعامل بالشيكات، فالأفراد يتعاملون بالشيكات اكثر من تعاملهم بالنقود،كما أن نسبة كبيرة من الديون والمطالب بدأت تسوى ألان عن طريق الشيكات لذلك كان يجب أن يتدخل القانون بالقدر اللازم والضروري للمحافظة على استقرار التعامل بها، فوضع من النصوص المتضمنة أحكاما لتنظيمها، سواء في المجموعة التجارية أو في غيرها… ولأهمية هذه الشيكات في التعامل ومدى ما ترتبه من آثار، قمنا بهذه الدراسة،عسى أن تسد فراغا نعتقد انه ما زال قائما في الدراسة والبحث حول موضوعات الشيك، وفى بحثنا هذا تناولنا بالكلام الشيك من حيث أهميته وتعريفه وكذلك بيان شروطه الموضوعية والشكلية. وقد تركزت الدراسة في الأساس حول أركان جرائم الشيك بالقدر الذي تقتضيه طاقة البحث وذلك كبداية للكتابة فيما بعد عن موضوعات أخرى حول الشيك وعلى الخصوص مدى إمكانية اعتبار الشيك، شيك ضمان – أو شيك وديعة، وأركان الشيك، ركنان. الأول ركن مادي، والثاني، ركن معنوي – هذان الركنان تضمنته المادة 543 من مشروع قانون التجارة الفلسطيني الجديد في صورها الأربعة من إصدار الساحب شيكا لا يقابله رصيد، أو من كان الرصيد اقل من قيمة الشيك أو قيام الساحب بسحب رصيده أو بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمة الشيك، أو أمره للمسحوب عليه بعدم الدفع، أو تحريره للشيك بسوء نية على نحو يحول دون صرفه. كما تضمنت أيضا القصد الجنائي الذي هو توجيه الفاعل لإرادته نحو الفعل المجرم بقصد تحقيق نتيجته.
ومن جهة أخرى لم يعاقب القانون الساحب أو المستفيد فقط، وإنما أيضا عاقب المسحوب عليه أو أحد موظفيه في حالة ارتكاب بعض الأفعال المجرمة التي حددتها المادة 542 من مشروع قانون التجارة وقد سبق الإشارة إليها وهى كالتالي:
1. يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن آلف دينار، ولا تتجاوز ثلاث آلاف دينار كل موظف بالبنك ارتكب عمدا أحد الأفعال التالية :
‌أ. التصريح على خلاف الحقيقة بعدم وجود مقابل وفاء للشيك أو بوجود مقابل وفاء اقل من قيمته
‌ب. الرفض بسوء نية وفاء شيك له مقابل وفاء كامل أو جزئي، ولم يقدم بشأنه اعتراضا صريحا.
‌ج. الامتناع عن وضع أو تسليم البيانات المشار إليها في الفقرة الأولي من المادة 527 من هذا القانون (وهى خاصة بالرجوع)
‌د. تسلم أحد العملاء دفتر شيكات لا يشتمل البيانات المنصوص عليها في المادة 537 مكن هذا القانون (وهى خاصة بالتحريف).
2. ويكون المصرف مسئولا بالتضامن مع موظفيه المحكوم عليهم عن سداد العقوبات المالية المحكوم بها.
كما عاقب القانون كل من ادعي بسوء نية تزوير شيك، وحكم نهائياً بعدم صحة هذا الادعاء والعقاب هو الحبس أو الغرامة التي لا تتجاوز نصف قيمة الشيك أو بإحدى هاتين العقوبتين (م 545) من مشروع قانون التجارة الجديد.
كما ورد في مشروع قانون التجارة بعض العقوبات الفرعية التي رآها لازمة لتعزيز العقوبات الأخرى من جهة وتقوي من جهة أخرى مسألة الثقة في التعامل بالشيكات وهي كالتالي :
1. إذا قضت المحكمة بالإدانة في إحدى جرائم الشيك المنصوص عليها في المادة 543 من هذا القانون، جاز لها أن تأمر بنشر الحكم على نفقة المحكوم عليه في صحيفة يومية، ويجب أن يتضمن هذا النشر اسم المحكوم عليه وموطنة ومهنته والعقوبة المحكوم عليها بها.
2. ويجوز للمحكمة في حالة العود أن تأمر بسحب دفتر الشيكات من المحكوم عليه ومنع إعطائه دفاتر شيكات جديدة لمدة تعينها وتتولى النيابة العامة تبليغ هذا الأمر إلى جميع المصارف.
____________
_____

* أستاذ القانون بجامعة القدس المفتوحة.

[1] تقدر الإحصائيات الفرنسية أن ما يقرب من 50% من الديون والمطالب تسوي في فرنسا عن طريق الشيكات وفي إنجلترا وأمريكا فإن هذه النسبة ترتفع إلي 90% تقريباً لأن الأفراد هناك يتعاملون بالشيكات أكثر من تعاملهم بالنقود ويعود ذلك إلى التدابير التي تتخذها المصارف قبل فتح حساب لشخص ما وقبل تسلمه دفتر الشيكات، وهي تدابير تحفظية ممتازة يصبح معها خطر التلاعب والاحتيال معدوماً (رزق الله انطاكي) (موسوعة الحقوق التجارية 1958 ص331).

[2] قانون شامل لأحكام اليوالس والشيكات رقم 17 لسنة 1929، نشر بالباب العاشر من مجموعة قوانين فلسطين (درايتون) كما عرف المشرع الفرنسي الشيك في القانون الصادر سنة 1865 بالمادة الأولي منه مع أن المرسوم بقانون الصادر في 30/10/135م لم يعرف الشيك، إنما اقتصر على ذكر بياناته بأنه :
(Le cheque est l,ecrit qui sous la forme dun mandat de pauement sert au tireur a effectuer le retrait a son profit ou au profit d,un tiers, de tout ou partie de fonds portes ou credt de son compte chez le tire et displnible '

[3] د. أنور سلطان، مقال أثر بطلاب الشيك ص 477 مجلة الحقوق السنة الأولي.

[4] د. أمين بدر الأوراق التجارية في التشريع المصري 1953 ص20.

[5] د. محسن شفيق الأوراق التجارية 1954 ص688 - انظر التعريفات التي وردت في كتب الفقه عند رزق الله انطاكي المرجع السابق ص 339، د. مصطفى طه – الأوراق التجارية 1958 ص297، د. عل البارودي القانون التجاري 1961 ص643.

[6] القوانين العربية في مجموعها استبعدت من نصوصها تعريف الشيك وأخرها قانون التجارة المصري الجديد حيث أشار في المادة 473 منه إلي البيانات الواجب توافرها في الشيك دونما تعريف له " قانون رقم 17 لسنة 1999 نشر بالجريدة الرسمية العدد (1) في 17 من مايو سنة 1999م".

[7] نقض مصري 5/6/1985 أحكام النقض س 36 ق 132 ص 752، وقد قضى بأنه لا يهم أن يكون الشيك غير قانوني مادام أنه قد أعطي وسلم وظاهرة يدل على ذلك.

[8]نقض فرنسي 9/10/1940 جازيت 2-164 وتعليق هيجني عليه، وراجع أحكاماً عديدة أشير إليها في موسوعة داللوز ح 1 – ص374 بند (1) وبعدها.

[9] د. أنور سلطان – الرسالة السابقة ص 56.

[10] نقض فرنسي 27/11/1926 جازيت 1927-117، 22/1/1927 داللوز الأسبوعي 1927 ص116.

[11] هناك من التشريعات ما يكتفي بوجود مقابل الوفاء وقت دفع قيمة الشيك كالقانون الإنجليزي والألماني ومنها وهو الغالب ما يتطلب وجود المقابل وقت إعطاء الشيك إذ بهذا تتحقق وظيفته منها (القانون المصري والفرنسي، والبلجيكي، والإسباني واليوناني والإيطالي والبرتغالي).

[12] محكمة النقض المصرية قررت في حكم لها الأهمية الكبرى لإثبات مقابل الوفاء أو انتفائه في جريمة إصدار شيك بدون رصيد فقالت أن مفاد ما جاء بنص المادة 327 من قانون العقوبات (مصري) ومذكرتها الإيضاحية انه يشترط لتحقق جريمة إصدرا شيك بدون رصيد توافر أركان ثلاثة : هي إصدار ورقة تتضمن التزاماً صرفياً معيناً هي الشيك أي إعطاؤه أو مناولته للمستفيد، وتخلف الرصيد الكافي القابل للصرف أو تجميده، ثم سوء النية ولا جريمة في الأمر ما دام للساحب عند إصدار الشيك في ذمة المسحوب عليه رصيد سابق محقق المقدار خالي من النزاع كاف للوفاء بقيمة الشيك قابل للصرف وان يظل ذلك الرصيد خالياً من التجميد الذي يحصل بأمر لاحق متى قبل الساحب بعدم الدفع ومن أصدر الساحب الشيك مستوفياً شرائطه الشكلية التي تجعل منه أداة وفاء يقوم مقام النقود، تعين البحث بعدئذ في أمر الرصيد في ذاته من حيث الوجود والكفاية والقابلية للصرف بغض النظر عن قصد الساحب، إذ لا يسار إلى بحث القصد الملابس للفعل ألا بعد ثبوت الفعل نفسه.
"نقض 15/11/1987 أحكام النقض س 38 ق 171 ص 931،25/11/1984، س35 ق 125 ص821".

[13] في هذا الصدد ينتقد د. حسني عباس تعبير حق الحامل بأنه ملكية مقابل الوفاء ويقول بأن هذا التعبير أصبح محل نقد شديد في الفقه الحديث، ولأن عبارة الملكية من شأنها ان يتبادر إلى الذهن أن مقابل الوفاء شئ مادي في حين أن مقابل الوفاء حق شخصي للساحب قبل المسحوب عليه فالمسألة لا تتعلق إطلاقاً بحق الملكية بمعناه القانوني، وقد نقل اصطلاح ملكية مقابل الوفاء وإنتقال ملكيته عن الفقه الفرنسي وهو تعبير غير دقيق وأمام هذه الاعتبارات قيل تصويباً لعبارة النص ان للحامل حق استئثار الوفاء في تاريخ الاستحقاق وأن حق الحامل على مقابل الوفاء يظل معلقاً لا يستقر على الرصيد ما لم يعلم به المسحوب عليه (الأوراق التجارية 1971 ص115 والمراجع التي أشار إليها وراجع أيضا م. كبريك (cabrillac ) ملزمة 21 فقرة 117.

[14] ثمة رأي آخر يقول بأن الجريمة تتم بإخراج الشيك من حيازة الساحب وتسليمه إلى المستفيد أو إرساله إليه أو كما يقول م كبراك (cabrllac) أن الإصدار يتحقق بتسليم الشيك إلى الغير وكذلك بكل أجراء يؤدى إلى التخلي عنه دون إمكان الرجوع في ذلك كالتسليم إلى البريد (ملزمة 21 بند 8، 2020).

[15] استئناف ليموج 3/6/938 – جازيت 1938 –2-340.

[16] نقض مصري 27/5/1958 أحكام النقض س و ق 149 ص 582.

[17] د. أنور سلطان في مقال أثر بطلان الشيك ص 486، د مصطفي كما طه المرجع السابق ص325.

[18] راجع م كرياك المرجع السابق ملزمة 26 بند 9.

[19]راجع في نفس الموقف محكمة النقض المصرية نقض 23/10/1972، أحكام النقض س 23ق 243 ص1083، في فرنسا نلاحظ العكس فالمادة 66 من القانون رقم 14/6/1865 المعدل بمرسوم 24/5/1938 تعاقب بنفس العقوبات من يقبل مع علمه شيكاً صادراً في الأحوال السابقة، وقد أريد بهذا مكافحة المرابين الذين يستغلون الشيك كأداة ائتمان، كما قضى بإدانة المستفيد بشيك متأخر التاريخ ظهرة لمصلحة الغير مع علمه بأن الساحب قد أعترض أو أمر بعدم الوفاء (نقض فرنسي 7/8/1941 سيرى 910-61).

[20] راجع نقض مصري (23/10/1972- أحكام النقض س 23 ق 243 ص 1083، موسوعة داللوز ج1 ص 374 فقرة 22 إذ في نظر هذا القضاء أن جميع صور جرائم الشيك تعتبر من الجرائم الوقتية.

[21] ويضرب الفقهاء صوراً لهذه الحالة منها. طلب الساحب قفل حسابه عند المسحوب عليه تصفيته ورد رصيد الدائن، وتحرير شيك أخر علي ذات الرصيد سواء أحرر الشيك لمصلحة نفسه أم لمصلحة غيره، فإذا دفعت قيمة هذا الشيك قبل الشيك الأول تحققت جريمة إسترداد الرصيد، أو أن يلغي الساحب الاعتماد المفتوح لصالحة لدى المسحوب عليه، أو أن يستوفي الساحب الدين الذي له عند المسحوب عليه أو يبرئه منه (د. محسن شفيق – المرجع السابق ص 812).

[22] د. رؤوف عبيد، شرح قانون العقوبات القسم الخاص ص396.

[23] وقد قضى في فنسا بأنه لا جريمة إذا جمد الرصيد بواسطة حكومة أجنبية بعد إصدار الشيك وقبل تقديمه دون أن يعرف الساحب هذا التجميد (إكس 12/7/1948-،1719-11-1948 j..c.p).

[24] د. محمد حسني عباس ص 281 المرجع السابق.

[25] د. رؤوف عبيد – المرجع السابق ص 400.

[26] د. محمود محمود مصطفى المرجع السابق ص 462، د. ومحسن شفيق المرجع السابق ص805، 821.

[27] Robert : jean droit et legislation penal appliquee aux affaires.
حيث أشار إلى بعض الأحكام التي صدرت في فرنسا ويرى معاقبة الفاعل المعنوي للجريمة، كالموكل الذي يأمر الوكيل بإعطاء شيك يعلمان أن لا مقابل وفاء له، فيعاقب كل منهما عن الجريمة، وقضى بأن الزوج الذي ترك لزوجته دفتر شيكاته ويعلم بحالة رصيده لتعطي عدة شيكات لمواجهة المصروفات العامة للمنزل يتركب خطأ يجعله فاعلاً معنوياً للجريمة 11/2/1951 سيري 1952-172.

[28] مادة 653 عقوبات سوري، م55 قانون الجزاء العثماني، م462 قانون العقوبات الليبي، م666 عقوبات لبناني، م421 عقوبات أردني، م374 عقوبات جزائري، م237 عقوبات كويتي، نظام الأوراق التجارية السعودي، م118،119،120، م295، قانون الجرائم والعقوبات الشرعية اليمني.

[29] أنظر تطبيقاً لذلك محكمة النقض المصرية، نقض 16/12/1963، أحكام النقض س 14 ق171.

[30] د. محمود محمود مصطفى، المرجع السابق ص 467.

[31] د. رؤوف عبيد، المرجع السابق ص 318، ويقول أن هذه الجريمة عمدية فهي ليست جريمة خطأ أو إهمال، ولذلك فلا محل للقول بقيامها إذا كان الساحب يعتقد خطأ وقت إعطاء الشيك أن الرصيد قائم ولم يتم سحبه بعد ولم يكن الأمر كذلك، ما دام اعتقاده مبنياً على أسباب جدية مقبولة والعلم بعدم توافر الرصيد علم مفترض لدى الساحب، فيعد قرينه على سوء القصد بمعنى أن له أن يثبت انتقاء العلم بهذه الظروف واعتقاده لأسباب جدية توافر الرصيد المطلوب.

[32] نقض 22/10/1957، أحكام النقض س 8 ق 218 ص811، 14/2/1972 س 23 ق 37 ص142، 21/11/1966، 2/11/1964 س 15 ق 24 ص627.

[33] نقض 10/10/1960 أحكام النقض س 11 ق 127 ص 670، 27/6/1971 س 22 ق121 ص497 وقد جاء به أن العلم يستفاد من مجرد إعطاء شيك لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب.

[34] نقض 19/10/1951 أحكام النقض س 3 ق 111.

[35] نقض 8/3/1966 أحكام النقض س 17 ق 55 ص 278

[36] راجع أحكاماً عديدة : أشير إليها في موسوعة داللوز ج 1 ص 374 فقرة 41 وما بعدها وراجع التعديلات التي أدخلها المشرع على القانون في عامي 1972، 1975.

[37] أورليان: 7/3/1947 جازيت 1947 – 142.

[38] نقض فرنسي: 3/2/1938 دللوز الأسبوعي 1938 ص 214.

[39]موسوعة داللوز ج 1 ص 374 بند 38 او الأمير ص 492، ه كايريال ص53.

[40] نقض فرنسي 20/6/1936 واللوز الأسبوعي 1936.

[41]موسوعة داللوز ج 1 ص 374 بند 38، اولا مير ص 492، ه كايريال ص 53.

[42]ويتوافر سوء القصد في حالة عدم وجود الرصيد في يوم تحريره حتى لو اتفق الساحب والمستفيد على عدم تقديمه إلا في تاريخ لاحق كي يستطيع ألأول إعداد قيمة الشيك (نقض فرنسي 3/5/1939 جازيت 1939- 2- 247) فيعتد التاريخ الحقيقي الإصدار الشيك دون التاريخ الثابت في الصك، والذي قد يكوم مؤخراً، وهو الذي يجب أن يبحث فيه أن كان وجود الرصيد (نقض فرنسي 6/2/1936 داللوز الأسبوعي 193 ص 133) ومن ثم فلا أهمية لأن تكون لدى الساحب نية أيجاد الرصيد عند تقديم الشيك (موسوعة داللوز ج 1 س 374 فقرة 42).

[43] نقض جنائي مختلط 20/11/1939 بلتان 51 - 101

[44] المرجع السابق ص 810 وأنظر تأييداً لهذا الرأي د. أنور سلطان الرسالة السابقة ص 65، نقض فرنسي، موسوعة داللوز ج 1 ص 374 فقرة 44، وكان القانون الصادر في فرنسا في 22/10/1940 يضع على عاتق الساحب تسهيلاً لمهمة النيابة العامة قرينة قانونية لسوء النية غير قابلة لاثبات العكس إذا لم يودع أو يكمل الرصيد خلال خمسة أيام من إرسال خطاب موصى عليه من المستفيد إليه، لكن نظراً للصعوبات العملية التي أثارها هذا القانون فقد ألغى في 9/9/1943.

[45] روبير Robert المرجع السابق ص 124.

[46] موسوعة داللوز ج 1 ص 374 فقرة 45.

[47] حالة السداد الفوري لقيمة الشيك قد يستفاد منها دليلاً على حسن النية (موسوعة داللوز ج1 ص 374 فقرة 41)، وقد قضى ببراءة الساحب لشيك بغير مقابل وفاء كاف إذا كان قد اتفق مع البنك على فتح اعتماد مع التعهد بإخطار الساحب بعدم كفاية مقابل الوفاء، حتى يستطيع تبيان وضعه من ناحية هذا المقابل، ولم يكن البنك قد نفذ هذا التعهد (جنح إكس 27/6/1950).

[48] نقض مصري 17/11/1969 أحكام النقض س 20 ق 256 ص 1266.


رد مع اقتباس