عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم January 21, 2011, 06:29 PM
 
امرأة أنهت عرش قرطاج - ريما صالحة -

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

امرأة أنهت عرش قرطاج
ريما صالحة


إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، وها هو القدر يستجيب كما قال أبو القاسم الشابي لأمنية التونسيين في التغيير ورحيل رجل اعتبروه الحاكم الظالم على مدى ثلاثة وعشرين عاما، وربما لم يكن يعلم الجميع بهذه الصورة عن تونس الخضراء وما يحصل فيها في ظل التعتيم الإعلامي الذي اخترقته التكنولوجيا الحديثة لتفضح بالصورة عبر اليوتيوب أو التويتر أو الفيس بوك مشاهد وآراء لم تكن لتخرج لولا هذا التطور التقني السريع.

لا أريد هنا أن أستفيض بالكلام عن ظلم الحكام وإرادة الشعوب، ولا أريد أن أدخل في تحليل سقوط نظام مستبد ورحيل أو هروب رئيس وبزوغ شمس الحرية لمن أرادها واستحقها .. فالحقيقة أن ما استوقفني كثيرا هو التركيز من قبل الشعب التونسي على كراهية امرأة هزت عرش تونس .. هي زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ليلى الطرابلسي .. فلا تجد أحدا في تونس إلا ويحقد أو يكره أو يلعن هذه المرأة وعائلتها .. لدرجة أنهم لا يتحدثون عن بن علي بحجم وقدر حديثهم عن ليلى وإخوانها وأقاربها .. إذا يعتبر التونسيون أن الرئيس المخلوع، ورغم حكمه الظالم، إلا أنه كان ضحية لزوجته الثانية التي كانت تحكم قصر قرطاجأو أنها كانت تطمح إلى رئاسة تونس، وهذا ما أشار له كتاب "حاكمة قصر قرطاج يد مبسوطة على تونس"، الكتاب الذي منع في تونس كونه عرى شخصية السيدة الأولى سابقا في بلد الزيتون ليلى الطرابلسي، ابنة الرجل البسيط بائع الخضار ومصففة الشعر التي حكمت تونس من وراء الستار، حسب الكتاب الصادر عام 2009 وارتبط اسمها بالعديد من قضايا الفساد والتدخلات في شؤون الدولة وهيمنت على أهم القرارات الداخلية فيها والخارجية لدرجة الاعتقاد بأن هي وعائلتها من يحكمون تونس وليس بن علي، خاصة بعد مرضه في الفترة الأخيرة.

فنسجت هي وأقاربها شبكة خيوط عنكبوتية حول كل القطاعات الاقتصادية والتعليمية والتقنية والقضائية وحتى الإعلامية، وامتلكت زمام الأمور في كثير من مناحي الحياة في تونس مما زاد من غضب الشعب ونقمته على هذه العائلة التي لطالما اعتبروها سالبة لحقوقهم وسارقة لأموالهم والمتسببة في بطالة الكثير من شبابهم وشاباتهم، وكان المشهد واضحا من خلال قتل شقيقها عماد أو حتى القبض على شقيقها الآخر وطريقة استجولبه وظهوره بشكل ذليل أو حتى المطالبة بمحاكمة علنية لها.

الغريب أن السيدة ليلى محت من ذاكرتها تواضع الأسرة التي نشأت فيها وعملها في بداية حياتها كمصففة للشعر، فنسيت أنها من هذا الشعب البسيط العامل وتناست حياة البساطة والبسطاء وعاشت دور المستبدة التي تعيش في بروج عالية لا يهمها إلا نفسها وأولادها وأقاربها، رغم أن الفرصة كانت كبيرة لديها لاستيعاب هؤلاء الشباب ومساعدتهم وكسب محبتهم بدلا من مشاعر الكره الكبير لها ولعائلتها وهي الآتية من قلب هذا الشعب البسيط.

وهكذا تحولت تونس الخضراء إلى تونس الحمراء عبر أيادي الجائعين التي رفعت في وجه الاستبداد والظلم والفساد، وهكذا انجلى الليل وانكسر القيد واستجاب القدر .. وإذا كان وراء كل عظيم امرأة .. فقد كان وراء سقوط عرش قرطاج امرأة.
رد مع اقتباس