عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم November 23, 2010, 10:24 PM
 
Rose جبران خليل جبران والبنفسجه الطموحه

البنفسجة الطموحة



كان فى حديقة منفردة بنفسجة جميلة الثنايا طيبة العرف ، تعيش مقتنعة بيت أترابها وتتمايل فرحة بين قامات الأعشاب .
ففى صباح ، وقد تكللت بقطر الندى ، ورفعت رأسها وتنظرت حواليها فرأت وردة تتطاول نحو العلاء بقامة هيفاء ورأس يتسامى متشامخاً ، وكأنه شعلة من النار فوق مسرجة من الزمرد .
ففتحت البنفسجة ثغرهل الأزرق وقالت متنهدة : ما أقل حظى بين الرياحين ، وما أوضع مقامى بين الأزهار ! فقد ابتدعتنى الطبيعة صغيرة ، وحقيرة أعيش ملتصقة بأديم الأرض ، ولا أستطيع أن أرفع قامتى نحو ازرقاق السماء أو أحول وجهى نحو الشمس مثلما تفعل الورود .
سمعت الوردة ما قالته جارتها البنفسجة فاهتزت ضاحكة ..ثم قالت : ما
أغباك بين الأزهار ! فأنت فى نعمة تجهلين قيمتها . فقد وهبتك الطبيعة من الطيب والظرف والجمال ما لم تهبه لكثير من الرياحين . فخلى عنك هذه الميول العوجاء والأمانى الشريرة ، وكونى قنوعة بما قسم لك ، واعلمى أن من خفض جناحه يرفع قدره ..و ان من طلب المزيد وقع فى النقصان .
فأجابت البنفسجة قائلة : أنت تعزيننى أيتها الوردة لأنك نائلة ما أتمناه ، وتغمرين حقارتى بالحكم لأنك عظيمة ، وما أمر مواعظ السعداء فى قلوب التاعسين ! و ماأقسى القوى إذا وقف خطيبا بين الضعفاء .
وسمعت الطبيعة ما دار بين الوردة والبنفسجة ..فاهتزت مستغربة ثم رفعت صوتها قائلة !
ماذا جرى لك يا ابنتى البنفسجة ؟ فقد عرفتك لطيفة بتواضعك ، عذبة بصغرك ، شريفة بمسكنتك ، فهل استهوتك المطامع القبيحة ، أم سلبت عقلك العظمة الفارغة ؟
فأجابت البنفسجة بصوت ملؤه التوسل والإستعطاف :
أيتها الأم العظيمة بجبروتها ، الهائلة بحنانها ، أضرع اليك بكل ما فى قلبى من التوسل ، وما فى روحى من الرجاء أن تجيبى طلبى وتجعلينى وردة ولو يوما واحدا ..
فقالت الطبيعة : انت لا تدرين ما تطلبين ، ولا تعلمين ما وراء العظمة الظاهرة من البلايا الخفية ، فإذا رفعت قامتك ، وأبدلت صورتك وجعلتك وردة تندمين حين لا ينفع الندم ..
فقالت البنفسجة : حولى كيانى البنفسجي إلى وردة مديدة القامة مرفوعة الرأس ، ومهما يحل بي بعد ذلك يكن صنع رغائبى ومطامعى .
فقالت الطبيعة : لقد أجبت طلبك أيتها البنفسجة الجاهلة المتمردة ، ولكن إذا دهمتك المصائب والمصاعب فلتكن شكواك من نفسك .
ومدت الطبيعة أصابعها الخفية السحرية ، ولمست عروق البنفسجة فتحولت بلحظة إلى وردة زاهية متعالية فوق الأزهار والرياحين .
لما جاء عصر ذلك النهارد تلبد الفضاء بغيوم سوداء مبطنة بالإعصار . ثم هاجت سواكن الوجود فأبرقت وأرعدت وأخذت تحارب تلك الحدائق والبساتين بجيش عرمرم من الأمطار والأهواء . فكسرت الأغصان ولوت الأنصاب ، واقتلعت الأزهار المتشامخة ، ولم تبق إلا الرياحين الصغيرة التى تلتصق بالأرض أو تختبئ بين الصخور .
أما تلك الحديقة المنفردة فقد قاست من هياج العناصر ما لم تقاسه حديقة أخرى .
فلم تمر العاصفة ، وتنقشع الغيوم حتى أصبحت أزهارها هباءا منثورا ، ولم يسلم منها بعد تلك المعمعة الهوجاء سوى طائفة البنفسج المختبئة بجدار الحديقة.
ورفعت إحدى صبايا البنفسج رأسها ، فرأت ما حل بأزهار الحديقة وأشجارها فابتسمت فرحا ثم نادت رفيقاتها قائلة : ألا فانظرن ما فعلته العاصفة بالرياحين المتشامخة تيها وإعجابا ً.
وقالت بنفسجة أخرى : نحن نلتصق بالتراب ، ولكننا نسلم من غضب العواصف والأنواء.
وقالت بنفسجة ثالثة : نحن حقيرات الأجسام غير أن الزوابع لا تستطيع التغلب علينا .
ونظرت إذا ذاك مليكة طائفة البنفسج فرأت على مقربة منها الوردة التى كانت بالأمس بنفسجة وقد اقتلعتها العاصفة وبعثرت أوراقها الرياح ، وألقتها
على الأعشاب المبللة فبانت كقتيل أرداه العدو بسهم .
فرفعت مليكة البنفسج قامتها ، ومدت أوراقها ، ونادت رفيقاتها قائلة : تأملن ، وانظرن يا بناتى ..انظرن إلى البنفسجة التى غرتها المطامع ، فتحولت إلى وردة لتتشامخ ساعة ، ثم سقطت إلى الحضيض ..ليكن هذا المشهد أمثولة لكنَّ .
عندئذ ارتعشت المحتضرة واستجمعت قواها الخائرة ، وبصوت متقطع قالت :
ألا فاسمعن أيتها الجاهلات المقتنعات ، الخائفات من العواصف والإعصار ، لقد كنت بالأمس مثلكن ، أجلس بين أوراقى الخضراء مكتفية بما قسم لى ، وقد كان الأكتفاء حاجزا منيعاً يفصلنى عن زوابع الحياة وأهوائها ، ويجعل
كيانى محدودا ً بما فيه السلامة ..متناهيا بما يساوره من الراحة والطمأنينة
. ولقد كان بإمكانى أن اعيش نظيركن ملتصقة بالتراب حتى يغمرنى الشتاء بثلوجه ، وأذهب كمن ذهب قبلى إلى سكينة الموت والعدم قبل أن أعرف اسرار الوجود ومخبآته غير ما عرفته طائفة البنفسج منذ وجد البنفسج على سطح الأرض...لقد كان بإمكانى الإنصراف الى المطامع ، والزهد فى الأمور التىتعلو بطبيعتها عن طبيعتى .
ولكنى أصغيت فى سكينى الليل فسمعت العالم الأعلى يقول لهذا العالم " إنما القصد من الوجود الطموح إلى ما وراء الوجود " فتمردت نفسى على نفسى ، وهام وجدانى بمقام يعلو عن وجدانى ، ومازلت أتمرد على ذاتى ، وأتشوق إلى ما ليس لى ، حتى انقلب تمردى إلى قوة فعالة ، واستحال شوقى إلى إرادة مبدعة فطلبت إلى الطبيعة ، وماالطبيعة سوى مظاهر خارجية لأحلامنا الخفية ، أن تحولنى إلى وردة ففعلت ، وطالما غيرت الطبيعة صورها ورسومها بأصابع الميل والتشويق .
وسكتت الوردة هنيهة : ثم زادت بلهجة مفعمة بالفخر والتفوق : لقد عشت ساعة كوردة ..ولقد عشت ساعة كملكة ، لقد نظرت الى الكون من وراء عيون الورود ، وسمعت همس الأثير بآذان الورود ، وملست ثنايا النور بأوراق الورود ، فهل بينكن من تسطتيع أن تدعى شرفي ؟
ثم لوت عنقها ، وبصوت يكاد يكون لهاثا ، قالت : أنا أموت الآن . اموت وانا عالمة بما وراء المحيط الحدودى الذى ولدت فيه . وهذا هو القصد من الحياة . هذا هو الجوهر الكائن وراء عرضيات الأيام والليالى .
وأطبقت الوردة أوراقها وارتعشت قليلا ،،،ثم ماتت وعلى وجهها ابتسامة علوية ، ابتسامة من حققت الحياة أمانيه ، ابتسامة النصر والتغلب ، ابتسامة من الله !


-كن كما تُريد لا كما الاخرون يريدونك
-اسعي لان تكون افضل والافضل
-ثق بالله ثم نفسك انك تستطيع تحقيق اي شئ مهما كان


هل علمتكم التجربه شئ آخر؟
رد مع اقتباس