عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم August 26, 2010, 03:11 AM
 
الإمام أحمد بن حنبل و الخليفة المعتصم

الإمام ابن حنبل و الخليفة المعتصم
في أواخر القرن الثاني و بداية القرن الثالث و جد أهل البدع سنداً لهم فقد توسعوا لإدخال النظريات الفلسفية غلى العقيدة الإسلامية ، و كان هذا العصر هو عصر اكتمال بالنسبة للمعتزلة و فيه ظهر عدد كبير من فلافستهم أمثال : أبي هذيل العلاف - شيخ المأمون و أستاذه - ، و غبراهيم بن سيار ، و معمر بن عباد السلمي ، و بشر بن المعتمر وغيرهم.
وكان الخلفاء أنفسهم يعتقدون البدع ويعلنونها فكان المأمون موافقاً للمعتزلة في معظم عقائدهم ، وكان إلى ذلك مرجئاً ، وجاء من بعده: المعتصم ، فالواثق ، فكانا على نهجه. وقد عمل المأمون بعد ولايته على نصر مذهب المعتزلة ، فقرب رؤوسه كأحمد بن أبي دؤاد ، وعقد مجال المناظرة بين المعتزلة وخصومهم من أهل السنة ، فلما لم تجد شيئاً بدأ بالتضييق على الناس وإلزامهم بالقول بخلق القرآن ونفي الرؤية ، حتى أصبح القول بذلك شرطاً عنده لتولي المناصب بما فيها القضاء. استطاع وزراؤه المعتزلة أن يقنعوه بحمل الناس على المذهب بالقوة ، فكتب إلى واليه على بغداد بجمع العلماء وامتحانهم في مسألة خلق القرآن وحمل من يرفض هذه العقيدة مقيداً مصفداً إلى المأمون. فأجاب العلماء أجوبة تتراوح بين التقية وحسن التخلص إلا أربعة أصّروا على عقيدة أهل السنة والمجاهرة بها ، وهم: القواريري ، وسجادة ، ومحمد بن نوح ، والإمام أحمد. أجاب الأوّلان تحت ضغط التعذيب والإرهاب ، وحمل الآخران إلى المأمون مكبَّلين بالقيود ، فتوفي محمد بن نوح في الطريق ، وبقي الإمام أحمد وحده في الطريق.
ثم مات المأمون ، فرد أحمد إلى بغداد ، وأخذت الفتنة مدى أوسع في عهد المعتصم ، حيث سجن الإمام أحمد مقيداً ثلاثين شهراً ، وكان يصلي وينام والقيد في رجله ،
وفي ك*ل ي*وم ك*ان ي*نف*ذ إل*ي*ه المعتصم من يناظره ويهدده إن لم يجب بأشد مما هو عليه، ثم يزاد في قيوده، وقد جهد المعتصم في التأثير على موقف الإمام بالملاينة والعطف وإظهار ال*ف*ض*ل، وال*ت*رغ*ي*ب وال*وع*د. فكانت كلمة الإمام واحدة لا تتغير حتى إذا استفرغوا وس*ع*ه*م أض*م*روا ال*ش*دة وال*ق*س*وة، وشعر الإمام بذلك فكان يشد عليه سراويله وينتظر الضرب، فيأتي المعتصم يناظره ويناظرونه حتى يثور غضبه فيشتم الإمام ويأمر بسحبه وتخليعه ، وظلوا على هذه الحال يأتي الجلادون بالسياط الغليظة فيردها المعتصم ليطلب أغلظ منها ويأخذ الجلادون دورهم فيضربه كل واحد منهم سوطين ، والمعتصم يحرضهم وه*و واق*ف على رؤوس*ه*م ح*تى أغ*م*ي على الإمام أحمد، فلما أفاق جاؤوا إليه بسويق، فقال: لا أفطر! وصلى - رحمه الله - والدماء تسيل في ثوبه.
قال الإمام أحمد: ذهب عقلي مراراً، فكان إذا رفع عني الضرب رجعت إليَّ نفسي ، وإن استرخيت وسقطت رفع عني الضرب.
وقال أحد الجلادين: لقد ضربت أحمد ثمانين سوطاً لو ضربتها فيلاً لهدته.
وكان الإمام أحمد ينتظر الشهادة في سبيل الله ، فحين نخسه أحد الحراس بسيفه فرح وقال: جاء الفرج، يضرب عنقي وأستريح، فقال ابن سماعة (1) : يا أمير المؤمنين: اضرب عنقه ودمه في رقبتي، فقال ابن أبي دؤاد: لا يا أمير المؤمنين، إن قتل أو مات في دارك قال الناس: صبر حتى قتل ، فاتخذوه إماماً ، وثبتوا على ما هم عليه ولكن أطلقه الساعة فإن مات خارجاً عن منزلك شكّ الناس في أمره.
ف*أخ*رج الإم*ام أح*م*د وفي ك*ل م*وض*ع منه جراحة حتى إن أحداً لمّا هم بمساعدته على ال*ن*زول من ال*دّاب**ة وقعت يده على بعض تلك الجراحة وهو لا يشعر فصاح الإمام أحمد ف*ن*ح*ى ي*ده ع*ن*ه. وجاءه بالط*ب*يب فكان يدخل الميل في بعض الجراحات ، وكان يأتي بالحديدة فيعلق بها بعض لحمه ليقطعه بالسكين وأحمد صابر بحمد الله.
ولما م*ات الم*ع*ت*ص*م وولي الواثق فرض الإقامة الجبرية على الإمام أحمد، فلا يخرج حتى لل*ص*لاة، ولا يج*تمع إليه أحد، حتى هلك الواثق، ثم جاء بعده المتوكل، فرفع المحنة، ونصر السنة ، وقرّب أهلها.

ولقد مر زمان والإمام أحمد أعزل من كل شيء ، وحيد فريد ، لا يجلس إليه أحد ، ولا يعضده في موقفه أحد ، وكان لأعدائه الجاه والسلطان والدولة ، فكان يقول: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم الجنائز. فلم تمض أويقات قليلة حتى علا شأنه ، رحمه الله ، وذاع صيته ، وعظم قدره، حتى تضايق هو من ذلك ، وتمنى الموت لكراهيته للشهرة وحبِّه للخمول. أما في الموت فإن أقل ما حرزت به جنازته سبعمائة ألف إنسان.
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: (وقد صدق الله قول أحمد في هذا ؛ فإنه كان إمام السنة في زمانه ، وعيون مخالفيه ، أحمد بن أبي دؤاد وهو قاض من قضاة الدنيا لم يحتفل أحدٌ بموته ، ولم يلتفت إليه ، ولما مات ما شيعه إلا قليل من أعوان السلطان ، وكذلك الحارث بن أسد المحاسبي مع زهده وورعه وتنفيره ومحاسبته نفسه في خطواته وحركاته لم يصل عليه إلا ثلاثة أو أربعة من الناس ، وكذلك بشر بن غياث المريسي لم يصل عليه إلا طائفة يسيرة جداً ، فلله الأمر من قبل ومن بعد).

1- ابن سماعة : ابن سماعة هذا كان صلى مرة بالإمام أحمد في السجن والدم يسيل من جسده فقال له: صليت والدم يسيل من ثوبك فقال أحمد: قد صلى عمر وجرحه يثعب دماً.

رد مع اقتباس