الموضوع: ليسوا فراشاً
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم July 23, 2010, 01:50 AM
 
ليسوا فراشاً

ليسوا فراشاً
ليسوا فراشاً
ليسوا فراشاً




الطريقة التي يتعامل بها ‬غالبية الآباء والأمهات مع أبنائهم منذ وقت ميلادهم صارت تحتاج إلي وقفة لأنها طريقة خاطئة.. ‬فنحن نبالغ ‬في حماية أبنائنا من كل شيء، ‬ونبعدهم عن كل ما قد يكون فيه شبهة خطر أو تعب أو ألم.. ‬ونساعدهم في كل شيء مهما كان بسيطا.. ‬ونخاف عليهم حتي من أداء ما يفرض عليهم من واجبات مدرسية وغيرها فنقوم عنهم بها.. ‬ثم نشكو بعدما يكبرون من أنهم لا يستطيعون تحمل المسئولية، ‬وأنهم ضعاف خائفون لا يواجهون الحياة.‬


وهذا بالضبط ما حدث مع الفراشة المسكينة التي وجدها الرجل الطيب وهي مازالت في شرنقتها.. ‬فماذا حدث لها؟
وجد الرجل الطيب الشرنقة ونظر وإذ بها ثقب صغير جدا جدا وبداخل الشرنقة كانت الفراشة قد اكتمل نموها وهي في مرحلة محاولات الخروج من شرنقتها إلي العالم الخارجي.. ‬وكانت تضرب بأجنحتها يمينا ويسارا لتوسع الثقب الصغير ثم تخرج منه لتطير.. ‬ولكن الرجل الطيب أشفق علي الفراشة المجاهدة وفكر أن يساعدها فأحضر مقصا صغيرا مدببا وأمسك بالشرنقة بلطف وحنو وأدخل المقص في الثقب الصغير وبهدوء وحرص شديد قص الشرنقة ليساعد الفراشة علي الخروج منها.‬

انفتحت الشرنقة وخرجت منها الفراشة وقبعت علي المنضدة أمام الرجل الطيب الذي فرح لخروجها سليمة.. ‬ولكن الفراشة ظلت قابعة علي المنضدة لفترة طويلة.. ‬ذلك لأنها لم تستطع الطيران! ‬نعم، ‬لم تكن أجنحتها المكتملة شكلا قوية ولا متمرسة علي الطيران لأنها لم تتمرن داخل الشرنقة ولم تضرب بقوة جدار الشرنقة مرات ومرات ولم تفتح الجدار بل ساعدها الرجل الطيب أنه يرفع عنها هذا العناء وهو في الحقيقة قد تسبب لها في أذي لا يمكن تداركه ولا يمكن إصلاحه.. ‬وظلت الفراشة قابعة دون طيران ولا بحث عن الطعام ومواجهة الحياة حتي ماتت.‬



والحقيقة أن ما يدعونها (‬طيبة) ‬الآباء في أغلب الأحيان لا تفيد الأبناء.. ‬ونقع فيها كلنا أحيانا وبعضنا يتبعها كأسلوب تربية دائم مع الأبناء.. ‬وينتج هذا الأسلوب عن اعتقادين خاطئين في مخيلة الآباء، ‬أولهما: ‬التقليل من قدرات الطفل وثانيهما: ‬أن مساعدته وحمايته واجب علي الآباء والأمهات.. ‬والاعتقاد الأول ناتج عن جهلنا بقدرات الطفل في المراحل المختلفة من حياته وتبعا لعمره.. ‬لأننا نأخذ موضوع التربية كأمر لا يحتاج إلي دراسة ولا إلي قراءة ونعتمد علي الفطرة وانتقاء بعض خبرات الأجداد بما يتوافق مع شخصية الآباء فقط.. ‬وبالتالي لا ندرك القدرات الحقيقية لأبنائنا.‬

وينتج عن هذا الجهل اعتقاد ثان بأن واجب الآباء هو عدم تحميل الأبناء أي أعباء.. ‬فنخاف عليهم منذ الميلاد من أن يبكوا ولا نترك لهم فرصة للحبو بل نحبسهم في (‬مشاية) ‬ظانين أننا نحميهم ونحن - ‬في الحقيقة - ‬نمنع عنهم تمارين طبيعية لأرجلهم تساعدهم في مرحلة تالية علي المشي.. ‬تماما كما منع الرجل الطيب عن الفراشة تمارين أجنحتها فلم تتمكن من الطيران.. ‬وتستمر تلك الطريقة العقيمة في كل مراحل حياة الأبناء فتكون النتيجة أبناء ضعافا في مواجهة الحياة، ‬متواكلين علي آبائهم تماما..



المصدر : جريدة روزاليوسف
العدد : 1394 - 26 يناير 2010
بقلم : د / ايرينى ثابت
رد مع اقتباس