عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم June 2, 2010, 11:35 PM
 
رد: تحميل رواية شارع ميجل ، للكاتب الحائز جائزة نوبل ف.س.نايبول ، حصريا على مجلة الإبتسامة


شارع ميجل
فوزية شويش السالم

سبق أن نوّهت في مقالة سابقة بقوة التذكر التي يمتلكها بعض الكتّاب، والتي تمكنهم من الإمساك بكل تفاصيل الذكريات الغائرة في أعماق طفولتهم وصباهم المبكر، ومن هؤلاء الكتّاب الروائي الحائز جائزة نوبل 'ف. س. نايبول'، ففي روايته 'شارع ميجل' يتذكر حياته وحياة كل من عاش في ذاك الشارع بمدينة 'ترينداد'، وهو يتذكر بحدة كأنها ماثلة أمامه الآن، لا كحياة ولّت وانقضت في تلافيف ماضيها، وهو يعيشها بانفعال وصدق، وحماسة لدرجة تجعل القارئ يراها ويحسها وينفعل معها، بأفراحها وأحزانها، وخيباتها الكثيرة.
الرواية هي أقرب إلى السيرة، سيرة شارع وكل من يقطنون فيه بمن فيهم المؤلف ذاته، الذي يشاركهم حياتهم لحظة بلحظة، ففي مثل هذا الشارع الفقير وبقاطنيه من فقراء قاع مجتمع مدينة 'ترينداد'، حيث حياة جميع من فيه مكشوفة، فكل الأسرار مرمية على قارعة الطريق، حياة مفضوحة مشاعة للمشاركة، والسماع والفرجة، إنها حياة موجوعة بالألم ومترعة بالأمل، لدرجة أن سائق عربة نقل الزبالة يمثل أعلى مراتب الحلم بالأبهة، والرفاهية.
شخصيات كثيرة رصدها قلم بارع ومتمكن من الإمساك بكل هذه الشخصيات، وبتشخيص أدق تفاصيلها الحياتية الخارجية، وكل انفعالاتها الداخلية، والغريب في الأمر كلها شخصيات متفردة وغير عادية، وكونها قد اجتمعت في شارع واحد هو أمر بحد ذاته عجيب... فهناك 'لوجارت' الرجل الغامض الذي يظهر ويختفي، ويقضي وقته في لعب الورق، وهناك 'بوبو' النجار الكسول الحالم الذي يكرس وقته لصنع ذلك الشيء الذي يعز على التسمية.
وأيضا 'مان . مان' المخبول الذي ظن أنه المسيح، وطلب منهم أن يصلبوه ويرجموه، وحين أدرك الألم طلب منهم حل وثاقه، بعد أن أمطرهم بوابل من الشتائم.
والشاعر 'ب. وردزورث' الذي يحلم بأنه سيكتب أعظم قصيدة في حياته، وإن كانت ليست أكثر من أضغاث أحلام.
وأيضا هناك 'بيج فوت' العملاق مرعب الشارع، الذي بكى لمجرد هزيمته في الملاكمة.
وهناك 'لورا' التي أنجبت سبعة أبناء من سبعة رجال، وكله عادي في هذا الشارع.
وأيضا 'جورج' الميكانيكي الذي بلغت عبقريته أوجها في تخريب السيارات بدلا من إصلاحها، وخبير الألعاب النارية الذي أنهاها بالانفجارات والحرائق، شخصيات كثيرة تعج بها الرواية لا مجال لحصرها في مقال، لكنها كلها شخصيات غريبة عجيبة.
والملفت للنظر في الرواية هو كمية السباب والشتائم المبتكرة، مع خفة دم تدفع القارئ إلى القهقهة.
كما يحزن القلب هذا العنف الهائل، المتمثل بضرب النساء والأطفال بلا رحمة، فالفقر لا يعرف الرحمة، ولا مجال هناك للتنفيس عنها، إلا بهذا العنف الذي يقتات على أحلام الفقراء.
رواية عميقة منحوتة من دم ولحم شخصيات حقيقية لا تغادر مخيلة القارئ حتى إن انتهت مع الغلاف الأخير، لكن ظلالها تبقى راسبة كشجن استقر في قاع الروح.

المصدر
__________________
الحمد لله في السراء والضراء .. الحمد لله في المنع والعطاء .. الحمد لله في اليسر والبلاء


Save
رد مع اقتباس