عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم May 10, 2010, 01:48 PM
 
رد: كتاب المرايا المقعرة ، د. عبد العزيز حمودة ، حصريا على مجلة الإبتسامة من معرفتي

معركة " المنبر الحر " من أشهر معارك سيد قطبالنقدية
الكاتب / محمد سيد بركة

شهدت ساحة الأدب العربي في مطلع القرن العشرين الميلادي نهضة أدبية كبيرة، وكانت المعارك الأدبية جزءاً أصيلا من هذه النهضة.

وكان فرسان هذه المعارك الأدبية الحديثة في العالم العربي طه حسين والعقاد والرافعي وعبد الرحمن شكري وخليل مطران وأحمد زكي أبو شادي ، وحشود من تلاميذ هؤلاء العمالقة ومؤيديهم ، كل يناضل ويكافح ويدافع عم أرائه ، مما أثرى الحياة الأدبية في ذلك الوقت.

يقول طه حسين :' والحق أن هذه الخصومة قد فتحت للمعاصرين من الأدباء المصريين أبوابا جديدة في الفن وآفاقا جديدة في النقد وعلمتهم أن الشعر لا ينبغي أن يكون تقليدا للقدماء ومحاكاة لهم في رصانة اللفظ ، وجزالة الأسلوب وروعة النظم، مهما تكن مكانة هؤلاء الأدباء ومهما يعظم حظهم من التفوق والنبوغ. فالأدب جذوة يذكيها الوقود وتوشك أن تخمد إذا لم تجد هذا الوقود، فلتذك جذوة الأدب إذا وليسطع لهيبها ، ولا بأس بأن نكون نحن الأدباء وقودا لهذه النار'[1].

مولد ناقد

عرفت الحركة الأدبية في مصر والعالم العربي في نهاية العشرينات من القرن الميلادي السابق سيد قطب الشاعر والناقد منذ أن كان طالبا يوالي نشر إنتاجه على صفحات المجلات التي كانت منتشرة في ذلك الحين، مثل مجلة البلاغ الأسبوعي والأسبوع والرسالة والمقتطف والثقافة والأهرام والفكر الجديد.

وقد صدر له أول كتاب نقدي بعنوان 'مهمة الشاعر في الحياة وشعر الجيل الحاضر عام 1933، وكان في أصله محاضرة أقلها سيد قطب في مدرج كلية دار العلوم قبل أن يتخرج فيها بعد عام واحد ، وقدم للكتاب الدكتور مهدي علام أستاذ سيد قطب في دار العلوم بقوله :

' لقد كان من بواعث اغتباطي ، أن أشرفت على إلقاء هذه المحاضرة بمدرج دار العلوم مهد العلم والأدب ، الذي قال فيه المرحوم الإمام الأستاذ محمد عبده :

إن باحثا مدققا، لو أراد أن يعرف أين تموت اللغة العربية وأين تحيا، لوجدها تموت في كل مكان وتحيا في دار العلوم.ولئن كنت قدمت المحاضر سيد قطب بأنه طالب ، يسرني أن يكون أحد تلاميذي، فإنني أقول اليوم ، وقد سمعت محاضرته إنه لو لم يكن لي تلميذا سواه لكفاني ذلك سروا وقناعة واطمئنانا إلى أنني سأحمل أمانة العلم والأدب من لا أشك في حسن قيامه عليها.

وسيد قطب باحث ناشئ، تعجبني منه عصبيته البصيرة، وإشادته الشعراء الناشئين من أمثاله. هو جد موفق في اختيار لهم وليس أقل توفقا في اختياره من شعر نفسه، وإن ستر تواضعه وراء ستار شاعر ناشئ.وقصار القراء ، أن أقول لهم :

' إنني أعد سيد قطب مفخرة من مفاخر دار العلوم، وإذا قلت دار العلوم فقد عنيت دار الحكمة والأدب'[2].

وفور تخرجه في دار العلوم توالت مقالاته النقدية مما أثار الكثير من الردود عليه، فالمعارك الأدبية أمر طبيعي في حياة الناقد الأدبي ، بل هي شيء عجيب محبب إلى سيد قطب، حيث يقول :' وربما كنت أول مغتبط – من المغتبطين – بهذه المعارك جميعا، مهما كان فيها من خصومات ، ومهما كان فيها من ضجيج ذلك أن خصومة الحياة خير عندي من سلام الموت، وأن ضجة العاصفة أفضل من صمت الركود'.[3]

ويرى أيضا أن المعارك الأدبية تنشط حركة الأدب والنقد في الأوساط الأدبية ، وإزالة حالة الركود التي أصابت تلك الحركة ، يقول :

'أقول ربما كنت أول مغتبط - من المغتبطين – بهذه المعارك الجديدة جميعا ذلك أنها خروج من هذا الركود البغيض، وذلك أنها دليل حياة مقبلة وعنوان خلاص من حالة ماضية، لا في الجود الأدبي فقط بل ربما كان ذلك في أجواء أخرى'.[4]

معركة المنبر الحر:

من هذا المنطلق خاض سيد قطب معارك أدبية ونقدية عديدة اشترك فيها أدباء كبار وأتباع لهم، وأثار الكثير من القضايا الأدبية التي أثرت الحياة الأدبية.

وكانت معركة المنبر الحر عام 1934 من أشهر معارك سيد قطب الأدبية والمنبر الحر هو عنوان الباب الذي خصصته مجلة الأسبوع للنقد سنة 1934، وكانت بداية معاركه النقدية حيث بدأ سيد قطب هذا الباب بست مقالات تحت عنوان ' معركة النقد الأدبي ودوافعها الأصيلة'

وكانت غالية سيد قطب في هذه المعركة أن يبين الأسباب الخفية والدوافع الأصيلة التي حركت المعارك النقدية آنذاك.

' ولعل من الخير ألا نغالط أنفسنا في الحق لأنه مر، ولا نشيح بوجوهنا عن الواقع لأنه مؤلم. ولعل من الخير إذا أن نقول : إن كثيرا من بواعث المعركة لم يكن كريما ، وإن كثيرا كم أسلحتها لم يكن شريفا .. وإنه لخير لنا أن نقول هذه الكلمة الآن قبل أن يقولها التاريخ، وقبل أن تأتي أجيال من بعدنا تنظر إلينا نظرة التقزز والاشمئزاز . وترى في بعضنا خبثا وفي البعض الآخر غفلة . لا تفطن لدخائل النفوس'.[ 5]

ولقد أحدثت مقالاته تلك الكثير من ردود الفعل وتحدث فيها عن المعارك التالية:

معركة المازني مع على محمود طه [المهندس]، ومعركة طه حسين مع كل من إبراهيم ناجي وإبراهيم المصري، ومعركة العقاد مع إبراهيم ناجي ، ومعركة إبراهيم المصري، وإبراهيم ناجي ، ومعركة الزيات مع طه حسين، ومعركة محمود أبو الوفا مع جماعة أبولو.

وسنلقي الضوء على أراء سيد قطب في هذه المعارك النقدية وردود الفعل عليها ليتعرف شبابنا على بواكير نهضتهم الأدبية .

المعركة الأولى بين المازني وعلى محمود طه :

يرى سيد قطب أن دوافع هذه المعركة الأدبية هو التنافس الشديد بين العقاد وطه حسين ' فالحقيقة الأولى التي كان يجب أن يعرفها المهندس أن المازني لم يقصده هو أولا بالذات حيث قال عنه : إنه ميئوس منه، وأن في أسلوبه غموضا ، وحين كتب كل هذا النقد الصارم الدقيق، وإنما المقصود هو العقاد وطه حسين فليعم الناس أنها منافسة في الآراء أشبه ما تكون بمنافسات السياسة'.[6]

فلما ضاف على محمود طه بنقد المازني ذكره بسوء في مجاله الخاصة، مما جعل المازني يقسو عليه في المقالة الثانية من نقده لديوانه ' الملاح التائه'.

ثم كان أن غضب المهندس ، وقال في مجالسه الخاصة كلاما فأحفظ ذلك المازني عليه، وكانت الدقة والقسوة ، كما كان كثيرا من المغالطات وإن جاءت حقائق في هذا النقد الدقيق'.[ 7]

ثم يبين يد قطب موقفين من مواقف المنافسة بين العقاد والمازني وهما :

الموقف الأول: ما كتبه أحد الأدباء في صحيفة الأهرام عن كتاب أنطوان الجميل عن أمير الشعراء أحمد شوفي ، فلمح عن ديوان العقاد وحي الأربعين، وذكر أنه قرأه فلم يجد فيه موسيقى الشعر ولا نداه، فرد المازني عليه متجاهلا ما كتبه العقاد فقال:

' إن صديقي خلدون، قال كيت وكيت عن ديوان جديد، ولكن لم اقرأه وسأقول فيه رأيي بعد قراءته ، ولكن مضى الزمن وتتابعت الأيام ولم يقل المازني شيئا، وترك الغمزة تمر وهو يكاد يقرها على صفحات أكبر صحيفة في الشرق العربي'.[8]

أما الموقف الثاني فكان بمناسبة صدور كتاب يحاول أن يثبت فيه صاحبه أن العقاد والمازني سرقا من شعره، فكتب المازني في اليوم التالي لظهور الكتاب مقالات ضخما في البلاغ، قال فيه:

' إن ضميره استيقظ وأنبه على ما صنع بشكري، ومضى يثبت كل ما جاء بالكتاب، ثم في النهاية يقول : إن مؤله سخيف وأن به شتائم قذرة' [ 9]

وهذا الاعتراف من المازني من باب علىّ وعلى أعدائي كما يقول سيد قطب ، وجاء مقاله مملوء بالغمز واللمز على العقاد، والعقاد لم يكن غافلا عن ذلك، بينما أمسك سيد قطب عن بيان أسباب المنافسة بين المازني وطه حسين: أما ما بين المازني وطه حسين فلا أريد الحديث ولكنه تاريخ طويل في السياسة وفي غير السياسة وهي أشياء لا تتصل بالأدب ، فليس لي بها دخل في مثل هذا المقال. [10]

ومن ثم يخلص سيد قطب إلى أن المعركة ليس المقصود بها محمود طه [ المهندس] وإنما المقصود بها العقاد وطه حسين.

المعركة الثانية بين طه وناجي ، وبين طه وإبراهيم المصري:

هذه المعركة في طرفها الأول أي بين طه حسين وإبراهيم ناجي جاءت ' رضية هادئة أشبه بعتاب الحبيبين منها بخصام المتلاحمين'، ثم يرى سيد قطب أن الدكتور طه حسين في نقده لناجي اتجه إلى الجزئيات أكثر مما اتجه إلى الكليات، وأنه أشتد في بعض المواضع، شدة لا تتناسب مع الصورة الرقيقة التي رسمها لناجي في أول مقالة.

بينما تعجب سيد قطب من تلقي ناجي لنقد طه حسين، حيث ' تلقى هذه الشدة باضطراب وجزع يتفقان مع طبيعته، ولكنهما لا يليقان بأديب وأن كلمته التي كتبها ردا على طه فيها دموع وفيق شهيق وزفير لا يليقان بالرجال'.[11]

أما المعركة في طرفها الثاني فكان إبراهيم المصري ، ويرى سيد قطب لأن سبب هذه المعركة هو خبث طه حسين، وهذا ما جعله يكتب عن شهرزاد لتوفيق الحكيم ونحو النور لإبراهيم المصري في مقال واحد مع اختلاف بينهما:

' فأنا لا أشك لحظة في أن طه خبيث – على ما به من طيبة – ولهذا لا استطيع أن أبرئه في أن يحشر هذين الرجلين في مقابل، ويضع شهرزاد ويضع بجانبها نحو النور مع اختلاف الرجلين واختلاف الموضوعين'.[12]

وقد رد إبراهيم المصري بأنه سيجعل طه حسين يدفع ثمن كلامه هذا غاليا، ولكنه كان كلاما فلم يحدث أن فعل إبراهيم المصري شيئا ..

وفي النهاية يؤكد سيد قطب أن ' العقاد وطه حسين لا يحاربان بمثل هذه الأسلحة من القش، ولا يضيرهما مثل هذه الكلمات التي لا تقدم ولا تؤخر في الموضوع.

وإذا كان لابد من حرب لتختر أسلحة أمضى من هذه، وليكن البحث في إنتاجها الأدبي دقيقا، ثم ليكن إنتاج من جانب أدباء الشباب يكافئ إنتاج الشيوخ.[13]

المعركة الثالثة بين العقاد وناجي:

ذكر سيد قطب أن المعركة بين العقاد وناجي ليست معركة، حيث إن ' القوى فيها ليست متكافئة وليست متقاربة، والأسلحة من جانب العقاد مدافع ودبابات وطائرات وغواصات وسموم، في حين أنها من جانب ناجي قش وخشب وعصي'.[14]

ويقرر أن النقد الأدبي الخالص لوجه الله ، لم يكن دافع العقاد إلى جملته القوية ضد ناجي ' ذلك أن جماعة أبولو تزج بناجي ليواجه العقاد وتلقبه لهذا بالشاعر العبقري المبدع، وتتحدث عنه وتشير إليه في كل مناسبة وبغير مناسبة!!! وما كان يجوز للعقاد أن يلتفت لهذا ولكنه مع الأسف التفت إليه، وكان هذا رائده في موقفه مع ناجي أكثر مما كان رائده وجه النقد، وحمل ناجي وحده التبعة وهو لا ينهض بحملها فكان العقاد ظلوما'. [15]

ويرى سيد قطب أن معركة العقاد مع ناجي كلن دافعها شخصي إلى حد كبير رغم صدق ما كتبه العقاد عن ناجي.

' ومهما يكن الصدق فيما كتبه العقاد عن ناجي، فإن الدافع فيه كثير من الشخصية والعقاد نفسه يذكر أنه كان مستعدا للتسامح مع غير الدكتور ناجي وهذا وحده يكفي'.[16]

المعركة الرابعة بين إبراهيم المصري وناجي:

ذكر سيد قطب أن المصلحة هي التي حكمت العلاقة بينهما، فقد كان المصري ساخطا على شعراء الشباب ويمثلهم ناجي، ولكنه رضي عنهم بعد أن مدحه ناجي ورفعه إلى السماء في محاضرته التي ألفاها في رابطة الأدب الحديث عن كتاب المصري ' نحو النور' ثم عاد للسخط عليهم وعلى ناجي عندما هدده صالح جودت ثم اجتمع المصري مع ناجي عندما جمعهما معا الدكتور طه حسين ' إذ الواجب أن يتحد الشابان ليواجها طه حسين وهو من الشيوخ'[17]

المعركة الخامسة بين الزيات وطه حسين:

ذهب سيد قطب إلى أن السياسة هي السبب فيها ' فهي التي جمعت بينهما من قبل فتقارضا ثناء عطراً . وهي التي فرقت بينهما من بعد، فراح كل منهما ينقد صاحبه، ويأخذ على أسلوبه عيوبا تعتبر خصائص قديمة لأسلوبيهما وليست مستحدثة تحتاج إلى النقد'.[18]

المعركة السادسة بين أبي الوفاء وجماعة أبولو:

يقول سيد قطب عن هذه المعركة ' لئن كانت هذه المعركة صغيرة في جوها ودائرتها فإن العناصر الخلفية فيها ليست صغيرة.

ثم أخذ سيد قطب يبين تاريخ العلاقة بين أبي الوفاء وجماعة أبولو، فذكر أن العلاقة بينهما كانت طيبة ' بسبب ما قدمته جماعة أبولو لأبي الوفاء من خدمات كانت سببا في بعثة بعد خمود وفي جوده بعد عدم، منها ما أحدثوه من ضجة كبيرة حول ديوانه الأول ' أنفاس محترقة' في الحفل الذي أقاموه تكريما له، ومنها أن أبا شادي أرسل أبا الوفا إلى باريس ليعمل له رجل صناعية بدلا من عكازه، ولكن حدث بعد ذلك أن عادى كامل كيلاني أبا شادي، فوقعت جفوة بين رابطة الأدب الحديث وبين جماعة أبولو، وانقسم الناس بسببها إلى فريقين اتهم أبو الوفا بأنه ضمن فريق الكيلاني، لأنه اتهم الدكتور أبا شادي بتفضيل الذي يشيدون بذكره على الآخرين، وبأنه يطبع لهم دواوينهم في حين قد عطل طبع ديوان أبي الوفا الثاني ' الأعشاب' عندئذ اتهمه أبو شادي بنكران الجميل وعقوق الصنيع، ولما ظهر ديوان ' الأعشاب' حمل عليه وأعضاء جماعته ونقدوه نقدا عنيفا في مجلة أبولو'.[19]

وكانت هذه المعركة – معركة المنبر الحر- سببا حقيقيا في إثراء الحركة الأدبية في ذلك الوقت ، ونحن نتمنى أن تعود المعارك الأدبية إلى حياتنا ، ليتبين للناس الخبيث من الطيب من ذلك الركام الذي تقذفنا به المطابع صباح مساء.


الهوامش
__________________________________

1] د. طه حسين : المجموعة الكاملة – المجلد الأول – ص 624.
2] سيد قطب: مهمة الشاعر في الحياة ص 11: 13.
3] مجلة الأسبوع – العدد [31] – 27/6/1934م ص 16:18.
4] المصدر السابق.
5] المصدر السابق.
6] المصدر السابق.
7] المصدر السابق.
8] المصدر السابق.
9] المصدر السابق.
10] المصدر السابق.
11] المصدر السابق.
12] المصدر السابق.
13] المصدر السابق.
14] المصدر السابق.
15] المصدر السابق.
16] المصدر السابق.
17] مجلة الأسبوع – العدد [ 32] – 4/7/1934م، ص 21.
18] مجلة الأسبوع – العدد [ 34] – 18/7/1934م، ص 21: 23.
19] المصدر السابق.

المصدر : رابطة أدباء الشام - النقد الأدبى
https://www.odabasham.net/show.php?sid=7915

__________________
اشكر مجلة الابتسامة على الاهتمام بالقراء والمشاكين في المجلة
رد مع اقتباس