عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم January 25, 2010, 11:14 PM
 
Angry الحرب الأمريكية تعبث بالحدود

الحرب الأمريكية تعبث بالحدود
الحرب الأمريكية تعبث بالحدود
بقلم ألان جريش
ترجمة وتلخيص : أ. رشيد أبو ثور
المصدر : Des frontières chamboulées par la guerre américaine
صحيفة لوموند ديبلوماتيك لشهر نوفمبر 2007




"قبل عقد من الزمن كانت أوروبا تمثل مركز السياسة الخارجية الأمريكية .
من شهر ابريل1917، عندما أرسل وودرو ولسون مليون جندي إلى الجبهة الغربية، إلى تدخل الرئيس كلينتون في كوسوفو سنة 1999. خلال القرن العشرين بكامله تقريبا كانت أوروبا على رأس أولوياتنا الحيوية (...) ولقد تغير كل شيء اليوم (...) فالشرق الأوسط يحتل بالنسبة للرئيس [جورج] بوش ولوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ، وسيحتل بالنسبة لمن سيأتي بعدهما الموقع الذي كان لأوروبا لدى مختلف الإدارات المتعاقبة خلال القرن العشرين."
هذا ما صرح به في 11 أبريل 2007 السيد نيكولا بورنز Nicholas Burns مساعد كاتب الدولة في الشؤون السياسية (1)؛ وهذا ما أكده بقوة الرئيس بوش قائلا : "إن ما يجري على امتداد الشرق الأوسط الكبير يتعدى النزاع العسكري ؛ إنها الحرب الإيديولوجية الحاسمة في عصرنا الحالي، حيث يوجد في جهة من يؤمن بالحرية و الاعتدال ويوجد في الجهة الأخرى المتطرفون الذين يقتلون الأبرياء والعازمون على تدمير أسلوب حياتنا (2).
منذ الحادي عشر من سبتمبر تحول الشرق الأوسط الكبير وهي منطقة غير واضحة المعالم، تمتد من باكستان إلى المغرب مرورا بالقرن الإفريقي إلى المسرح الأساسي لبسط القوة الأمريكية، والميدان الحاسم والوحيد لما يسميه البيت الأبيض بالنزاع العالمي. فبسبب مواردها النفطية وموقعها الاستراتيجي ووجود إسرائيل، كانت هذه المنطقة على الدوام تحظى بالأولوية لدى الولايات المتحدة، وخاصة بعد سنة 1956 والانسحاب التدريجي لفرنسا وبريطانيا. وهكذا حلت هذه المنطقة محل أمريكا اللاتينية الحديقة الخلفية المباشرة للولايات المتحدة (3)، كما يشرح ذلك فيليب دروز فينسان Vincent Philippe Droz في تحليل ثاقب "للحظة الأمريكية " في الشرق الأدنى؛ غير أن الأمر الإضافي بالنسبة للشرق الأوسط ، والذي لم يكن لهذه المنطقة من القارة الأمريكية، أن الشرق الأوسط ستكون ساحة حيوية لحرب عالمية ثالثة.
وهكذا تم قلب المشهد رأسا على عقب. ولعل هذا من دون شك هو هدف المحافظين الجدد وصانعي الاستراتيجية الأمريكية في وزارة الدفاع؛ غير أنه ليس من المسلم أن تتحقق أحلامهم بإعادة تشكيل المنطقة بالشكل الذي يمكنهم من بسط هيمنتهم عليها بصفة دائمة كما فعل القادة الفرنسيون والبريطانيون بعد الحرب العالمية الأولى...
تورط مباشر للقوات المسلحة الغربية في أفغانستان والعراق ولبنان
لقد تحول هذا الشرق الأوسط الكبير إلى "ساحة حرب بلا حدود " تتميز بعدد نزاعاتها الدموية والمتزامنة وبالتدخل المباشر للجيوش الغربية. ففي الوقت الذي تعيش فيه أفغانستان فوضى عارمة، تزداد فيه القوات الأمريكية وقوات الحلف الأطلسي تورطا ؛ وتعرف العراق في نفس الوقت مقاومة للمحتل الأجنبي واقتتالا طائفيا وعرقيا، خلف مئات الآلاف من الضحايا – مما تجاوز حسب بعض المراقبين ضحايا مذابح رواندا ونكأ جراحا سيكون من العسير مداواتها. أما لبنان فقد دخلت في حرب أهلية صامتة تتواجه فيها حكومة فؤاد السنيورة والمعارضة الملتفة حول حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه ميشيل عون؛ وقد تندلع المواجهة مع إسرائيل في أية لحظة رغم وجود وحدات عسكرية هامة تابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل). وفي فلسطين أدى الاحتلال والقمع إلى تسريع تفتيت البلاد وتحلل المجتمع وتمزيق الحركة الوطنية بشكل يخشى أن يكون نهائيا.
ومنذ التدخل الإثيوبي سنة 2006 بدعم أمريكي، أحرزت الصومال على المسمى المشبوه ل "الجبهة الجديدة للحرب على الإرهاب ". ويمكننا الحديث عن دارفور وما تشده باكستان من توترات وعمليات دموية، وما يتهدد دول المغرب العربي من عمليات إرهابية، أو عن احتمال اندلاع مواجهة بين سوريا وإسرائيل.
ورغم أن لكل من هذه النزاعات تاريخها الخاص وأسبابها المحلية، فلقد أضحت تفسر من خلال النظرة الأمريكية لها مم حيث كانت الولايات المتحدة (وكذلك الاتحاد السوفييتي)، إبان الحرب الباردة، تفسر كل أزمة من منطلق المواجهة بين الشرق والغرب. وهكذا لم تكن نيكارغوا بين 1970 و1980 مسرحا لصراع الجبهة السندينية ضد دكتاتورية دموية بهدف إقامة مجتمع عادل، بل كانت تمثل بلدا يهدد بالالتحاق بإمبراطورية الشر، الاتحاد السوفييتي (4) وهو التفسير الذي كلف الشعب النيكارغوي عشر سنوات من الحروب والدمار.
ولا وجود بالنسبة لواشنطن لمشكل فلسطيني ولا لأزمة دولة في الصومال ولا لاختلال طائفي في لبنان، بل ليس هناك إلا مواجهة عالمية بين الخير والشر. وهذا ما يدعم خطاب "القاعدة" القائل بحرب متجددة على الدوام ضد "الصليبيين واليهود".
وتحولت في النهاية النظرة التبسيطية التي تقسم العالم إلى خير وشر إلى نبوءة تعمل على تحقيق نفسها بنفسها، ويتم استغلالها من طرف الفاعلين المحلين لتقوية مواقعهم. والمثال الصومالي بليغ بهذا الخصوص؛ فلقد أقنعت الحكومة الفدرالية الانتقالية بالصومال، المشكلة من أمراء حرب فاسدين وعاجزين، البيت الأبيض بأن البلاد قد تحولت إلى ساحة لعمليات "الإرهاب العالمي"، مما دفع واشنطن إلى تشجيع أديس أبابا على التدخل العسكري لتصفية اتحاد المحاكم العسكرية الذي كان قد سيطر على العاصمة الصومالية قبل ستة أشهر. وهكذا تم تجاهل العوامل الداخلية المنتجة لما تعيشه الصومال لحساب تحليلات ذات صبغة كلية. ومما لا شك فيه أن هذا الاجتياح لبلد مسلم من طرف دولة مسيحية، يمنح المصداقية للمجموعات الإسلامية الأكثر تطرفا (6).
وتمثل لبنان، البلد الهش والقائم على توازن ديني جد دقيق، مثالا آخر. فبدعمهما المطلق لطرف ضد الآخر، والذي يمثل نصف الشعب اللبناني، تصعب حكومتي الولايات المتحدة التوصل إلى حل داخلي. وأضحى البلد عبارة عن ميدان للمواجهة بين الغرب وحلفائه من جهة، وإيران وسوريا من جهة ثانية، بحيث تبدو أية تسوية وإن كانت ضرورية، وكأنها "انتصار لمعسكر الشر".
وإذا كانت الحروب متعددة، فلقد أضحت تربط بينها الكثير من الخيوط، حيث تعبر الأسلحة والرجال والتقنيات الحدود التي أضحت سهلة الاجتياز، وخاصة عبر مسار مئات الآلاف من اللاجئين الذين تضطرهم ضراوة الاقتتال إلى المنفى. وهكذا أضحت تعتمد في أفغانستان منذ سنتين أشكال قتالية ظهرت في العراق، وعلى رأسها العمليات الانتحارية (التي لم تكن معروفة إبان الاحتلال السوفييتي) وتعتمد اليوم نفس العمليات في الجزائر أو القنابل المصنعة محليا ضد ناقلات الجنود.
وفي مخيم نهر البارد بلبنان تمكن بضع مئات من المقاتلين، ومن بينهم عدد من الأجانب الذين تدربوا في العراق، من الصمود في وجه الجيش اللبناني طيلة ثلاثة أشهر. وهكذا أضحت العراق تخرج آلاف المقاتلين من عرب وباكستانيين ومن آسيا الوسطى – ولا ننسى أنه بعد الحرب ضد الاتحاد السوفييتي، التحقت مجموعات أخرى من المقاتلين الذين دربتهم المخابرات الباكستانية والأمريكية، بالمجموعات الإرهابية بمصر والجزائر أو غيرها ، لتشكل كتائب "القاعدة". ولقد أدت هذه الحروب إلى ازدهار تجارة مربحة، حيث أن مئات الأسلحة التي سلمت لقوات الأمن العراقية، وجدت بين يدي مجرمين في تركيا (7)...
مناطق بكاملها تتولى تسيير ذاتها مثيرة بذلك تطلعات استقلالية
في هذا السياق تراجع دور الدولة في هذه المنطقة التي أنهكتها عقود من الدكتاتورية والفساد ، حتى أنه في بعض الحالات لم يعد للدولة وجود، كما هو الحال في أفغانستان. وفي العراق، لم يكن التفكك الحالي ناتجا عن الحرب فحسب، بل هو كذلك نتاج ثلاث عشرة سنة من الحصار (1990-2003) الذي أفرغ الدولة من ماهيتها. وكانت هذه هي المرحلة التي بدأ فيها التأثير السني السلفي يتقوى في البلاد، وخاصة عبر الطرق السرية الموصلة إلى الأردن، والتي تعبر منها الأطعمة والأدوية، وكذلك الأسلحة والأفكار المتشددة (8).
لا يمكن لأية دولة مجاورة للعراق سواء كانت السعودية أو إيران أو تركيا أو سوريا أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام حالة عدم الاستقرار على حدودها؛ فكل دولة تتدخل خدمة لمصلحها، إما مباشرة أو بشكل غير مباشر.
في لبنان فشلت كل محاولة لإعادة بناء سلطة مركزية. أما في فلسطين فالسلطة لا تستمر على قيد الحياة إلا بفضل مساعدة عسكرية واقتصادية أجنبية ودعم واضح من الحكومة الإسرائيلية. وتعيش مناطق كاملة، من غزة إلى كردستان العراق، شبه استقلال يثير لدى جهات أخرى، من أكراد تركيا إلى البالوشت في إيران وباكستان نزوعا إلى الاستقلال.
ولم يسبق أن كان للمجموعات المسلحة دور هام لدرجة زادت المفاوضات تعقيدا. فهذه المجموعات المسلحة هي التي تتحكم في اللعبة سواء في أفغانستان أو العراق أو الصومال ؛ أما في لبنان فهناك حزب الله، وفي غزة تسيطر حركة حماس على الميدان. ولقد أبانت هذه المجموعات عن فعالية رهيبة. فلقد تمكنت في العراق من إفشال أهم قوة غربية؛ وفي أفغانستان لم تتمكن قوات الحلف الأطلسي من إخضاعها ، وفي لبنان، لم يكتف حزب الله بالصمود في وجه التدخل العسكري الإسرائيلي طيلة 33 يوم، بل قلب قواعد اللعبة، حيث اضطر قسم هام من السكان الإسرائيليين إلى مغادرة بيوتهم للمرة الأولى منذ 1948- 1949.
جيل ثالث من المناضلين الإسلاميين يرى النور في فلسطين
رغم حصارها في قطاع غزة فإن حركة حماس المحاصرة قادرة على ضرب مدن إسرائيلية مثل سديروت (9). إن استعمال أسلحة بدائية لكنها فعالة وسهلة الاستبدال، ليرسم حدود القوة الأمريكية والإسرائيلية. ولقد أشار إلى هذا بكل واقعية الصحفي زييف شيف Zeev Schiff المتابع للقضايا العسكرية في صحيفة هآريتز، كاتبا : " حتى لو أعلنا عشرات المرات أن حركة حماس تحت الضغط وأنها تريد وقفا لإطلاق النار، فإن هذا لن يلغي انهزام إسرائيل الفعلي في معركة سديروت (...) فلقد عاشت إسرائيل في سديروت حالة لم تعرفها منذ حرب التحرير ، حيث تمكن العدو من إسكات مدينة بكاملها ووقف الحياة الطبيعية فيها بالكامل (10)."
يدفع المأزق السياسي في فلسطين وتفكيك الدول والتدخلات العسكرية المتتالية للولايات المتحدة إلى يأس انتحاري ويمد تنظيم القاعدة بما يحتاجه من حجج لمزايداته المتطرفة. عقب اختطاف مجموعة غير معروفة لحد الساعة، صحافيين تابعين لقناة فوكس نيوز، بغزة، نشرت الصحيفة السعودية اليومية "الوطن" في 31 أغسطس 2006 مقالا حول "الجيل الثالث" من المناضلين الإسلاميين الذي برز في فلسطين، والذي أضحى ينازع حركتي حماس والجهاد الإسلامي مكانتهما. و يصفه الكاتب كالتالي: "ليست له قاعدة شعبية عريضة ويرفض أية تسوية، ولا يشعر بأنه معني بأية قواعد للعبة السياسية، ولا يستهدف الإسرائيليين فحسب، ولا تقتصر مطالبه على فلسطين."
إن ظهور مجموعات تعلن انتماءها لتنظيم القاعدة في العراق وأفغانستان وفي المخيمات الفلسطينية بلبنان وبروزها في المغرب العربي والصومال ليؤكد ضغط إيديولوجية متطرفة في الوقت الذي تتلاشى في الحدود.
ولقد أضحى هذا الانبعاث لهويات عرقية دينية ينازع القومية التي شكلت المنطقة منذ الحرب العالمية الأولى مكانتها ؛ وهو انبعاث تشجعه الولايات المتحدة إما لعدم تقديرها للعواقب أو لحسابات خاصة بها. كان الجنرال دافيد بيترايوس القائد العام الحالي للقوات الأمريكية في العراق ، على رأس الفيلق 101 المحمول جوا الذي سيطر على الموصل سنة 2003. ومن أول قرار اتخذه هو إنشاء مجلس، يختار بالانتخاب من بين الأعيان، لتمثيل المدينة : وتم وضع صناديق منفصلة وخاصة بكل طائفة على حدة ، من أكراد وعرب وتركمان ومسيحيين وغيرهم ، ليختفي بالتالي "العراقيون".
إن تحويل المنطقة بهذا الشكل إلى فسيفساء من "الأقليات" هو ما ترمي إليه السياسية الأمريكية ويدفع كل فئة إلى التشبث بانتسابها العرقي على حساب الانتماء الوطني أو غيره (13).
" إن ما نراه هنا هي آلام ميلاد شرق أوسط جديد؛ وأيا كانت أفعالنا يجب أن نكون على يقين بأننا نتجه نحو هذا الشرق الأوسط الجديد" ، هذا ما لم تفوهت كوندوليزا رايس إبان حرب صيف 2006 بلبنان، وذلك في الوقت الذي كان فيه هذا البلاد يتهاوى تحت قصف الطيران الإسرائيلي. وإذا كان صلف هذه التصريحات قد أ ثار وقتها بعض الردود الحادة، فلم تكن كاتبة الدولة في الخارجية مخطئة كل الخطإ، حيث أن ما نشهد نشأته منذ 11 سبتمبر، هو بالفعل "شرق أسط جديد"، لكنه لا يشبه إطلاقا ما تصوره المسؤولون الأمريكيون، حيث أن الشرق الأوسط قد تحول بالأساس إلى عامل هام ودائم لعدم الاستقرار بالنسبة لكافة السياسة الدولية.


رد مع اقتباس