عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم January 25, 2010, 09:36 PM
 
Omg تحميل كتاب اللاّعب واللّعبة.. عالم الاستخبارات الأميركيّة

اللاّعب واللّعبة



عالم الاستخبارات الأميركيّة
في اعترافات احد رجالاته
دار الحمراء
الطبعة الأولى
1990
كلمة الناشر
من «لعبة الأمم» إلى «اللاعب واللعبة»
لا بأس من تذكير القارئ في تقديمنا لهذه «الاعترافات» بالقواعد التي طٌلب إليه أن يعضها نصب عينيه فيما لو أراد أن يفهم ما تعنيه «لعبة الأمم» وترمز إليه هذه العبارة التي دخلت القاموس السياسي المعاصر. إنها القواعد الست التالية:
كل أمة من الأمم تجعل في مقدمة أهدافها البقاء في اللعبة وممارستها وليس إلى الخروج منها.
تتصرّف الأمة في غالب الأحيان على نحو لا يهدف إلى احراز النجاح داخل اللعبة بقدر ما تسعى لضمان استمرار التأييد الجماهيري لزعيمها أو لقيادتها .
التصريحات الرسمية حول السياسة الخارجية لا يمكن قياسها بصفاء النيّة، بل قوامها المناورة والمداورة والكتمان والازدواجية: اللاعب الرئيس لا يكشف أوراقه، بل يظهر ما لا يبطّن .
لا تهدف الأمم المتخاصمة من وراء إظهار حسن النوايا والإقرار بوجود أهداف مشتركة سوى إلى تحسين أوضاعها الداخلية أو إلى ممارسة الضغط على فريق ثالث، وقلّما يحدوها الأمل المخلص في تحقيق ما تعلن عنه حقيقة.
حين تعمد دولة عظمى إلى مغازلة أمة ضعيفة والتوّدد لها، فإن الأمة الضعيفة سوف تلتفت في غالب الأحيان صوب الخصم الرئيس للدولة العظمى بغية إثارة التنافس بين الخصمين وحملهما على خطب ودّها لكي تنتهز الفرصة لتحقيق الأرباح والمكاسب.
عندما تحرز الأمة الضعيفة في اللعبة مركزاً دبلوماسياً وقوة من خلال استغلال مقولة التنافس، فإن من شأنها تبوء مركز استراتيجي يسهم في مساعدتها على نيل المزيد من القوة والنفوذ، وذلك من خلال لجوئها إلى التهديد بالاقدام على مغامرات لا تحبذها الدول العظمى لأن فهمها للعبة يتطلّب ذلك !
هذه هي القواعد التي شرحها مايلز كوﭙلاند عام 1969 في كتابه عن «لعبة الأمم». ولتبسيط الشرح وتلخيص القواعد بعبارة موجزة، يمكن القول إن «لعبة الأمم» هي كناية عن النشاط الذي تمارسه نظارة الخارجية الأميركية في واشنطن من أجل رسم المخططات الملائمة لبسط النفوذ الأميركي على بلدان العالم أجمع عن طريق استخدام السياسة والخداع والحيلة بدلاً من اللجوء إلى أضرام نار الحرب المسلّحة. إنها التخطط السياسي لتوجيه الصراع على مناطق النفوذ في العالم من خلال استخدام أساليب الحرب الباردة وما أكثرها تنوعاً وأوسعها حيلة !
وفي الكتاب الذي بين أيدينا يبوح العميل السياسي واللاعب المتّمرس في قواعد اللعبة بالكثير من الخفايا والأسرار التي اكتنفت ممارسة اللعبة في بلدان الشرق الأوسط وغيرها من بلدان العالم. ويعترف المؤلف للقارئ بوجود أكثر من لعبة يمارسها اللاّعب على مختلف الأصعدة وفي شتى المجالات. مثلما يكشف المؤلف عن «العمل السياسي في الخفاء» والعمليات السرية أو الخفيّة التي تمارسها أجهزة إدارة اللعبة في الولايات المتحدة وخارجها، هذا بالاضافة إلى الحيل القذرة التي تستخدمها وتلجأ إليها على سبيل التغطية والتمويه، متذّرعة ببلوغ الهدف .
ليس الغرض من هذه الكلمة إثقال كاهل القارئ بالشروحات والتعليقات والتنبيهات. ولا حاجة بنا إلى التذكير بتلك الوفرة العارمة من الكثير والترجمات والاقتباسات التي تقذف بها المطابع وتملأ رفوف المكتبات .بل نكتفي بالاشارة إلى دلالة هذه «الاعترافات» التي جرى تعريبها بتصرّف دون الاساءة إلى فحواها وتشويه محتواها .
ومن نافل القول إن ناشر الكتاب لا يعتبر ما جاء على صفحات «اللاعب واللعبة» بمثابة «فصل الخطاب»،كما أنه لا يتبنى الآراء والمواقف الواردة في فصوله. إنها وجهة نظر من داخل المؤسسة يبوح بها أحد اللاعبين الكبار والقدامى على رقعة العمل السياسي الخفي في الشرق الأوسط. ولا غرو فإن القارئ الفطن لن يفوته الكشف عن الكثير من الآراء المتحّيزة والمعلومات الخاضعة للتلاعب علاوة على «التنظير» المضلّل والمملّ في كثير من الأحيان. فالاطلاع على هذه الاعترافات، بالرغم من اللمسات والشطحات الشخصية التي تشوب مواقف اللاعب وتكتنف مغامراته التنظيرية واستغراقه في السرد يغدو ضرورة لا بد منها على سبيل أخذ العلم والإلمام بالمخططات التي ترسم للسيطرة على مقدرات بلادنا والتحكم بمصيرنا من خلال التذرّع بتأمين مصالح الدول الكبرى.
إنها اعترافات لاعب متقاعد،واكب أجهزة بلاده منذ أنشائها بهدف جمع المعلومات في ظروف الحرب العالمية الثانية وحتى اتساع نطاقها وتشعّب اهتماماتها وانتفاخها البيروقراطي، وصولاً إلى اعتماد الحيل القذرة والأساليب اللا أخلاقية في ما يطلقون عليه تسمية «العمل السياسي الخفي». ولا ضير في الاطلاع على تفاصيل السجالات وكيفية وضع السيناريو المطلوب لبلوغ الأهداف المنشودة من وراء ممارسة اللعبة .
بيروت في 30 أيار (ماريو) 1990 الدار




الفصل الأول
البداية في ولاية الاباما

ضّم فريق العلماء النفسانيين الذين استجوبوني تمهيداً لتكليفي «بمهمة خاصة» كلاً من: الدكتور أغرتن باللاتشي من جامعة ستانفورد الذي سبق له أن عمل مع فريق الدكتور هنري موراي من جامعة هارڤارد، والدكتور موراي مؤلف كتاب «تقويم الرجال» الذي صار فيما بعد من المراجع الكلاسيكية في حقله أثناء الحرب العالمية الثانية . وضّم أيضاً الرائد وليم مورغن، وهو عالم نفساني من جامعة ييل درس بإمعان قدرة العملاء على «تحّمل الإحباط» في حالات «اليأس من تحقيق الغايات المنشودة». وكانت في الفريق أيضاً الدكتور مابل تيرنر وهي سيدة لطيفة في العقد السابع من عمرها هبطت في صباها ست مرات وراء خطوط العدو في الحرب العالمية الثانية وحازت على عدد مماثل من الأوسمة تقديراً لشجاعتها وإقدامها وهي أيضا مؤلفة كتاب ارشادي عنوانه : «العقلية الإجرامية وعمليات التجسس». ذاع صيتها في وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. إي cia ) على أنها امرأة عطوفة متوّقدة الذكاء والتفهم بحيث يعلم كل صاحب خطيئة أن عليه مراجعة خطاياه معها قبل بلوغ مرحلة تحديد اللياقة الأمنية.
عندما بدأت جلسة التقويم كنا قرابة الثمانية أو التسعة رجال نرتدي بدلات من محلات «بروكس اخوان» ومعنا شابة واحدة تضع على عينيها نظارتين وتبدو عليها دلائل الجدية، وهي عائدة حديثاً من حملة تنقيب عن الآثار في شرق افريقيا. ولما حان موعد الامتحان الخطّي، أطلت سكرتيرة برأسها من خلف الباب ودعتني دون غيري إلى غرفة مجاورة ليس فيها سوى طاولة واحدة وقلة من الكراسي الخفيفة حيث جلست بمفردي للإجابة عن اسئلة بإحدى كلمتي:«نعم» أو«لا» وثم لاختيار جواب صحيح من مجموعة أجوبة عن أسئلة أخرى،ثم لسرد ما توحيه إليَّ بعض الكلمات، وأخيراً مررت باختبار «رورشاخ» وهو عبارة عن سرد ما توحيه إليَّ بعض بقع الحبر المتناسقة الترتيب على قطعة من الورق. وراحت أمرأتان شابتان وجذابتان، عليهما مسحة تومئ بانتمائهما إلى الوسط الاكاديمي، تراقبانني عن كثب على امتداد الامتحان الخّطي. فتارة تقرأ الواحدة منهما ما أسطّره على الورق وطوراً تحدّقان بوجهي بإمعان لمراقبة تغيرات قسماته كلما واجهت اسئلة وهما على علم مسبق بما تنطوي عليه من خدعات .
انتهيت من الامتحان الخّطي خلال فترة أقصر بكثير من الوقت المحدد له وعدت إلى الغرفة التي كنت فيها مع المرشحين الآخرين فإذا بهم قد ذهبوا كلهم وإذا بي أقف أمام العلماء النفسانيين الثلاثة.بادرتني الدكتورة تيرنر بطلب أن اذكر لها ودون التوقف للتفكير اسماء أشخاص ثلاثة أكنّ لهم البغضاء. لم يخطر ببالي أي اسم وبعد أن حككت رأسي لبضع ثوانٍ أخبرتها بذلك .
قالت :«اسمع الآن، لا بد ان ثمة شخصاً لا تحبه». ومرة ثانية لم أتمكن من تلبية طلبها رغم محاولتي الصادقة، وكان قد شاع بين الناس آنذاك ترديد عبارة اطلقها ولْ روجرز تقول: لم ألتق قط شخصاً وبغضته». لم أستطع بالطبع الذهاب إلى ذلك الحدّ في جوابي، ولكن كان باستطاعتي وبكل صدق القول بأنني لم أقابل قط أي رجل أو أمرأة أمقته. غير أن حدسي فرض عليَّ عدم البوح بذلك. فقد كنت قيد الاختبار لكي ُيسدى إليَّ القيام «بمهمة خاصة» لمؤسسة لا تعتبر فيها المحبة المطلقة للانسانية من الصفات اُلمرجًَحة .
قلت: «لست من المعجبين جداً بادولف هتلر». لم تحدث ملاحظتي تلك مجرد ابتسامة بل كانت كقول مريض بداء الايدز(أو السيدا): «إنني على الأقل أحافظ على انخفاض وزني». وهنا توجه إليَّ أحد الثلاثة ببضعة أسئلة عن معتقداتي الدينية. فقلت في نفسي لقد أدركت الآن ما يرمي إليه بذلك السؤال، وأوضحت له بأن محبتي للانسانية أو ان هذا العجز المؤسف عن مقت أي جزء منها تعود إلى لاشئ لا يتعدى في أهميته نقصاً غددياً وبأن ليست لديَّ أي قاعدة اخلاقية له على الاطلاق. وأضفت: «فإن كنتم تريدون مني تصفية شخص ما فسأفعل ذلك بكل سرور». وأردفت بابتسامة بريئة «ولكن لا تطلبوا مني ان أكرهه». جاء الجواب محكماً وحصلت على أول مهمة لي عبر البحار: في دمشق في سوريا حيث مثل ذلك الموقف جوهري.
وهكذا انتقلنا إلى الأسئلة التي حملتني على ذكر جلسة الامتحان هذه في هذا الفصل بالذات. سألني الدكتور باللاتشي «هل تتذكر المؤثرات المبكرة في حياتك التي أسهمت في صيرورتك إلى ما أنت عليه اليوم؟» أجبته :«بالطبع، هناك الآنسة إدي والآنسة آرشيبالد والآنسة كالن وشخص أو اثنان غيرهن ولكن الأسماء تفوتني الآن، ولكن كان لهن جميعاً تأثيراتهن العميقة». وأوضحت له بأنني ذكرت الأسماء الأولى التي تبادرت إلى ذهني من أسماء معلّماتي في المدرسة الثانوية.
قال: «لم يكن هناك رجال ؟ هل كان كل الذين علّموك في المدرسة نساء؟»
قلت: « أظن كان هناك البعض منهم ولكنهم نكرات وما عدت أذكر أياً منهم».
قال: « من منهن كانت مثلك الأعلى؟»
قلت: « أظن ينبغي أن أقول الآنسة ارشيبالد». فاليونغ ارشيبالد !هل ثمة اسم أفضل؟ كانت تقريباً...» وتوقفت عن الكلام لمشاهدتي دلائل اهتمامهم الشديد، ولكنه كان في غير محله. وأدركت فجأة إلآمَ كانوا يرمون،فقلت : «أعنى انها انسانة لطيفة جداً وأُعجبت بروح النكتة لديها وبطريقتها في التعاطي مع الناس وغير ذلك. أما مثلي الأعلى فهو دوغلاس فيربانكس. نعم، انه دوغلاس فيربانكس». (نجوت بأعجوبة).
تنفس الجميع الصعداء ذلك ان المهمة التي أعدّها لي رؤسائي تتطلب رجولة جدية لا مكان للهو فيها. وعلمت فيما بعد أن العلماء النفسانيين الثلاثة دوّنوا في ملف تقويمهم لشخصيتي ملاحظات متعددة منها:«علاقات جنسية سليمة جداً» تليها مباشرة عبارة «لا اخلاقياً تماماً». وتبين لي، عندما سرقت ملفي الشخصي من ديوان الوكالة أن نتيجة امتحان «ايحاء الكلمات»، وبقع الحبر أظهرت للنساء تأثيراً بالغاً في حياتي، وهو بالطبع أمر لا يزال صحيحاً حتى اليوم. غير أن ما يصح قوله فيّ يصحّ أيضاً في جميع الشباب الذي ربوا في الاباما خلال العشرينات والثلاثينات. وكانت النساء اللواتي يتمتعن بالذكاء والتربية الرفيعة والجاذبية وكنا آنذاك ندعوهن «السيدات» يقبلن بالرواتب المتدنية في قطاع التربية والتعليم التي لم يكن الشباب يقبلونها رغم الحاجة في تلك السنوات العجاف.
بتّ أعلم الآن ماذا حدا بي آنذاك للخروج بذلك الجواب السخيف الذي اعتبرته في حينه يصوّر حقيقة أفكاري. فعندما ذهبت أولاً إلى مكتب الخدمات الاستراتيجية ومنه فوراً إلى وكالة الاستخبارات المركزية ترك في نفسي علم وثقافة كل الذين رأيتهم فيهما انطباعاً عميقاً ليس فقط لكونهم حملة شهادات الدكتوراه بل لكونهم يحملون شهاداتهم تلك من جامعات مثل هارفارد وييل وغيرهما من جامعات الدرجة الأولى. وأدركت كذلك ان الآنسات: إدي وارشيبالد وكالن ودايقس وغايم وكروس وولوبي،كنّ جميعاً أشخاصاً ممتازين يعلمن علم اليقين ان ما يجري داخل غرف صفوف المدرسة ليس تلقيناً بل اكتساباً للمعرفة والعلم وان مهمتهن هي اثارة اهتمامنا بهما وتزويدنا بأصول تصنيف الأمور وتقويمها. استطيع القول الآن دون أن يرفّ لي جفن بأن «الثقافة» حسبما تعلمت استعمال هذه الكلمة التي نلتها انا وغيري في «مدرسة إرسكن رمزي الفنية العالية» في مدينة بيرمنغهام في ولاية الاباما تضاهي تلك التي حصلها الكثيرون من حملة شهادات الدكتوراه سواء من جامعة هارڤارد أو ييل أو برنستون الذين عملت معهم لاحقاً في الوكالة أكانوا أرفع أو أدنى مني رتبة.


رد مع اقتباس