عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم January 21, 2010, 01:50 PM
 
Icon3 القرض الحسن.. هل أصبح سنة مهجورة ؟!

القرض الحسن.. هل أصبح سنة مهجورة؟


بقلم: الدكتور صلاح بن فهد الشلهوب

القرض الحسن هو عبارة عن مصطلح معاصر، والمقصود به شرعا القرض دون استخدام لفظ الحسن بالمفهوم الفقهي، والقرض عبارة عن أحد العقود التي تناولها الفقه الإسلامي, وهو إعطاء المال لشخص على أن يرد مثله دون زيادة، وتم إدخال كلمة الحسن للتفريق بينه وبين القرض الذي يتم بفائدة، الذي يعد أبرز استثمارات البنوك التقليدية، والذي يصنف شرعا بأنه ربا محرم.

والحقيقة أن إضافة كلمات لبعض المصطلحات بغرض التفريق بين صور المعاملات المختلفة أصبح شائعا في الوقت الحاضر، وهذا موجود في البنوك الإسلامية للتفريق بينها وبين البنوك التي تتعامل بالقروض الربوية، ومصطلح حلال لبعض المأكولات, مثل اللحوم, للتفريق بينها وبين الأغذية التي يدخل في تكوينها شيء غير مباح, وهكذا.

الحقيقة أنه شاع استخدام هذه المصطلحات، وكما يقال "لا مشاحة في الاصطلاح" والأهم هو المضمون، أما بالنسبة إلى المقصود بالسنة المهجورة، هو مصطلح يتحدث فيه العلماء عن بعض الأعمال التي تعد مستحبة شرعا لحث النبي صلى الله عليه وسلم عليها، ونجد أنه في الأزمنة المختلفة قد يحصل هجر لبعض السنن نظرا لوجود جهل بها، أو لوجود متغيرات في حياة الناس قد تؤثر في سلوكياتهم، أو لوجود ضعف أحيانا لدى بعض الناس في الإقبال على الأعمال المستحبة.

ولكن ليس من الواضح لدى كثير من الناس, خصوصا من لديهم الرغبة في الخير والإحسان للآخرين المعرفة بما في الإقراض من ثواب، بل إن الفقهاء يصنفونه من عقود التبرعات، وهو شكل من أشكال تفريج الكربة على المسلم، بل إن بعض السلف كان يفضل الإقراض على الصدقة, وذلك لأنه يقرض المال مرتين وثلاثا، ولكن في الصدقة يدفع المال مرة واحدة.

ولعل السبب في عدم الإقبال على الإقراض دوافع متعددة في المجتمع, لعل منها:

أولا: شيوع عدم السداد للقروض، حتى أصبح المقرض أحيانا يجد نوعا من المشقة والشعور بنوع من الإهانة عند المطالبة بماله، نظرا لتساهل عدد من الناس في السداد.

ثانيا: أنه توافرت وسائل متعددة للإقراض أو التمويل من البنوك سواء الإسلامية أو التقليدية, خصوصا بعد أن أصبحت البدائل المتوافقة مع الشريعة متوافرة بشكل كبير، وبتكلفة منخفضة مقارنة بالسابق، وأصبحت متاحة بشكل أكبر للأفراد، ولذلك أصبح الناس يقبلون عليها بشكل أكبر بدلا من الاقتراض من الأشخاص.

ثالثا: وجود الأدوات الاستثمارية المتعددة والمتنوعة في المخاطر ووجود المؤسسات المالية التي تتيح للأفراد بشكل سهل الدخول في مثل هذه الاستثمارات, ما جعل السيولة المتوافرة للأفراد تذهب بشكل أكبر لهذه القنوات الاستثمارية.

رابعا: نظرا لحصول التضخم في الأوراق النقدية، أصبح كثير من الناس يشعر بأن السداد حتى إن كان بالقيمة نفسها إلا أن القيمة الفعلية للنقد قد نقصت مقارنة بيوم الإقراض.

كل هذه الأسباب أسهمت في انخفاض إقبال الناس على الإقراض والحصول على الأجر من خلاله، ولعل من المهم الاهتمام بمثل هذا النوع من العبادة لعدة أمور, منها:

أولا: أن هذه سنة وعمل يتقرب به إلى الله، وهو وإن كان لا يصل إلى مستوى الصدقة إلا إنه عبادة إذا نظرنا إلى فائدتها على المدى الطويل فإنه ربما يحقق منها الإنسان ثوابا قد يكون أكبر من الصدقة، والإقراض يزيد من ترابط الناس، والشعور والإحساس بحاجاتهم ويقرب بين الناس.

ثانيا: أن الحصول على التمويل مهما كان منخفضا فهو مكلف, خصوصا إذا ما كان السداد على مدى فترة طويلة، حتى إن قيمة السداد قد تصل إلى الضعف، وهذا مكلف إذا ما قورن بالقرض الحسن. ولذلك فإن فيه تفريج كربة على المسلم، وقد يسهم ذلك في تخفيف العبء على الشخص بحيث يتمكن من توفير أكبر لحاجاته الضرورية والحاجية.

ثالثا: أن الإقراض يختلف عن الصدقة، وذلك لأنه يستهدف في الغالب الفئة المتوسطة من المجتمع، إذا كنا نتكلم عن الإقراض للأفراد، وهذه الفئة من المهم الاهتمام بها والعمل على زيادة نسبتها مقارنة بالطبقة الفقيرة، وذلك لأن هذه الفئة هي الأكثر تأثيرا في الاقتصاد, حيث إنها تسهم في الحركة الاقتصادية للمجتمع، ولذلك تجد أن الاقتصادات العالمية تهتم بتوسيع نسبة هذه الفئة، وتضع الأنظمة والتشريعات التي تسهم في زيادتها عطفا على نسبة الفقراء.

أما فيما يتعلق بالسداد فإن الشريعة الإسلامية أوضحت بشكل جلي أهمية التوثيق للقروض والديون بشكل عام, حيث يقول تعالى: {يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين فاكتبوه}الآية، ومن المهم الاهتمام بإيجاد الضمانات القضائية التي تحد من تسويف المقترض في السداد. كما أنه لا بد من توعية المجتمع بأهمية هذه العبادة وهي الإقراض دون فائدة وبيان ثوابها، وأن تكون هناك مؤسسات خيرية لتقديم مثل هذه الفرص للأفراد، التي من الممكن أن تعتمد على التبرعات بغرض الإقراض، بل إنه توجد الآن آلية جديدة لدى بعض المؤسسات الخيرية وهي إصدار صكوك القرض الحسن، بحيث تأخذ هذه المؤسسات المال على أساس أن ترده إلى المقرض خلال مدة متفق عليها.

ومثل هذه القروض من الممكن أن تقدم لمن لديه رغبة في الحصول على سكن، أو بغرض إنشاء مشاريع صغيرة, بحيث يتم إقراض المستحق للقرض بغرض إنشاء مشروع يتيح للمقترض فرصة للاستثمار، وما أن يتمكن من تحقيق ربح أو عوائد من هذا المشروع فإنه يعيد القرض إلى المؤسسة الخيرية، ومن هنا من الممكن أن يستفيد من هذا المبلغ نفسه أكثر من شخص ليقيم مشروعا، وذلك يسهم في النهاية في توفير فرص للاكتساب، ويعالج بشكل ولو جزئي مشكلة الفقر، ويزيد مستوى الإنتاجية في المجتمع، والحركة الاقتصادية بشكل عام.

*المصدر: صحيفة الاقتصادية


تعليق على المقال :


برغم من أن القرض الحسن قد يُرد لصاحبه بقيمة أقل من قيمته السابقة نظرا لتغير قيمة النقود مع مرور الوقت إلا أن هناك دوافع كثيرة تدفع لإحياء هذه السنة أذكر منها على سبيل المثال :


القرض الحسن أفضل من الصدقة خاصة لو المقترض شخص قادر حيث أنها تحثه على العمل من أجل رد المبلغ المقترض و هذا لا شك له أثاره الاقتصادية الايجابية كتقليل نسبة البطالة و زيادة الدخل القومي و غيرها من أثار إيجابية و بالتالى فإن فارق القيمة يعود للمقرض بطريق غير مباشر حيث انعاش اقتصاد بلده .
هذا غير أن القرض الحسن له ثوابه في الأخره فالمقصد منه في النهاية هو كسب الحسنات و الله يضاعف لمن يشاء.


إحياء هذه السنه المهجورة قد يكون سببا هاما للفت الأنظار أكثر لمبادئ الاقتصاد الإسلامي لما لها من إيجابيات كثيرة ذكر بعضها في المقال السابق .


نشرت هذا المقال كمساهمة في الدعوة لإحياء هذه السنة ذات التأثير الإيجابي
بارك الله في كاتب المقال د: صلاح بن فهد الشلهوب و بارك الله فيمن يقرأ المقال و ينشره و يدعو لما تضمنه
رد مع اقتباس