عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم October 12, 2009, 11:42 AM
 
Cup بين النخبة الثقافية والنخبة السياسيية

بين النخبة السياسية والنخبة الثقافية:

تطرح في كل مرة جدلية السياسي والثقافي،كما تطرح جدلية النقابي والسياسي،وغيرها من الجدليات والثنائيات التي يبدا بها كل نقاش او تحليل.ولعل الحديث عن هذه الجدلية يحتل اهميته من منطلق ان الفعل السياسي هو المؤثر العام والمسير لكل القطاعات والمجالات الاخرى.فالسياسة هي تدبير للشان العام والخاص،وكل الامور الحياتية لها ارتباط بما هو سياسي من قريب او بعيد. واذا تحدثنا عن الجانب الثقافي،فقد يبدو عاما وغامضا.ما المراد بالثقافي:هل هو الانتاج الفكري والعلمي والفني وغيره؟او هو شيء آخر متعلق بطريقة تفكير وانتاج الافكار والتصورات الحياتية؟.. اسئلة عديدة تندرج في محاولة فهم ما هو ثقافي....
اما الحديث عن النخبة،فيحصر المعالجة في فئات خاصة لها تاثير على المجال،وتوجيه له وتحكم في اتجاهاته وتياراته وتفاعلاته...
هذه النخبة،ستبدو هي صفوة المجتمع،ممثلته فيما هو سياسي وثقافي.لكن الواقع يعكس تشكيلها،فهي خليط فئات وتناقضات،تدافع عن مصالح،كما تدافع عن افكار وتوجهات.. كما في السياسة كما في الثقافة...
يورد الباحث عبدالرحيم العطري في كتابه( صناعة النخبة بالمغرب)،تعريفا للنخبة يجعلها الجماعة الاكثر قوة او نفوذا او تاثيرا في المجتمع،أي النخبة الحاكمة اتي تمسك بزمام الامور... فهي تدل على الاقليات الاستراتيجية التي تتحكم في تدبير وسائل الانتاج والاكراه... تعبر عن وجه الدولة كوسيلة للسيطرة التي تمارسها اقلية محتكرة للقرار،بما يجعلها فوق المجتمع الذي ينبغي ان تدافع عن مصالحه المشتركة....
لكن الحديث عن النخبة،سيتارجح بين تصورات تقليدية تربط النخبة بالطبقة الحاكمة الدائمة السلطةوالمستمرة في النفوذ، وينطبق هنا الامر على المؤسسة الملكية بجميع مكوناتها الثابتة والمتغيرة.. وبين تصورات حديثة مرتبطة بعملية الديمقراطية التي تجعل النخبة السياسية مُشكلة من تركيبة متجددة تتبادل تمثيل المجتمع والدفاع عن المصالح الخاصة والعامة داخله... وهي بذلك تصبح نسبية ليست بمطلقة،مرحلية في النفوذ وليست بدائمة.. وهي مرحلة تنشدها المجتمعات الديمقراطية الحديثة،ولا زلنا نحلم بتحقيقها في واقع حياتنا السياسية والمجتمعية.
هذه النخبة السياسية تكون فاعلة في الواقع،موجهة له.فهل النخبة الثقافية تنهج نهجها،تشبهها او تخالفها؟؟
لقد ارتبط الحديث عن النخبة الثقافية بطبقة اهل العلم والفكر.وعبر التاريخ اشتهر علماء البلاط مثلا،كما اشتهر منهم ذوو الفكر الحر الذين قد يلقون حتفهم على يد الحكام.. حتى ان الدين الاسلامي يجعل القيمة للعلماء واهل العلم ويحاسبهم في الدنيا والآخرة على كتمانه،ويدعوهم لنصرة الحق والعدل والجهر به وبالحقيقة مهما كلف الامر ذلك...
في عصرنا الحالي،وداخل مجتمعنا المغربي، يتم الحديث عن النخبة الثقافية اليوم،ويراد بها العقول التي اثرت بخطاباتها في التوجهات المجتمعية الفردية والجماعية،والتي زرعت افكارا جديدة...
في الحقيقة هناك اسماء وازنة في مسار الحركة الثقافية والسياسية المغربية... نجد الجابري والعروي والحبابي .... ونجد بنبركة وعمر بنجلون واللعبي والشاوي وغيرها من الاسماء.. كما وجدنا رواد الحركة السلفية وحركة النهضة كعلال الفاسي وكنون والسوسي وغيرهم..... كلها اسماء دالة على دور المثقف في تنوير المجتمع والتاثير على الحقل السياسي...
هذا المسار المتداخل والمتلازم،اهتمت به دراسات عديدة.لكن اليوم يتساءل المرء حول مصداقيته وفاعليته وقابليته للعب دور النخبة والانتليجنسيا،لتجديد ريادة فكرية متنورة للمجتمع ،تقوده الى بناء مستقبلي يصلح منظومة القيم البانية للوعي والفعل الحضاري المغربي....
تعاني الحقول الثقافية المغربية من ضعف تمثيلي حضاري انساني،من غياب نخبة انتليجنسيا، من مواقف تاريخية تؤثر على مسار السياسة والافكار البالية التي تثقل كاهل المجتمع.
لقد برهنت هذه الحقول على وجود شبه تبعية سلبية للنخبة السياسية بغثها وسمينها،دون تمحيص ونقد وتجاوز لهذا الغث الغير اللائق.تنطفىء شمعة التنوير حينما نرى المفكر والباحث ينساق وراء عمل حزبي ضيق،او منابر وكراسي سياسية يضع معها القلم ويغلق معها باب الوعي،يبدا باب الدوغمائية والشوفينية والمصالح الضيقة والاسترزاق لاجل التبرجز السريع....
حينما نرى المثقف لا يمتلك وعيا مستقبليا متنبئا بالصالح العام لهذا المجتمع،خادما للقضايا الانسانية الكبرى العادلة،مدافعا عنها بكل ما اوتي... للاسف نحكم بغياب النخبة الثقافية المشرفة لهذا المجتمع تاريخيا..للاسف نجد بدل ذلك افكارا متسرعة جرت الويلات كتخدير التطبيع الذي طلسم روح الفنان والمثقفين والاعلاميين....والذي عرى على ثقافة سطحية خشبية غير مرتبطة بوعي وقناعة متينتين. المفروض ان المثقف هو آخر من يستسلم بالقوة وليس بالفكرة.
من جانب آخر،اذا كانت النخبة السياسية تضمن وجود بنية تحتية وتجهيزات ومؤسسات واعلام..فان الثقافية تبقى مشلولة لغياب ما ذكر.. فتصبح اداة اراجوزية في يد النخبة السياسية،وهذا يؤسف له حقا...
فنحن لا نجد بنية تحتية ثقافية متينة لمجتمعنا،الا ما كان من مؤسسات القنصليات والجاليات الاجنبية،حتى اننا اصبحنا مثل كتل سمك،تصطاده شباك وادوات تبعية متنوعة غير محمودة العواقب..
البنية الثقافية المنتشرة لشبابنا هي قاعات الجولفازور والشيشا والسهرات الشعبية... وهذا برهان على افول الزمن الثقافي المجتمعي،الا ما كان من شذرات منفلتة متالمة بسبب هذا التردي...
بين النخبة السياسية والثقافية،ليست الجدلية عادلة في تركيب معادلتها وعناصرها المكونة لها، سنتحدث اذا عن ثقافة مسخرة لخدمة السياسي بجميع مستوياته حتى الشعبوية المستغلة للصالح العام المادي والمعنوي.. في انتظار طبقة مثقفة فاعلة ومؤسسة لمستقبل افضل.
رد مع اقتباس