عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم January 7, 2019, 02:58 PM
 
Smile رد: تحميل الربيع الصامت ، راشيل كارسون ، الكتاب الذي غير مجرى التاريخ ، حصريا ، مجلة الابت

الربيع الصامت: وأطفال المبيدات الحشرية

د. أكمل عبد الحكيم


قبل أكثر من أربعة عقود، وبالتحديد عام 1962، نشرت العالمة البيولوجية والكاتبة الأميركية "ريتشل كارسون" Rachel Carson كتابها الشهير "الربيع الصامت" (Silent Spring). هذا الكتاب والذي طبع أربعين طبعة متتالية، يعتبره الكثيرون من أهم الكتب التي صدرت في مجال البيئة، وبداية لمرحلة جديدة للكثير من التغيرات الزراعية البيئية في هذه الفترة من التاريخ البشري. مثل ظهور الحركة الدولية للحفاظ على البيئة بجميع مؤسساتها الخيرية والأهلية والحكومية، ومثل تغيير السياسات الرسمية الحكومية فيما يتعلق باستخدام المبيدات الحشرية، بالإضافة إلى توجيه صفعة قوية لشركات الكيماويات، ووضعها في قفص الاتهام كمسؤول رئيس عما تشهده البيئات الطبيعية من تدهور بسبب إساءة استخدام المبيدات الحشرية.
ورغم أن "ريتشل كارسون" قد بدأت في كتابة كتابها هذا بعد أن كانت تخطت سن الستين، ثم لقيت حتفها بعد نشره بعامين فقط، بعد معركة طويلة ومريرة مع سرطان الثدي. إلا أنه بسبب هذا الكتاب، حظيت العالمة والكاتبة بموقع على قائمة (أكثر مئة شخصية تأثيرا في التاريخ البشري في القرن الماضي)، وهي القائمة التي أصدرتها مجلة "تايم" الشهيرة. وفي الشهور الأخيرة من حياتها وأثناء صراعها مع المرض، حظيت "كارسون" بالعديد من الميداليات ومظاهر التقدير الأخرى، مثل عضوية الأكاديمية الأميركية للعلوم والفنون، وميدالية الجمعية الأميركية الجغرافية، وغيرها من المؤسسات العلمية المرموقة. وبعد وفاة "كارسون" وفي عام 1972، حرم تماما استخدام أشهر المبيدات الحشرية في العالم في أميركا، وقامت الحكومة الأميركية بمنح "كارسون" (ميدالية الحرية الرئاسية) في عام 1980، وهي أعلى ميدالية تمنح في الولايات المتحدة للمدنيين.
هذا التاريخ الرائع للكاتبة والكتاب سببهما الأهمية الشديدة والخطورة البالغة اللتين أظهرتهما "كارسون" حول التأثيرات السلبية للمبيدات الحشرية على الإنسان وعلى البيئة. هذه الحقيقة أكدها منذ ذلك الوقت العديد من الدراسات والبحوث العلمية، بما في ذلك دراسة نشرت أول من أمس من مركز الصحة البيئية للأطفال بجامعة كولومبيا. حيث أظهرت دراسة هذا الأسبوع العلاقة بين وجود بعض أنواع المبيدات الحشرية في دم الحبل السري أثناء الولادة، وبين زيادة احتمالات ولادة أطفال منخفضي الوزن أو منخفضي الحجم. والدراسة المقرر نشرها في المجلة العلمية الشهيرة (Environmental Health Perspective)، أظهرت أيضا أن قرار هيئة حماية البيئة الأميركية بوقف استخدام بعض أنواع المبيدات الحشرية، وما نتج عنه من انخفاض تركيزات وجود تلك المبيدات في دم الحبل السري، قد أثر إيجابيا على حجم ووزن الأطفال حديثي الولادة. هذا في الوقت الذي يعتقد فيه بعض العلماء أن التعرض للمبيدات الزراعية أثناء وجود الجنين في الرحم، هو المتهم الأول في الزيادة الملحوظة في الاضطرابات السلوكية التي يعاني منها الأطفال حاليا في الدول الصناعية. ويعتقد العلماء أيضا أن الأضرار الطفيفة التي تسببها المبيدات الزراعية لمخ الأطفال في سنوات عمرهم الأولى، قد لا تظهر آثارها إلا في المراحل المتقدمة من العمر. فحسب تقارير وإحصائيات الاتحاد الأوروبي، يتسبب العديد من المبيدات الزراعية شائعة الاستعمال حاليا في قطاع الزراعة داخل القارة الأوروبية، في الإخلال بمستويات الهرمونات، وهو ما تنتج عنه تغيرات في السلوك وفي النمو الطبيعي للجهاز العصبي، وحتى في نمو الأعضاء التناسلية وقدرتها على تأدية وظائفها، ما يؤدي إلى انخفاض أعداد الحيوانات المنوية في الذكور ووصول الإناث إلى مرحلة البلوغ مبكرا، وهي كلها عوامل تؤثر في معدلات الخصوبة والإنجاب لاحقا. ولم يسلم جهاز المناعة أيضا من التأثيرات السلبية للمبيدات الزراعية، حيث أظهرت بعض الدراسات أن أنواعاً معينة من المبيدات تتسبب في إضعاف جهاز المناعة، في الوقت الذي يتسبب التعرض لها أثناء الحمل في زيادة تأثيراتها السمية الناتجة عن التعرض لها بعد الولادة.
وتعود التأثيرات السلبية للمبيدات الزراعية على الصحة بسبب حقيقة بسيطة، هي أنها في الأساس عبارة عن سموم قاتلة ومركبات كيمياوية خطرة في حد ذاتها. فصناعة المبيدات الحديثة تعود جذورها إلى الحرب العالمية الأولى والثانية، حيث تمت إعادة توظيف تقنيات المجهود الحربي والاكتشافات المصاحبة في علم الكيمياء، للاستخدام الزراعي بدلا من الاستخدام العسكري. فعلى سبيل المثال، قام العلماء الألمان باكتشاف مجموعة كبيرة من المبيدات الحشرية (Organo-Phosphorous)، أثناء بحوثهم وتجاربهم على غاز الأعصاب الشهير. وحاليا يشيع استخدام الكثير من المركبات الكيميائية التي تنتمي إلى هذه المجموعة عالية السمية من المبيدات الحشرية. وبرغم هذه الحقائق البديهية، لا زال يشيع استخدام تلك المركبات السامة، حيث يبلغ الاستهلاك العالمي من المبيدات الحشرية ما تزيد قيمته على 26 مليار سنويا. وذلك بسبب الاعتقاد السائد بأن التركيزات المستخدمة لقتل الآفات الزراعية هي تركيزات م



المصدر جريدة الاتحاد

__________________
الحمد لله في السراء والضراء .. الحمد لله في المنع والعطاء .. الحمد لله في اليسر والبلاء


Save
رد مع اقتباس