عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم August 21, 2018, 03:53 PM
 
Smile عبد الله النديم.. فارس المقالة الصحفية

عبد الله النديم.. فارس المقالة الصحفية




كتب- خالد بيومى

اشتهر عبد الله النديم ( 1845- 1896) بـ«خطيب الثورة العرابية» وهو صاحب جريدة «التنكيت والتبكيت» التى صدر عددها الأول فى 6 يونيو 1881، التى وصفها النديم بأنها صحيفة أدبية تهذيبية، تتلو علينا حكماً وآداباً ومواعظ وفوائد مضحكات.
شارك النديم فى ثورة الجيش المصرى وهو أول من انضم إلى التشكيلات العسكرية من المدنيين واختاره زعيم الثورة أحمد عرابى مستشارا مدنيا له، سخر عبدالله النديم صحفه التى يديرا للحديث عن الأوضاع الفاسدة وعن النفوذ الأجنبى وراح ينتقد وبشدة الخديو توفيق ورياض باشا رئيس الوزارة وفى هذا يقول النديم (وأعلنت حب العسكر والتعويل عليهم، وناديت بانضمام الجموع إليهم، وأوغلت فى البلاد ونددت بالاستبداد، وتوسعت فى الكلام، وبينت مثالب الحكام الظلام، لا أعرفهم إلا بالجهلة الأسافل، ولا أبالى بهم وهم ملء المحافل.
عندما عمل كرومر على اشعال الفتنة بين الاقباط والمسلمين من أبناء مصر كان النديم أول من تصدى له وكون العديد من الجمعيات التى ضمت رموز الدين الإسلامى والمسيحى وكبار المفكرين والمثقفين من مسلمين وأقباط وبدأ هؤلاء جميعا تحت قيادة النديم بث روح الوحدة بين أبناء الشعب المصرى حتى يقاوم الفتنة التى حاول ان يشعلها كرومر رأس المستعمر الانجليزى وكان طبيعيا ان يثير هذا الموقف غضب كرومر وكان القرار بنفى النديم مرة اخرى إلى يافا من أجل ابعاده عن مصر بسبب روح المقاومة والنضال التى يبثها فى المصريين. وفى يافا يهاجم النديم السلطان العثمانى فيتم طرده ويذهب إلى الآستانة وهناك يلتقى مع جمال الدين الأفغانى لتبدأ رحلة أخرى من الكفاح والنضال فكتب كتابه الشهير «المسامير» الذى رد فيه على ما قاله وكتبه أبوالهدى الصيادى الذى كان يهاجم مصر بشدة وبسبب هذا الكتاب الذى كان فيه هجوم شديد على الباب العالى والسلطة العثمانية يتم إيداع النديم السجن لكنه كان لا يزال متمسكا بالمقاومة حيث كان يهرب مقالاته التحريضية من السجن لتنشر فى «اللواء» و«الاستاذ» أهم صحيفتين فى مصر آنذاك.
ويكشف لنا الدكتور عبداللطيف حمزة محطات فى حياة عبدالله النديم فى كتابه الصادر مؤخراً عن الهيئة العام قصور الثقافة تحت عنوان «أدب المقالة الصحفية» فيذكر أن مجلة الأستاذ التى شهدت كهولة النديم، وهدوء الأوضاع عقب حوادث الثورة العرابية تولى النديم الدفاع عن الشرق ضد أوهام الغرب، واستنهاض الشرق لكى يستيقظ من نومه ويلحق بالغرب الذى سبقه أشواطاً بعيدة فى الحضارة والتقدم. فى العدد 34 السنة الأولى 11 إبريل 1893 كتب النديم مقالاً عن العلاقة بين الشرق والغرب تشيع فيه الحماسة، ويشعر القارئ أنه مصارع قوى قذف بنفسه فى ميدان كله أبطال أقوياء.
النديم كان يقوم بتشكيل التجمعات الشعبية المناصرة للثورة وكان هو حلقة الوصل بين قادة الثورة العسكريين وتلك الجماهير المدنية العريضة، وعمل على جمع التوقيعات الشعبية التى تنيب أحمد عرابى لكى يمثل الشعب المصرى أمام الخديو توفيق حاكم مصر وقتئذ، والنديم الذى زار القرى والنجوع والكفور وراح يخطب بأعلى صوته، مستخدما فى ذلك موهبة الخطابة الفذة التى وهبه الله إياها، وقد اشتهر بين الناس من قبل بكلامه الحسن وخطبه الرنانة فكان لا ينزل بلدا إلا التف حوله الناس واستمعوا إلى خطبه وأحاديثه.
ويشير النديم إلى بعض الأقلام المأجورة، والجمعيات الدينية والعلمية والصناعية المنسوبة إلى الأوروبيين وانتشار هذه الجمعيات فى ربوع الشرق، وقد أفسدت صفو العلاقة بين الشرق والغرب؛ فلو ترك الشرقيون والأوروبيون لتمتع الفريقان بثمرة المخالطة، وتمكنت منهما دواعى المحبة، وما أوغر الصدور وأفسد النيات إلا هؤلاء الكتاب الذين قبحوا الشرق والغرب، وافتروا عليه الأكاذيب.
لو كنتم مثلنا لفعلتم فعلنا
هى كلمة أوروبا التى ترددها على أسماع الشرقيين كلما فعلت فعلاً يحملها عليه الاستعمار الملكى، أو الانتشار الدينى، وقد أحكمت التأليف بين القوتين الدينية والملكية، فجعلت الأولى سفير وداد، والثانية فارس جلاد، وقد أضاف كل ملك أوروبى إلى عنوان الملك حماية الدين، فيقول فى مخاطباته ملك أو إمبراطور كذا وحامى الدين المسيحى.
ويرد النديم على التهمة الأولى التى ألصقتها أوروبا بالشرق وهى تهمة التوحش «التأخر»، ويرد النديم على ذلك بأن الأوروبيين هم الذين أرادوا ذلك للشرق حتى يصبح مصرفاً لبضائعهم. ويرد على التهمة الثانية ومفادها أن أخلاق الشرق وعقيدته هما من أسباب تأخره، ومع ذلك فقد انخدع الشرقيون بقولهم هذا، فارتكبوا كثيراً من المحرمات تقليداً منهم للأوروبيين لا أكثر ولا أقل.. وفى هذا يقول النديم: وبذلك أصبح المتلبسون بهذه القبائح والفضائح لا شرقيين ولا غربيين، واتخذتهم أوروبا وسائل لتنفيذ آرائها، ووصولها إلى مقاصدها من الشرق.
هل الشرق فى حاجة ماسة إلى تدخل الغرب ؟
هذه الحجة التى يتذرع بها الغرب لاستعمار الشرق، ويوضح كيف أن ملوك الشرق أنفسهم خوفوا الناس من اللورد والبارون والكونت، إلخ.ولم يحاولوا ترقية الأمة وتربيتها على الحمية والدفاع عن حقوق البلاد ولم يُعدُّها بالجرائد النافعة أو المرشدة فى هذا السبيل، وأخذ النديم يوازن بين جسارة الأوروبى وتحريه المصلحة الذاتية له ولبلاده من جهة، وجُبن الشرقى وتخوفه من الخطر الأوروبى من جهة ثانية.
الدفاع عن الدولة العثمانية
يدافع النديم عن الدولة العثمانية فيقول: لو كانت هذه الدولة مسيحية الدين لبقيت بقاء الدهر فهى دولة إسلامية بين ثمانى عشرة دولة مسيحية ، وكل دولة طامعة فى قطعة تحتلها باسم المحافظة على حدودها.ولكن المغايرة الدينية دعت إلى إخراج كثير من الممالك التابعة لها عن طاعتها. مع أن الدولة العثمانية لا تألو جهداً عن العمل على رخاء هذه الممالك، ومد السكك الحديدية.وهنا يلوم الكاتب الدولة العثمانية على إعطاء السكك الحديدية التزاماً للأوروبيين الذين وجدوا فى ذلك الالتزام سبيلاً للتدخل فى شئون الأمم الشرقية. فالسكك الحديدية بالنسبة إلى المملكة كالشرايين بالنسبة إلى الجسم، فهى من أعظم العلل التى ستتخذها أوروبا وسيلة للتدخل باسم حماية أملاك أتباعها. ويضيف النديم: إننا نرى كثيراً من المغفلين الذين حنكتهم قوابلهم باسم أوروبا يذمون الدولة العلية، ويرمونها بالعجز وعدم التبصر، وسوء الإدارة، وقسوة الحكام، ولو أنصفوا لقالوا إنها أعظم الدول ثباتاً وأحسنها تبصراً وأقواها عزيمة، فإنها فى نقطة ينصب إليها تيار أوروبا العدوانى.
ويكشف النديم عن وسائل الأوروبيين فى الاستيلاء على الشرق بدعوى الإصلاح ونشر المدنية ، كما فعلت فرنسا فى تونس والجزائر، حيث سنت لهم قانوناً يخالف الشريعة الإسلامية، واتخذت قضاة تابعين لها لتنفيذه.كما دخلت الروسيا مرو، وهراة وبخارى تحت ذريعة حمايتها من أعدائها. وحولتها إلى أسواق لتصريف بضاعتها.ونشرت لغتها هناك توصلاً لإعدام اللغات التى يموت بموتها الدين وحمية الجنس والغيرة الوطنية.
كما دخلت إنجلترا مصر باستدعاء أهلها، بعلة تأييد المركز الخديوى الشريف، وتشكيل حكومة ثابتة على غرار حكومات أوروبا.وقد بذلت ما فى وسعها فى التحسين والتنظيم بما يتراءى لها، ولم تجد غير آذان سامعة وأيد عاملة. كما أبعدوا المصريين عن الخدمة، وحشروا الغرباء فى المصالح حتى أصبح ألوف من المصريين لا يجدون القوت. كما قللوا من تلامذة المصريين فى مدارسهم وأكثروا من استخدام الأجانب فيها.
وقد صب النديم اللوم على المصريين؛ لأن أمراءهم غارقون فى اللهو والترف، وعقلاءهم متذرعين بالصمت، كما أن نبهاءهم أو المثقفين لا يتعرضون للدين ولا للسياسة.
ولا يوجه النديم سهام النقد للأوروبيين فيقول: «ولا لوم على الأوروبيين فى ذلك، فإنهم إنما يسعون فى مصالحهم واتساع ممالكهم وتجارتهم. والشرقيون يرونهم يعلمون للأعمال العظيمة فى بلادهم ، وهم ينظرون إليهم نظر المغشى عليه من الموت، ولا يتحركون لمجاراتهم أو لإيقاف تيار تداخلهم. ويرونهم يسلبون أعمال أمرائهم وولائهم عملاً فعملاً، وهم ناكسو الرءوس، ومنكمشون فى ثيابهم، تسمع منهم أصواتاً عالية فى خلواتهم، يظنها السامع أصوات أناس حريصين على المجد والشرف، فإذا خرجوا إلى الطرقات ساقهم أضعف أوروبى بعصاه، وهم بين يديه وهم كقطعان الغنائم تساق إلى الحظائر».
ونتيجة لظروف صحية، أو على الأرجح سياسية، إلى مغادرة مصر، وإلى مفارقة الصحيفة التى أدلى فيها بدلائه، وكانت خير معرض لأفكاره وآرائه. وفى الثالث من شهر يونيو 1893 ودع النديم قراءه فى كلمة له بعنوان «تحية وسلام» شكر فيها للقراء حسن عنايتهم به وإقبالهم عليه.
وذكر لهم أنه صمد لطائفة من التهم التى وجهت إليه، ومنها التعصب الدينى، وأنه محرر ثوري، وأنه نصح لأعمال الأوروبيين، وهو يشكر للصحف التى دافعت عنه ضد هذه التهم كجريدة المؤيد والأهرام والوطن وبعض الصحف الأجنبية فى مصر وأوروبا. ويختتم مقالته بقوله: «وكنت أود لو دامت لى صحتى، ولكنى أصبت بضعف فيها، وأشار عليّ جميع الأطباء بتغيير الهواء خارج القطر المصرى».

__________________
الحمد لله في السراء والضراء .. الحمد لله في المنع والعطاء .. الحمد لله في اليسر والبلاء


Save
رد مع اقتباس