عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم July 29, 2009, 08:17 PM
 
رد: قرية ظالمة - رواية - محمد كامل حسين - حصريا من معرفتي

مقالة مهمة وجدتها اليوم عن الرواية في موقع العرب نيوز

قرية ظالمة.. رواية تعري بني صهيون

11/18/2008

العرب نيوز- محمد سيد بركة : رواية " قرية ظالمة " مؤلفها هو الدكتور محمد كامل حسين (جراح العظام المصري) الذي كتب العديد من الدراسات العلمية والأدبية وكان عضوًا بالمجمع العلمي المصري ومجمع اللغة العربية . وتُعدّ هذه الرواية من أجمل ما كَتب الدكتور محمد كامل حسين، بل يراها البعض أجمل ما كُتِب عن الأيام الأخيرة للسيد المسيح. تناول المؤلف في هذه القصة بأسلوب راق وسرد شائق مشكلات الإنسان النفسية والفكرية والاجتماعية المزمنة. وقد ترجمت إلى لغات عديدة كالإنجليزية والفرنسية والأسبانية والهولندية والتركية، واستحق من أجلها جائزة الدولة في الأدب عام 1957 ، وقد قامت دار الشروق المصرية بإعادة نشرها في طبعة جديدة مؤخرًا.

رواية تعري بني صهيون

تقع معظم أحداث الرواية في اليوم الذي أجمع بنو إسرائيل أمرهم بأن يطلبوا من الرومان صلب السيد المسيح عليه السلام .. وتبدأ الرواية بمقدمة تكاد تحدد الموضوع عندما تقول : ذلك اليوم أراد الناس أن يقتلوا ضميرهم ، وفي هذا الذي أرادوه تتمثل نكبة الإنسانية الكبرى ، وفي أحداث ذلك اليوم تبيان لكل ما يدفع الناس إلى الإثم ، فلم يحدث في العالم شر إلا كان أصله ما يريد الناس من قتل ضميرهم وإطفاء نوره والتماس الهدى في غير سبيله ، ولن يصيب الناس إلا أن يكون مرجعهم ما تعتريهم من رغبة في تجاهل أوامر الضمير ، وليست أحداث ذلك اليوم من أنباء القرون الأولى بل هي نكبات تتجدد كل يوم في حياة كل فرد . تنقسم الرواية إلى ثلاثة أقسام : الأول يمثل مجتمع بني إسرائيل وموقفهم من المسيح ، ويختار المؤلف عددًا من الشخصيات لتحقيق هدفه الفني وهو إدانة القتل ؛ فجميع الشخصيات في هذا القسم يجمعون على براءة المسيح مما يوجه إليه من تهم ؛ حتى مفتي بني إسرائيل نفسه يريد أن يرجع في فتواه بالصلب فيقول : "إني لن أفتي بعد اليوم .. إنهم أساؤا فهم فتواي ويريدون أن يقتلوا رجلاً لا أرى ضميري يرضى عن قتله" . أما ممثل الاتهام فهو يتشكك في ذلك فيذهب إلى صديق له ويتحاور معه في الأمر فيقول له : "إني أريد أن اهتدي إلى الصواب في هذا الأمر البسيط . أَصلب هذا الرجل اليوم حق أم باطل ؟" . حاسب ضميرك وحده ثم أخلص لهذا الضمير ، وليس عليك أن تعلم هل سيرى الناس عملك حقًا بعد مئات السنين فليس للإنسان سبيل إلى ذلك .. إن ضميري وحده لا يرى عليه مأخذًا وهل ستقول ذلك اليوم ؟ وددت لو استطعت إنقاذه . ومع ذلك ينتهي هذا القسم باستسلام الجميع للدعوة إلى فكرة صلب المسيح . أما القسم الثاني فيصور مجتمع الحواريين حول ما ينبغي أن يفعلوه ليدافعوا عن المسيح ومن خلال هذا الحوار رآهم يختلفون ؛ فمنهم من يرى العنف طريقًا "إن كنتم تحرصون على الدين فالرأي أن تنقذوا السيد بالقوة لا بالاقتناع ولا الاسترحام ولا بالحديث عن العدل والحب" . بينما يرفض البعض ذلك لأن دعوة المسيح في جوهرها ضد العنف ، ويظلون على ذلك الاختلاف حتى يحسم المسيح كما جاء في الرواية ذلك من خلال رجل كان ينقل للحواريين أوامره .. "إنه يأمركم أن تنصرفوا إلى العبادة والصلاة وأن تتركوه حتى يتم الله أمره فيه". وفي القسم الثالث يصور المؤلف أخلاق الرومان ونظامهم السياسي والاجتماعي وهو نظام يقوم على تمجيد القوة. ثم يتحدث بعد ذلك عن إظلام الدنيا ولحظة الإظلام هذه تمثل الرؤية الإسلامية عند المؤلف تأكيدًا لأن المسيح لم يصلب وإنما رفع إلى السماء كما تذكر آيات القرآن الكريم ، وتتضح رؤية المؤلف هذه من خلال الحكيم الماجي عندما أقبل على الحواريين وهم في غاية اليأس فيقول لهم : "ما بكم .. لا يزال الحزن يفتت أكبادكم .. إن كنتم تحزنون من أجله فإن الله قد رفعه إليه ، وسيأتيكم نبأه عما قريب" .. وفي نهاية الرواية يقول المؤلف : في أحداث يوم الجمعة ذلك كل عوامل الضلال والخطأ ، وفي كل يوم من أيام الحياة تتكرر مآسي ذلك اليوم فليتدبر الناس هذه العوامل وليجتنبوها وسيجدون بعد ذلك أمامهم مجالاً واسعًا لعمل الخير يسعدون به فينعمون بحياة طيبة جميلة . وقد غلبت الأفكار في الرواية .. فالحوار دائمًا حوار فكري ولا يكاد يخلو من ذكر الضمير ، وتتحدث الشخصيات عن النظام والضمير والحق والقوة وقضية العقل والدين من خلال حوار الفيلسوف بيلاتوس ، وقضية المعنويات والماديات من خلال حوار الحكيم الماجي والفيلسوف . ويأتي بناء الرواية غير مترابط ؛ فالقسم الأول يكاد يكون قائما بذاته ومنفصلاً عن بقية الرواية .. أما القسمان الآخران فبينهما شبه اتصال والشخصيات في الرواية مسطحة لأنها غير مقصودة لذاتها وإنما تحتل المرتبة الثانية لأفكار المؤلف وقد صدرت الرواية في طبعتها الأولى سنة 1945 ، وكانت في بعض جوانبها صدىً لما كان يدور في المجتمع المصري من صراعٍ حادٍ على السلطة بين ثورة يوليو والتيارات السياسية الأخرى . والرواية بها دعوة عميقة للتأمل الهادئ والجدل الحر حول أخطر قضايا البشر على مدار العصور وهذا ما يجعلها تتجدد بالمطالعة وتكتسب من الأبعاد الدلالية والتاريخية مالم يتوافر عند صدورها .

حياة في خدمة العلم

ولد الدكتور محمد كامل حسين في العشرين من مارس عام 1901 م وحصل على دبلوم الطب ولم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، ثم أمضى سنوات الامتياز في قصر العينى، وفى عام 1925 سافر في بعثة دراسية إلى إنجلترا وأمضى هناك خمس سنوات حصل خلالها على عدة ألقاب علمية منها زمالة الجراحين الملكية، وماجستير جراحة العظام فكان بذلك أول مصرى يجمع بين زمالة كلية الجراحين بإنجلترا وماجستير جراحة العظام في ليفربول، ولم تحل الدراسة العلمية ولا بعده عن الوطن آنذاك بينه وبين متابعة أبحاثه الأدبية والاجتماعية التى ظل يراسل بها الصحف المصرية طوال مدة غيابه عن وطنه. ولما عاد إلى مصر في عام 1930 تولى مهام التدريس في كلية الطب جامعة القاهرة وأنشأ قسمًا لجراحة العظام .. تدرج بعدها كامل حسين في مناصب هيئة التدريس فأصبح أستاذًا مساعدًا للدراسات العليا للجراحة عام 1936، ثم أستاذًا لجراحة العظام عام 1940. ولما تولى طه حسين وزارة المعارف رأى أن محمد كامل حسين هو الشخص الذى يقدر على تحمل تبعات إنشاء جامعة جديدة فعينه مديرًا لجامعة إبراهيم (عين شمس حاليًا) عام 1950. ورغم حداثة هذه الجامعة وضخامة مشاكلها فإن محمد كامل حسين كان له الفضل الأكبر في إيجاد كيان متميز لها، ورغم العوائق الشديدة التى واجهته أثناء تكوين هذه الجامعة فقد كان يرى أن القانون يعطى للجامعة استقلالها، فإذا عبث أحد بهذا الاستقلال فهذا ليس ذنب القانون، كما كان يرى ضرورة توفير حماية النشر والتعبير لأساتذة الجامعة، وضرورة ذلك عند عرض موضوعات أبحاثهم ودراساتهم على المجتمع للاستفادة منها. وكان كامل حسين شديد الولع بالدراسة والاطلاع في كافة المجالات العلمية والأدبية، وقد أوضح طه حسين ذلك بقوله : "إنَّ الدكتور محمد كامل حسين كان من أشد الناس حبًا للقراءة وأعظمهم بها كلفًا وأكثرهم عليها إقبالاً ... وهو لا يقرأ بقلبه وحده ولا يقرأ بعقله وحده وإنما يقرأ بهما معًا". ونتيجة لأنشطة الدكتور محمد كامل حسين المتعددة عين عضوًا في عدد كبير من الهيئات العلمية منها المعهد العلمى المصرى شعبة علم الأحياء، ومجمع الجراحة بباريس، والجمعية البريطانية لجراحة العظام. وعندما انتخب عضوًا بمجمع اللغة العربية عام 1952 برز نشاطه من خلال مشاركته في المجلس والمؤتمر واللجان، وخاصة لجنة المصطلحات الطبية التى ساهم بجهد كبير في نشاطها، وكذلك مساهمته في أعمال لجنة المعجم اللغوى الوسيط، ولجنة الأدب. وكانت قراءاته الشخصية وإحساسه المرهف سببًا في تكوينه أديبا ممتازًا، ومن مؤلفاته أيضًا : الوادي المقدس ، وقوم لا يتطهرون ، والذكر الحكيم ، واللغة العربية المعاصرة والتحليل البيولوچى للتاريخ ، ووحدة المعرفة .. وغيرها من المؤلفات. وقد منح كامل حسين جائزة الدولة التقديرية عام 1966 في العلوم فكان أول من منح جوائز الدولة في كلٍ من الآداب والعلوم. وظل الدكتور كامل حسين عضوًا بمجلس جامعة عين شمس حتى وفاته ؛ يشارك بآرائه السديدة في صنع أجيال الجامعيين، كما اختير عضوًا بمجلس جامعة الأزهر، وكان لفترة طويلة في حياته عضوًا بالمجلس الأعلى للجامعات. وكان محمد كامل حسين عالمًا حقًا وبأدق معنى لهذه الصفة فهو يؤمن بالتجربة إيمانًا لا يقل عن إيمانه بالعقل، يؤمن بالتجربة لأنها سبيل كسب المعلومات والكشف عن الحقيقة، ويلاحظ بحق أن ميزة الطب الحديث هى أنه طب التجربة والمشاهدة في حين أن الطب القديم، أو بعبارة أدق طب اليونان، اعتمد على الوصفات الشائعة والقضايا المسلمة. وكان يرى أن الاتصال المباشر بالطبيعة عن طريق الملاحظة والتجربة يربطنا بها ويمكننا من أن نستنتج ونستنبط ونكشف عن قوانينها. كان محمد كامل حسين مولعًا بالمنهج والدراسة المنهجية، ويؤثر منهجين واضحين في دراساته وهما المقارنة والتحليل، فيقارن الظواهر بعضها ببعض، ويقارن الفكرة بالأخرى .. يقارن ليكشف عن مواطن الضعف والقوة، ويتبين جوانب الكمال، وهو لم يطبق التحليل على العلم وحده بل طبقه على الأدب أيضًا وقدم في ذلك أمثلة رائعة. وقل أن تجد من يقبل على الثقافة إقباله، ويحب القراءة حبه، فإذا أعلن عن محاضرة عامة في علم أو أدب أو فلسفة تراه في مقدمة المستمعين، وإذا ظهر كتاب قيم في العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية تجده من أوائل القارئين. ولكن .. كيف كان يوفق بين هذا وبين أعبائه المتعددة في درسه؟ وفى عيادته الخاصة؟ وفى سهره على مرضاه في منازلهم أو في المستشفيات؟ كامل حسين أديب من طراز خاص ؛ أدبه ثمرة قراءاته المستفيضة وحسه المرهف واطلاعه الواسع. وقد اختلط أدبه بالعلم والفلسفة، بالاجتماع والتاريخ، والحقيقة أن علمه نمى ميوله الأدبية ؛ لأنه كان يرى أن الحقائق العلمية في أمس الحاجة إلى تعبير سليم يكشف عنها ولغة سهلة تقربها إلى الأذهان. وكامل حسين كما ذكرنا مولع بالتحليل، فيستعين بنظرية التحليل النفسى التى قال بها "فرويد" و "يانج" برغم عدم تسليمه بها سيكولوجيًا في توضيح بعض الظواهر الأدبية، فيلاحظ مثلاً أن ما في شعر المتنبي من تعقيد لم يجئ عفوًا، وإنما كان وليد عقدة نفسية ذلك لأن الشاعر الذى شغل الدنيا وملأ الأسماع قد خاب أمله وأخفق في محاولات شتى. ويذهب إلى أن الدولة العثمانية مثلاً انهارت بسبب الحرمان أكثر مما أثر فيها البطش والاستبداد، وغيرها من الآراء التى أوردناها فقط لنبين مدى تأثر أدب كامل حسين بالتحليل، فهو أدب تحليلى يقاس فيه اللفظ بمقياس المعنى، فإن لم يلائمه عَدَلَ عنه إلى لفظ آخر أكثر ملائمة. وكان محمد كامل حسين يؤمن بأن اللغة العربية لغة حية، كفيلة بأن تؤدى رسالة العلم والحضارة اليوم كما أدتها بالأمس. وحياة كل لغة بحياة أهلها فهم الذين يستطيعون أن يغذوها وينموها، أن يلائموا بينها وبين حاجات العصر ومقتضياته. ويلمس أديبنا الصراع بين العربية والعامية ويراه دورًا من أدوار التطور في حياة اللغة وعلينا أن نواجهه ؛ ولا سبيل إلى ذلك إلا بتيسير العربية على الناس كتابة وقراءة وتعليمًا، وبهذا تحيَّا وتنتشر ويُقبل عليها النشء.


رد مع اقتباس