فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > بحوث علمية

بحوث علمية بحوث علمية , مدرسية , مقالات عروض بوربوينت , تحضير ,دروس و ملخصات



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم November 8, 2011, 01:45 AM
 
Messenger3 بحث شامل متكامل عن طلب العلم ، طلب العلم واساليبه واسباب العزوف عنه، معوقات طلب العلم،

مقدمة:
فإن من نعم الله -جل وعلا- علينا جميعا أن هيأ لنا مثل هذه الدورات العلمية التي هي من أعظم ما يتعبد به المرء في هذا الزمان من النوافل، بل قد قال أهل العلم: إن أفضل النوافل على الإطلاق طلب العلم، وفضَّل الإمام أحمد وجماعة من الأئمة والمحققين فضلوا طلب العلم على غيره، فجعلوا طلب العلم الذي ينفع المرء في دينه في عقيدته وفي عباداته وفي معاملاته جعلوه أفضل من الجهاد النفل.

وهذا ظاهر؛ لأن العلم متعدٍ، العلم يتعداك إلى غيرك فتنفع به نفسك وتنفع به غيرك؛ ولهذا قال جماعة من أهل العلم: لأجل فضل العلم ما أمر الله -جل وعلا- نبيه أن يستزيد من شيء إلا من العلم، فقال جل جلاله: وَقُلْ رَبِّي زِدْنِي عِلْمًا ؛ لهذا ينبغي لنا أن نرعى هذه النعمة، وأن نقبل عليها ألا وهي وجود مثل هذه الدورات التي يشرح فيه الشيء الكثير في الوقت القليل.

فربما لم يمكنا أن نشرح متنا من المتون إلا في سنة، لكن لأجل هذه الدورات فإنها يمكن معها أن يشرح المتن في عشرة أيام أو في عشرين يوما بحسب ما يتيسر من الحال.

لهذا ينبغي على كل طالب علم أن يجتهد في هذه الدورات في الحضور وفي المراجعة قبل وبعد، وأن يجعل هذه الأسابيع قليلة وسيلة للعبادة، بل ينوي بها التعبد في حضوره للعلم، وفيما يستعد له قبل وبعد، وهذا يعني أن تحض نفسك ومن تعرف ممن يمكنهم أن يحضروا ويحملوا العلم ويستمعوا إليه، أن تحضهم على حضور هذه الدورات سواء التي في هذا المسجد المبارك أم في غيره؛ لأن العلم مطلوب تحصيله، ومطلوب نشره.

وإن العلم لا ينتزعه الله -جل وعلا- ولا يرفعه من العباد هكذا نزعا، وإنما بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا.

لهذا من أعظم ما أتعلم له، وكل محب لدين الله يتعلم له أن يسمع هذا الحديث، وينظر إلى قلة من هو جاد في طلب العلم، ويخشى أن يأتي زمان يتكلم في العلم من هو نتفة فيه يأخذ من هاهنا وهاهنا، ثم يتصدر بين الناس فيكون ممن قال فيه عليه الصلاة والسلام: حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا اتخذوا رؤوسا جهالا؛ لأنهم ظنوا أنهم علماء أو أنهم من أهل العلم فسئلوا وهم في الحقيقة جهلة لم يحصلوا من العلم ما به ترسخ أقدامهم فيه، ويرسخ قلبهم في فهم العلم في فهم كلام الله -جل وعلا- وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- فسألهم الناس فأفتوا بغير علم؛ لأن علمهم إما معدوم، أو مشوَّش؛ فأفتو بغير علم فضلوا وأضلوا.

بهذا ينبغي أن تحتسب أنفاسك، وأن تحتسب عمرك في طلب العلم، وفي الحض عليه، وفي حفظه وفي تدارسه فهو أفضل أنواع الجهاد في هذا الزمان، فليس ثم نوع من أنواع الجهاد الذي يجاهد به أعداء الله -جل وعلا-، ويجاهد به الصد عن دين الله -جل وعلا- في هذا الزمان، بل وفي غيره مثل العلم؛ ولهذا -كما ذكرت لك- فضَّل العلماء طلب العلم على غيره من النوافل، واختلفوا هل هو أفضل من الجهاد النفل - التطوع - أم لا ؟

والصحيح أن طلب العلم أفضل؛ لعظم آثاره ولعظم فضله، ثم إن طالب العلم ينبغي له أن يتأدب بآداب أهل العلم وحملة العلم ومحصليه، وهذه الآداب ذكرناها لكم مرارا في دورات سبقت، ولا بد من تعاهدها.

فمن أعظمها: أن يكون مجاهدا نفسه في الإخلاص لله -جل وعلا-، وفي أنه يكون ذا نية صحيحة في العلم، فالعلم عبادة، ولا يقبل إلا بنية صالحة، وبإخلاص لله -جل وعلا- كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى فكل امرئ له ما نواه، فإذا كانت نيته صالحة فإن عمله يكون عبادة مع توفر الشرائط الأخرى وانتفاء الموانع؛ لهذا من أعظم أسباب البركة في العلم أن تكون نيتك صالحة في العلم، ومعنى النية في العلم: أن تنوي رفع الجهل عن نفسك بما تتعلم، فالجاهل هو الذي يقول: العلم معروف، والأحكام معروفة والحمد لله، العقيدة معروفة، هذا كلام جهلة.

وأما الذي شذى طرفا من العلم فإنه كما قال عمر: "من قال أنا عالم فهو جاهل". يعلم أن العلم واسع كثير؛ ولهذا يصعب تحصيله في وقت قصير، بل وقت تحصيل العلم العمر كله، وقت تحصيل العلم عمرك كله من أوله إلى آخره.

ولهذا جاء: "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد". قال العلماء: النية في طلب العلم تأتي مع العلم، كما قال طائفة من أئمة الحديث: طلبنا العلم وليس لنا فيه نية، ثم جاءت النية بعد؛ لأنه لما تعلم العلم علم أنه لا بد أن ينوي فيه نية صالحة، وأن يتقرب به إلى الله فنوى بعد أن تعلم.

وقال آخرون من أئمة أهل الحديث:

"طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله" يعني: أنهم حين طلبوه طلبوه لنوايا، قد تكون منافسة، وقد تكون مجاملة، وقد تكون، وقد تكون، لكنه أبى أن يكون إلا لله؛ لأن العبد الذي يريد رضا ربه -جل وعلا- إذا حضر العلم وسمع كلام الله -جل وعلا- وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعلم معنى كلام الله وكلام رسوله فإنه لن يفر من الله إلا إلى الله -جل وعلا-؛ لتصحيح النية وتصحيح القلب، وإسلام الوجه والنفس لله -جل وعلا- وحده.

فإذن النية الصالحة في العلم أن تنوي رفع الجهل عن نفسك، ثم أن تنوي رفع الجهل عن غيرك، فمن استقام له هذان الأمران أو الأول منهما فهو على نية صالحة في العلم فيرجى له القبول، وهذا القصد وهذه النية تنفعك كثيرا إذا استحضرتها في العلم، وطالما نفعت غيرك في أنك إذا نويت رفع الجهل عن نفسك فإنك ستستحضر دائما أنك تجهل أشياء كثيرة، تجهل أشياء كثيرة في العقيدة، تجهل أشياء كثيرة في التوحيد، تجهل أشياء كثيرة في معنى كلام الله في القرآن، معنى كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- في العبادات في المعاملات، العلم واسع فإذا أحسست بأنك تجهل كثيرا، وأنك تنوي وتجاهد على رفع الجهل عن نفسك فإنك ستجتهد أكثر وأكثر في طلب العلم وفي حفظه وفي مدارسته.

هذه مقدمة بين يدي هذه الدورة التي أسأل الله -جل وعلا- أن يجزي القائمين عليها خيرا، وأخص بالذكر منهم أخانا الشيخ "فهد الغراب" وفقه الله لكل خير، فلقد علمته مجتهدا خير اجتهاد في أن ينفعكم، فلا تحرموه مع إخوانه وزملائه الذين أسهموا في إقامة هذه الدورة لا تحرموهم من دعائكم الصالح مع تجزيتهم خيرا، فأسأل الله -جل وعلا- لنا ولهم القبول والسداد في الأقوال والأعمال، وأن يغفر لنا ولهم ولوالدينا ولمشايخنا ولأحبابنا أجمعين إنه سبحانه جواد كريم نعم.

الفصل الاول:
المبحث الاول:تعريف العلم
من الصعب تعريفالعلم . لهذا يقول إدغار موران : ( السِِؤال ما العلم ؟ لا جواب له ) .

فيالعصور القديمة كانت كل معرفة تسمى علما . غير أنه منذ القرن 17 م حاول العلماء فصلبعض المعارف التي و صلت إلى درجة من الضبط و الدقة والشمول عن الفلسفة وسموهابالعلم . لذلك سميت الفلسفة بأم العلوم لانها مصدر كل معرفة إنسانية .
و قد حاولبعض المفكرين تعريف العلم و من تلك التعريفات مايلي :
1 - تعريف لالاند) : العلم يطلق على مجموعة من المعارف والأبحاث التى توصلت إلى درجة كافية من الوحدةوالضبط و الشمول بحيث تفضي إلى نتائج متناسقة فلا تتدخل في ذلك أذواق الدارسين وإنما ثمة موضوعية تؤيدها مناهج محددة للتحقق من صحتها ) .
2 - تعريف جون ديوي ) : العلم هو كل دراسة منظمة قائمة على منهج واضح مستندة إلى الموضعية يمكن أن نسميهاعلما . سواء أفضت بنا إلى قوانين أو أدت بنا إلى قواعد عامة تقريبية) .
3 - تعريف الأخضر زكور : ( العلم هو كل معرفة نظرية أو عملية موحدة و منظمة لميدان معينمن لظاهرات الوجود و فق منهج معين وأدى إلى حقائق مطلقة أو نسبية قابلة للتكرار).
4 - تعريف الأخضر زكور : ( العلم هو كل ما اكتسب بملاحظة جادة وتجربة موضوعيةمن حقائق أو قوانين أو قواعد لسلوك الظاهرات الكونية من حيث حدوثها وتكرارها متعلقةبجوانبها النظرية و العملية لميدان معين و بمنهج معين معترف به ومتفق عليه عند أهلذلك الاختصاص) .
5 - تعريف الأخضر زكور : ( العلم هو نسق من المعارف المكتسبةالنظرية و العملية المضبوطة الدقيقة التي تعبر عن العلاقات بين الموجودات لميدانمعين والقابلة للتكرار و الإثبات بمنهج معين ذات صدق مطلق أو نسبي ) .
ويقال ايضا
العلم
لغة: نقيض الجهل، وهو: إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً.

اصطلاحاً: فقد قال بعض أهل العلم: هو المعرفة وهو ضد الجهل، وقال آخرون من أهل العلم: إن العلم أوضح من أن يعرف.
والذي يعنينا هو العلم الشرعي، والمراد به : ((علم ما أنزل الله على رسوله من البيانات والهدى)) ، فالعلم الذي فيه الثناء والمدح هو علم الوحي، علم ما أنزله الله فقط قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ))(1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)) (2) .
ومن المعلوم أن الذي ورثه الأنبياء إنما هو علم شريعة الله – عز وجل – وليس غيره، فالأنبياء – عليهم الصلاة والسلام _ ما ورثوا للناس علم الصناعات وما يتعلق بها، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وجد الناس يؤبرون النخل – أي يلقحونها – قال لهم لما رأى من تعبهم كلاماً يعني أنه لا حاجة إلى هذا ففعلوا، وتركوا التلقيح، ولكن النخل فسد، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : (( أنتم أعلم بشؤون دنياكم )) (3).
ولو كان هذا هو العلم الذي عليه الثناء لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الناس به، لأن أكثر من يثنى عليه بالعلم والعمل هو النبي صلى الله عليه وسلم .

إذن فالعلم الشرعي هو الذي يكون فيه الثناء ويكون الحمد لفاعله، ولكني مع ذلك لا أنكر أن يكون للعلوم الأخرى فائدة، ولكنها فائدة ذات حدين : إن أعانت على طاعة الله وعلى نصر دين الله وانتفع بها عباد الله، فيكون ذلك خيراً ومصلحة، وقد يكون تعلمها واجبا في بعض الأحيان إذا كان ذلك داخلاً في قوله تعالي: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ َ) (الأنفال:60) .
وقد ذكر كثير من أهل العلم أن تعلم الصناعات فرض كفاية ، وذلك لأن الناس لابد لهم من أوانٍ يطبخون بها، ويشربون بها ، وغير ذلك من الأمور التي ينتفعون بها، فإذا لم يوجد من يقوم بهذه المصانع صار تعلمها فرض كفاية. وهذا محل جدل بين أهل العلم، وعلى كل حال أود أن أقول إن العلم الذي هو محل الثناء هو العلم الشرعي الذي هو فقه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما عدا ذلك فإما أن يكون وسيلة إلى خير أو وسيلة إلى شر، فيكون حكمه بحسب ما يكون وسيلة إليه.

المبحث الثاني:حكم طلب العلم
طلب العلم الشرعي فرض كفاية إذا قام به من يكفي صار في حق الآخرين سنة، وقد يكون طلب العلم واجباً على الإنسان عيناً أي فرض عين، وضابطه أن يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها أو معاملة يريد القيام بها، فإنه يجب عليه في هذه الحال أن يعرف كيف يتعبد لله بهذه العبادة وكيف يقوم بهذه المعاملة، وما عدا ذلك من العلم ففرض كفاية وينبغي لطالب العلم أن يشعر نفسه أنه قائم بفرض كفاية حال طلبه ليحصل له ثواب فاعل الفرض مع التحصيل العلمي.

ولا شك أن طلب العلم من أفضل الأعمال، بل هو من الجهاد في سبيل الله، ولاسيما في وقتنا هذا حين بدأت البدع تظهر في المجتمع الإسلامي وتنتشر وتكثر، وبدأ الجهل الكثير ممن يتطلع إلى الإفتاء بغير علم، وبدأ الجدل من كثير من الناس ، فهذه ثلاثة أمور كلها تحتم على الشباب أن يحرص على طلب العلم.
أولا: بدع بدأت تظهر شرورها.
ثانيًا: أناس يتطلعون إلى الإفتاء بغير علم.
ثالثاً: جدل كثير في مسائل قد تكون واضحة لأهل العلم لكن يأتي من يجادل فيها
بغير علم.
فمن أجل ذلك فنحن في ضرورة إلى أهل علم عندهم رسوخ وسعة اطلاع، وعندهم فقه في دين الله، وعندهم حكمة في توجيه عباد الله لأن كثيراً من الناس الآن يحصلون على علم نظري في مسألة من المسائل ولا يهمهم النظر إلى إصلاح الخلق وإلى تربيتهم، وأنهم إذا أفتوا بكذا وكذا صار وسيلة إلى شر أكبر لا يعلم مداه إلا الله.
المبحث الثالث:فضل العلم والعلماء واهمية العلم

لقد مدح الله – سبحانه وتعالى العلم وأهله، وحثَ عباده على العلم والتزود منه وكذلك السنة المطهرة.
فالعلم من أفضل الأعمال الصالحة، وهو من أفضل وأجلَ العبادات، عبادات التطوع، لأنه نوع من الجهاد في سبيل الله، فإن دين الله – عز وجل – إنما قام بأمرين :
أحدهما: العلم والبرهان.
والثاني: القتال والسنان، فلا بد من هذين الأمرين، ولا يمكن أن يقوم دين الله ويظهر إلا بهما جميعاً ، والأول منهما مقدًم على الثاني، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغيٌر على قوم حتى تبلغهم الدعوة إلى الله - عز وجل – فيكون العلم قد سبق القتال.
قال تعالي: )أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) (الزمر، الآية:9) فالاستفهام هنا لابد فيه من مقابل أمن هو قائم قانت آناء الليل والنهار أي كمن ليس كذلك، والطرف الثاني المفضل عليه محذوف للعلم به، فهل يستوي من هو قانت آناء الليل ساجداً أو قائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، هل يستوي هو ومن هو مستكبر عن طاعة الله ؟
الجواب: لا يستوي فهذا الذي هو قانت يرجو ثواب الله ويحذر الآخرة هل فعلُهُ ذلك عن علم أو عن جهل ؟ الجواب : عن علم، ولذلك قال: ]هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [ (الزمر الآية: 9) . لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت، والسميع والأصم، والبصير والأعمى، العلم نور يهتدي به الإنسان، ويخرج به من الظلمات إلى النور، العلم يرفع الله به من يشاء من خلقه ] يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [ (المجادلة: الآية11). ولهذا نجد أن أهل العلم محل الثناء، كلما ذُكروا أثنى الناس عليهم، وهذا رفع لهم في الدنيا، أما في الآخرة فإنهم يرتفعون درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله والعمل بما علموا .
إن العابد حقًا هو الذي يعبد ربه على بصيرة ويتبين له الحق، وهذه سبيل النبي صلى الله عليه وسلم ] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ (يوسف الآية : 108)
فالإنسان الذي يتطهر وهو يعلم أنه على طريق شرعي، هل هو كالذي يتطهر من أجل أنه رأى أباه أو أمه يتطهران؟ .
أيهما أبلغ في تحقيق العبادة ؟ رجل يتطهر لأنه علم أن الله أمر بالطهارة وأنها هي طهارة النبي صلى الله عليه وسلم فيتطهر امتثالاً لأمر الله واتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أم رجل آخر يتطهر لأن هذا هو المعتاد عنده ؟ .
فالجواب: بلا شك أن الأول هو الذي يعبد الله على بصيرة. فهل يستوي هذا وذاك؟ وإن كان فعل كل منهما واحداً ، لكن هذا عن علم وبصيرة يرجو الله ـ عز وجل ـ ويحذر الآخرة ويشعر بأنه متبع للرسول صلى الله عليه وسلم وأقف عند هذه النقطة وأسأل هل نستشعر عند الوضوء بأننا نمتثل لأمر الله – سبحانه وتعالى- في قوله : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن) [ (المائدة: الآية6).
هل الإنسان عند وضوئه يستحضر هذه الآية وأنه يتوضأ امتثالاً لأمر الله؟ .
هل يستشعر أن هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يتوضأ اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: نعم، الحقيقة أن منا من يستحضر ذلك، ولهذا يجب عند فعل العبادات أن نكون ممتثلين لأمر الله بها حتى يتحقق لنا بذلك الإخلاص وأن نكون متبعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم . نحن نعلم أن من شروط الوضوء النية، لكن النية قد يراد بها نية العمل وهذا الذي يبحث في الفقه ، وقد يراد بها نية المعمول له وحينئذٍ علينا أن نتنبه لهذا الأمر العظيم، وهي أن نستحضر ونحن نقوم بالعبادة أن نمتثل أمر الله بها لتحقيق الإخلاص، وأن نستحضر أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلها ونحن له متبعون فيها لتحقيق المتابعة؛ لأن من شروط صحة العمل:
الإخلاص.
والمتابعة.
اللذين بها تتحقق شهادة أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم .
نعود إلى ما ذكرنا أولاً من فضائل العلم، إذ بالعلم يعبد الإنسان ربه على بصيرة، فيتعلق قلبه بالعبادة ويتنور قلبه بها، ويكون فاعلاً لها على أنها عبادة لا على أنها عادة، ولهذا إذا صلى الإنسان على هذا النحو فإنه مضمون له ما أخبر الله به من أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
ومن أهم فضائل العلم ما يلي:
1- أنه إرث الأنبياء، فالأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – لم يورثوا درهماًَ ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم، فمنْ أخذ بالعلم فقد أخذ بحظ وافر من إرث الأنبياء، فأنت الآن في القرن الخامس عشر إذا كنت من أهل العلم ترث محمداً صلى الله عليه وسلم وهذا من أكثر الفضائل.
2- أنه يبقى والمالي يفنى، فهذا أبو هريرة - رضي الله عنه – من فقراء الصحابة حتى إنه يسقط من الجوع كالمغمي عليه وأسألكم بالله هل يجري لأبي هريرة ذكر بين الناس في عصرنا أم لا ؟ نعم يجري كثيرا فيكون لأبي هريرة أجر من انتفع بأحاديثه، إذ العلم يبقى والمال يفنى، فعليك يا طالب العلم أن تستمسك بالعلم فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )) (4)
3- أنه لا يتعب صاحبه في الحراسة؛ لأنه إذا رزقك الله علماً فمحله في القلب لا يحتاج إلى صناديق أو مفاتيح أو غيرها، هو في القلب محروس، وفي النفس محروس، وفي الوقت نفسه هو حارس
لك؛ لأنه يحميك من الخطر بإذن الله – عز وجل – فالعلم يحرسك، ولكن المال أنت تحرسه تجعله في صناديق وراء الإغلاق، ومع ذلك تكون غير مطمئن عليه.
4- أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق، والدليل قوله تعالي: ] شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ (آل عمران: الآية18). فهل قال: (( أولو المال))؟ لا، بل قال : ] وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ [ فيكفيك فخراً يا طالب العلم أن تكون ممن شهد لله أنه لا إله إلا هو مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله – عز وجل –
5- أن أهل العلم هو أحد صنفي ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله تعالي: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [ (النساء:الآية59). فإن ولاة الأمور هنا تشمل ولاة الأمور من الأمراء والحكام، والعلماء وطلبة العلم؛ فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها.
6- أن أهل العلم هو القائمون على أمر الله تعالى حتى تقوم الساعة، ويستدل لذلك بحديث معاوية – رضى الله عنه – يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوم: (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله )) (5) . رواه البخاري.
وقد قال الإمام أحمد عن هذه الطائفة: (( إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم )).
وقال القاضي عياض – رحمه الله - : (( أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث)).
7- أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرغب أحداً أن يغبط أحداً على شيْ من النعم التي أنعم الله بها إلا على نعمتين هما:
1- طلب العلم والعمل به.
2- التاجر الذي جعل ماله خدمة للإسلام. فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعلمها)) (6)
8- ما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكان منها طائفة طيبة، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تُمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقُُه في دين الله ونفعهُ ما بعثني الله به ، فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ، ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلتُ به)) (7) .
9- أنه طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ومن سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة. )) (8) . رواه مسلم.
10- ما جاء في حديث معاوية – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من يرد الله به خيراً يُفقهه في الدين )) (9). أي يجعله فقيهاً في دين الله – عز وجل - ، والفقه في الدين ليس المقصود به فقه الأحكام العملية المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط، ولكن المقصود به هو: علم التوحيد، وأصول الدين، وما يتعلق بشريعة الله – عز وجل -. ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنة إلا هذا الحديث في فضل العلم لكان كاملاً في الحثً على طلب علم الشريعة والفقه فيها.
11- أن العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه، وكيف يعامل عباده، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة.
12- أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم، ولا يخفي على كثير منّا قصة الرجل الذي من بني إسرائيل قتل تسعا ًوتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عابد فسأله هل له من توبة ؟ فكان العابد استعظم الأمر فقال: لا. فقتله فأتم به المائة، ثم ذهب إلى عالم فسأله فأخبره أن له توبة وأنه لاشيء يحول بينه وبين التوبة ، ثم دله على بلد أهله صالحون ليخرج إليها،فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق.والقصة مشهورة(10). فانظر الفرق بين العالم والجاهل.
13- أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله – عز وجل – والعمل بما علمـوا ، وفي الدنيا يرفعهم الله بين عبـاده بحسب ما قاموا به. قال الله تعالى: ] يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[ (المجادلة: الآية11).
الفصل الثاني:
المبحث الاول:اداب طالب العلم
إخلاص النية لله تعالى:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تعلّم علماً مما يبتغَى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)) يعني ريحها[1].
قال الإمام أحمد: "العلم لا يعدله شيء لمن صحّت نيته"، قالوا: كيف ذلك؟ قال: "ينوي رفع الجهلَ عن نفسه وعن غيره"[2].
وعن عمر بن ذر أنه قال لوالده: يا أبي، ما لك إذا وعظت الناس أخذهم البكاء، وإذا وعظهم غيرك لا يبكون؟! فقال: يا بني، ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة[3].
وقال ابن جماعة الكناني بعدما بيّن فضل العلم: "واعلم أن جميع ما ذكر من فضل العلم والعلماء إنما هو في حقّ العلماء العاملين الأبرار المتقين، الذين قصدوا به وجه الله الكريم، والزلفى لديه في جنات النعيم، لا من طلبه بسوء نية وخبث طوية، أو لأغراض دنيوية، من جاه أو مال أو مكاثرة في الأتباع والطلاب"[4].
وقال أبو يوسف: "أَريدوا بعلمكم اللهَ تعالى، فإني لم أجلس مجلساً قطّ أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلُوَهم، ولم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى افتَضَح"[5].
2/5 العمل بالعلم ودوام المراقبة والخشية:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (هتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل)[6].
وقال الشافعي: "ليس العلم ما حفِظ، العلم ما نفع"[7].
وقال بعض السلف: "يا حملة العلم، اعملوا فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيَهم، يخالف عملهم علمهم، ويخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حِلقاً يباهي بعضهم بعضاً، حتى إنّ الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدَعَه، أولئك لا يصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى"[8].
ومن ذلك دوام مراقبة الله تعالى في السر والعلن، وملازمة خشيته سبحانه، قال الإمام أحمد: "أصل العلم الخشية".
وقال الزهري: "إن للعلم غوائل، فمن غوائله أن يترك العمل به حتى يذهب، ومن غوائله النسيان، ومن غوائله الكذب فيه، وهو شر غوائله"[9].
وسئل سفيان الثوري: طلب العلم أحبّ إليك أو العمل؟ فقال: "إنما يراد العلم للعمل، فلا تدع طلب العلم للعمل، ولا تدع العمل لطلب العلم"[10].
صيانة العلم:
وذلك بأن لا يتّخذه سلما يتوصل به إلى أغراض دنيوية وأطماع أرضية من جاه أو مال أو سمعة أو شهرة أو خِدمة أو تقدم على الأقران.
قال الشافعي: "ودِدت أن الخلقَ تعلموا هذا العلم على أن لا ينسب إليّ حرف منه"[11].
القيام بشعائر الإسلام وظواهر الأحكام:
ومن ذلك المحافظة على الصلاة في مساجد الجماعات، وإفشاء السلام للخواص والعوام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإظهار السنن، وإخماد البدع، وغير ذلك من الأحكام الظاهرة ليحصل التأسّي به، وليصون عرضه عن الوقيعة والظنون المكروهة.
المحافظة على المندوبات الشرعية القولية والفعلية:
ومن ذلك تلاوة القرآن الكريم بتفكّر وتدبّر، والإكثار من ذكر الله تعالى بالقلب واللسان، والإلحاح في الدعاء والتضرع بإخلاص وصدق، والاعتناء بنوافل العبادات من الصلاة والصيام والصدقة وحج بيت الله الحرام، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من فضائل الأقوال والأعمال التي يراد العلم لأجلها.
التواضع والسكينة ونبذ الخيلاء والكبر:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلّموا العلم، وتعلّموا له السكينةَ والوقار، وتواضعوا لمن تعلّمون، وليتواضع لكم من تعلِّمون، ولا تكونوا جبابرة العلماء، ولا يقوم علمكم مع جهلكم)[12].
وكتب الإمام مالك إلى الرشيد: "إذا علمت علماً فليُرَ عليك أثره وسكينته وسمته ووقاره وحلمه"[13].
وقال الإمام الشافعي: "لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلّ النفس وضيق العَيش وخدمة العلماء أفلح"[14].
القناعة والزهادة:
قال ابن جماعة الكناني: "أقلّ درجات العالم أن يستقذر التعلق بالدنيا؛ لأنه أعلم الناس بخستها وفتنتها وسرعة زوالها وكثرة تعبها ونصبها، فهو أحقّ بعدم الالتفات إليها والاشتغال بهمومها"[15].
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "لقد جئت من بلاد شنقيط ومعي كنز قلّ أن يوجد عند أحد، وهو القناعة، ولو أردت المناصب لعرفت الطريق إليها، ولكني لا أوثر الدنيا على الآخرة، ولا أبذل العلم لنيل المآرب الدنيوية"[16].
التحلّي بمكارم الأخلاق وجميل الخصال والخلال:
قال ابن سيرين: "كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم"[17].
وعن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: قال لي أبي: "يا بني، ائت الفقهاء والعلماء، وتعلّم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم، فإنّ ذاك أحبّ إليّ لك من كثير من الحديث"[18].
وعن أبي زكريا العنبري قال: "علم بلا أدب كنار بلا حطب، وأدب بلا علم كجسم بلا روح"[19].
وأشرف الليث بن سعد على بعض أصحاب الحديث فرأى منهم شيئاً فقال: "ما هذا؟ أنتم إلى يسير من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم"[20].
تطهير الباطن والظاهر من الأخلاق الرديئة:
فمن ذلك الغلّ والحسد والبغي والغضب لغير الله تعالى والغش والكبر والرياء والعجب والسمعة والشهرة والبخل والشحّ والبطر والطمع والفخر والخيلاء والمداهنة والتزين للناس وحب المدح والثناء والعمى عن عيوب النفس والاشتغال عنها بعيوب الخلق والغيبة والنميمة والبهتان والكذب والفحش في القول واحتقار الناس.
قال ابن جماعة: "فالحذر الحذر من هذه الصفات الخبيثة والأخلاق الرذيلة؛ فإنها باب كل شر، بل هي الشر كله، وقد بلي بعض أصحاب النفوس الخبيثة من فقهاء الزمان بكثير من هذه الصفات إلا من عصم الله تعالى، ولا سيما الحسد والعجب والرياء واحتقار الناس، وأدوية هذه البلية مستوفاة في كتب الرقائق، فمن أراد تطهير نفسه منها فعليه بتلك الكتب"[21].
التفرغ والمحافظة على الأوقات:
وذلك بأن لا يضيع شيئاً من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم والعمل إلا بقدر الضرورة، وقد كان بعضهم لا يترك الاشتغالَ بالعلم لعروض مرض خفيف أو ألم لطيف، بل كان يستشفي بالعلم، ويشتغل به بقدر الإمكان.
قال الشافعي: "لو كلفت شراءَ بصلة لما فهمت مسألة"[22].
وقال بعضهم: "لا يَنال هذا العلم إلا من عطّل دكّانه، وخرّب بستانه، وهجر إخوانَه، ومات أقرب أهله فلم يشهد جنازته"[23].
الجدّ والاجتهاد ودوام الحرص على الازدياد:
قال الشافعي: "حقّ على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه، والصبر على كلّ عارض دون طلبه"[24].
وقال سعيد بن جبير: "لا يزال الرجل عالماً ما تعلّم، فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون"[25].
حسن اختيار رفقاء الطلب:
قال ابن جماعة الكناني: "الذي ينبغي لطالب العلم أن لا يخالط إلا من يفيده أو يستفيد منه... فإن شرع أو تعرض لصحبة من يضيع عمره معه ولا يفيده ولا يستفيد منه ولا يعينه على ما هو بصدده فليتلطّف في قطع عشرته من أول الأمر قبل تمكّنها، فإن الأمور إذا تمكّنت عسرت إزالتها"[26].
إجلال الشيخ والتأدّب عنده وتعظيم حرمته:
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (من حقّ العالم عليك إذا أتيته أن تسلِّم عليه خاصَّة، وعلى القوم عامّة، وتجلس قُدَّامه، ولا تشِر بيديك، ولا تغمِز بعينَيك، ولا تقُل: قال فلان خلافَ قولك، ولا تأخذ بثوبِه، ولا تُلحَّ عليه في السؤال، فإنّه بمنزلة النخلة المُرطبة التي لا يزال يسقط عليك منها شيء)[27].
وعن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (إن من حق العالم ألا تكثر عليه بالسؤال، ولا تُعنِّته في الجواب، وألا تُلحَّ عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشينّ له سرًّا، ولا تغتابنّ عنده أحدًا، ولا تطلبنّ عثرته، وإن زلّ قبلت معذرته، وعليك أن توقّره وتعظّمه لله ما دام يحفظ أمر الله، ولا تجلس أمامه، وإن كانت له حاجةٌ سبقت القوم إلى خدمته)[28].
وقال الشافعي: "كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحاً رفيقاً هيبة له، لئلا يسمع وقعها"[29].
وقال طاوس: "إنّ من السنة أن توقِّر العالم"[30].
احترام العلماء من غير تقديس، واتباعهم من غير تقليد:
قال الشيخ ابن عثيمين: "إن على طلبة العلم احترام العلماء وتقديرهم، وأن تتسع صدورهم لما يحصل من اختلاف بين العلماء وغيرهم، وأن يقابلوا هذا بالاعتذار عمن سلك سبيلاً خطأ في اعتقادهم، وهذه نقطة مهمة جداً، لأن بعض الناس يتتبع أخطاء الآخرين، ليتخذ منها ما ليس لائقاً في حقهم، ويشوّش على الناس سمعتهم، وهذا من أكبر الأخطاء، وإذا كان اغتياب العامّي من الناس من كبائر الذنوب، فإن اغتياب العالم أكبر وأكبر، لأن اغتياب العالم لا يقتصر ضرره على العالم بل عليه وعلى ما يحمله من العلم الشرعي"[31].
رحابة الصدر في مسائل الخلاف:
قال ابن عثيمين في معرض بيان آداب طالب العلم: "أن يكون صدره رحباً في مواطن الخلاف الذي مصدره الاجتهاد؛ لأن مسائل الخلاف بين العلماء إما أن تكون مما لا مجال للاجتهاد فيه، ويكون الأمر فيها واضحاً، فهذه لا يعذَر أحد بمخالفتها، وإما أن تكون مما للاجتهاد فيها مجال، فهذه يعذر فيها من خالفها"[32].
المبحث الثاني:الاسباب المعينة على طلب العلم
أولاً : التقوى:

وهي وصية الله للأولين والآخرين من عباده، قال الله تعالى:] وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيدا [ (النساء: الآية131) .

وهي أيضاً وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، فعن أبي إمامة صدي بن عجلان الباهلي– رضي الله عنه – قال: (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: إتقوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدٌوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم )) (30) وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً. ولم يزل السلف الصالح يتواصون بها في خطبهم ومكاتباتهم ووصاياهم عند الوفاة ؛ كتب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إلى ابنه عبدالله: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله -عز وجل– فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه ؛ ومن شكره زاده – وأوصى علي – رضي الله عنه – رجلاً فقال: ( أوصيك بتقوى عز وجل الذي لا بد لك من لقائه ولا منتهى لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة) ، وكتب أحد الصالحين إلى أخ له في الله تعالى: ( أما بعد ... أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك ، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك. وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه لا تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك وليكثر وجلك والسلام).

ومعنى التقوى : أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية تقيه منه. وتقوى العبد ربه: أن يجعل بينه وبين من يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك، بفعل طاعته واجتناب معاصيه.

واعلم أن التقوى أحياناً تقترن بالبر، فيقال: بر وتقوى كما في قوله تعالى: ] وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [ (المائدة: الآية2)

وتارة تذكر وحدها فإن قرنت بالبر صار البر فعل الأوامر، والتقوى ترك النواهي.

وإذا أفردت صارت شاملة تعم فعل الأوامر واجتناب النواهي، وقد ذكر الله في كتابه أن الجنة أعدت للمتقين، فأهل التقوى هم أهل الجنة – جعلنا الله وإياكم منهم – ولذلك يجب على الإنسان أن يتقي الله – عز وجل – امتثالاً لأمره، وطلباً لثوابه، والنجاة من عقابه. قال الله – عز وجل -: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم [ (الأنفال الآية:29) .

وهذه الآية فيها ثلاث فوائد مهمة:

الفائدة الأولى: ] يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانا [ أي يجعل لكم ما تٌفرقون به بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع ، وهذا يدخل فيه العلم بحيث يفتح الله على الإنسان من العلوم ما لا يفتح لغيره، فإن التقوى يحصل بها زيادة الهدى، وزيادة العلم، وزيادة الحفظ، ولهذا يذكر عن الشافعي – رحمه الله – أنه قال :

شكــوت إلى وكيـع سـوء حفظــي

فأرشــدني إلى تـــرك المعــــاصي

وقـــال أعلـم بأن العلـــم نــور

ونــور الله لا يــؤتـــاه عاصـــي



ولا شك أن الإنسان كلما ازداد علماً ازداد معرفة وفرقاناً بين الحق والباطل، والضار والنافع، وكذلك يدخل فيه ما يفتح الله على الإنسان من الفهم؛ لأن التقوى سبب لقوة الفهم، وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم، فإنك ترى الرجلين يحفظان آية من كتاب الله يستطيع أحدهما أن يستخرج منها ثلاثة أحكام، ويستطيع الآخر أن يستخرج أكثر من هذا بحسب ما أتاه الله من الفهم.

فالتقوى سبب لزيادة الفهم، ويدخل في ذلك أيضاً الفراسة أن الله يعطي المتقي فراسة يميز بها حتى بين الناس.

فبمجرد ما يرى الإنسان يعرف أنه كاذب أو صادق، أو بر أو فاجر حتى أنه ربما يحكم على الشخص وهو لم يعاشره، ولم يعرف عنه شيئاً بسبب ما أعطاه الله من الفراسة.

الفائدة الثانية: ] وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [ . (الأنفال الآية: 29) وتكفير السيئات يكون بالأعمال الصالحة، فإن الأعمال الصالحة تكفر الأعمال السيئة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر )) (31) .

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما )) (32) . فالكفارة تكون بالأعمال الصالحة، وهذا يعني أن الإنسان إذا اتقى الله سهل له الأعمال الصالحة التي يكفّر الله بها عنه.

الفائدة الثالثة: ] ويغفر لكم [ بأن ييسر كم للاستغفار والتوبة، فإن هذا من نعمة الله على العبد أن ييسر للاستغفار والتوبة.

ثانياً : المثابرة والاستمرار على طلب العلم:

يتعين على طالب العلم أن يبذل الجهد في إدراك العلم والصبر عليه وأن يحتفظ به بعد تحصيله، فإن العلم لا ينال براحة الجسم، فيسلك المتعلم جميع الطرق الموصلة إلى العلم وهو مثاب على ذلك؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له طريقا إلى الجنة )) (33) . فليثابر طالب العلم ويجتهد ويسهر الليالي ويدع عنه كل ما يصرفه أو يشغله عن طلب العلم.

وللسلف الصالح قضايا مشهورة في المثابرة على طلب العلم حتى أنه يروى عن ابن عباس – رضي الله عنه – أنه سئل بما أدركت العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول، وبدن غير مئول وعنه أيضا – رضي الله عنه – قال : (( ... إن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه – وهو قائل – فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الريح عليّ من التراب، فيخرج فيقول : يا ابن عم رسول الله ما جاء بك ؟ ألا أرسلت إلي فآتيك ؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث ... )) . فابن عباس – رضي الله عنه – تواضع للعلم فرفعه الله به.

وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يثابر المثابرة الكبيرة، ويروى أيضاً عن الشافعي – رحمه الله – أنه استضافه الإمام أحمد ذات ليلة فقدم له العشاء، فأكل الشافعي ثم تفرق الرجلان إلى منامهما، فبقي الشافعي – رحمه الله – يفكر في استنباط أحكام من حديث، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا عمير ما فعل النغير )) (34) أبا عمير كان معه طائر صغير يسمي النغير ، فمات هذا الطائر فحزن عليه الصبي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب الصبيان ويكلم كل إنسان بما يليق به، فظل طول الليل يستنبط من هذا الحديث ويقال إنه استنبط منه أكثر من ألف فائدة، ولعله إذا استنبط فائدة جر إليها حديث آخر ، وهكذا حتى تتم فلما أذن الفجر قام الشافعي – رحمه الله – ولم يتوضأ ثم انصرف إلى بيته، وكان الإمام أحمد يثني عليه عند أهله فقالوا له:

يا أبا عبد الله كيف تثني على هذا الرجل الذي أكل فشرب ونام ولم يقم، وصلى الفجر بدون وضوء؟ فسأل الإمام الشافعي فقال: ( أما كوني أكلت حتى أفرغت الإناء فذلك لأني ما وجدت طعاماً أطيب من طعام الإمام أحمد فأردت أن أملأ بطني منه، وأما كوني لم أقم لصلاة الليل فإن العلم أفضل من قيام الليل، وقد كنت أفكر في هذا الحديث، وأما كوني لم أتوضأ لصلاة الفجر فكنت على وضوء من صلاة العشاء ) ولا يحب أن يكلفهم بماء الوضوء .

أقول على كل حال، إن المثابرة في طلب العلم أمر مهم، فلننظر في حاضرنا الآن هل نحن على هذه المثابرة؟ لا. أما الذين يدرسون دراسة نظامية إذا انصرفوا من الدراسة ربما يتلهون بأشياء لا تعين على الدرس، وإني أضرب مثلا وأحب ألا يكون وإلا يوجد له نظير، أحد الطلبة في بعض المواد أجاب إجابة سيئة ، فقال المدرس: لماذا؟ فقال : لأني قد أيست من فهم هذه المادة، فأنا لا أدرسها ولكن أريد أن أكون حاملاً لها، كيف اليأس؟ وهذا خطأ عظيم، يجب أن نثابر حتى نصل إلى الغاية.

وقد حدثني شيخنا المثابر عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – أنه ذكر عن الكسائي إمام أهل الكوفة في النحو أنه طلب النحو فلم يتمكن،وفي يوم من الأيام وجد نملة تحمل طعاماً لها وتصعد به إلى الجدار وكما صعدت سقطت ، ولكنها ثابرت حتى تخلصت من هذه العقبة وصعدت الجدار، فقال الكسائي: هذه النملة ثابرت حتى وصلت الغاية، فثابر حتى صار إماماً في النحو.

ولهذا ينبغي لنا أيها الطلبة أن نثابر ولا نيأس فإن اليأس معناه سد باب الخير، وينبغي لنا ألا نتشاءم بل نتفاءل وأن نعد أنفسنا خيراً.

ثالثاً الحفظ :

فيجب على طالب العلم الحرص على المذاكرة وضبط ما تعلمه إما بحفظه في صدره، أو كتابته، فإن الإنسان عرضة للنسيان، فإذا لم يحرص على المراجعة وتكرر ما تعلمه فإن ذلك يضيع منه وينساه وقد قيل:

العلــم صيــد والكتابــة قيــده قيد صيودك بالحبـــال الواثقــة

فمن الحماقــة أن تصيــد غزالـة وتتركهــا بين الخلائـق طالقــة

ومن الطرق التي تعين على حفظ العلم وضبطه أن يهتدي الإنسان بعلمه، قال الله تعالى: ] وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُم [ (محمد، الآية: 17).

وقال ] )وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً[ (مريم الآية: 76)

فكلما عمل الإنسان بعلمه زاده الله حفظاً وفهماً، لعموم قوله: ] زادهم هدى [ .

رابعاً ملازمة العلماء:

يجب على طالب العلم أن يستعين بالله – عز وجل – ثم بأهل العلم، ويستعين بما كتبوا في كتبهم؛ لأن الاقتصار على مجرد القراءة والمطالعة يحتاج إلى وقت طويل بخلاف من جلس إلى عالم يبين له ويشرح له وينير له الطريق، وأنا لا أقول إنه لا يدرك العلم إلا بالتلقي من المشائخ ، فقد يدرك الإنسان بالقراءة والمطالعة لكن الغالب أنه إذا ما أكب إكباباً تاماً ليلاً ونهاراً ورزق الفهم فإنه قد يخطء كثيراً ولهذا يقال: [ من كان دليله كتابه فخطئه أكثر من صوابه ]، ولكن هذا ليس على الإطلاق في الحقيقة.

ولكن الطريقة المثلى أن يتلقى العلم على المشائخ ، وأنا أنصح طالب العلم أيضاً ألا يتلقف من كل شيخ في فن واحد، مثل أن يتعلم الفقه من أكثر من شيخ؛ لأن العلماء يختلفون في طريقة استدلالهم من الكتاب والسنة، ويختلفون في آرائهم أيضاً، فأنت تجعل لك عالماً تتلقى علمه في الفقه أو البلاغة وهكذا ، أي تتلقى العلم في فن واحد من شيخ واحد، وإذا كان الشيخ عنده أكثر من فن فتلتزم معه، لأنك إذا تلقيت علم الفقه مثلاً من هذا وهذا واختلفوا في رأيهم فماذا يكون موقفك وأنت طالب؟ يكون موقفك الحيرة والشك، لكن التزامك بعالم في فن معين فهذا يؤدي إلى راحتك.

المبحث الثالث:طرق تحصيل العلم
أولا : الحفظ :
* وثمة أسباب تعين الطالب على العلم ومنها :
1/ إخلاص النية لله تعالى ، وحسن المقصد .
2/ البعد عن المعاصي والآثام .
3/ تعويد النفس على الحفظ .
4/ المذاكرة ، بمعنى (تسميع الحفظ على شخص آخر ).
5/ كثرة التكرار للمحفوظ .
6/ اختيار الزمان والمكان المناسبين .

ثانيا : القراءة :
* وينبغي أن تراعي الضوابط التالية :
1/ اختيار الكتاب المناسب .
2/ اختيار الوقت المناسب .
3/ تقييد الفوائد على طرة الكتاب .
4/ التنويع في القراءة بين الفنون .
5/ العلم بالكتاب المقروء من حيث(موضوعه ــ مصطلحاته)

ثالثا: حلق التدريس (الشيوخ ) :
* وهذه الطريق تمتاز بميزتين :
أولاهما : اختصار الطريق لطالب العلم .
ثانيهما : معرفة المصطلحات عند أهل العلم ،وطرائقهم في التصنيف وعرض المسائل وتحقيقها .
• قال بعض السلف : ( لاتأخذ القرآن من مصحفي ، ولا العلم من صحفي ) .
• وقال آخر : ( من كان شيخه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه ).

2/ تلقي العلوم الشرعية :
* وتنقسم العلوم إلى قسمين :
1/ علوم أصلية وهي :-[التفسير,الحديث,الفقة,العقيدة]
2/ علوم مساعدة( الآله) : ما كان وسيلة إلى الوصول إلى العلوم
الأصلية وهي: ( أصول الفقه ــ أصول الحديث (المصطلح) ــ
علوم العربية كالنحو والبلاغة والصرف ).
• ولابد لطالب العلم من منهجية يسير عليها في تلقي هذه العلوم فإن التدرج معراج التخرج .

# العلوم الأصلية :

أولا / علم التفسير :
• يبدأ الطالب يبين له معاني الآيات،ومن أفضل الكتب في هذا تفسير الشيخ ابن سعدي رحمه الله .
• يختبر نفسه ، بحيث يغلق التفسر ثم يفسر لنفسه ، فإن كان صحيحا وإلا أعاد مرة أخرى .
• ثم يقرأ في تفسير البغوي المسمى ب( معالم التنزيل ) .
• ثم تفسير ابن كثير .
• ثم بقية التفاسير كتفسير ابن جرير الطبري والقرطبي وغيرهما وستسهل عليه بإذن الله .

ثانـياً / العقيدة :
وتنقسم إلى قسمين :
1/ مايتعلق بتوحيد العبادة ( الألوهية )
2/ ما يتعلق بمباحث الإعتقاد بشكل عام
أما القسم الأول فيبدأ فيه بالكتب التالية:
• القواعد الأربع ونواقض الإسلام .
• الأصول الثلاثة وله شروح ، ومن أجملها حاشيةا بن قاسم .
• كتاب التوحيد مع شرحه فتح المجيد .
* ويفضل حفظ هذه المتون ودراستها على أيدي المشايخ ، والإطلاع على شروحها وضبط مسائلها .
• بقية كتب الإعتقاد كالدرر السنية والرسائل النجدية .

وأما القسم الثاني / العقيدة العامة والتي تدرس مباحث الإعتقاد
• فأول ما يبدأ به في هذا الباب كتاب لمعة الإعتقاد لإبن قدامه وقد شرحه فضيلة الشيخ إبن عثيمين رحمه الله .
• ثم العقيدة الواسطيه لإبن تيميه ، ويهتم بها يقرأها ويحفظها ويقرأ شروحها ومن أنفعها شرح الشيخ عبدالعزيز بن رشيد ( التنبيهات السنيه على العقيدة الواسطية ) .
• ثم كتاب الحمويه .
• ثم كتاب التدمريه.
• ثم كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم .
* ولابد من قراءة هذه الكتب على المشايخ والعلماء لتوضيح ما يشكل فهمه .

ثالـثا ً / الحـــديـــث :
• وأول كتاب يبدأ به الأربعين النوويه، وينصح بحفظها وتكرارها، ويقرأ شروحها ويدرسها على يد شيخ ومن شروحها ( جامع العلوم والحكم) لإبن رجب الحنبلي .
• عمدة الأحكام وله شروح ومن أيسرها شرح الشيخ البسام .
• وبعد ذلك ينظر الطالب فإذا كانت وجهته إلى الأحكام فيقرأ كتاب بلوغ المرام .
• أما إذا كانت وجهته لحفظ السنة فيتجه إلى اللؤلؤ والمرجان وبعده
• مفردات البخاري ثم
• مفردات مسلم .
• ثم زوائد السنن ، وليستخرجها بنفسه .

رابعـاً / الفقه :
وقبل أن تدرس الفقه لابد أن تتمذهب بمذهب إما حنبلي – أو شافعي – أو مالكي – أو حنفي .
• عليه أن يضبط مسائل المتن ويتصورها ، ويستدل لها ، ويقرأها على شيخ.
• ثم ينظر في شروحها ، ويضبط هذه الشروح .
* وحيث أن المذهب السائد في بلدنا مذهب الحنابلة فيبدأ الطالب :
• بعمدة الفقه .
• ثم زاد المستقنع وعبارته شديدة، وليس فيه أدلة، وله شروح ومن أحسنها شرح الشيخ صالح البليهي ( السلسبيل في معرفة الدليل ).
• وعليه أن يحرص على اختيارات الشيخين ابن تيمية وابن القيم ، ومن تبعهما من المحققين كابن سعدي وابن باز وابن عثيمين .
• ثم إذا تأهل فليتحرر من التقليد وليختر لنفسه ما تطمئن إليه .

# العلوم المساعده :

أولاً / أصول الفقه:
• وألفت فيه رسائل منه ( رسالة لطيفة في أصول الفقه) للشيخ عبدالرحمن السعدي .
• ثم الورقات للإمام الجويني وليقرأمعه شرحه للشيخ عبد الله الفوزان .
• ثم كتاب (قواعد الاصول ) لعبد المؤمن الحنبلي .
• وعليه أن يقرأ هذه المتون على المشايخ وطلاب العلم ،ويضبط مباحثها ،وإن تيسر الحفظ فهو أولى .

ثانـياً / مصطلح الحديث :
• وأول ما يطلب فيه البيقونيه ، ولها شروح منها( التقريرات السنية) لحسن مشاط .
• ثم نخبة الفكر للحافظ إبن حجر، وهو يغني عن غيره ولا يغني غيره عنه، وله شروح منها نزهة النظر للمؤلف .
• ثم إختصارعلوم الحديث وليأخذ معه تعليقات الشيخين أحمد شاكروالألباني.

ثالثـاً / علوم العربية :
قال ابن الوردي :
جمل المنطق بالنحو فمن يحرم الإعراب بالنحو اختبل
• ولا يمكن لطالب العلم أن يكون طالب علم بحق إلا بهذا العلم، وأول ما يبدأ به في هذا الباب:
• الأجروميه ويفضل حفظها ، ويقرأ شرحها لمحي الدين عبد الحميد.
• قطر الندى وبل الصدى لابن هشام ، مع شرح الشيخ عبدالله الفوزان .
• ثم ألفية إبن مالك، وعليه أنيهتم بحفظها ، ولينظر في شرحها دليل السالك للفوزان.

# وصايا لطلاب العلم :
• عليك ياطالب العلم بإخلاص النية وحسن المقصد ، فلن تنال من العلم إلا على قدر نيتك .
• العمل ثمرة العلم ، فكن ممتثلا لعلمك مطبقا له ،تنتفع به بإذن الله ( واتقوا الله ويعلمكم الله ).
• عليك بالصبر وعلو الهمة ، فالعلم طويل وشاق ، ومعالي الأمور لاتنال إلا على جسر من التعب .
• عليك أن تقدم تحصيل مايجب على ما يستحب .
• احذر أخي طالب العلم المزالق التالية :
( الكبر ــ العجب ــ الجرأة على الفتوى بغير علم ــ الحسد )

الفصل الثالث:
المبحث الاول:اسباب عزوف الناس عن العلم وطلبه
1)الانشغال بالدنيا وأمور الحياة
2)الاختلافات الدينية بين العلماء وطلاب العلم والجماعات الإسلامية.
3)الفوضوية وعدم المنهجية.
4)انشغال العلماء والمشايخ الكبار.
5)الحياء.
6)الترويج الإعلامي ضد العلماء وطلبة العلم وحلق العلم .
7)المشقة في طلب العلم وضعف الصبر.
8)الاختلافات السياسية التي تعرقل طلاب العلم وتبعدهم عن العلم والعلماء .
9)ضعف الروحانية وضعف الإيمان.
10)الاهتمام بسفاسف الأمور.
11)الكسل والزهد في طلب العلم.
12)وجود وسائل التقنية الحديثة.
13)الدفع بطلاب العلم الصغار إلى الدعوة إلى الله في بداية الطريق.
14)الجفوة والبعد بين طلاب العلم والمشايخ.
15)ضعف التحفيز المادي والمعنوي.
16)ضعف المتابعة للطلاب من قبل المشايخ.
17)قلةالتعظيم للعلم الشرعي وعدم إنزاله منزلته.
18)غياب القدوات الموجودة.
( المظاهر )
1)تخلي بعض طلاب العلم عن العلم وإنشغالهم بأمور أخرى.
2)الاكتفاء ببعض العلم والاقتصار على الأبواب المتقدمة من كل فن .
3)عدم الثقة في العلماء من قبل بعض طلاب العلم :

حين اصبح صيت بعض العلماء سيء أثر ذلك على طلاب العلم وقلت ثقتهم فيهم .. مما اثر سلبا على تحصيلهم .
4)كثرة الجهل بأهمية العلم وأبوابه المتعمقة.
5)التنطع والتشدد والغلو في المسائل العلمية.
6)عدم الرجوع إلى العلماء .
7)قلة الذخيرة العلمية لدى الكثير من طلبة العلم .
8)ضعف استشعار الثواب لطلب العلم.
9)ضعف الصبر على طلب العلم.
10)قلة القراءة والإطلاع.
11)قلة الدورات الشرعية والمراكز المفتوحة.
12)انشغال أغلب المشايخ عن تدريس العلم.

13)تقديم العلوم الدنيوية على العلوم الشرعية:

نظراً لأن سوق العمل فتحت لمجالات العلم الدنيوية وقلة الحرص على التحصيل العلمي الشرعي إتجه الكل للعلوم الدنيوية وفضلوها على الدينية.
14)العزوف عن حضور الدورات الشرعية والدورات المكثفة:

اصبح إهتمام الشباب يأخذ منحى هبوطيا مما جعل حضوره للدورات الشرعية والمكثفة عبء على كاهله يتجنب تأدية .
15)اهتمام الشباب بالجانب الترفيهي:

جلُ إهتمام الشباب تحول إلى مقاهي الإنترنت والإلعاب التي تأخذ الساعات من النهار ، وكان سبباً مباشرا في التأثير السبي على التحصيل.
16)انتشار المعاصي بين طلبة العلم:

كثرة المعاصي والمجاهرة بها بين طلاب العلم صنع غشاوة تمنعهم من التزود والتحصيل ، وأصبحت بعض المحرمات جائزة بالتوارث .

17)غربة الإسلام وأحكامه بين الناس:
صار الإسلام غريباً في موطنه ، وصارت أحكامه محل جهل من الجميع ، واغلب التعامل صار بغيره .
18)الاغترار بالماديات والتفاخر فيها:

تسارع الشباب لكسف مختلف الماديات والتفاهر فيها والتسابق على الفخامة الكاذبة والغرور وتناسوا العلم.
19) ثبوط الهمة :

نعم إنَّ الكسل وضعف الهمة داءٌ انتشر في شباب الأمة الإسلامية أيما انتشار؛ بل هو مِن أكبر الآفات المعطِّلة عنْ طلب العلم، ولقد تنبَّه إلى هذا الداء سلفُنا الصالح؛ فهذا ابن الجوزي - رحمه الله - يقول: إنما البكاء على خَساسة الهِمَم.

وهذا الداءُ هو الذي دفع الحجّاوي الحنبلي - رحمه الله - إلى أنْ يُؤلِّفَ مختَصرًا في الفقه؛ فقال - رحمه الله - في بداية هذا المختصر مُعللاً ذلك: إذِ الهِمَمُ قد قصرتْ، والأسباب المثبِّطة عن نيل المراد قد كثرتْ
المبحث الثاني:صبر العلماء في تحصيل العلم
من السهل جدا أن نتكلم عن الصبر في طلب العلم وإيراد مواقف السلف في ذلك وسرد القصص والأبيات التي تؤكد ذلك
ولكن
في الحقيقة أننا بحاجة إلى نبدأ في تربية النفس تربية عملية على كيفية الصبر في تحصيل العلم
وفي الحديث ( ومن يتصبر يصبره الله ) أخرجه البخاري

أمثلة مهمة :
الصبر على حضور الدرس العلمي حتى لو كان في وقت لم تتعود عليه ( بعد الفجر مثلا ) أو ( بعد العشاء ) فأنت لم تتعود على ذلك ولكنك لابد أن تجاهد نفسك على الصبر.

أحيانا تقام دورات علمية مكثفة في القران أو في بقية العلوم وتجد الشباب يقبلون عليها إقبالا عجيبا في بداية الدورة ولكن بعد أيام يقل الحضور ويغيب الكثير من الطلاب لأنهم فقدوا الصبر.
عندما تقرأ كتاب تبدأ بهمة عجيبة ولكن وبعد عشر دقائق تتوقف وتمل وتخرج من البيت تبحث عن صديق أو تكلم بالجوال لكي تروح عن نفسك فأين الصبر؟
عندما تحضر لبعض الدروس والمحاضرات تجلس في أولها ولكن هل تبقى إلى نهاية الدرس ؟؟
عندما تجالس العلماء وطلاب العلم ويبدأون بطرح المسائل العلمية والفوائد .... تنظر لبعض الشباب وكأنه نادم للحضور لأنه لايفهم بعض المسائل فأين الصبر
أحيانا يكون الدرس في مكان بعيد ( مدينة أخرى ) قد تنفق مئات الريالات من أجل الوصول لها فهل ستفعل ذلك ؟ نعم إذا وجد الصبر.
عندما يعاتبك الشيخ أو يسألك , قد يكون لك إحراج وقد يدخل الشيطان عليك لكي يحرمك من الحضور مرة أخرى فهل تحضر؟؟
هل أنت ممن يسهر على العلم ويبحث في تحرير المسائل وتحقيقها ويراجع المجلدات والكتب أم أنك ممن تعود على الكسل؟
هل سبق أن ركبت سيارتك واتجهت إلى مسجد بعض العلماء لكي تناقشه وتسأله عن بعض المسائل ؟
هل تحفظ شيء من المتون العلمية القصيرة؟ أنا أعلم أن هذا يحتاج إلى صبر طويل فهل أنت من أهله؟
هل تنفق بعض مالك في سبيل العلم , كشراء كتاب , أو زيارة عالم , أو سفر إلى أحد العلماء لرؤيته والسلام عليه ؟؟
أهلك قد يضجرون من العلم الذي تطلبه وقد تصيب زوجتك الغيرة من ذلك وقد .... فهل تستجيب لأهوائهم وتتنازل عن العلم أم أنك ستواصل على طريق العلم ( وتراعي حقوق الزوجة والأبناء ) ؟
كتابة العلم وتحرير المسائل وترتيبها يحتاج إلى وقت وصبر ومصابرة فأيقن بذلك.
ومن امثلة ذلك :


تسفي الريـح على وجهـه الـتراب مـن أجـل الحـديث

صبر العلماء على طلب العلم وتحصيله أنواع منوعة لا يقضى منه العجب ، ولذة سماعه ألذ من الشَّهْدِ والضَّرَبِ ، وكيف لا وهو أحد ركني الإمامة في الدين : (( بالصبر واليقين ؛ تنال الإمامة فـي الدين )).

فمن ذلك : الصبر على الرحلة والغربة ومشاق الطريق وآفاته :



يَا غَـرِيباً يَطلُـبُ العِلْـمَ اصْطَـبِرْ
إِنَّ مُـبْدِي العِلْـمَ مِـنْ قَـبْلُ غُـرُبْ


فهذا موسى كليم الله عليه السلام وهو النبي المرسل ، على ما له من مكانة عند الله يرحل في طلب العلم ويجد من المشقة والتعب ما قال معه : { لَقَدْ لَقِيْنَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً }(33): ويصبر نفسه لذلك ، وكيف لا وهو من أولي العزم من الرسل حتى أدرك بغيته ووجد ضالته ؛ فمزج مرارة الصبر على مشقة الرحلة والسفر بحلاوة : (( ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ )).


ومن ذلك : الصبر على ألم التحصيل وجفاء المعلم : قال موفق الدين البغدادي : (( . . . ومن لم يعرق جبينه إلى أبواب العلماء ؛ لم يعرق في الفضيلة ، ومن لم يخجلوه لم يبجله الناس ، ومن لم يبكتوه لم يسد ، ومن لم يحتمل ألم التعلم لم يذق لذة العلم ، ومن لم يكدح لم يفلح ))(34).
ومن ذلك : الصبر على الجوع والعطش :

قال النضر بن شميل رحمه الله : (( لا يجد الرجل لذة العلم حتى يجوع وينسى جوعه )).



جِـرِّعِ النَّفْـسَ عَلَى تَحْصِـيْلِهِ
مَضَـضَ الْمُـرَّيْنِ ذُلٌّ وسَغَبْ


ومن ذلك : الصبر على السهر ، وترك النوم :



بِقَـدْرِ الكَـدِّ تُكْتَـسَبُ المَعَـالي
وَمَنْ طَلَـبَ العُـلا سَهِـرَ اللَّـيَالي

تَرُومُ العِـزَّ ثم تَنَـامُ لَـيلاً
يخُـوضُ البَحْـرَ مَـن طَلَـبَ اللآلي


إلى آخر ما هنالك من قائمة الصبر الطويلة من مكاره النفوس فَسُلَّمُ التعلم صعب لا يصعده إلا صُبْرُ الرجال فمن رام العلا سعى لها سعيها وَجَدَّ وَكَدَّ ، وإلا كان كما قيل :



وَمَـنْ رَامَ العُـلا مِـن غَـيرِ كَـدٍّ
أَضَـاعَ العُمْـرَ فِي طَلَـبِ الْمُحَـالِ

وقد ضرب أئمتنا أروع المثل فلهم في كل نوع صبر نصيب ، فحازوا بذاك المعلى والرقيب ، ولولا أن الله حبب إليهم المكاره في طلب العلم ، وتحصيله ، وأيدهم بروح منه ما كان ليعرف للعلم شرف ، أو فضيلة أو كان ليكون للأنبياء ورثة . . . ، أو أن يكون للعلم حملة يحملونه ، فتركوا لنا بذلك أعظم الأثر وأطيبه ، وخير ما يرثه بشر عن بشر ، فلله عزائمهم ، ولله هممهم رحمهم الله ورضي عنهم.

فمن ذلك صبر ابن عباس حبر الأمة القائل : (( ذللت طالباً ، وعززت مطلوباً )) (35).



تسفي الريـاح على وجهـه الـتراب مـن أجـل الحـديث:


عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (( لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا شَابٌّ ، قُلْتُ لِشَابٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ : يَا فُلَانُ هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْنَتَعَلَّمْ مِنْهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ كَثِيرٌ ، قَالَ : الْعَجَبُ لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَتَرَى أَنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ وَفِي الْأَرْضِ مِنْ تَرَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(؟) قَالَ : فَتَرَكْتُ ذَلِكَ وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَتَتَبُّعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كُنْتُ لَآتِي الرَّجُلَ فِي الْحَدِيثِ يَبْلُغُنِي أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجِدُهُ قَائِلاً فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ تُسْفِي الرِّيحُ عَلَى وَجْهِي ـ ( مِنَ التُّرَابِ ) ـ حَتَّى يَخْرُجَ ، فَإِذَا خَرَجَ قَالَ : يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ(؟) فَأَقُولُ : حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ ، قَالَ : فَيَقُولُ : فَهَلَّا بَعَثْتَ إِلَيَّ حَتَّى آتِيَكَ ، فَأَقُولُ : أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ فَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بَعْدَ ذَلِكَ يَرَانِي وَقَدْ ذَهَبَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحْتَاجَ إِلَيَّ النَّاسُ فَيَقُولُ : كُنْتَ أَعْقَلَ مِنِّي )) (36).

المبحث الثالث:طالب العلم والحفظ..
أل مهنا رحمه الله أحمد : ما الحفظ؟ قال: الإتقان هو الحفظ، وقال عبد الرحمن بن مهدي
رحمه الله: الحفظ الإتقان.

وكان
الخليل بن أحمد رحمه الله يقول مبيناً أهمية الحفظ لطالب العلم: الاحتفاظ بما في صدرك أولى من حفظ ما في كتابك، واجعل كتابك رأس مالك، وما في صدرك للنفقة. وقال عبد الرزاق رحمه الله: كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام فلا تعده علماً. لأن الصفحات والكتب التي فيها ذكر الله لا يُمكن أن تدخل الحمام، لكن الحفظ الذي يكون في صدر الحافظ يذهب معه في كل مكان. وقال هبة الله البغدادي
:
علمي معي أينما همت يتبعني بطني وعاء له لا بطن صندوق

إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق
وقال
عبيد الله الصيرفي
:
ليس بعلم ما حوى القمطر ما العلم إلا ما حواه الصدر
وقال
ابن شديد الأزدي
:
أأشهد بالجهل في مجلس وعلمي في البيت مستودع

إذا لم تكن حافظاً واعياً فجمعك للكتب لا ينفع


فبعض الناس يكثرون من شراء الكتب، وترى كثيراً من الشباب إذا صارت الفرصة في معارض الكتاب اشتروا الكتب، وهذا أمر مهم لا يمكن التزهيد فيه؛ أن يحوي المراجع عنده، ويشتري من الأمهات والكتب المهمة والرسائل النافعة ما يعينه على الطلب والبحث، ولكن الأهم من هذا كله هو الحفظ. وبعض الأغبياء يهونون من أمر الحفظ، فإذا رأوا شخصاً حفظ
صحيح البخاري مثلاً، قالوا: وماذا استفادت الأمة لما زادت نسخه من صحيح البخاري؟ فهؤلاء ما علموا أهمية الحفظ ولا علموا فائدته. الحفظ: هو الذي يجعل العلم في صدرك فتستفيد منه، فإذا احتجت إليه كان معك؛ في تعليم، وفي دعوة، وفي نصيحة وفي فتوى، حتى في تحضير الدروس، وعدد من العلماء الكبار لا يحضرون الدروس؛ لأن العلم في صدورهم محفوظ، ومن العلماء المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي
رحمه الله، لم يكن يحضر دروسه مطلقاً؛ لأن العلم في صدره مستودع، ومتى احتاجه وجده، فلو كان في سفر ليس معه مكتبته ولا مراجع فعنده العلم في صدره. ......


قال
ابن الجوزي رحمه الله: ما رأيت أصعب على النفس من الحفظ للعلم والتكرار له، خصوصاً تكرار ما ليس في تكراره وحفظه حظ مثل مسائل الفقه، بخلاف الشعر والسجع فإن له لذة في إعادته وإن كان صعباً؛ لأن النفس تلتذ به مرة ومرتين، فإذا زاد التكرار صعُب عليها، ولكن دون صعوبة الفقه وغيره من المستحسنات عند الطبع، فترى النفس تخلد إلى الحديث والشعر والتصانيف والنسخ؛ لأنه يمر بها كل لحظة ما لم تره فيكون هناك تجديد، فهو في المعنى كالماء الجاري لأنه جزء بعد جزء، لكن الحفظ ما هو إلا إعادة لشيء موجود قد لا يشعر الشخص وهو يعيده بشيء جديد. وهذا من أسباب الملل، وهذا مما يبين صعوبة الحفظ، ولكن الحفظ لا يأتي إلا بالمران، ومجاهدة النفس، قال الزهري رحمه الله: إن الرجل ليطلب وقلبه شعب من الشعاب -يطلب العلم وقلبه شعب صغير- ثم لا يلبث أن يصير وادياً لا يوضع فيه شيء إلا التهمه. أول الحفظ شديد يشق على الإنسان، فإذا اعتاده سهل عليه، وكان العلماء يقولون: كل وعاء أفرغت فيه شيئاً فإنه يضيق، إلا القلب فإنه كلما أُفرغ فيه اتسع. وقال بعض أهل العلم: كان الحفظ يثقل عليّ حين ابتدأت، ثم عودته نفسي إلى أن حفظت قصيدة رؤبة
:
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن
قال: حفظتها في ليلة. وهي قريب من مائتي بيت، وكانت هذه انطلاقة.......

قال بعضهم: سمعت صائحاً يصيح: والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، ساعة طويلة، فكنت أطلب الصوت إلى أن رأيت ابن زهير وهو يدرس مع نفسه من حفظه حديث الأعمش . وعن معاذ بن معاذ قال: كنا بباب ابن عون ، فخرج علينا شعبة وعقد عقداً بيديه جميعاً، فكلمه بعضنا، فقال: لا تكلمني فإني قد حفظت عن ابن عون عشرة أحاديث أخاف أن أنساها، فهو لازال يعيد ويكرر حتى يحفظ. وكان أبو إسحاق الشيرازي يعيد الدرس مائة مرة، إذا أراد أن يحفظ درساً أعاده مائة مرة. وكان الكيا من فقهاء الشافعية يعيده سبعين مرة. وكان الحسن بن أبي بكر النيسابوري يقول: لا يحصل الحفظ لي حتى يُعاد خمسين مرة. لابد من الإعادة، لا تفكر -يا طالب العلم- بأن تأتي بوسيلة أخرى غير التكرار والإعادة مهما اجتهدت وصعدت ونزلت، وبحثت ونقبت، لا يمكن أن تأتي بوسيلة للحفظ غير الإعادة والتكرار، قد تختلف وسائل الإعادة والتكرار، لكن يبقى الأصل هو الإعادة والتكرار، ولما سُئل البخاري رحمه الله تعالى عن سبب حفظه، قال كلاماً معناه: لم أجد أنفع من مداومة النظر، الإعادة ومداومة النظر هما سبيل الحفظ. وحُكي أن فقيهاً أعاد الدرس في بيته مرات كثيرة، فقالت له عجوز في بيته: قد والله حفظته أنا، فقال: أعيديه، فأعادته، فلما كان بعد أيام، قال: يا عجوز! أعيدي ذلك الدرس، فقالت: ما أحفظه، قال: أنا أكرر الحفظ لئلا يصيبني ما أصابك. فلابد من تكرير الكلام مراراً وتكراراً، هذا هو سبب الحفظ


وقال
الخليل بن أحمد : تعاهد ما في صدرك أولى بك من أن تحفظ ما في كتبك، ولذلك بعض العلماء كان لهم أوقات مراجعة؛ لا يخرج لأحد، ولا يسمح لأحد أن يأتي إليه، ولا يُعطي موعداً أبداً في وقت المراجعة؛ من السابقين واللاحقين، ومن المعاصرين على سبيل المثال الشيخ علي الزامل النحوي اللغوي، العلامة في القصيم
، له بعد الفجر وقت يومي يراجع فيه حفظه من القرآن، وهو ضرير ومعه رجل ضرير آخر يراجع معه، ولا يمكن أن يقبل موعداً أو درساً في هذا الوقت؛ لأنه وقت مراجعة.


والمذاكرة مع الأصحاب، قيل إن
ابن عباس كان يقول: يا سعيد ! اخرج بنا إلى النخل، ويقول: يا سعيد ! حدث، فأقول: حدث وأنت شاهد، قال: إن أخطأت فتحت عليك. قال إبراهيم
رحمه الله: إنه ليطول عليّ الليل حتى ألقى أصحابي فأذاكرهم،

قال
أبو بكر بن أبي داود لـأبي عليّ النيسابوري الحافظ: يا أبا علي ! إبراهيم عن إبراهيم عن إبراهيم من هم؟ وهذا سند فيه ثلاثة أو أربعة أسماؤهم متشابهة، من هم؟ فقال: إبراهيم بن طهمان عن إبراهيم بن عامر البجلي عن إبراهيم النخعي
، فقال: أحسنت.

ولاشك أن العمل بالعلم يزيد الحفظ (استعمال الآثار وتوظيف السنن) الإمام
أحمد رحمه الله ما كان يضع حديثاً في مسنده إلا ويعمل به، حتى إنه احتجم وأعطى الحجام ديناراً، لأجل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إسماعيل بن إبراهيم بن مُجمع بن جارية
يقول: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به، فإذا عملت بالعلم كان ذلك سبباً عظيماً للحفظ.


وتعلم
ابن عمر سورة البقرة في ثمان سنين وقيل غير لك. قال حماد بن أبي سليمان لتلميذ له: تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها. وكان أحمد بن الفرات
لا يترك كل يوم إذ أصبح أن يحفظ شيئاً وإن قلّ.

قال ابن عباس : [إنما يحفظ الرجل على قدر نيته].


سأل رجل مالك بن أنس رحمه الله: يا أبا عبد الله ! هل يصلح لهذا الحفظ شيء؟ قال: إن كان يصلح له شيء فترك المعاصي، وهذا معنى الأبيات التي تنسب إلى الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى
وكيع
سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم فضل وفضل الله لا يؤتاه عاصي


ومن أسباب الحفظ: التقلل من الدنيا، وأنتم تذكرون أن أبا هريرة رضي الله عنه كان متقللاً من الدنيا، وكان ذلك من أهم أسباب حفظه، حتى عدها ابن حجر رحمه الله فائدة في حديث أبي هريرة ، قال: وفيه أن التقلل من الدنيا أمكنُ للحفظ. فإذاً: ترك المعاصي وفعل الطاعات من أسباب الحفظ، وفعل المعاصي من أسباب نسيان العلم، قال عبد الله : إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها. وقيل لـسفيان بن عيينة : بم وجدت الحفظ؟ قال: بترك المعاصي.

وشرب ابن حجر ماء زمزم وسأل الله أن يُبلغه مرتبة الذهبي
في الحفظ، فالدعاء وشرب ماء زمزم من أسباب الحفظ. ولاشك أن من أسباب الحفظ العظيمة: ذِكر الله عز وجل، قال الله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24]


قال
الزبير بن بكار
: دخل علي أبي وأنا أروي في دفتر ولا أجهر -أروي فيما بيني وبين نفسي- فقال: إنما لك من روايتك هذه ما أدى بصرك إلى قلبك. فإذا أردت الرواية فانظر إليها واجهر بها، فإنه يكون لك ما أدى بصرك إلى قلبك وما أدى سمعك إلى قلبك.

وعن
أبي حامد
أنه كان يقول لأصحابه: إذا درستم فارفعوا أصواتكم فإنه أثبت للحفظ وأذهب للنوم، وكان يقول: القراءة الخفية للفهم -القراءة الخفية إذا أردت أن تتدبر وتفكر وتنظر- والرفيعة -التي فيها رفع صوت- للحفظ. يقول: القراءة الخفية للفهم، والرفيعة للحفظ.

قال سفيان : كنت آتي الأعمش ومنصور ، فأسمع أربعة أحاديث وخمسة ثم انصرف كراهة أن تكثر وتتفلت. وعن شعبة قال: كنت آتي قتادة فأسأله عن حديثين، فيحدثني ثم يقول: أزيدك؟ فأقول: لا. حتى أحفظهما وأتقنهما. وقال بعضهم: من طلب العلم جملة فاته جملة. وقال بعضهم: إنما كنا نطلب حديثاً أو حديثين. وعن الزهري قال: إن هذا العلم -هذه تجارب حفاظ- إن أخذته بالمكابرة عسُر عليك، ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذاً رفيقاً تظفر به.

وقال
ابن الجوزي
: اعلم أن المتعلم يفتقر إلى دوام الدراسة، ومن الغلط الانهماك في الإعادة ليلاً ونهاراً فإنه لا يلبث صاحب هذه الحال إلا أياماً ثم يفتر ويمرض، فمن الغلط تحميل القلب حفظ كثير أو الحفظ من فنون شتى، فإن القلب جارحة من الجوارح، فمن الناس من يحمل مائة رطل، ومنهم من يعجز عن حمل عشرين رطلاً، فكذلك هذه القلوب أوعية بعضها يستوعب كثيراً وبعضها يستوعب قليلاً، فليأخذ الإنسان على قدر قوته، فإنه إذا استنفذ القوة في وقت ضاعت منه أوقات، والصواب أن يأخذ قدر ما يُطيق ويعيده في وقتين من النهار والليل.

كان
الزهري رحمه الله يجتنب التفاح الحامض، وهذا مجرب؛ الحوامض مما يقلل الحفظ، وكان العلامة محمد الأمين الشنقيطي
رحمه الله كما حكى عنه بعض أولاده، قال: كان أبي يزجرنا زجراً شديداً إذا رأى مع أحدنا لبناً حامضاً

قال
ابن الجوزي رحمه الله: ولما كانت القوة تُكلفه فهي تحتاج إلى تجديد، وكان النسخ والمطالعة والتصنيف لابد منه مع أن المهم الحفظ، وجب تقسيم الزمان على الأمرين، فيكون الحفظ في طرفي النهار وطرفي الليل، ويوزع الباقي بين عمل النسخ والمطالعة وراحة البدن وأخذهِ لحظِّه، ولا ينبغي أن يقع الغبن بين الشركاء، فإنه متى أخذ أحدهم فوق حقه أثر الغبن وبان أثره، وإن النفس لتحدب إلى النسخ والمطالعة والتصنيف عن الإعادة والتكرار؛ لأن ذلك أشهى وأخف عليها، ومع العدل والإنصاف يتأتى كل مراد. فإذاً: حسن توزيع الوظائف -يا طالب العلم!- على الوقت من الأمور المهمة.

الخاتمه:
اعلم – رحمك الله تعالى- أن طريق الطلب طويل جدا،كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البزار:"منهومان لايشبعان:طالب علم وطالب دنيا" صحيح الجامع5/374.وكما يقول بعضهم:"صاحب الحديث من المحبرة إلى المقبرة".وكما قيل للإمام أبي عبد الرحمن عبد الله بن المبارك المروزي-رحمه الله-لوبعثت بعد موتك ماذا تفعل؟قال:"أطلب العلم حتى يأتيني ملك الموت مرة ثانية".
فاحرص-رعاك الله تعالى- على التزود من العلم،والبحث عن مظانه،ومراجعة ذلك،ومدارسته مع نفسك ومع غيرك،فذلك يعين –بعد فضل الله تعالى- على ضبط العلم.
وأنت تعلم أن الضبط عند المحدثين ينقسم إلى قسمين:
1/ضبط صدر(وهو الحفظ).
2/ضبط كتاب.
وكلنا يكتب ويقرأ،لكن إذا لم يراجع كرة بعد كرة،فإنها تتلاشى،وهذا الداء(داء النسيان)طبع في الإنسان،ويختلف الناس فيه مابين مستقل ومستكثر.
والإمام البخاري-رحمه الله-وهو إمام الدنيا في وقته،وجبل الحفظ،عندما سئل عن دواء النسيان،قال: (مداومة النظر في الكتب).
إذن،فحاول أن تطرد عن نفسك كل فتور وكسل،لأن الإنسان كلما جاهد نفسه وعودها على المضاعفة من عمل الخير،كان ذلك من أسباب ذهاب كل فتور.
وعلى كل: إذا كان الإنسان مستغلا وقته في كل أحيانه،فسيرى خيرا كثيرا بإذن الله،لكن الذي نخشاه أن يصيبنا حماس واندفاع في البدء،ثم يبدأ الفتور والضعف،حتى يعود الإنسان إلى سيرته الأولى،لذا علينا تذكر همة السلف الصالح في طلب العلم وبذل الغالي والنفيس لأجل تحصيله،قال ثعلب وهوأبوالعباس أحمد:"ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس نحو أولغة خمسين سنة".
وبعد هذا،ينبغي أن نعود أنفسنا الطلب ، حتى ولولم يكن هناك مجلس علم متاح ،فطالب العلم لايكل ولا يمل، بل فيه نهم كبير لتحصيل العلم،فهذا طالب المال لو أعطي واديا من ذهب لتمنى أن يكون له ثان،كما قال صلى الله عليه وسلم:"لو كان لابن آدم واديا من مال،لابتغى إليه ثانيا،ولوكان له واديان لابتغى لهما ثالثا،ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب،ويتوب الله على من تاب"أخرجه الشيخان.
وكذلك طالب العلم إذا ماذاق لذة العلم وحلاوته،إزداد تعلقا وشغفا به،فالإنسان إذا كان يقرأ في بيته فهو يطلب العلم،وإذا كان يراجع مع أخ له فهو يطلب العلم،وإذا كان يسمع شريطا فهو يطلب العلم،فطالب العلم يشغل وقته مااستطاع إلى ذلك سبيلا في طلب العلم والتحصيل.
فاحرص-رعاك الله تعالى- على إستغلال كل أجزاء وقتك،فربما ينفع الله بك بلدك،بل قد ينفع الله بك المسلمين أجمعين،ولا تستبعد هذا الأمر،ولاتقل:من أنا؟ إذ ليس على الله بعزيز أن يرفع ذكرك وينشر علمك،وهل ولد الإمام البخاري وهو يعلم أن كتابه سيبلغ الأفاق شهرة وعلوا ورفعة؟ أبدا لم يكن يعلم ذلك،حتى بعد إمامته،لكن باب الإخلاص والبذل والجهد يؤتي-بفضل الله- أكثر من هذا.(37)

_فهرس البحث
الفصل الاول:
المبحث الاول:تعريف العلم
المبحث الثاني:حكم طلب العلم
المبحث الثالث:فضل العلم والعلماء واهمية العلم
الفصل الثاني:
المبحث الاول:اداب طالب العلم
المبحث الثاني:الاسباب المعينة على طلب العلم
المبحث الثالث:طرق تحصيل العلم
الفصل الثالث:
المبحث الاول:اسباب عزوف الناس عن العلم وطلبه
المبحث الثاني:صبر العلماء في تحصيل العلم
المبحث الثالث:طاب العلم والحفظ..
_مصادر البحث.
مدونة الأخصر زكور كاتب ومحلل .
البخاري ، كتاب العلم، باب: من يرد الله به خيراً، ومسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة.

(2) أبو داود، كتاب العلم، باب: الحث على طلب العلم، والترمزي، كتاب العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة.

(3) أخرجه مسلم من كتاب الفضائل، باب : وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي.

(4) أخرجه مسلم، كتاب الوصية ، باب : ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته.

(5) البخاري، كتاب العلم، باب: من يرد الله به خيراً ومسلم، كتاب الزكاة، باب: النهي عن المسألة.

(6)أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب: فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه.

(7)أخرجه البخاري ، كتاب العلم، باب: فضل من علم وعمل ، ومسلم، كتاب الفضائل ، باب: مثل مابعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم.

(8)أخرجه مسلم ، كتاب الدعوات ، باب : فضل الاجتماع على تلاوة القرآن.

(9)تقدم تخريجه رقم (1).

(10) أخرجها البخاري، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر من بني إسرائيل ، ومسلم، كتاب التوبة، باب: قبول توبة القاتل.
[1] أخرجه أحمد (2/338)، وأبو داود في كتاب العلم، باب: طلب العلم لغير الله (3664)، وابن ماجه في المقدمة، باب: الانتفاع بالعلم والعمل به (2852)، وصححه الحاكم (1/160)، والألباني في صحيح سنن أبي داود (3112).

[2] انظر: كتاب العلم لابن عثيمين (ص27).

[3] انظر: العقد الفريد لابن عبد ربه.

[4] تذكرة السامع والمتكلم (ص13).

[5] انظر: تذكرة السامع والمتكلم (ص69).

[6] انظر: الجامع لأخلاق الراوي، واقتضاء العلم العمل (35-36).

[7] انظر: تذكرة السامع والمتكلم (ص15).

[8] انظر: حاشية تذكرة السامع (ص16-17).

[9] انظر: جامع بيان العلم (1/107-108).

[10] انظر: حلية الأولياء (7/12).

[11] انظر: تذكرة السامع والمتكلم (ص19).

[12] انظر: الزهد لوكيع (275).

[13] انظر: تذكرة السامع والمتكلم (ص15-16).

[14] انظر: تذكرة السامع والمتكلم (ص71-72).

[15] انظر: تذكرة السامع والمتكلم (ص18).

[16] انظر: حلية طالب العلم (ص12).

[17] انظر: الجامع لأخلاق الراوي (1/79).

[18] انظر: الجامع لأخلاق الراوي (1/80).

[19] انظر: أدب الإملاء والاستملاء (2).

[20] انظر: شرف أصحاب الحديث (122).

[21] تذكرة السامع والمتكلم (ص24).

[22] انظر: تذكرة السامع والمتكلم (ص27).

[23] انظر: الجامع لأخلاق الراوي للخطيب.

[24] انظر: تذكرة السامع والمتكلم (ص27).

[25] انظر: تذكرة السامع والمتكلم (ص28).

[26] تذكرة السامع والمتكلم (ص83).

[27] انظر: جامع بيان العلم وفضله (1/580) رقم (992)، والجامع للخطيب (1/199).

[28] انظر: إرشاد الطالب (ص78-79).

[29] انظر: تذكرة السامع والمتكلم (ص88).

[30] انظر: جامع بيان العلم (1/459).

[31] كتاب العلم (ص41).

[32] كتاب العلم (ص28).
(33) سورة الكهف الآية : ( 62 ).
(34) ابن أبي أصيبعة ( عيون الأنباء في طبقات الأطباء )( ص 643 ) ضبط وتصحيح محمد باسل.
(35) ابن جماعة الكناني ( تذكرة السامع والمتكلم الباب الثالث/ في آداب المتعلم ، النوع الخامس )( ص 92 ) تحقيق وتعليق محمد هاشم الندوي.
(36) ابن عبد البر ( جامع بيان العلم وفضله )( باب فضل التعلم في الصغر والحض عليه )( حديث رقم : 391 ) والخطيب البغدادي ( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع )(باب أدب الاستئذان على المحدث )( حديث رقم : 216)، وابن حجر العسقلاني ( المطالب العالية )( كتاب المناقب)( فضل ابن عباس) حديث رقم : 4169).

(37) المرجع/كتاب(معالم في طريق طلب العلم) عبدالعزيزبن محمد السدحان


رد مع اقتباس
  #2  
قديم November 8, 2011, 08:32 AM
 
رد: بحث شامل متكامل عن طلب العلم ، طلب العلم واساليبه واسباب العزوف عنه، معوقات طلب العلم،

بحث متكامل
مجهود رائع أختي .. يسلمواااا

طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة

ودي واحترااااااااااااااامي
رد مع اقتباس
  #3  
قديم November 8, 2011, 01:26 PM
 
رد: بحث شامل متكامل عن طلب العلم ، طلب العلم واساليبه واسباب العزوف عنه، معوقات طلب العلم،

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عاشق التحدي.. مشاهدة المشاركة
بحث متكامل
مجهود رائع أختي .. يسلمواااا

طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة

ودي واحترااااااااااااااامي
يا هلا أخي ،،
نورت الموضوع .. شكرا لتواجدك ،،
الله يحفظك
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العلم ، اسبابه، فوائده ، معوقاته ، فضله ، اسباب العزوف عنه

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إذا كنت تتقن العمل على (Word وExcel...) فالشركة تتيح لكم فرصة العمل Starix وظائف شاغرة 3 July 1, 2015 12:29 PM
بيئة العمل.. من أفضل المقومات لرضا الموظفين ونجاح مؤسسات العمل مبسام ( ^ـــ^ ) علم الإدارة والاتصال و إدارة التسويق و المبيعات 4 September 28, 2011 09:37 AM
نماذج خطاب مكتب العمل / نموذج فتح ملف بمكتب العمل وردة الثلج نماذج خطابات و اجراءات حكومية 0 May 26, 2011 06:11 PM
نماذج طلب مكتب العمل / نموذج استقدام بمكتب العمل وردة الثلج نماذج خطابات و اجراءات حكومية 0 May 26, 2011 06:09 PM
العلم يقدم أهل العلم، ويرفع أهله في كل مجتمع_فتوى ابن باز مستر_مهستر النصح و التوعيه 0 July 19, 2009 03:01 AM


الساعة الآن 08:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر