فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > تحميل كتب مجانية > كتب السياسة و العلاقات الدوليه

كتب السياسة و العلاقات الدوليه تحميل كتب في السياسة الدوليه , العلاقات,ما بين الدول



إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #7  
قديم September 12, 2008, 01:56 AM
 
رد: العراق - الكويت - إيران ... القصة الكاملة

(9)
( العد العكسي للحرب )
عندما انتصف اكتوبر كان من الواضح أن الازمة ستطول بعض الوقت ، وان حلها يزداد تعقيدا يوما بعد يوم ، واصبح الشرق الاوسط مسرحا لاحداث ماساوية .
وركزت الصحف في صفحاتها الاولى كما ركزت الاذاعات والتلفزيونات على المشكلات الجديدة : مقتل واحد وعشرين فلسطينيا في القدس في 8 أكتوبر ، وقيام القوات السورية في 13 من الشهر ذاته بالاطاحة بالزعيم العسكري المسيحي ميشيل عون في لبنان .
وفي الثاني عشر من أغسطس أي بعد غزو الكويت بعشرة ايام صرح صدام حسين بأنه لا يمكن حل الازمة الا في اطار النزاعات الاخرى في الشرق الاوسط : الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وغزة وهضبة الجولان وجنوب لبنان . وردت حكومتا الولايات المتحدة واسرائيل على ذلك بانه " دعاية رخيصة . "
وبينما كانت الازمة آخذة في الاشتداد اصدرت بعض الدول الغربية تصريحات تربط في الظاهر بين هذه القضايا الشرق أوسطية . فالرئيس الفرنسي ميتران أعلن في خطاب له في الامم المتحدة في 24 سبتمبر ان صدام حسين صرح بانه سوف ينسحب من الكويت ، وأن أبواب التفاوض مفتوحة . وقال دوغلاس هيرد وزير خارجية بريطانيا ان الاولوية ستكون للقضية الفلسطينية عندما يتم حل أزمة الخليج .
كانت الاحداث الدامية التي وقعت في القدس في الثامن من أكتوبر بمثابة هدية لصدام حسين . إذ ركزت أنظار العالم في القضية الفلسطينية ، ووضعت اسرائيل في موقف بالغ الحساسية . فبادرت اسرائيل إلى القول بان منظمة التحرير الفلسطينية احكمت تدبير ذلك لاحراج اسرائيل ، بل ذهب بعض الناطقين الاسرائيليين إلى حد القول بانه ربما كان العراق وراء جهود المنظمة في هذا السبيل . على انه كانت للفلسطينيين وجهة نظر أخرى . فاتهموا الاسرائيليين بالقيام بالمجزرة في محاولة لمنع المتطرفين الاسرائيليين من " جماعة المؤمنين في الهيكل " من الزحف على المسجد . فكانوا قد نادوا بضرورة هدمه وتحويله إلى كنيست . ومن الواضح أن البوليس الاسرائيلي منع المتطرفين من الاقتراب من المسجد وان الفلسطينيين أخذوا يقذفون الحجارة على آلاف المصلين اليهود امام حائط المبكى . لكن كان من الواضح أيضا أن الجنود الاسرائيليين أطلقوا النار على الفلسطينيين بعد فرار اليهود من الحجارة وابتعادهم عن الخطر .
وهاجمت بعض الجماعات الاسرائيلية حكومتها بسبب الطريقة التي عالجت بها المظاهرة . واتهمت جماعة " بتسيلم " المستقلة التي ترصد الاعمال الاسرائيلية في الاراضي المحتلة القوات الاسرائيلية باطلاق النار دون تمييز على المتظاهرين والمتفرجين ورجال الاسعاف . وورد في تقرير للجماعة يشجب ما حدث ويقع في أربع وثلاثين صفحة قولها : " واستمر إطلاق النار حتى بعد أن اخذ المتظاهرون يتفرقون في كل اتجاه وبعد ان هرب كثرة منهم وحتى بعد ان وصلت سيارات الاسعاف والفرق الطبية ".
خلق هذا الحدث مشكلة كبيرة للحكومة الاميركية التي كانت لها منذ سنوات طويلة علاقات وثيقة مع اسرائيل . فخلال مناقشات امتدت خمسة ايام في مجلس الامن حاولت التوصل إلى صيغة قرار يحمل أقل ما يمكن من الادانة لاسرائيل . لكن بعد أن حصلت على دعم غالبية الحكومات العربية في ازمة الخليج ، لم تعد في وضع يمكنها من استخدام حق الفيتو ضد القرار . وفي الايام التي تلت احداث القدس كان في مقدور المرء أن يلاحظ ان الهجوم في البلاد العربية على منظمة التحرير بسبب تاييدها لصدام حسين قد تحول مؤقتا إلى هجوم على اسرائيل . وبرز هذا بوضوح في مصر حيث كان مبارك قد اصبح مناصرا قويا لموقف الولايات المتحدة من صدام .
وعندما تبنت الامم المتحدة اخيرا قرارها ، لم يشتمل هذا القرار فقط على انتقاد اسرائيل بسبب الطريقة التي عالجت فيها (مظاهرات) الفلسطينيين ، بل وعلى الطلب من الامم المتحدة ارسال وفد إلى اسرائيل للتحقيق في الاحداث . فردت حكومة شامير على ذلك بغضب وهاجمت الولايات المتحدة بسبب موقفها ، ورفضت رفضا قاطعا فكرة الوفد قائلة بانه باستطاعة أفراده ان يزوروا اسرائيل كسائحين . وقارن جيمس بيكر بين رد الفعل الاسرائيلي تجاه قرار الامم المتحدة برد فعل صدام حسين تجاه تلك الهيئة الدولية ، مما زاد التوتر بين الولايات المتحدة واسرائيل . وكانت الولايات المتحدة تحرص كل الحرص على أن تتحاشى حدوث ذلك . فمنذ بداية الازمة نصحت الولايات المتحدة اسرائيل ان تعمد إلى الهدوء ، لانها لم تكن تعتبر ازمة الخليج مؤامرة اميركية صهيونية . وكان هذا هو ما فهمه صدام حسين وما يفسر لماذا أعلن صدام في عدد من المناسبات انه إذا قامت الولايات المتحدة والقوات العسكرية الاخرى في السعودية بمهاجمة العراق فانه سيقوم على الفور بمهاجة اسرائيل بالصواريخ . وكان يامل من وراء هذا توريط اسرائيل في الحرب ودق اسفين في تأييد الدول العربية للهجوم على بلاده .
قامت اسرائيل بتشكيل لجنة تحقيق حول حمام الدم بالقدس برئاسة مدير الموساد السابق زفي زامير . وجرى الاستماع لاول شهادة في الجلسة المغلقة يوم الاحد في الرابع عشرة من اكتوبر وبعد مضي اثني عشر يوما أعلن تقرير زامير ان القوات الاسرائيلية بريئة من قتل الفلسطينيين البالغ عددهم واحدا وعشرين .
ويحتمل ان يكون الغضب على الولايات المتحدة هو الذي حفز الاسرائيليين إلى اتخاذ قرار آخر كفيل بالحاق المزيد من الضرر بالعلاقات مع الولايات المتحدة . إذ اعلن وزير الاسكان عن وجود خطط لبناء مساكن في القدس الشرقية لليهود المهاجرين من الاتحاد السوفييتي . وكان الاميركيون قد قدموا قرضا مضمونا باربعمئة مليون دولار لاسرائيل لايواء المهاجرين السوفييت لكن بشرط ان لا يخصص أي جزء منه لبناء مساكن في الاراضي المحتلة . وقال شارون ان القدس الشرقية ليست منطقة محتلة بل هي جزء من القدس عاصمة اسرائيل ، وهو شيء رفضت قبوله كل دولة في العالم .
***
جرى أيضا الربط بين القرار السوري باستخدام القوة للاطاحة بالجنرال عون بلبنان وبين أزمة الخليج . فبعد أن ظلت الولايات المتحدة سنوات تدين سوريا بوصفها دولة ارهابية ، فانها اصبحت حليفة لها في ازمة الخليج . وكان من دواعي سرور الرئيس الأسد الذي كان على الدوام يكن الكراهية لصدام ان ينضم إلى قوة عالمية تعتزم طرد صدام من الكويت ، وربما من السلطة أيضا . وكان جيمس بيكر قد عقد اجتماعا مع الرئيس الأسد تعرض لبعض النقد في الولايات المتحدة ، وأثار بوجه خاص سخط أسر ضحايا الرحلة 103 لطائرة بان أميركان التي انفجرت فوق لوكيربي باسكتلندا . فلم يكن بوسعهم أن يصدقوا انه من الممكن لمسؤول اميركي كبير أن يزور بلادا لعبت دورا في الهجوم الارهابي .
لكن الرئيس الأسد كان قد أصبح عندئذ في وضع لا غبار عليه في نظر الولايات المتحدة . إذ كان قد أرسل قوات سورية إلى السعودية والامارات وأيد بقوة موقف الولايات المتحدة وهيئة الامم من العراق . وكشف مصدر سوري عالي المستوى انه احاط بقواته القسم المسيحي الذي يسيطر عليه الجنرال عون في بيرات ، تلقى الضوى الاخضر من البيت الابيض للمضي قدما والاطاحة بعون.
وعندما وجد عون نفسه محاصرا بالقوات السورية ناشد الاسرائيليين ان يقوموا بمساعدته . وهذا ما اكده أوري لوبراني منسق العمليات الاسرائيلية في لبنان الذي أكد أن التحالف السوري الاميركي في الخليج سهل على السوريين استخدام القوة للاطاحة بعون . قال " لا ريب عندي في ان صار لدى السوريين الحرية في استخدام القوة داخل لبنان طالما أنهم حلفاء للاميركيين " .
وبعد معركة قصيرة ولكن دامية هرب الجنرال عون من القصر الرئاسي إلى السفارة الفرنسية . ولا يزال فيها . ومنذ ذلك الوقت رفضت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة الهراوي طلبا تقدمت به الحكومة الفرنسية للسماح له بمغادرة لبنان إلى فرنسا . وتصر على محاكمته بتهمة الفساد .
لم يثر التدخل السوري في بيروت الشرقية أي انتقاد رسمي في الولايات المتحدة أو في غيرها من الدول الكبرى . وبدلا من ذلك ، جرى تصويره باعتباره محاولة كريمة لاعادة توحيد لبنان . وليس من شك في أن اعادة توحيد دولة انتهكت حرمتها امر في غاية الاهمية ، لكن من الصعب تفسير الاتفسير الاحتلال السوري للبنان خلال السنوات الكثيرة القادمة على انه مختلف .
لكن إذا كان نجاح سوريا في الحصول على الضوء الأخضر قد جاء نتيجة لانضمامها للتحالف فانه كان ذلك بعض النتائج الايجابية . فالواقع ان الذي دفع سوريا إلى الانضمام للتحالف لم يكن مجرد علاقاتها السيئة مع العراق منذ وقت طويل . إذ كانت تشعر بالعزلة عن عدد من الدول العربية المهمة وخصوصا مع مصر والسعودية . إذ لم يكن لسورية أية مشاركة في مجلس التعاون العربي الذي تشكل عام 1989 ولا في مجلس التعاون الخليجي، ولكن بانضمامها إلى التحالف ضد العراق كسرت الحواجز واصبحت مشاركة لدول عربية مهمة . ثم ان السوريين أدركوا ما يجري في الكتلة الشرقية والاتحاد السوفييتي اللذان كانا يدعمان نظام الأسد . إذ كان غارقين في المشكلات الاقتصادية إلى حد أيقن معه السوريون بأن المساعدات الاقتصادية والعسكرية سوف تتوقف . وعليه كان من المهم ايجاد حليف قوي آخر ، فكان الولايات المتحدة .
لكن بالرغم من هذه الايجابيات فقد كان في سوريا شعور متزايد بالإحباط بالنسبة لقضايا أخرى ، وأولها أن الولايات المتحدة خصصت 700 مليون دولار لإسرائيل لمساعدتها على تحسين نظامها الدفاعي ضد الصواريخ .
فأدان السوريون هذا القرار بشدة لأنه كما قالوا محاولة من الولايات المتحدة لربط أزمة الخليج بالنزاع العربي الإسرائيلي . كما أن السوريين أصيبوا بخيبة أمل عندما رأوا المساعدات المالية التي كانت تحصل عليها أقطار مثل مصر من الغرب . وكانت الولايات المتحدة قد ألغت دينا لها على مصر بمبلغ 7 بلايين دولار وكذلك فعلت دول الخليج بدينها البالغ 5 بلايين دولار نقدا . كما أن سوريا كانت لا تزال تعاني من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وبريطانيا وغير قادرة في الوقت ذاته على الحصول على المساعدات المالية التي تمكنها من حل المشكلات الاساسية للاقتصاد السوري .
ومما أغضب السوريين أيضا العلاقات الدبلوماسية . فبريطانيا التي أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران ، رفضت إعادتها مع سوريا . وكانت علاقاتها ببرطانيا قد قطعت على أثر حادث الهنداوي عام 1986 عندما وجدت قنبلة على إحدى طائرات العال بمطار هيثرو ، وحملت بريطانيا سوريا المسؤولية عن تلك العملية الإرهابية .
وأصرت رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر على هذا الموقف بالرغم من السياسة السورية الجديدة التي تجلت في الدفاع عن التحالف ضد العراق . وبقيت هذه المشكلة دون حل إلى أن خرجت تاتشر عن الوزارة في نوفمبر . فبعد ذلك بأربع وعشرين ساعة اعادت بريطانيا علاقاتها مع سوريا .
وكان السوريون يواجهون مشكلة أخرى . فبالرغم من أنهم كانوا يكرهون العراق فانه كان سيتحالف معهم في حال نشوب الحرب مع اسرائيل . وهكذا فانهم اعلنوا بوضوح ان قواتهم موجودة في السعودية للدفاع عنها لا لمهاجة العراق وأنهم لا يسعون إلى حرب مع العراق بل إلى حل سلمي . أجل كانوا يريدون حلا سلميا لا يضعف قوة العراق . لكن هذا الموقف تغير كليا فيما بعد عندما اندلعت الحرب ، فقبلت بهدوه تدمير العراق وأيدت فكرة الإطاحة بصدام حسين .
***
طرأت أحداث أخرى مهمة أثرت في أزمة الخليج . ففي 18 نوفمبر أي بعد الغزو بثلاثة أشهر اجتمع بباريس لأول مرة منذ الحرب الباردة رؤساء ورؤساء وزارات 34 دولة تضم دولا من أوروبا الشرقية والغربية بالاضافة إلى كندا والولايات المتحدة ( ضمن إطار منظمة CSCE ) . وفي تلك الأثناء وصلت رسالة مستعجلة من بغداد تعلن أن صدام حسين سيبدأ في عيد الميلاد بإطلاق سراح جميع الرهائن . على ان الرسالة لم تفاجئ أحدا . فمنذ بداية الازمة وصدام حسين يحاول استغلال قضية الرهائن في محاولة منه لإضعاف تأييد الرأي العام الدولي لأي هجوم عسكري على بلاده . ومهما يكن من أمر فان إعلان صدام استقبل باستخفاف من قبل الولايات المتحدة بوصفها مجرد دعاية عراقية أخرى . وفي صباح اليوم التالي ، وبعد أن تناول بوش الفطور مع مارغريت تاتشر ، شجب القرار العراقي بالإفراج عن الرهائن على دفعات ، وقال بأنه إذا أراد صدام حلا سلميا فعليه ان يفعل بالكويت ما فعله بإيران . وهذا يعني " أن عليه أن يتراجع تراجعا كاملا . فلن تطلق رصاصة واحدة غضبا إذا فعل ما يفترض فيه عمله وهو التقيد تقيدا كاملا بقرارت الامم المتحدة " .
عند بدء اجتماع الدول الأربع والثلاثين . كان من الواضح أن أزمة الخليج تتزايد تعقيدا . فطوال شهور كنا نسمع عن مختلف الخيارات لحل الأزمة المفاوضات السلمية ، وانسحاب طوعي للقوات العراقية من الكويت ، والحل العربي ، والحرب . وبعد أن قام الرئيس الأميركي بنشر 000 , 200 من الجنود كخطوة أولية ، أعلن في أوائل نوفمبر أنه سيرسل تعزيزات للوجود العسكري في السعودية تتألف على الأقل من 000 , 200 جندي . وفي هذه صار من الواضح لدى متتبعي الأزمة أنه طرأ تغير أساسي على الموقف الأميركي . إذ تحولت الولايات المتحدة إلى دولة مهاجمة ، وبالتالي أخذ احتمال وقوع الحرب يتحول إلى حقيقة . وذهب عدد من الخبراء إلى أن نشر القوات يعني أن الحرب ستقع بين منتصف وآخر يناير أو أوائل فبراير . واعتقد آخرون نشرها قد يكون خدعة لتغطية هجوم مبكر على الكويت
***
لم يحضر جورج بوش وسكرتير الدولة جيمس بيكر إلى باريس فقط بهدف المشاركة في المؤتمر ، بل أيضا وأساسا من أجل إقناع فرنسا والاتحاد السوفييتي بالحاجة إلى قرار جديد تصدره الامم المتحدة يجيز استخدام القوة العسكرية ضد العراق . بعد أن اجتمع بيكر ووزير الخارجية الفرنسية رولان دوما أشاع مساعدو بيكر بان فرنسا وافقت على دعم هذا القرار . وأشيع الشيء ذاته على أثر عشاء ضم بوش وميتران . فسارع الأليزيه إلى القول بأن أي اتفاق بهذا الشأن لم يتم ، وبأن فرنسا إذا كانت تقبل " من حيث المبدأ " فانها لا تدعم أي قرار لم يناقش في مجلس الامن . وحدد ميتران موقفه النهائي في مؤتمر صحفي عقده بعد انتهاء اجتماع باريس ، معلنا فيه ان قرارا جديدا سوف يتم تبنيه خلال ثلاثة أسابيع ويجيز استخدام القوة .
وجرى الشي ذاته مع السوفييت . فقد عقد بيكر ثلاثة اجتماعات مع ادوارد شيفارنادزه ؛ واجتمع بوش كذلك بغورباتشوف . وعرف أولا أن السوفييت غير متحمسين لصدور قرار عن الامم المتحدة يؤيد استخدام القوة . وأعلن الناطق الرسمي السوفييتي في عدة مناسبات ، بان موقف بلاده هو " الصبر " .
ولكن قبل مغادرة غورباتشوف لباريس ، ظهر على شاشة التلفزيون الفرنسي وحمل على العراق وعلى صدام حسين قال : " الوضع شديد الخطورة . يجب علينا ان نتحرك ، ونظهر حزمنا وتصميمنا . ونشعر بالحاجة إلى قيام مجلس الامن دون تأخير بالاجتماع ومناقشة الوضع واتخاذ قرار" .
وخاب أمل الذين قالوا باحتمال التوصل إلى حل عربي . وفي أوائل نوفمبر دعا الملك الحسن الثاني إلى عقد قمة عربية لحل أزمة الخليج . ولكن في حين أن العراق سارع إلى تأييد اقتراحه فان الدول العربية الرئيسية مثل مصر وسوريا والسعودية بادرت على الفور إلى رفضه .
وخاب كذلك الأمل في حل دبلوماسي . فالوسيط السوفييتي يفجيني بريماكوف الذي قام بجولة مكوكية على الاقطار العربية بما فيها العراق بهدف التوصل إلى حل سلمي ، تحدث عن القيام بتنازلات للعراق . لكن الولايات المتحدة لم تكن على استعداد لقبول شيء من هذا . والواقع أن بوش كان قد وضع نفسه في موقف كان من الصعب تغييره ومن المستحيل التفاوض حوله . إذ قال انه لا يمكن إجراء محادثات مع العراق إلا بعد انسحاب العراق من الكويت وعودة الأسرة الحاكمة والافراج عن جميع الرهائن من الأجانب . وكان صدام قد أشار في كثرة من المقابلات بأنه لن يقبل ذلك . وعندما كنت ببغداد في أوائل سبتمبر أبلغتني وزارة الخارجية العراقية ان صدام حسين يرغب في مناظرة تلفزيونية مع بوش . ونقلت رغبته إلى البيت الأبيض فكان الجواب قاطعا بالنفي . وفي مقابلة لبيتر جنكز المراسل الرئيسي لشبكة " إي بي سي " مع صدام ببغداد شدد هذا على استعداده للتفاوض مع الولايات المتحدة والسعودية ولكن بدون " شروط مسبقة " وكان معنى ذلك أنه لن ينسحب من الكويت قبل التوصل إلى حل تفاوضي . لكن بالرغم من كل الحديث عن الحاجة إلى حل دبلوماسي فانه بات في حكم المستحيل .
أما وقت تعذر انسحاب صدام بدون شروط ، وتعثر الحل العربي والحل التفاوضي فلم يبق هناك إلا خيار واحد وهو الحرب .
وفي 29 نوفمبر تبنى مجلس الامن القرار 678 الذي أيد بوضوح ذلك الخيار . واتُّخد القرار باثني عشر صوتا مقابل اثنين عارضاه وهما اليمن وكوبا وامتنعت الصين عن التصويت . وخولت الفقرة الرئيسية من القرار " الدول الأعضاء بالتعاون مع حكومة الكويت " لا ستخدام " جميع الوسائل الضرورية " لتنفيذ القرار رقم 160 الذي دعا إلى انسحاب العراق انسحابا تاما من الكويت . وحدد تاريخ الانسحاب بموجب القرار 678 " في أو قبل " الخامس عشر من يناير 1991 . كما دعا القرار إلى إعادة " السلم والأمن الدوليين إلى المنطقة " . وهذه هي الكلمات الرئيسية التي استندت إليها الدول الغربية فيما بعد لتبرير تجاوز تحرير الكويت إلى غزو العراق . وهكذا بدأ العد العكسي نحو الحرب .

__________________
كُن صديقاً للحياه وإجعلِ الإيمانَ رايه

وإمضي حُراً في ثبات إنها كُل الحكايه
رد مع اقتباس
  #8  
قديم September 12, 2008, 01:59 AM
 
رد: العراق - الكويت - إيران ... القصة الكاملة

(10)
( وتمر الأيام )
عندما صدر قرار الامم المتحدة رقم 678 في 29 نوفمبر 1990 صار من الواضح أن الحرب قد اصبحت خيارا جديا في ازمة الخليج . ولو ان الولايات المتحدة ودول التحالف الاخرى كانت تشعر بأن الحل التفاوضي لا يزال ممكنا ، ولو أن بعض الخبراء لم يكونوا يريدون حلا تفاوضيا لما اتخذ القرار . واعتقد كثرة من الزعماء السياسيين في العالم أن تحديد تاريخ لانسحاب صدام حسين من الكويت كان إشارة إلى أن الولايات المتحدة تخلت عن خطتها الاصلية التي ترمي إلى الانتظار حتى تبدأ العقوبات التي أقرتها هيئة الامم في التأثير على الشعب العراقي . واصبح من الواضح ان العقوبات تتطلب وقتا أطول من الوقت الذي تنبأ به المسؤولون في بادئ الأمر .
لكن الولايات المتحدة واجهت عددا من المشكلات الصعبة . فبانتظار تأثير العقوبات كان لا بد لها من أن تترك قواتها على الاراضي السعودية لمدة طويلة ، الأمر الذي سيؤثر على دعم مالي هام من اقطار كالسعودية والكويت واليابان .
وكانت هنالك أيضا مشكلة دينية . فكان رمضان سيبدأ في منتصف آذار الامر الذي يؤثر كثيرا على الاطراف العربية المشاركة في الحالف وخصوصا على السعودية ومصر وسوريا . وكان سيلي ذلك فيما بعد موسم الحج الذي يفد فيه كل سنة ملايين من المسلمين على الاراضي المقدسة . ولم يكن من المستبعد إذا بقيت القوات الاجنبية حتى ذلك الحين في السعودية أن يقوم الحجاج بثورة عليها .
وأخير كانت هنالك مشكلة الطقس. فبعد انقضاء شهر مارس تشتد الحرارة في منطقة الكويت والسعودية إلى حد لا يطاق . وكان يخشى أن يكون لذلك تأثير ضار على الاعتدة العسكرية الاميركية وعلى القوات التي لم تعتد حياة الصحراء . وهكذا فان الخبراء في الحكومة الاميركية قرروا انه لا مفر من ايجاد حل قبل منتصف آذار .
***
في 30 نوفمبر أي بعد صدور قرر الامم المتحدة رقم 678 بيوم واحد اعلن بوش بذكاء عن خطة سلام لإقناع العالم بان الحرب لم تكن حتمية فاقترح ان يجتمع بوزير خارجية العراقية طارق عزيز وان يوفد وزير خارجيته بيكر للاجتماع بصدام حسين . ورحب العالم بالاقتراح بوصفه دليلا واضحا على ان الرئيس بوش كان لا يزال يسعى إلى حل دبلوماسي للازمة .
وصلت إلى تونس في وقت متأخر من بعد ظهر ذلك اليوم . وفي صباح اليوم التالي اجتمعت مع أبو إياد الرجل الثاني في منظمة التحرير . وقد عرفته منذ سنوات طويلة . وكان قد قضى شطرا من حياته في الكويت حيث كانت لا تزال تعيش أسرته بما فيها زوجته . وكان في أوائل السبعينات ، الرأس المدبر للعمليات " الارهابية " وهو الذي نظم الهجوم على الرياضيين الإسرائيليين في الالعاب الاولمبية بميونيخ عام 1972 . على انه اقتنع منذ أوائل الثمانينات بان الارهاب ليس أسلوبا لحل القضية الفلسطينية واتخذ موقفا اكثر اعتدالا . ولعب دورا اساسيا في حمل المنظمة على التخلي عن الارهاب ، والاعتراف بوجود اسرائيل ، وفتح حوار مع الولايات المتحدة . لقد كان يد عرفات اليمنى ومن الذين دفعوه إلى الاعتدال .
بدأ أبو إياد يخبرني عما حدث في مقر منظمة التحرير عندما علم المسؤولون فيها باقتراح بوش . بادر عرفات إلى عقد اجتماع بكبار قادتها الموجودين بتونس . وبعد نقاش استمر عدة ساعات كتبوا مذكرة سرية لصدام حسين نقلتها إليه السفارة السفارة العراقية بتونس . واشتملت المذكرة على ثلاث نقاط رئيسية : الأولى قبول اقتراح بوش الذي يحتمل ان يكون آخر فرصة للتوصل إلى حل سلمي للازمة . والثانية التخلص من جميع الرهائن الاجانب قبل لااجتماع بين طارق عزيز وبوش ، لان ذلك يسهل امكان التوصل إلى حل دبلوماسي . والثالثة الاستعداد للانسحاب من الكويت مع عدم نسيان الصفقة السرية مع الملك فهد التي تقضي باحتفاظه بمناطق الحدود المتنازع عليها منذ وقت طويل بين العراق والكويت .
وأخبرني أبو إياد أن عرفات كان في طريقه إلى عمان للاجتماع مع الملك حسين قبل الذهاب إلى بغداد لمقابلة صدام حسين . وأضاف أنه سيسافر في اليوم التالي إلى اليمن لمحاولة الحصول على تأييد زعمائها للخطة التي تقترحها المنظمة على صدام .
وسالته إذا كان سيجتمع مع الزعيم العراقي في العاصمة العراقية كما كان يفعل دائما ، ففاجاني بجوابه : " لن أذهب إلى بغداد مرة أخرى . ولن اجتمع بصدام حسين مرة أخرى " . فلما سألته عن سبب اتخاذه هذا القرار كشف النقاب عن خبر مثير .
في 16 نوفمبر اجتمع هو وعرفات مع صدام حسين . وفي ذلك الاجتماع حدث مشادة عنيفة بينه وبين الزعيم العراقي . قال له : " إنك لا تساعد القضية الفلسطينية كما تدعي . إنك تدمرها . إنك تقضي على آلاف الفلسطينيين في الكويت . إنك تدمر أسرتي . لقد فقد جميعهم وظائفهم ويتضورون جوعا " . وقال أبو إياد أيضا انه انتقد بشدة دعم صدام لنشاط أبو نضال الارهابي . وكان أبو نضال وهو واحد من أخطر الارهابيين في العالم قد انفصل عن المنظمة في أوائل السبعينات ؛ ثم ما لبث أن أنشأ منظمة خاصة به وهي فتح المجلس الثوري وحكم بالموت على أبو إياد . وكان أبو إيام يعلم انه منذ ان أنشأ ابو نضال منظمته تورط في اكثر من محاولة لاغتياله هو وغيره من زعماء منظمة التحرير . فأثارت كلمات ابو إياد غضب صدام حسين الذي طرده من مكتبه . كما أثارت غضب عرفات الذي تمكن مع هذا من إخراجه من العراق سالما .
كانت تلك آخر مرة قابلت فيها أبو إياد . ففي ليل الخامس عشر من يناير أي قبل نشوب حرب الخليج بيومين اغتيل في تونس هو وهايل عبد الحميد المعروف بأبي الهول . وكانت المنظمة قد اقترفت خطأ أمنيا ماساويا عندما سمحت للقاتل حمزة أبو زيد الذي تظاهر بالانشقاق عن أبو نضال بان يكون حارس أبو الهول . ومع أن التحقيق في الاغتيال لا يزال جاريا ، فان هناك ما يشير إلى أن منظمة أبو نضال هي التي دبرت العملية . لكن ليس من الواضح ما إذا كان الاغتيال قرارا مستقلا اتخذته المنظمة أم أنه قرار جهة أخرى .
***
في الرابع من ديسمبر اجتمع عرفات والملك حسين ونائب الرئيس اليمني لمدة أربع ساعات مع صدام حسين في بغداد للعمل على تنفيذ توصياتهم . وبعد ذلك بأربع وعشرين ساعة أي في 6 ديسمبر أعلن صدام الافراج الفوري عن جميع الرهائن الاجانب . لكن لما كان قد أعلن سابقا أنه سوف يسمح لهم جميعا بمغادرة البلاد في عيد الميلاد فقد شك البعض في البداية بصدقه . لكن وضح في الايام التالية ان جميع الرهائن قد أطلق سراحهم ، وبذلك حلت عقدة من عقد أزمة الخليج .
***
أما على الجبهة الدبلوماسية فلم يبد أثر للتقدم بالرغم من كثرة النشاط . فأولا وقبل كل شيء لم يظهر ما إذا كانت الولايات المتحدة والعراق قد اتفقتا على موعد ذهاب طارق عزيز إلى واشنطن وبيكر إلى بغداد . وتحمل الولايات المتحدة العراق مسؤولية ذلك . فقال الاميركيون انهم اقترحوا خمسة عشر من تاريخا وان صدام لم يقبل ايا منها . وكان صدام قد عرض الاجتماع ببيكر في الثاني عشر من يناير ولكن الولايات المتحدة اعتبرت التاريخ قريبا جدا من 15 يناير الذي حدد للانسحاب من الكويت . أما العراقيون فقد رأوا في ذلك إشارة إلى ان الولايات المتحدة لا تريد اجراء اية محادثات حقيقية معهم . وقالوا إنه لا تفرض التواريخ على أي قطر عربي ، بل ينبغي التفاوض عليها . وأضافوا أن الولايات المتحدة لا ترغب في المفاوضة حتى على تاريخ الاجتماع.
وعلمت من مصدر عراقي أن كل ما كان الأمر يستدعيه لإجراء محادثات بين طارق عزيز وبوش ، وبين بيكر وصدام هو أن يرفع بوش سماعة التفلون ويطلب صدام لمناقشة القضية معه. هكذا كان يفكر صدام . فمنذ بداية الازمة شعر الزعيم العراقي ان الطريق الوحيد للتوصل إلى حل تفاوضي للازمة هو اجراء محادثات مباشرة مع شخصين وهما الملك فهد والرئيس بوش.
وعلى أي حال فانه لم يجر التوصل إلى حل بشان اقتراح الرئيس بوش وأخيرا لم يتم الاتفاق إلا على اتصال اميركي عراقي واحد بين بيكر وعزيز في التاسع من يناير. لكن كان لا بد من التمهيد للاجتماع بنشاط دبلوماسي واسع .
***



في 12 ديسمبر أطلق الشاذلي بن جديد الرئيس الجزائري مبادرة سلام في اجتماع له مع صدام في بغداد . وكان تدخل الجزائر في العملية في نظر الذين يفهمون المفاوضات الشرق أوسطية ، أمرا على جانب كبير من الاهمية . فمنذ سنوات طويلة كانت الجزائر تلعب دورا ايجابيا في معالجة ازمات المنطقة . ولعل ابرز نشاطاتها في هذا الميدان ما قامت به في أواخر 1980 وأوائل 1981 عندما نجحت في وضع حد لماساة الرهائن في إيران . وبفضل الجزائر أطلق سراح الرهائن في اليوم الذي جرى فيه تنصيب رونالد ريغن رئيسا للولايات المتحدة وهو 20 يناير 1981 .
على ان جهود بن جديد لإجراء مفاوضات لم تلبث أن بلغت حائطا مسدودا . فالسعودية رفضت استقباله بحجة ان المفاوضات غير ممكنة قبل انسحاب صدام من الكويت . وأبلغت الولايات المتحدة الجزائر انه ينبغي ان لا يقوم بن جديد بزيارة واشنطن . إذ يكفي ان يتصل تلفونيا بالرئيس بوش .
***
في 18 ديسمبر ازدادت الامور تعقيدا . فالولايات المتحدة والعراق لم تكونا قد توصلتا إلى اتفاق على تاريخ الاجتماع بين طارق عزيز وبوش . وكان طارق عزيز قد بعث برسالة إلى الجماعة الأوروبية يقول فيها انه على استعداد للاجتماع بوزراء الخارجية الأوروبيين . لكن ما حدث في ذلك اليوم ان وزراء خارجية السوق الأوروبيية رفضوا الاجتماع به لأنهم لا يريدون ان يولدوا انطباعا بان هناك انشقاقا في الحلف المناهض للعراق .
وقدر لقرار وزراء الخارجية هذا أن تكون له نتائج هامة . ففي الايام التي سبقت 15 يناير المحدد للانسحاب شهد العالم فورة من النشاط الدبلوماسي . فقد غير وزراء خارجية الجماعة الأوروبية رأيهم وقرروا انه من المهم لهم أن يجتمعوا بعزيز . لكن عزيز رفض عدة مرات لأنه كان لا يزال غاضبا بسبب قرار 18 ديسمبر في بروكسل .
وبعد ذلك بيومين أي في 20 ديسمبر شهد الاتحاد السوفييتي حدثا دراميا أظهر ان الازمة التي كانت تواجه العالم ليست في الشرق الاوسط وحده بل وفي الاتحاد السوفييتي إذ استقال شيفارنادزه بعد أن اتهم ميخائيل غورباتشوف بالسير نحو الدكتاتورية . وجاءت استقالته خسارة لبيكر بوجه خاص ، لانه أنشأ مع شيفارنادزه أفضل علاقة نشأت بين وزير خارجية أميركي ونظيره في الاتحاد السوفييتي . كما ان استقالته كانت مؤشرا على ان بعض الزعماء المتصلبين في الاتحاد السوفييتي بدأوا يشككون في قرار غورباتشوف بالانضمام إلى الولايات المتحدة في الحلف المناهض للعراق ، لان العراق كان حليفا للاتحاد السوفييتي منذ زمن طويل واكبر مستورد للاسلحة السوفييتية .
***
ومرت الايام واحدا بعد الآخر إلى ان بدأ عام 1991 .
كان أول يناير يوم عطلة . لكن الثاني منه شهد موجة من المحاولات الدبلوماسية . فوزير خارجية لوكسمبرغ جاك بوه الذي كان قد أصبح في اليوم السابق رئيسا للجماعة الأوروبية دعا إلى اجتماع لوزراء خارجيتها يوم الجمعة في الرابع من يناير . وقال إنه يتوقع أن يوفده وزراء الخاريجة إلى بغداد لإجراء محادثات مع طارق عزيز .
وكان الملك حسين في طريقه إلى أوروبا لإجراء محادثات في لندن وروما وباريس وبون ولوكسمبرغ . ولم يكن قد توقف عن السعي إلى إيجاد حل دبلوماسي منذ قام بجهد خارق خلال السنوات الثماني والأربعين التي أعقبت الازمة . وقال أن الجزائر ويوغوسلافيا اللتين تمثلان دول عدم الانحياز لا تزالان تشاركان في عملية السلام .
وبينما كانت تبذل هذه الجهود كان الرئيس بوش يخبر الشعب الأميركي في مقابلة له مع الصحفي البريطاني ديفد فروست أن استعادة الكويت هي أكبر تحد أخلاقي منذ الحرب العالمية الثانية . وعندما سئل عما سيحدث إذا نشب القتال في الخليج قال إنه يأمل أن ينتهي في غضون بضعة أيام.
وفي اليوم التالي 3 يناير وبعد أن خاب أمل بوش في الاتفاق على تاريخي الاجتماعين في واشنطن وبغداد عرض على العراق فرصة أخيرة لإجراء محادثات بين بيكر وعزيز في السابع والثامن والتاسع من يناير . لكنه قال بأن الاجتماع لن يشتمل على مفاوضات أو تسوية أو إنقاذ لماء الوجه أو مكافآت على العدوان . ومن المؤكد أن مثل هذا البيان لم يكن من النوع الذي يوحي بان أجتماعهما سيحل الازمة .
وبعد يومين قبل العراقيون الاقتراح وقالوا بأن عزيز سيجتمع مع بيكر في جنيف في التاسع من يناير . وحيث انه لم يكن قد بقي سوى ستة أيام على التاريخ المحدد للانسحاب وهو 15 يناير فإنه كان من المنتظر أن يكون حدث جنيف حاسما .

__________________
كُن صديقاً للحياه وإجعلِ الإيمانَ رايه

وإمضي حُراً في ثبات إنها كُل الحكايه
رد مع اقتباس
  #9  
قديم September 12, 2008, 02:00 AM
 
رد: العراق - الكويت - إيران ... القصة الكاملة

(11)
(( اترك سيارتك في الكاراج هذه الليلة ))
وصل جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركية وطارق عزيز وزير الخارجية العراقية إلى جنيف في المساء . وكان اجتماعهما سيبدأ في صباح اليوم التالي في فندق الانتركونتيننتال . وكانت وسائل المباشر الأول وربما الأخير على مستوى عال بين الولايات المتحدة والعراق منذ غزو الكويت في 2 أغسطس 1990 . وتنبأ غالبية الخبراء أن الاجتماع لن يكون للتفاوض بل لكي يطلع كل من الطرفين الطرف الآخر على موقفه الذي يتمسك به .
وعندما بدأ الاجتماع في صباح اليوم التالي بين الوزيرين اللذين كان كل منهما محاطا بالوفد المرافق له ، سُمح لرجال الصحافة بدخول القاعة لمشاهدة وتصوير ما يجري بجلسة الافتتاح . وبالرغم من أن الوزيرين انحنيا على الطاولة وتصافحا فإنهما لم يبتسما . وخرجت الصحافة من التصوير مقتنعة بصحة ما توقعته وهو أن الاجتماع سينتهي بالفشل .
لكن سرعان ما فوجئ الجميع بأن الاجتماع طال اكثر مما كان منتظرا . وساعة بعد ساعة أخذ يبدو كما لو أن بيكر وعزيز كانا بالفعل يحاولان التوصل إلى حل . وتوقفت المحادثات عدة مرات ولمدة ساعة للغداء ، لكنها استمرت . وأعلن خبير في شؤون الشرق الأوسط على شاشة التلفزيون البريطاني أنه علم من مصارد داخلية بأنه جرى إبرام صفقة تسؤوي إلى نهاية سلمية للأزمة .
وأخذ يتزاد تفاؤل الصحفيين الذين كانوا ينقلون وقائع الاجتماع . وكان الصحفيون مقتنعين بأن بيكر كان يتصل ببوش خلال فترات الراحة التي تخللت الاجتماع ، وأنه بالرغم من أن عزيز لم يكن يتصل بصدام فإن هذا كان قد زوده بطائفة من المقترحات . وانتهى الاجتماع بعد ست ساعات من المناقشات . وانتظر الصحفيون أن يخرج بيكر ويطلعهم على ما جرى في مؤتمره الصحفي .
على أن العبارات التي استهل بها بيكر بيانه بردت كل أمل في احتمال التوصل إلى حل سلمي . قال بيكر :
" سيداتي سادتي . قبل قليل بعثت للرئيس بوش تقريرا عن اجتماعنا اليوم . اخبرته أن الوزير عزيز وأنا أكملنا محادثات جدية مطولة في محاولة لايجاد حل سياسي لازمة الخليج . لقد أجتمعت مع الوزير عزيز اليوم ولكن كما سبق لنا أن بينا لا للتفاوض على ما جرى قبل قرار مجلس الأمن بل للاتصال المباشر معه مستمعا ومتحدثا . وهذا ما فعله كل منا . أما الرسالة التي نقلتها إليه من الرئيس بوش والشركاء فمفادها أنه ينبغي على العراق أن يستجيب لإرادة المجتمع الدولي وأن ينسحب سلميا من الكويت وإلا طرد منها بالقوة .
" ويؤسفني سيداتي سادتي أنني لم أسمع اليوم خلال الساعات الست ما يوحي بأي مرونة في مسألة التقيد بقرار مجلس الأمن الدولي " .
***
كانت الرسالة واضحة : لقد فشل الاجتماع .
وصرح بيكر بأن عزيز رفض قبول رسالة قدمها إليه لينقلها إلى صدام . ذلك أن عزيز أعادها إليه بعد قراءتها . وقال عزيز في مؤتمر صحفي عقده بعد ذلك إن " لهجة الرسالة ليست تلك التي ينبغي استخدامها في المراسلة بين رؤساء الدول " .
والآن وقد تعذر الاتصال بين رؤساء الدولتين اتضح لي سبب فشل الاجتماع فطارق عزيز لم يحمل معه إلى جنيف أية مقترحات لقد جاء لتحقيق هدف واحد وهو إقناع الولايات المتحدة بسحب توقيت الانسحاب في 15 يناير الذي وافقت عليه هيئة الامم فلم يكن صدام من النوع الذي يقبل بالمواعيد النهائية المحددة . لقد كان يعتبرها نوعا من التهديد، كما أنه لم يبعث بعزيز إلى جنيف يظهر استعداد العراق لإجراء محادثات حول الحل السلمي بل للحديث عن التاريخ النهائي للانسحاب . وهذا ما لم يكن بيكر على استعداد لقبوله .
وكان في جناح عزيز خلال اجتماع هذا مع بيكر وزير خارجية الجزائر السيد أحمد الغزالي ، ومدير الدائرة السياسية بمنظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي . وخلال فترة الغداء التي أعقبت ثلاث ساعات من المحادثات دخل عزيز إلى جناحه وقال للغزالي والقدومي : " لن نحرز أي تقدم في هذه الحادثات . فهم يوفضون مناقشة موضوع التاريخ المحدد للانسحاب { 15 يناير } . كما أنهم ليسوا على استعداد لحذفه . ولن نفاوضهم حتى يفعلوا ذلك " .
***
كان صدام قد علم بان الكونجرس الأميركي صوت في اليوم السابق مؤيدا خطة الرئيس لا ستخدام عمل عسكري لتحرير الكويت . لكن الذي حيرّه هي الأخبار التي وردته من الولايات عن معارضة عدد كبير من الشيوخ والنواب الأميركيين ، الأمر الذي أوحى له بانقسام الرأي الأميركي حول الأزمة . وبذلك أظهر عجره عن فهم العقلية الأميركية : فحالما تنشب الحرب يقف الشعب الأميركي وراء الرئيس بلا معارضة أو بشيء قليل منها .
***
عندما وصل بيريز دي كويار إلى بغداد في وقت متاخر من مساء 11 يناير إلى بغداد علم بأن عليه أن ينتظر 48 ساعة قبل أن يتسنى له الاجتماع بصدام حسين . لكنه أجتمع مع طارق عزيز . وفي مساء 13 يناير استقبله صدام .
في أوئل فبراير 1991 نشرت الحكومة العراقية ما وصفته بأنه تسجيل لوقائع الاجتماع . ولم يشك أحد في صحة ما جاء فيه . كان دقيقا مثل تسجيل وقائع اجتماعات صدام مع غلاسبي ، سفيرة الولايات المتحدة وجو ولسون القائم بالأعمال . وقد حصلت على هذه التسجيلات خلال زيارتي لبغداد في في سبتمبر 1990 . ومن المهم أن نفهم ماذا حدث في تلك الليلة قبل الموعد المحدد للانسحاب وهو 15 يناير .
استهل دي كويار الاجتماع بقوله لصدام :
" سيدي الرئيس . أود أن أقول بأنني قدمت إلى العراق بدون أن أكلف باي مهمة . فلم يعهد إليّ أحد بأي شيء من ذلك القبيل . ولم يكلفني مجلس الأمن أو الأمم المتحدة بالقيام بأي شيء . لكن ما شجعني على القيام بهذه الرحلة ليسوا رؤساء الدول والحكومات وحدهم بل والبابا ومواطنون عاديون طلبوا مني أن استخدم مركزي وخصوصا نفوذه الأدبي للعمل على إقرار السلام في المنطقة .
" وقد تقاجأ يا سيادة الرئيس إذ عملت أن بين الذين تمنوا لي النجاح في مهمتي رئيس الولايات المتحدة الذي اجتمعت وتحدثت معه أربع مرات يوم السبت الفائت . لكن أود أن أؤكد لك بأنني لا أحمل أية رسالة وأنني لست رسولا من قبل أحد . فأنا أمثل نفسي فحسب .
" قبل مجيئي إلى العراق بأسبوع اجتمعت مع الرئيس بوش لأبلغه أنني قررت الاجتماع معك . ذلك أنني أردت قبل مجيئي أن استمع إليه وأنه أتأكد من رغبته في التوصل إلى حل سلمي للأزمة . ولا أستطيع أن أقدم أي ضمانة بشأن ما يضمره . لكنه قال لي عندما علم باعتزامي الاجتماع معك إنه يشعر برغبة ملحة في التوصل إلى حل سلمي للأزمة .


" لقد قمت بعدد من المبادرات بينها مباردة مهمة وبناءة وهي قرارك بالافراج عن الاجانب ، فبذلك أزلت عقبة في طريق التخفيف من التوتر في المنطقة . على أن مبادرة 12 أغسطس { وذلك عندما صرح صدام حسين بأنه على استعداد للانسحاب من الكويت كجزء من حل عربي أوسع بما في ذلك النزاع الفلسطيني الإسرائيلي } لم تفهم تماما . لكنها تظهر بشكل أو بآخر في إطار قرارات مجلس الأمن التي أشارت بالتحديد إلى جامعة الدول العربية ومشاركتها في أي حل . فعلى ذلك الأساس يمكن عمل شيء . وكما سبق لي أن أخبرت وزير خارجيتكم فإنكم قد قمتم بعمل شيء . وأرى أنكم عملتم الكثير في سبيل القضية الفلسطينية وها أنتم قد وضعتم مصير الشعب الفلسطيني على جدول الأعمال .ونظرا لأني من أصل إسباني فإنني أشعر بأنني قريب من العالم العربي والشعب الفلسطيني " .
وقال دي كويار إنه خلال اجتماعه في جنيف مع وزراء خارجية دول السوق الأوروبية وهو في طريقه إلى بغداد قال له الوزراء بأنهم يريدون معالجة القضية الفلسطينية . ثم واصل كلامه لصدام فقال:
وحتى عندما رايت بوش يوم السبت اعترف بالحاجة الملحة معالجة أزمة فلسطين وقال إنه لم ينس البيان الذي ألقاه في الجمعية العامة في الأول من أكتوبر وإنه قد تسنح الفرص لجميع الدول لايجاد حل للمشكلة التي تفرق بين العرب والإسرائيليين .
على أن دي كويار بعد ذلك نقطة تنطوي على نقد فقال إنه لا يمكن حل أية قضية بما في ذلك قضية فلسطين إذا لم ينسحب صدام من الكويت . ثم قال :
" أعرف شجاعتكم وكرمكم . فقد تابعت أخبار الحرب العراقية الإيرانية والمبادرات التي قمتم بتقديمها لإنهاء الحرب . وآمل أن تتقدموا بالروح ذاتها بشيء يضع حدا للنزاع الحالي . ولعمل ذلك علينا بالطبع أن نجد طريقة للتقيد بقرارات الأمم المتحدة وخصوصا رقم 660 ورقم 675 … هناك شيء قاله بوش وسجلته على قصاصة ورق وهو : " إن الولايات المتحدة ستهاجم العراق أو قواته المسلحة إذا لم يتم الانسحاب من الكويت ولم تعد الأمور فيها إلى ما كانت عليه في الثاني من أغسطس . إن الولايات المتحدة لا ترغب في أن تبقي قواتها البرية في المنطقة ؛ وسوف تدعم المفاوضات بين الأطراف المعينة وسوف أقبل أي قرار تتخذه " .
وعندما أنهى دي كويار كلامه سأله صدام حسين : " هل تشرب قهوة سوداء {مرة} ؟ إن هذا النوع من القهوة لا يساعد على النوم خلال الليل " . فأجابه دي كويار :
" إني أسافر كثيرا . وأنا رجل متقدم في السن ، ولكنني قوي بالنسبة لسني . إن الرأس هو الذي يتحكم بكل شيء " .
***
ثم أخذ الزعيم العراقي يبسط آراءه فقال :
" أحببت أن تأتي لأنك تعاملت معنا في الماضي وتعرف طريقة تفكيرنا . وقد كنت أخشى أن تأتي من زاوية مختلفة لأنك آت في ظروف يدعو فيها الأقوياء إلى استخدام السلاح ضدنا بأسرع وقت ممكن . " ولهذا فانك إذا لم تقدم لهم ما يريدونه فقد يتخذون من زيارتك حجة لشن الحرب . وبينما كنت اصغي إليك تبين لي أنك أثرت عدة نقاط إيجابية . وأنا متفق معك على أنه بالنسبة لموضوع معقد على هذا النحو فانه لا ينتظر التوصل إلى الحلول في اجتماع واحد . إنه ينبغي مناقشة هذه الأمور بطريقة شاملة وبعمق " .
***
وقضى الزعيم العراقي ربع الساعة التالي في مناقشة الوضع الذي نشأ خلال الحرب العراقية الإيرانية . ثم انتقل إلى مسألة الكويت فقال :
***
" ما الذي أوصل الأمور منذ الثاني من أغسطس إلى الحد الذي وصلت إليه ؟ إنه التهديد الذي شعرنا به ؟ كانت الكويت قد أصبحت قاعدة في يد الولايات المتحدة للتآمر علينا … إننا لم نضم الكويت أو نوحد بينها وبين العراق في الحال بالرغم من أن حكام الكويت كما تعلم فروا في اليوم الأول ذاته … وافقنا على عقد مؤتمر قمة في السعودية تحضره الدول الخمس : العراق ، اليمن ، الأردن ، السعوودية ومصر . أردنا أن نناقش كل هذه التعقيدات مع العالم العربي لنحلها.
" وماذا حدث ؟ بدلا من أن يعقد مؤتمر القمة قامت السعودية ومصر بإلغائه ، واتفقتا مع الولايات المتحدة على نشر قواتها على أرض السعودية . هكذا أضعنا فرصة التوصل إلى حل عربي ، وواصل الأميركيون نشر القوات بدون قرار من مجلس الأمن .
" وبالرغم من أن قرار نشر القوات الأميركية في السعودية كان قد اتخذ فاننا تصرفنا على نحو بناء حيال قرار مجلس الأمن رقم 660 . صحيح أننا لم نعترف بالقرار إلا أننا تحركنا في إطاره . وهكذا فاننا أعلنا بوضوح أننا سنسحب قواتنا في الرابع من أغسطس . وبالفعل قمنا بسحب بعض قواتنا . وأعتقد أننا سحبنا لواء بكامله ، بالرغم من أن قواتنا المتواجدة هناك عندئذ لم تكن بحجمها الحالي . لكن عندما استمر التصعيد الأميركي ، واستمرت القوات الأميركية في الوصول بأعداد متزايدة ، أوقفنا سحب قوانتا . وكما قلت ، فاننا أعلنا الوحدة ، وأبلغنا الشعب ، والجيش في العراق أن الكويت اصبحت جزءا من بلادهم وأن عليهم أن يقاتلوا من أجلها حتى الموت . {وكان صدام يشير إلى إعلانه في الثامن من أغسطس أن العراق قامت بضم الكويت . } " .
***
ثم تناول صدام القضية الفلسطينية فانتقد الولايات المتحدة لمعارضتها عقد مؤتمر دولي لبحث المشكلة " وذلك لكي لا يكون عقده بمثابة انتصار سياسي لصدام حسين … ما الذي يقولونه الآن ؟ فلينسحب العراق من الكويت ثم نعقد مؤتمرا دوليا لمناقشة القضايا . وهذا وعد غير صادق إنه مجرد احتمال " .
وتبين من مجرى الحديث أن الزعيم العراقي لم يكن مستعدا للانسحاب من الكويت إلا في إطار حل أشمل . قال : " إن العراقيين لن يفروا من الموت . وسوف يحشر بوش يوما بعد يوم في الزاوية ؛ وسوف يضطر إلى اللجوء إلى السلاح لأن الذي يشغل نفسه في توفير متطلبات استخدام الأسلحة لا يمكن أن يركز على التفكير في إيجاد بدائل لذلك " .
وكان الجزء الأخير من محادثات الزعيمين في غاية الأهمية ، إذ قال الأمين العام دي كويار بكل وضوح : " إذا كنت قد فهمتك تماما فان موقفك من الكويت لا يمكن الرجوع عنه . وفي هذه الحالة لا يمكننا العمل بمبدأ الصفقة " . فقال صدام :
" لم أقل ذلك لقد قلت ما قلته إذا وجدت أن الأميركيين يسعون إلى ايجاد مخرج من الأزمة ، وأنهم يبحثون عن طريقة لا تعود عليهم بالخسارة ولكنها في الوقت ذاته لا تحقق لهم بالضرورة كل ما يريدون ، فانه من الممكن وضع مخطط لهذا الغرض ؛ ويمكن للعرب أن يبحثوا عن حل على أساسه " .
فشكر دي كويار الزعيم العراقي على ضيافته والوقت الذي خصصه له . وقال صدام " أتمنى لك النجاح " وقال دي كويار : " ينبغي علينا أن نفكر في إخواننا الفلسطينيين " . فاجاب صدام : " إنهم يذبحون يوميا الأطفال والنساء " .
***
عاد دي كويار إلى نيويورك قبيل ظهر 14 يناير بعد أن توقف في باريس لرؤية الرئيس ميتران . وخرج من اجتماعه مع ميتران مكتئبا . قال :
" من المؤسف أنني في نهاية رحلتي لا أجد سببا يدعو إلى التفاؤل . ولا يوجد كذلك سبب يجعلني أكثر أملا . أنا دبلوماسي ولكنني أيضا نزيه ومستقيم ، ولا أستطيع أن أخفي أنني لم احرز تقدما ببغداد " .
لم يكن بقي على الموعد النهائي 15 يناير سوى ست وثلاثين ساعة ؛ ويوافق ذلك منتصف الليل في واشنطن . وكان الفرنسيون يتحدثون عن آخر جهود للسلام . وأشار رولان دوما إلى أنه على استعداد للذهاب إلى بغداد .
ثم حل 15 يناير . وفي الساعات الأولى من صباحه اغتيل أبو أياد في تونس . وكان دوما لا يزال يفكر في السفر ولكنه قال بأنه لن يسافر حتى يتلقى رسالة من العراق تقول بأنه على استعداد للانسحاب من الكويت . وكان عرفات يبذل جهودا يائسة للاتصال بالزعماء العرب في محاولة منه لإحراز أي تقدم نحو السلام .
وحل الموعد في منتصف الليل والعراق لا يزال متشبثا بالكويت . ومن الواضح أن الزعيم العراقي كان ينتظر نشوب الحرب .
***
في صباح 16 يناير توجهت مبكرا إلى مكتبي . وكان يخامرني شعور بأن شيئا ما سيحدث . وفي الرابعة بعد الظهر دق جرس التلفون وكان المتحدث مصدري العسكري الأول الذي أثق به كل الثقة . قال : " يفضل أن تضع سيارتك في الكاراج هذه الليلة " . قال هذا وأقفل الخط . على أن رسالته كانت واضحة . كان سيقع الهجوم على العراق في تلك الليلة .
في الحادية عشرة والنصف ليلا بتوقيت لندن بدأت القنابل في السقوط على بغداد . وبذلك بدأت حرب الخليج.
الخاتمة
في الثاني عشرة والنصف من صباح 28 فبراير رن جرس التلفون الذي كان بجوار سريري وقيل لي أن أذهب في الحال إلى مكتبي لأن الرئيس بوش كان سيخاطب الشعب الأميركي في الثانية صباحا . وكانت تلك هي الليلة الرابعة على التوالي منذ أن بدأت الحرب البرية التي أهب فيها من الفراش وأحلق ذقني وارتدي ملابسي على عجل وأتجه إلى مكتبي . وعندما دخلت المكتب وجدت بعض الأخبار التي تشير إلى أن الرئيس الأميركي سيعلن نهاية الحرب . وفي الثانية صباحا أعلن وقف إطلاق النار المؤقت وأن الغارات الجوية على العراق توقفت وأن الحرب البرية ستتوقف عند منتصف الليل بتوقيت واشنطن والثامنة صباحا بتوقيت بغداد . وبهذا تكون الحرب قد استمرت ستة أسابيع وأربع ساعات بينما استمرت الأزمة ستة أشهر وستة وعشرين يوما .
سأترك للمحللين العسكريين أمر تقييم الحرب . وقد يمضي بعض الوقت قبل أن يتمكنوا من فك رموز الرسائل التي ارسلت إلى الصحافة في واشنطن والسعودية وإسرائيل والعراق ، ومعرفة تفاصيل ما حدث بالفعل . لكن هناك اشياء واضحة . لقد سحقت قدرات العراق العسكرية ، ودمرت بنياتها التحتية . وعليه فسوف يمر جيل من الزمن على الأقل لإعادة البناء . وكذلك فان القوات العراقية أنزلت خرابا خطيرا في الكويت . إذ دمرت أقسام من المدينة واشعلت النار في آبار النفط وعذب بعض المواطنين وقتل غيرهم . لكن ربما كان الأهم من هذا بكثير هو الطريقة التي هزت بها الحرب العالم العربي وقسمته على نفسه .
إن الأمة العربية سريعة العطب . وقد أحدثت كل أزمة شهدتها المنطقة تغيرات درامية فيها . فخلق إسرائيل في عام 1948 اعتبر هزيمة عربية كبرى . وفي السنوات الخمس التالية سقط زعماء ثلاث دول ، وهي مصر وسوريا والعراق . وخلال حرب السويس سمحت العراق التي كانت لا تزال تخضع للحكم الملكي لبريطانيا باستخدام مطاراتها لمهاجمة مصر بالطائرات المقاتلة . وبعد سنتين أطيح بالأسرة الحاكمة وأدى الانتصار المذهل لإسرائيل في حرب الأيام الستة إلى قيام منظمة التحرير بنشاط " إرهابي " واسع . وأدى الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 إلى قيام حزب الله الذي تدعمه إيران . وبعد ذلك بخمس سنوات ابتدأت الانتفاضة في الأراضي المحتلة .
وشهدت السنوات الخمس والأربعون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 81 انقلابا في أربع عشرة دولة عربية نجح منها أربعة وعشرون . وكان القطران اللذان شهدا اكثرها هما العراق وسوريا . إذ شهد 32 محاولة نجح منها 14 . والأقطار العربية تخضع للحكم الملكي أو الجمهوري ، لكن لا يتمتع أي منها بحكم ديمقراطي . صحيح أن في بعضها " برلمانات " أو " جمعيات وطنية " أو " مجالس شعبية " ، لكن هذه ليست سوى مؤسسات هزيلة أنشئت لإضفاء هالة من الشرعية على النخب الحاكمة . وإن عجز الحكومات الغربية التي تحالفت في حرب الخليج عن الضغط على هذه الأقطار لتبني نظم ديمقراطية سوف يؤدي إلى تفاقم الأخطار التي نجمت عن الحرب . كما أن عجز الدول الغربية عن حل القضايا العربية الأساسية مثل النزاع العربي الإسرائيلي سوف يزيد من تلك الأخطار .
قام الخبراء بإعداد قائمة بأسماء الرابحين وأخرى بأسماء الخاسرين في العالم العربي . وتضم الأولى إيران ، وتركيا ، ومصر وسوريا والسعودية . وتضم الثانية الأردن واليمن ومنظمة التحرير الفلسطينية ويضيف الخبراء أن الأشخاص الرابحين هم الرئيس التركي أوزال ، والرئيس المصري مبارك ، والرئيس السوري حافظ الأسد . والخاسران في نظرهم هم الملك حسين وياسر عرفات . والحقيقة هي أن الذين وصفوا بالرابحين يواجهون معارضة علنية أو سرية في بلادهم ، في حين أن الملك حسين يتمتع بشعبية كبيرة ، وأن ياسر عرفات لا يزال المسيطر على المنظمة . وعليه فعلى المرء أن لا يفاجأ خلال السنوات القليلة القادمة إذا خسر أحد الرابحين وظل الخاسرون في أوج قوتهم وشعبيتهم .
لقد تحدث الرئيس بوش عن خلق نظام عالمي جديد . لكن هذا ليس بالأمر السهل . فقد فقدت أميركا الكثير من شعبيتها في بعض الأقطار العربية . وكذلك فإن العلاقات الأميركية السوفيتية قد أصبحت سريعة العطب بعد وقت غير طويل من انتهاء الحرب الباردة .
وأصابت حرب الخليج اندفاع الجماعة الأوروبية نحو مزيد من الوحدة السياسة والنقدية بأضرار بالغة . وعلينا أن لا ننسى أن الحرب أدت إلى انتفاضات في كثرة من الأقطار الآسيوية.
من الصعب أن يحاول المرء فيما تصفه الولايات المتحدة بالنصر الدرامي . لكن السلام في غاية التعقيد ، وخصوصا في الشرق الأوسط لقد تمت هزيمة العراق بسرعة . لكن ليس من السهل التوصل إلى سلام طويل الأمد .

__________________
كُن صديقاً للحياه وإجعلِ الإيمانَ رايه

وإمضي حُراً في ثبات إنها كُل الحكايه
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العراق, القصة, الكاملة, الكويت, إيران



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اعمال حماس العراق الكاملة ابو عمر المبارك المواضيع العامه 0 August 26, 2008 08:58 PM
قضية اغتصاب فتاة القطيف - القصة الكاملة خبر عاجل قناة الاخبار اليومية 7 April 3, 2008 03:35 PM
تقرير: إيران اقوى نفوذا من امريكا في العراق مجموعة أنسان أرشيف الأخبار اليومية 6 August 26, 2006 10:46 PM


الساعة الآن 01:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر