فيسبوك تويتر RSS



العودة   مجلة الإبتسامة > الموسوعة العلمية > بحوث علمية

بحوث علمية بحوث علمية , مدرسية , مقالات عروض بوربوينت , تحضير ,دروس و ملخصات



Like Tree1Likes
  • 1 Post By غسان ابو حسن

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم August 28, 2008, 11:22 AM
 
Rose التنمية السياسية

التنمية السياسية: النظريات والمفهوم
يعتبر حقل التنمية السياسية من الحقول التي حظيت بدراسات عديدة ومتنوعة، خاصة بسبب ارتباطها بحالة التخلف وكيفية الخروج منها، وهي الحالة التي تعاني منها البلدان التي وقعت تحت السيطرة الاستعمارية الغربية. وبرز الاهتمام بصورة متزايدة في قضايا التنمية، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي شهدت استقلال الكثير من الدول، وما طرحه الاستقلال من تحديات ومواجهة مشاكل بناء الدولة، والتنمية والتغيير، للتغلب على حالة الضعف والتشوه في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وبسبب تلك الحالة التي كانت عليها الدول التي وقعت تحت السيطرة الاستعمارية، أطلق عليها تسميات مثل " دول العالم الثالث " و " الدول النامية " و " الدول المتخلفة "، وكانت هذه الدول وأوضاعها ومشاكلها هي مجال وموضوع دراسات التنمية، التي تركزت اهتماماتها بصورة عامة حول مواضيع " النمو " و " التحديث " و " التقدم " ([1] ).
تباينت الرؤى والأساليب والمناهج حول كيفية التخلص من التخلف والتغلب على مظاهره وتبعاته، وبالتالي كيفية الوصول إلى التنمية بشكل عام والتنمية السياسية خاصة، وذلك تبعا للنظريات والمدارس الفكرية التي عالجت قضايا التنمية ومتطلباتها وشروطها. حيث أن هناك نوع من الاتفاق الواسع على مظاهر التخلف في دول العالم الثالث، لكن لا يوجد اتفاق مماثل على أسباب التخلف ونشأته وأسباب استمراره وطرق الخلاص منه ([2] ).
1. نظريات التنمية السياسية

يصنف بعض الأكاديميين والكتاب، مثل علي غربي، وناجي شراب، النظريات التي تشكل مرجعية ومنطلق دراسة التنمية السياسية إلى ثلاث نظريات رئيسية هي؛ نظرية التحديث ومداخلها ومناهجها المتنوعة والتي تنطلق من أفكار علم الاجتماع وعلم السياسة الرأسماليين؛ والنظرية الماركسية المعتمدة على أفكار ماركس ولينين وتطبيقاتها في الدول الاشتراكية؛ ونظرية التبعية التي تم التنظير لها من مفكرين في العالم الثالث، ردا على فشل نظريات ومشاريع التنمية في هذه الدول، وخاصة من مفكري دول أمريكا الجنوبية ([3] ).
ويصنفها نصر محمد عارف على أنها نظريات أوروبية للتنمية السياسية وهي؛ النموذج الليبرالي السياسي الغربي أو ( النظريات السلوكية )؛ والنموذج الاشتراكي المسترشد بالتجارب الاشتراكية؛ ونظرية التبعية أو كما يسميها ( الماركسية الجديدة )، حيث يعتبر أن مدرسة التبعية لا تخرج في مقولاتها عن أفكار ومقولات لينين ([4] ). أما "ريتشارد هيجوت" الأكاديمي البريطاني وأستاذ الاقتصاد السياسي الدولي، فيصنف النظريات إلى نظريتين رئيسيتين هما، نظرية التحديث الغربية؛ والنظرية " الراديكالية "، التي يعتبر أنها تضم نظرية التبعية والنظرية الماركسية ( الجديدة ) ([5] ).
وشكلت هذه النظريات الإطار الفكري لعدد من المناهج والأساليب والاتجاهات الدراسية الفرعية، في تحليل ودراسة مسائل التنمية السياسية. حيث سنعرض لأهم الأسس والمنطلقات التي تقوم عليها النظريات الرئيسية التي شكلت أساس التنظير في هذا المجال.

1.1. نظرية التحديث:
في أعقاب الحرب العالمية الثانية تزايد الاهتمام بدراسة أوضاع الدول حديثة الاستقلال، حيث كانت تعيش في حالة من " التخلف ". واعتبر علماء الاجتماع والسياسة الغربيين أن المجتمع الصناعي في الدول الغربية المتقدمة يشكل نموذجا مثاليا على البلدان النامية أن تسير على خطاه في التنمية والتحديث. وتم النظر إلى عملية التحديث على أنها عملية انتقال نحو الأنماط والنظم الاجتماعية والسياسية التي تطورت في أمريكا وأوروبا الغربية، ثم انتقلت إلى بقية القارات ([6] ). حيث أن عملية التحديث تطال في تأثيرها مختلف جوانب المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. والتحديث في علم اجتماع التنمية يعني حسب اغلب المنظرين لهذا العلم " نقل للنموذج الغربي وذلك من خلال تصور وجود ثنائية: التقليدي – الحديث "، واعتبار الديمقراطية بمفهومها الواسع، خاصية رئيسية للمجتمع الحديث في المجال السياسي ([7] ).
وفي المجال السياسي أيضا هناك من يرى أن عملية التحديث السياسي هي التحولات والتغييرات السياسية التي حدثت في أوروبا وبقية أنحاء العالم منذ النهضة الأوروبية. وهذه التغييرات يشار لها كخصائص لعملية التحديث السياسي، وتشمل: تحقيق مزيد من المساواة وإعطاء فرص للمشاركة في صنع السياسة، وقدرة النظام السياسي على صياغة وتنفيذ السياسات، والتنوع والتخصص في الوظائف السياسية، وعلمانية العملية السياسية وفصلها عن
التأثيرات الدينية ([8] ).
انبثقت نظرية التحديث بشكل أساسي من نظرية التطور، التي تهتم بتفسير كيفية تحول المجتمعات غير الصناعية إلى مجتمعات صناعية، وتحدد خصائص كل من الحالتين وتؤكد على أن التحديث يتم في اتجاه واحد ويسير من غير الصناعي إلى الصناعي ([9] ). حيث اهتمت نظرية التطور التي ظهرت في الدول الغربية المتقدمة بدراسة المجتمع وعوامل تغيره وتطوره. وهي تمثل أيضا المرجع الرئيسي لنظريات التنمية السياسية التي استخدمت مفاهيمها ومناهجها وأهدافها، حيث ترى هذه النظرية أن التطور والنمو الاجتماعي يسير في خط صاعد واحد بمراحل متتالية، يجب أن يمر بها كل مجتمع ([10] ). وقد ساد في كتابات التنمية السياسية استخدام المدخل الثنائي، الذي تأسس بناءا على أعمال منظري نظرية التطور في القرن التاسع عشر، حيث يتم مقارنة المتغيرات الخاصة بالنمط المثالي المرتبط بالتقليدية / الحداثة. واعتمد علم السياسة على هذه الأنماط الثنائية كما يقول "جبراييل ألموند" عالم السياسة الأمريكي: إن نظريتنا تؤسس عملية بناء النظرية والتنميط بشكل ثنائي بسيط عبر الاستفادة من أعمال "ماكس فيبر"، و "فرديناند توليز"، و "تالكوت بارسونز" .. وغيرهم من علماء الاجتماع المجددين .. في محاولة لبناء نماذج لأشكال المجتمعات والنظم التقليدية والحديثة ([11] ).
والتقسيم الثنائي للمجتمعات ( تقليدي / حديث ) يتأسس على تصور "فيبر" للمجتمع التقليدي بوصفه مجتمع " ما قبل الصناعة " أو " ما قبل العقلانية " أو " مجتمع ما قبل الدولة "([12]). حيث صاغ "فيبر" نموذجه المثالي للمجتمع الحديث استنادا إلى العقيدة البروتستانتية التي يعتبر أنها أدت إلى تطور الرأسمالية الصناعية الغربية، لأنها عقيدة تحث على التحرر، وبالتالي فان قيمها ومعتقداتها المثالية هي أساس ظهور المجتمع الرأسمالي الحديث([13]).
وقدم "تالكوت بارسونز" عالم الاجتماع الأمريكي، ما يعرف ب " متغيرات النمط " كوسيلة تحليل من خلالها يتم تمييز الأفعال الناتجة عن هذه المتغيرات، ومقارنة أنماط مختلفة من المجتمعات بناءا على أنماط مختلفة من الأفعال، وصنف المجتمعات ومدى انتقالها من التخلف إلى التقدم بناءا على تلك المتغيرات. حيث أن قدرة المجتمع على التكيف معها تمكنه تدريجيا من التخلص من خصائص المجتمع المتخلف وتبني مستويات ثقافية مستندة على خصائص المجتمع المتقدم. وخصائص المجتمع المتقدم مقابل خصائص المجتمع المتخلف تتمثل في خمسة؛ العمومية مقابل الخصوصية؛ الأداء ( الانجاز) مقابل العزو ( النسبة )؛ التخصص مقابل الانتشار؛ المصلحة الجماعية مقابل المصلحة الذاتية؛ والحياد الوجداني مقابل الوجدانية. وهذه المتغيرات عند "بارسونز" تمثل مؤشرات تترجم الخصائص البنائية للنظام الاجتماعي من زاوية الدور المتوقع للفرد الفاعل، وتصبح المتغيرات هذه محددات للسلوك الاجتماعي، أو هي انعكاس للخصائص البنائية للمجتمع، وفي علاقات الأدوار في المجتمع ([14] ).
شهدت نظرية التحديث والجانب المتعلق بقضايا التنمية السياسية، تطورات وتغيرات في مناهج ومداخل التحليل في الدراسات التنموية والعلوم السياسية. ويصنف "روبرت باكنهام" تطور علم السياسة إلى ثلاث مراحل، حسب جوانب التركيز والتحليل، وهي؛ علم السياسة القانوني الشكلي؛ وعلم السياسة السلوكي؛ وعلم السياسة في مرحلة ما بعد السلوكية ([15] ). واستنادا إلى هذا
التقسيم لعلم السياسة، يعتبر ريتشارد هيجوت أن التراث السياسي المهتم بالتنمية السياسية، والذي ظهر خاصة في أمريكا الشمالية، قد شهد ثلاث مراحل:
أ‌- المرحلة الأولى: امتدت من عام 1954 إلى عام 1964، حيث هيمنت عليها أعمال لجنة السياسة المقارنة التابعة للمجلس الأمريكي للعلوم الاجتماعية، والتي عكست نظرة متفائلة بالنجاحات التي حققتها الديمقراطية الليبرالية الغربية، وخاصة تأثير أيديولوجيا الليبرالية الأمريكية. وركزت دراسات التنمية السياسية في تلك المرحلة على المتغيرات القانونية والمؤسسية، حيث أن تطور نظرية التحديث في المرحلة الأولى، اعتبر وسيلة من وسائل تسهيل إرساء الديمقراطية الليبرالية داخل الدول الجديدة ([16] ). وقد ركزت مرحلة النزعة القانونية على أهمية دور الدولة والمؤسسات، حيث اقتصر على دراسة الجانب الرسمي والمؤسسات الرسمية الموجودة في أوروبا، وتحليل البناء القانوني للدول، والمحددات القانونية لمؤسساتها ([17] ).
ب‌- المرحلة الثانية: من عام 1965 إلى عام 1971، وهي المرحلة التي سادت فيها المدرسة السلوكية، والتي ركزت على النظام ومدخلاته وبيئته المحيطة والعوامل المؤثره على نشاطه وقدراته. حيث تراجع التفاؤل الذي ساد في المرحلة الأولى حول عملية التنمية، وفشلت الدول حديثة الاستقلال في تحقيق التحديث والتنمية الموعودة، وتبث عدم صحة الطرح القائل بأن الانتقال من التقليدية إلى الحداثة هي مسألة تقنية. فتم نقد التصور الخطي الصاعد لعملية التحديث، ونظر هنتنجتون إلى التنمية السياسية بوصفها عملية نمو في كفاءة المؤسسات، بحيث تصبح قادرة على التجاوب مع مسائل المشاركة السياسية والتعبئة الاجتماعية. حيث يرادف هنتنجتون بين التنمية السياسية والتحديث، ويربط بين التنمية السياسية وقدرات النظام المؤسسية لتتماشى مع عملية التنمية والتحديث. واعتبر أن التنمية السياسية تمر بعدة مراحل هي مرحلة ترشيد السلطة، ومرحلة التمايز والتخصص الوظيفي ومرحلة المشاركة السياسية. ومثلت تلك النظرة حسب هيجوت، بداية التحول من التركيز على الديمقراطية إلى التركيز على النظام السياسي في دراسات التنمية السياسية. وانعكاسا لازمة التنمية في الدول حديثة الاستقلال وعدم قدرتها على تحقيق التنمية المتوقعة، فقد اعتبرت دراسات التنمية في هذه المرحلة أن عملية التحديث والانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث ينتج عنها مشكلات متعددة، أو أزمات تنموية يحاجه إلى التغلب عليها. وتم النظر إلى التنمية السياسية بوصفها تجسد قدرة النظام السياسي على التعامل أو التكيف مع مشكلات التنمية السياسية مثل: مشكلة الشرعية، ومشكلة الهوية، ومشكلة المشاركة، ومشكلة التغلغل، ومشكلة التوزيع. ويرى هيجوت أن الاهتمام بقدرات النظام السياسي يشكل نوعا من الدفاع عن النظام والنخب الحاكمة وأهميتها في الحفاظ على النظام واستمراريته، حيث أصبح النظام واستقراره غاية وليس وسيلة للوصول إلى مجتمع حديث ([18] ).
ت‌- المرحلة الثالثة: بدأت بعد عام 1971 ويطلق عليها مرحلة " ما بعد السلوكية " والتي جاءت كنوع من الاستجابة للنقد الموجه إلى نظرية التحديث بشكل عام ، ونظرية التنمية السياسية بشكل خاص، بسبب الطابع الإيديولوجي المنطلق من الرؤية الغربية الرأسمالية، ومداخلها القائمة على التصنيف الوظيفي وعدم قدرتها على معالجة مشكلات التنمية في دول العالم الثالث، إضافة إلى فشل علم السياسة في بلورة نظرية قادرة على التعامل بصورة فعالة مع هذه المشكلات ([19] ). وجرى استخدام نماذج للدراسة تعتبر خليط من التحليل السياسي ذات الطابع الرشيد والسياسة العامة، نتيجة استخدام متزايد للمفاهيم الاقتصادية من جانب علماء السياسة، حيث أدركوا حاجتهم إلى التركيز على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، كمحاولة لتجنب أوجه القصور في النظرية الليبرالية والنظرية السلوكية ([20] ). ويرى هيجوت أن مدخل تحليل السياسات شكل تحولا من التركيز على مدخلات النظام خلال فترة الستينيات إلى التركيز على مخرجات النظام، وبدلا من التركيز على السياسات الكلية انتقل التركيز إلى التحليل السياسي الجزئي ذي الطابع التجريبي. وتم النظر إلى السياسة العامة في سياق حل المشكلات والاختيار العام، على عكس المدخل الذي ينظر للمشكلات بوصفها نتاجا لنظام سياسي معين. كما يرى ان المداخل المختلفة المستخدمة من علماء السياسة هي استجابة للفرضيات المنهجية لنظرية التحديث. حيث أن المشكلات التي واجهت الدارسين في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات متشابهة، لذا ينظر إلى مداخل السياسة العامة وتحليل السياسات على أنها عمليا طريقة أخرى من طرق التركيز على العلاقة بين الدولة والمجتمع والسياسة ([21] ). ويعتبر هيجوت أن هناك نوعا من الاستمرارية بين منهجية تحليل السياسات ونظرية التحديث، حيث أن هذا التحليل لا زال يسعى للبرهنة على النماذج النظرية بناءا على العوامل التاريخية والثقافية بدلا من استخدام البيانات المتاحة لبناء النظريات والنماذج. لذا لم يستطع علم السياسة المعني بالتنمية السياسية الخروج من معطف نظرية التحديث وتبنى الاتجاهات المنهجية الأساسية التي سادت المرحلة السلوكية ([22] ).
1.1.1 التنمية السياسية في نظرية التحديث:
تم معالجة ودراسة التنمية السياسية من الدارسين الغربيين في بدايات الاهتمام بالموضوع على أنها عملية تقل للنموذج الغربي في بناء المؤسسات والأبنية السياسية، والتخلص من الأبنية والقيم التقليدية التي تعيق تطور المجتمع بشكل عام. وكانت النظرة إلى التنمية التي حدثت في الغرب، على أنها عملية ذات صفة عالمية يصلح تطبيقها أو نقلها إلى كل دول العالم الثالث. وكان التركيز والاهتمام في دراسات التنمية السياسية الأولى منصب أكثر على التعرف على الخصائص التي تميز المجتمعات المتقدمة وتطورها عن الخصائص التي تميز المجتمعات المتخلفة. كما جرى التركيز على المراحل التي تمر بها المجتمعات نحو التطور، والقوى والعوامل التي تعجل من عملية التنمية ( [23] ). كما اعتبرت عملية التنمية والتحديث بأنها تمر بمراحل متعاقبة باتجاه واحد صاعد، وأن كل المجتمعات البشرية لا بد أن تسير في هذا الاتجاه الذي مرت به الدول الغربية.
بناءا على ذلك تم تعريف التنمية السياسية في هذا الاتجاه من علماء السياسة، كل من زاوية رؤيته والمنهج المستخدم في دراسة عملية التنمية السياسية. وقد تعددت المناهج وأساليب دراسة التنمية السياسية وطرق تحقيقها والوصول إليها، بحيث أن هناك عدد كبير من الاقترابات والتعريفات التي جعلت من مفهوم التنمية السياسية مفهوما فضفاضا يحمل معاني ودلالات متنوعة. ويرى ديفيد باكنهام أن هناك خمسة اقترابات لدراسة التنمية السياسية ([24] ):
أ‌- الاقتراب القانوني: الذي يرى التنمية من زاوية القانون والدستور وما يتضمنه من تحديد لنظام الحكم والسلطات وتنظيمها والحقوق وغيرها.
ب‌- الاقتراب الاقتصادي: ويعالج التنمية السياسية على أنها احد جوانب التنمية الاقتصادية التي تلبي حاجات المجتمع التنموية.
ت‌- الاقتراب الإداري: يعتبر التنمية السياسية دالة في قدرات النظام الإدارية وكفاءة وفعالية أداء الوظائف المختلفة.
ث‌- اقتراب النظام الاجتماعي: يعالج التنمية السياسية كجانب من جوانب النظام الاجتماعي المتطور الذي يسهل المشاركة ويوحد الأمة.
ج‌- اقتراب الثقافة السياسية: يرى أن التنمية السياسية هي دالة في الثقافة السياسية الحديثة التي تقدر القيم الديمقراطية وتحترمها.
لوسيان باي صنف مناهج دراسة التنمية السياسية في عشرة ([25] ):
أ‌- التنمية السياسية كمتطلب للتنمية الاقتصادية: حيث أن التنمية السياسية هي حالة النظام الذي ينجح في تحقيق التنمية الاقتصادية.
ب‌- التنمية السياسية كنمط لسياسة المجتمعات الصناعية: فالمجتمعات الصناعية طورت نموذجا للحياة السياسية يعتبر مثالا للمجتمعات الأخرى.
ت‌-التنمية السياسية كتحديث سياسي: أي نقل النموذج الغربي في الحياة السياسية.
ث‌- التنمية السياسية كبناء للدولة القومية.
ج‌- التنمية السياسية كتنمية إدارية وقانونية: حيث يؤكد على الترابط بين التنمية السياسية والتنظيم الإداري والقانوني.
ح‌- التنمية السياسية كتعبئة ومشاركة جماهيريتين.
خ‌- التنمية السياسية كبناء للديمقراطية: أي هي نتاج إقامة المؤسسات الديمقراطية.
د‌- التنمية السياسية كاستقرار وتغير منتظم: أي إن التنمية السياسية تتحقق عندما يستطيع النظام السياسي ضمان الاستقرار وضبط التغيير وتنظيمه والحفاظ على التوازن بحيث لا يؤثر على الاستقرار.
ذ‌- التنمية السياسية كتعبئة وقوة: من حيث قدرة النظام وقوته في تعبئة وتخصيص الموارد.
ر‌- التنمية السياسية كجانب من الجوانب المتعددة للتغيير الاجتماعي: أي إن التنمية السياسية ترتبط بمجالات التغير الاجتماعي الأخرى وتتأثر وتؤثر بها وليست مستقلة عنها.
وقد خرج لوسيان باي من هذه المداخل بخلاصة ترى أن التنمية السياسية هي " جانب من عملية التغيير الاجتماعي المتعددة الجوانب ". وتقوم على ثلاثة مقومات رئيسية هي:
أولا: المساواة: مساواة أمام القوانين، ومساواة في الفرص وإمكانيات المشاركة في صنع القرار.
ثانيا: القدرة: وهي قدرة النظام وأبنيته المختلفة بالقيام بمهامها، وقدرتها على تحويل المدخلات إلى مخرجات تلبي حاجات المجتمع.
ثالثا: التميز والتخصص: أي قيام كل بنية في النظام بوظائف محددة ومتخصصة، مع تفاعلها وتعاونها مع بعضها البعض.
جبراييل الموند يعرف التنمية السياسية على أنها " التمايز والتخصص المتزايد للأبنية السياسية، والعلمنة المتزايدة للثقافة السياسية" ([26] ). وعملية التمايز أو التخصص هنا مرتبطة بالوظائف التي تقوم بها الأبنية السياسية، والعمليات والتفاعلات داخل الأنظمة الفرعية للنظام السياسي .حيث أن التمايز والتخصص، يعني تنوع الأدوار وإيجاد أبنية بوظائف وادوار محددة. والعلمانية تشير إلى الرشادة والواقعية في السلوك، وطرح الأساليب التقليدية جانبا مع إتباع الأسس العلمية في اتخاذ القرار. ويرى الموند في مسألة أسلوب الأداء أن النظم التقليدية والحديثة يتم التمييز بينها على أساس طريقة أداء الوظائف السياسية المختلفة. حيث يتميز الأسلوب الحديث بالتحديد والعمومية مقابل الانتشار والخصوصية للتقليدي ([27] ). وهذه الخصائص هي التي تميز تطور الأنظمة السياسية الغربية، التي تعتبر نموذجا للتطور والتنمية لبقية البلدان.
يعتبر الدور السياسي والبنية عند الموند احد أهم وحدات تحليل الأنظمة السياسية، حيث أن الأدوار السياسية مرتبطة يبعضها على شكل أبنية متمايزة ومتفاعلة، وذلك يتيح التركيز على السلوك الفعلي للاعبي الأدوار والمشتركين في السياسة. والتمايز يعني عمليات تبدل الأدوار وتطورها للاستقلال والتخصص المتزايد، حيث ينبثق عنها أدوار جديدة، وأبنية جديدة، والى تغير أنماط التفاعل والعلاقات بين الأدوار أو بين الأبنية. حيث أن السلوك هذا ذا قابلية للملاحظة والدراسة، رغم أن السلوك يتأثر بالقواعد والمعايير، لكن هذه لا تصنعه بشكل كامل. ويمثل الدور والبنية المرتبط بها وحدة من وحدات النظام السياسي، أو نظام فرعي يتكون من أدوار متفاعلة كبنية، والنظام السياسي كمجموعة من النظم الفرعية ( [28] ).
صامويل هنتنجتون يرى أن الحداثة السياسية أو التنمية السياسية تتحقق عندما تتوفر ثلاثة عوامل: الأولى: ترشيد السلطة، أي أن يتم ممارستها واستلامها وتداولها على أساس قانون أو دستور محدد. والثانية: تمايز وتنوع الوظائف السياسية وإيجاد أبنية متخصصة لها. والثالثة: زيادة المشاركة السياسية من قبل المواطنين، ومن خلال قنوات وآليات للمشاركة ( [29] ).
ايزنستادت رأى أن التنمية السياسية تقوم على التالي: أولا: تنمية أبنية سياسية عالية التخصص والتنوع. ثانيا: التوسع المستمر في أنشطة الحكومة المركزية. ثالثا: إضعاف الصفوات التقليدية ([30] ).
نرى من التعريفات السابقة للتنمية السياسية ارتباطها بالمنظور أو التنميط الثنائي الذي يسوق خصائص ومواصفات للمجتمعات الحديثة والمجتمعات التقليدية، واعتماده على الأنماط المثالية للحداثة كما يراها منظري نظرية التحديث. وهذه النظرة تعتبر بلدان العالم الثالث بأنها مجتمعات تقليدية تفتقر للمؤسسات والأبنية المتطورة القادرة على أداء وظائف وادوار بطرق رشيدة وعقلانية، وبعدم كفاءة وفاعلية البنى والمؤسسات الموجودة لديها التي تعتبر متخلفة وتقليدية لا تتلاءم مع متطلبات وشروط الحداثة.
لم تستطع هذه النظريات أن تحقق ما كانت تدعوا له من عملية تحديث، وتعثرت عملية التنمية وانتقال الدول حديثة الاستقلال من النمط " التقليدي " إلى النمط " الحديث ". وقد اتجه علماء السياسة على ضوء ذلك إلى دراسة مشاكل أو أزمات التنمية والتحديث. ورأى البعض منهم أن عمليات التحديث التي تجري في المجتمعات لا تسير بصورة سلسلة وخطية ومتصاعدة كما تم تصويرها من قبل. بل إن تلك العملية يرافقها أو ينتج عنها مشاكل متنوعة، وأزمات بحاجة إلى حل ومعالجة. وقد حددت تلك الأزمات بشكل ومدى مختلف لدى منظري التنمية، كما تم تناولها من زوايا متعددة لدى كل منهم.
ويعتبر لوسيان باي أن التنمية السياسية لا تسير بشكل خطي صاعد، ولا تسير بمراحل ومسارات محددة سلفا، بل قد يحكمها عدد من المشكلات المتزامنة والمنفصلة ([31] ). وبناءا على ذلك أصبحت التنمية السياسية عند جزء مهم من منظريها وكأنها تتحقق عندما ينجح النظام السياسي في معالجة مشكلات أو أزمات التنمية، ويتغلب عليها من خلال رفع فعالية وكفاءة النظام وزيادة قدراته المختلفة ([32] ).
وتنظر المدرسة البنائية الوظيفية للنظام السياسي على انه نظام فرعي ضمن النظام الكلي للمجتمع، يعتمد في أداءه وعمله بصورة كبيرة على تفاعله مع النظم الفرعية الأخرى، حيث تقوم كل منها بوظيفة معينة. وحسب الموند هناك ثلاثة وظائف للنظام السياسي هي: وظائف التحويل وتشمل ( التعبير عن المصالح، تجميع المصالح، الاتصال السياسي، التشريع أو صنع القاعدة، والإدارة أو تطبيق القاعدة، والقضاء أو التقاضي بموجب القاعدة ). ثم وظيفة التكيف التي تتضمن التنشئة والتجنيد السياسي بهدف الحفاظ على النظام والتكيف مع ضغوط التغيير. ثم قدرات النظام التي تشمل القدرة الاستخراجية والتنظيمية والتوزيعية والرمزية والاستجابية ([33] ). وتشير التفاعلات داخل النظام السياسي، وبينه وبين بيئته المحلية والخارجية إلى ما يسمى بالمدخلات التي تأتي النظام والمخرجات التي ينتجها، حسب المدرسة البنائية الوظيفية. وتتشكل المدخلات من الموارد والمطالب والمساندة، والمخرجات هي عمليات صنع القاعدة وتنفيذ القاعدة والتقاضي بموجب القاعدة ([34] ). والمخرجات هي عبارة عن العمليات التي يتم من خلالها صياغة القواعد والإجراءات واتخاذ القرارات وصنع السياسات المختلفة سواء استجابة لمطالب وضغوط معينة أو بدونها.
لذا يصبح من المهم تطوير قدرات النظام على تلبية المطالب المختلفة وتوفير الموارد وإدارتها، أو بمعنى آخر القيام بعمليات التحويل، التي تحتاج إلى قدرات تنظيمية واستخراجية وتوزيعية ..الخ. ولامتلاك هذه القدرات حسب الموند، يحتاج النظام إلى تنمية أبنية متخصصة تؤدي وتقوم بوظائف التحويل، أي يحتاج إلى التمايز المتزايد والتخصص المتزايد، ويحتاج إلى قدرات عالية في التنظيم والاستخراج قبل أن يبدأ في توزيع وتخصيص الموارد. بمعنى آخر إن تطوير القدرات ناتج عن عملية التمايز والتخصص التي يعتبرها الموند الركن الرئيسي في التنمية السياسية. لكن الدول النامية حسب الموند لا تمتلك قدرات فعلية في هذه الجوانب، لان القدرات تحتاج إلى تمايز بنيوي وعلمانية ثقافية وموارد ومهارات المجتمع الحديث. لذا فهي تواجه صعوبات في الاستجابة للضغوط المتصاعدة ( المطالب )، مما يؤدي إلى أن العديد منها يواجه مشاكل عدم الاستقرار ([35] ). فالنظام السياسي حسب ديامنت يخضع لتحول في بنيته ووظائفه في عملية التحديث، والتنمية السياسية في شكلها الأكثر عمومية هي العملية التي يكتسب فيها النظام السياسي قدرة متزايدة على المتابعة الناجحة والمستمرة لأنواع جديدة من الأهداف والمطالب، وعلى خلق أبنية جديدة للمنظمات. ولكي تستمر هذه العملية لابد من وجود نظام سياسي مركز ومتميز الأبنية، ولا بد أن يكون قادرا على فرض الموارد والقوة على مجالات واسعة وأقاليم واسعة من المجتمع ([36] ).
لكن الأزمة تنشأ نتيجة عدم تطور النظام وبنيته وعدم قدرتها على تلبية المطالب واستيعاب المدخلات تلك ومعالجتها، وعدم قدرته على الاستجابة لحاجات ومتطلبات النظم الاجتماعية الأخرى، اقتصادية وثقافية واجتماعية وغيرها. وقد صنفت الأزمات من منظري التنمية السياسية بطرق مختلفة.
يرى الموند أن أزمات أو مشاكل التنمية تتمثل في أربعة هي ([37] ):
أ‌- مشكلة بناء الدولة: وهي تتعلق بعدم قدرة السلطة المركزية على التوحيد والسيطرة وإخضاع كافة فئات المجتمع لسلطتها.
ب‌- مشكلة بناء الأمة: وترتبط بالهوية وولاء الجماعة، حيث أن هناك ولاءات محلية أقوى من الولاء للأمة.
ت‌- مشكلة المشاركة: عدم وجود فرص للمشاركة وغياب آليات لمشاركة المواطنين في عمليات صنع القرارات في النظام السياسي.
ث‌- مشكلة التوزيع: عدم توزيع القيم والسلع والخدمات بصورة عادلة وكافية من النظام السياسي إلى المواطنين.
أما لوسيان باي فقد اعتبر أن هناك ستة أزمات للتنمية تتمثل في ([38] ):
أ‌- أزمة الهوية: وهي مشكلة الولاء والانتماء إلى جماعات محدودة مثل الولاء العشائري مقابل الولاء للمجتمع القومي.
ب‌- أزمة الشرعية: وتتعلق بدرجة قبول ورضا الناس عن النخب الحاكمة وسياساتها.
ت‌- أزمة التغلغل: وهي مدى سيطرة النظام وامتداد سيطرته وسلطاته إلى كافة أطراف المجتمع، وقدرته على التأثير الفعال في مختلف أرجاء الإقليم.
ث‌- أزمة المشاركة: وتشير إلى مدى مشاركة المواطنين في الحياة السياسية وفي صنع القرار.
ج‌- أزمة الاندماج: وتتعلق بمدى تنظيم النظام السياسي ككل ، كنظام علاقات متفاعلة. وتشير إلى علاقة شاغلي الأدوار بوكالات الحكومة وعلاقة الجماعات ببعضها، وقدرة الأجهزة الإدارية والسياسية على أداء الوظائف المنوطة بها.
ح‌- أزمة التوزيع: وتشير إلى توزيع الموارد والقيم المادية والمنافع، لتلبية احتياجات ومطالب المواطنين والمجتمع.
ويؤكد دكتور أحمد وهبان في مؤلفه " التخلف السياسي وغايات التنمية السياسية " ما طرحه لوسيان باي، لكنه يرى أن هناك أزمتان إضافيتان لما جاء به هما: أزمة الاستقرار، التي تشير إلى وجود مشاكل تعاني منها مجتمعات العالم الثالث، بسبب التنوع العرقي، أو غياب أيديولوجيا واحدة وقيم وأهداف متفق عليها. وأزمة تنظيم السلطة، التي تتعلق بعدم خضوع الوصول إلى السلطة وممارستها وتداولها لنظام قانوني ( دستور ) يلزم الحكام، حيث أن السلطة في دول العالم الثالث هي سلطة مشخصنة ([39] ).
ويعتبر وهبان أن التنمية السياسية هي " عملية سياسية متعددة الغايات تستهدف ترسيخ فكرة المواطنة، وتحقيق التكامل والاستقرار داخل ربوع المجتمع، وزيادة معدلات مشاركة الجماهير في الحياة السياسية، وتدعيم قدرة الحكومة المركزية على إعمال قوانينها وسياساتها على سائر إقليم الدولة، ورفع كفاءة هذه الحكومة فيما يتصل بتوزيع القيم والموارد الاقتصادية المتاحة، فضلا عن إضفاء الشرعية على السلطة بحيث تستند إلى أساس قانوني حق فيما يتصل باعتلائها وممارستها وتداولها، مع مراعاة الفصل بين الوظيفتين التشريعية والتنفيذية، بحيث تقوم على كل منهما هيئة مستقلة عن الأخرى، فضلا عن إتاحة الوسائل الكفيلة بتحقيق الرقابة المتبادلة بين الهيئتين " ([40] ).
وهذا التعريف مبني على موضوعة الأزمات المذكورة، والرؤية التي ترى أن التنمية السياسية تكون بحل تلك الأزمات والتغلب عليها. حيث أن الأزمة هي نتاج تغييرات وأحداث على صعيد النظام السياسي نفسه أو في تفاعله مع النظم الفرعية الأخرى في المجتمع والتي تشكل بيئته الداخلية، أو من بيئته الخارجية. وهذا يتوقف على طبيعة المطالب، وتوفر الموارد. فإذا زاد ضغط المطالب وكان هناك عجز في الموارد، تنشأ الأزمة. وحدة الأزمة واتساعها يتوقف بصورة كبيرة على أداء النظام وقدرته على الموازنة بين المطالب والموارد، وقدرته على إنتاج مخرجات قادرة على الاستجابة والتوزيع ([41] ). ويرى ريتشارد هيجوت أن القدرة على حل الأزمة هنا تتعلق بالنخب الحاكمة خاصة، وليس بالتنمية وتحديث المجتمع. حيث أن دراسة ومعالجة هذه الأزمات تم من زاوية مدى تهديدها لوضع هذه النخب ودورها في الحفاظ على النظام القائم. وهذا أدى إلى ميل دراسات التنمية السياسية لدعم ومناصرة النظام كغاية وليس كوسيلة للوصول إلى مجتمع حديث ([42] ).

2.1. النظرية الماركسية والتنمية السياسية:
حلل كارل ماركس المجتمع الرأسمالي وتطور المجتمع البشري انطلاقا من المفهوم المادي للتاريخ، ووضع الأسس لما يعرف ب " المادية التاريخية "، التي صارت تشكل الإطار الرئيسي لعلم الاجتماع الماركسي، وتوفر له الأسس النظرية والمنهجية في دراسة الأبنية والعلاقات والتفاعلات الاجتماعية.
يعتبر مفهوم التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية أهم مفهوم في المادية التاريخية في تشخيص وتحليل تطور المجتمع البشري. حيث أن كل تشكيلة اقتصادية اجتماعية هي جهاز اجتماعي خاص يتطور حسب قوانينه الخاصة به. وما يحدد طبيعة وخصائص كل تشكيلة منها، أو كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع البشري، هو " أسلوب الإنتاج " الخاص بها، الذي هو شكل معين ومحدد لنشاط الناس المعيشي ونمط حياتهم، ويتألف من وحدة قوى الإنتاج ( أدوات ووسائل الإنتاج والبشر المنتجين) وعلاقات الإنتاج ( التي تنشأ بين الناس في نشاطهم الإنتاجي). وتدرس المادية التاريخية تطور تاريخ المجتمع البشري على أنه عملية تاريخية طبيعية واحدة مقوننة لتطور الإنسانية، ينتقل من مرحلة إلى مرحلة أكثر تطورا، لها ميزاتها وخصائصها وقوانينها. وقد مر المجتمع البشري في تطوره بخمس مراحل أو تشكيلات اقتصادية اجتماعية، تنقسم إلى مجموعتين كبيرتين، الأولى هي التشكيلات الطبقية المتناقضة، وهي تشكيلة الرق أو العبودية، والإقطاعية، والرأسمالية. وهذه التشكيلات تقوم على أساس علاقات السيطرة واستغلال الإنسان للإنسان، لأنها قائمة على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. كما أن المشاكل الاجتماعية فيها خلال عملية التطور تحل بالنضال الطبقي المرير، وعن طريق الثورات. والمجموعة الثانية هي التشكيلات اللاطبقية القائمة على علاقات التضامن والمساواة الاجتماعية، وتضم مرحلة المشاعية البدائية والمرحلة الشيوعية التي تعتبر أعلى مراحل تطور المجتمع البشري ([43] ).
اعتبر ماركس أن انتشار الرأسمالية وتوسعها أدى إلى القضاء على الحياة التقليدية للمجتمعات الأوروبية وشجع على التصنيع، وحررت الفلاحين من نظام الإقطاع، وأقامت علاقات إنتاج اجتماعية رأسمالية. حيث أن الرأسمالية حطمت التشكيلات التقليدية الجامدة، وأنشأت نمطا إنتاجيا عصريا وحديثا وأكثر عقلانية. غير أن الرأسمالية أيضا في تطورها تنطوي على جوانب سلبية وسيطرة واستغلال من نمط جديد بسبب الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ([44] ).
وترى الماركسية أن كل تشكيلة اجتماعية اقتصادية طبقية، تسود فيها أيديولوجية الطبقة المسيطرة، ومع تفاقم التناقضات الاجتماعية، تظهر أيديولوجية جديدة تعكس مصالح الطبقات المضطهدة. ومع انقسام المجتمع إلى طبقات تصبح العلاقات السياسية والحقوقية والأخلاقية وغيرها، شكلا للعلاقات الأيديولوجية، ويدخل الناس في هذه العلاقات مع ظهور الوعي الطبقي، حيث أن نضال وتطور نضال الطبقة العاملة السياسي ضد الرأسمالية لا يمكن بدون نظرية ثورية وحزب ثوري للحركة العمالية، أي بدون وعي سياسي للجماهير ([45] ). إن الأيديولوجية كجزء من البناء الفوقي يظهر معها مؤسسات ومنظمات مختلفة كالدولة والمؤسسات القانونية والأحزاب السياسية، والاتحادات المهنية والمنظمات الدينية والمؤسسات الثقافية والعلمية وغيرها. وتعتبر الدولة المؤسسة الرئيسية للبنيان الفوقي في المجتمع الطبقي والتي تحرسه وتحميه. فبمساعدتها تصبح الطبقة المسيطرة على الاقتصاد، مسيطرة في مجال البنيان الفوقي أيضا. والدولة تملك وسائل مادية للسلطة، مثل الجيش والشرطة والسجون، لتتمكن بواسطتها من القيام بوظيفتها وإخضاع المجتمع لمصالح وإرادة الطبقة المسيطرة ([46] ).
إن مهمة الثورة الاشتراكية هي الاستيلاء على السلطة السياسية من جانب العمال، أي الاستيلاء على الدولة، وبناء اقتصاد اشتراكي والقضاء على العلاقات الرأسمالية، بالتحالف مع الجماهير الكادحة في الريف والمدينة، بقيادة الحزب الشيوعي ([47] ). إلا أن المسالة المهمة في دول العالم الثالث هو عدم تبلور الطبقات بالصورة التي عليها في المجتمعات الرأسمالية. وقد استخدم ماركس مفهوم " نمط الإنتاج الآسيوي " كوسيلة نظرية لدراسة المجتمعات غير الأوروبية، والتي تتميز بخصائص معينة مثل: غياب الطبقات وغياب الملكية الخاصة وهيمنة الدولة، وتتميز بأنها مجتمعات زراعية منغلقة على ذاتها، وسيادة الروابط العائلية والعشائرية في المجتمع. واستخدم جزء من الباحثين هذا المفهوم في تحليل قضايا التنمية والتخلف ([48] ).
وتناولت نظرية الامبريالية التي جاء بها لينين لاحقا موضوع التخلف والتنمية بصورة غير مباشرة، كنتاج للصراع الامبريالي. واعتبرت أن القوى الامبريالية هي المستفيد الأول من النظام الرأسمالي الدولي، حيث أن سياساتها الاستعمارية عطلت تنمية دول العالم الثالث وتسببت في تخلفها ونهبت مواردها. أما الماركسية المحدثة فتنطلق من التناقض بين الامبريالية وشعوب البلدان النامية، وتفهم العالم كوحدة واحدة، مع الاهتمام بموضوعة الخصوصية التاريخية والثقافية للبناء الاجتماعي. لذا درست التنمية والتخلف انطلاقا من بحث الأبعاد التاريخية للتخلف، وبحث صور تراكم التخلف أثناء عملية التنمية ذاتها ([49] ). ورأى عدد من الباحثين أن الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلدان النامية تتميز بخصائص معينة، تجعلها مختلفة في بنيتها عن المجتمعات المتقدمة، إضافة إلى الاختلافات بين هذه البلدان نفسها. ونتج عن ذلك دراسة هذه البنى الاقتصادية الاجتماعية من زاويتين مختلفتين، إحداهما ترى بعدم وجود النمط الرأسمالي في هذه البنى، والثانية ترى أن الرأسمالية في تلك البنى لم يكتمل تطورها، وأنها رأسمالية تابعة أو محيطية ([50] ).
ومن الذين قالوا بوجود رأسمالية تابعة، أو نمط خاص من الرأسمالية في بلدان العالم الثالث، المفكر اللبناني مهدي عامل. حيث يرى في دراسته لأثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني، أن التغلغل الاستعماري احدث تفككا نسبيا في البنية الاجتماعية للبلدان المستعمرة، كان نتيجته تكون علاقات إنتاج جديدة متميزة، تختلف عن علاقات الإنتاج الرأسمالية كما تتجلى في البلدان الأوروبية. كما انه إضافة إلى ما أحدثه من تغير في حركة تطور هذه البلدان التاريخي ومنطقه الداخلي، جعلها تخضع لمنطق التبعية الكولونيالية. ويرى بان العلاقة الكولونيالية هذه، هي علاقة تبعية بنيوية بين بنيتين اجتماعيتين مختلفتين، بنية اجتماعية رأسمالية اكتمل تكونها منذ زمن بعيد، ودخلت في مرحلة تطورها الامبريالي من جهة، وبين بنية اجتماعية لم يكتمل بعد تكونها، بل هي في مرحلة من التكون الجديد، من نظام إنتاج سابق للرأسمالية إلى نظام إنتاج آخر هو في الظاهر النظام الرأسمالي. إنها علاقة لا يوجد بها تكافؤ، بل هي علاقة سيطرة بنيوية، تسيطر فيها البنية الأولى على البنية الثانية وتحدد تطورها ([51] ).
ويرى بعض الكتاب الذين يأخذون بالخصوصية التاريخية لبلدان العالم الثالث أن مجتمعات هذه البلدان تتميز ببعض الخصائص؛ حيث التطور الداخلي فيها لم يجري بشكل طبيعي نتيجة السيطرة الاستعمارية؛ كما أن هناك عناصر متداخلة ومتناقضة ومتجاورة مع عناصر أخرى؛ ووجود أشكال وأنماط متنوعة للإنتاج والطبقات والشرائح الاجتماعية؛ مع تعدد القيم وتناقضها وتداخلها؛ وتعدد الايديولوجيا وعدم وضوحها وتحددها؛ وعدم استقرار البناء الاجتماعي والسياسي؛ والنزعة العسكرية والسلطوية القمعية؛ ووجود مظاهر الانشقاق وتعدد التناقضات والخلافات في البناء الاجتماعي ([52] ).
حاولت الأحزاب الشيوعية قيادة الثورة في بلدان العالم الثالث، لكنها اتبعت خطا معاديا للبرجوازية القومية في هذه البلدان، وكان تأثيرها على الحركات القومية بين الحربين العالميتين تأثيرا ضعيفا، باستثناء الصين، التي قدمت تجربة مهمة للرؤية الماركسية للتنمية السياسية في العالم الثالث. وتحققت الثورة الصينية من تحالف المثقفين ممثلين بالحزب الشيوعي والفلاحين، حيث كان دور الطبقة العاملة الصناعية ضئيلا فيها، كما أنها لم تعادي الطبقة البرجوازية. وبعد الحرب العالمية الثانية أيضا دعم الاتحاد السوفيتي الديمقراطيات القومية الناشئة، واعتبر أنها سوف تتطور وتنمو صناعيا مما يمكن من تحقيق الثورة في إطار تحالف العمال والفلاحين. ولقد كان هدف التنمية السياسية لدى الماركسيين واضحا، وهو بناء الدولة الاشتراكية، وهذا يتحقق من خلال قيادة العمال والتحالف مع شعوب الدول المستعمرة المعادية للرأسمالية حليفة الثورة الاشتراكية ([53] ). ويعتبر مهدي عامل أن البرجوازية الوطنية في العالم الثالث والتي سارت بدرب التحرر الوطني والبناء الاقتصادي، قطعت شوطا توقفت عنده بعد فشلها في السير في هذا الطريق إلى نهاياته، فصار هناك تداخل بالضرورة بين القضية الوطنية والقضية الاجتماعية بعد هذا الفشل. وهذا الفشل ناتج عن طبيعة بنية الإنتاج الكولونيالي في دول العالم الثالث، التي هي بنية عاجزة وتتحكم بها العلاقة الكولونيالية. لذا أصبح هناك تداخل في مهام التحرر الوطني لانجاز التحرر من الاستعمار أو من الهيمنة الاستعمارية بأشكالها غير المباشرة، وبين الثورة الاشتراكية، لان الثورتين ثورة واحدة. حيث أن العلاقة الكولونيالية من حيث هي علاقة تبعية بنيوية، هي التي تحدد بالضرورة الثورة التحررية الوطنية ، في آليتها الداخلية كثورة اشتراكية، تقوم بها الطبقة العاملة ([54] ).

3.1. نظرية التبعية:
ظهرت نظرية التبعية بداية في أمريكا اللاتينية في ستينيات القرن العشرين، نتيجة عدم نجاح نموذج نظرية التحديث في تقديم تفسير حقيقي ومقنع لظاهرة التخلف في العالم الثالث، وكذلك نتيجة فشل خطط وعمليات التنمية في تلك البلدان في فترة الخمسينيات والستينيات. واعتبر منظري التبعية أن دراسات التنمية حاولت البرهنة على أن التخلف هو حالة متأصلة، ناتجة من طبيعة البنى الاجتماعية لبلدان العالم الثالث، ولم تنتج عن الاستعمار، بل هي موجودة قبله ([55] ). وتعتبر نظرية التبعية ردا على أسس وطروحات نظرية التحديث، وتنطلق من فرضية أن حالة التخلف وما ينتج عنها من مشاكل وأزمات هي ناتج من نواتج الحقبة الاستعمارية. وتفسر حالة التخلف الاقتصادي والسياسي من منطلق الظروف التاريخية التي مرت بها بلدان العالم الثالث، ووقوعها تحت السيطرة الاستعمارية للنظام الرأسمالي العالمي. كما أنها تعتبر أن هناك علاقة جدلية بين التنمية والتخلف، وبين الحداثة والتقليدية، وبين مختلف الظواهر بشكل عام ([56] ). وبمعنى آخر اعتبرت أن التنمية التي حدثت في العالم الرأسمالي المتقدم كانت على حساب الدول المستعمرة، وان الوجه الأخر لتلك التنمية هي تخلف دول العالم الثالث، ووقوعها في براثن التبعية والسيطرة الرأسمالية.
ظهرت في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات دراسات عديدة لنقض الفرضية التي تقول بان التخلف هو حالة متأصلة في دول العالم الثالث. وعملت الدراسات التي قدمها منظرو التبعية مثل "اندريه جندر فرانك" وسمير أمين وغيرهما على تحليل واثبات أن السيطرة الرأسمالية هي المسئولة عن تخلف بلدان العالم الثالث حيث حللت الجوانب التاريخية للتخلف المرتبط بالاستعمار. وكان هذا التركيز على الجوانب التاريخية، إلى جانب الأسلوب الثوري لنظرية التبعية، من أسباب تسميتها بالنظرية الماركسية، أو الماركسية الجديدة، عند البعض، رغم أن رواد هذه المدرسة هم من علماء الاقتصاد الراديكاليين من اللجنة الاقتصادية لدول أمريكا اللاتينية ( أكلا) ([57] ). وكان انتشار نظرية التبعية عائد أساسا إلى علماء اقتصاديات التنمية من مفكري العالم الثالث، الذين اهتموا بالنواحي العالمية للاستغلال الاقتصادي، ولا يعود إلى الكتاب الماركسيين الذين اهتموا بظاهرة الامبريالية ([58] ). ويرى يوسف صايغ أن المفكرين الاجتماعيين في أمريكا اللاتينية الذين أصبحوا منظرو التبعية وصاغوا وطوروا مقولاتها، هم مجموعة تضم ماركسيين – محدثين، وبنيويين، ووطنيين تقدميين، أكدوا جميعا، عدا البنيويين، على دور التبعية المفروضة من الدول الرأسمالية، في إنتاج حالة التخلف واستمرارها ([59] ).
ويعف علي غربي التبعية بأنها: " ظرف تاريخي موضوعي تشكل تاريخيا على مدى زمني طويل يمتد إلى الفترة الاستعمارية، وهذا أدى إلى نشوء مجموعة من العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية، تعبر عن شكل من أشكال تقسيم العمل على الصعيد العالمي يتم بمقتضاها توظيف موارد مجتمع معين ( المجتمع التابع والمتخلف) لخدمة مصالح مجتمع آخر أو مجتمعات أخرى ( المجتمعات المتقدمة ) التي تمثل مركز أو قلب النظام الرأسمالي العالمي... إن دول المركز تمارس هيمنتها على الدول التابعة من خلال حكوماتها بإتباع سياسات اقتصادية عسكرية وغيرها... أو من خلال المؤسسات المالية كصندوق النقد الدولي وغيره والشركات المتعددة الجنسية. حيث تؤدي أوضاع التبعية إلى تعطيل الإرادة الوطنية للدولة التابعة وفقدانها لشروط إعادة تكوين ذاتها، ومن ثم تنميتها المنشودة ( الخروج من حالة التبعية ) " ([60] ). وطبيعة هذه العلاقة تؤدي إلى استمرار وإدامة سيطرة الدول المتقدمة وإبقاء الدول النامية في دائرة التبعية.
"اندريه جندر فرانك" احد رواد هذه النظرية، يعرف التبعية على: أنها وضع أو حالة تتكون من سلسلة كاملة من المراكز الكبرى والتوابع الصغرى تربط معا أجزاء النظام الرأسمالي بكامله من مراكزه إلى المواقع في هوامش وأرياف دول أمريكا اللاتينية. هذه التوابع تعمل كأداة لامتصاص واستنزاف رأس المال والفائض الاقتصادي من التوابع إلى المراكز المحيطة بها ومنها إلى مراكز النظام الرأسمالي. والنمو الذي يتحقق في الدول النامية في إطار تلك العلاقة هو نمو تابع، يفتقر إلى قوة دفع ذاتية، وتنقصه صفة الديمومة ([61] ).
وركزت نظرية التبعية على أن التنمية التي تتم في العالم الثالث هي تنمية تابعة أو تخلف، وهي نتاج توسع الدول الاستعمارية، وربط الاقتصاد المستعمر بحاجاتها. ويصف فرانك العلاقة بعلاقة التابع والمتبوع، أو العلاقة بين المركز والأطراف ( الهوامش ) حيث يحافظ المركز على علاقة التبعية بينه وبين الهامش، وتلك العلاقة تؤدي إلى استنزاف الفائض من الهوامش إلى المركز. وانتقد فرانك أشكال التجارة الدولية ونقل التكنولوجيا ورأس المال من الدول المتقدمة إلى الدول النامية. وعليه صاغ ما سمي ب " تنمية التخلف " حيث اعتبر أن أمريكا اللاتينية كانت متخلفة قبل الاختراق الرأسمالي، لكنها أصبحت أكثر تخلفا بعد هذا الاختراق. وأصبح الارتباط بين التنمية والتخلف ارتباطا سببيا، حيث أن التنمية التي حدثت في الغرب الصناعي تمت على حساب تخلف بلدان العالم الثالث، وهذا شكل ردا على القول بعدم وجود علاقة بين التنمية ( في الغرب ) والتخلف ( في العالم الثالث ) ([62] ).
المسألة الأساسية التي تطرحها نظرية التبعية هي التحليل الكلي لعملية تطور المجتمع، وتطرح رؤية نظرية تاريخية تظهر خصوصية المجتمعات التابعة وخصوصية تطورها. وهي بذلك تتبنى فكرة النسق العالمي كمنطلق من خلاله تكشف موقع الدول المتخلفة داخله، إضافة إلى اهتمامها بالبناء الاجتماعي لهذه الدول، كبناء تابع ومتخلف ومحكوم بنمط من تقسيم العمل الدولي. كما حللت نتائج التنمية الرأسمالية والتوسع الامبريالي وآثارها الاجتماعية والطرق التي من خلالها تتشكل الأبنية الاستغلالية الجديدة التي تعيق نمو الدول المتخلفة. ويعتبر الإسهام الأساسي لنظرية التبعية في إظهار أن تخلف دول العالم الثالث مرتبط بعملية التوسع الاستعماري والهيمنة الرأسمالية المعاصرة، وان التخلف ليس حالة متأصلة في طبيعة المجتمعات النامية. وهذا يشير إلى أن العامل الحاسم في إنتاج التخلف هو العامل الخارجي، وذلك يمثل نظرة أحادية الاتجاه، اعتمادا على القناعة بان التخلف هو نتيجة منطقية لتطور الرأسمالية الغربية. مع الإشارة إلى أن هناك بعض منظري التبعية قالوا بوجود دور مهم للقوى المحلية في إنتاج التخلف ([63] ).
تميزت نظرية التبعية بتنوع مشارب وخلفيات منظريها وكتابها، بحيث لا يوجد لديهم التزام باتجاه فكري واحد، بل نرى تعدد في المداخل والاتجاهات. وقد نتج عن ذلك تقديم تحليلات مختلفة لأسباب التخلف والتبعية والطريقة التي تتجلى بها والآثار التي تتركها. وقد قسم البعض نظرية التبعية إلى اتجاهين نظريين رئيسيين هما؛ التبعية البنيوية وعلاقات المركز – الهامش؛ وتحليل أساليب الإنتاج. وركز الاتجاه الأول على خصائص وأوضاع التشكيلات الاجتماعية الطرفية، وأسباب ونتائج الاستعمار في العالم الثالث. حيث أن الدول الصناعية تمنع تصنيع الدول المتخلفة التي تمدها بالمواد الأولية، نتيجة ارتباط الاقتصاد المتخلف بالاقتصاد المتقدم في إطار علاقات المركز – الهامش الناتج عن تغلغل الرأسمالية في العالم الثالث ([64] ). ويركز بعض منظري هذا الاتجاه على علاقات التبادل غير المتكافئة وتحويل الفائض من الأطراف إلى المراكز بطرق مختلفة مما يعطل إمكانية تراكم رأس المال وتحقيق تنمية مستقلة. وهنا يتم تفسير التخلف أو " الرأسمالية التابعة " على أنها نتاج الهيمنة الرأسمالية كنظام عالمي يتضمن علاقات عالمية للتبادل، وهو تبادل غير متكافئ يذهب لصالح المركز ([65] ).
ويرى سمير أمين أن التوسع الرأسمالي أدى إلى نشوء التبعية، التي لا يمكن فهمها دون معرفة النظام الرأسمالي المهيمن على اقتصاديات الدول النامية. وهذه الدول تعتمد سياسات تنموية ترسخ الإنتاج الرأسمالي التابع، حيث تمثل البرجوازية الوطنية والمحلية في الأطراف امتدادا للبرجوازية العالمية وأداة لتنفيذ سياساتها. ويرى أمين أيضا أن تلك الدول تمتاز بهيمنة الرأسمالية الزراعية في الاقتصاد الوطني، مع نمو دور البرجوازية الكمبرادورية التجارية المرتبطة بالرأسمال الأجنبي. إضافة إلى نمو القطاع البيروقراطي الحكومي بخصوصيات لا توجد إلا في الدول الطرفية. ويرى أن تغيير هذا الواقع المتخلف لا يتم إلا بالحل الاشتراكي ([66] ).
أما منظري الاتجاه الثاني فقد اعتبروا أن التركيز على العامل الخارجي للتبعية أهمل العوامل المحلية في إنتاج واستمرار التبعية. ودرسوا كيفية تعايش أنماط إنتاج غير رأسمالية مع نمط الإنتاج الرأسمالي في دول العالم الثالث، وذلك يؤدي إلى تعدد أساليب الإنتاج وتعايشها جنبا إلى جنب، وهي أشكال في اغلبها غير رأسمالية رغم انخراطها في السوق والتبادل السلعي. ويعتبر هذا الاتجاه أن علاقات وأساليب الإنتاج السائدة في الدول المتخلفة هي ما قبل رأسمالية لذا فهي تنتج التخلف ومسئولة عن استمراره. وهذا يقود إلى تأكيد أن العوامل الداخلية مسئولة أساسا عن التخلف، حيث تتمفصل أنماط الإنتاج المختلفة وتتعايش معا، وان سيطرة النمط الرأسمالي لا يعني زوال الأنماط الأخرى ([67] ).
واهتم بعض منظري التبعية مثل " فرانك" و " كاردوز"، بالجانب السياسي بالتركيز على دور الدولة في المجتمعات الطرفية والتابعة. حيث يرى "فرانك" أن الدولة تمثل وظيفة إعادة إنتاج التبعية ونمط الإنتاج التابع والحفاظ على مصالح الاحتكارات الدولية، وتمثل مصالح الطبقات المحلية المسيطرة، وتمثل أداة في يد رأسمالية المركز وهي خاضعة مباشرة للنظام الرأسمالي العالمي، وهي دائما ذات طابع تسلطي. فيما يرى " كاردوز" أن وظائف الدولة في العالم الثالث تشبه وظائف الدولة في المركز. فهي تقوم بوظائف اقتصادية وأيديولوجية، وتمثل مصالح البرجوازية المحلية، وتتأثر بالبنية الطبقية المحلية، وتأخذ أشكالا متنوعة بما فيها الشكل الديمقراطي ([68] ).
تعرضت نظرية التبعية لانتقادات مختلفة أيضا، ورأى البعض أنها ذات نظرة أحادية في التركيز على العوامل الخارجية للتخلف والمبالغة في دورها وإهمال العوامل الداخلية الاجتماعية والثقافية، التي تساعد وتمكن العوامل الخارجية في استمرار وإعادة إنتاج التبعية والتخلف. كما أن هناك نقد للثنائيات التي طرحتها مثل المركز – الأطراف، أو الأفلاك – التوابع، والتي لا تختلف عن ثنائيات نظرية التحديث ([69] ). ويعتقد بعض الكتاب أن الهيمنة الخارجية لا يمكن أن تتحقق إذا لم تجد سندا لها من الأطراف المحلية التي تستفيد من هذا الواقع، لذا فان إنهاء حالة التبعية يستدعي تغييرا في الأبنية الاجتماعية الداخلية، مع الانتباه إلى أن ذلك سيؤدي إلى الدخول في صراع مع النظام الرأسمالي المهيمن. كما أن جزء من منظري التبعية يرون بان إنهاء حالة التخلف والتبعية يحتاج إلى عمل ثوري جذري يؤدي إلى تغيير بنيوي راديكالي، لضمان نجاح التنمية خارج إطار علاقة التبعية، من خلال إنهاء حكم البرجوازية المحلية في الدول المتخلفة ([70] ).
كما يرى آخرون بان نظرية التبعية لم تنجح في تقديم برنامج عملي للتخلص من حالة التبعية والتخلف، إضافة إلى أنها وقعت بنفس نواقص النظريات الأخرى بتقديم تعميمات واسعة وقانون عام تريد تطبيقه على كل المجتمعات في العالم الثالث، مع عدم مراعاة الفوارق بين هذه المجتمعات وخصوصياتها المتنوعة والمميزة. كما يوجه لها انتقاد في تركيز تحليلها على الجوانب الاقتصادية لعلاقات التبعية ومظاهر التخلف، وعدم إعطاء العوامل غير الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، الأهمية المطلوبة ([71] ).

4.1. نظرية التنمية في مرحلة ما بعد الحداثة
من الاستعراض السابق لنظريات التنمية السياسية نرى أنه لا يوجد إجماع أو رؤية متفق عليها لمفهوم التنمية السياسية، ووسائلها وآلياتها، وأهدافها وغاياتها النهائية. وهذا ناتج من الخلفيات والرؤى الأيديولوجية التي حمل بها موضوع التنمية، واختلاف منطلقات وبواعث هذه الأيديولوجيات. كما أن التنمية بصورتها ومقاصدها المتنوعة التي وضعت منذ بدأ الاهتمام بهذا الحقل، ارتباطا بالتوجه إلى التأثير على الدول حديثة الاستقلال، لم تحقق الغايات والأهداف الكبرى التي وعدت بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتحديث والتطور. بل إن غالبية الدول في العالم الثالث، حتى التي اتبعت ما سمى بالتنمية المستقلة، أو التنمية المتمحورة حول الذات، وسياسة إحلال الواردات، وغيرها من النماذج التنموية، لم تنجح في تحقيق تنمية مستقرة، ولا في الخروج من إطار التخلف. كما سقطت في أزمات ومشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة، أدت في النتيجة إلى تزايد اعتمادها على الدول الصناعية المتقدمة، وتعميق تبعيتها وخضوعها لشروط ومطالب وتدخلات المؤسسات الدولية التي تسيطر عليها الدول الرأسمالية الكبرى.
وقد شهد حقل التنمية أيضا تغيرات وتطورات وتحويرات عديدة، حيث اهتم بداية في الجانب الاقتصادي، وكيفية تحقيق التطور والتنمية وتحسين معدلات النمو والدخل ومستوى المعيشة وغيرها من المؤشرات الاقتصادية. ثم جرت عملية تجاوز حصره في الاقتصاد وأضيف له مفهوم الشمول في مرحلة لاحقة، ليعنى بجوانب حياة المجتمع المتعددة، مع عدم اختلاف مضمون التنمية الهادفة إلى تعميم النموذج الغربي الحداثي، وما يستبطنه من أهداف الهيمنة وتكريس التبعية. وبعدها ظهر مفهوم التنمية المستقلة الذي جاء ردا على المفهوم الغربي الحداثي، في محاولة الخروج من إسار الهيمنة والتبعية ([72] ). وقد شاب مفهوم التنمية أيضا الكثير من الالتباس والغموض والمعاني الواسعة الفضفاضة، سواء للأهداف والغايات، أو كثرة المداخل والمناهج والاقترابات المستخدمة في دراسته. وعليه كان مفهوم التنمية السياسية أيضا غامض وغير ثابت، فهل المقصود بها مجرد التغيير من حالة إلى حالة، أم أنها محددة بهدف معين؟ وإذا كان هناك هدف وغاية للتنمية السياسية، هل هناك اتفاق على هذا الهدف، وهل هو محدد بصورة واضحة؟ وحتى لو تم تحديد الهدف، فهل هناك توافق على الظروف والعوامل التي تعبر عن الوصول إلى الغاية؟ ([73] ). وهل تتوقف التنمية إذا تم الوصول إلى تلك الأهداف، ولا نصبح بحاجة إليها؟. أم أن التنمية هي عملية مستمرة ومتواصلة تنبع من استمرارية التطور والتغير في المجتمع البشري وبيئته وظروفه، وتعقد البنى والعلاقات وتشابكها، وتنوع وتغير الحاجات والمطالب الإنسانية؟.
على الرغم من الانتقادات والمآخذ على نظريات التنمية ونواقصها، إلا أنها بقيت تسيطر على حقل دراسات التنمية بكل فروعها، مع محاولاتها للتأقلم مع المتغيرات وتطوير أساليب ومقاربات جديدة للتأثير في عملية التغير والبناء السياسي في العالم الثالث. ونظر للتنمية على أنها عملية تغيير في جوهرها، تشمل المجتمع والدولة بالمناحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها. وقد تنوعت الأفكار والاتجاهات حول أهداف ووسائل وغايات هذا التغيير، فهل الهدف هو التحديث أم التغريب أم المركسة أم الأسلمة؟ وهل يتم التغيير من خلال تعزيز النظام القائم وزيادة قدراته، عن طريق الإصلاح والتعديل المتدرج طويل المدى، أم من خلال عمل ثوري جذري؟ وهل التغيير يتم بأدوات اقتصادية، أم سياسية، ام ثقافية؟ كل تلك الرؤى تتمركز حول هدف أساسي هو إحداث التغيير في المجتمع، بما يتلاءم مع منطلقات ومسلمات وبواعث تلك الرؤى والنظريات ([74] ).
لكن هذا الوضع تغير بصورة جذرية في بدايات العقد التاسع من القرن العشرين، على ضوء التحولات العميقة التي حصلت في النظام الدولي، بعد انهيار دول المعسكر الاشتراكي، وانهيار النموذج الاشتراكي للتنمية والاقتصاد والمجتمع القائم على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، والدور المحوري للدولة في المجتمع بجميع جوانبه. وأدى ذلك أيضا إلى القول بانتصار النموذج الرأسمالي، خاصة مع تحول البلدان الاشتراكية السابقة إلى اقتصاد السوق والملكية الخاصة، ومعها غالبية دول العالم الثالث، التي تخلت عن القطاع العام وسارت في نهج الخصخصة والانفتاح الاقتصادي، وإعادة الهيكلة والإصلاحات المختلفة المقدمة كوصفة للخروج من أزمات ومشاكل هذه الدول، من جانب المؤسسات المالية والنقدية الدولية. حيث كانت بعض بلدان العالم الثالث قد استطاعت تحقيق بعض الانجازات الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنها ترافقت مع حكم تسلطي أو فردي، غيًب دور المواطنين، والحياة الديمقراطية، ودور المؤسسات القادرة على ضمان الحفاظ على الانجازات وتطويرها. تلك الانجازات التي ضاعت بغياب الزعيم الأوحد والقائد الفرد، وعادت تلك الدول للوقوع مرة أخرى في شباك التبعية، وتنفيذ سياسات أدت إلى تزايد المشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

5.1. متغيرات ومعطيات حقل التنمية في ظل النظام العالمي الجديد
شهدت البيئة الدولية تطورات عميقة أدت إلى تغيير مكونات وأطراف النظام الدولي في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد انهيار دول المعسكر الاشتراكي والقطب العالمي الثاني، الاتحاد السوفيتي. ونتج عن ذلك ظهور ما سمي " بالنظام العالمي الجديد " على المستوى الواقعي، وحركة " ما بعد الحداثة " على المستوى الفكري والثقافي والعلمي، مما أدى إلى ضرورة تحول حقل التنمية، ليتجاوز ما كان يعرف بالنسق الحداثي أو التنموي أو السلوكي، وظهور ما بعد الحداثي والسلوكي ([75] ). وشهدت نظرية التنمية تحولا على صعيد الأطر النظرية والموضوعات والنماذج المعرفية، حيث جرى التركيز على الاقتصاد بدلا من الثقافة كمدخل للتغيير، وتجدد الاهتمام بالمجتمع المدني وأعيد إحياءه، بعد أن كانت الدعوة لإيجاد ثقافة مدنية وعلمانية، إضافة إلى الاهتمام بقضايا التعددية بدلا من التركيز على الدولة ودورها المركزي، حيث أصبح السوق هو الآلية التي تحقق النمو والتوازن ([76] ).
كما تم نقد طابع التعميم وصلاحية نظريات التنمية على المستوى العالمي، واحتواء تلك النظريات على مسلمات ونماذج وأحكام، تدعي صلاحيتها وإمكانية تطبيقها على كل المجتمعات، دون الأخذ بالاعتبار الظروف المختلفة، ومميزات وخصائص كل مجتمع، وثقافته وقيمه. حيث أن سياق التنمية وبيئتها في العالم الثالث، يختلف عن التجربة الأوروبية وتجربة الولايات المتحدة الأمريكية. رغم أن بعض مؤسسي المدرسة السلوكية مثل جبراييل الموند، يرفضون فكر ما بعد الحداثة ويدعون للتمسك بالحداثة والسلوكية، ويعتبر الموند أن الأزمة هي سياسية، وليست أزمة فكرية في نظرية التنمية ([77] ). ويرجع الدكتور نصر عارف أسباب ظهور فكر ما بعد الحداثة وتجاوز المنظور التنموي السابق إلى عدة أسباب منها: انتهاء الحرب الباردة والصراع الإيديولوجي بين الرأسمالية والاشتراكية، حيث كانت بدايات ظهور دراسات التنمية مرتبطة بالتنافس والصراع على الدول حديثة الاستقلال بين الطرفين، وارتباطها أيضا بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة واهتمامها بالعالم الثالث. كما كان هناك عدم رضا عن مقاربات التنمية من جانب مفكري العالم الثالث، لتحيزها وعدم ملائمتها لظروف العالم الثالث، عدا عن فشل التجارب التنموية في كثير من هذه الدول ([78] ).
ومع تشكل النظام العالمي الجديد وبداية مرحلة العولمة، كظاهرة جديدة تشكل نمط سياسي اقتصادي وثقافي للنموذج الغربي، الذي يتجاوز الحدود والسيادة والدول، وتأثيراتها على المجتمعات الأخرى، فقد تأثرت نظرية التنمية بمكوناتها وموضوعاتها وقضاياها واليات العمل التنموي عامة. حيث تم تبني مفاهيم ومضامين جديدة في الخطاب التنموي، ارتباطا بالتغييرات السياسية والاقتصادية على الصعيد العالمي، مثل التنمية المستديمة التي تركز على تلبية حاجة الأجيال الحالية دون المس بفرص الأجيال القادمة على تحقيق احتياجاتها، وتحقيق الحفاظ على البيئة، وعدم هدر المصادر واستنزافها. كما برزت حقول جديدة استحوذت على اهتمام العلوم السياسية، مثل المجتمع المدني في مواجهة الدولة، ودوره في التنمية وتحقيق الديمقراطية ([79] ). هذا إضافة إلى تزايد تأثير المؤسسات الدولية التي تقدم المعونات لدول العالم الثالث، وتأثير هذه المؤسسات وفلسفتها القائمة على اقتصاد السوق ودوره الرئيسي في تحقيق التنمية، وبرامج الإصلاح وإعادة الهيكلة لتوفير بيئة مؤاتية لجعل السوق أكثر فاعلية، حيث ترى أن الاقتصاد يجب أن يكون من مهام القطاع الخاص وليس من مسؤوليات الدولة. حيث كانت دول العالم الثالث قد تبنت استراتيجيات التنمية المعتمدة على الدولة التي تقوم بالتخطيط والتنفيذ والسيطرة على الموارد وتخصيصها وتوزيعها. لكن حصل تغير على تلك السياسات، حيث أصبحت مهمة الدولة ميسر ومنظم للخدمات بدلا من تقديمها ([80] ). وبصورة عامة صار التركيز على التنمية الاقتصادية كمحور ضروري لتحقيق التنمية بشكل عام، وأصبحت المتغيرات السياسية تابعة للمتغير الاقتصادي، والإصلاح الهيكلي والخصخصة تشكل أساس التحول الديمقراطي والمشاركة والتعددية. كما أن مفهوم العالم الثالث قد تراجع وانتهى تقريبا، حيث أصبح الحديث عن عالم واحد بعد انتشار نموذج ونمط الإنتاج الرأسمالي وتبنيه من دول العالم المختلفة ([81] ).
وتبنى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أيضا مفهوما جديدا للتنمية يركز على جوانب أكثر اتساعا وشمولا من الجانب الاقتصادي للتنمية، وهو ما عرف بالتنمية البشرية، التي تركز على البشر كهدف للتنمية، مع انه يعتبر أن النمو الاقتصادي وزيادة الدخل هو وسيلة ضرورية لتحقيق الجوانب المختلفة للتنمية البشرية. وهنا تعرف التنمية البشرية على أنها عملية زيادة خيارات البشر وزيادة قدراتهم وإمكانياتهم، بتوفير فرص أوسع أمامهم للتمتع بحياة طويلة وصحية، والحصول على المعرفة والتعليم، والوصول إلى الموارد الضرورية للعيش بمستوى حياة كريمة، وضمان التمتع بالحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية،وضمان احترام حقوق الإنسان. ولقياس التنمية البشرية، ركز التقرير على ثلاث عناصر ضرورية لحياة البشر وهي: حياة صحية مديدة، تقاس من خلال عمر الإنسان المتوقع عند الولادة، والمعرفة التي تقاس بالإلمام بالقراءة والكتابة ونسبة الالتحاق بالتعليم بمراحله المختلفة، ومستوى المعيشة اللائق، الذي يقاس بالناتج المحلي الإجمالي للفرد ([82] ). وفي التقارير السنوية اللاحقة كان التركيز يتم على العوامل المهمة والأبعاد الضرورية للتنمية البشرية، مثل تمويل التنمية، والبعد العالمي للتنمية، ودور المواطنين وأهمية مشاركتهم في العمليات التي تؤثر في حياتهم. كما ناقشت تقارير أخرى مواضيع الفروقات الجنسانية بين الرجل والمرأة في التنمية البشرية، وتم وضع مقياس خاص لقياس الفجوة في استفادة الجنسين من ثمار التنمية. إضافة إلى الاهتمام بتمكين النساء ومشاركتهن في الحياة الاقتصادية والسياسية، ونقاش تأثير العولمة والتكنولوجيا والتعاون الدولي والتجارة والأمن، وأهمية الديمقراطية والتنوع الثقافي، وحقوق الإنسان والنمو الاقتصادي في الوصول إلى معدلات مرتفعة للتنمية البشرية ([83] ).
كما أن الأمم المتحدة تعتبر أن تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز تنمية البشر ترتبط بالحكم الرشيد، حيث أن التنمية البشرية لا تصبح عملية متواصلة ومستديمة بدون إيجاد الحكم الرشيد أو الحكم الجيد. وترى الأمم المتحدة أن إدارة الحكم كممارسة للسلطة السياسية والاقتصادية والإدارية في تسيير المجتمع على كافة المستويات، يشمل الآليات والعمليات والمؤسسات التي من خلالها يقوم الأفراد والجماعات بالدفاع عن مصالحهم وممارسة حقوقهم والتزاماتهم. والحكم هنا يشمل الدولة التي تهيئ البيئة السياسية والقانونية المناسبة، والقطاع الخاص الذي يوفر التشغيل والدخل، والمجتمع المدني الذي يشكل إطارا للتفاعل السياسي والاجتماعي بين الناس والدولة، ووسيط للمشاركة وإيصال المطالب والتعبير عن المصالح. وترى أن الحكم الجيد يتصف بسمات معينة، حيث يقوم على المشاركة في صنع القرار من خلال مؤسسات تمثل مصالح الناس، وسيادة القانون وتنفيذه بعدالة، والشفافية في عمل مؤسسات الحكم المختلفة بحيث تتوفر المعلومات الكافية لفهم عملها. كما أن من سماته الاستجابة، بحيث تسعى المؤسسات لخدمة جميع الأطراف ومصالحهم، إضافة إلى الإنصاف وإتاحة فرص متساوية للناس جميعا بتحسين حياتهم. وضرورة أن تتصف مؤسسات الحكم بالفاعلية والكفاءة بحيث تكون نتائج أعمالها قادرة على تلبية المطالب والاحتياجات، باستخدام الموارد المتاحة بكفاءة عالية. كما أن الحكم الجيد يقوم على التوازن بين المصالح المتعددة، ويسعى لبناء توافق لتحقيق مصالح مختلف الأطراف، إضافة إلى ضرورة أن تخضع أطراف الحكم وصناع القرار فيها إلى المساءلة الداخلية والخارجية. ومن المهم أيضا أن يكون لدى أطراف الحكم رؤية طويلة الأمد للحكم الرشيد والتنمية المستدامة وشروطها واحتياجاتها والبيئة المحيطة بها ([84] ).
وترى الأمم المتحدة أن هناك دور متميز لكل طرف من أطراف الحكم في تدعيم التنمية البشرية المستديمة، عدا عن التعاون والشراكة والتعزيز المتبادل بينها. والدولة هي السلطة المفوضة بالسيطرة وممارسة القوة، وتقع عليها مهمة توفير الخدمات العامة بصورة فعالة لمواطنيها، وإيجاد بيئة تيسر التنمية البشرية، من خلال وضع القوانين والإجراءات الفعالة للأنشطة العامة والخاصة. كما تضطلع بضمان الاستقرار والعدالة في السوق واستقرار الاقتصاد، وتوفير الموارد والبنية الأساسية، والحفاظ على الأمن والنظام والسلم الاجتماعي. كما عليها تمكين مواطنيها من خلال توفير فرص المشاركة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهذا يحتاج إلى وجود هيئات ونظم تشريعية وقضائية وانتخابية تعمل بشكل فعال وسليم. لكن التوجه اليوم على المستوى العالمي يؤدي بالدولة إلى تقليص دورها وإعادة تحديده وتشكيله في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ([85] ).
ويضطلع القطاع الخاص أيضا بدور محوري في التنمية المستدامة، حيث ينظر له اليوم بأنه المصدر الأساسي للعمالة المنتجة، وتحسين الدخل الذي يعتبر العامل المهم لتحقيق تلك التنمية. إلا أن نمو القطاع الخاص وقيامه بدوره يحتاج إلى دور الدولة بتوفير البيئة الاستثمارية المناسبة والحفاظ على استقرار الاقتصاد وضمان الأسواق التنافسية، وفرض القانون وتقديم الحوافز لتنمية الموارد البشرية. كما أن المجتمع المدني يوفر آلية مهمة لمشاركة الناس في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي التأثير على السياسة العامة وصنع القرار. وعليه فان ضمان التنمية البشرية المستديمة يحتاج إلى تفاعل دوائر الحكم الثلاثة، وإقامة نظام سياسي يشجع الحكومة والقادة السياسيين وقطاع الأعمال التجارية والمجتمع المدني على صياغة أهداف تركز على الناس وتسعى لتحقيقها، وتعزيز توافق الآراء حول تلك الأهداف ([86] ).
البنك الدولي كمؤسسة عالمية أصبح لها دور متزايد في تقديم المشورات والنصائح لدول العالم الثالث خاصة في قضايا التنمية والمساعدات، يقدم رؤية بأن التنمية بالمفهوم الواسع إضافة إلى جانبها الاقتصادي كزيادة مستمرة في مستويات المعيشة، تتضمن خصائص أخرى. أهم جوانب التنمية بالمفهوم الواسع هو توفير فرص أكثر عدالة للناس في كافة المجالات، وضمان الحريات السياسية والحريات المدنية للمواطنين. ويرى أن هذا الهدف موجود منذ سنوات الخمسينيات، ولم يطرأ عليه تغير جوهري، لكن التغيير حصل على الاعتقاد المبكر في قدرة الدولة على قيادة التنمية وتوجيهها، وأصبح الاعتماد أكثر على الأسواق في هذه المهمة. وقامت العديد من الدول بإجراء إصلاحات السوق، والاقتناع بان التنمية هي عملية متعددة الأبعاد، تتكامل فيها عملية إصلاح الأسعار والاستثمار، وبناء المؤسسات. وصار تدخل الدولة الاقتصادي الواسع وفاعليته عرضة للانتقاد، وان التجربة تقول أن من الأفضل أن يكون دورها متمم وداعم للقطاع الخاص ( مثل توفير خدمات البنية التحتية والتعليم والصحة والأبحاث ) على أن يكون منتجا للسلع أو مديرا لقطاعات اقتصادية معينة. كما أن الحريات السياسية والمدنية مهمة لتحقيق الأهداف التنموية ([87] ).
ويرى البنك الدولي أن الدولة لها دورها المهم في التنمية، لكن دورها له حدود أيضا، على ضوء ما شهدته فترة التسعينيات من القرن الماضي من انهيار الاقتصاد الموجه، والأزمة المالية التي واجهتها دولة الرفاهية الغربية، ودور الدولة المحوري في تنمية وتطور دول شرق آسيا، وانهيار بعض الدول في العالم. ويرى أن العامل المحدد في تلك التطورات المتعارضة هو فاعلية الدولة. حيث أن وجود الدولة الفعالة مهم وأساسي لتوفير السلع والخدمات، والقواعد والمؤسسات التي توفر للسوق النمو والازدهار، ولان يعيش الناس حياة أفضل. حيث انه لا يمكن تحقيق تنمية مستديمة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بدون الدولة الفعالة. وكانت النظرة السابقة أن الدولة هي التي تتحمل مهمة تحقيق التنمية، لكن في الوضع الجديد يعتبر دور الدولة في التنمية محوري، لكن ليس بوصفها الجهة التي تحقق التنمية، بل كشريك وعاملا محفزا ، وأداة تيسر التغيير ([88] ). ويرى بأنه يجب زيادة قدرة الدولة عن طريق تفعيل المؤسسات العامة وزيادة حيويتها، بوضع قواعد وقيود تحد من التصرفات التحكمية للدولة، ومكافحة الفساد، وإخضاع مؤسسات الدولة للمنافسة لزيادة كفاءتها ، وتحسين الحوافز والرواتب، وان تصبح أكثر استجابة لاحتياجات المواطنين، وتوسيع مشاركتهم. ويرى أن هناك مهام جوهرية على الدولة أن تقوم بها لتحقيق التنمية المستديمة التي يستفيد منها الجميع. وهذه المهام تشمل إرساء القانون، وتوفير بيئة سليمة للسياسات، والاستثمار في توفير الخدمات الاجتماعية والبنية الأساسية، وحماية الضعفاء وحماية البيئة ([89] ).
ويعتبر البنك الدولي مثله مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الحكم الجيد هو عامل وأداة رئيسية لتحقيق التنمية البشرية المستديمة, ويرى في احد تقاريره عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن التنمية في المستويات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في هذه المنطقة، يتم إعاقتها بسبب ضعف إدارة الحكم العامة، التي تعتبر الأضعف مما هي عليه في بقية أنحاء العالم. ويرى أن الحكم الجيد يقوم على ركيزتين هما، التضمينية والمساءلة. حيث التضمينية تقوم على مفهوم المساواة، التي تعني إفساح المجال لكل من يريد أو له مصلحة في المشاركة بإدارة الحكم، بصورة متساوية مع الجميع. كما تشمل معاملة جميع المواطنين بشكل متساو أمام القانون وبدون تمييز، وإتاحة فرص متساوية للاستفادة من الخدمات المقدمة من الحكومة. والمساءلة تتعلق بمفهوم التمثيل الشعبي، أي أن من يتم اختياره للحكم، يجب أن يخضع للمساءلة من قبل الشعب. والمساءلة ترتكز على الشفافية، أي توفير المعلومات والشفافية في آليات الحكم، إضافة إلى وجود حوافز على أداء المهام، وهذه تأتي من اختيار الموظفين على قاعدة التنافس والكفاءة. ويعتبر أن تحسين إدارة الحكم يجب أن تتم في عدة نواحي وإجراءات: إجراءات لتحسين التضمينية، وأخرى لتعزيز المساءلة الداخلية، وإجراءات لتحسين المساءلة الخارجية، والفصل المتوازن بين السلطات لتقوية المساءلة الداخلية، وإصلاحات إدارية لتعزيز المساءلة الداخلية. وتقوم الإجراءات تلك على عناصر مختلفة، مثل توفير الحريات، وحق المشاركة، والعدل في توزيع الخدمات، ونشر المعلومات وتوفير إعلام حر ومستقل، وتقوية السلطة التشريعية، واستقلال السلطة القضائية، وتقوية وإصلاح أجهزة الدولة الإدارية والمقدمة للخدمات ([90] ).
وبعد التحولات الكبرى التي شهدها النظام السياسي والاقتصادي العالمي في العقد الأخير من القرن العشرين، أكدت عدة منظمات ومؤسسات عالمية تهتم بمجال التنمية، على الربط بين النجاح في تحقيق التنمية ونوعية الحكم، وفاعليته، حيث أن أسلوب الحكم الرشيد له تأثير كبير في التنمية. وترى منظمة اليونسكو أن هناك ترابط بين الديمقراطية والتنمية، ذلك أن التنمية المستديمة والعادلة تعتمد بصورة وثيقة على الديمقراطية، كما لا يمكن الحفاظ على الديمقراطية الحقيقية التي تتميز بسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان ، بدون أن يتمتع الناس بمستوى معقول من المعيشة، الذي يتطلب توفر حد أدنى من التنمية ([91] ). بل إن التكامل بين الحق في التنمية والحق في الديمقراطية مسألة ليست جديدة، حيث جرى التطرق له في ميثاق الأمم المتحدة، والمعاهدات الدولية، وإعلان 1986 الخاص بالحق في التنمية، والاتفاقية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وترى اليونسكو أيضا أن أسبقية القانون في الدولة، هو الآلية التي من خلالها يتم الربط بين التنمية والديمقراطية. ذلك أن أسبقية القانون تستند إلى سيادة المبادئ العامة للقانون، والى مفهوم العدالة في المجتمع، وهذا منبع أهميتها للحكم الديمقراطي. وفيما يتعلق بممارسة السلطة تستدعي أسبقية القانون توافر الشرعية، والشفافية، والمساءلة، وهي عوامل تحتل أهمية رئيسية للعملية الديمقراطية ولعملية التنمية ([92] ).
نرى من الاستعراض السابق لما حدث من تغير على نظرية التنمية ومفهومها ومداخلها ومقارباتها، أن هناك تراجع في الاهتمام بموضوع التنمية السياسية كموضوع متخصص ومنفصل، وأصبح التوجه أكثر تركيزا على التنمية بمفهومها الشامل والأوسع، بحيث يتم البحث في ترابط مختلف جوانب التنمية، مع التركيز على الجانب الاقتصادي، واعتبار سياسة السوق والخصخصة والتنافس وعدم تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية، من أساسيات التنمية. أما قضايا ومواضيع التنمية السياسية فصار يتم تناولها بصورة غير مباشرة، من خلال مؤشرات المشاركة، والديمقراطية، وفصل السلطات وتخصصها، كمتغيرات في الحكم الصالح، الذي يعتبر ضروري لخلق بيئة ملائمة لعمل السوق، والنشاط الاستثماري الخاص. ويعتبر إخراج الدولة من النشاط التنموي، واقتصار دورها على الحماية والتنظيم والدعم، لتوفير الظروف المناسبة لعمل السوق، من أساسيات سياسات الإصلاح الليبرالية الجديدة، التي أصبحت تتبناها العديد من المؤسسات الدولية. كما أن التوجه هو في زيادة دور مؤسسات المجتمع المدني، والمجتمعات المحلية في مشاركة الدولة في توفير الخدمات، أو تقديم المساعدات للمواطنين الذين لم تتح لهم الفرصة في الاستفادة من ثمرات السوق، ولا من موارد الدولة. إضافة إلى أن الدعوة إلى الديمقراطية، والمشاركة السياسية تركز على آلية الانتخابات الدورية كحقوق فردية وليست كحقوق مواطنة، وتتجه لإصلاح البنية السياسية والاقتصادية القائمة بصورة تدريجية. كما أن تبني قضايا الحكم الجيد والإصلاح المؤسساتي على صعيد الدولة والنظام السياسي، تنطلق من مدى خدمتها لسياسات الخصخصة والانفتاح واقتصاد السوق والتنافس، وليس من باب الاهتمام ببناء نظام سياسي فعال وكفؤ ويمتلك القدرة على تلبية المطالب المتنوعة والمتغيرة للمجتمع. كما أن الخيارات أمام البشر تصبح محدودة بل ومعدومة، إذا لم تتوفر وسائل وموارد تلبية الحاجات الأساسية والضرورية للناس، وبالتالي لا يستطيعون زيادة قدرتهم وإمكانياتهم وفرصهم في التمتع بمستوى معيشة لائق، ولا بحياة صحية ومديدة، ولا بمستوى معرفة وتعليم يمكنهم ويزيد من فرص انخراطهم ومشاركتهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

[1]- هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، ترجمة حمدي عبد الرحمن، محمد عبد الحميد، الطبعة الأولى، عمان، المركز العلمي للدراسات السياسية، 2001، ص 21.

[2]- المصدر نفسه، ص 16.

[3]- شراب، ناجي صادق، التنمية السياسية، دراسة في النظريات والقضايا، الطبعة الثانية، غزة، مكتبة دار المنارة، 2001، ص (64، 85، 91 )، غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، الطبعة الأولى، القاهرة، دار الفجر للنشر والتوزيع، 2003، ص، ص ( 71- 72 ).

[4]- عارف، نصر محمد، نظريات التنمية السياسية المعاصرة، دراسة نقدية مقارنة في ضوء المنظور الحضاري الإسلامي، فرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، 1992، ص، ص ( 64- 65 ).

[5]- هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 15.

[6]- المصدر نفسه، ص 44.

[7]- غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص ( 73، 77 ).

[8]- دود، س، ه، التنمية السياسية، ترجمة عبد الهادي الجوهري، القاهرة، مكتبة نهضة الشرق، 1987، ص 18.

[9]- غانم، السيد عبد المطلب، دراسة في التنمية السياسية، القاهرة، مكتبة نهضة الشرق، 1981، ص 16.

[10]- عارف، نصر محمد، نظريات التنمية السياسية المعاصرة، دراسة نقدية مقارنة في ضوء المنظور الحضاري الإسلامي، مصدر سبق ذكره، ص (163، 169، 170 ).

[11]- هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 45.

[12]- المصدر نفسه، ص 47.

[13]- غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 86 – 88 ).

[14]- غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 95 – 96 ).

[15]- هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 42.

[16]- المصدر نفسه، ص، ص ( 43 – 47 ).

[17]- عارف، نصر محمد، إبستمولوجيا السياسة المقارنة، النموذج المعرفي – النظرية – المنهج، الطبعة الأولى، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2002، ص، ص ( 204- 206 ).

[18]- هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 48 – 50 )، شراب، ناجي صادق، التنمية السياسية، دراسة في النظريات والقضايا، مصدر سبق ذكره، ص 111.

[19]- هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 51- 53 ).

[20]- هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 56- 57 ).

[21]- المصدر نفسه، ص، ص ( 61- 64 ).

[22]- المصدر نفسه، ص، ص ( 84 – 85 ).

[23]- مهنا، محمد نصر، في النظام الدستوري والسياسي: دراسة تطبيقية، الطبعة الأولى، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، 2005، ص 135.

[24]- غانم، السيد عبد المطلب، دراسة في التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره ص، ص ( 68 – 69 )، شراب، ناجي صادق، التنمية السياسية، دراسة في النظريات والقضايا، مصدر سبق ذكره، ص 44.

[25]- غانم، السيد عبد المطلب، دراسة في التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 70 – 73 )، شراب، ناجي صادق، التنمية السياسية، دراسة في النظريات والقضايا، مصدر سبق ذكره، ص، ص (45- 46 ).

[26]- جابرييل، الموند، ج بنجهام باول الابن، السياسة المقارنة، دراسات في النظم السياسية العالمية، ترجمة احمد عناني، القاهرة، دار الطباعة القومية، 1980، ص 107.

[27]- غانم، السيد عبد المطلب، دراسة في التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 117 – 119 ).

[28]- جابرييل، الموند، ج بنجهام باول الابن، السياسة المقارنة، دراسات في النظم السياسية العالمية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 22- 23 ).

[29]- غانم، السيد عبد المطلب، دراسة في التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص (76 )، وهبان، احمد، التخلف السياسي وغايات التنمية السياسية، رؤية جديدة للواقع السياسي في العالم الثالث، مصدر سبق ذكره، ص ( 14 )، شراب، ناجي صادق، التنمية السياسية، دراسة في النظريات والقضايا مصدر سبق ذكره، ص (111 ).

[30]- غانم، السيد عبد المطلب، دراسة في التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 76 – 77 ).

[31]- غانم، السيد عبد المطلب، دراسة في التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 74.

[32]- س. ه. دود، التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 20.

[33]- الموند، جابرييل، ج بنجهام باول الابن، السياسة المقارنة، دراسات في النظم السياسية العالمية، مصدر سبق ذكره، ص 16، عارف، نصر محمد، نظريات التنمية السياسية المعاصرة، دراسة نقدية مقارنة في ضوء المنظور الحضاري الإسلامي، مصدر سبق ذكره، ص 81.

[34]- عارف، نصر محمد، نظريات التنمية السياسية المعاصرة، دراسة نقدية مقارنة في ضوء المنظور الحضاري الإسلامي، مصدر سبق ذكره، ص 175.

[35]- الموند، جابرييل، ج بنجهام باول الابن، السياسة المقارنة، دراسات في النظم السياسية العالمية، مصدر سبق ذكره، ص، ص (199- 200 ).

[36]- غانم، السيد عبد المطلب، دراسة في التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 142.

[37]- الموند، جابرييل، ج بنجهام باول الابن، السياسة المقارنة، دراسات في النظم السياسية العالمية، مصدر سبق ذكره، ص، ص (298- 299 )، غانم، السيد عبد المطلب، دراسة في التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 77.



[38]- غانم، السيد عبد المطلب، دراسة في التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 57 – 58 )، وهبان، أحمد، التخلف السياسي وغايات التنمية السياسية، رؤية جديدة للواقع السياسي في العالم الثالث، مصدر سبق ذكره، ص، ص (17– 18 )، شراب، ناجي صادق، التنمية السياسية، دراسة في النظريات والقضايا مصدر سبق ذكره ، ص، ص ( 34 – 39 ).

[39]- وهبان، أحمد، التخلف السياسي وغايات التنمية السياسية، رؤية جديدة للواقع السياسي في العالم الثالث، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 86- 87 )

[40]- وهبان، احمد، التخلف السياسي وغايات التنمية السياسية، رؤية جديدة للواقع السياسي في العالم الثالث، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 143 – 144 ).

[41]- غانم، السيد عبد المطلب، دراسة في التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 54 – 55 ).

[42]- هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 50.

[43]- ف. كيللي، م. كوفالزون، المادية التاريخية، تعريب احمد داود، دمشق، دار الجماهير، 1978، ص، ص (46- 49)

[44]- علي غربي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 118 – 119 ).

[45]- ف. كيللي، م. كوفالزون، المادية التاريخية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 81 – 83 ).

[46]- ف. كيللي، م. كوفالزون، المادية التاريخية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 83 – 84 ).

[47]- المصدر نفسه، ص 181.

[48]- علي غربي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 119 – 120 ).

[49]- المصدر نفسه، ص 121.

[50]- المصدر نفسه، ص، ص ( 124 – 126 ).

[51]- عامل، مهدي، مقدمات نظرية لدراسة اثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني، القسم الثاني، في نمط الإنتاج الكولونيالي، الطبعة الثانية، بيروت، دار الفارابي، 1978، ص، ص ( 36 – 38 ).

[52]- علي غربي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 126 – 127 ).

[53]- س. ه. دود، التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 24 – 31 ).

[54]- عامل، مهدي، مقدمات نظرية لدراسة اثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني، القسم الثاني، في نمط الإنتاج الكولونيالي، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 191 – 192 ).

[55]- هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 93 – 94 ).

[56]- شراب، ناجي صادق، التنمية السياسية، دراسة في النظريات والقضايا، مصدر سبق ذكره، ص 91، هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 91.

[57]- هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص (94 – 95 ).

[58]- المصدر نفسه، ص 99.

[59]- صايغ، يوسف، التنمية العصية من التبعية إلى الاعتماد على النفس في الوطن العربي، الطبعة الأولى، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1992، ص 78.

[60]- غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 133 – 134 ).

[61]- شراب، ناجي صادق، التنمية السياسية، دراسة في النظريات والقضايا، مصدر سبق ذكره، ص 93.

[62]- هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 59 – 96 ).

[63]- غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 137 – 138 ).

[64]- غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 139 – 140 ).

[65]-غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص 143، هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 113.

[66]- غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص 151.

[67]-غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 155 – 158 )، هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 117.

[68]- غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 152 – 153 ).

[69]- غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص، 145، هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 100.

[70]- غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص، 138، 148، 149.

[71]- غربي، علي وآخرون، تنمية المجتمع من التحديث إلى العولمة، مصدر سبق ذكره، ص 154.

[72]- عارف، نصر محمد، مفهوم التنمية.. إعادة الاعتبار للإنسان، 14/2/2004، على الشبكة الالكترونية: https://www.islamonline.net/arabic/mafaheem/2004/02/article01.shtml

[73]- س. ه. دود، التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 15 – 16 ).

[74]- عارف، نصر محمد، العقوبات والمعونات، دراسة في عمليات إعاقة التنمية، السياسة الدولية، عدد 139، يناير 2000، ص، ص ( 32-33 ).

[75]- عارف، نصر محمد، نظرية التنمية في ما بعد الحداثة، في هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص 180.

[76]- المصدر نفسه، ص 182.

[77]- المصدر نفسه، ص، ص (187 – 188).

[78]- المصدر نفسه، ص، ص (190 – 193).

[79]- عارف، نصر محمد، نظرية التنمية فيما بعد الحداثة، في هيجوت، ريتشارد، مصدر سبق ذكره، ص، ص (196 – 202).

[80]- البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1997، الدولة في عالم متغير، ص 2.

[81]-عارف، نصر محمد، نظرية التنمية فيما بعد الحداثة، في هيجوت، ريتشارد، مصدر سبق ذكره، ص، ص ( 203- 209 ).

[82]- United Nations Development Program, Human Development Report 1990,New Yourk,Oxford University Press, 1990, page 10-12.

[83]- من عناوين تقارير التنمية البشرية السنوية على موقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الالكتروني:
hdr.undp.org/xmlsearch/reportSearch?y=*&c=g&t=*&k=&orderby=year

[84]- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إدارة الحكم لخدمة التنمية البشرية المستدامة، وثيقة للسياسات العامة، نيويورك، كانون ثاني، يناير 1997، ص، ص ( 5- 10).

[85]- المصدر نفسه، ص، ص ( 11- 13 ).

[86]-المصدر نفسه، ص، ص ( 13- 16 ).

[87]- World Bank, World Development Report 1991, The Challenge of Development, New York, Oxford University Press, page 31.

[88]- البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1997، الدولة في عالم متغير، 1997، ص 1.

[89]- البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1997، الدولة في عالم متغير، مرجع سابق، ص 2.

[90]- البنك الدولي، الحكم الجيد لأجل التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ملخص، 2003، ص، ص ( 2- 3، 20- 24 )، على الموقع الالكتروني: siteresources.worldbank.org/INTMENA/Publications/20261842/GovernOverviewArab.pdf

[91]- غالي، بطرس بطرس، التفاعل بين الديمقراطية والتنمية، منظمة اليونسكو، 2003، ص 5، على الموقع الالكتروني: https://unesdoc.unesco.org/images/0013/001323/132343a.pdf

[92]- نفس المرجع، ص، ص ( 11- 12 ).
رد مع اقتباس
  #2  
قديم September 27, 2008, 04:03 PM
 
رد: التنمية السياسية

شكرا كثير على هذا الجهد الطيب
رد مع اقتباس
  #3  
قديم February 21, 2018, 09:58 AM
 
رد: التنمية السياسية

مشكور
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التنمية, السياسية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الاغتيالات السياسية مجموعة أنسان قناة الاخبار اليومية 13 March 23, 2009 11:11 PM
ما اصل نجمة داوود السداسية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ meriem ahmed معلومات ثقافيه عامه 12 February 16, 2009 04:53 PM
المشاركة في الحياة السياسية الريح العاصف كتب السياسة و العلاقات الدوليه 6 December 10, 2008 01:58 AM
العلوم السياسية يوسف عشماوي أرشيف طلبات الكتب 36 December 7, 2008 11:29 AM
ارجوكم ساعدوني بحث حول دور التنمية السياسية عاجل زينوبة بحوث علمية 2 May 18, 2008 10:56 AM


الساعة الآن 11:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
المقالات والمواد المنشورة في مجلة الإبتسامة لاتُعبر بالضرورة عن رأي إدارة المجلة ويتحمل صاحب المشاركه كامل المسؤوليه عن اي مخالفه او انتهاك لحقوق الغير , حقوق النسخ مسموحة لـ محبي نشر العلم و المعرفة - بشرط ذكر المصدر